شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، كَأَفْضَلِ مَـا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَد مِنْ خَلْقِكَ قَبْلَهُ ، وَأَنْتَ مُصَلٍّ عَلَى أَحَد بَعْدَهُ ، وَآتِنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنِي بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ النَّارِ. (٤٢)

٢٠١

(١) قوله عليه السلام : وبلّغ بايماني

الباء زائدة : إذ المعنى بمالي من إيماني أكمل الإيمان.

(٢) قوله عليه السلام : ولا تبتليني

الواو للحال ، فيكون «لا» للنفي.

(٣) قوله عليه السلام : وعبّدني

أي : وذلّلني واستعملني في العبادة لك.

(٤) قوله عليه السلام : بذلة

البذلة بكسر الموحّدة وتسكين المعجمة من الثياب ما يمتهن ، أي : يلبس في الخدمة. واستعارتها للعمر حسنة لطيفة ما أحسنها وألطفها. والمعنى : (١) ما كان عمري كلباس الخدمة مستعملاً في طاعتك.

(٥) قوله عليه السلام : مرتعاً

ما أحسن هذه الإستعارة وأبلغها من وجوه.

(٦) قوله عليه السلام : أو يستحكم غضبك

أي : يقوم ويحقّ ويثبت ويلزم. يقال : أحكمته فاستحكم أي : صار محكوماً (٢) مدعوماً قويّاً ثابتاً رصين الأعضاء متين الأركان ، فهو مستحكم بالكسر على اسم الفاعل ، وبفتح الكاف فيه على البناء للمفعول خطأ صريح من أهوام العوام ، وغلط فضيح من أغلاط العامّة ، شاع في مخاطباتهم وفشا في محاوراتهم ، لا عن منشأ في لغة العرب ، ولا عن مأخذ

__________________

١. في «س» : بمعنى.

٢. في «ن» : محكماً.

٢٠٢

في كتب الأدب.

قال المطرّزي في كتابيه المعرف والمغرب : أحكم الشيء فاستحكم وهو مستحكم بالكسر لا غير ، ومنه النوم في الركوع لا يستحكم. (١)

وأطبق الأدبيّون على مثل قوله. فاستقم وثبّت ولا تكن من الجاهلين.

(٧) قوله عليه السلام : لا تدع خصلة تعاب منّي إلا أصلحتها

«منّي» متعلّقة بخصلة ، أو بـ«لا تدع». والتقدير لا تدع خصلة منّي تعاب ، أو لا تدع منّي خصلة تعاب إلّا أصلحتها ، والأخير أعذب وأصواب لا يتعاب ، فإن عابها منّي غير صحيح في اللغة ، ولا بشايع في الإستعمال ، بل الصحيح السائغ الشائع عابني بها أو عليها. وعاب في اللغة متعدّ بنفسه ، ياقل : عابه يعيبه فهو معيب ، وقد يجىء لازماً ، فيقال : عاب أي : صار ذا عيب وعيب فهو معيوب أي : به عيب ، كما يقال : عيه فهو معيوه أي : به عاهة ، وجنّ فهو مجنون أي : به جنون.

(٨) قوله عليه السلام : ولا عايبة

بالياء لا بالهمز أصحّ رواية لا دراية.

(٩) قوله عليه السلام : اُونّب بها

إنّما المضبوط والمأخوذ عن الأشياخ هاهنا بالواو ، والأصل فيه الهمز من أنبه يؤنبه تأنيباً ، لامه ووبّخه وعنّفه.

قال ابن الأثير : التأنيب المبالغة في التعنيف والتوبيخ. (٢) وهو خلاف المشهور عند جماهير الأدبيّين.

(١٠) قوله عليه السلام : ولا اُكرومة في ناقصة

اُكرومة اُفعولة من الكرم ، أي : ولا اُكرومة من كرائم الأخلاق في ناقصة أي : في درجة ناقصة. من نقص الشيء نقصاً ونقصاناً فهو ناقص.

__________________

١. المغرب : ١ / ١٣٣.

٢. نهاية ابن الأثير : ١ / ٧٣.

٢٠٣

أو أي : في ملابسة شائبة من شوائب الرذائل تشينها وتنقصها وتحطّها عن درجة الكمال ومرتبة التمام ، من نقصت الشيء نقصاً فهو منقوص ، ومنه في التنزيل الكريم : (نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ). (١)

(١١) قوله عليه السلام : إلّا أتممتها

أي : إلّا أخرجتها عن درجة النقصان ، وأكملت درجتها في التمام والكمال ، أو أي : إلّا نزّهتها عن ملابسة تلك الرذيلة التي تشينها وتنقصها وتحطّ درجتها ومرتبتها.

هذا إذا حملنا «ناقصة» على اسم الفاعل. وأمّا إذا حملناها على المصدر ـ إذ فاعله من أوزان المصدر كما الفاتحة والعاقبة والكاذبة ـ فاملعنى ولا اُكرومة في نقصان إلّا أزحت نقصانها وأتممت كمالها.

ومن القاصرين في عصرنا من لم يكن ليستطيع إلى إدراك الغامضات والفصية عن مضائق المعضلات سبيلاً ، فحرّفها إلى «فيّ ناقصة» بإضافة «في» إلى ياء المتكلّم والتشديد للإدغام ، ونصب «ناقصة» على أنّ هي صفة «اُكرومة» المنصوبة على المفعوليّة ، ففشا ذلك التحريف في النسخ الحديثة المستنسخة ، ولم يفطن لما فيه من الفساد من وجهين :

الأوّل : أنّ قضيّة العطف على خصلة في الجملة الاُولى مقتضاها أنّ تقدير الكلام : ولا تدع منّي اُكرومة فيّ ناقصة ، فيجتمع منّي وفيّ ، فيرجع إلى هجنة وخيمة.

الثاني : أنّ الفصل بين الموصوف والصفة بالجارّة ومجرورها ـ أعني «فيّ» ـ ممّا يعدّ هجيناً ، فلا تكن من القاصرين.

(١٢) قوله عليه السلام : أهل الشئنآن

شنأه شناءة وشنآناً بالتحريك وشناناً بالتسكين أبغضه ، وقرىء بهما قوله تعالى (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ). (٢)

قال الجوهري : وهما شاذّان ، فالتحريك شاذّ في المعنى ؛ لأنّ فعلان إنّما هو من بناء ما كان

__________________

١. سورة هود : ١٠٩.

٢. سورة المائدة : ٢.

٢٠٤

معناه الحركة والإضطراب والتسكين شاذّ في اللفظ ، لأنّه لم يجىء شيء من المصادر عليه. وقال أبو عبيدة : الشنآن بغير همز مثل الشنئان بالهمز والمدّ. (١)

(١٣) قوله عليه السلام : ظنّة أهل الصلاح الثقة

أي : من تهمتهم وسوء الظنّ بهم الثقة لصلاحهم وأمانتهم.

(١٤) قوله عليه السلام : الولاية

بفتح الواو هاهنا لا غير.

(١٥) قوله عليه السلام : ومن حبّ المدارين

بضمّ الحاء المهملة ، والإضافة : إمّا إضافة إلى الفاعل ، أو إضافة إلى المفعول ، سواء كان المدارين على صيغة الفاعل ، أو على صيغة المفعول.

أي : حبّهم إيّاي ، أو حبّي إيّاهم. ويحتمل أن يكون المعنى من الحبّ الذي هو شأن الذين يدارون ، أو شأن الذين يدارون.

وكذلك القول : في «خب» بالخاء المعجمة المكسورة ، على ما في بعض نسخ الأصل. وأمّا الضبط بضمّ المعجمة فمن أغاليط القاصرين.

والخب بالكسر لا غير مصدر خبّه أي : خدعه ، وأمّا الخبّ بالفتح فهو الرجل الخداع.

(١٦) قوله عليه السلام : حلاوة الامنة

الامنة بالتحريك الأمن ، ومنه في التنزيل الكريم : (أَمَنَةً نُّعَاسًا). (٢)

(١٧) قوله عليه السلام : لمن قصبني

أي : عابني ، قصبه يقصبه ، أي : عابه يعييه ، وأصله القطع ، كأنّ من عاب أحداً فقد قطعه ، أو أنّه قطعه عن كماله ، أو أنّه قطع كمالاً من كمالاته عنه.

وفي «خ» قصمني بالميم مكان الباء : والقصم : الكسر مع الإنفصال على الفصم بالفاء ،

__________________

١. الصحاح : ١ / ٥٧.

٢. سورة آل عمران : ١٥٤.

٢٠٥

فإنّه كسر من دون الإنفصال.

(١٨) قوله عليه السلام : واُغضي عن السيّئة

أي : أحلم وأعفو ، من قولهم : أغضي الليل أي : ستر وأظلم.

(١٩) قوله عليه السلام : واطفاء النائرة

النائرة بين القوم العداوة والشحناء ، وقيل : إطفاء النائرة عبارة عن تسكين الفتنة.

(٢٠) قوله عليه السلام : وسكون الريح

كناية عن الحلم والوقار.

(٢١) قوله عليه السلام : وطيب المخالقة

بإعجام الخاء والقاف بعد اللام. وفي بعض نسخ الأصل : «المحالفة» بإهمال الحاء والفاء بعد اللام ، وطيب المحالفة بالحاء المهملة والفاء حسن المؤاخاة ، وفي الحديث : حالف رسول الله صلّى الله عليه وآله بين المهاجرين والأنصار. (١) أي : آخى بينهم. وطيب المخالقة بالخاء المعجمة والقاف : حسن التخلّق في المعاشرة.

(٢٢) قوله عليه السلام : وترك التعيير

التعيير تفعيل من العار ، وهو كلّ شيء لزم به عيب. وتعاير القوم تعايبوا. وعيّر بعضهم بعضاً ، أي : أنبه ووبّخه. وعاره إذا عابه ، والمعاير المعايب. والصواب عيّره كذا ، والعامّة تقول : عيّره بكذا. وذلك خطأ.

قال في الصحاح : وعايرت المكاييل والموازين عياراً وعاورت بمعنى. يقال : عايروا بين مكاييلكم وموازينكم ، وهو فاعلوا من العيار ، ولا تقل : عيّروا. (٢)

وأصل النسخة بخطّ «ع» ورواية «ش» التقتير بالقاف بين تائين مثنّاتين من فوق والياء المثنّاة من تحت ، وهو المناسب لما في حاشيته ، فليعلم.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ٤٢٤.

٢. الصحاح : ٢ / ٧٦٤.

٢٠٦

(٢٣) قوله عليه السلام : والإفضال

عطف على التعيير أو التقتير ، على اختلاف النسخ.

(٢٤) قوله عليه السلام : إذا نصبت

بكسر الصاد من باب علم يعلم ، أي : إذا تعبت ، من النصب بالتحريك بمعنى التعب.

وفي نسخة «إذا قنيت» بالكسر كرضيت أي : إذا لزمت العبادة ولازمتها ، أو بالفتح كرميت ، أي : إذا طال دوامي في الطاعة ، يقال : قنيت الحياء أي : لزمته ، ويقال : قني له الشيء وقانى له أي : دام.

(٢٥) قوله عليه السلام : إذا رهبت

رهب : بالكسر من باب علم أي : خاف. وفي رواية «س» بالدال مكان الراء على صيغة المجهول ، ودواهي الدهر ما نصبت الناس من فجائع نؤبه. يقال : دهته داهية ودهياء ودهواء أيضاً.

(٢٦) قوله عليه السلام : في روعي

الروع بالضمّ القلب والعقل ، يقال : وقع ذلك في روعي ، أي : في خلدي وبالي ، ومنه الحديث : «إنّ روح الأمين نفث في روعي». وفي بعض الطرق : «نفث روح القدس في روعي». (١)

(٢٧) قوله عليه السلام : والتظنّي

تفعّل من الظنّ بقلب نون الأخيرة ياءاً ، وعني عليه السلام به إعمال الظنّ وإرخاء عنانه.

قوله عليه السلام : هُجر

الهُجر بالضمّ الفحش والهذيان.

(٢٨) قوله عليه السلام : ولا أفتقرنّ

على الإفتعال من الفقر ، وفي «خ» و «كف» اقترن على ضمّ الهمزة للمتكلّم من باب

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٢ / ٢٧٧.

٢٠٧

الإفعال ، يقال : اقترّ الرجل أي : افتقر ، والهمزة للصيرورة (١) أو للدخول.

(٢٩) قوله عليه السلام : ولا أطغينّ

بفتح الهمزة وإسكان الطاء المهملة قبل الغين المعجمة المفتوحة ، أي : لا اُجاوز الحدّ ، يقال : طغى يطغي ويطغو طغياناً ، أي : جاوز الحدّ ، واطّغاه المال جعله طاغياً.

وفي «خ» «لش» (٢) أضيقنّ معاً ، أي : بفتح الهمزة. والمعنى لا أنجلنّ ، من ضاق الرجل أي : نجل. وبضمّها أي : لا أذهبنّ مالي من أضاق ، أي : ذهب ماله.

(٣٠) قوله عليه السلام : الطريقة المثلى

المثلى تأنيث الأمثل ، يقال : فلان أمثل بني فلان ، أي : أفضلهم وأدناهم إلى الخير. وأماثل القوم خيارهم ، والطريقة المثلى السبيل الأقوم.

(٣١) قوله عليه السلام : بالإقتصاد

هو التوسّط بين طرفي الإفراط والتفريط ، والمعبّر عنه بالعدل.

(٣٢) قوله عليه السلام : اللهمّ أنت عدتي

العدة ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ، أي :أنت ذخري الذي أعددته لأيّام الحزن أو الحزونة ، ولأوقات الشدائد ، أو لأوان الفاقة والإفتقار.

(٣٣) قوله عليه السلام : إن حزنت

بفتح الحاء المهملة من الحزونة ضدّ السهولة ، وبضمّها من الحزن خلاف السرور ، يقال : حزنه يحزنه كذا فهو محزون. وحزن بالكسر يحزن بالفتح فهو حزن وحزين.

وفي رواية «ع» و «س» حربت بإهمال الحاء وإسكان الباء الموحّدة بعد الراء المكسورة على صيغة المجهول ، يقال : رحبه يحربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء ، وقد حرب على صيغة المجهول ماله على النصب أي : سلبه ، قاله في الصحاح. (٣)

__________________

١. في «س» : للضرورة.

٢. في «ن» وفي نسخة الشهيد.

٣. الصحاح : ١ / ١٠٨.

٢٠٨

(٣٤) قوله عليه السلام : وأنت منتجعي

على اسم المفعول ، أي : أنت من أرجو فضله واُؤمّل رفده ، من انتجع فلان فلاناً ، أي : طلب معروفه.

وأمّا على نسخة «وإليك فمنتجعي» على اسم المكان ، فمعناه وإليك محلّ انتجاعي وموضع طلبتي.

(٣٥) قوله عليه السلام : كرثت

أي :إن اشتدّت بي الهموم وثقلت عليّ المكاره ، يقال : كرثه الغمّ ، أي : أثقله واشتدّ عليه وبلغ منه المشقّة.

وفي «خ» «ش» و «كف» كرثت على صيغة المجهول.

(٣٦) قوله عليه السلام : معرّة العباد

المعرّة : الإثم والأمر القبيح المكروه ، وهي مفعلة من العرّ.

(٣٧) قوله عليه السلام : وسمني حسن الولاية

وفي رواية «كف» بحسن الولاية. أشهر الروايتين فيه ضمّ السين من سامه يسومه سوماً إذا أولاه إيّاه ، أو عرضه وأورده عليه ، أو طلبه وأراده منه ، أو كلّفه وألزمه به ، أو من السومة والسمة والسيماء بمعنى العلامة (١) والأثر.

قال الراغب في المفردات : السوم أصله الذهاب في ابتغاء الشيء ، فهو لفظ مفرد لمعنى مركّب من الذهاب والابتغاء ، فاُجري مجرى الذهاب في قولهم سامت الابل فهي سائمة ، ومجرى الإبتغاء في قولهم سمته كذا ، قال الله تعالى (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ). (٢)

ومنه قيل : فلان سيم الخسف فهو يسام الخسف ، ومنه السوم في البيع فقيل : صاحب السلعة أحقّ بالسوم ، ويقال : سمت الإبل في المرعى وأسمتها وسومتها ، قال عزّ وجلّ (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ

__________________

١. في «ن» : الولاية.

٢. سورة البقرة : ٤٩.

٢٠٩

مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) (١) والسيما بالقصر والسيماء والسمياء بالمدّ فيهما العلامة ، قال الشاعر :

له سيمياء لا تشقّ على البصر.

وقال الله تعالى : (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ). (٢)

وقال العزيزي في غريب القرآن : يسومونكم يولّونكم ، ويقال : يريدونه منكم ويطلبونه.

وقال ابن الأثير في النهاية : سامني هو من السوم : التكليف. وقيل معناه عرض عليّ ، من السوم وهو طلب الشراء. وسيم الخسف أي : كلّف وألزم ، وأصله الواو فقلبت ضمّة السين كسرة ، فانقلبت الواو ياءاً. (٣)

وقولهم : سمتك بعيرك سيمة حسنة ، وإنّه لغالي السيمة من السوم في البيع والمبايعة. ويروى أيضاً سمني بكسر السين من وسمه يسمه وسماً وسمة إذا أثرت فيه بسمة وعلامة وكي ، ومنه الميسم للمكواة.

وفي الحديث : علي عليه السلام صاحب الميسم أو هو الميسم ، أي : به يسم الله عزّ وجلّ خلّص عباده المخلصين ، وقوله سبحانه في التنزيل الكريم : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (٤) معناه سنجعل له سمة (٥) أهل النار.

وكذلك القول في قوله عليه السلام : «ولا تسمنا» في دعاء الإستخارة ، وقوله عليه السلام : «ولا تسمني» في دعاء عرفة بضمّ السين وكسرها. وكذلك الولاية بفتح الواو وكسرها.

وفي خ «كف» وأدلني بحسن الولاية. إمّا بهمزة الوصل وضمّ اللام من دلوت الرجل إذا رفقت به رفقاً ، وأرفقته إرفاقاً ورافقته مرافقة وداريته مدارة ، وكذلك داليته مدالاة ،

__________________

١. سورة النحل : ١٠.

٢. مفردات الراغب ، ص ٢٥٠ ، والآية سورة الفتح : ٢٩.

٣. نهاية ابن الأثير : ٢ / ٤٢٦.

٤. سورة القلم : ١٦.

٥. في «ن» : سيمة.

٢١٠

قاله الجوهري (١) وغيره.

أو بقطع الهمزة المفتوحة واللام المكسورة ، من أدلاه يدليه من باب الإفعال ، بمعنى الإرسال ، ويستعار للمواصلة والمقاربة والتواصل (٢) إلى الشيء.

يقال : أدليت الدلو : أي : أرسلتها في البئر ، بخلاف دلوتها ، فإنّ معناه نزعتها. والدالي بمعنى المدلي. وأدلى بحجّته أي : احتجّ بها ، وأدلى بماله إلى الحاكم أي : رفعه إليه.

قال ابن الأثير : يقال : أدليت الدلو ودلّيتها إذا أرسلتها في البئر. (٣)

والتدليّ من الشجرة التقرّب إليها والتعلّق بها ، وقوله تعالى : (دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ) (٤) إن كانت الضمائر لجبرئيل عليه السلام كان المعنى دنى جبرئيل عليه السلام من النبيّ صلى الله عليه وآله فتدلّى أي : تعلّق به صلّى الله عليه وآله ، وهو تمثيل لعروجه بالرسول صلّى الله عليه وآله.

وقيل : أي : تدلّى من الاُفق الأعلى فدنى من الرسول صلّى الله عليه وآله ، ليكون إشعاراً بأنّه عرج به غير منفصل عن محلّه ، فكان جبرئيل عليه السلام قاب قوسين [أو أدنى] من النبيّ صلّى الله عليه وآله ، أي : مقدارهما. كقولك هو منّي معقد (٥) الإزار ، أو كان البعد والمسافة بينهما مقدار قوسين أو أدنى ، والمقصود الكناية عن شدّة الاتّصال بينهما.

وإن كانت الضمائر لله تعالى كان المراد بدنوّه منه رفع مكانته وبتدلّيه جذبه بشراشره إلى جناب القدس.

ثمّ مشرب التحقيق أن يراد بالقوسين قوسا الوجوب والإمكان ، تنبيهاً على أنّ الفارق بين النبيّ صلّى الله عليه وآله وبين الله تعالى حين وصل إلى آخر منازل السير في الله ، وهو عزل النظر عن غيره تعالى مطلقاً ، حتّى عن عدم ملااحظة غيره أيضاً ، وقصر البشر بشراشره على رفض لحاظ ما سواه ليس إلّا وجوب المبدأ وإمكان عبده الصائر إليه السائر

__________________

١. الصحاح : ٦ / ٢٢٣٩.

٢. في «ن» : والتوصل.

٣. نهاية ابن الأثير : ٢ / ١٣١.

٤. سورة النجم : ٨.

٥. في «ن» : بمقعد.

٢١١

فيه.

وقد حقّقنا كيفيّة القرار في هذه الدرجة العالية المعبّر عنها في ألسنة أرباب التحقيق بالفناء في الله في كتابنا المسمّى بـ«الصراط المستقيم» على وجه رواء العطش الظمآن ، ودواء لأمراض القلوب وأسقام الأذهان ، فليراجع إليه.

٣٨ قوله عليه السلام : وامنحني حسن الدعة

بهمزة الوصل وفتح النون وإسكان الحاء المهملة. وفي رواية «س» وامنحني بكسر النون. وفي خ «ش» و «كف» وسسني بالدعة بضمّ اُولي المهملتين وإسكان الثانية ، أي : تولّ أمري ، يقال : ساسهم يسوسهم أي : تولّي اُمورهم ، كما يفعل الولاة والاُمراء بالرعيّة.

٣٩ قوله عليه السلام : من السرف

سنحقّق الأمر في دعائه عليه السلام في المعونة على قضاء الدين إن شاء الله العزيز.

٤٠ قوله عليه السلام : اُنفق

فيما أنفق وفي رواية «س» أنفق معاً ، أي : بفتح الهمزة من النفاق بمعنى الرواج ، وبضمّها من الإنفاق من النفقة.

٤١ قوله عليه السلام : فأطلبني

بفتح الهمزة للأمر من باب الإفعال.

في صحاح الجوهري : أطلبه أي : أسعفه بما طلب ، وأطلبه ، أي : أحوجه إلى الطلب ، وهو من الأضداد. (١)

وفي النهاية الأثيريّة : الطلبة الحاجة ، والإطلاب : إنجازها وقضاؤها. يقال : طلب إليّ فأطلبته ، أي : أسعفته بما طلب. (٢)

٤٢ قوله عليه السلام في آخر الدعاء : وقني برحمتك عذاب النار

زيادة في نسخة الشيخ تقي الدين أبي الصلاح الحلبي ، وفي نسخة «كف» آمين آمين إنك

__________________

١. الصحاح : ١ / ١٧٢.

٢. نهاية ابن الأثير : ٣ / ١٣١.

٢١٢

على كلّ شيء قدير ، وهو عليك سهل يسير ، يا أوسع الواهبين ، وأكرم الأجودين ، فصلّ على محمّد وآله الطاهرين ، وعلى جميع المرسلين وعبادك المؤمنين ، إنّك ذو رحمة قريبة من المحسنين.

٢١٣

٢١

وكان من دعائه عليه السلام إذا حزنه امر وَاهمته الخطايا

أَللَّهُمَّ يَا كَافِيَ الْفَرْدِ الضَعِيْفِ ، وَوَاقِيَ اأامْرِ الْمَخُوْفِ ، (١) أَفْرَدَتْنِي الْخَـطَايَا; فَـلاَ صَاحِبَ مَعِي ، وَضَعُفْتُ عَنْ غَضَبِكَ فَلاَ مُؤَيِّدَ لِي ، وَأَشْرَفْتُ عَلَى خَوْفِ لِقَائِكَ (٢) فَلاَ مُسَكِّنَ لِرَوْعَتِي وَمَنْ يُؤْمِنُنِي مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَخَفْتَنِي ، وَمَن يساعِدُنِي وَأَنْتَ أَفْرَدْتَنِي ، وَمَنْ يُقَوِّيْنِي وَأَنْتَ أَضْعَفْتَنِي ، لاَ يُجيرُ (٣) يا إلهي ، إلاّ رَبٌّ عَلَى مَرْبُوب وَلاَ يُؤْمِنُ إلاّ غالِبٌ عَلَى مَغْلُوب (٤) وَلاَ يُعِينُ إِلاّ طالِبٌ عَلَى مَطْلُوب ، (٥) وَبِيَـدِكَ يَـاَ إلهِي جَمِيعُ ذلِكَ السَّبَبِ ، وَإلَيْكَ الْمَفَرُّ وَالْمَهْربُ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَجِرْ هَرَبِي ، وَأَنْجِحْ مَطْلَبِي. أللَّهُمَّ إنَّكَ إنْ صَرَفْتَ (٦) عَنِّي وَجْهَكَ الْكَرِيْمَ ، أَوْ مَنَعْتَنِي فَضْلَكَ الْجَسِيمَ ، أَوْ حَظَرْتَ عَلَيَّ رِزْقَكَ ، (٧) أَوْ قَطَعْتَ عَنِّي سَبَبَـكَ ، لَمْ أَجِدِ السَّبِيـلَ إلَى شَيْء مِنْ أَمَلِي غَيْرَكَ ، وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى مَا عِنْدَكَ بِمَعُونَةِ سِوَاكَ ، (٨) فَإنِّي عَبْدُكَ وَفِي قَبْضَتِكَ ، نَاصِيَتِي (٩) بِيَدِكَ ، لاَ أَمْرَ لِي مَعَ أَمْرِكَ ، مَاض فِيَّ

٢١٤

حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، وَلاَ قُوَّةَ لِي عَلَى الْخُـرُوجِ مِنْ سُلْطَانِـكَ ، وَلاَ أَسْتَطِيـعُ مُجَاوَزَةَ قُدْرَتِكَ ، وَلاَ أَسْتَـمِيلُ هَوَاكَ ، وَلاَ أبْلُغُ رِضَاكَ ، وَلاَ أَنَالُ مَا عِنْدَكَ إلاَّ بِطَاعَتِكَ ، وَبِفَضْل رَحْمَتِكَ ، إلهِي أَصْبَحْتُ وَأَمْسَيْتُ عَبْداً دَاخِراً (١٠) لَكَ ، لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إلاَّ بِكَ ، أَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِي ، وَأَعْتَـرِفُ بِضَعْفِ قُـوَّتِي ، وَقِلَّةِ حِيْلَتِي ، فَأَنْجزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، وَتَمِّمْ لِي مَا آتَيْتَنِي ، فَإنِّي عَبْـدُكَ الْمِسْكِينُ الْمُسْتكِينُ الضَّعِيفُ الضَّـرِيـرُ الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ الْمَهِينُ الْفَقِيرُ الْخَائِفُ الْمُسْتَجِيرُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَلاَ تَجْعَلْنِي نَاسِيَاً لِذِكْرِكَ فِيمَا أَوْلَيْتَنِي ، وَلاَ غافِلاً لإحْسَانِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَنِي ، وَلا آيسَاً مِنْ إجَابَتِكَ لِي ، وَإنْ أَبْطَأتَ عَنِّي فِي سَرَّاءَ (١١) كُنْتُ أَوْ ضَرَّاءَ أَوْ شِدَّة أَوْ رَخَاء ، أَوْ عَافِيَة أَوْ بَلاء ، أَوْ بُؤْس أَوْ نَعْمَاءَ ، أَوْ جِدَة أَوْ لأوَاءَ ، أَوْ فَقْر أَوْ غِنىً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ ثَنائِي عَلَيْكَ ، وَمَدْحِي إيَّاكَ ، وَحَمْدِي لَكَ فِي كُلِّ حَالاَتِي ، حَتَّى لاَ أَفْرَحَ بِمَا آتَيْتَنِي مِنَ الدُّنْيَا ، وَلاَ أَحْـزَنَ عَلَى مَا مَنَعْتَنِي فِيهَا ، وَأَشْعِرْ قَلْبِي تَقْوَاكَ ، (١٢) وَاسْتَعْمِلْ بَدَنِي فِيْمَا تَقْبَلُهُ مِنِّي ، وَاشْغَلْ بِطَاعَتِكَ نَفْسِي عَنْ كُلِّ مَايَرِدُ عَلَىَّ ، حَتَّى لاَ اُحِبَّ شَيْئَاً مِنْ سُخْطِكَ ، وَلا أَسْخَطَ شَيْئـاً مِنْ رِضَـاكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَفَرِّغْ قَلْبِي لِمَحَبَّتِكَ ، وَاشْغَلْهُ

٢١٥

بِذِكْرِكَ ، وَانْعَشْهُ بِخَوْفِكَ وَبِالْوَجَلِ مِنْكَ ، وَقَوِّهِ بِالرَّغْبَةِ إلَيْكَ ، وَأَمِلْهُ إلَى طَاعَتِكَ ، وَأَجْرِ بِهِ فِي أَحَبِّ السُّبُلِ إلَيْكَ ، وَذَلِّلْهُ بِالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَكَ أَيَّامَ حَيَاتِي كُلِّهَا ، وَاجْعَلْ تَقْوَاكَ مِنَ الدُّنْيَا زَادِي ، (١٣) وَإلَى رَحْمَتِكَ رِحْلَتِي ، وَفِي مَرْضَاتِكَ مَدْخَلِي ، وَاجْعَلْ فِي جَنَّتِكَ مَثْوَايَ ، وَهَبْ لِي قُوَّةً أَحْتَمِلُ بِهَا جَمِيعَ مَرْضَاتِكَ ، وَاجْعَلْ فِرَارِي إلَيْكَ ، وَرَغْبَتِي فِيمَا عِنْدَكَ ، وَأَلْبِسْ قَلْبِي الْوَحْشَةَ مِنْ شِرارِ خَلْقِكَ ، وَهَبْ لِي الأُنْسَ بِكَ وَبِأَوْلِيَـآئِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ ، وَلاَ تَجْعَلْ لِـفَاجِـر وَلا كَافِر عَلَيَّ مِنَّةً ، وَلاَ لَـهُ عِنْدِي يَداً ، وَلا بِي إلَيْهِمْ حَاجَةً ، بَل اجْعَـلْ سُكُـونَ قَلْبِي ، وَاُنْسَ نَفْسِي وَاسْتِغْنَـائِي وَكِفَايَتِي بِكَ وَبِخِيَـارِ خَلْقِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ قَـرِيناً ، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ نَصِيْراً ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِشَوْق إلَيْكَ ، وَبِالْعَمَلِ لَكَ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ، وَذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ.

٢١٦

في رواية «س» إذا حزبه بالباء الموحّدة بعد الزاء وحزنه بالنون جميعاً. وفي الأصل إذا حزنه بالنون فقط ، يقال ، حزبه الأمر بالباء الموحّدة ، أي : أصابه وألم به.

(١) قوله عليه السلام : وواقى الأمر المخوف

إمّا إضافة بتقدير معنى «عن» أي : ويا واقياً عن الأمر المخوف ، من وقيته إذا صنته عن الأذى. وإمّا إضافة إلى أحد مفعولي الفعل ، من وقيته الشرّ أي : كفيته إيّاه.

(٢) قوله عليه السلام : وأشرفت على خوف لقائك

أي : أشرفت من شؤومات الذنوب على أن أخاف لقاءك ، مع أنّ لقاءك أعظم لذّة مبغاة أبتغيها ، وأبهج سعادة متوخّاة أتوخّاها.

(٣) قوله عليه السلام : لا يجير

أي : لا يمضي ولا ينفذ إلّا خفاره ربّ وأمانه وجواره على مربوب ، فإذا أجار ربّ أحد أو خفره ، فلا يكون لمربوب من مربوبيه أن ينقض عليه خفارته وأمانه.

ومنه الحديث «ويجير عليهم أدناهم» أي : إذا أجار واحد من المسلمين حرّ أو عبد أو امرأة واحداً أو جماعة من الكفّار وخفرهم وآمنهم جاز ذلك على جميع المسلمين لا ينقض عليه جواره وأمانه (١).

(٤) قوله عليه السلام : ولا يؤمن إلّا غالب على مغلوب

أي : لا ينفذ إلّا أمان الغالب على المغلوب ، فإذا آمن غالب أحداً ، فلا يكون لأحد من

__________________

١. نهاية ابن الأثير ١ : ٣١٣.

٢١٧

مغلوبيه أن ينقض ويردّ عليه أمانه.

(٥) قوله عليه السلام : ولا يعين إلّا طالب على مطلوب

من أعانه على كذا أي سلّطه عليه ، وفي حديث الدعاء : ربّ أعنّي ولا تعن عليّ وملخّص المعنى : أنّ الطلب سبب التسلّط على المطلوب ؛ لأنّ الدعاء من أسباب حصول البغية ونيلها.

(٦) قوله عليه السلام : اللهمّ إنّك إن صرفت عنّي

وفي نسخة الشهيد : أن صرفت بفتح الهمزة ، أي : من حيث أن صرفت عنّي وجهك الكريم ، إلى آخر قوله عليه السلام : لم أجد السبيل. ومن خفي علي ذلك قال توجيه هذه النسخة غير ظاهر.

(٧) قوله عليه السلام : أو خطرت عليّ رزقك

المحفوظ المضبوط بالخاء المعجمة والطاء المهملة ، ولكن الذي تساعده اللغة حظرت بالحاء المهملة والظاء المعجمة ، بمعنى المنع لا بمعنى التحريم.

قال في النهاية : لا يحظر عليكم النبات ، أي : لا تمنعون من الزراعة حيث شئتم ، والحظر بالتسكين المنع ، ومنه في التنزيل الكريم (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) (١) وأمّا الحظر بمعنى التحريم ضدّ الاباحة فبالتحريك.

(٨) قوله عليه السلام : سواك

معاً بل جميعاً ، أي : مثلّثة السين.

(٩) قوله عليه السلام : ناصيتي

الناصية قصاص الشعر ، وهو منتهى منبته من مقدّم الرأس وحواليه.

قال المطرّزي في المغرب : قال الأزهري الناصية عند العرب منبت الشعر في مقدّم الرأس لا الشعر ، وإنما تسمّيه العامّة باسم منبته.

__________________

١. نهاية ابن الأثير ١ : ٤٠٥.

٢١٨

وكأنّه عليه السلام قد كني عمّا هو ملاك الذات ، وقوام الهويّة بالنصية وعن شدّة المتهوريّة والمبهوريّة في سلطوات قوّة الله تعالى وقدرته ، يكون الناصية بيده.

وبالجملة الأخذ بالنواصي كناية عن سلطان قدرته وقوّته سبحانه على غرائز الأشياء وطبايعها وماهيّاتها وهويّاتها.

(١٠) قوله عليه السلام : عبداً داخراً

الدخور : الصغار والذّل. قال ابن الأثير في النهاية : الداخر الذليل المهان. (١)

وفي صحاح الجوهري : الدخور الطرد والإبعاد. (٢) وهو غير معنيّ هاهنا.

(١١) قوله عليه السلام : في سرّاء

السرّاء والضرّاء والبأساء صيغ تأنيث لا مذكّر لها ، فتارات تجعل السرّاء نقيض الضرّاء والبأساء ، فهي بمعنى السعة والرخاء ، وهما بمعنى الضيق والشدّة. وتارات تجعل الصيغ الثلاث متشاركة في معنى الشدّة ، ويفترق بأخذ الضرّاء بدنيّة دون الباقيتين.

فالبأساء والسرّاء هما البؤس والفقر والضيق والذلّ ، والضرّاء هي الداهات (٣) البدنيّة كالعمى والزمانة.

وأئمّة العلوم اللسانيّة فريق منهم على المذهب الأوّل ، وفريق منهم على المذب الثاني ، وفي التنزيل الكريم كثيراً ما جرى الأمر فيهما على السبيلين.

(١٢) قوله عليه السلام : وأشعر قلبي تقواك

من الشعار وهو ما يلي من الثياب ، والدثار ما كان فوق الشعار ، يقال : أشعرته وأدثرته إذا ألبسته الشعار وألبسته الدثار.

أي : والبس قلبي تقواك ، واجعل لباس تقواك من قلبي مكان الشعار من الجسد.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٢ / ١٠٧.

٢. الصحاح : ٢ / ٦٥٥ والموجود فيه : الدخور ـ بالخاء المعجمة ـ : الصغار والذلّ. وقال : الدحور ـ بالحاء المهملة ـ الطرد والإبعاد. فخلط السيّد بينهما فتفطّن.

٣. في «س» : أي : العاهات. وفي «ط» : هي العايات.

٢١٩

(١٣) قوله عليه السلام : من الدنيا زادي

أي : في سفري إلى النشأة الآخرة ، كما في قوله سبحانه :. وأمّا ما تجشّم (١) فقيل : أي : اجعل جزاء تقواك ، ومنه : (٢) أي : جزاء اتّقائهم ، فسخيف فاسد.

__________________

١. جشمت الأمر بالكسر جشماً وتجشّمته : إذا تكلّفته على مشقّة.

٢. سورة محمّد : ١٧.

٢٢٠