شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

الإجتماع المرئيّ يعتبر اختلاف المنظر في الكسوفات دون الخسوفات.

ويمكن أن يقع الكسوف بالقياس إلى قوم دون قوم ، والشمس فوق اُفق كلّ منهما ، بخلاف الخسوف ، وهي بحسب اُفق كلّ منهما ، فإنّه إن انخسف عند أحدهما انخسف عند الآخرون ، وإن اختلف ساعات الإبتداء والتوسّط والإنجلاء ، فيكون في بلد على مضيء ساعة من الليل. وفي آخر على أقلّ أو أكثر أو يطلع منخسفاً. والفارق أن الخسوف أمر عارضيّ لجرم القمر في ذاته ، وهو صيرورته مظلماً فمن يراه يراه كذلك.

وليس الكسوف أمراً عارضاً للشمس في ذاتها ، فإنّها على ما هي عليه وإنّما الإنكساف بالقياس إلى بعض الأبصار ، لتوسّط القمر بينها وبين البصر. ويجوز اختلاف وضع المتوسّط باختلاف المساكن ، وكذلك قد يختلف كسوف واحد عند أهل بلدين قدراً أو جهة وزماناً ، ويمتنع اختلاف خسوف واحد عند أهلهما في شيء من ذلك.

وينبغي أن يكون العرض المرئيّ للقمر ، أعني : المعدّل باختلاف المنظر في العرض وقت الإجتماع المرئيّ ، أعني المعدّل باختلاف المنظر في الطول أقلّ من نصفي قطري صفحتي النيّرين حتّى يقع كسوف ، فإنّه إن ساواهما تماسّا ولم يقع للشمس انكساف ، وأن كان أكثر منهما فبالأولى أن لا تنكسف ، وإن كان أقلّ منهما يقع الكسوف بقدر ذلك الأقلّ.

والضابط أنّه حينئذ أي : حين كون العرض المرئي للقمر أقلّ من نصفي قطري صفحتي النيّرين ، إن وقع المركزان ـ أعني مركزي النيّرين على الخطّ الخارج من البصر إلى الشمس ، وكان القطران للنيّرين متساويين ، بأن يكون رأس مخروط ظلّ القمر على البصر ـ انكسف الشمس كلّها ولم يكن هناك.

وإن كان قطر الشمس أكثر ، بأن تكون الشمس في بعد أقرب والقمر في بعد أبعد ، ويكون رأس المخروط أعلى من الأبصار ، بقيت منها حلقة نورانيّة ، ويسمّى هذا الكسوف «حلقة النور».

وإن كان أصغر بأن تكون الشمس في بعد أبعد والقمر في بعد أقرب ، ويكون رأس المخروط أسفل من سطح الأرض ، كان للكسوف مكث قليل بقدر الفصل بين القطرين ، و

٣٦١

ذلك لأنّ القمر أيضاً لكونه كثيفاً مظلماً غير منير من جوهر جرمه له مخروط ظلّ يكون رأسه عند الأبصار إلى جانب الأرض في بعد يقتضي تساوي القطرين ، وأعلى من الأبصار من بعد حلقة النور ، ويقع الأبصار في دائرة من الظلّ قاطعة للمخروط في بعد يقتضي المكث ، بأن يكون قطر القمر أعظم من قطر الشمس.

ولإعتبار حدود الكسوفات ليستبين على أيّ حدّ يمكن الكسوف وفي أيّ حدّ لا يكون ممكناً إذا اعتبر العرض الحقيقي للقمر.

وكان اختلاف العرض أي : اختلاف المنظر في العرض تارة يزاد على العرض الحقيقي ، وذلك إذا ما كان العرض جنوبيّاً ، ومنطقة البروج والقمر في جانب واحد ومن سمت الرأس ، وتارة ينقص منه ، وذلك إذا ما كان العرض شماليّاً ليصير مرئيّاً ، لزم أن يكون الحدود عن جانبي العقدتين مختلفة بحسب اختلاف البقاع ، بخلاف الأمر في حدود الخسوفات ؛ لأنّ المعتبر هناك العرض الحقيقي وهو لا يختلف ، وهاهنا العرض المرئيّ وهو مختلف.

ففي الإقليم الرابع يكون الكسوف على بعد غايته بعد عقدة الرأس ، أو قبل عقدة الذنب إلى ثماني عشر درجة ، أو على بعد غايته قبل عقدة الرأس ، أو بعد عقدة الذنب إلى سبع درجات ممكناً ، فكذلك يمكن أن يقع كسوفان على طرفي خمسة أشهر ، أحدهما بعد الرأس والآخر قبل الذنب ، أو على سبعة أشهر أحدهما قبل الذنب والآخر بعد الرأس.

وأمّا على طرفي ستّة أشهر فلا اشتباه في إمكانه ، ولا في وقوع خسوف وكسوف في استقبال واجتماع متواليين ، وأكثر ما يكون بينهما من المدّة خمسة عشر يوماً. وليس يمكن خسوفان بينهما شهر في شيء من البقاع أصلاً.

وكذلك لا يكون كسوفان بينهما شهر إلّا في بقعتين مختلفي جهة الأرض : إحداهما شماليّة والاُخرى جنوبيّة ؛ لكون القمر هو الكاسف للشمس ، والتوالي من المغرب يكون بدؤ الظلام.

والإنجلاء في الكسوف أبداً من الجانب الغربي ، فالمنكسف أوّلاً غربيّ الشمس ، وكذلك المنجلي أوّلاً غربها ، وهذه صورة الكسوف على تسطيح المجسّم.

٣٦٢

٤٤

وكان من دعائه عليه السلام إذا دخل شهر رمضان

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، لِنَكُونَ لإحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى ذلِكَ جَزَآءَ الْمُحْسِنِينَ ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ ، وَاخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ ، وَسَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إحْسَانِهِ لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إلَى رِضْوَانِهِ ، حَمْدَاً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا ، وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا ، وَالْحَمْدُ لِلّه الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ ، شَهْرَ الصِّيَامِ وَشَهْرَ الإِسْلاَم ، وَشَهْرَ الطَّهُورِ (١) وَشَهْرَ التَّمْحِيْصِ ، وَشَهْرَ الْقِيَامِ ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ ، هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقَانِ ، فَأَبَانَ فَضِيْلَتَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِمَا جَعَلَ لَهُ مِنَ الْحُرُمَاتِ الْمَوْفُورَةِ ، وَالْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ ، فَحَرَّمَ فِيْهِ ما أَحَلَّ فِي غَيْرِهِ إعْظَاماً ، وَحَجَرَ فِيْهِ الْمَطَاعِمَ وَالْمَشَارِبَ إكْرَاماً ، وَجَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لاَ يُجِيزُ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ ، وَلا يَقْبَـلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ ، ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ عَلَى لَيَالِي أَلْفِ شَهْر ، وَسَمَّاهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، تَنَزَّلُ

٣٦٣

الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر ، سَلاَمٌ دَائِمُ الْبَرَكَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ (٢) بِمَا أَحْكَمَ مِنْ قَضَائِهِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَإِجْلاَلَ حُرْمَتِهِ ، وَالتَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فِيهِ ، وَأَعِنَّـا عَلَى صِيَامِـهِ بِكَفِّ الْجَـوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيْكَ ، وَاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيْكَ ، حَتَّى لاَ نُصْغِي بِأَسْمَاعِنَا إلَى لَغْوٍ ، وَلا نُسْرِعُ بِأَبْصَارِنَا إلَى لَهْوٍ ، وَحَتَّى لاَ نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إلَى مَحْظُورٍ ، وَلاَ نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إلَى مَحْجُورٍ ، وَحَتَّى لاَ تَعِيَ بُطُونُنَا إلاَّ مَا أَحْلَلْتَ ، وَلا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إلاَّ بِمَا مَثَّلْتَ ، وَلا نَتَكَلَّفَ إلاَّ ما يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ ، وَلاَ نَتَعَاطَى (٣) إلاّ الَّذِي يَقِيْ مِنْ عِقَابِكَ ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِئآءِ الْمُرَائِينَ ، وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ ، لاَ نَشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ ، وَلا نَبْتَغِيْ فِيهِ مُرَاداً سِوَاكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَقِفْنَـا فِيْـهِ عَلَى مَـوَاقِيْتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس بِحُدُودِهَا الَّتِي حَدَّدْتَ ، وَفُرُوضِهَا الَّتِي فَرَضْتَ ، وَوَظَائِفِهَا الَّتِي وَظَّفْتَ ، وَأَوْقَاتِهَا الَّتِي وَقَّتَّ ، وَأَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيْبينَ لِمَنَازِلِهَا الْحَافِظِينَ لاِرْكَانِهَا ، الْمُؤَدِّينَ لَهَـا فِي أَوْقَاتِهَـا عَلَى مَا سَنَّـهُ عَبْدُكَ وَرَسُـولُكَ صَلَوَاتُـكَ عَلَيْهِ وَآلِـهِ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا ، وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا ، عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ ، وَوَفِّقْنَا فِيهِ لاِنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ ،

٣٦٤

وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالاِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ ، وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ ، وَأَنْ نُطَهِّرَهَا بِإخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ ، وَأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَـا ، وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا ، وَأَنْ نُسَـالِمَ مَنْ عَادَانَا حَاشَا مَنْ عُودِيَ فِيْكَ وَلَكَ ، فَإنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لاَ نُوالِيهِ ، وَالحِزْبُ الَّذِي لاَ نُصَافِيهِ ، وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إلَيْكَ فِيْهِ مِنَ الأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ ، بِمَا تُطَهِّرُنا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَتَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ ، حَتَّى لا يُورِدَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ مَلاَئِكَتِكَ إلاّ دُونَ مَا نُورِدُ مِنْ أَبْوابِ الطَّاعَةِ لَكَ ، وَأَنْوَاعِ القُرْبَةِ إلَيْكَ. أللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الشَّهْرِ ، وَبِحَقِّ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ مِنِ ابْتِدَائِهِ إلَى وَقْتِ فَنَائِهِ ، مِنْ مَلَك قَرَّبْتَهُ ، أَوْ نَبِيٍّ أَرْسَلْتَهُ ، أَوْ عَبْد صَالِح اخْتَصَصْتَهُ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَهِّلْنَا فِيهِ لِمَا وَعَدْتَ أَوْلِياءَكَ مِنْ كَرَامَتِكَ ، وَأَوْجِبْ لَنَا فِيهِ مَا أَوْجَبْتَ لأِهْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي طَاعَتِكَ ، وَاجْعَلْنَا فِي نَظْمِ مَنِ اسْتَحَقَّ الرَّفِيْعَ الأعْلَى بِرَحْمَتِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَجَنِّبْنَا الإلْحَادَ فِي تَوْحِيدِكَ ، وَالتَّقْصِيرَ فِي تَمْجِيدِكَ وَالشَّكَّ فِي دِينِـكَ ، وَالْعَمَى عَنْ سَبِيْلِكَ ، وَالاغْفَالَ لِحُرْمَتِكَ ، وَالانْخِدَاعَ لِعَدُوِّكَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَإذَا كَانَ لَكَ فِيْ كُلِّ لَيْلَة مِنْ لَيَالِيْ شَهْرِنَا هَذَا رِقَابٌ يُعْتِقُهَا عَفْوُكَ أَوْ يَهَبُهَا صَفْحُكَ ، فَاجْعَلْ رِقَابَنَا

٣٦٥

مِنْ تِلْكَ الرِّقَابِ ، وَاجْعَلْنَا لِشَهْرِنَا مِنْ خَيْرِ أَهْل وَأَصْحَاب. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَامْحَقْ ذُنُوبَنَا مَعَ امِّحاقِ هِلاَلِهِ ، (٤) وَاسْلَخْ عَنَّا تَبِعَاتِنَا مَعَ انْسِلاَخِ أَيَّامِهِ حَتَّى يَنْقَضِي عَنَّا وَقَدْ صَفَّيْتَنَا فِيهِ مِنَ الْخَطِيئاتِ وَأَخْلَصْتَنَا فِيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَإنْ مِلْنَا فِيهِ فَعَدِّلْنا وَإنْ زِغْنَا فِيهِ فَقَوِّمْنَا وَإنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنَا عَدُوُّكَ الشَّيْطَانُ فَاسْتَنْقِذْنَا مِنْهُ. أللَهُمَّ اشْحَنْهُ بِعِبَادَتِنَا إيَّاكَ ، وَزَيِّنْ أَوْقَاتَهُ بِطَاعَتِنَا لَكَ ، وَأَعِنَّا فِي نَهَـارِهِ عَلَى صِيَـامِـهِ ، وَفِي لَيْلِهِ عَلَى الصَّـلاَةِ وَالتَّضَرُّعِ إلَيْكَ ، وَالخُشُوعِ لَكَ ، وَالذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ ، حَتَّى لا يَشْهَدَ نَهَارُهُ عَلَيْنَا بِغَفْلَة وَلا لَيْلُهُ بِتَفْرِيط. أللَّهُمَّ وَاجْعَلْنَا فِي سَائِرِ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ كَذَلِكَ مَا عَمَّرْتَنَا ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ، أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُـونَ ، وَمِنَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، فِي كُلِّ وَقْت وَكُلِّ أَوَان وَعَلَى كُـلِّ حَال عَـدَدَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ ، وَأَضْعَافَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالاضْعافِ الَّتِي لا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ ، إنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ.

٣٦٦

(١) قوله عليه السلام : وشهر الطهور

الطهور بالضمّ على المصدر ، وإضافة الشهر إليه إضافة الظرف إلى المظروف ، وإضافة السبب إلى المسبّب ، كما في شهر الصيام. وبالفتح على فعول : إمّا للمبالغة ، أو بمعنى ما به الطهور من أقذار الذنوب وأدناس السّيئات بالضمّ ، كما الوضوء بالفتح للوضوء بالضمّ ، والإضافة إذن بيانيّة.

(٢) قوله عليه السلام : على من يشاء من عباده

إمّا صلة لسلام ، ورفعه على الخبر ، والمبتدأ ضمير التأنيث المنفصل المرفوع من بعد ، والتقدّم لإفادة الحصر أو للإهتمام به.

و «من كلّ أمر» متعلّق بالخبر ومتقدّم عليه ، للتتابع في التعميم.

فالمعنى : هذه الليلة من كلّ أمر سلام دائم البركة إلى طلوع الفجر على من يشاء من عباده. أو (مِّن كُلِّ أَمْرٍ) متعلّق بـ(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم) والتقدير من أجل كلّ أمر. وإمّا صلة لتنزّل ، أي : إنّما تنزّلهم باذن ربّهم على من يشاء من عباده.

فأمّا قوله عليه السلام «بما أحكم من قضائه» فمتعلّق بتنزّل لهم باذن ربّهم لا غير على كلّ حال. فليعرف.

(٣) قوله عليه السلام : ولا نتعاطى

عطو الشيء يعاطيه أخذه وتناوله ، والمعاطاة المناولة ، والإعطاء الإنالة. ومنه يقال : أعطى البعير أي : انقاد لصاحبه ، وأصله أن يعطي رأسه للزمام فلا يتأبّى ، وضبي عطوّ وعاط : رفع رأسه لتناول الأوراق.

٣٦٧

(٤) قوله عليه السلام : إمحاق

الهمزة فيه همزة الإنفعال ، أو باب الإفتعال ، لا همزة الإفعال ، وهي التي إنّما احتيج إليها من جهة الإدغام في فاء الفعل ، فهو انفعال أو افتعال على مطاوع محقه يمحقه محاقاً (١) فانمحق وامتحق ، فاُبدلت النون أو التاء ميماً واُدغمت إحدى الميمين في الاُخرى كالإمحاء انفعال أو افتعال على مطاوع محاه يمحوه محواً فانمحى أو امتحى.

وليس شيء منهما افعالاً ؛ لأنّ الإفعال لا يبدّل معنى الأصل لمجرّد أصلاً ، بل يؤكّده ويخفّفه ويجعله متأكّداً متبالغاً ، وإنّما التشديد فيه للمبالغة والإخفاء في الأمر ، لا للنقل إلى باب يفيد تبدّلاً وتغيّراً في المعنى في الإفعال ليس يجعل المتعدّي لازماً ، ولا اللازم متعدّياً.

فإذن الإفعال من محقه ومحاه فهو ممحوق وممحوّ ، أمحقه وأمحاه فهو ممحق وممحى بالفتح على صيغة المفعول ، لا أمحق وأمحى فهو ممحق وممحق على صيغ الفاعل ، على شاكلة اللزوم دون التعدية.

ومن هذا الباب عندهم الإدفان ، فإنّه أيضاً : إمّا إفتعال ، أو إنفعال من الدفن لا إفعال منه للتبالغ في معناه ؛ (٢) لأنّ متعدّياً يقال : دفنه فهو مدفون ، فالإفعال فيه أدفنه فهو مدفن بالفتح ، لا أدفن فهو مدفن بالكسر. فليعلم وليتحقّق.

وللفقهاء أبحاث في أنّ الإدفان هل هو عيب كالاباق أو لا؟

قال المطرّزي في كتابيه المعرب والمغرب : شريح كان لا يرد العبد من الإدفان ويرد من الاباق البات ، وهو افتعال من الدفن لا إفعال ، وذلك أن يروغ (٣) من مواليه اليوم واليومين (٤) ولا يغيب عن المصر كأنّه يدفن نفسه في أبيات المصر خوفاً من عقوبة ذنب فعله ، وبعد دفون عادته ذلك. انتهى كلامه. (٥)

قلت : الصواب ما قلناه إنّ الإدفان يحتمل الإنفعال والإفتعال ، كالامحاء والإمحاق ، نعم ليس هو إفعالاً كما قاله ، فليعرف.

__________________

١. في «س» : محقّاً.

٢. في «س» : للتتابع.

٣. في «س» نروع.

٤. في المصدر : يوماً ويومين.

٥. المغرب : ١ / ١٨١ ـ ١٨٢.

٣٦٨

٤٥

وكان من دعائه عليه السلام في وداع شهر رمضان

أللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَرْغَبُ فِي الْجَزَاءِ ، وَلاَ يَنْدَمُ عَلَى الْعَطَآءِ ، وَيَا مَنْ لاَ يُكَافِئُ عَبْدَهُ عَلَى السَّواءِ ، مِنَّتُكَ ابْتِدَاءٌ ، وَعَفْوُكَ تَفَضُّلٌ ، وَعُقُوبَتُكَ عَـدْلٌ ، وَقَضَاؤُكَ خِيَرَةٌ ، إنْ أَعْطَيْتَ لَمْ تَشُبْ عَطَآءَكَ بِمَنٍّ ، وَإنْ مَنَعْتَ لَمْ يَكُنْ مَنْعُكَ تَعَدِّياً ، تَشْكُرُ مَنْ شَكَرَكَ وَأَنْتَ أَلْهَمْتَهُ شُكْرَكَ ، وَتُكَافِئُ مَنْ حَمِدَكَ ، وَأَنْتَ عَلَّمْتَهُ حَمْدَكَ ، تَسْتُرُ عَلَى مَنْ لَوْ شِئْتَ فَضَحْتَهُ ، وَتَجُودُ عَلَى مَنْ لَوْ شِئْتَ مَنَعْتَهُ ، وَكِلاَهُمَا أَهْلٌ مِنْكَ لِلْفَضِيحَةِ وَالْمَنْعِ غَيْرَ أَنَّكَ بَنَيْتَ أَفْعَالَكَ عَلَى التَّفَضُّلِ ، وَأَجْرَيْتَ قُدْرَتَكَ عَلَى التَّجَاوُزِ ، وَتَلَقَّيْتَ مَنْ عَصَاكَ بِالحِلْمِ ، وَأمْهَلْتَ مَنْ قَصَدَ لِنَفْسِهِ بِالظُّلْمِ ، تَسْتَنْظِرُهُمْ بِأناتِكَ إلى الإنَابَةِ ، وَتَتْرُكُ مُعَاجَلَتَهُمْ إلَى التَّوْبَةِ لِكَيْلاَ يَهْلِكَ عَلَيْكَ هَالِكُهُمْ ، وَلا يَشْقَى بِنِعْمَتِكَ شَقِيُّهُمْ ، إلاَّ عَنْ طُولِ الإِعْذَارِ إلَيْهِ ، وَبَعْدَ تَرَادُفِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَرَماً مِنْ عَفْوِكَ يَا كَرِيْمُ ، وَعَائِدَةً مِنْ عَطْفِكَ يَا حَلِيمُ ، أَنْتَ

٣٦٩

الَّذِيْ فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَاباً إلَى عَفْوِكَ وَسَمَّيْتَهُ التَّوْبَـةَ ، وَجَعَلْتَ عَلَى ذلِكَ البَابِ دَلِيلاً مِنْ وَحْيِكَ لِئَلاَّ يَضِلُّوا عَنْهُ ، فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ : (تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فَمَا عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ ذلِكَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ فَتْحِ الْبَابِ ، وَإقَامَةِ الدَّلِيْلِ ، وَأَنْتَ الَّذِي زِدْتَ فِي السَّوْمِ عَلَى نَفْسِكَ لِعِبَادِكَ ، تُرِيدُ رِبْحَهُمْ فِي مُتَاجَرَتِهِمْ لَكَ ، وَفَوْزَهُمْ بِالْوِفَادَةِ عَلَيْكَ ، وَالزِّيادَةِ مِنْكَ ، فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَيْتَ : (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا) ، وَقُلْتَ (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ) وَقُلْتَ (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) وَمَا أَنْزَلْتَ مِنْ نَظَائِرِهِنَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَضَاعِيفِ الْحَسَنَاتِ ، وَأَنْتَ الَّذِي دَلَلْتَهُمْ بِقَوْلِكَ مِنْ غَيْبِكَ وَتَرْغِيْبِكَ ، الَّذِي فِيهِ حَظُّهُمْ عَلَى مَا لَوْ سَتَرْتَهُ عَنْهُمْ لَمْ تُدْرِكْهُ أَبْصَارُهُمْ وَلَمْ تَعِـهِ أَسْمَاعُهُمْ ، وَلَمْ تَلْحَقْـهُ أَوْهَامُهُمْ ، فَقُلْتَ

٣٧٠

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (١) وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) وقُلْتَ (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) وَقُلْتَ (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً ، وَتَرْكَهُ اسْتِكْبَاراً ، وَتَوَعَّدْتَ عَلَى تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ، فَذَكَرُوكَ بِمَنِّكَ ، وَشَكَرُوكَ بِفَضْلِكَ ، وَدَعَوْكَ بِأَمْرِكَ ، وَتَصَدَّقُوا لَكَ طَلَباً لِمَزِيدِكَ ، وَفِيهَا كَانَتْ نَجَاتُهُمْ مِنْ غَضَبِكَ ، وَفَوْزُهُمْ بِرِضَاكَ ، وَلَوْ دَلَّ مَخْلُوقٌ مَخْلُوقاً مِنْ نَفْسِهِ عَلَى مِثْلِ الَّذِيْ دَلَلْتَ عَلَيْهِ عِبَادَكَ مِنْكَ ، كَانَ مَوْصُوْفَاً بالإحْسَان ، وَمَنْعُوتاً بِالامْتِثَال ، ومحمُوداً بكلِّ لِسَان ، فَلَكَ الْحَمْدُ مَا وُجِدَ فِي حَمْدِكَ مَذْهَبٌ ، وَمَا بَقِيَ لِلْحَمْدِ لَفْظ تُحْمَدُ بِهِ ، وَمَعْنىً يَنْصَرفُ إلَيْهِ ، يَـا مَنْ تَحَمَّدَ إلَى عِبَـادِهِ بِالإِحْسَـانِ وَالْفَضْل ، وَغَمَرَهُمْ بِالْمَنِّ وَالطَّوْلِ ، مَا أَفْشَى فِيْنَا نِعْمَتَكَ ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَّتَكَ ،

وَأَخَصَّنَا بِبِرِّكَ ، هَدْيَتَنَا لِدِيْنِكَ الَّـذِي اصْطَفَيْتَ ، وَمِلَّتِـكَ الَّتِي ارْتَضَيْتَ ، وَسَبِيلِكَ الَّذِي سَهَّلْتَ ، وَبَصَّرْتَنَا الزُّلْفَةَ لَدَيْكَ ، وَالوُصُولَ إلَى كَـرَامَتِكَ. أللَّهُمَّ وَأَنْتَ جَعَلْتَ مِنْ صَفَـايَـا تِلْكَ الْوَظَائِفِ ، وَخَصَائِصِ تِلْكَ الْفُرُوضِ شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِي اخْتَصَصْتَهُ

٣٧١

مِنْ سَائِرِ الشُّهُورِ ، وَتَخَيَّرْتَهُ مِن جَمِيعِ الأزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ ، وَآثَرْتَهُ عَلَى كُلِّ أَوْقَاتِ السَّنَةِ بِمَا أَنْزَلْتَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالنُّورِ ، وَضَاعَفْتَ فِيهِ مِنَ الإيْمَانِ ، وَفَرَضْتَ فِيْهِ مِنَ الصِّيَامِ ، وَرَغَّبْتَ فِيهِ مِنَ القِيَامِ ، وَأَجْلَلْتَ فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر ، ثُمَّ آثَرْتَنَا بِهِ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ ، وَاصْطَفَيْتَنَا بِفَضْلِهِ دُوْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ ، فَصُمْنَا بِأَمْرِكَ نَهَارَهُ ، وَقُمْنَا بِعَوْنِكَ لَيْلَهُ ، مُتَعَرِّضِينَ بِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ لِمَا عَرَّضْتَنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَتَسَبَّبْنَا إلَيْـهِ مِنْ مَثُوبَتِكَ ، وَأَنْتَ الْمَليءُ بِمَا رُغِبَ فِيهِ إلَيْكَ ، الْجَوَادُ بِمـا سُئِلْتَ مِنْ فَضْلِكَ ، الْقَـرِيبُ إلَى مَنْ حَـاوَلَ قُرْبَكَ ، وَقَدْ أَقَامَ فِينَا هَذَا الشَّهْرُ مَقَامَ حَمْدٍ ، وَصَحِبَنَا صُحْبَةَ مَبْرُورٍ ، وَأَرْبَحَنَا أَفْضَلَ أَرْبَاحِ الْعَالَمِينَ ، ثُمَّ قَدْ فَارَقَنَا عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ وَانْقِطَاعِ مُدَّتِهِ ، وَوَفَاءِ عَدَدِهِ ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا ، وَغَمَّنَا وَأَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا ، وَلَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِيُّ فَنَحْنُ قَائِلُونَ : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللهِ الأكْبَرَ ، وَيَا عِيْدَ أَوْلِيَائِهِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَـا أكْرَمَ مَصْحُـوب مِنَ الأوْقَاتِ ، وَيَا خَيْرَ شَهْر فِي الأيَّامِ وَالسَّاعَاتِ. السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر قَرُبَتْ فِيهِ الآمالُ ، وَنُشِرَتْ فِيهِ الأَعْمَالُ. السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً ، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً ، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ ،

٣٧٢

السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ أَلِيف آنَسَ مُقْبِلاً فَسَرَّ ، (٢) وَأَوْحَشَ مُنْقَضِياً فَمَضَّ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مُجَاوِر رَقَّتْ فِيهِ الْقُلُوبُ ، وَقَلَّتْ فِيهِ الذُّنُوبُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ نَاصِر أَعَانَ عَلَى الشَّيْطَانِ ، وَصَاحِبٍ سَهَّلَ سُبُلَ الإحْسَانِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا أكْثَرَ عُتَقَاءَ اللهِ فِيكَ ، وَمَا أَسْعَدَ مَنْ رَعَى حُرْمَتَكَ بكَ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَمْحَاكَ لِلذُّنُوبِ ، وَأَسْتَرَكَ لِأَنْوَاعِ الْعُيُوبِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَطْوَلَكَ عَلَى الْمُجْرِمِينَ ، وَأَهْيَبَكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر لا تُنَافِسُهُ الأيَّامُ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر هُوَ مِنْ كُلِّ أَمْر سَلاَمٌ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ كَرِيهِ الْمُصَاحَبَةِ ، وَلاَ ذَمِيمِ الْمُلاَبَسَةِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ ، وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ الْخَطِيئاتِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّعٍ بَرَماً ، وَلاَ مَتْرُوك صِيَامُهُ سَأَماً ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مَطْلُوبِ قَبْلَ وَقْتِهِ ، وَمَحْزُونٍ عَلَيْهِ قَبْلَ فَوْتِهِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمْ مِنْ سُوء صُرِفَ بِكَ عَنَّا ، وَكَمْ مِنْ خَيْرٍ أُفِيضَ بِكَ عَلَيْنَا ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْـكَ وَعَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ ما كَانَ أَحْرَصَنَا بِالأمْسِ عَلَيْكَ ، وَأَشَدَّ شَوْقَنَا غَدَاً إلَيْكَ ، أَلسَلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى فَضْلِكَ الَّذِي حُرِمْنَاهُ ، وَعَلَى مَاض مِنْ بَرَكَاتِكَ سُلِبْنَاهُ. أَللَّهُمَّ إنَّا أَهْلُ هَذَا الشَّهْرِ الِّذِي شَرَّفْتَنَا بِهِ ، وَ

٣٧٣

وَفّقتَنَا بِمَنِّكَ لَهُ ، حِينَ جَهِلَ الاَشْقِيَاءُ وَقْتَهُ ، وَحُرِمُوا لِشَقَائِهِم فَضْلَهُ ، أَنْتَ وَلِيُّ مَا اثَرْتَنَا بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ ، وَهَدَيْتَنَا مِنْ سُنَّتِهِ ، وَقَدْ تَوَلَّيْنَا بِتَوْفِيقِكَ صِيَامَهُ وَقِيَامَهُ عَلى تَقْصِيرٍ ، وَأَدَّيْنَا فِيهِ قَلِيلاً مِنْ كَثِيـر. اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحمدُ إقْـرَاراً بِـالإسَاءَةَ ، وَاعْتِرَافاً بِالإضَاعَةِ ، وَلَك مِنْ قُلُوبِنَا عَقْدُ النَّدَمِ ، وَمِنْ أَلْسِنَتِنَا صِدْقُ الاعْتِذَارِ ، فَأَجِرْنَا عَلَى مَا أَصَابَنَا فِيهِ مِنَ التَّفْرِيطِ أَجْرَاً نَسْتَدْركُ بِهِ الْفَضْلَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ ، وَنَعْتَاضُ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الذُّخْرِ الْمَحْرُوصِ (٣) عَلَيْهِ ، وَأَوْجِبْ لَنَا عُذْرَكَ عَلَى مَا قَصَّرْنَا فِيهِ مِنْ حَقِّكَ ، وَابْلُغْ بِأَعْمَارِنَا مَا بَيْنَ أَيْديْنَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُقْبِلِ ، فَإذَا بَلَّغْتَنَاهُ فَأَعِنَّا عَلَى تَنَاوُلِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْعِبَادَةِ ، وَأَدِّنَا إلَى الْقِيَامِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَأجْرِ لنا مِنْ صَالِحِ العَمَلِ مَا يَكون دَرَكاً لِحَقِّكَ فِي الشَّهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ الدَّهْرِ. أللَّهُمَّ وَمَا أَلْمَمْنَا بِهِ فِي شَهْرِنَا هَذَا مِنْ لَمَم أَوْ إثْم ، أَوْ وَاقَعْنَا فِيهِ مِنْ ذَنْبِ ، وَاكْتَسَبْنَا فِيهِ مِنْ خَطِيئَة عَلَى تَعَمُّد مِنَّا أَوِ عَلى نِسْيانٍ ظَلَمْنا فيهِ اَنْفُسَنا ، اَوِ انْتَهَكْنَا بِهِ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِنَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ ، وَاعْفُ عَنَّا بِعَفْوِكَ ، وَلاَ تَنْصِبْنَا فِيهِ لاِعْيُنِ الشَّامِتِينَ ، وَلاَ تَبْسُطْ عَلَيْنَا فِيهِ أَلْسُنَ الطَّاغِينَ ، وَاسْتَعْمِلْنَا بِمَا يَكُونُ حِطَّةً وَكَفَّارَةً لِمَا أَنْكَرْتَ مِنَّا فِيهِ بِرَأْفَتِكَ الَّتِي لاَ تَنْفَدُ ، وَ

٣٧٤

فَضْلِكَ الَّذِي لا يَنْقُصُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتنَا بِشَهْرِنَا ، وَبَارِكْ لَنا فِي يَوْمِ عِيْدِنَا وَفِطْرِنَا ، وَاجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْم مَرَّ عَلَيْنَا أَجْلَبِهِ لِعَفْوٍ ، وَأَمْحَاهُ لِذَنْبِ ، وَاغْفِرْ لَنا ما خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا عَلَنَ. أللَّهُمَّ اسلَخْنَا بِانْسِلاَخِ هَذَا الشَّهْرِ مِنْ خَطَايَانَا ، وَأَخْرِجْنَا بُخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئاتِنَا ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ ، وَأَجْزَلِهِمْ قِسَمَاً فِيـهِ ، وَأَوْفَـرِهِمْ حَظّاً مِنْـهُ. أللّهُمَّ وَمَنْ رَعَى حَقّ هَذَا الشَّهْرِ حَقَّ رِعَايَتِهِ ، (٤) وَحَفِظَ حُرْمَتَهُ حَقَّ حِفْظِهَا ، وَقَامَ بِحُدُودِهِ حَقَّ قِيَامِهَا ، وَأتَّقَى ذُنُوبَهُ حَقَّ تُقَاتِهَا ، أَوْ تَقَرَّبَ إلَيْكَ بِقُرْبَة أَوْجَبَتْ رِضَاكَ لَهُ ، وَعَطَفَتْ رَحْمَتَكَ عَلَيْهِ ، فَهَبْ لَنَا مِثْلَهُ مِنْ وُجْدِكَ ، وَأَعْطِنَا أَضْعَافَهُ مِنْ فَضْلِكَ ، فَإنَّ فَضْلَكَ لا يَغِيْضُ ، وَإنَّ خَـزَائِنَكَ لا تَنْقُصُ. بَـلْ تَفِيضُ وَإنَّ مَعَـادِنَ إحْسَانِكَ لا تَفْنَى ، وَإنَّ عَطَاءَكَ لَلْعَطَآءُ الْمُهَنَّا ، أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاكْتُبْ لَنَا مِثْلَ أجُورِ مَنْ صَامَهُ ، أَوْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. أللَّهُمَّ إنَّا نَتُوبُ إلَيْكَ فِي يَوْمِ فِطْرِنَا الّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِيداً وَسُـرُوراً وَلأِهْلِ مِلَّتِكَ مَجْمَعاً وَمُحْتشداً مِنْ كُلِّ ذَنْب أَذْنَبْنَاهُ ، أَوْ سُوْء أَسْلَفْنَاهُ ، أَوْ خَاطِرِ شَرٍّ أَضْمَرْنَاهُ ، تَوْبَةَ مَنْ لاَ يَنْطَوِيْ عَلَى رُجُوعٍ إلَى ذَنْبٍ ، وَلا يَعُودُ بَعْدَهَا فِي خَطِيئَة ، تَوْبَةً نَصوحاً خَلَصَتْ مِنَ الشَّكِّ وَالارْتِيَابِ ، فَتَقَبَّلْهَا مِنَّا ، وَارْضَ عَنَّا ،

٣٧٥

وَثَبِّتنَا عَلَيْهَا. أللَّهُمَّ ارْزُقْنَا خَوْفَ عِقَابِ الْوَعِيدِ ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ ، حَتّى نَجِدَ لَذَّةَ مَا نَدْعُوكَ بِهِ ، وكَأْبَةَ مَا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْهُ ، وَاجْعَلْنَا عِنْدَكَ مِنَ التَّوَّابِيْنَ ، الَّذِينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ ، وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مُرَاجَعَةَ طَاعَتِكَ ، يَا أَعْدَلَ الْعَادِلِينَ. أللَّهُمَّ تَجَاوَزْ عَنْ آبآئِنَا وَأُمَّهَاتِنَا ، وَأَهْلِ دِيْنِنَا جَمِيعاً مَنْ سَلَفَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَبَرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد نَبِيِّنَا وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى أَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ، وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، صَلاَةً تَبْلُغُنَا بَرَكَتُهَا ، وَيَنَالُنَا نَفْعُهَا ، وَيُسْتَجَابُ لَنَا دُعَاؤُنَا ، إنَّكَ أكْرَمُ مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ ، وَأكْفَى مَنْ تُوُكِّلَ عَلَيْهِ ، وَأَعْطَى مَنْ سُئِلَ مِنْ فَضْلِهِ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

٣٧٦

(١) قوله عليه السلام : فقلت اذكروني أذكركم

يجب هاهنا إظهار همزة اُذكروني المضمومة وصلاً ووقفاً ، وكذلك همزة «اُدعوني» المضمومة في وقلت : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ولا يجوز إسقاطها في الوصل ، مع أنّها همزة الوصل دون القطع ؛ لكونهما أوّل المعمول المحكيّ عن التنزيل الكريم ، وكذلك في مثل قلناه : «والله أعلم» للذات المقدّسة يجب إظهار همزة «الله» ولا يجوز إسقاطها كما هو المستبين ، فليعلم.

(٢) قوله عليه السلام : مقبلاً

بضمّ الميم وكسر الباء الموحّدة بعد القاف الساكنة ، على اسم الفاعل من الإقبال نقيض الإدبار. أو بفتح الموحّدة من أقبل مقبلاً ، على نحو قوله سبحانه (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) (١) أي : أقبل إقبالاً مونساً ، كما هناك أدخلني إدخال صدق وآنس بإقباله علينا ، كما تقول : سرنا إكراماً ، أي : بإكرامه إيّانا.

(٣) قوله عليه السلام : الذخر المخروص

بالخاء المعجمة والصاد المهملة من الخرص بمعنى الحرز والتخمين ، وتنبيهاً على أنّ ما توهّمه من الذخر المعتاض به إنّما هو على سبيل تقدير وتخمين ، كما هو شاكلة الآملين و

__________________

١. الاسراء : ٨٠.

٣٧٧

المؤمّلين ، لا من جهة استحقاق واستيجاب منّا يوجب ذلك.

وفي خ «لش» المحروض بالحاء المهملة والضاد المعجمة. وفي بعض نسخ الكتاب ونسخة «كف» المحروص عليه بالمهملتين.

(٤) قوله عليه السلام : حقّ رعايته

يعود إلى الشهر على ما في أصل الكتاب ، وإلى الحقّ المضاف إلى هذا الشهر على رواية ابن إدريس.

٣٧٨

٤٦

وكان من دعائه عليه السلام

في يوم الفطر إذا انصرف من صلوته

قام قائما ثم استقبل القبلة وَفي يوم الجمعة فقال

يَا مَنْ يَرْحَمُ مَنْ لا يَرْحَمُهُ الْعِبَادُ ، وَيَا مَنْ يَقْبَلُ مَنْ لا تَقْبَلُهُ الْبِلاَدُ ، وَيَا مَن لاَ يَحْتَقِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَيَا مَنْ لا يُخَيِّبُ الملِحِّيْنَ عَلَيْـهِ ، وَيَا مَنْ لاَ يَجْبَهُ بِالرَّدِّ أَهْلَ الدَّالَّةِ عَليهِ ، وَيَا مَنْ يَجْتَبِي صَغِيرَ مَايُتْحَفُ بِهِ ، (١) وَيَشْكُرُ يَسِيرَ مَا يُعْمَلُ لَهُ ، وَيَامَنْ يَشْكُرُ عَلَى الْقَلِيْلِ وَيُجَازيْ بِالْجَلِيلِ ، وَيَا مَنْ يَدْنُو إلَى مَنْ دَنا مِنْهُ ، وَيَا مَنْ يَدعُو إلَى نَفْسِهِ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ ، وَيَا مَنْ لا يُغَيِّرُ النِّعْمَةَ ، وَلا يُبَادِرُ بِالنَّقِمَةِ ، وَيَا مَنْ يُثْمِرُ الْحَسَنَةَ حَتَّى يُنْمِيَهَا ، وَيَتَجَاوَزُ عَنِ السَّيِّئَةِ حَتَّى يُعَفِّيَهَا ، انْصَرَفَتِ الآمَالُ دُونَ مَدى كَرَمِكَ بِالحَاجَاتِ ، وَامْتَلاَتْ بِفَيْضِ جُودِكَ أَوْعِيَةُ الطَّلِبات ، وَتَفَسَّخَتْ دُونَ بُلُوغِ نَعْتِـكَ الصِّفَاتُ ، فَلَكَ الْعُلُوُّ الأعْلَى فَوْقَ كُلِّ عَالٍ ، وَالْجَلاَلُ الأمْجَدُ فَوْقَ

٣٧٩

كُلِّ جَلاَلٍ ، كُلُّ جَلِيْل عِنْدَكَ صَغِيرٌ وَكُلُّ شَرِيف فِي جَنْبِ شَرَفِكَ حَقِيرٌ ، خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ ، وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إلاَّ لَكَ ، وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ إلاّ بِكَ ، وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُـونَ إلاَّ مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ ، بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ ، وَجُودُكَ مُبَاحٌ لِلسَّائِلِينَ ، وَإغاثَتُكَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُسْتَغِيْثِينَ ، لاَ يَخِيبُ مِنْـكَ الآمِلُونَ وَلاَ يَيْأَسُ مِنْ عَطَائِكَ الْمُتَعَرِّضُونَ ، وَلا يَشْقَى بِنَقْمَتِكَ الْمُسْتَغْفِرُونَ ، رِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ ، وَحِلْمُكَ مُعْتَـرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ ، عَادَتُكَ الإحْسَـانُ إلَى الْمُسِيئينَ ، وَسُنَّتُـكَ الإبْقَاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ ، حَتَّى لَقَدْ غَرَّتْهُمْ أَنَاتُكَ عَنِ الرُّجُوعِ ، وَصَدَّهُمْ إمْهَالُكَ عَن النُّزُوعِ ، وَإنَّمَا تَأَنَّيْتَ بهمْ لِيَفِيئُوا إلَى أَمْرِكَ ، وَأَمْهَلْتَهُمْ ثِقَةً بِدَوَامِ مُلْكِكَ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ خَتَمْتَ لَهُ بِهَا ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ خَذَلْتَهُ لَهَا ، كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إلَى حُكْمِكَ وَأُمُورُهُمْ آئِلَة إلَى أَمْـرِكَ ، لَمْ يَهِنْ عَلَى طُـولِ مُـدَّتِهِمْ سُلْطَانُـكَ ، وَلَمْ يَـدْحَضْ لِتَـرْكِ مُعَاجَلَتِهِمْ بُرْهَانُكَ ، حُجَّتُكَ قَائِمَةٌ لاَ تُدْحَضُ ، وَسُلْطَانُكَ ثَابِتٌ لا يَزُولُ ، فَالْوَيْلُ الدَّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ عَنْكَ ، وَالْخَيْبَةُ الْخَاذِلَةُ لِمَنْ خَابَ مِنْكَ ، وَالشَّقاءُ الاشْقَى لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ ، مَا أكْثَرَ تَصَرُّفَهُ فِي عَذَابِكَ ، وَمَا أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِيْ عِقَابِكَ ، وَمَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ ، وَمَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ ،

٣٨٠