شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر

أي : وتشقى بالرماح الضياطرة وهم (١) اللئام. وأمّا أن نفوذ الشيء في صاحبه مساوق نفوذ صاحبه أيضاً فيه ؛ لأنّ ما لزمك فقد لزمته على سيااق ما قاله المفسّرون هناك ، فغير مستقيم هاهنا ، فليتدبّر.

(٤) قوله عليه السلام : واجعل همسات قلوبنا

همسات القلوب وهي النفوس الناطقة الإنسانيّة هي دقائق أفكارها ، ولحظات أنظارها ، وانبعاثات ميولها ، واهتزازات إراداتها ، بحسب قوّتيه النظريّة والعلميّة.

والهمس : في اللغة الصوت الخفيّ ، وهمس الأقدام أخفى ما يكون من صوت القدم ، ومنه سمّي الأسد «هموساً» لأنّ مشيته خفيفة خفيّة ، فلا يسمع دويّ وطئه.

وفي رواية «كف» عزّ وجل مكان سبحانه وتعالى. واللجأ محرّكة واللجاء بالمدّ بمعنى.

__________________

١. في «ن» : وهو.

١٤١

١٠

وكان من دعائه عليه السلام في اللجا إلى الله تعالى

اللّهُمَّ إن تَشَأْ تعفُ عَنّا فَبِفضْلِكَ ، وَانْ تَشَأْ تُعَذِّبْنا فَبَعدْلِكَ ، فَسَهِّلْ لَنَا عَفْوَكَ بِمنِّكَ ، وَأَجِرْنَا

مِنْ عَذَابِكَ بِتَجاوُزكَ ، فَإنَّهُ لاَ طاقَةَ لَنَا بَعدلِكَ ، وَلاَ نجاةَ لأحَد دُوْنَ عَفْوِكَ ، يا غَنِيَّ الأغْنياء ، هَا ، نَحَنُ عِبادُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَأَنَا أَفْقَراء إليْكَ ، فَأجْبُرْ فاقَتَنا بِوُسْعِكَ ، ولا تَقْطَعَ رَجَاءنا بِمَنْعِكَ ، فَتَكُوْنَ قد أَشْقَيْتَ مَنِ اسْتَسْعَدَ بِكَ وَجَرَمْتَ مَنِ اسْتَرْفَدَ فَضْلَكَ ، فَإلى مَنْ حيْنئذ مُنْقَلَبُنَا عَنْكَ ، وإلى أيْنَ مَذهَبُنَا عن بَابِكَ ، سُبْحَنَكَ نَحْنُ المضْطُّرون الذّينَ أَوْجَبْتَ إجابَتَهُمْ ، وَأهْلُ السُّوْء الذّيْنَ وَعَدْتَ الْكَشْفَ عَنْهُمْ ، وَأَشْبَـهُ الأَشْياءِ بِمَشِيَّتِـكَ ، وَأَوْلَى الأمُورِ بِكَ فِيْ عَظَمَتِكَ ، رَحْمَةُ مَنِ اسْتَرْحَمَكَ ، وَغَوْثُ مَنِ اسْتَغَاثَ بِكَ ، فَارْحَمْ تَضَرُّعَنَا إلَيْكَ ، وَأَغْنِنَا إذْ طَرَحْنَـا أَنْفُسَنَا بَيْنَ يَـدَيْكَ. أللَّهُمَّ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ شمِتَ بِنَا إذْ شَايَعْنَاهُ عَلَى مَعْصِيَتِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَلا تُشْمِتْهُ بِنَا بَعْدَ تَرْكِنَا إيَّاهُ لَكَ ، وَرَغْبَتِنَا عَنْهُ إلَيْكَ. (١)

١٤٢

(١) قوله عليه السلام في آخر الدعاء بعد قوله :

ورغبتنا عنه إليك : يا أرحم الراحمين

في خ «ش» و «ع» برحمتك يا أرحم الراحمين. خ «ش» و «كف». (١)

في الأصل بخواتم ، وفي رواية «ش» و «كف» بخواتيم.

__________________

١. أي : في نسخة الشهيد والكفعمي قدّس الله أسرارهما.

١٤٣

١١

وكان من دعائه عليه السلام بخواتم الخير

يا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ ، وَيَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشَّاكِرِينَ ، وَيَا مَنْ طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِينَ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْر ، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْر ، وَجَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَة ، فَإنْ قَدَّرْتَ لَنَا فَرَاغاً مِنْ شُغُل فَاجْعَلْهُ فَرَاغَ سَلاَمَة لا تُدْرِكُنَا فِيهِ تَبِعَةٌ ، (١) وَلاَ تَلْحَقُنَا فِيهِ سَئَمَةٌ ، حَتَّى يَنْصَرِفَ عَنَّا كُتَّابُ السَّيِّئَاتِ بِصَحِيفَة خَالِيَة مِنْ ذِكْرِ سَيِّئاتِنَا ، وَيَتَوَلّى كُتَّابُ الْحَسَنَاتِ عَنَّا مَسْرُورِينَ بِمَا كَتَبُوا مِنْ حَسَنَاتِنَا ، وَإذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ حَيَاتِنَـا ، وَتَصَرَّمَتْ مُـدَدُ أَعْمَارِنَـا ، وَاسْتَحْضَرَتْنَا دَعْوَتُكَ الَّتِي لاَ بُدَّ مِنْهَا ، وَمِنْ إجَابَتِهَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ خِتَامَ مَا تُحْصِي عَلَيْنَا كَتَبَةُ أَعْمَالِنَا تَوْبَةً مَقْبُولَةً لا تُوقِفُنَا بَعْدَهَا

١٤٤

عَلَى ذَنْب اجْتَرَحْنَاهُ ، وَلاَ مَعْصِيَة اقْتَرَفْنَاهَا ، وَلاَ تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأشْهَادِ ، يَوْمَ تَبْلُو أَخْبَارَ عِبَادِكَ ، إنَّكَ رَحِيمٌ بِمَنْ دَعَاكَ ، وَمُسْتَجيبٌ لِمَنْ نَادَاكَ.

١٤٥

(١) قوله عليه السلام : لا تدركنا فيه تبعة

والتبعة بكسر التاء المثنّاة من فوق وكسر الموحّدة : ما يتبع الشيء من النوائب.

قال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث قيس بن عاصم : يا رسول الله ما المال؟ قال : الذي ليس فيه تبعة من طالب ولا ضيق. يريد بالتبعة ما يتبع المال من نوائب الحقوق ، وهو من تبعت الرجل بحقّي. (١)

وفي رواية «كف» إلى الله عزّ وجلّ.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ١٧٩.

١٤٦

١٢

وكان من دعائه عليه السلام

في الاعتراف وطلب التوبة إلى الله تعالى

أَللَّهُمَّ إنَّهُ يَحْجُبُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ خِلاَلٌ ثَلاثٌ ، وَتَحْدُونِي عَلَيْهَا خَلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، يَحْجُبُنِي أَمْرٌ أَمَرْتَ بِهِ فَأَبْطَأتُ عَنْهُ ، وَنَهْيٌ نَهَيْتَنِي عَنْهُ فَأَسْرَعْتُ إلَيْهِ ، وَنِعْمَةٌ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ ، فَقَصَّرْتُ فِي شُكْرِهَـا ، وَيَحْدُونِي عَلَى مَسْأَلَتِكَ تَفَضُّلُكَ عَلَى مَنْ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلَيْكَ ، وَوَفَدَ بِحُسْنِ ظَنِّـهِ إلَيْكَ ، إذْ جَمِيعُ إحْسَانِكَ تَفَضُّلٌ ، وَإذْ كُلُّ نِعَمِكَ ابْتِدَاءٌ ، (١) فَهَا أَنَا ذَا يَا إلهِيْ وَاقِفٌ بِبَابِ عِزِّكَ وُقُوفَ المُسْتَسْلِمِ الذَّلِيْل ، وَسَائِلُكَ عَلَى الْحَيَاءِ مِنّي سُؤَالَ الْبَائِسِ الْمُعِيْلِ ، مُقـرٌّ لَكَ بأَنّي لَمْ أَسْتَسْلِمْ وَقْتَ إحْسَانِـكَ إلاَّ بِالاِقْلاَعِ عَنْ عِصْيَانِكَ ، وَلَمْ أَخْلُ فِي الْحَالاتِ كُلِّهَا مِنِ امْتِنَانِكَ ، فَهَلْ يَنْفَعُنِي يَا إلهِي إقْرَارِي عِنْدَكَ بِسُوءِ مَا اكْتَسَبْتُ ، وَهَلْ يُنْجِيْنِي مِنْكَ اعْتِرَافِي لَكَ بِقَبِيْحِ مَا ارْتَكَبْتُ؟ أَمْ أَوْجَبْتَ لِي فِي مَقَامِي هَذَا سُخْطَكَ؟ أَمْ لَزِمَنِي فِي وَقْتِ

١٤٧

دُعَائِي مَقْتُكَ؟ سُبْحَانَكَ ، لاَ أَيْأَسُ مِنْكَ وَقَدْ فَتَحْتَ لِيَ بَابَ التَّوْبَةِ إلَيْكَ ، بَلْ أَقُولُ مَقَالَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ ، الْمُسْتَخِفِّ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ ، الَّذِي عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ فَجَلَّتْ ، وَأَدْبَرَتْ أَيّامُهُ فَوَلَّتْ حَتَّى إذَا رَأى مُدَّةَ الْعَمَلِ قَدِ انْقَضَتْ ، وَغَايَةَ الْعُمُرِ قَدِ انْتَهَتْ ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لا مَحيصَ لَهُ مِنْكَ ، وَلاَ مَهْرَبَ لَهُ عَنْكَ ، تَلَقَّاكَ بِالإنَابَةِ ، وَأَخْلَصَ لَكَ التَّوْبَةَ ، فَقَامَ إلَيْكَ بِقَلْبِ طَاهِر نَقِيٍّ ، ثُمَّ دَعَاكَ بِصَوْت حَائِل خَفِيٍّ ، قَدْ تَطَأطَأَ لَكَ فَانْحَنى ، وَنَكَّسَ رَأسَهُ فَانْثَنَى ، قَدْ أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ ، وَغَرَّقَتْ دُمُوعُهُ خَدَّيْهِ ، يَدْعُوكَ بِيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَيَا أَرْحَمَ مَنِ انْتَابَهُ الْمُسْتَرْحِمُونَ ، (٢) وَيَا أَعْطَفَ مَنْ أَطَافَ بِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ ، وَيَا مَنْ عَفْوُهُ أكْثَرُ مِنْ نِقْمَتِهِ ، وَيَا مَنْ رِضَاهُ أَوْفَرُ مِنْ سَخَطِهِ ، وَيَا مَنْ تَحَمَّدَ إلَى خَلْقِهِ بِحُسْنِ التَّجاوُزِ ، وَيَا مَنْ عَوَّدَ عِبادَهُ قَبُولَ الإنَابَةِ ، وَيَا مَنِ اسْتَصْلَحَ فَاسِدَهُمْ بِالتَّوْبَةِ ، وَيَا مَنْ رَضِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ بِالْيَسيرِ ، وَيَا مَنْ كَافى قَلِيْلَهُمْ بِالْكَثِيرِ ، وَيَا مَنْ ضَمِنَ لَهُمْ إجَابَةَ الدُّعاءِ ، وَيَا مَنْ وَعَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِتَفَضُّلِهِ حُسْنَ الْجَزاءِ ، مَا أَنَا بِأَعْصَى مَنْ عَصَاكَ فَغَفَرْتَ لَهُ ، وَمَا أَنَا بِأَلْوَمِ مَنِ اعْتَذَرَ إلَيْكَ فَقَبِلْتَ مِنْهُ ، وَمَا أَنَا بِأَظْلَمِ مَنْ تَابَ إلَيْكَ فَعُدْتَ عَلَيْهِ ، (٣) أَتُوبُ إلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا تَوْبَةَ نَادِم عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ ،

١٤٨

مُشْفِق مِمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ ، خَالِصِ الْحَيَاءِ مِمَّا وَقَعَ فِيْهِ ، عَالِم بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ لاَ يَتَعـاظَمُكَ ، وَأَنَّ التَّجَـاوُزَ عَنِ الإثْمِ الْجَلِيْلِ لا يَسْتَصْعِبُكَ ، وَأَنَّ احْتِمَالَ الْجنَايَاتِ الْفَـاحِشَةِ لا يَتَكَأَّدُكَ ، وَأَنَّ أَحَبَّ عِبَادِكَ إلَيْكَ مَنْ تَرَكَ الاسْتِكْبَارَ عَلَيْكَ ، وَجَانَبَ الإِصْرَارَ ، وَلَزِمَ الاسْتِغْفَارَ ، وَأَنَا أَبْرَأُ إلَيْكَ مِنْ أَنْ أَسْتَكْبِرَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أصِـرَّ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا قَصَّرْتُ فِيهِ ، وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَبْ لِي مَا يَجبُ عَلَيَّ لَكَ ، وَعَافِنِي مِمَّا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ، وَأجِرْنِي مِمَّا يَخَافُهُ أَهْلُ الإساءَةِ ، فَإنَّكَ مَلِيءٌ بِالْعَفْوِ ، (٤) مَرْجُوٌّ لِلْمَغْفِرَةِ ، مَعْرُوفٌ بِالتَّجَاوُزِ ، لَيْسَ لِحَاجَتِي مَطْلَبٌ سِوَاكَ ، وَلا لِذَنْبِي غَافِرٌ غَيْرُكَ ، حَاشَاكَ ، (٥) وَلاَ أَخَافُ عَلَى نَفْسِي إلاّ إيَّاكَ ، إنَّكَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَاقْض حَاجَتِي وَأَنْجِحْ طَلِبَتِي ، وَاغْفِرْ ذَنْبِي ، وَآمِنْ خَوْفَ نَفْسِيْ ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ وَذلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

١٤٩

(١) قوله عليه السلام : وإذ كلّ نعمك ابتداء

إذ قاطبة ما سواك مستندة إليك بالذات أبد الآباد مرّة واحدة دهريّة خارجة عن إدراك الأوهام ، لا على شاكلة المرّات الزمانيّة المألوفة للقرائح الوهمانيّة ، فطابع الإمكان الذاتي ملاك الإفتقار إلى جدتك ، ومناط الإستناد إلى هبتك.

فكما أنّ النعم والمواهب فيوض جودك ورحمتك ، فكذلك الإستحقاقات والإستعدادات المترتّبة في سلسلة الأسباب والمسبّبات ، مستندة جميعاً إليك ، فائضة بأسرها من تلقاء فيّاضيّتك.

(٢) قوله عليه السلام : من انتابه المسترحمون

انتاب الرجل كذا أتاه مرّة بعد مرّة على التناوب ، وهو افتعال من النوبة بالنون قبل الواو ، أي : أتوه على التناوب مرّة بعد اُخرى.

قال الجوهري في الصحاح : ناب عنّي فلان ينوب مناباً ، أي : قام مقامي. وانتاب فلان القوم انتياباً ، أي :أتاهم مرّة بعد اُخرى ، وهو افتعال من النوبة.

ومنه قول الهذلي : لا يرد الماء إلّا انتياباً ويروى «ائتياباً» وهو إفتعال من آب يؤوب ، إذ أتى ليلاً. وأناب إلى الله ، أي : أقبل وتاب. (١)

وفي القاموس : النوبة الفرصة والدولة والجماعة من الناس ، وواحده النؤروب ، وناب عنه نوباً ومناباً قام مقامه ، وانتبه عنه وناب إلى الله تاب ، كأناب ، وناوبه عاقبه ، وناب لزم الطاعة ، وانتابهم انتياباً أتاهم مرّة بعد اُخرى ، وسمّوا مناباً. (٢)

ومن أعاجيب الأغلاط ما وقع هنا لغير واحد من الطغام القاصرين ، وهو حسبان ذلك انفعال من التوبة الرجوع من الذنب والندم عليها ، ثمّ استناد هذا الحسبان إلى الصحاح

__________________

١. الصحاح : ١ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

٢. القاموس : ١ / ١٣٤ ـ ١٣٥.

١٥٠

أفيكة (١) واختلاقاً ، فاستقم كما اُمرت ولا تكن من الجاهلين.

(٣) قوله عليه السلام : فعدت عليه

لا من العود ، بل من العائدة ، وهي الصلة والفضل والمعروف والعطف والإحسان.

(٤) قوله عليه السلام : فإنّك مليء

بالهمزة بعد الياء على صيغة فعيل. وفي نسخة برواية «كف» مليّ مشدّدة الياء بالقلب والإدغام من ملأ الإناء يملاءه ومالأه فلاناً ، أي : عاونه ، وتمالأوا تعاونوا.

قال المطرّزي : وأصل ذلك العون الملاء ثمّ عمّ ، والملي الغنيّ المقتدر ، وقد ملوء ملاءة وهو أملاء منه على أفعل التفضيل ، ومنه قول شريح : اختر أملاهم أي : أقدرهم.

وقال الزمخشري في الأساس : هو مليء بكذا أي : مضطلع ، وقد ملؤه به ملاءة وهم مليؤون به. (٢)

وقال العزيزي في غريب القرآن : ملاء من بني إسرائيل يعني أشرافهم ووجوههم ، ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وآله : «اُولئك الملأ من قريش» واشتقاقه من ملأت الشيء ، وفلان مليء إذا كان مكثراً ، فمعنى الملاء : الذين يملؤون العين والقلب وما أشبه ذلك.

وقال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث الدين : «إذا اتّبع أحدكم على مليء فليتبع» المليء بالهمزة الثقة الغني ، وقد ملؤ فهو مليء بين الملا والملاء بالمدّ. وقد أولع الناس فيه بترك الهمز وتشديد الياء. (٣)

قلت : فقد استبان أنّ مليّاً بهذا المعنى أصله بالهمز على خلاف ملي في قوله سبحانه (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (٤) أي : زماناً طويلاً من الملاوة ، على ما قد أسلفنا لك تحقيقه ، فلا تكن من المتخبّطين. (٥)

(٥) قوله عليه السلام : حاشاك

__________________

١. في «ن» : أفكية.

٢. أساس البلاغة : ص ٦٠١.

٣. نهاية ابن الأثير : ٤ / ٣٥٢.

٤. سورة مريم : ٤٦.

٥. هذا ردّ على السيّد نجم الدين «منه».

١٥١

بالوقف ، ليتعلّق بـ«غافر غيرك». وبالوصل ، ليتعلّقّ بـ«ولا أخاف على نفسي إلّا إيّاك». والأحبّ عندي على الأخير الوقف على غيرك ثمّ الإبتداء بـ«حاشاك».

وهو على الأوّل : إمّا بمعنى سبحانك ، أو بمعنى إلّا أنت ، تأكيداً للمعنى الذي أفاده غيرك ، أو للتنزيه والتقديس عن إمكان أن يتصوّر للذنوب غافر غيره.

وعلى الأخير للتنزيه والتقديس عن أن يكون سبحانه ، بحيث لا يخاف عنده على نفسه إلّا إيّاه.

فأمّا كيف يتصحّح ذلك ، وأنّ من درجات العرفان أن لا يخشى العارف إلّا ربّه فمن سبل ثلاثة :

الأوّل : أنّه جلّ سلطانه إنّما انتقامه من تمام الحكمة ، وعقابه من سعة الرحمة ، كما قال عليه السلام في دعائه إذا استقال من ذنوبه : أنت الذي تسعى رحمته أمام غضبه». فالعقوبات الإلهيّة كتأدبيات يتولّاها المؤدّب الرؤوف الرحيم ، وإيلامات يأمر بها المعالج العطوف الحكيم. وإنّما الأسماء الحسنى القهريّة للرحمن سبحانه وتعالى ، كالقابض والخافض والمذلّ والضارّ من حيث أسماؤه الحسنى اللطيفة ، كالباسط والرافع والمعزّ والنافع.

وإلى هذا نظر من قال من أهل التحصيل والتحقيق أنّه لا يسوغ للذاكرين الله سبحانه أن يفردوا شيئاً من أسمائه القهريّة عن مقابلة أسمائه الرحمة دون العكس.

الثاني : أنّه لمّا كانت غاية شدّة الكمال مستوجبة تعانق الأسماء المتقابلة الكماليّة على الوجه الأتمّ الأكمل ، كان كلّ من الأسماء الحسنى المتقابلة الإلهيّة ، مقتضاه في شدّة الكمال أن يكون بحيث كأنّه لا يستصحّ إطلاق مقابلة أصلاً.

فملاحظة الغفور الرحيم في مقام طلب المغفرة والرحمة ، كأنّها تصدّ العبد بحسب ما يستوجبه شدّة كماليّة الإسم عن استشعار ما يقابله من الأسماء المقدّسة ، وهو شديد العقاب. وقد لاحظ من ذهب من الأصحاب إلى أنّه لا يسوغ للذاكرين افراد شيء من الإسمين المتقابلين عن مقابلة ، بل تحقيق بحسن الأدب القران بين كلّ متقابلين من الأسماء المقدّسة.

١٥٢

الثالث : أنّ درجة العارف في مقام الرجاء بحسب أن تصدّه عن استشعار الخوف رأساً ، كما يجب أن تصدّه درجته في مقام الخوف عن احتمال الرجاء أصلاً ، ولذلك قد وجب أن يكون درجات الرجاء والخوف على التكافؤ والتقاوم أبداً إلى حين الموت.

روى شيخنا الأقدم أبو جعفر الكليني (رحمه الله تعالى) في كتابه الكافي عن الحارث بن المغيرة أو عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما كان في وصيّة لقمان لابنه؟ قال كان فيها الأعاجيب ، وكان أعجب ما كان فيها ، أن قال لإبنه : خف الله عزّ وجلّ خيفة لو جئته ببرّ الثقلين لعذّبك ، وارجو الله رجاءاً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ، ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام : كان أبي يقول : إنّه ليس من عبد مؤمن إلّا وفي قلبه نوران : نور خيفة ، ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا ، ولو وزن هذا لم يزد على هذا. انتهى ما في الكافي. (١)

والذي يستبين لي : أنّه لعلّ في تأخيره عليه السلام الرجاء عن الخوف إيماءاً لطيفاً إلى أنّه ينبغي أن يكون خاتمة الحياة على مقام الرجاء ورجحان درجته. والله أعلم بأسرار أوصياء رسوله عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

وفي رواية «ع» و «كف» عزّ وجلّ مكان تعالى.

__________________

١. اُصول الكافي : ٢ / ٥٥.

١٥٣

١٣

وكان من دعائه عليه السلام في طلب الحوائج إلى الله تعالى

أللَّهُمَّ يَا مُنْتَهَى مَطْلَبِ الْحَاجَاتِ ، وَيَا مَنْ عِنْدَه نَيْلُ الطَّلِبَاتِ ، وَيَا مَنْ لا يَبِيْعُ نِعَمَهُ بالأثْمَانِ ، وَيَا مَنْ لا يُكَدِّرُ عَطَايَاهُ بِالامْتِنَانِ ، وَيَا مَنْ يُسْتَغْنَى بِهِ ، وَلاَ يُسْتَغْنَى عَنْهُ ، وَيَا مَنْ يُرْغَبُ إلَيْهِ وَلا يُرْغَبُ عَنْهُ ، وَيَا مَنْ لا تُفنى خَزَآئِنَهُ الْمَسَائِلُ ، وَيَا مَنْ لاَ تُبَدِّلُ حِكْمَتَهُ الْوَسَائِلُ ، وَيَا مَنْ لاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ حَوَائِجُ الْمُحْتَاجِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ يُعَنِّيهِ دُعَاءُ الدَّاعِينَ ، (١) تَمَدَّحْتَ بِالْغَنَاءِ عَنْ خَلْقِكَ ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْغِنَى عَنْهُمْ ، وَنَسَبْتَهُمْ إلَى الفَقْرِ وَهُمْ أَهْلُ الْفَقْرِ إلَيْكَ ، فَمَنْ حَاوَلَ سَدَّ خَلَّتِهِ مِنْ عِنْدِكَ ، وَرَامَ صَرْفَ الْفَقْر عَنْ نَفْسِهِ بِكَ ، فَقَدْ طَلَبَ حَاجَتَهُ فِي مَظَانِّها ، وَأَتَى طَلِبَتَهُ مِنْ وَجْهِهَا ، وَمَنْ تَوَجَّهَ بِحَاجَتِهِ إلَى أَحَد مِنْ خَلْقِكَ أَوْ جَعَلَهُ سَبَبَ نُجْحِهَا دُونَكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْحِرْمَانِ ، وَاسْتَحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَوْتَ الاِحْسَانِ. أللَّهُمَّ وَلِي إلَيْكَ حَاجَةٌ قَـدْ قَصَّرَ عَنْهَـا جُهْدِي ، وَتَقَطَّعَتْ دُونَهَا حِيَلِي ، وَسَوَّلَتْ لِيْ نَفْسِي رَفْعَهَا

١٥٤

إلَى مَنْ يَرْفَعُ حَوَائِجَهُ إلَيْكَ ، وَلاَ يَسْتَغْنِي فِي طَلِبَاتِهِ عَنْكَ ، وَهِيَ زَلَّةٌ مِنْ زَلَلِ الْخَاطِئِينَ ، وَعَثْرَةٌ مِنْ عَثَراتِ الْمُذْنِبِينَ ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ بِتَذْكِيرِكَ لِي مِنْ غَفْلَتِي وَنَهَضْتُ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ زَلَّتِي ، وَنَكَصْتُ بِتَسْـدِيدِكَ عَنْ عَثْـرَتِي ، وَقُلْتُ سُبْحَانَ رَبّي كَيْفَ يَسْأَلُ مُحْتَاجٌ مُحْتَاجـاً ، (٢) وَأَنَّى يَرْغَبُ مُعْدِمٌ إلَى مُعْدِم؟ (٣) فَقَصَدْتُكَ يا إلهِي بِالرَّغْبَةِ ، وَأَوْفَدْتُ عَلَيْكَ رَجَائِي بِالثِّقَةِ بِكَ ، وَعَلِمْتُ أَنَّ كَثِيرَ مَا أَسْأَلُكَ يَسِيرٌ فِي وُجْدِكَ ، وَأَنَّ خَطِيرَ مَا أَسْتَوْهِبُكَ حَقِيرٌ فِيْ وُسْعِكَ ، وَأَنَّ كَرَمَكَ لاَ يَضِيقُ عَنْ سُؤَال أحَد ، وَأَنَّ يَدَكَ بِالْعَطايا أَعْلَى مِنْ كُلِّ يَد. أللَهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاحْمِلْنِي بِكَرَمِكَ عَلَى التَّفَضُّلِ ، وَلاَ تَحْمِلْنِي بِعَدْلِكَ عَلَى الاسْتِحْقَاقِ ، فَما أَنَا بِأَوَّلِ رَاغِبِ رَغِبَ إلَيْكَ فَأَعْطَيْتَهُ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْمَنْعَ ، وَلاَ بِأَوَّلِ سَائِل سَأَلَكَ فَأَفْضَلْتَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْتَوْجِبُ الْحِرْمَانَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَكُنْ لِدُعَائِي مُجِيباً ، وَمِنْ نِدائِي قَرِيباً ، وَلِتَضَرُّعِي رَاحِماً ، وَلِصَوْتِي سَامِعاً ، وَلاَ تَقْطَعْ رَجَائِي عَنْكَ ، وَلا تَبُتَّ سَبَبِي مِنْكَ ، وَلاَ تُوَجِّهْنِي فِي حَاجَتيْ هَذِهِ وَغَيْرِهَا إلى سِوَاكَ ، وَتَوَلَّنِي بِنُجْحِ طَلِبَتِي ، وَقَضاءِ حَاجَتِي ، وَنَيْلِ سُؤْلِي قَبْلَ زَوَالِي عَنْ مَوْقِفِي هَذَا بِتَيسِيرِكَ لِيَ الْعَسِيْرَ ، وَحُسْنِ تَقْدِيرِكَ لِي فِي جَمِيعِ الأُمُورِ ، وَ

١٥٥

صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ صَلاَةً دَائِمَةً نَامِيَةً ، لاَ انْقِطَاعَ لأِبَدِهَا ، وَلا مُنْتَهَى لأِمَدِهَا ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ عَوْناً لِيْ ، وَسَبَباً لِنَجَاحِ طَلِبَتِي ، إنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيْمٌ ، وَمِنْ حَاجَتِي يَا رَبِّ كَذَا وَكَذَا.

وتذكر حاجتك ثم تسجد وتقول في سجودك

فَضْلُكَ آنَسَنِي ، وَإحْسَانُكَ دَلَّنِي ، فَأَسْأَلُكَ بِكَ ، وَبِمُحَمَّـد وَآلِهِ صَلَواتُكَ عَلَيْهمْ أَنْ لاَ تَرُدَّنِي خَائِباً. (٤)

١٥٦

١ قوله عليه السلام : ويا من لا يعينه دعاء الداعين

بفتح المثنّاة من تحت وبالمهملة الساكنة وبالنون المكسورة ، أي : لا يتّهمه ولا يشغله ، ومنه الحديث : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه». (١)

وبضمّها وتسكين المهملة قبل النون المكسورة ، أي : لا يوقعه في تعب ونصب.

وبرواية «س» بضمّ المثنّاة ، وبفتح المهملة وبالنون المشدّدة ، على أنّه من باب التفعيل بمعنى التتعيب والتنصيب. وبرواية «ع» و «ش» بالمهملة الساكنة بين المثنّاتين من تحت المضمومة من قبل والمكسورة من بعد ، أي : لا يعجزه ولا يتبعه ، من الاعياء بمعنى الاتعاب والاعجاز.

٢ قوله عليه السلام : كيف يسأل محتاج محتاجاً

وقد قال في ذلك بعض أهل التحقيق : استغاثة المخلوق بالمخلوق ، كاستغاثة المسجون بالمسجون.

٣ قوله عليه السلام : معدم

مفعل على اسم الفاعل من باب الإفعال من العدم بالضمّ والتسكين بمعنى الفقر ، لا من العدم بالفتحتين نقيض الوجود ، وهو من باب الإفعال اللازم ، أي : ذو فقر الى ذي فقر.

٤ قوله عليه السلام : في آخر الدعاء : أن لا تردّني خائباً

وبخطّ «كف» زيادة ، وهي : إنّك سميع الدعاء قريب مجيب على كلّ شيء قريب. وفي نسخة له : رقيب مكان قريب.

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ٣ / ٣١٤.

١٥٧

١٤

وكان من دعائه عليه السلام

إذا اعتدى عليه اَوْ رأى من الظالمين ما لا يحبّ

يَا مَنْ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنْبَآءُ الْمُتَظَلِّمِينَ ، (١) وَيَا مَنْ لاَ يَحْتَاجُ فِي قِصَصِهِمْ إلَى شَهَادَاتِ الشَّاهِدِينَ ، وَيَا مَنْ قَرُبَتْ نُصْرَتُهُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ ، وَيَا مَنْ بَعُدَ عَوْنُهُ عَنِ الظَّالِمِينَ ، قَدْ عَلِمْتَ يَا إلهِي مَا نالَنِي مِنْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَن ، مِمَّا حَظَرْتَ ، وَانْتَهَكَهُ مِنّي مِمَّا حَجَزْتَ عَلَيْهِ ، بَطَراً فِي نِعْمَتِكَ عِنْدَهُ ، وَاغْتِرَاراً (٢) بِنَكِيرِكَ عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَخُذْ ظَالِمِي وَعَدُوِّي عَنْ ظُلْمِي بِقُوَّتِكَ ، وَافْلُلْ حَدَّهُ عَنِّي بِقُدْرَتِكَ ، وَاجْعَلْ لَهُ شُغْلاً فِيَما يَلِيهِ ، وَعَجْزاً عَمَّا يُناوِيْهِ. (٣) أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَلاَ تُسَوِّغْ لَهُ ظُلْمِي وَأَحْسِنْ عَلَيْـهِ عَوْنِي ، وَاعْصِمْنِي مِنْ مِثْـلِ أَفْعَالِهِ ، وَلا تَجْعَلْنِي فِي مِثْلِ

١٥٨

حَالِهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَعِدْنِي عَلَيْهِ عَدْوى (٤) حَاضِرَةً ، تَكُونُ مِنْ غَيْظِي بِهِ شِفَاءً ، وَمِنْ حَنَقِي (٥) عَلَيْهِ وَفَاءً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَعَوِّضْنِي مِنْ ظُلْمِهِ لِي عَفْوَكَ ، وَأَبْدِلْنِي بِسُوْءِ صنِيعِهِ بِيْ رَحْمَتَكَ ، فَكُلُّ مَكْرُوه جَلَلٌ (٦) دُونَ سَخَطِكَ ، وَكُلُّ مُرْزِئَةٍ (٧) سَوَاءٌ (٨) مَعَ مَوْجِدَتِكَ. (٩) أللَّهُمَّ فَكَمَا كَـرَّهْتَ إلَيَّ أَنْ أَظْلِمَ (١٠) فَقِنِي مِنْ أَنْ أُظْلَمَ. أللَّهُمَّ لاَ أَشْكُو (١١) إلَى أَحَد سِوَاكَ ، وَلاَ أَسْتَعِينُ بِحَاكِم غَيْرِكَ ، حَاشَاكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَصِلْ دُعَائِي بِالإِجَابَةِ ، وَأَقْرِنْ شِكَايَتِي (١٢) بِالتَّغْيِيرِ. أَللَّهُمَّ لا تَفْتِنِّي بِالْقُنُوطِ مِنْ إنْصَافِكَ ، وَلاَ تَفْتِنْـهُ بِالأَمْنِ مِنْ إنْكَارِكَ ، فَيُصِرَّ عَلَى ظُلْمِي ، وَيُحَاضِرَنِي (١٣) بِحَقِّيْ ، وَعَرِّفْهُ عَمَّا قَلِيْل مَا أَوْعَدْتَ الظَّالِمِينَ ، وَعَرِّفْنِي مَا وَعَدْتَ مِنْ إجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَوَفِّقْنِي لِقَبُولِ مَا قَضَيْتَ لِيْ وَعَليَّ ، وَرَضِّنِيْ بِمَا أَخَذْتَ (١٤) لي وَمِنِّي ، وَاهْـدِنِي لِلَّتِيْ هِي أَقْوَمُ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَسْلَمُ. أللَّهُمَّ وَإنْ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لِيْ عِنْدَكَ فِي تَأْخِيرِ الأَخْذِ لِي ، وَتَرْكِ الانْتِقَامِ مِمَّنْ ظَلَمَنِيْ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ ، وَمَجْمَعِ الْخَصْمِ فَصَلِّ عَلَى

١٥٩

مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَيِّدْنِي مِنْكَ بِنِيَّة صَادِقَة ، وَصَبْر دَائِمٍ ، وَأَعِذْنِي مِنْ سُوءِ الرَّغْبَةِ ، وَهَلَعِ أَهْلِ الْحِرْصِ ، وَصَوِّرْ فِي قَلْبِي مِثَالَ مَا ادَّخَـرْتَ لِي مِنْ ثَوَابِـكَ ، وَأَعْدَدْتَ لِخَصْمِي مِنْ جَزَائِكَ وَعِقَابِكَ ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ سَبَباً لِقَنَاعَتِي بِمَا قَضَيْتَ ، وَثِقَتِي بِمَا تَخَيَّرْتَ ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، (١٥) وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

١٦٠