كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ١

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]

كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ١

المؤلف:

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]


المحقق: الدكتور رياض بن حسن الخوّام
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-34-369-1
ISBN الدورة:
9953-34-369-1

الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

الجملة ، والجملة لا مدخل لحرف الجرّ عليها.

ذكر أسماء الإشارة (١)

وهي ثاني أقسام المبنيّات ، وأسماء الإشارة ما وضع لمشار إليه وهي بدون الصفة مبهمة لصلاحيّتها لكلّ مشار إليه (٢) وبنيت لمشابهتها الحرف (٣) من حيث احتياجها إلى ما يبيّن ذات المشار إليه ، وهي : ذا للمذكّر ، وذان لمثنّاه رفعا ، وذين نصبا وجرا ، وللمفرد المؤنث عدّة ألفاظ مترادفة وهي : تاوتي وته وتهي وذه وذهي ، ولمثنّاه تان رفعا وتين نصبا وجرا ، وأولاء مقصورا وممدودا (٤) مشترك بين جمع المذكّر والمؤنّث لا يختلف / فيهما ، وذا أصله ذوي متحرك العين على وزن فعل (٥) فحذفت اللام لتأكيد إبهام هذه الأسماء ، وقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصار ذا ، ويلحق أوائل أسماء الإشارة حرف التنبيه نحو : هذا (٦) ، ويلحق أواخرها حرف الخطاب بحسب من تخاطبه وألفاظ الإشارة خمسة ، وحروف الخطاب خمسة ، وإذا ضربت خمسة في خمسة كانت خمسة وعشرين ، فإذا خاطبت مفردا مذكّرا مشيرا إلى مفرد مذكّر ، قلت : ذاك بفتح الكاف ، وإن خاطبت مفردا مؤنّثا مشيرا إلى المفرد المذكّر المذكور قلت : ذاك بكسر الكاف ، وإن أشرت إلى المفرد المذكور وخاطبت مثنّى مذكّرا أو مؤنّثا ، قلت : ذاكما ، وإن خاطبت جمع المذكّرين قلت ذاكم ، وإن خاطبت جمع المؤنّث ، قلت : ذاكنّ ، قال الله تعالى : (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ)(٧) الإشارة إلى يوسف والخطاب مع النّسوة ، وذلك هو ذاك زيدت فيه اللام ، ومثال المفرد المؤنّث مشارا إليه مع المخاطبين المذكورين ؛ تاك ، تاك ، تاكما ، تاكم ،

__________________

(١) الكافية ، ٤٠٤ ـ ٤٠٥.

(٢) شرح المفصل ، ٣ / ١٢٦.

(٣) شرح الكافية ، ١ / ٣٩.

(٤) المدلغة الحجازيين ، والقصر لغة التميميين وقيس وربيعة وأسد الهمع ، ١ / ٧٥ وشرح التصريح ، ١ / ١٢٧.

(٥) هذا مذهب البصريين وقال الكوفيون هي زائدة ، انظر خلافهم حول ذلك في الإنصاف ، ٢ / ٦٦٩ وشرح المفصل ، ٣ / ١٢٦ ، وشرح الكافية ، ٢ / ٣٠ والهمع ، ١ / ٧٥.

(٦) الكافية ، ٤٠٥.

(٧) من الآية ٣٢ من سورة يوسف.

٢٦١

تاكنّ ، ومثال المثنّى المذكّر مشارا إليه معهم : ذانك ، ذانك ، ذانكما ، ذانكم ، ذانكنّ ، وفي النصب والجر : ذينك ذينك ذينكما ذينكم ذينكنّ ، ومثال المثنّى المؤنّث : تانك ، تانك ، تانكما ، تانكم ، تانكنّ ، وفي حالة النصب والجرّ ، تقول : رأيت تينك ، تينك ، تينكما تينكم تينكنّ ، ومررت بتينك إلى تينكنّ ومثال مجموع المذكّر والمؤنّث ، مشارا إليهما مع المخاطبين المذكورين ، أولاك أولاك أولاكما أولاكم أولاكنّ وقد نقل النيليّ جواز فتح كاف الخطاب في ذلك كلّه وهو غريب قال : إنّ ذلك نقله الثقات من غير إلحاق علامة تثنية ولا جمع ولا غير ذلك بل يفرد ويذكّر على كل حال (١) واعلم أنّهم لم يقولوا : ذاه ذاهما ذاهم لأنّ الهاء للغائب ، والغائب لا يصحّ تنبيهه على الحاضر ، بل الحاضر ينبّه على الغائب.

واعلم أنّ قولك في التثنية ذان ليس بتثنية ذابل هو صيغة تفيد التثنية كأنتما (٢) فكما أنّ أنتما ليس بتثنية أنت فكذلك ذان ليس بتثنية ذا لأنّه لو كان تثنية ذا ، لقيل : ذوان ، لأنّ التثنية من شأنها أن تردّ ما كان محذوفا من المفرد نحو : أبوان وأخوان ودميان ورحيان ، ولأنّ تثنية المعرفة توجب تنكيرها غالبا ، وذان معرفة ، ومنهم من يجعل مثنّى أسماء الإشارة على كلّ حال بألف (٣) وعليه قوله تعالى : (قالُوا : إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(٤) واعلم أنّ قولنا : يلحق بأوائلها حرف التنبيه ليس على إطلاقه ،

__________________

(١) قال النيلي في شرح الكافية ، المخطوط الورقة ، ١٥٢ «و : وإن ثقل عليك ذلك وهو مراعاة عدة أحوال المخاطبين فعليك باللغة التي نقلها الثقات ، وهو فتح الكاف على كلّ حال ، من غير إلحاق علامة تثنية ولا جمع ولا غيرهما بل تفرد وتذكّر على كل حال» ونقل الأزهري ـ من غير نسبة ـ هذا الرأي فقال : ودون هذا أن تفتح مطلقا ولا تلحقها علامة تثنية ولا جمع. وانظر شرح التصريح ، ١ / ١٢٨ وحاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ١٤٢.

(٢) هذا رأي ابن الحاجب قال في شرح الكافية ، ٢ / ٥١١ «وقد توهم بعض القاصرين أنه إعراب ، وإنما هي صيغ موضوعة للمرفوع والمنصوب» ، وإلى ذلك أشار الرضيّ أيضا فقال في شرح الكافية ، ٢ / ٣١ وذان صيغة مرتجلة غير مبنية على واحده ولو بنيت عليه لقيل : ذيان ، فذان صيغة للرفع وذين صيغة أخرى لنصب والجر ، وانظر إيضاح المفصل ، ١ / ٤٧٩.

(٣) وهي لغة بلحارث بن كعب ، وبطون من ربيعة وخثعم وزبيد وبني العنبر وبني الهجيم وبكر بن وائل وهمدان وعذرة ، شرح المفصل ٣ / ١٢٨ وشذور الذهب ، ٤٦ وشرح التصريح ١ / ١٢٧.

(٤) من الآية ٦٣ من سورة طه قرأ نافع وابن عامر ، وأبو بكر وحمزة والكسائي بتشديد إن ، وهذان بالألف وتخفيف النون. وقرأ ابن كثير بتخفيف إن وهذان بالألف مع تشديد النون ، وقرأ حفص كذلك إلا أنه ـ ـ خفف نون هذان ، وقرأ أبو عمرو وحده إن بالتشديد وهذين بالياء. انظر السبعة ٣٨٨ والكشف ، ٢ / ٦٣ والإتحاف ، ٣٠٤.

٢٦٢

فإنّه يلحق البعض دون البعض ، إذ لا يقال : هذا لك بالاتفاق ، وجعلوا ذا للقريب ليكون الاسم المجرّد من الزيادة للقريب المجرّد من زيادة المسافة ، وذاك للمتوسّط بزيادة حرف الخطاب لتشعر الزيادة في اللفظ بالزيادة في المسافة ، وذلك بزيادة اللام للبعيد لتشعر زيادة الحرفين على البعد في المسافة ، وهو رأي بعض النحويين (١) وإذا قصدوا البعيد في المثنّى شدّدوا النون من ذانك وتانك (٢) وفي الواحدة المؤنّثة استعملوا تلك ، وفي المجموع زادوا اللّام وقصروا فقالوا : أولالك (٣) فهؤلاء للجماعة القريبة ، وأولئك للمتوسّطة ، وأولالك للبعيدة (٤) واعلم أنّهم قد وضعوا أسماء يشيرون بها إلى الأمكنة. خاصة وهي : ثمّ وهنا ، فثمّ يشيرون به إلى ما بعد من الأمكنة ، وهنا وهاهنا إلى المكان القريب ، وهناك إلى المتوسط ، وهنالك إلى البعيد ، وفي هنا ثلاث لغات ، إحداها : ضمّ الهاء مع تخفيف النون ، والثانية : فتحها مع تشديد النون ، والثالثة : كسرها مع تشديد النون أيضا لكنّ الفتح أكثر (٥).

ذكر الموصولات (٦)

وهي ثالث أقسام المبنيّات ، والموصول مبهم بدون صلته ، كما أنّ اسم الإشارة مبهم بدون صفته ، فإن قيل الموصولات وأسماء الإشارة معارف فكيف يجتمع الإبهام والتعريف ، فالجواب : أنّ إبهامها إنّما هو بحسب الوضع لا بحسب الاستعمال ، فإنّها معارف بحسبه كما في الضمائر من مثل : أنا وأنت وهو ، وإنّما يبنى الموصول لمشابهته الحرف من حيث احتياجه إلى الغير في إيضاحه وهو الصّلة (٧) وحدّ الموصول : اسم لا يتم جزءا من الكلام من مسند ومسند إليه ، ومضاف إليه وتابع ،

__________________

(١) شرح الوافية ، ٢٨٧ وانظر شرح الكافية ٢ / ٣٣.

(٢) في الرفع متفق على جوازه ، وأما في النصب والجر فمنعه البصري وأجازه الكوفي. شرح الأشموني ، ١ / ١٤٧.

(٣) تسهيل الفوائد ، ٣٩.

(٤) شرح التصريح ، ١ / ١٢٩.

(٥) شرح المفصل ، ٣ / ١٣٧ وشرح الأشموني ، ١ / ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٦) الكافية ، ٤٠٥.

(٧) شرح المفصل ، ٣ / ١٣٩ وشرح الكافية ، ٢ / ٣٦.

٢٦٣

إلّا مع صلة وعائد ، فقولنا : اسم كالجنس / وقولنا : لا يتم جزءا إلّا بصلة ، يخرج ما يتمّ جزءا بدون الصلة نحو : زيد ورجل وقولنا : وعائد ، يخرج مثل : إذ وإذا ، لأنّه وإن لم يتمّ جزءا من الكلام إلّا بصلة فإنّه بلا عائد ، فمثال الموصول مسندا قولك : زيد الذي قام أبوه ، ومثاله مسندا إليه : الذي قام أبوه زيد ، ومثاله مضافا إليه : غلام الذي قام أبوه عمرو ، ومثاله تابعا : مررت بزيد الذي أبوه قائم ، ويجب أن تكون صلة الموصول جملة خبريّة ولا موضع لها من الإعراب (١) لكونها كالجزء من الموصول ، وإنّما وجب أن تكون جملة ، لأنّ «الذي» وضع وصلة إلى وصف المعارف بالجمل التي هي نكرات في الأصل ، ووجب أن تكون خبريّة لأنّ الموصول يخبر به وعنه ، ولو كانت الجملة الإنشائيّة جزءا منه لما صحّ منه ذلك ، ولأنّ الصلة يجب أن تكون موضّحة للموصول ، وما عدا الخبريّة كالأمر والنهي وغيرهما. من الجمل الإنشائيّة غير موضّح (٢) ، ويشترط في الصلة أيضا ، أن تكون معلومة للمخاطب ، لأنّها لو كانت مجهولة لم تكن موضّحة ، ويشترط أن يكون فيها عائد (٣) وهو ضمير في الصلة يعود إلى الموصول ، لأنّ الصلة جملة مستقلّة فافتقرت إلى العائد ، ليحصل به ربط الصلة بالموصول ، والضمير العائد المذكور يجوز حذفه (٤) إذا كان مفعولا ، نحو قوله تعالى : (فيها ما تشتهي الأنفس) (٥) أي ما تشتهيه ، لحصول العلم به مع كونه فضلة ، ولم يجز ذلك في الضمير المرفوع والمجرور لكون المرفوع فاعلا وامتناع حذف الفاعل ، واستلزام حذف المجرور ، كثرة الحذف أعني الجار والمجرور (٦)(٧).

__________________

(١) مغنى اللبيب ، ٢ / ٤٠٩.

(٢) شرح الكافية ، ٢ / ٣٢.

(٣) شرح الأشموني ، ١ / ١٦٢.

(٤) الكافية ، ٤٠٥.

(٥) من الآية ٧١ من سورة الزخرف. وقد قرأ نافع وابن عامر وحفص بالهاء ، والباقون بغير هاء الكشف ، ٢ / ٢٦٢ والاتحاف ، ٣٨٧.

(٦) في شرح المفصل ، ٣ / ١٥٢ ولا يحذف هذا الراجع إلا بمجموع ثلاث شرائط : أحدها ، أن يكون ضميرا منصوبا لا ضميرا مرفوعا ولا مجرورا ، لأن المفعول كالفضلة في الكلام والمستغنى عنه. وأن يكون الراجع متصلا لا منفصلا لكثرة حروف المنفصل وأن يكون على حذفه دليل.

(٧) بعدها في الأصل مشطوب عليه : وفيه نظر لجواز أن يكون المرفوع مبتدأ ويجوز حذفه عند طول الصلة نحو : ما أنا بالذي قائل لك سوءا ولجواز حذف الجار والمجرور معا كقوله : ـ

٢٦٤

ذكر تعدّد الموصولات (١)

منها : الذي للمفرد المذكّر ، والألى والذين لجمع المذكّرين ، واللّذان للمثنّى المذكر بالألف إذا كان في موضع رفع واللذين بالياء إذا كان في موضع نصب أو جرّ وهذه العبارة أولى من أن يقال : رفعه بالألف ، ونصبه وجرّه بالياء ، لأنّ هذه الصيغ ليست معربة حقيقة لأنّها من المبنيّات ، ولعدم تحقّق التثنية فيها ، فإنّ اللذان واللذّين اسم وضع للمثنّى ، وكذلك اللتان واللتين ، كما قيل في أسماء الإشارة ولذلك حذفت الياء في تثنية الذي والتي كما حذفت ألف «ذا» ولو كان مثنّى حقيقة لما حذف ذلك ، وكذلك الذين ليس جمعا للذي ، لأنّه على اللغة الفصيحة بصيغة واحدة في الرفع والنصب والجر ، ولو كان جمعا محقّقا لوجب أن يقال : الذون رفعا ، ولكن هو اسم وضع للجميع ، وأمّا جمع المؤنّث ، ففيه لغات ، وهي اللاتي واللواتي واللّات واللّوات واللّائي بهمزة وياء بعدها ، واللّاء بهمزة وحدها واللّاي بياء مكسورة ، وساكنة أيضا بغير همز (٢) ومن الموصولات ذو الطائيّة بمعنى الذي ، كقوله : (٣)

 ...

وبئري ذو حفرت وذو طويت

__________________

عسى الأيام أن يرجو

ن قوما كالذي كانوا

أي كالذي كانوا عليه».

والبيت للفند الزماني ، ورد منسوبا له في أمالي القالي ، ١ / ٢٥٧ وشرح الحماسة للمرزوقي ، ١ / ٣٥ وشرح شواهد المغني ، ٢ / ٩٤٤ ومن غير نسبة في المغني ، ٢ / ٦٥٦.

(١) الكافية ، ٤٠٥.

(٢) هي لغة قريش فيما حكاه أبو عمرو ، وانظر هذه اللغات في التسهيل ٣٤ وشرح الكافية ، ٢ / ٤١ وشرح التصريح ومعه حاشية الصبان ، ١ / ١٣٢.

(٣) هذا عجز بيت لسنان بن الفحل الطائي وصدره :

فإنّ الماء ماء أبي وجدّي

ويروى صدر البيت :

فإنّ البئر بئر أبي وجدّي

ورد منسوبا له في الأمالي الشجرية ، ٢ / ٣٠٦ والإنصاف ، ١ / ٣٨٤ ، وشرح الكافية ، ٢ / ٤١ وشرح الشواهد ، ١ / ١٥٨ وشرح التصريح ، ١ / ١٣٧ وخزانة الأدب ، ٦ / ٣٤ وروي من غير نسبة في شرح المفصل ، ٣ / ١٤٧ ـ ٨ / ٤٥ ولسان العرب ، ذوا وهمع الهوامع ، ١ / ٨٤. وشرح الأشموني ، ١ / ١٥٨.

٢٦٥

/ وذو هذه ، بالواو في الأحوال كلها.

ومنها : ما ومن وهما مفردان بكل حال وإنما تقع التثنية والجمع والتذكير والتأنيث في صلاتهما لا فيهما.

ومنها : أيّ للمذكّر بمعنى الذي وأيّة للمؤنّث بمعنى التي ، وذا بعد ما للاستفهام خاصة كقولك (١) : ماذا ، وهي بمعنى الذي ، عند البصريين.

ومنها : الألف واللام مع اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبّهة بمعنى الذي والتي وسيأتي الكلام على هذه الموصولات.

ذكر الإخبار بالذي وبابها (٢)

ويخبر بها عن كلّ اسم في جملة معلوم من وجه غير معلوم من وجه آخر ، ما لم يمنع مانع من الإخبار بها كما سنذكر ، سواء كان ذلك الاسم في الجملة الاسميّة أو الفعليّة ، أعني إذا كان الإخبار بالذي خاصة ، فإنها تعمّ الجملتين ، وأما الألف واللّام فلا يخبر بهما إلّا في الجملة الفعليّة خاصة ، لأنّ صلة الألف واللّام لا تكون إلا اسم فاعل أو مفعول أو صفة مشبّهة لكراهتهم أن يدخلوا صيغة الألف واللّام على الجملة ، لكون صيغتهما مثل صيغة لام التعريف ، فسبكوا من الجملة الفعليّة اسم فاعل أو مفعول ليصحّ دخول اللّام عليهما (٣) كقولك : الضارب زيد ، والمضروب عمرو ، بمعنى الذي ضرب والذي ضرب ، ولا يبنى ذلك إلّا من الفعليّة ، فلذلك خصّت اللام بالفعليّة وعمّ «الذي» الجملتين الاسميّة والفعليّة (٤) وطريق الإخبار أن يصدّر «الذي» ويؤخّر الاسم خبرا ، ويجعل مكانه ضمير عائد على «الذي» مطابق للظاهر المخبر عنه إعرابا وتذكيرا وتأنيثا وتثنية وجمعا ، ويكون مستترا وبارزا متصلا ومنفصلا ، فإذا أخبرت عن التاء في : ضربت زيدا بالذي قلت : الذي ضرب زيدا أنا (٥) ، فإنّك صدّرت «الذي» وجعلت موضع الضمير البارز الذي هو تاء ، ضربت

__________________

(١) في الأصل لقولك.

(٢) الكافية ، ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

(٣) شرح الكافية ، ٢ / ٤٥.

(٤) شرح الوافية ، ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

(٥) شرح الوافية ، ٢٩٠ وانظر شرح المفصل ، ٣ / ١٥٦ ـ ١٥٧.

٢٦٦

ضميرا ، فلزم أن يستتر في ضرب الذي هو الفعل الماضي ، وأخّرت الضمير البارز المتصل الذي هو تاء ضربت فلزم انفصاله فالذي مبتدأ ، وأنا خبره وما بينهما صلة الذي ، وإذا أخبرت عن زيد في ضربت زيدا ، قلت : الذي ضربته زيدا ، فجعلت موضع المخبر عنه ضميرا للذي وهو الهاء في ضربته وأخّرت زيدا ، فالذي مبتدأ ، وزيد خبره ، وما بينهما صلة الذي ، وإذا أخبرت عن زيد في قولك : زيد قائم قلت : الذي هو قائم زيد ، والأمر فيه كما ذكرنا ، والذي في هذه الصور مبتدأ واجب التقديم ، والاسم المخبر عنه بالذي خبر واجب التأخير ومع ذلك لم يذكرا في مواضع وجوب تقديم المبتدإ ووجوب تأخير الخبر ، وإذا أخبرت بالألف واللّام عن التاء في ضربت زيدا ، قلت : الضارب زيدا أنا (١) ، فالألف واللّام مبتدأ بمعنى الذي وأنا خبره ، وما بينهما صلة الألف واللّام ، والعائد مستكنّ في الضارب لأنّ اسم الفاعل قد جرى على من هو له ، وإذا أخبرت عن الكاف في ضربتك ، قلت : الضاربه أنا أنت فاللّام مبتدأ ، وأنت خبره وما بينهما صلة اللام ، والعائد الهاء في الضاربه وأنا فاعل ، ووجب إبراز الضمير ؛ لأنّ الألف واللام لمخاطب الذي هو أنت ، والفعل لضمير / المتكلّم فقد جرى اسم الفاعل على غير من هو له ، فوجب إبراز الضمير كما ذكر في بابه (٢).

واعلم أنّ المراد بقولهم : أخبر بالذي ، إنّما هو إخبار عن الذي بذلك الاسم لا إخبار بالذي حقيقة ، فتكون الباء في أخبر بالذي ، إمّا بمعنى الاستعانة أي استعن على هذا الإخبار المخصوص بالذي ، وإمّا بمعنى عن فيكون تقدير أخبر بالذي ، أخبر عن الذي ، وكما أوّلنا الباء بأنّها بمعنى عن كذلك تؤوّل عن بأنّها بمعنى الباء فيصير أخبر عن الذي تريد (٣) وإنّما لزم تأويل هذا اللفظ لأنّ الذي في هذا الباب مبتدأ مخبر

__________________

(١) شرح الوافية ، ٢٩٠.

(٢) شرح الوافية ٢٩٠ وانظر شرح المفصل ، ٣ / ١٥٨ وهمع الهوامع ٢ / ١٤٦.

(٣) نقل صاحب الهمع ، ٢ / ١٤٦ عن ابن السراج وأبي حيان قولهما : إن الإخبار ليس بالذي ولا عن الاسم بل بالاسم عن الذي ، قال ابن السراج وذلك لأنّه في المعنى مخبر عنه ، قال أبو حيان : ويحتمل أنّ الباء بمعنى عن ، وعن بمعنى الباء كما تقول سألت عنه وسألت به فكأنه قال : أخبر بهذا الاسم أي صيّره خبرا ، وقال غيره الباء هنا للسببيّة لا للتعديّة ، وكأنه قيل : أخبر بسبب الذي أي سبب جعلها مبتدأ.

٢٦٧

عنه لا به ، والاسم المخبر عنه بالذي خبر مخبر به لا عنه.

واعلم أنّ قولهم : إنّ الألف واللام لا توصل إلّا بالجملة الفعليّة ليس على إطلاقه بل لا بدّ من قيد آخر ، وهو أن يقال : الجملة الفعليّة التي لها تصرّف ، ليمكن سبك اسم الفاعل والمفعول منها ، فإنّ الأفعال الجامدة لا يمكن ذلك منها لأنها لا تتصرف (١) وهي ستة : ليس ، وعسى ، ونعم وبئس وفعل التعجب وحبّذا ، وإذا تعذّر في الإخبار بالذي أحد الأمور الثلاثة ، وهي : إمّا تصدير الذي ، أو إقامة الضمير العائد مقام الاسم المخبر عنه ، أو تأخير المخبر عنه خبرا ، تعذّر الإخبار بالذي ، فلا يصحّ الإخبار عن ضمير الشأن لأنّ له صدر الكلام فلا يؤخّر (٢) ولا عن الوصف بدون الموصوف ، لأنّه يلزم وقوع الصفة مضمرة ، والمضمر لا يجوز أن يوصف به ، فلو أخبرت عن الكريم في قولك : رأيت زيدا الكريم ، وقلت : الذي رأيت زيدا إيّاه الكريم لم يجز ، وكذلك لا يخبر عن الموصوف بدون صفته ، لأنّه يلزم أن يقع المضمر موصوفا وذلك غير جائز ، فلو أخبرت عن زيد ، في قولك : رأيت زيدا الكريم وقلت : الذي رأيت إياه الكريم زيد لم يجز ذلك (٣) وكذلك الحال والتمييز لامتناع وقوع الضمير حالا أو تمييزا ؛ لأنّ الضمير معرفة ويمتنع أن يكون شيء منهما معرفة ، وكذلك المصدر العامل (٤) في نحو : أعجبني ضربي زيدا ، لامتناع جعل الضمير عاملا مكان المصدر ، لأنّ الضمير لا يعمل ، وإن قدرت المصدر عاملا وقلت : الذي أعجبني هو زيدا ضربي ، لم يجز أيضا ، لأن المصدر لا يعمل مؤخرا ، وإنّما قيّد المصدر بالعامل ، لجواز الإخبار عن المصدر الغير العامل نحو : أن يقال في رأيت ضربك : الذي رأيته ضربك ، وكذلك لا يخبر عن الضمير المستحق لغير الموصول ، ولا عن الاسم المشتمل عليه ، أمّا الضمير المستحق لغير الموصول فنحو الهاء في : زيد ضربته (٥) وأمّا الاسم المشتمل على الضمير المستحق لغير الذي

__________________

(١) انظر شرح الكافية ، ٢ / ٤٥.

(٢) شرح المفصل ، ٣ / ١٥٩.

(٣) المقتضب ، ٣ / ٩١ وشرح الكافية ، ٢ / ٤٤.

(٤) شرح المفصل ، ٣ / ١٦٠.

(٥) قال ابن يعيش في شرحه على المفصل ، ٣ / ١٥٩ ولم يجز ذلك لأنّ هذه الهاء عائدة إلى زيد ، ولو أخبرت

٢٦٨

فنحو : زيد ضربت أخاه (١) ، فلا يجوز أن تخبر عن الهاء في ضربته ولا عن أخاه ، فإنك إن أعدت الهاء على زيد الذي هو المبتدأ بقي الموصول بلا عائد ، وإن أعدتها على الذي بقي المبتدأ الذي هو زيد ، بلا عائد (٢) ، / وكذلك لا يصحّ الإخبار عن المجرور بربّ ومذ ومنذ ، وكاف التشبيه ، وواو القسم وتائه ، وحتّى ، والمضاف بدون المضاف إليه لامتناع إضمار هذه الأشياء.

ذكر أنواع ما (٣)

وذكرت أقسامها هاهنا للاختصار ، لئلّا يفرد لها باب آخر ، وهي تستعمل غالبا فيما لا يعقل ، وقد جاءت لمن يعقل (٤) في قوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها)(٥) وهي مشتركة بين ستة معان ، فإنّها تأتي : موصولة ، واستفهاميّة ، وشرطيّة ، وموصوفة ، وصفة ، وتامّة ، وهي في جميع أقسامها مبنيّة ، فمثال الموصولة قوله تعالى : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ)(٦) أي الذي عند الله وهي معرفة (٧) لكن لا توصف بها المعرفة ، كما توصف بالذي ، لأنّ ما الموصولة تتضمّن الصفة والموصوف جميعا ، فإذا قلت : أعجبني ما صنعته فمعناه : أعجبني الشيء الذي صنعته ، لأنّ الشيء موصوف والذي صنعته صفته ، ومثال الاستفهاميّة قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى)(٨) وهي هنا نكرة (٩) ومثال الشرطيّة قوله تعالى :

__________________

عنه لنزعت هذا المضمر وجعلت مكانه ضميرا آخر يعود إلى الموصول ، وأخّرت الضمير الذي في ضربته إلى موضع الخبر وكنت تجعله منفصلا لتعذّر الإتيان بالمتصل ، ولو فعلت ذلك لأخليت المبتدأ الذي هو زيد من عائد عليه.

(١) شرح الكافية ، ٢ / ٤٧.

(٢) بعدها في الأصل مشطوب عليه «والمؤخر خبرا خارج عن الصلة والخبر والعائد يلزم فيهما وانظر شرح الوافية ٢٩٠ حيث انتهى نقل أبي الفداء منها عند قوله : بلا عائد. وانظر شرح الكافية ، ٢ / ٤٧ ـ ٤٨.

(٣) الكافية ، ٤٠٦.

(٤) شرح المفصل ، ٣ / ١٤٥.

(٥) الآية ٥ من سورة الشمس.

(٦) من الآية ١١ من سورة الجمعة.

(٧) المغني ، ١ / ٢٩٦.

(٨) الآية ١٧ من سورة طه.

(٩) قال ابن يعيش في شرح المفصل ، ٤ / ٥ : وهي غير موصولة ولا موصوفة ، وهي سؤال عن ذوات غير

٢٦٩

(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ)(١) وهي نكرة أيضا ، ومثال الموصوفة قول الشّاعر : (٢)

ربّما تكره النفوس من الأم

ر له (٣) فرجة كحلّ العقال

وهي نكرة أيضا ، لدخول ربّ عليها ، وإنّما كانت موصوفة ، لأنّ المجرور بربّ لا بدّ من وصفه ، وهي هنا موصوفة بالجملة ، وهي نكرة أيضا ، والتقدير ، ربّ شيء تكرهه النفوس أي مكروه ، وأمّا الموصوفة بالمفرد فنحو قوله تعالى : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٤) أي هذا شيء لديّ عتيد ، فعتيد صفة لما (٥) ، ومثال الصفة قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك يوما ما» (٦) أي ، أحبب حبيبك حبّا قليلا ، وأبغض بغيضك بغضا قليلا ، وقيل : (٧) «ما» هنا حرف يفيد التقليل ، وقيل : زائدة للتأكيد وهو الأصحّ ، وهي أيضا نكرة ، ومثال التامّة ، وهي أن تكون بمعنى شيء (٨) قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ

__________________

الأناسي وعن صفات الأناسي.

(١) من الآية ١٩٧ من سورة البقرة.

(٢) البيت لأمية بن أبي الصلت ورد في ديوانه ، ٤٤٤ وورد منسوبا له في الكتاب ، ٢ / ١٠٩ والحيوان للجاحظ ، ٣ / ٤٩ ولسان العرب ، فرج ، وشرح الشواهد ، ١ / ١٥٤ وشرح شواهد المغني ، ٢ / ٧٠٧ وخزانة الأدب ، ٦ / ١٠٨ وورد من غير نسبة في الكتاب ، ٢ / ٣١٥ والمقتضب ، ١ / ٤٢ والحلل ، ١١١ وأمالي ابن الشجري ، ٢ / ٢٣٨ والمغني ، ١ / ٣٢٨ والهمع ، ١ / ٨ ـ ٩٢ وشرح الأشموني ، ١ / ١٥٤.

ونسب في بعض المصادر إلى حنيف بن عمير اليشكري وقيل : لنهار ابن أخت مسيلمة.

الفرجة بالفتح : الانفراج في الأمر. العقال : بالكسر حبل تشد به قوائم الإبل.

(٣) في الأصل لها.

(٤) من الآية ٢٣ من سورة ق.

(٥) قال سيبويه ، ٢ / ١٠٦ بعد ذكره الآية ما نصه «فرفعه على وجهين : على شيء لديّ عتيد وعلى : هذا بعلي شيخ ، وهي قراءة ابن مسعود. وقال ابن يعيش ٤ / ٣ عتيد خبر ثان أو صفة ثانية ، ويجوز أن تكون ما بمعنى الذي ولديّ بعده الصلة وهو خبر عن هذا ، وعتيد خبر ثان على حد هذا بعلي شيخ. وانظر التبيان ، ٢ / ١١٧٥ والمغني ، ١ / ٣٢٩.

(٦) انظر الحديث في صحيح الترمذي ، ٥ / ١٦٢ ومجمع الأمثال ، ١ / ١٨ ، وفصل المقال ، ٢١٦ ومختصر الجامع الصغير للمناوي ، ١ / ١٧ وكشف الخفاء ، ١ / ٥٣ ـ ٥٤.

(٧) انظر اللسان هون.

(٨) المغني ، ١ / ٣٢٨.

٢٧٠

فَنِعِمَّا هِيَ)(١) أي فنعم شيئا إبداؤها فحذف المضاف وهو إبداء ، وأقيم المضاف إليه مقامه وهو الضمير المجرور الراجع إلى الصّدقات فصار مرفوعا ، ومعنى كونها تامة أنّها غير محتاجة إلى صلة ولا صفة ، وهي هنا منصوبة على التمييز ، ومفسّرة (٢) لفاعل نعم ، أي نعم الشيء شيئا هي الصدقات (٣).

ذكر أنواع من (٤)

والاعتذار عن ذكر باقي أقسامها مع الموصولات ، وكذلك غيرها هو ما تقدّم في ذكر أنواع ما ، وأنواع من كأنواع ما ، إلّا في التمام والصفة ، فإنّ من لا تكون (٥) تامّة ، ولا يوصف بها ، فالموصولة نحو : جاءني من أبوه طيّب ، وهي خاصة معرفة ، ونكرة في باقي أقسامها ، والاستفهاميّة : (٦) نحو : من عندك / والموصوفة بالمفرد (٧) نحو قوله : (٨)

وكفى بنا فخرا على من غيرنا

حبّ النبيّ محمّد إيّانا

وبالجملة نحو قوله : (٩)

__________________

(١) من الآية ، ٢٧١ من سورة البقرة.

(٢) غير واضحة في الأصل.

(٣) شرح المفصل ، ٤ / ٤ ـ ٥.

(٤) الكافية ، ٤٠٦.

(٥) في الأصل لا يكون.

(٦) المغني ، ١ / ٣٦٤.

(٧) شرح المفصل ، ٤ / ١١.

(٨) البيت اختلف حول قائله فقيل : هو لحسان بن ثابت وليس في ديوانه ، وقيل لعبد الله بن رواحه وليس في ديوانه أيضا وقيل : لكعب بن مالك.

وقد رواه سيبويه في الكتاب ، ٢ / ١٠٥ منسوبا لحسان ، ورواه ابن الشجري في أماليه ، ٢ / ١٦٩ منسوبا لكعب وفي ٢ / ٣١١ منسوبا بالحسان ورواه السيوطي في شرح شواهد المغني ، ١ / ٣٣٧ ـ ٢ / ٧٤١ منسوبا لكعب بن مالك ، وروي البيت من غير نسبة في مجالس ثعلب ، القسم الأول ، ٧٣ وشرح المفصل ، ٤ / ١٢ وشرح الكافية ، ٢ / ٥٥ ، ومغني اللبيب ، ١ / ١٠٩ ـ ٣٢٩ وهمع الهوامع ، ١ / ٩٢ وانظر معجم شواهد العربية ، لعبد السّلام هارون ، ١ / ٣٨٨. ويروى فضلا مكان فخرا.

(٩) البيت لسويد بن أبي كاهل وقد ورد منسوبا له في المفضليات ، ١٩٨ برواية : قلبه مكان صدره ، وأمالي ابن الشجري ، ٢ / ١٦٩ وشرح شواهد المغني ، ٢ / ٧٤٠ وروي البيت من غير نسبة في شرح المفصل ، ٤ / ١١ وشرح الكافية ، ٢ / ٥٥ ومغني اللبيب ، ١ / ٣٢٨ وشرح شذور الذهب ، ١٣١ وهمع الهوامع ،

٢٧١

ربّ من أنضجت غيظا صدره

قد تمنّى لي موتا لم يطع

فإنّ من هنا بمعنى شخص أو إنسان موصوف بما ذكر ، والشرطيّة نحو : من يكرمني أكرمه ، ومن تستعمل غالبا فيمن يعقل ، وقد تستعمل في غير من يعقل ، نحو قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ)(١).

ذكر أنواع أيّ وأيّة (٢)

وهي كأنواع ما إلّا في التمام ، فإنّ أيّا وأيّة لا يقعان تامّين ، فالاستفهاميّة نحو : أيّهم وأيّتهم عندك؟ والشرطيّة : أيّهم تكرمه أكرمه ، والموصوفة : يا أيّها الرجل ويا أيّتها المرأة ، والموصولة (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا)(٣) أي الذي هو أشدّ والصفة نحو : مررت برجل أيّ رجل.

واعلم أنّ أيّا وأيّة خاصة تعربان في الأقسام المذكورة إلّا في قسمين منها : أحدهما : إذا حذف صدر صلتها نحو : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا)(٤) أي أيّهم هو أشدّ (٥) ، وبنيت لمشابهة الحرف في افتقارها إلى ذلك المحذوف (٦) وثانيهما : إذا كانت موصوفة نحو قولك : يا أيّها الرجل ويا أيتها المرأة ، وبنيا لقطعهما عن الإضافة وجعلهما مفردين (٧) والمنادى المفرد المعرفة مبنيّ أبدا كما تقدّم في بابه (٨) وأمّا

__________________

١ / ٩٢ ـ ٢ / ٢٦ ، وشرح الأشموني ، ١ / ١٥٤ ، والدليل على أن من في البيت نكرة دخول رب عليها ، ورب لا تجر إلا النكرات وقد وصفت بجملة «أنضجت».

(١) من الآية ٤٥ من سورة النور ، وتتمتها : ومنهم من يمشي على رجلين ، ومنهم من يمشي على أربع ...

(٢) في الكافية ، ٤٠٦ وأي وأية كمن وهي معربة وحدها إلا إذا حذف صدر صلتها ، والظاهر أنها «كما» وليست «كمن» ففي شرح الكافية لابن الحاجب ، ٢ / ٥٢٣ وأي وأية كما إلا في التمام ومثله في الأسرار الصافية للنجراني ، ٤٩.

(٣) من الآية ٦٩ من سورة مريم.

(٤) من الآية ٦٩ من سورة مريم.

(٥) شرح الوافية ، ٢٩٢.

(٦) وذهب الكوفيون ويونس والأخفش والزجاج إلى كونها معربة مطلقا وانظر شرح الكافية ، ٢ / ٥٧ وشرح التصريح ، ١ / ١٣٦.

(٧) شرح المفصل ، ٤ / ٢٢ وشرح الكافية ، ٢ / ٥٦.

(٨) في الصفحة ١٦١.

٢٧٢

وجوب إعرابهما في باقي الأقسام المذكورة فلانتفاء موجب البناء.

ذكر ما ذا (١)

وهي تستعمل على وجهين :

أحدهما : أن يكون معناها ما الذي نحو ما ذا صنعت؟ ما للاستفهام وهي مبتدأ ، وذا بمعنى الذي ، وصنعت صلته ، والعائد محذوف أي : ما الذي صنعته؟ والموصول مع صلته خبر المبتدأ ، وجوابه مرفوع ليطابق السؤال فتقول : خير بالرفع ، ويجوز نصبه بتقدير الفعل المذكور فتقول : خيرا بالنّصب ، أي صنعت خيرا ، ولكنّ الرفع أولى.

وثانيهما : أن تكون ما ذا بمنزلة كلمة واحدة مركّبة من كلمتين بمعنى أيّ شيء فيصير المعنى ، أيّ شيء صنعت ، ويحكم على موضعه بحسب ما يقتضيه العامل وهو هنا في محلّ النصب ، بأن يكون مفعولا لصنعت ، فيكون الجواب منصوبا ، فتقول : خيرا بالنصب لتطابق السؤال (٢) وقد يجوز فيه الرفع على تقدير ؛ أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وإنّما قدّم ما ذا لتضمّنه معنى الإنشاء (٣) وقد أجمع القرّاء على نصب خيرا في قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ، قالُوا : خَيْراً)(٤) تنبيها على أنّهم قصدوا خلاف ما قصد من كان قبلهم من الكفّار إذ قيل لهم : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٥) فهذا لا يستقيم فيه إلّا الرفع على معنى : هي أساطير الأولين ، عدولا منهم عن الجواب ، إذ لا يستقيم أن يكون المعنى أنزل ربّنا أساطير الأولين (٦).

ذكر أسماء الأفعال (٧)

وهي ما كان بمعنى الأمر ، أو الماضي ، وهي رابع المبنيّات ومسميّاتها ألفاظ ؛

__________________

(١) الكافية ، ٤٠٦.

(٢) شرح الوافية ، ٢٩٢.

(٣) شرح المفصل ، ٤ / ٢٤ وشرح الكافية ، ٢ / ٥٨ وشرح الأشموني ، ١ / ١٥٩.

(٤) من الآية ٣٠ من سورة النحل.

(٥) الآية ٢٤ من سورة النحل.

(٦) شرح الوافية ، ٢٩٢ ـ ٢٩٣ وفي التبيان ، ٢ / ٧٩٣ ويقرأ أساطير بالنصب والتقدير : وذكرتم أساطير أو أنزل أساطير على الاستهزاء.

(٧) الكافية ، ٤٠٦.

٢٧٣

فرويد اسم ومسمّاه / لفظ أمهل ، وأمهل لفظ ومدلوله طلب المهلة ، وكذلك جميع أسماء الأفعال نحو : هيهات ، فإنّها اسم للفظ بعد ، وبعد موضوع للمعنى الذين هو البعد ، وكذلك (١) صه اسم ل : اسكت ، واسكت موضوع للمعنى الذي هو طلب السكوت (٢) لأنّ رويد مثلا لو كان اسما لطلب المهلة ، لكان رويد وأمهل مترادفين ولم يكن اسما له (٣) ، وكذلك القول في جميع هذا الباب ، وفائدة أسماء الأفعال ؛ الاختصار والمبالغة لأنّها للمذكّر والمؤنّث والمثنّى والمجموع ، بلفظ واحد ، فتقول : صه يا زيدان ويا زيدون ، فلا تلحقها علامة تثنية ولا جمع ، بخلاف اسكتا واسكتوا ، وأمّا المبالغة فإنّ معنى : هيهات زيد ، بعد جدا ، فهيهات معدولة عن قولك : بعد بعد مكرّرا ، وكذلك القول في مه وغيرها من هذا الباب وإنّما بنيت هذه الأسماء لأنها نائبة عن الجملة ، والجمل محكيّة لا تعرب ، أو لشبهها بما هي بمعناه وهو فعل الأمر والماضي (٤) ولا بدّ لها من موضع من الإعراب لوجود التركيب ، واختيار ابن الحاجب أنّ موضعها رفع بالابتداء وفاعلها المستتر فيها أغنى عن الخبر كما أغنى في : أقائم الزيدان عن الخبر (٥) واختيار تقي الدين النيلي ، أنّ موضعها نصب على المصدر كأنه قيل في رويد زيدا : أرود إروادا زيدا (٦).

__________________

(١) في الأصل ولذلك.

(٢) شرح المفصل ، ٤ / ٢٥ وشرح التصريح ، ٢ / ١٩٥.

(٣) شرح المفصل ، ٤ / ٢٥.

(٤) شرح الكافية ، ٢ / ٦٥.

(٥) هذا مذهب بعض البصريين كما في شرح التصريح ، ٢ / ١٩٥ وفي إيضاح المفصل ، الورقة ٢٠٦ و : هذه الأسماء كلها ـ أعني أسماء الأفعال ـ اختلف فيها هل لها موضع من الإعراب أو لا؟ فقال قوم لا موضع لها من الإعراب ... وقال غيرهم بل لها موضع من الإعراب ... وموضعها عند هؤلاء رفع بالابتداء لأنه وما بعده ـ كذا في الأصل ـ اسمان جرّدا عن العوامل اللفظيّة أسند أحدهما إلى الآخر كقولك : أقائم الزيدان وكونه ـ أي اسم الفعل واقعا موقع الفعل لا يمنع الإعراب ألا ترى إلى أقائم ، وإن كان واقعا موقع الفعل كيف حكم برفعه على الابتداء بتصرف وانظر إيضاح المفصل ، المطبوع ١ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦.

(٦) وهو قول المازني كما في شرح التصريح ، ٢ / ١٩٥ وقيل هو للفارسي كما في الأسرار الصافية ، ٦ وقال النيلي في شرح الكافية ، في الورقتين ١٦٧ ظ و ١٦٨ و : وموضع هذه الأسماء نصب ؛ لأنّها عبارة عن لفظ فأشبهت المصادر النائبة عن الفعل يدلّ على ذلك أن رويدا إذا كان مصدرا معربا منصوبا ، فمعناه بمعنى رويد المبني ، وزعم بعضهم أنّ موضع هذه الأسماء رفع بالابتداء وقد سدّ فاعلها مسدّ الخبر نحو

٢٧٤

فصل

وأسماء الأفعال تنقسم إلى مرتجل ، ومشتقّ ، ومنقول ، فالمرتجل نحو : صه ومه وهيهات ، والمشتقّ نحو : نزال ومناع ، والمنقول نحو : عليك زيدا ، ودونك عمرا ، أي خذه ، وعندك بكرا أي إلزمه ، فإنّ ذلك منقول عن الجار والمجرور والظرف وما أضيف إليه ، فإنّ عليك مثلا كان جارا ومجرورا ثم صار اسم فعل هنا ، وكذا دونك وعندك ، كلّ واحد منهما كان ظرفا مضافا إلى كاف المخاطب ثمّ استعمل اسم فعل حسبما ذكر (١) وينقسم قسمة أخرى ؛ إلى لازم نحو : صه وهيهات وإلى متعدّ بنفسه نحو : رويد زيدا ، وإلى متعدّ بحرف الجرّ نحو قول المؤذن : حيّ على الصّلاة أي أقبلوا على الصلاة (٢).

فصل (٣)

ومذهب سيبويه ، أنّ كلّ فعل ثلاثي لك أن تبني منه فعال بمعنى افعل (٤) كقولك : ضراب اسم اضرب ، وقعاد اسم اقعد ، وقوام اسم قم ، ونزال اسم انزل ، وعند غيره يؤخذ سماعا كما في الرباعي بالاتفاق (٥) إذ لم يأت منه إلّا قرقار (٦) وعرعار (٧) قال الشّاعر : (٨)

__________________

قوله : أقائم أخواك والصحيح هو الأوّل.

(١) شرح التصريح ، ٢ / ١٩٧.

(٢) شرح المفصل ، ٤ / ٢٩ ـ ٣١.

(٣) الكافية ، ٤٠٦.

(٤) قال سيبويه في الكتاب ، ٣ / ٢٨٠ واعلم أن فعال جائزة من كل ما كان على بناء فعل أو فعل أو فعل ، ولا يجوز من أفعلت لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة إلا أن تسمع شيئا فتجيزه فيما سمعت ولا تجاوزه فمن ذلك : قرقار وعرعار.

(٥) ما عدا الأخفش إذ أجاز أن يقال : دحراج وقرطاس قياسا على قرقار. انظر شرح المفصل ، ٤ / ٥٢ وشرح الكافية ، ٢ / ٧٦ وشرح التصريح ، ٢ / ١٩٦.

(٦) يقال : قرقر البعير قرقرة هدر ، وذلك إذا هدل صوته ورجّع ، والاسم القرقار يقال بعير قرقار الصوت أي صافي الصوت. اللسان ، قرر.

(٧) عرعار لعبة للصبيان بني على الكسر وهو معدول عن عرعرة مثل : قرقار من قرقرة ، والعرعرة لعبة للصبيان لأن الصبيّ إذا لم يجد أحدا رفع صوته فقال : عرعار ، فإذا سمعوه خرجوا إليه فلعبوا تلك اللعبة. اللسان ، عرعر.

(٨) الرجز لأبي النجم وعجزه :

٢٧٥

قالت له ريح الصّبا قرقار

أي قالت الريح للسّحاب : قرقر يا رعد ، فهو اسم لقولك أرعد ، وأمّا عرعار ، فحكاية صوت الصبي إذا خرج فلم يجد من يلعب معه فينادي : عرعار فيخرجون إليه ، فكأنه اسم لقولك اخرجوا للّعب ، قال الشاعر : (١)

 ...

يدعو وليدهم بها عرعار

وقيل : لو كان كذلك لكان من باب الأصوات ، بل هو اسم للعب معيّن للصبيان (٢).

فصل (٣)

ومن أسماء الأفعال ، ها بمعنى خذ ، وتلحقها الكاف فيقال هاك ، فيتصرف مع الكاف في أحواله : هاك وهاك وهاكما إلى هاكنّ.

واعلم أنّ هلمّ / من أسماء الأفعال (٤) وهي عند الخليل مركّبة من لمّ من قولهم : لمّ الله شعثه إذا جمعه ، ومن ها التنبيه فأصلها ها لمّ (٥) ثمّ حذفت الألف لكثرة الاستعمال ، وقال الكوفيون : هي مركبّة من هل بمعنى أسرع وأمّ بمعنى اقصد

__________________

واختلط المعروف بالإنكار

وروى منسوبا له في لسان العرب ، قرر ، وخزانة الأدب ، ٦ / ٣٠٧ وروي من غير نسبة في الكتاب ، ٣ / ٢٧٦ وشرح المفصل ، ٤ / ٥١ وشرح الكافية ، ٢ / ٧٦ وشرح الأشموني ، ٣ / ١٦٠.

(١) البيت للنابغة الذبياني ورد في ديوانه ، ٥٦ برواية : يدعو بها ولدانهم عرعار. وصدر البيت :

متكنّفي جنبي عكاظ كليهما

وورد البيت منسوبا له في شرح المفصل ، ٤ / ٥٢ ولسان العرب ، عرر ، وخزانة الأدب ، ٦ / ٣١٢ وورد من غير نسبة في شرح الكافية ، ٢ / ٧٦ وشرح الأشموني ، ٣ / ١٦٠.

(٢) انظر شرح المفصل ، ٤ / ٥٢ قال الأشموني ، ٣ / ١٦٠ ـ ١٦١ والصحيح ما قاله سيبويه ؛ لأنّه لو كان حكاية صوت لكان الصوت الثاني مثل الأول نحو : غاق غاق فلما قال : عرعار وقرقار ، فخالف لفظ الأول لفظ الثاني علم أنه محمول على عرعر وقرقر.

(٣) المفصل ، ١٥٣.

(٤) المفصل ، ١٥٢.

(٥) في الكتاب ، ٣ / ٣٣٢ : وأما هلمّ فزعم أنها حكاية في اللغتين جميعا كأنها لمّ أدخلت عليها الهاء كما أدخلت ها على ذا. وانظر شرح المفصل ، ٤ / ٤١ والتسهيل ، ٢١١ وشرح الأشموني ، ٣ / ٢٠٥.

٢٧٦

ثم حذفت الهمزة وجعلا اسما واحدا للفعل (١) بمنزلة باقي أسماء الأفعال نحو : رويد ، ونزال ، وهي عند الحجازيين على لفظ واحد في التثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، وبنو تميم يقولون : هلمّا هلمّوا هلممن ، ويلحقونها نون التأكيد أيضا نحو : هلمّنّ وهلمنّ يا هذه وهلمانّ وهلمنّ يا هؤلاء ، وهلممنانّ يا نساء (٢) واعلم أنّ هلمّ على وجهين : (٣) متعديّة وغير متعديّة ، فالمتعديّة بمعنى أحضر وقرّب نحو قوله تعالى : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ)(٤) فإنّه من القسم المتعدي أي : أحضروا شهداءكم ، وغير المتعدي بمعنى : تعال وأقبل نحو قوله تعالى : (هَلُمَّ إِلَيْنا)(٥) فإنّه من القبيل الذي لا يتعدّى أي : تقرّب إلينا (٦).

فصل (٧)

ومن المبنيّات ما يوافق فعال في الصيغة فذكروه هنا وإن لم يكن من أسماء الأفعال لئلا يطول بإفراد باب له وهو على ثلاثة أضرب :

الضرب الأول : ما هو اسم للمصدر المعرفة نحو : فجار علما للفجور ، وهو مبنيّ لمشابهته فعال ـ الذي هو اسم الفعل ـ من حيث الزنة والعدل ؛ لأنّ فجار معدولة عن الفجور لفظا ومعنى (٨).

الضرب الثاني : ما هو في معنى الصفة في النّداء ، مثل : يا فساق ويا خباث وهو أيضا مبنيّ للزنة والعدل ، لأنّ فساق مثلا معدول عن فاسقة وهو معرفة أيضا ، لجواز وصفه بالمعرفة كقولك : يا فساق الخبيثة.

__________________

(١) قال ابن يعيش في شرح المفصل ، ٤ / ٤١ ـ ٤٢ وقد أنكر بعضهم ذلك وقال : إنه ضعيف من جهة المعنى إذ كانت هل للاستفهام ولا مدخل للاستفهام هاهنا ، والقول إن هل التي ركّبت مع أم ليست التي للاستفهام وإنما هي للزجر والحثّ.

(٢) الكتاب ، ١ / ٢٥٢ ـ ٣ / ٣٣٢ ـ ٥٢٩.

(٣) المفصل ، ١٥٢.

(٤) من الآية ١٥٠ من سورة الأنعام.

(٥) من الآية ١٨ من سورة الأحزاب.

(٦) شرح المفصل ، ٤ / ٤٣ وحاشية الصبان ، ٣ / ٢٠٦.

(٧) الكافية ، ٤٠٦.

(٨) شرح الوافية ، ٢٩٤ وانظر شرح المفصل ، ٤ / ٥٣.

٢٧٧

الضرب الثالث : ما وضع علما للأعيان المؤنّثة نحو : قطام وغلاب وإنّما قال : علما ليخرج باب فساق ، وإنّما قال : للأعيان ليخرج باب فجار ، لأنّه وإن كان علما لكنه علم للمعنى الذي هو المصدر لا للأعيان ولم يقع هذا الضرب الثالث إلّا مؤنّثا ، وهي مبنيّ أيضا في لغة أهل الحجاز (١) وعلّة بنائه ما قيل في : فجار من العدل والزنة ، وغلاب معدول عن غالبة ، وقطام عن قاطمة لفظا ومعنى (٢). واعلم أنّ قولنا في غلاب وقطام ونحوهما : إنّه معدول عن غالبة وقاطمة ، إنّما هو عدل تقديريّ لا تحقيقي (٣) وإنّما وجب المصير إليه للعلم بأنهم لا يبنون إلّا لمانع من الإعراب ، ولا مانع سوى ما قدّر من العدل ومشابهة فعال المبنيّ في الزنة ، وفي هذا الضرب الثالث خاصة خلاف أعني علم الأعيان فإنّه مبنيّ في لغة الحجاز معرب في لغة بني تميم إعراب ما لا ينصرف ، إلّا ما كان في آخره راء نحو : حضار اسم كوكب يطلع قدّام سهيل ويشتبه به (٤) فإنّ بني تميم يوافقون الحجازيين في بنائه إلّا القليل منهم فإنّهم يعممون الإعراب في جميع هذا الضرب الثالث وقد جرى القليلون على القياس في ذلك ، إذ لا فرق بين ما آخره راء وغيرها (٥).

ذكر الأصوات (٦)

وهي خامس المبنيّات ، وهي : كلّ لفظ حكي به صوت نحو : غاق ، حكاية صوت الغراب ، وطق ، حكاية صوت الحجر ، أو صوّت به للبهائم ليحصل منها ما يقصده المصوّت من إناخة وغيرها كنخ وجوت (٧) وبني هذا النّوع / لعدم التركيب لأنّ وضعه على أن ينطق به مفردا (٨) وقد جاء إعرابه مركّبا قليلا.

__________________

(١) المقتضب ، ٣ / ٣٧٣ وشرح المفصل ، ٤ / ٦٤.

(٢) شرح الوافية ، ٢٩٤ وانظر شرح المفصل ، ٤ / ٦٥.

(٣) شرح الكافية ، ٢ / ٧٩.

(٤) قال أبو عمرو بن العلاء : يقال : طلعت حضار والوزن وهما كوكبان يطلعان قبل سهيل فإذا طلع أحدهما ظنّ أنه سهيل للشبه ، اللسان ، حضر.

(٥) شرح الوافية ، ٢٩٤ وانظر شذور الذهب ، ٩٤.

(٦) الكافية ، ٤٠٦.

(٧) جوت جوت : دعاء الإبل إلى الماء. اللسان ، جوت.

(٨) شرح الأشموني ، ومعه حاشية الصبان ، ٣ / ٢١١.

٢٧٨

قال ذو الرمة : (١)

تداعين باسم الشّيب في متثلّم

جوانبه من بصرة وسلام

والشّيب بالكسر ، حكاية أصوات مشافر الإبل عند الشّرب (٢) وصف إبلا تشرب في حوض متثلّم جوانبه ، وأصوات مشافرها شيب شيب ، والأصل : أن تحكى الأصوات على ما هي عليه ، ولا يعتبر تركيبها كما لا يعتبر تركيب قد وضرب ونحوه في الإعراب.

ذكر المركّبات (٣)

وهي سادس المبنيّات ، والمركّب المبنيّ : كلّ اسم مركّب من كلمتين ليس بينهما نسبة ، اعلم أنّ المراد بالمركّب هنا ما سبب بنائه التركيب ، وإنّما قال : المركّب من كلمتين ، ليشمل المركّب من الاسم والفعل والحرف نحو : سيبويه ، وقوله : ليس بينهما نسبة ، أي ليس أحدهما محكوما عليه بالآخر ، ولا عاملا فيه ، وما كان من تركيب هذا شأنه فهو موجب للبناء فيخرج مثل : غلام زيد ، وتأبّط شرّا ، ونحوهما لوجود النسبة فيهما ، وتأبّط شرّا وإن كان مبنيّا ، فليس بناؤه للتركيب بل لكونه محكيّا على أصله ، والمركّب المبنيّ على ضربين ، أحدهما : أن يكون الأول والثاني مبنيين معا ، وثانيهما : أن يكون الأول مبنيا والثاني معربا كما سنذكر.

أما الضرب الأول : وهو الذي بني فيه الأول والثاني معا.

فمنه : أحد عشر إلى تسعة عشر خلا الجزء الأول من اثني عشر فإنّه خاصة معرب كما سيأتي ، وبني الأول من الأعداد المذكورة لشبهه بصدر الكلمة ، لأنّ خمسة من خمسة عشر مثل جع من جعفر ، وبني الثاني من أحد عشر واثني عشر إلى تسعة

__________________

(١) ديوانه ، ٦٠٩ ورد منسوبا له في شرح المفصل ، ٣ / ١٤ ـ ٤ / ٨٥ ولسان العرب. بصر ، وشرح الأشموني ، ٣ / ٢١١ وخزانة الأدب ، ١ / ١٠٤ ـ ٤ / ٣٤٣ ومن غير نسبة في إصلاح المنطق لابن السكيت ، ٣٤ ولسان العرب ، شيب. المتثلّم : الحوض المتهدم المتكسّر ، البصرة : حجارة رخوة فيها بياض ، السّلام : جمع سلمة بفتح السين وكسر اللام وهي الحجر الرقيق.

(٢) اللسان ، شيب.

(٣) الكافية ، ٤٠٦.

٢٧٩

عشر لتضمّنه معنى الحرف (١) أعني الواو ، لأنّ أصل أحد عشر ، أحد وعشر ، وكذا القول في اثني عشر في بناء الثاني خاصة إلى تسعة عشر ، وبنيا على حركة ، لأنّ لهما أصلا في التمكين قبل التركيب ، وكانت فتحة طلبا للخفّة.

ومنه : اسم الفاعل المصوغ من الأعداد المذكورة وهو حادي عشر وثاني عشر إلى تاسع عشر ، واطّرد البناء فيه ولم يعرب الجزء الأول من ثاني عشر كما أعرب من اثني عشر لاستوائه مع إخوته في علّة البناء لأنّ اسم الفاعل المذكور جرى في البناء مجرى أصله ؛ فحادي عشر وثاني عشر ، مبنيّان كبناء أحد عشر وعلى ذلك حتى يكون تاسع مبنيّا كبناء تسعة عشر ، وأما اثنا عشر فبني الثاني خاصة لتضمّنه معنى الحرف ، وأعرب الأوّل ، لأنّهم لمّا حذفوا النون من اثنين لكونها تدلّ على الانفصال ، أشبه المضاف وصار الاسم الثاني كالمضاف إليه ، فأجروا الاسم الأول مجرى الكلمة المستقلّة المضافة فأعربوه بالألف في الرفع وبالياء في النصب والجر فقالوا : جاءني اثنا عشر ورأيت اثني عشر ومررت باثني عشر ، بإعراب الأول وبناء الثاني على الفتح (٢) ، ومن هذا الضّرب قولهم (٣) ، «وقعوا في حيص بيص» وتقديره في حيص وبيص أي في فتنة تموج بأهلها متأخّرين ومتقدّمين / وعلّة بنائه ما تقدّم أعني ، لتضمّن الثاني معنى الحرف ولكون الأول كصدر الكلمة ، ومثله : هو جاري بيت بيت (٤) والتقدير : هو جاري بيتا إلى بيت أي متلاصقان ، والعامل فيه جاري ؛ لأنّه بمعنى مجاوري ، ومن ذلك : سقطوا بين بين أي بين كذا وبين كذا (٥).

وأمّا الضّرب الثاني :

وهو أن يكون الأول مبنيّا والثاني معربّا ف : كحضرموت وبعلبكّ ، بني الأوّل لكونه كصدر الكلمة ، وبقي الثاني على ما يستحقّه من الإعراب فيقال : هذا بعلبكّ

__________________

(١) شرح المفصل ، ٤ / ١١٢.

(٢) شرح الوافية ، ٢٩٦ وانظر الكتاب ، ٣ / ٣٠٧ وشرح الكافية ، ٢ / ٨٨.

(٣) وضح المؤلف معنى المثل ، وانظره في جمهرة الأمثال ، ٢ / ٢٤٥ والمفصل ، ١٧٦ ـ ١٧٧ وشرح الكافية ، ٢ / ٩٢ واللسان ، حيض.

(٤) الصحاح واللسان ، بيت ، وشرح الكافية ، ٢ / ٩١.

(٥) شرح المفصل ، ٤ / ١١٧ واللسان ، بين.

٢٨٠