كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ١

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]

كتاب الكنّاش في فنّي النّحو والصّرف - ج ١

المؤلف:

عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيّوبي [ صاحب الحماة ]


المحقق: الدكتور رياض بن حسن الخوّام
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-34-369-1
ISBN الدورة:
9953-34-369-1

الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

لأنّ المضمر المتصل لا يعطف عليه إلّا بعد توكيده بمنفصل ، فلمّا تعذّر عطف زيد على التاء في جئت ، تعيّن النّصب على المفعول معه (١) ، وإن كان الفعل معنوّيا فإن صحّ العطف تعيّن ، نحو : ما لزيد وعمرو ، وما شأن زيد وعمرو ، لأنّه لم يتقدمه فعل ، والإضمار خلاف الأصل فكان جرّه متعيّنا ، ومنهم من يجوّز النصب فيه ، ويجعل العطف راجحا لا واجبا (٢) وإن لم يصحّ العطف تعيّن / النصب نحو : ما شأنك وزيدا ، وما لك وزيدا ، وإنّما تعيّن النصب لامتناع العطف على المضمر المجرور من غير إعادة الجار لتنزل المضمر مع الجار منزلة جزء الكلمة الواحدة (٣) ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل (٤) ولا على الفاعل ، خلافا لابن جني (٥) فإنه يجوّز : جاء والطيالسة البرد (٦).

ذكر الحال (٧)

وهي الأولى من المشبّهات بالمفعول ، ووجه شبهها به أنها فضلة (٨) ، والحال يذكّر ويؤنّث ، وسمّيت حالا لعدم ثبوتها لأنّها من حال يحول إذا تغيّر ، ويدلّ على ذلك أنّ الحال لا يجوز أن يكون خلقة ، ولا يكون إلّا صفة غير لازمة غالبا ، فلذلك لا تقول : جاء زيد طويلا ولا أحمر ، وحدّها : أنها ما يبيّن هيئة الفاعل والمفعول لفظا أو معنى ، حالة الفاعلية والمفعولية فقولنا : ما يبيّن ، كالجنس ، وهيئة الفاعل أو المفعول فصل ، فخرج بالهيئة غير مبيّن الهيئة سواء كان مبيّنا للذات كالتمييز ، أو لم يكن كالنّعت ، وخرج بإضافة الهيئة إلى الفاعل أو المفعول ، النعت نحو : جاءني

__________________

(١) شرح الوافية ، ٢١٨.

(٢) شرح المفصل ، ٢ / ٥١.

(٣) شرح الكافية ، ١ / ١٩٧ وشرح التصريح ، ١ / ٣٤٥.

(٤) تسهيل الفوائد ، ٩٩ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٣٧.

(٥) أبو الفتح ، عثمان بن جني ، من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف ، له تصانيف كثيرة توفي ٣٩٢ ه‍. انظر ترجمته في الفهرست ، ١٢٨ ونزهة الألباء ٣٣٢ وبغية الوعاة ، ٢ / ١٣٢.

(٦) الخصائص ، ٢ / ٣٨٣.

(٧) الكافية ، ٣٩٣.

(٨) قال الزمخشري في المفصل ، ٦١ «شبه الحال بالمفعول من حيث إنها فضلة مثله ، جاءت بعد مضي الجملة ، ولها بالظرف شبه خاص من حيث إنها مفعول فيها» ولم يتحدث ابن الحاجب عن هذين الشبهين في شرح الكافية ١ / ٢٨٩ ولا في شرح الوافية ، ٢١٨.

١٨١

زيد الراكب ، لأنّ الراكب مبيّن لهيئة زيد لا بالنظر إلى كونه فاعلا أو مفعولا ، وكذلك خرج القهقرى في قولك : رجع القهقرى ، فإنها مبيّنة لهيئة الفعل الذي هو الرجوع لا لهيئة الفاعل أو المفعول ، وإنّما قال : ما يبيّن ولم يقل : اسم يبيّن لأنّ الحال قد يكون جملة وقوله : لفظا أو معنى ، أي : الفاعل الذي هو صاحب الحال يكون فاعلا لفظا وفاعلا معنى ، وكذا المفعول الذي هو صاحب الحال يكون مفعولا لفظا ومفعولا معنى ، فمثال الفاعل لفظا أو المفعول لفظا ، قولك : ضربت زيدا قائما ، فإن جعلت قائما حالا من التاء في ضربت فهو حال من الفاعل لفظا ، وإن جعلته حالا من زيد فهو حال من المفعول لفظا ، ومثال الفاعل معنى : زيد في الدار قائما ، لأنّ التقدير استقرّ في الدار (١) وكذلك : ما لك واقفا ، فواقفا حال من الضمير المجرور وهو الكاف ، وهو فاعل لأنّه بمعنى ما تصنع ، ومثال المفعول معنى (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً)(٢) وهذا زيد قائما أي : نبّهت عليه وأشرت إليه شيخا أو قائما ، وقد يكون الحال من الفاعل والمفعول بلفظ واحد إذا اتّفقا فيها نحو : لقيته راكبين ، ولقيته مسلّمين ، وأمّا إذا اختلفا فيها نحو : لقيته مصعدا منحدرا ففيه مذهبان : أحدهما : جواز تقديم أيّهما شئت ، والثاني : تقديم حال المفعول (٣).

وشرط الحال (٤)

أن يكون نكرة ، وصاحبها معرفة (٥) غالبا لأنّه محكوم عليه ، وحقّ المحكوم عليه أن يكون معرفة (٦) وقال : غالبا لأنّه قد يكون نكرة كما سيأتي ، وإنّما كانت الحال نكرة لعدم الاحتياج إلى تعريفها ، ولأنّها لو كانت معرفة لالتبست / بالصفة في

__________________

(١) شرح الكافية ، ١ / ٢٠١.

(٢) من الآية ، ٧٢ من سورة هود.

(٣) والمسألة حولها تفصيل انظره في شرح الوافية ، ٢١٩ وشرح المفصل ، ٢ / ٥٦ وشرح الكافية ، ١ / ٢٠٠ وشرح الأشموني ، ١ / ٢٠٠.

(٤) الكافية ، ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٥) شرح ابن عقيل ، ٢ / ٢٥٠ وقد قال السيوطي في همع الهوامع ١ / ٢٢٩ ، جوّز يونس والبغداديون تعريفها مطلقا ، وقال الكوفيون إذا كان في الحال معنى الشّرط جاز أن يأتي على صورة المعرفة وهي مع ذلك نكرة نحو : عبد الله المحسن أفضل منه المسيء.

(٦) شرح المفصل ، ٢ / ٦٢ ، وشرح الكافية ، ١ / ٢٠١.

١٨٢

بعض الصور (١) وأمّا ما ورد منها غير منكّر فمؤوّل ، ومنه قول لبيد (٢) :

فأرسلها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغص الدّخال

يصف حمار الوحش أنّه أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة ، فالعراك وإن كان لفظه معرفة فمعناه التنكير ، أي معتركة ، وقال أبو علي الفارسي : (٣) تأويله تعترك العراك ، فتعترك المقدّر هو الحال ، والعراك منصوب على المصدر ، والعراك الزحام ، وكذلك قولهم : مررت به وحده ، حال مع كونه معرفة ، وقد أوّلوه أنّه بمعنى منفرد ، كأنّه قال : مررت به منفردا ، ويجوز نصبه على المصدر كما مرّ في العراك ، وتقديره يتوحّد توحّدا ، ثم حذف الفعل فبقي توحّدا ثم حذفت زوائد المصدر بقي وحده (٤) وكذلك القول في : فعله جهده أي مجتهدا أو يجتهد جهده (٥) فإن كان صاحب الحال نكرة وجب تقديمها عليه في المفرد (٦) نحو : جاءني راكبا رجل ، وأنشدوا (٧) عليه :

__________________

(١) في مثل قولك : ضربت زيدا الراكب ، شرح الوافية ، ٢١٩ وقال الشيخ ياسين في حاشيته على شرح التصريح ، ١ / ٣٧٣ وإنما التزم تنكير الحال لئلا يتوهم الصفة التابعة إن كان لمنصوب كضربت اللصّ المكتوف ، والمقطوعة إن كان لمرفوع أو مخفوض كجاء زيد الراكب ومررت بزيد الراكب.

(٢) لبيد بن ربيعة العامري كان فارسا شاعرا شجاعا مسلما قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وفد بني كلاب فأسلموا جميعا ثم قدم الكوفة ومات بها في أول خلافة معاوية. انظر ترجمته في طبقات فحول الشعراء ، ١ / ١٣٥ ، والشعر والشعراء ، ١ / ١٩٤ والبيت ورد في ديوانه ، ١٠٨ برواية فأوردها في مكان فأرسلها ، وروي منسوبا له في الكتاب ، ١ / ٣٧٢ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٢٨٤ ، وشرح المفصل ، ٢ / ٦٢ وشرح الكافية ، ١ / ٢٠٢ وشرح التصريح ، ١ / ٣٧٣ وروي البيت من غير نسبة في المقتضب ، ٣ / ٢٣٧ ، والإنصاف ، ٢ / ٨٢٢. وشرح ابن عقيل ، ٢ / ٢٤٨ وهمع الهوامع ، ١ / ٢٣٩.

(٣) شرح الوافية ، ٢١٩ وشرح التصريح ، ١ / ٣٧٤.

(٤) الكتاب ، ١ / ١٧٣ وفي ١ / ٣٧٧ «وزعم يونس أن وحده بمنزلة عنده» أي منتصب على الظرفية المكانية ، وانظر شرح الأشموني ٢ / ١٧٢ والهمع ١ / ٢٤٠.

(٥) شرح الوافية ، ٢١٩ وشرح المفصل ، ٢ / ٦٣.

(٦) الكافية ، ٣٩٤.

(٧) هذا صدر بيت لكثير عزة ، وعجزه :

عفاه كلّ أسحم مستديم

ورد في ديوانه ٥٣٦ ، ونسب له في شرح المفصل ، ٢ / ٦٢ ، وشرح التصريح ١ / ٣٧٥ ومن غير نسبة في شرح الكافية ، ١ / ٢٠٤ والبيت المشهور المستشهد به في هذا الموضع :

لمية موحشا طلل

يلوح كأنّه خلل

وهو لكثير أيضا ورد في ديوانه ، ٥٠٦ وروي منسوبا له في الكتاب ٢ / ١٢٣ ، وشرح التصريح ، ١ / ٣٧٥

١٨٣

لعزّة موحشا طلل قديم

 ...

لأنّها لو أخّرت لالتبست بالصفة ، في نحو قولك : ضربت رجلا مجرّدا من ثيابه ، لأنّ الحال يتقدّم على ذي الحال ، والصفة لا تتقدّم على الموصوف.

وعامل الحال (١)

إمّا فعل أو شبه فعل أو معنى فعل ، لتحقّق الفاعل والمفعول بها ، أمّا الفعل فنحو : ضربت ، وأمّا شبه الفعل فهو : الصفات المشتقّة من الفعل الحقيقي الذي هو المصدر ، نحو : زيدا قائما ، والمراد بالصفات المشتقّة من الفعل ؛ اسم الفاعل ، نحو : زيد ضارب عمرا (٢) قائما ، واسم المفعول نحو : زيد مضروب قائما ، وأفعل التفضيل نحو : هذا بسرا أطيب منه رطبا (٣) والصفة المشبّهة باسم الفاعل ، نحو : مررت بالحسن وجها قائما ، وأمّا معنى الفعل فهو : ما أقيم مقام الفعل من غير الصفات والحروف واستنبط فيه معنى الفعل (٤) نحو اسم الإشارة مثل (هذا بَعْلِي شَيْخاً)(٥) وقد تقدّم ، ونحو التمني مثل : ليت زيدا قائما ، أي أتمنّاه قائما (٦) ونحو التشبيه مثل : كأنّ زيدا قائما أسد أي : أشبّهه في حال قيامه بالأسد ، ونحو الظرف مثل : زيد في الدار قائما وقد تقدّم ونحو التنبيه مثل : ها هو زيد قائما ، ونحو الجار والمجرور مثل : ما لك واقفا ، وقد تقدّم أيضا ، فهذه وشبهها استنبط فيها معنى الفعل وليست مشتقة من فعل ، فالفعل وشبهه يعملان في الحال متقدّمة نحو : قائما ضرب زيد ، وقائما زيد ضارب ، بخلاف معنى الفعل فإنّه لا يجوز : قائما هذا زيد ، لضعف

__________________

وشرح الشواهد ، ٢ / ١٧٤ ، وروي البيت من غير نسبة في الخصائص ، ٢ / ٤٩٢ وشرح المفصل ، ٢ / ٥٠ والمغني ، ١ / ٨٥ ـ ٢ / ٤٣٦ ـ ٦٥٩ وشرح التصريح ، ٢ / ١٢٠ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٧٤ خلل بكسر الخاء جمع خلّة : وهي بطانة يغشى بها أجفان السيف.

(١) الكافية ، ٣٩٣.

(٢) في الأصل عمروا.

(٣) شرح المفصل ، ٢ / ٦٠ وشرح التصريح ١ / ٣٨٣.

(٤) شرح الكافية ، ١ / ٢٠١.

(٥) من الآية ٧٢ من سورة هود.

(٦) شرح الكافية ، ١ / ٢٠١ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٨٠.

١٨٤

معنى الفعل وقوّة الأوّلين (١) بخلاف الظّرف (٢) نحو : أكلّ يوم لك ثوب ، وإنّما لم تجر الحال / مجرى الظّرف في جواز تقدّمها على الفعل المعنوي لاتساعهم في الظروف ، ولا يتقدّم حال المجرور عليه ، فإذا قلت : مررت قائما بعمرو ، كان الحال من الضمير الفاعل في : مررت لا من عمرو ، ويتبيّن (٣) بمثل : مررت قائمة بهند ، فيتعيّن للمنع ، ومررت قائما بهند ، فيتعيّن للجواز ، هذا قول الأكثرين (٤).

ويكون الحال جملة خبريّة (٥) لأنّ الحال خبر عن ذي الحال ، فكما جاز الإخبار عن الشيء بالجملة كذلك جاز وقوع الحال جملة وكما أنّ الجملة الإنشائيّة لا تقع خبرا فكذلك لا تقع حالا ، والجملة الخبريّة التي تقع حالا تكون اسميّة ، وتكون فعليّة ، والفعليّة بفعل مضارع وماض ، وكلّ منهما يكون مثبتا ومنفيّا كما سنمثله ، والجملة الاسميّة إذا وقعت حالا لزمها الواو ، كقولك : جاء زيد ويده على رأسه ، وحذف الواو معها استغناء بالضمير شاذّ ، وحذف الضمير استغناء بالواو فصيح (٦) كقولك : جاءني زيد وعمرو منطلق ، وقد وردت بالضمير وحده كقولك : كلّمته فوه إلى فيّ وهو شاذّ (٧) وأما قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)(٨) وهو وقوع الجملة الاسميّة حالا بغير واو ، فيحتمل أن تكون وجوههم مسودّة مفعولا ثانيا لترى ، أو تكون حالا (٩) وحذفت الواو كراهة

__________________

(١) شرح الوافية ، ٢٢٠ وانظر شرح الأشموني ٢ / ١٨٠.

(٢) انظر خلافهم حول ذلك في شرح الكافية ، ١ / ٢٠٦ وتسهيل الفوائد ، ١١٠ ـ ١١١ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٧٩ ـ ١٨١ وشرح التصريح ، ١ / ٣٨٤ وهمع الهوامع ١ / ٢٤١.

(٣) غير واضحة في الأصل.

(٤) بعدها في شرح الوافية ٢٢٠ «وإنما منعوه لأن الحال فيه معنى الوصفية فكرهوا أن يقدموها عليه» وانظر الهمع ، ١ / ٢٤٢.

(٥) الكافية ، ٣٩٤.

(٦) شرح المفصل ، ٢ / ٦٥ وشرح الكافية ، ١ / ٢١٢ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٩٢ وهمع الهوامع ، ١ / ٢٤٦.

(٧) قال ابن يعيش في شرح المفصل ، ٢ / ٦٦ : فإن أراد أنه شاذ من جهة القياس فليس بصحيح لوجود رابطة في الجملة الحالية وهو الضمير في فوه وإن أراد أنه قليل من جهة الاستعمال فقريب لأنّ استعمال الواو في هذا الكلام أكثر لأنّها أدلّ على الغرض واظهر في تعليق ما بعدها بما قبلها ..

(٨) من الآية ٦٠ من سورة الزمر.

(٩) انظر إعراب القرآن المنسوب للزجاج القسم الثاني ٦٣٣ ، وفي البيان ٢ / ٣٢٥ واستغني عن الواو لمكان

١٨٥

اجتماع الواوين كما حذفت واو العطف من قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ)(١) تخفيفا لاجتماع الواوين إذ المعنى ، ووجوه يومئذ ناعمة ، وتحذف الواو من الجملة الفعليّة إذا كان فعلها مضارعا مثبتا كقولك جاء زيد يقرأ ، ولا يقال في مثله ويقرأ ، لأنّه في معنى قارئا معنى وزنة (٢) وإن لم يكن المضارع مثبتا أو كان الفعل ماضيا مثبتا ، أو منفيّا ، جاز أن تأتي بالواو والضمير معا ، وبالواو وحدها ، وبالضمير وحده ، ولا بدّ في الماضي من قد ظاهرة أو مقدّرة (٣) فذلك تسعة أقسام ، ثلاثة مع الواو والضمير ، وهي : مضارع منفيّ مثل : جاءني زيد وما يتكلّم غلامه ، وماض مثبت مثل : جاءني زيد وقد تكلّم غلامه ، وماض منفيّ مثل : جاءني زيد وما خرج غلامه ، وثلاثة بالواو فقط وهي مضارع منفيّ ، مثل جاءني زيد ولم يتكلّم عمرو ، وماض مثبت مثل : جاءني زيد وقد تكلّم عمرو ، وماض منفيّ مثل : جاءني زيد وما تكلّم عمرو ، وثلاثة بالضمير فقط ، مضارع منفيّ مثل : جاءني زيد ما يتكلّم غلامه ، وماض مثبت مثل : جاءني زيد قد تكلّم غلامه ، وماض منفيّ مثل : جاءني زيد ما تكلّم غلامه (٤).

وكلّ ما دلّ على هيئة صحّ وقوعه حالا (٥) سواء كان مشتقّا أو لم يكن نحو : هذا بسرا أطيب منه رطبا ، أي هذا حال كونه بسرا أطيب / منه حال كونه رطبا ، فالبسر والرّطب حالان مع أنّهما ليسا بمشتقّين ولكن لدلالتهما على الهيئة صحّ وقوعهما حالا. والعامل في رطبا هو أطيب بالاتفاق ، وفي بسرا خلاف ؛ فقال الفارسي : هو هذا أي اسم الإشارة أو حرف التنبيه ، وقال ابن الحاجب : هو أطيب ، وجوّز عمل أفعل التفضيل فيما قبله لأنه مثل قولك : تمر نخلتي بسرا أطيب منه رطبا. مع أنّ العامل في بسرا هو أفعل التفضيل بالاتفاق (٦).

__________________

الضمير في قوله «وجوههم» وانظر التبيان ، ٢ / ١١١٢.

(١) من الآية ٨ من سورة الغاشية.

(٢) شرح الوافية ، ٢٢١ وعمدة الحافظ ، ١ / ٣٣٢.

(٣) لأنها تقرب الماضي من الحال والأخفش والكوفيون غير الفراء لم يوجبوها. انظر شرح المفصل ، ٢ / ٦٦ وشرح الكافية ، ١ / ٢١٣ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٩١.

(٤) شرح الوافية ، ٢٢١ وشرح ابن عقيل ، ٢ / ٢٨١.

(٥) الكافية ، ٣٩٤.

(٦) ردّ ابن الحاجب في شرح الوافية ، ٢٢٢ ـ ٢٢٣ رأي الفارسي بأدلة كثيرة وانتهى إلى القول «ومن يقل

١٨٦

ويجوز حذف عامل الحال إذا دلّت عليه قرينة كما جاز حذف غيره كقولك للمسافر : راشدا ومرشدا مهديّا أي اذهب راشدا مرشدا ، ويجب حذف العامل في الحال المؤكّدة (١) وهي التي لا ينتقل ذو الحال عنها ما دام موجودا غالبا ، كقولهم : زيد أبوك عطوفا فإنّ الأب لا ينفكّ عن العطف غالبا ، ووجب حذف العامل لأنّ الأب يشعر بالعطف فاستغني عن التصريح بالعامل الذي هو أحقّه أو أثبته ، فحصلت القرينة ، وعطوفا لفظ التزم موضعه فوجب الحذف (٢) ، وشرط هذه الحال أن تكون مؤكّدة ومقرّرة وتابعة لمضمون جملة اسميّة (٣)(٤) نحو : زيد أبوك عطوفا فإنّ عطوفا مقرّر لمضمون زيد أبوك ، وقال : اسميّة لأنّها لو كانت مقرّرة لمضمون جملة فعليّة لم يكن فعلها واجب الحذف (٥). ومعنى كونها مؤكّدة ، أنها تعلم قبل ذكرها فيكون ذكرها توكيدا لها وهل هي من الفاعل أو من المفعول؟ فالجواب : أنّك إن قدّرت ثبت أو تحقّق عطوفا فهي من الفاعل ، وإن قدّرت أحقّه أو أثبته عطوفا فهي من المفعول (٦).

ذكر التمييز (٧)

وهو ثاني المنصوبات المشبّهة بالمفعول ، ووجه الشّبه أنّ نحو : طاب زيد نفسا ، يشبه ضرب زيد عمرا ، وعشرون درهما مثل : ضاربون زيدا ، والتمييز تفعيل

__________________

إنّ العامل في بسرا هذا ، فهذا يقول الهذيان وفي إيضاح المفصل ، ١ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦ أورد آراءهم في العامل ومنها رأي الفارسي ثم قال «وذهب آخرون إلى أن العامل في بسرا أطيب ، وهذا هو الصحيح ، والقول الأول ـ للفارسي ـ وهم محض» ثم راح يسوق أدلة تؤيد كون العامل هو أطيب ، منها ما ذكره أبو الفداء هنا. وللتوسع في هذه المسألة انظر الكتاب ١ / ٤٠٠ والمقتضب ٣ / ٢٥١ وشرح المفصل ، ٢ / ٦٠ وشرح الكافية ، ١ / ٢٠٨ وعمدة الحافظ ، ١ / ٣١٩ وشرح التصريح ، ١ / ١٨٣ ، وهمع الهوامع ، ١ / ٢٤٢ وشرح الأشموني ٢ / ١٨٢ وانظر إيضاح ابن الحاجب المخطوط ١٢٣ ظ.

(١) الكافية ، ٣٩٤.

(٢) شرح الوافية ، ٢٢٣ وانظر شرح الأشموني ، ٢ / ١٩٢.

(٣) الكافية ، ٣٩٤.

(٤) وجزآها معرفتان جامدان. الهمع ، ١ / ٢٤٥.

(٥) شرح الكافية ، ١ / ٢١٤.

(٦) شرح الوافية ، ٢١٣.

(٧) الكافية ، ٣٩٤.

١٨٧

من ميّزت ، وهو الاسم النكرة الذي يرفع الإبهام المستقرّ عن ذات مذكورة أو مقدّرة والإبهام : الإجمال وهو ضدّ الإيضاح وقوله : الإبهام المستقرّ ، احتراز به عن الأسماء المشتركة فإنّك إذا قلت : رأيت عينا مبصرة أو جارية ، لم ترفع عن تلك العين إبهاما مستقرّا بالوضع بل إبهاما عارضا للسّامع ، فإنّها وضعت لشيء بعينه معلوم للمتكلم بخلاف عشرين ، فإنّها وضعت مبهمة لا لدنانير ولا لدراهم (١) وقوله : عن ذات ، احتراز به عن نحو المصادر الدّالة على الهيئات نحو : جلست جلسة ، وعن الحال نحو : جاء زيد راكبا ، فإنّه إنّما يرفع الإبهام عن صفة المجيء لا عن ذات زيد ، لأنّ ذات زيد لا إبهام فيها ، وقوله : الاسم النكرة ، إنّما هو على المختار وهو مذهب البصريين ، فإنّ المميّز (٢) عندهم لا يكون إلا نكرة ، والكوفيون يجيزون أن يكون التمييز نكرة ومعرفة (٣) ويستشهدون بمثل قوله :/ (٤)

النازلين بكلّ معترك

والطيّبون معاقد الأزر

ويجوز أن يدفعوا بأنّ الإضافة إلى الأجناس لا تفيد التعريف ، ويستشهدون أيضا بمثل : غبن رأيه ، ووجع ظهره ، وفي التنزيل : (سَفِهَ نَفْسَهُ)(٥) والبصريون يقولون : إنّ ذلك منصوب على التشبيه بالمفعول (٦) ويستشهد الكوفيّون أيضا بقول الشاعر : (٧)

__________________

(١) في الأصل ولا دراهم ، وانظر شرح الوافية ، ٢٢٥ وشرح الكافية ، ١ / ٢١٦.

(٢) أي التمييز ، الهمع ، ١ / ٢٥٠.

(٣) انظر عمدة الحافظ ، ١ / ٣٦١ وشرح الكافية ، ١ / ٢٢٣ وشرح التصريح على التوضيح ، ١ / ٣٩٤ وهمع الهوامع ، ١ / ١٥٢.

(٤) البيت لخرنق بنت هفان القيسيّة أخت طرفة بن العبد لأمه ، وقد روي البيت منسوبا لها في الكتاب ، ١ / ٢٠٢ ـ ٢ / ٦٤ والمحتسب ، ٢ / ١٩٨ وكتاب الحلل ، ١٥ والإنصاف ، ٢ / ٦٤٨ وشرح الكافية ، ١ / ٣١٦ وشرح التصريح ، ٢ / ١١٦ وهمع الهوامع ، ٢ / ١١٩ وخزانة الأدب ، ٥ / ٤١ ورواه العيني في شرح الشواهد ، ٣ / ٦٨ من غير نسبة ، وعند بعضهم «النازلون» مكان النازلين. المعترك ، موضع القتال ، معاقد الأزر : كناية عن عفّة فروجهم تريد أنهم لا يعقدون مآزرهم على فروج زانية.

(٥) من الآية ١٣٠ من سورة البقرة.

(٦) أو على إسقاط الجار أي في نفسه ، وفي رأيه ، وفي ظهره ، انظر تسهيل الفوائد ، ١١٥ وشرح الكافية ، ١ / ٢٢٣ وهمع الهوامع ، ١ / ٢٥٢.

(٧) البيت لرشيد أو راشد بن شهاب اليشكري ، روي منسوبا له في المفضليات ، للضبي ، ٣١٠ وشرح

١٨٨

رأيتك لمّا أن عرفت جلادنا

رضيت وطبت النّفس يا بكر عن عمرو

فأراد طبت نفسا ، والبصريون يردّونه بأنه لضرورة الشعر (١). وقوله : مذكورة أو مقدّرة ، تفصيل للذّات التي تميّز ، فالمقدّرة ما تقدّر في مثل : زيد طيّب أبا ، وطاب زيد نفسا ، وحسن زيد علما ، ومعناه أنّ الفعل الذي هو حسن مسند في اللفظ إلى زيد ، وفي المعنى إلى مقدّر لزيد به تعلّق ، وتقديره : حسن علم زيد علما ، فالذّات المقدّرة التي لا تذكر في اللفظ هي علم زيد ومميزها قولك علما ، وكذا التقدير أبو زيد ، في طيّب أبا ، وطابت نفس زيد نفسا ، وكذلك جميع أمثلة الذّات المقدّرة (٢) فافهمه.

وأمّا الذات المذكورة فهي المفردة : (٣) وتنقسم (٤) إلى غير مقدار كباب وثوب وخاتم ، وإلى مقدار غالبا (٥) ، وهو إمّا عدد كعشرين درهما وسيأتي بيانه في باب العدد (٦) وإمّا غير عدد وهو إمّا موزون نحو : منوان سمنا ، أو مكيل نحو : فقيزان برّا ، أو ممسوح نحو : ما في السماء قدر راحة سحابا ، وعلى التمرة مثلها زبدا ، والمراد على التمرة مثل مقدارها زبدا فحذف المضاف الذي هو المقدار وأقيم المضاف إليه الذي هو الضمير مقامه (٧).

ذكر تمييز الذّات المذكورة التي هي مقدار وهي غير عدد (٨)

المقدار الذي هو غير عدد سواء كان موزونا أو مكيلا أو ممسوحا. إن كان

__________________

التصريح ، ١ / ١٥١ ـ ٣٩٤ وشرح الشواهد ، ١ / ١٨٢ وروي من غير نسبة في كتاب الحلل ، ٢٣٢ وعمدة الحافظ ، ١ / ٦٢ ـ ٣٦٢ وهمع الهوامع ، ١ / ٨٠ ـ ٢٥٢ وشرح الأشموني ، ١ / ١٨٢. ويروى وجوهنا مكان جلادنا وصددت مكان رضيت وقيس مكان بكر.

(١) وأل في النفس زائدة ، الهمع ، ١ / ٢٥٢.

(٢) شرح الوافية ، ٢١٧ وانظر شرح المفصل ، ٢ / ٧٠ وشرح الكافية ، ١ / ٢٢٠.

(٣) الكافية ، ٣٩٤.

(٤) في الأصل وينقسم.

(٥) شرح الكافية ، ١ / ٢١٧ ـ ٢٢٠.

(٦) في الصفحة ٣٠١.

(٧) شرح المفصل ، ٢ / ٧٠ وشرح ابن عقيل ، ٢ / ٢٨٧.

(٨) الكافية ، ٣٩٤.

١٨٩

مميزه من أسماء الأجناس فيفرد حال التثنية والجمع ، والمراد بالجنس هنا ، كلّ معنى عام يقع بلفظ واحد على القليل والكثير كالتمر والزيت والخبز فتقول : عندي رطلان جبنا ، وقفيزان برّا ، والقفيز مكيال وهو ثمانية مكاكيك (١) وصاعان عسلا ، وعلى التمرة مثلاها زبدا ، بإفراد اسم الجنس الذي هو نحو : الخبز أو العسل أو الزبد ، وإنما أفرد اسم الجنس لعدم احتياجه إلى التثنية والجمع لوقوع الجنس على القليل والكثير (٢) ولذلك تقول : عندي زيت قليل وزيت كثير ، وإذا كان صادقا على الكثير فلا يحتاج إلى تكثرة مرة أخرى بالتثنية والجمع إلّا أن يقصد الأنواع المختلفة فيطابق بالتمييز ما قصد لعدم دلالته عليها (٣) ، فتقول : عندي رطل زيتا ، ورطلان زيتين وأرطال زيوتا / وإن كان المميّز اسم جنس ولكن لا يقع على القليل والكثير بلفظ واحد كالثوب ، فيجمع وجوبا كقولك : عندي قنطار أثوابا ، وملء بيت كتبا ، لأنّ ذكره مجموعا أدلّ منه على الجنس لتقديره بمن الجنسيّة ، فيقدّر حينئذ قنطار من ثياب كما يقدّر قنطار من عسل (٤) وكلّ ما جاء من المقادير بالتنوين أو نون التثنية فحذف التنوين والنون ، وخفض التمييز بالإضافة أولى (٥) ، فتقول : رطل زيت ، ورطلا زيت ، وجاز ذلك لأنّه كما يرفع الإبهام بالنّصب ، يرفع بالإضافة ، وأمّا إذا كانت النون شبيهة بنون الجمع كما في نحو : عشرين فإنّ الحذف والإضافة إلى التمييز كعشري درهم لا يجوز لأنّ نون نحو : عشرين من نفس الكلمة فلا يجوز حذفها للإضافة (٦) ولا تجوز الإضافة مع هذه النون لشبهها بنون الجمع ، وأمّا حذفها والإضافة إلى غير التمييز فجائز بالاتفاق نحو : عشريك وعشري رمضان ، وفي تعليل ثبوت النون في

__________________

(١) القفيز من المكاييل ، وهو ثمانية مكاكيك عند أهل العراق ، وهو من الأرض قدر مائة وأربع وأربعين ذراعا ، وقيل : هو مكيال تتواضع الناس عليه ، والجمع أقفزة وقفزان ، والمكّوك مكيال لأهل العراق أيضا ، وجمعه مكاكيك ، ومكاكي على البدل كراهية التضعيف وهو صاع ونصف ، لسان العرب ، قفز ومكك.

(٢) شرح الكافية ، ١ / ٢١٩.

(٣) قال الرضي في شرح الكافية ، ١ / ٢١٩ «إن كان جنسا وقصدت الأنواع فثن ، إن أردت التثنية ، واجمع إن قصدت الجمع ، وإلا فأفرد».

(٤) تسهيل الفوائد ، ١١٥ وهمع الهوامع ، ١ / ٢٥٢.

(٥) الكافية ، ٣٩٤.

(٦) شرح الوافية ، ٢٢٦ وشرح المفصل ، ٢ / ٧٣.

١٩٠

التمييز وحذفها في نحو : عشروك وعشرو الشهر ، نظر ؛ وقد قيل في ذلك : (١) إنّما لم تجز إضافة العشرين إلى المميّز وجازت في غيره أعني في نحو : عشروك ، لأنّ العشرين في الأصل صفة لمميّزها لأنّ أصل عشرين درهما دراهم عشرون ، وصفة الشيء لا تضاف إليه ، ولا يضاف الموصوف إلى صفته ، وليس كذلك عشروك فافترقا.

ذكر تمييز الذات التي هي غير مقدار (٢)

وهي نحو : باب وخاتم وثوب كقولك : باب ساجا ، وخاتم حديدا ، وثوب خزّا ، وهو كلّ نوع أضيف إلى جنسه ويجوز فيه الإضافة وهي الأكثر (٣) فتقول : باب ساج بخفضه مع إفادة التخفيف.

ذكر تمييز الذات المقدّرة (٤)

قد تقدّم أنّ الذات التي تميّز تنقسم إلى مذكورة كما تقدّم شرحه ، وإلى مقدّرة كما شرحناه في حدّ التمييز أيضا ، وإنّما تقدّر في النّسب الإسناديّة وفي النّسب المشابهة للنسب الإسنادية ، وفي النّسب الإضافية فذلك ثلاث أمور :

أحدها : الذّات المقدّرة في نسبة في جملة إسناديّة ، نحو : طاب زيد نفسا وتصبّب عرقا وامتلأ الإناء ماء ، وقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٥).

ثانيها : الذّات المقدّرة في نسبة فيما يشابه الجملة ، والمراد بمشابه الجملة ، الصفة المشبّهة واسم الفاعل والمفعول نحو : زيد طيّب أبا وأبّوة وعلما ودارا ، وزيد مكرم أبا وأبّوة وعلما ودارا.

ثالثها : الذّات المقدّرة في نسبة في إضافة نحو : أعجبني طيب زيد أبا وأبوّة وعلما ودارا ، ومن هذا الباب لله درّه فارسا ، وحسب زيد بطلا ، فإنّه من تمييز الذات

__________________

(١) شرح التصريح ومعه حاشية ياسين ، ١ / ٣٩٧.

(٢) الكافية ، ٣٩٤.

(٣) شرح الوافية ، ٢٢٦.

(٤) الكافية ، ٣٩٤.

(٥) من الآية ٤ من سورة مريم.

١٩١

المقدّرة لا الذات المذكورة كما توهمه بعضهم (١) وتعلّق فارسا في : لله درّه فارسا وشبهه بمن هو له ، إنّما هو تعلّق الوصف بالموصوف ، فالتمييز في هذه الأمور الثلاثة / إنّما هو عن ذات مقدّرة ، لأنّ المقصود إنّما هو نسبة الفعل أو ما أشبهه إلى ما هو متعلّق بالاسم المنتصب عنه التمييز ، لأنّ الفعل الذي هو طاب في نحو : طاب زيد أبا ، مسند في اللفظ إلى زيد ، وهو في المعنى مسند إلى شيء آخر مقدّر متعلّق بزيد غير مذكور ، وهو مبهم لاحتمال جميع متعلّقات زيد ، فإذا قلت أبا ، فقد رفعت به الإبهام عن الذّات المقدّرة كما رفعت بالدرهم الإبهام عن عشرين في الذات المذكورة ، والتقدير : طاب أبو زيد أبا ، وطاب علم زيد علما وتصبّب عرق زيد عرقا ، وكذلك ما أشبه ذلك ، فالذات المقدّرة هي أبو زيد أو علمه ونحوهما ، فالفعل منسوب في اللفظ إلى زيد ، وفي المعنى إلى أبيه أو إلى علمه ونحوهما إذا قصد ذلك ، والإبهام إنّما نشأ من نسبة الطيب مثلا إلى متعلّق زيد ، لأنّ قولك : طاب زيد ، لا إبهام في واحد منهما ، وإنّما الإبهام في نسبة الطيب إلى أمر يتعلّق بزيد ، ولو لا ذلك لم يكن ثمّ ما يحتاج إلى تمييز ، ومتعلقاته تحتمل وجوها كثيرة فاحتيج إلى تفسير المقصود منها فجيء بالتمييز ، وكذلك الحال في الإضافة فإنّه قد يضاف الشيء إلى أمر ، والمراد إضافته إلى متعلّقه مثلما قيل في الجملة فيأتي التمييز أيضا.

واعلم أنّ الاسم المنصوب على التمييز قد يكون صالحا أن يرجع إلى من انتصب عنه وإلى متعلّقه ، وذلك نحو : أبا في طاب زيد أبا ، فجائز أن يكون الأب هو زيد ، وجائز أن يكون الأب هو والد زيد وكذا الأبّوة أيضا ، فإنّها تصلح لكلّ واحد منهما ، فإن كان المقصود في قولك : طاب زيد أبا ، بالطيب هو زيد نفسه كان التقدير طاب الأب زيدا أبا ، فتكون الذات المقدّرة هي الأب وإن كان المقصود والد زيد ، كان التقدير : طاب أبو زيد أبا ، فالذات المقدّرة هي أبو زيد ، وكذا القول في الأبوّة وغيرهما مما يأتي في هذا الباب. فإن لم يصلح أن يرجع إليهما فهو لمتعلّقه خاصة نحو : طاب زيد علما ودارا ، فليس يحتمل علما ودارا جهتين كما احتمله أبا وأبّوة بل إنما يحتمل جهة

__________________

(١) نقل الأزهري ، ١ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨ عن حواشي ابن هشام ما نصه : «وكون فارسا من مميز النسبة إنما يتمشى إذا كان الضمير المضاف إليه «الدر» معلوم المرجع ، أما إذا كان مجهوله ، كان من مميز الاسم لا من مميز النسبة لأن الضمير مبهم فيحتاج إلى ما يميزه» وانظر الكتاب ، ٢ / ١٧٤ والمقتضب ، ٣ / ٣٥ وشرح المفصل ، ٢ / ٧٣ وشرح الكافية ، ١ / ٢٢٠.

١٩٢

واحدة وهي علم زيد وداره ، لأنّ التقدير طاب علم زيد علما وطابت دار زيد دارا لا غير ذلك ، والذي يحتمل الرجوع إليهما ـ أعني إلى من انتصب عنه التمييز وإلى متعلّقه ـ تجب فيه المطابقة أعني إفراد التمييز ، وتثنيته وجمعه وتذكيره وتأنيثه على وفق من هو له إلّا (١) إن كان التمييز اسم جنس كالأبّوة والعلم فإنّه لا يثنّى ولا يجمع إلا أن يقصد الأنواع فيطابق به حينئذ ، فإذا قصدت إلى أنّ الأب هو زيد نفسه ، قلت طاب زيد أبا ، فلو ثنّيت زيدا أو جمعته على هذا المعنى قلت : طاب الزيدان أن أبوين وطاب الزيدون آباء وكذلك (٢) تجب المطابقة إذا قصدت إلى متعلّق زيد ، وهو والده مثلا ، فإن قصدت أباه وجدّه قلت : طاب زيدا ، وإن قصدت أباه وأمّه أو أبا وجدّا له ، قلت : طاب زيد أبوين ، وإن قصدت إلى جماعة من آبائه قلت : طاب زيد آباء ، فيطابق بالأب من هو له بخلاف ما إذا كان التمييز اسم جنس كالأبّوة / والعلم ، فإنّك تأتي به مفردا ، فتقول : طاب الزيدان أو الزيدون أبّوة وعلما ، ونحو ذلك إلا أن يقصد الأنواع فيطابق حينئذ ، فتقول : طاب زيد علمين إذا كان المراد به طاب بسبب علمين مختلفين ، وطاب زيد علوما ، إذا كان المراد به بسبب علوم كثيرة ، وتقديره طابت علوم زيد علوما ، وكذلك التقدير في التثنية وغيرها (٣) وكذلك تجب المطابقة في التمييز الذي هو صفة ، فيقال : حسن زيد فارسا والزيدان فارسين والزيدون فرسانا ، وكذلك لله درّه فارسا ودرّهما فارسين ودرّهم فوارس ، وإذا كان التمييز صفة احتمل أن يكون حالا لكنّ التمييز أولى (٤) لأنّ المراد مدحه مطلقا سواء كان حال كونه فارسا وهذا يفهم من التمييز دون الحال ، لأنه إذا كان حالا اختصّ بالمدح فيتقيّد ، فيتغيّر المعنى المقصود (٥) ، والفرق بين تمييز (٦) الذات المقدّرة في قولنا : لله درّه فارسا وبين تمييز الذات المذكورة في قولنا : على التمرة مثلها زبدا ، أنّ الفارس يرفع الإبهام عن نسبة الدّرّ إلى الضمير لا عن نفس الدّرّ ، وأنّ الزبد يرفع

__________________

(١) في الأصل لا.

(٢) في الأصل وكذلك.

(٣) شرح الوافية ، ٢١٧ وشرح الكافية ، ١ / ٢١٩ ـ ٢٢٠ وهمع الهوامع ، ١ / ٢٥٢.

(٤) شرح الكافية ، ١ / ٢٢٢.

(٥) شرح الوافية ، ٢١٧.

(٦) في الأصل تميز.

١٩٣

الإبهام عن نفس المثل إذ لا إبهام في إضافة المثل إلى الضمير بل في نفس المثل.

ولا يتقدّم التمييز على العامل (١) لأنّ العامل إن كان غير فعل كان ضعيفا ، فلا يعمل في التمييز المتقدّم عليه بالاتفاق (٢) وإن كان فعلا فمذهب سيبويه أن لا يتقدم عليه التمييز (٣) أيضا ، لأنّ التمييز في المعنى فاعل فكما لا يتقدّم الفاعل على الفعل ، لا يتقدّم التمييز على الفعل ، لأنّ الأصل في قولنا : طاب زيد نفسا طاب نفس زيد ، فعدل عن ذلك ليكون مبهما أوّلا ثم يفسّر ، فيكون أبلغ موقعا عند السّامع ، والمازنيّ أجاز تقديم التمييز على عامله إذا كان فعلا خاصة كقولنا : نفسا طاب زيد ، ووافق في غير الفعل (٤).

ذكر الاستثناء (٥)

المستثنى هو ثالث المنصوبات المشبّهات بالمفعول ، وهو ضربان : متصل ومنقطع ، فالمتصل : هو المخرج من حكم على متعدّد لفظا أو تقديرا بإلّا وأخواتها ، فاللفظ نحو : قام القوم إلّا زيدا ، والتقدير نحو : ما قام إلّا زيد ، لأنّ معناه ما قام أحد إلا زيد ، وقال : بإلّا وأخواتها ، ليخرج عنه المخرج عن متعدّد بالصفة نحو : أكرم بني تميم العلماء ، فإنّ الجهال مخرجة منه لعدم اتصافهم بالعلم ، وكذلك المخرج بالبدل كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٦) وكذلك المخرج بالشّرط نحو : أكرم القوم إن دخلوا الدّار ، وبالجملة المخرج بغير إلّا وأخواتها لا يسمّى استثناء ، وأخوات إلّا : غير وخلا وعدا وما خلا وما عدا وليس ولا يكون

__________________

(١) الكافية ، ٣٩٥.

(٢) همع الهوامع ، ١ / ٢٥٢.

(٣) الكتاب ، ١ / ٢٠٥ والمقتضب ، ٣ / ٣٦.

(٤) وبعدها في شرح الوافية ، ٢٢٩ «وما ذكرناه من المعنى يلزمه ، لأن معنى قولهم : طاب زيد علما في الأصل طاب علم زيد ، فقصدوا إلى الإبهام ثم التفسير لذلك الغرض ، فإذا قدم فات الغرض المذكور كما تقدم في المفرد سواء» وانظر في هذه المسألة المقتضب ، ٣ / ٣٦ ـ ٣٧ ، والإنصاف ، ٢ / ٨٢٨ وشرح المفصل ، ٢ / ٧٤ وتسهيل الفوائد ، ١١٥ وهمع الهوامع ، ١ / ٢٥٢.

(٥) الكافية ، ٣٩٥.

(٦) الآية ٩٧ من سورة آل عمران.

١٩٤

وسوى وسواء ، والمنقطع : هو المذكور بعد إلّا وأخواتها غير مخرج نحو : جاء الناس إلّا حمارا ، وسمّي بذلك لانقطاعه عمّا قبله (١).

فصل : وإذا تعقّب الاستثناء جملا بالواو عاد إلى كلّ منها عند عدم القرينة على الأصحّ (٢) نحو أكرم / ربيعة ، وأكرم مضر إلّا الطوال ، وقول من قال باختصاصه بالأخيرة تحكّم ، والترجيح بالقرب قياسا على تنازع العاملين منع للخلاف فيه ، والقول بالاشتراك فيه أو بالوقف يوجب التعطيل (٣).

ذكر وجوب نصب المستثنى (٤)

ويجب نصبه إذا كان مستثنى بعد إلّا غير الصّفة في كلام موجب نحو : قام القوم إلّا زيدا ، لامتناع البدل فيه ، لأن البدل يقوم مقام المبدل منه ، فلو قلت : قام إلّا زيد ، على البدل من القوم لم يصحّ ، وكذلك يجب نصبه إذا تقدّم المستثنى على المستثنى منه نحو قوله : (٥)

وما لي إلّا آل أحمد شيعة

وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب

فآل أحمد مستثنى قدّم على المستثنى منه الذي هو شيعة ، وكذلك مشعب

__________________

(١) شرح الوافية ، ٢٢٩ وهمع الهوامع ، ١ / ٢٢٧.

(٢) وحول المسألة خمسة آراء :

١ ـ وهو الأصح ، أنه يعود إلى جميعها ما لم يخصه دليل. وهو مذهب الشافعي وأصحابه ونسب إلى مالك ، والحنابلة أيضا واختاره ابن مالك. وعليه جرى المصنف.

٢ ـ أنه خاص بالجملة الأخيرة إلّا أن يقوم دليل على التعميم ، وهو مذهب أبي حنيفة وجمهور أصحابه ، وإليه ذهب أبو علي الفارسي واختاره أبو حيان.

٣ ـ أنه يعود للكل ، إن سيق لغرض واحد ، وإن لم يسق الكل لغرض واحد فللأخيرة.

٤ ـ أنه إن عطف بالواو عاد للكل ، أو بالفاء أو ثم عاد للأخيرة ، وعليه ابن الحاجب.

٥ ـ أنه إن اتحد العامل فللكل ، أو اختلف فللأخيرة خاصة ، انظر لذلك ، الصاحبي ، ١٨٨ ، وتسهيل الفوائد ، ١٠٣ ، والمساعد ، ١ / ٥٧٣ ـ ٥٧٤ والهمع ، ١ / ٢٢٧ وإرشاد الفحول للشوكاني ، ١٥٠ ـ ١٥١.

(٣) تسهيل الفوائد ، ١٠٣ وإرشاد الفحول للشوكاني ، ١٥١ وهمع الهوامع ، ١ / ٢٢٧.

(٤) شرح الكافية ، ٣٩٥.

(٥) للكميت بن زيد الأسدي ، انظرها شمياته ، ٣٣ ، وورد منسوبا له في الإنصاف ، ١ / ٢٧٥ وشرح المفصل ، ٢ / ٧٩ وشرح التصريح ، ١ / ٣٥٥ ومن غير نسبة في المقتضب ، ٤ / ٣٩٨ وشرح ابن عقيل ، ٢ / ٢١٦ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٤٩ وروي عجزه : ـ

١٩٥

الحقّ ، وإنّما وجب نصبه لأنّه لا يصلح أن يكون بدلا ولا صفة ، لامتناع تقدّم البدل على المبدل منه ، وتقدّم الصفة على الموصوف (١).

وكذلك يجب نصب المستثنى المنقطع على الأكثر (٢) نحو : ما جاءني أحد إلّا حمارا في لغة أهل الحجاز ، لأنّ بني تميم لا يوجبون نصبه ، وعلى لغة بني تميم قول الشّاعر : (٣)

وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس

فاليعافير والعيس ليست من الأنيس فهو مستثنى منقطع بعد إلّا مع رفعه على البدل ، وقد أجابوا عن هذا البيت بأنّ المراد بالأنيس ما يؤانس ويلازم المكان فهو أعمّ من الإنسان ، واليعافير والعيس بدل من الأنيس بدل البعض من الكلّ فلا يكون مستثنى منقطعا ، وإنّما أوجب أهل الحجاز نصب المستثنى المنقطع لامتناع البدل فيه ، وليكون مخالفا للمستثنى منه في الإعراب كما خالفه في الحكم والنّوع (٤).

وكذلك يجب نصب المستثنى بعد خلا وعدا عند الأكثرين (٥) نحو : جاءني القوم عدا زيدا أي عدا بعضهم زيدا ، وخلا بعضهم زيدا بمعنى جاوز وجانب ، وقال بعضهم : (٦) إنّهما حرفا جرّ فيكون ما بعدهما مخفوضا ، والنّصب بخلا وعدا هو المشهور.

ويجب نصب المستثنى بعد ليس وما عدا وما خلا ولا يكون ، لأنّ ما مصدريّة

__________________

وما لي إلا مذهب الحقّ مذهب.

(١) الإنصاف ، ١ / ٢٧٥ وشرح التصريح ، ١ / ٣٥٥.

(٢) شرح المفصل ، ٢ / ٨٠.

(٣) الرجز لعامر بن الحارث (جران العود) ورد في ديوانه ، ٥٢ وروايته :

بسابسا ليس به أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس

وروي منسوبا له في شرح الشواهد ، ٢ / ١٤٧ وشرح التصريح ، ١ / ٣٥٣ ومن غير نسبة في الكتاب ، ١ / ٢٦٣ ـ ٢ / ٣٢٢ ، والمقتضب ، ٢ / ٣١٨ ـ ٣٤٦ ، ٤ / ٤١٤ ، والإنصاف ، ١ / ٢٧١ ، وشرح المفصل ، ٢ / ٨٠ ـ ١١٧ ، ٧ / ٢١ ـ ٨ / ٥٢. اليعافير : جمع يعفور وهو ولد البقرة الوحشية والعيس : جمع عيساء وهي الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة.

(٤) شرح المفصل ، ٢ / ٨٠.

(٥) تسهيل الفوائد ، ١٠٥ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٦٢.

(٦) كالأخفش والفراء ، الهمع ، ١ / ٢٣٣.

١٩٦

لا تدخل إلّا على الفعل فوجب أن يكون خلا وعدا فعلين وفاعلهما مضمر ، والمستثنى مفعول به فوجب نصبه ، وأما ليس ولا يكون فلأنّهما فعلان ناقصان اسمهما مضمر فيهما ، والمستثنى خبرهما فيجب نصبه ، كقولك : جاءني القوم ليس بعضهم زيدا ولا يكون بعضهم عمرا (١). وكان القياس أن تورد هذه المفاعيل في المفعول به وفي خبر كان وأخواتها ، لا في الاستثناء ولكن ذكرناها فيه حسبما ذكرها غيرنا (٢).

ذكر جواز نصب المستثنى (٣)

يجوز نصب المستثنى ويختار إبداله ، إذا وقع بعد إلّا في كلام غير موجب وذكر المستثنى منه نحو : ما قام أحد إلّا زيد وزيدا ، برفعه على البدل من المستثنى منه ، ونصبه على الاستثناء ، والمراد بغير الموجب الكلام الواقع في سياق النفي ، أو النهي ، أو الاستفهام ، وخرج / بقوله : بعد إلّا ، ما هو بعد أخواتها لتعذّر البدل فيما بعدهنّ ، وإنّما اشترط أن يكون في غير موجب ، لأنّه لو كان في كلام موجب لم يجز البدل ، ووجب النّصب كما تقدّم ، وفي جعله بدلا إشكال من وجهين :

أحدهما : أنه بدل البعض من الكل لعموم النكرة في سياق النفي أعني أحدا وبدل البعض لا بدّ فيه من ضمير نحو : ضربت زيدا يده أو يدا له ، ولا ضمير إذا جعل بدلا ، إذ تقديره : ما قام إلّا زيد ، فلا يصحّ البدل.

وثانيهما : أن زيدا مثبت والمبدل منه منفيّ ، فيباين البدل المبدل منه (٤) وقد أجابوا عن ذلك بما لا يخلو من تكلّف ، فقالوا : أما الضمير في زيد فهو محذوف مراد ، إذ التقدير : ما قام إلّا زيد منهم ، وإن اختلاف الحكم نفيا وإثباتا لا يمنع البدليّة

__________________

(١) الكتاب ، ٢ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٢) أكثر النحويين ذكروا هذه المفاعيل في باب الإستثناء ، انظر المفصل ، ٦٧ وشرح المفصل ، ٢ / ٧٨ ، وإيضاح المفصل ، ١ / ٣٦٤ وتسهيل الفوائد ، ١٠٥ ـ ١٠٦ وشرح ابن عقيل ، ٢ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٦٢.

(٣) الكافية ، ٣٩٥.

(٤) قال ثعلب : كيف يكون بدلا ، والأول مخالف للثاني في النفي والإيجاب. انظر شرح الكافية ، ١ / ٢٣٣ ، وشرح التصريح ، ١ / ٣٤٩.

١٩٧

قياسا على جواز اختلاف الصّفة والموصوف في الحكم كقولهم : مررت برجل لا صالح ولا طالح (١).

ذكر الاستثناء المفرّغ (٢)

وهو المستثنى الذي لم يذكر المستثنى منه معه ، وكان في كلام غير موجب غالبا ، ويعرب على حسب العوامل نحو : ما جاءني إلّا زيد ، وما ضربت إلّا زيدا وما مررت إلّا بزيد ، وإنّما كان في كلام غير موجب ليفيد أنّ المستثنى منه المحذوف عامّ ، لأنّ النكرة تعمّ في سياق النفي ، فإنّ التقدير في نحو : ما ضربت إلّا زيدا ، ما ضربت أحدا إلّا زيدا ، فلو جاء في كلام موجب وقال : ضربت إلّا زيدا لم يستقم ، لعدم جواز تقدير : ضربت كلّ أحد إلّا زيدا فيستحيل تقدير المستثنى منه المحذوف عامّا فيمتنع ، فأمّا إذا أمكن تقدير المستثنى منه المحذوف عامّا في كلام موجب فإنّه يجوز وقوع المفرغ في الموجب حينئذ نحو : قرأت إلّا سورة كذا ، وصمت إلّا يوم العيد ، لإمكان قراءة القرآن كلّه إلّا تلك السورة ، وصوم كلّ الأيام إلّا يوم العيد فأمكن تقدير المستثنى منه المحذوف عامّا ، فاستقام المعنى بخلاف : ضربت إلّا زيدا ، لاستحالة تقدير ضرب جميع الناس ، وسمّي مفرّغا لأنّ العامل فرّغ له ، بحذف المستثنى منه ، ومن جهة أنّ المعنى لا يستقيم في المفرغ إلّا في غير الموجب لم يجز : ما زلت إلّا قائما ؛ لأنّ «ما» للنفي ، و «زال» للنفي ونفي النّفيّ ، إثبات ، فيؤدي إلى أن يكون قائما مثبتا ـ لأنّه في سياق ما زال ـ منفيّا لأنّه بعد إلّا في كلام مثبت ؛ فيمتنع (٣).

ذكر البدل على المحلّ (٤)

إذا تعذّر البدل على اللفظ أبدل على المحلّ : والمذكور هنا لذلك ثلاثة أمثلة :

أحدها : ما جاءني من أحد إلّا زيد ، فيجوز نصب زيد على الاستثناء ورفعه على البدل من محل أحد ، لأنّ محلّه الرفع بأنه فاعل جاءني ، ويمتنع البدل من لفظه ، لأنه

__________________

(١) انظر هذه الردود في شرح المفصل ، ٢ / ٨٢ ، وشرح الكافية ، ١ / ٢٣٣ وشرح التصريح ، ١ / ٣٤٩.

(٢) الكافية ، ٣٩٥.

(٣) شرح الوافية ، ٢٣١ وشرح المفصل ، ٢ / ٦٨ وشرح الكافية ، ١ / ٢٣٤.

(٤) الكافية ، ٣٩٥ ـ ٣٩٦.

١٩٨

لو أبدل من لفظه كان التقدير : جاءني من زيد ، فتزاد من في الإثبات وهو غير جائز عند سيبويه (١).

ثانيها : لا أحد في الدار إلّا زيد ، ولا إله إلّا الله بالرفع على البدل من المحلّ (٢) ولا يجوز النّصب على البدل من لفظ أحد وإله خلافا للزجاج ، وإنّما تعيّن البدل من المحلّ دون اللفظ ، لأنّ العامل لفظا لمّا كان لا ـ وهي إنّما تعمل للنفي / وما بعد إلّا إذا وقع في سياق النفي كان مثبتا ، والبدل في حكم تكرير العامل فلو قدّرت بعد إلّا ، لزم الجمع بين المتناقضين ، لأنّ «لا» تقتضي نفي ما بعدها و «إلّا» تقتضي إثباته.

ثالثها : ما زيد شيئا إلّا شيء لا يعبأ به ، فلا يجوز نصب شيء الثاني على البدل من لفظ شيئا الأول الذي هو خبر ما ، إذ يبقى التقدير : ما زيد إلّا شيئا ، فيلزم تقدير ما عاملة بعد إلّا وهي لا تعمل بعدها لانتقاض النفي ، فيتعذّر البدل على اللفظ ، فيجب حمله على المحل ، ومحلّه رفع في الأصل قبل دخول ما بخلاف ليس فإنه يجب النصب في مثل قولك : ليس زيد إلّا شيئا لا يعبأ به ، لأنّ ليس إنما عملت للفعليّة لا للنفي ، فهي مثل : ما كان زيد إلّا قائما ، وأما ـ ما ولا ـ فإنّهما إنما عملا للنفي ، فإذا انتقض بنحو «إلّا» ، بطل عملهما ، فلذلك وجب النصب في قولك : ليس زيد إلّا قائما وامتنع النصب في : ما زيد إلّا قائما (٣).

والمستثنى بغير وسوى وسواء لا يكون إلّا مخفوضا (٤) لأنّه مضاف إليه ، وكذلك حاشا على الأكثر (٥) وقلّ النصب بها نحو : اللهمّ اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وابن الأصبغ (٦). لأنّه حرف جرّ غالبا ، ومنهم من ينصب بحاشا على أنه

__________________

(١) الكتاب ، ٢ / ٣١٥ ـ ٤ / ٢٢٥.

(٢) تسهيل الفوائد ، ١٠٢ والمغني ، ٢ / ٥٦٣ وشرح التصريح ، ١ / ٣٥١ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٤٥.

(٣) شرح الوافية ، ٢٣٥ ، وشرح المفصل ، ٢ / ٩١ وشرح الكافية ، ١ / ٢٣٨.

(٤) الكافية ، ٣٩٦.

(٥) الكتاب ، ٢ / ٣٤٩ وشرح الكافية ، ١ / ٢٤٤.

(٦) في شرح المفصل ، ٢ / ٨٥ وحكى أبو عثمان المازني عن أبي زيد قال سمعت أعرابيا يقول : اللهم ... إلخ.

١٩٩

فعل (١) بمعنى جانب بعضهم زيدا ، أي : فاعل من الحشا وهو الجانب (٢) وسوى بكسر السين وضمّها مع القصر وبفتحها مع المدّ ظرف مكان عند سيبويه (٣) وإعرابها النّصب على الظرفيّة ، فتقول : جاء القوم سوى زيد ، ومعناه جاء القوم مكان زيد ، وقال قوم حكمها حكم غير (٤) وعليه قوله : (٥)

ولم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا

فسوى فاعل لم يبق ، أي : لم يبق غير العدوان (٦) [ومما يذكر مع أدوات الاستثناء لا سيّما ، وإن لم تكن في الحقيقة أداة استثناء لأنّ الاستثناء يثبت للمستثنى حكما (٧) ضدّ حكم المستثنى منه وليست لا سيّما كذلك ، لأنّها تثبت للثاني حكم الأول بطريق الزيادة (٨) فإذا قلت : أحسن إليّ القوم لا سيّما زيد ، كان في الكلام إيذان بأنّ زيدا كان أوفر القوم إحسانا ، ووجه ذكرها مع أدوات الاستثناء أنّ ما بعدها يخالف ما قبلها في الإخراج من المساواة إلى الترجيح بإثبات الزيادة له ، وكان حكمه غير حكم الأول ، واعلم أنّ لا سيّما ثلاث كلمات ، وهنّ : لا ، وسيّ ، وما. أما «لا» ، فعند أكثر النحويين هي التي لنفي الجنس (٩) وأما «سيّ» بكسر السين فهو المثل (١٠)

__________________

(١) المقتضب ، ٤ / ٣٩١ والإنصاف ، ١ / ٢٧٨ والهمع ، ١ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٢) شرح الوافية ، ٢٣٥.

(٣) الكتاب ، ٢ / ٣٥٠ وهو مذهب الجمهور أيضا ، شرح التصريح ، ١ / ٣٦٢.

(٤) وهم الكوفيون إذ أجازوا خروجها عن الظرفية والتصرف فيها رفعا ونصبا وجرا كغير. التسهيل ، ١٠٧ وشرح الكافية ، ١ / ٢٤٨ والمغني ، ١ / ١٤١ وشرح التصريح ، ١ / ٣٦٢.

(٥) للفند الزماني ، شهل بن شيبان. روي منسوبا له في ديوان الحماسة للمرزوقي ، ١ / ٣٥ وأمالي القالي ، ١ / ٢٥٧ وشرح الشواهد ، ٢ / ١٥٩ وشرح التصريح ، ١ / ٣٦٢ وخزانة الأدب ، ٣ / ٤٣١. وورد من غير نسبة في شرح الكافية ، ١ / ٢٤٨ وشرح ابن عقيل ، ٢ / ٢٢٨ وهمع الهوامع ، ١ / ٢٠٢ وشرح الأشموني ، ٢ / ١٥٩.

(٦) ما بين المعقوفين أي من قوله ومما يذكر إلى قوله فيما بعد أكرمه الناس سيما زيد ... هو من حاشية الأصل المكتوب بجوارها «صح» مع علامة الإلحاق في المتن.

(٧) غير واضحة في الأصل. وممن عدّ لا سيما من أدوات الاستثناء الكوفيون وجماعة من البصريين كالأخفش وأبي حاتم والنحاس الهمع ، ١ / ٢٣٤.

(٨) شرح الكافية ، ١ / ٢٤٨.

(٩) شرح المفصل ، ٢ / ٨٥ وشرح الكافية ، ١ / ٢٤٩ والهمع ، ١ / ٢٣٥.

(١٠) اللسان ، سوا ، والمغني ، ١ / ١٣٩.

٢٠٠