مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

اى قوية مشتعلة (او مختلفان) بان يكون احد الطرفين حقيقة والآخر مجازا (نحو انبت البقل شباب الزمان) فيما المسند حقيقة والمسند اليه مجازا.

(واحيى الارض الربيع) في عكسه ووجه الانحصار في الاربعة على ما ذهب اليه المصنف ظاهر لانه اشترط في المسند ان يكون فعلا او فى معناه فيكون في مفرد وكل مفرد مستعمل اما حقيقة او مجاز.

(وهو) : اى المجاز العقلي (في القرآن كثير) اى كثير فى نفسه لا بالاضافة الى مقابله حتى تكون الحقيقة العقلية قليلة.

وتقديم فى القرآن على كثير لمجرد الاهتمام كقوله تعالى (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ) اى آيات الله (زادَتْهُمْ إِيماناً) اسند الزيادة وهى فعل الله تعالى الى الايات لكونها سببا.

(يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) نسب التذبيح الذى هو فعل الجيش الى فرعون ، لانه سبب آمر (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) نسب نزع اللباس عن آدم وهو فعل الله تعالى حقيقة الى ابليس لان سببه الاكل من الشجر وسبب الاكل وسوسته ومقاسمته اياهما انه لهما لمن الناصحين.

(يَوْماً) نصب على انه مفعول به لتتقون ؛ اى كيف تتقون يوم القيمة ان بقيتم على الكفر يوما.

(يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) نسب الفعل الى الزمان وهو لله تعالى حقيقة وهذا كناية عن شدته وكثرة الهموم : والاحزان فيه لان الشيب هما يتسارع عند تفاقم الشدائد والمحن او عن طوله وان الاطفال يبلغون فيه او ان الشيخوخة.

(واخرجت الارض اثقالها) اى ما فيها من الدفائن والخزائن نسب الاخراج الى مكانه وهو فعل الله تعالى حقيقة (وهو غير مختص بالخبر) عطف على قوله كثير اى وهو غير مختص بالخبر وانما قال ذلك لان تسميته بالمجاز في الاثبات وايراده في احوال الاسناد الخبرى يوهم اختصاصه بالخبر.

(بل يجرى في الانشاء نحو (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً)) لان البناء فعل العملة ،

٤١

وهامان سبب آمر ، وكذلك قولك لينبت الربيع ما شاء وليصم نهارك وليجد جدك وما اشبه ذلك ، مما اسند فيه الامر او النهى الى ما ليس المطلوب فيه صدور الفعل او الترك عنه وكذا قولك ليت النهر جار وقوله تعالى (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ).

(ولا بدّ له) : اى للمجاز العقلى (من قرينة) صارفة عن ارادة ظاهرة ، لان المتبادر الى الفهم عند انتفاء القرينة هو الحقيقة (لفظية كما مر) في قول ابى النجم من قوله افناه قيل الله (او معنوية كاستحالة قيام المسند بالمذكور) اى بالمسند اليه المذكور مع المسند.

(عقلا) اى من جهة العقل يعنى ان يكون بحيث لا يدعى احد من المحققين والمبطلين انه يجوز قيامه به لان العقل اذا خلى ونفسه يعده محالا (كقولك محبتك جاءت بى اليك) لظهور استحالة قيام المجىء بالمحبة.

(او عادة) اى من جهة العادة (نحو هزم الامير الجند) لاستحالة قيام انهزام الجند بالامير وحده عادة وان كان ممكنا عقلا وانما قال قيامه به ليعم الصدور عنه مثل ضرب وهزم وغيره مثل قرب وبعد.

(وصدوره) عطف على استحالة اى وكصدور الكلام (عن الموحد فى مثل اشاب الصغير) وافنى الكبير البيت فانه يكون قرينة معنوية على ان اسناد شاب وافنى الى كر الغداة ومر العشى مجاز ، لا يقال هذا داخل فى الاستحالة لانا نقول لا نسلم ذلك كيف وقد ذهب اليه كثير من ذوى العقول واحتجنا فى ابطاله الى الدليل.

(ومعرفة حقيقته) : يعنى ان الفعل فى المجاز العقلى يجب ان يكون له فاعل او مفعول به اذا اسند اليه يكون الاسناد حقيقة.

فمعرفة فاعله او مفعوله الذى اذا اسند اليه يكون الاسناد حقيقة (اما ظاهرة كما في قوله تعالى (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) أي فما ربحوا في تجارتهم واما خفية) لا تظهر الا بعد نظر وتأمل (كما فى قولك سرتنى رؤيتك) اى سرنى الله عند رؤيتك (وقوله «يزيدك وجهه حسنا ، اذا ما زدته نظرا») اى يزيدك الله حسنا فى وجهه لما اودعه من دقائق الحسن والجمال تظهر بعد التأمل والامعان.

٤٢

وفى هذا تعريض بالشيخ عبد القاهر وردّ عليه حيث زعم انه لا يجب فى المجاز العقلى ان يكون الاسناد اليه حقيقة لانه ليس لسرتنى فى سرتنى رؤيتك ولا ليزيدك فى يزيدك وجهه حسنا فاعل يكون الاسناد اليه حقيقة وكذا اقدمنى بلدك حق لى على فلان بل الموجود ههنا هو السرور والزيارة والقدوم.

واعترض عليه الامام فخر الدين الرازى : بان الفعل لابد وان يكون له فاعل حقيقة لامتناع صدور الفعل لا عن فاعل فهو ان كان ما اسند اليه الفعل فلا مجاز والا فيمكن تقديره.

فزعم صاحب المفتاح ان اعتراض الامام حق وان فاعل هذه الافعال هو الله تعالى وان الشيخ لم يعرف حقيقتها لخفائها فتبعه المصنف وفى ظنى ان هذا تكلف والحق ما ذكره الشيخ.

(وانكره) اى المجاز العقلى (السكاكى) وقال : الذى عندى نظمه فى سلك الاستعارة بالكناية بجعل الربيع استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقى بواسطة المبالغة فى التشبيه وجعل نسبة الانبات اليه قرينة للاستعارة وهذا معنى قوله (ذاهبا الى ان ما مر) من الامثلة (ونحوه استعارة بالكناية) وهى عند السكاكى ان تذكر المشبه وتريد المشبه به بواسطة قرينة.

وهى إن تنسب اليه شيئا من اللوازم المساوية للمشبه به مثل ان تشبه المنية بالسبع ثم تفردها بالذكر وتضيف اليها شيئا من لوازم السبع فتقول مخالب المنية نشبت بفلان بناءا (على ان المراد بالربيع الفاعل الحقيقى) للانبات يعنى القادر المختار (بقرينة نسبة الانبات) الذى هو من اللوازم المساوية للفاعل الحقيقى (اليه) اى الى الربيع.

(وعلى هذا القياس غيره) اى غير هذا المثال وحاصله ان يشبه الفاعل المجازى بالفاعل الحقيقى فى تعلق وجود الفعل به ثم يفرد الفاعل المجازى بالذكر وينسب اليه شىء من لوازم الفاعل الحقيقى.

(وفيه) اى فيما ذهب اليه السكاكى (نظر لانه يستلزم ان يكون المراد

٤٣

بعيشة فى قوله تعالى (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ*) صاحبها لما سيأتى) في الكتاب من تفسير الاستعارة بالكناية على مذهب السكاكي وقد ذكرناه وهو يقتضى ان يكون المراد بالفاعل المجازى هو الفاعل الحقيقى فيلزم ان يكون المراد بعيشة صاحبها واللازم باطل اذ لا معنى لقولنا فهو في صاحب عيشة راضية وهذا مبنى على ان المراد بعيشة وضمير راضية واحد.

(و) يستلزم (ان لا تصح الاضافة فى) كل ما اضيف الفاعل المجازى الى الفاعل الحقيقى (نحو نهاره صائم لبطلان اضافة الشىء الى نفسه) اللازمة من مذهبه لان المراد بالنهار حينئذ فلان نفسه ولا شك فى صحة هذه الاضافة ووقوعها كقوله تعالى (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) وهذا اولى بالتمثيل.

(و) يستلزم (ان لا يكون الامر بالبناء) في قوله تعالى : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) (لهامان) لان المراد به حينئذ هو العملة انفسهم واللازم باطل لان النداء له والخطاب معه.

(و) يستلزم (ان يتوقف نحو انبت الربيع البقل) وشفى الطبيب والمريض وسرتنى رؤيتك مما يكون الفاعل الحقيقى هو الله تعالى (على السمع) من الشارع لان اسماء الله تعالى توقيفية واللازم باطل ، لان مثل هذا التركيب صحيح شائع ذائع عند القائلين بان اسماء الله تعالى توقيفية واللازم باطل لان مثل هذا التركيب صحيح شائع ذائع عند القائلين بان اسماء الله تعالى توفيقيه وغيرهم سمع من الشارع او لم يسمع.

(واللوازم كلها منتفية) كما ذكرناه فينتفى كونه من باب الاستعارة بالكناية لان انتفاء اللوازم يوجب انتفاء الملزوم.

والجواب ان مبنى هذه الاعتراضات على ان مذهب السكاكى في الاستعارة بالكناية ان يذكر المشبه ويراد المشبه به حقيقة وليس كذلك بل مذهبه ان يراد المشبه به ادعاءا ومبالغة لظهور ان ليس المراد بالمنية في قولنا مخالب المنية نشبت بفلان هو السبع حقيقة والسكاكى صرح بذلك في كتابه والمصنف لم يطلع عليه (ولانه) اى ما ذهب اليه السكاكى (ينتقض بنحو نهاره صائم) وليله قائم وما اشبه ذلك مما يشتمل

٤٤

على ذكر الفاعل الحقيقى (لاشتماله على ذكر طرفى التشبيه) وهو مانع من حمل الكلام على الاستعارة كما صرح به السكاكى ، والجواب انه انما يكون مانعا اذا كان ذكرهما على وجه ينبئ عن التشبيه بدليل انه جعل قوله

لا تعجبوا من بلى غلالته

قد زرا زرارة على القمر

من باب الاستعارة مع ذكر الطرفين وبعضهم لما لم يقف على مراد السكاكى بالاستعارة بالكناية اجاب عن هذه الاعتراضات بما هو برئ عنه ورأينا تركه اولى.

٤٥
٤٦

الباب الثاني

(احوال المسند اليه)

اى الامور العارضة له من حيث انه مسند اليه ، وقدم المسند اليه على المسند لما سيأتى.

(اما حذفه) قدمه على سائر الاحوال ، لكونه عبارة عن عدم الاتيان به ، وعدم الحادث سابق على وجوده ، وذكره ههنا بلفظ الحذف ، وفي المسند بلفظ الترك ، تنبيها على ان المسند اليه هو الركن الاعظم الشديد الحاجة اليه ، حتى انه اذا لم يذكر فكأنه اتى به ، ثم حذف بخلاف المسند ، فانه ليس بهذه المثابة فكأنه ترك عن اصله (فللاحتراز عن العبث بناء على الظاهر) لدلالة القرينة عليه وان كان في الحقيقة هو الركن من الكلام (او تخييل العدول الى اقوى الدليلين من العقل واللفظ).

فان الاعتماد عند الذكر على دلالة اللفظ من حيث الظاهر ، وعند الحذف على دلالة العقل وهو اقوى لافتقار اللفظ اليه.

وانما قال تخييل لان الدال حقيقة عند الحذف ايضا هو اللفظ المدلول عليه بالقرائن (كقوله قال لي كيف انت قلت عليل) ولم يقل انا عليل ، للاحتراز والتخييل المذكورين (او اختبار تنبه السامع) عند القرينة هل يتنبه ام لا.

(و) اختبار (مقدار تنبهه) هل يتنبه بالقرائن الخفية ام لا (او ايهام صونه) اى صون المسند اليه (عن لسانك) تعظيما له (او عكسه) اى ايهام صون لسانك عنه تحقيرا له (او تأتى الانكار) اى تيسره (لدى الحاجة) نحو فاسق فاجر عند قيام القرينة على ان المراد زيد ليتأتى لك ان تقول ما اردت زيدا بل غيره (او تعينه).

والظاهر ان ذكر الاحتراز عن العبث يغنى عن ذلك لكن ذكره لامرين.

٤٧

احدهما : الاحتراز عن سوء الادب فيما ذكروا له من المثال وهو خالق لما يشاء وفاعل لما يريد ، اى : الله تعالى.

والثاني التوطئة والتمهيد لقوله (او ادعاء التعين له) نحو وهاب الاولوف اى السلطان (او نحو ذلك) كضيق المقام عن اطالة الكلام بسبب ضجرة او سآمة او فوات فرصة او محافظة على وزن او سجع او قافية او نحو ذلك كقول الصياد غزال اى هذا غزال او كالاخفاء عن غير السامع من الحاضرين مثل جاء وكاتباع الاستعمال الوارد على تركه مثل رمية من غير رام او ترك نظائره مثل الرفع على المدح او الذم او الترحم.

(واما ذكره) اى ذكر المسند اليه (فلكونه) اى الذكر (الاصل) ولا مقتضى للعدول عنه (او للاحتياط لضعف التعويل) اى الاعتماد (على القرينة او للتنبيه على غباوة السامع او زيادة الايضاح والتقرير).

وعليه قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*) (او اظهار تعظيمه) لكون اسمه مما يدل على التعظيم نحو امير المؤمنين حاضر (او اهانته) اى اهانة المسند اليه لكون اسمه مما يدل على الاهانة مثل السارق اللئيم حاضر (او التبرك بذكره) مثل النبي عليه السلام قائل هذا القول (او استلذاذه) مثل الحبيب حاضر (او بسط الكلام حيث الاصغاء مطلوب) اى في مقام يكون اصغاء السامع مطلوبا للمتكلم لعظمته وشرفه.

ولهذا يطال الكلام مع الاحباء وعليه (نحو) قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام (هِيَ عَصايَ) أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها.)

وقد يكون الذكر للتهويل او التعجب او الاشهاد في قضية او التسجيل على السامع حتى لا يكون له سبيل الى الانكار (واما تعريفه) اى ايراد المسند اليه التعريف وفي المسند التنكير. (فبالاضمار لان المقام للتكلم) نحو انا ضربت (او الخطاب) نحو انت ضربت (او الغيبة) نحو هو ضرب لتقدم ذكره اما لفظا تحقيقا او تقديرا واما معنى لدلالة اللفظ عليه او قرينة حال واما حكما.

٤٨

(واصل الخطاب ان يكون لمعين) واحدا كان او اكثر لان وضع المعارف على ان تستعمل لمعين مع ان الخطاب هو توجيه الكلام الى حاضر (وقد يترك) الخطاب مع معين (الى غيره) اى غير معين (ليعم) الخطاب (كل مخاطب) على سبيل البدل (نحو (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)) لا يريد بقوله (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ) مخاطبا معينا قصدا الى تفظيع حالهم (اى تناهت حالهم في الظهور) لاهل المحشر الى حيث يمتنع خفاؤها فلا يختص بها رؤية راء دون راء.

واذا كان كذلك (فلا يختص به) اى بهذا الخطاب (مخاطب) دون مخاطب بل كل من يتأتى منه الرؤية فله مدخل في هذا الخطاب وفي بعض النسخ فلا يختص بها اى برؤية حالهم مخاطب او بحالهم رؤية مخاطب على حذف المضاف.

(وبالعلمية) اى تعريف المسند اليه بايراده علما وهو ما وضع لشىء مع جميع مشخصاته (لاحضاره) اى المسند اليه (بعينه) اى بشخصه ، بحيث يكون متميزا عن جميع ما عداء.

واحترز بهذا عن احضاره باسم جنسه نحو رجل عالم جاءنى (في ذهن السامع ابتداء) اى اول مرة واحترز به عن نحو جاءنى زيد وهو راكب (باسم مختص به) اى بالمسند اليه بحيث لا يطلق باعتبار هذا الوضع على غيره.

واحترز به عن احضاره بضمير المتكلم او المخاطب او اسم الاشارة او الموصول او المعرف بلام العهد او الاضافة وهذه القيود لتحقق مقام العلمية والا فالقيد الاخير مغن عما سبق.

وقيل احترز بقوله ابتداء ، عن الاحضار بشرط التقدم ، كما في المضمير الغائب والمعرف بلام العهد والموصول فانه يشترط تقدم ذكره او تقدم العلم بالصلة.

وفيه نظر لان جميع طرق التعريف كذلك حتى العلم فانه مشروط بتقدم العلم بالوضع (نحو (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)) فالله اصله الاله حذفت الهمزة وعوضت عنها حرف التعريف ثم جعل علما للذات الواجب الوجود الخالق للعالم.

وزعم بعضهم انه اسم لمفهوم الواجب لذاته او المستحق للعبودية له وكل منهما

٤٩

كل انحصر في فرد فلا يكون علما لان مفهوم العلم جزئى.

وفيه نظر لانا لا نسلم انه اسم لهذا المفهوم الكلى كيف وقد اجتمعوا على ان قولنا لا اله الا الله كلمة التوحيد ولو كان الله اسما لمفهوم كلى لما افادت التوحيد لان الكلى من حيث انه كلى يحتمل الكثرة (او تعظيم او اهانة) كما في الالقاب الصالحة لذلك مثل ركب على وهرب معاوية (او كناية) عن معنى يصلح للعلم له نحو ابو لهب فعل كذا كناية عن كونه جهنميا بالنظر الى الوضع الاول اعنى الاضافى لان معناه ملازم النار وملابسها ويلزمه انه جهنمى فيكون انتقالا من الملزوم الى اللازم باعتبار الوضع الاول وهذا القدر كاف في الكناية.

وقيل في هذا المقام ان الكناية كما يقال جاء حاتم ويراد به لازمه اى جواد لا الشخص المسمى بحاتم ويقال رأيت ابا لهب اى جهنميا.

وفيه نظر لانه حينئذ يكون استعارة لا كناية على ما سيجئ ولو كان المراد ما ذكره لكان قولنا فعل هذا الرجل كذا مشيرا الى كافر.

وقولنا ابو جهل فعل كذا كناية عن الجهنمى ولم يقل به احد.

ومما يدل على فساد ذلك انه مثل صاحب المفتاح وغيره في هذه الكناية ، بقوله تعالى (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ).

ولا شك ان المراد به الشخص المسمى بابى لهب لا كافر آخر (او ايهام استلذاذه) اى وجدان العلم لذيذا نحو قوله.

بالله يا ظبيات القاع قلن لنا

ليلاى منكن ام ليلى من البشر

(او التبرك به) نحو الله الهادى ، ومحمد الشفيع ، او نحو ذلك ، كالتفؤل والتطير والتسجيل على السامع وغيره مما يناسب اعتباره في الاعلام.

(وبالموصولية) اى تعريف المسند اليه بايراده اسم موصول (لعدم علم المخاطب بالاحوال المختصة به سوى الصلة كقولك الذى كان معنا امس رجل عالم) ولم يتعرض المصنف لما لا يكون للمتكلم او لكليهما علم بغير الصلة نحو الذين فى بلاد المشرق لا اعرفهم او لا نعرفهم لقلة جدوى مثل هذا الكلام (او استهجان

٥٠

التصريح بالاسم او زيادة التقرير) اى تقرير الغرض المسوق له الكلام.

وقيل تقرير المسند وقيل المسند اليه (نحو (وَراوَدَتْهُ)) اى يوسف عليه السلام والمراودة مفاعلة من راد يرود جاء وذهب وكان المعنى خادعته عن نفسه وفعلت فعل المخادع لصاحبه عن الشيء الذى لا يريد ان يخرجه من يده يحتال عليه ان يأخذ ، منه وهى عبارة عن التمحل لموافقته اياها.

والمسند اليه هو قوله ((الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ)) متعلق براودته ، فالغرض المسوق له الكلام ، نزاهة يوسف عليه السلام ، وطهارة ذيله ، والمذكور ادل عليه من امرأة العزيز او زليخا ، لانه اذا كان في بيتها وتمكن من نيل المراد منها ولم يفعل كان غاية في النزاهة.

وقيل هو تقرير للمراودة لما فيه من فرط الاختلاط والالفة.

وقيل تقرير للمسند اليه لامكان وقوع الابهام والاشتراك في امرأة العزيز او زليخا والمشهور ان الآية مثال لزيادة التقرير فقط.

وظنى انها مثال لها ولاستهجان التصريح بالاسم وقد بينته في الشرح (او التفخيم) اى التعظيم والتهويل (نحو (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ)) فان فى هذا الابهام من التفخيم ما لا يخفى (او تنبيه المخاطب على خطاء نحو «ان الذين ترونهم) اى تظنونهم (اخوانكم ، يشفى غليل صدورهم ان تصرعوا») اى تهلكوا وتصابوا بالحوادث.

ففيه من التنبيه على خطائهم فى هذا الظن ما ليس في قولك ان القوم الفلانى (او الايماء) اى الاشارة (الى وجه بناء الخبر) اى الى طريقه. تقول : عملت هذا العمل على وجه عملك وعلى جهته اى على طرزه وطريقته يعنى تأتى بالموصول والصلة للاشارة الى ان بناء الخبر عليه من اى وجه واى طريق من الثواب والعقاب والمدح والذم وغير ذلك (نحو (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي)) فان فيه ايماء الى ان الخبر المبنى عليه امر من جنس العقاب والاذلال وهو قوله تعالى (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ

٥١

داخِرِينَ) ومن الخطاء في هذا المقام تفسير الوجه في قوله الى وجه بناء الخبر بالعلة والسبب وقد استوفينا ذلك في الشرح.

(ثم انه) اى الايماء الى وجه بناء الخبر لا مجرد جعل المسند اليه موصولا كما سبق الى بعض الاوهام (ربما جعل ذريعة) اى وسيلة (الى التعريض بالتعظيم لشأنه) اى لشان الخبر (نحو ان الذى سمك) اى رفع (السماء بنى لنا بيتا) اراد به الكعبة او بيت الشرف والمجد (دعائمه اعز واطول) من دعائم كل بيت.

ففى قوله ان الذى سمك السماء ايماء الى ان الخبر المبنى عليه امر من جنس الرفعة والبناء عند من له ذوق سليم.

ثم فيه تعريض بتعظيم بناء بيته لكونه فعل من رفع السماء التى لا بناء اعظم منها وارفع (او) ذريعة الى تعظيم (شان غيره) اى غير الخبر (نحو (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ)).

ففيه ايماء الى ان الخبر المبنى عليه مما ينبئ عن الخيبة والخسران وتعظيم لشان شعيب عليه السلام.

وربما يجعل ذريعة الى الاهانة لشان الخبر نحو ان الذى لا يحسن معرفة الفقه قد صنف فيه او لشان غيره نحو ان الذى يتبع الشيطان فهو خاسر وقد يجعل ذريعة الى تحقق الخبر اى جعله محققا ثابتا نحو.

ان التي ضربت بيتا مهاجرة

بكوفة الجند غالت ودها غول

فان في ضرب البيت بكوفة والمهاجرة اليها ايماء الى ان طريق بناء الخبر مما ينبئ عن زوال المحبة وانقطاع المودة.

ثم انه يحقق زوال المودة ويقرّره حتى كأنه برهان عليه وهذا معنى تحقيق الخبر وهو مفقود في مثل ان الذى سمك السماء اذ ليس في رفع الله السماء تحقيق وتثبيت لبنائه لهم بيتا فظهر الفرق بين الايماء وتحقيق الخبر.

(وبالاشارة) اى تعريف المسند اليه بإيراده اسم الاشارة (لتمييزه) اى

٥٢

المسند اليه (اكمل تمييز) لغرض من الاغراض (نحو هذا ابو الصقر فردا) نصب على المدح او على الحال (في محاسنه) ، من نسل شيبان بين الضال والسلم وهما شجرتان بالبادية يعنى يقيمون بالبادية لان فقد العز فى الحضر (او التعريض بغباوة السامع) حتى كأنه لا يدرك غير المحسوس (كقوله

اولئك آبائى فجئنى بمثلهم

اذا جمعتنا ياجرير المجامع

(او بيان حاله) اى المسند اليه (فى القرب او البعد او التوسط كقولك هذا او ذاك او ذلك زيد).

واخر ذكر التوسط؟ لانه انما يتحقق بعد تحقق الطرفين ، وامثال هذه المباحث تنظر فيها اللغة ، من حيث انها تبيّن ان هذا مثال للقريب ، وذاك للمتوسط وذلك لبعيد ،

وعلم المعانى من حيث انه اذا اريد بيان قرب المسند اليه يؤتى بهذا وهو زائد على اصل المراد الذى هو الحكم على المسند اليه المذكور المعبر عنه بشىء يوجب تصوره على اى وجه كان (او تحقيره) اى تحقير المسند اليه (بالقرب نحو (هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) او تعظيمه بالبعد نحو (الم ذلِكَ الْكِتابُ)) تنزيلا لبعد درجته ورفعة محله منزلة بعد المسافة (او تحقيره بالبعد كما يقال ذلك اللعين فعل كذا) تنزيلا لبعده عن ساحة عز الحضور والخطاب منزلة بعد المسافة.

ولفظ ذلك صالح للاشارة الى كل غائب ، عينا كان او معنى ، وكثير ما يذكر المعنى الحاضر المتقدم الحاضر بلفظ ذلك لان المعنى غير مدرك بالحس فكأنه بعيد (او للتنبيه) اى تعريف المسند اليه بالاشارة للتنبيه (عند تعقيب المشار اليه باوصاف) اى عند ايراد الاوصاف على عقيب المشار اليه يقال عقبه فلان اذا جاء على عقبه.

ثم تعديه بالباء الى المفعول الثاني وتقول عقبته بالشيء اذا جعلت الشيء على عقبه.

وبهذا ظهر فساد ما قيل ان معناه عند جعل اسم الاشارة بعقب اوصاف (على انه) متعلق بالتنبيه اى للتنبيه على ان المشار اليه (جدير بما يرد به بعده) اى بعد اسم

٥٣

الاشارة (من اجلها) متعلق بجدير اى حقيق بذلك لاجل الاوصاف التى ذكرت بعد المشار اليه (نحو) (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) الى قوله (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) عقب المشار اليه وهو اللذين يؤمنون باوصاف متعددة من الايمان بالغيب واقامة الصلاة وغير ذلك.

ثم عرف المسند اليه بالاشارة تنبيها على ان المشار اليهم احقّاء بما يرد بعد اولئك وهو كونهم على الهدى عاجلا والفوز بالفلاح آجلا من اجل اتصافهم بالاوصاف المذكورة (وباللام) اى تعريف المسند اليه باللام (للاشارة الى معهود) اى الى حصة من الحقيقة معهودة بين المتكلم والمخاطب واحدا كان او اثنين او جماعة يقال عهدت فلانا اذا ادركته ولقيته وذلك لتقدم ذكره صريحا او كناية (نحو وليس الذكر كالانثى اى ليس) الذكر (الذى طلبت) امرأة عمران (كالتي) اى كالانثى التي (وهبت) تلك الانثى (لها) اى لامرأة عمران فالانثى اشارة الى ما تقدم ذكره صريحا في قوله تعالى (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) ، لكنه ليس بمسند اليه.

والذكر اشارة الى ما سبق ذكره كناية في قوله تعالى (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) ، فان لفظة ما وان كان يعم الذكور والاناث لكن التحرير وهو ان يعتق الولد لخدمة بيت المقدس انما كان للذكور دون الاناث وهو المسند اليه.

وقد يستغنى عن ذكره لتقدم علم المخاطب به نحو خرج الامير اذا لم يكن في البلد الا امير واحد (او) للاشارة (الى نفس الحقيقة) ومفهوم المسمى من غير اعتبار لما صدق عليه من الافراد (كقولك الرجل خير من المرأة.

(وقد يأتى) المعرف بلام الحقيقة (لواحد) من الافراد (باعتبار عهديته للذهن) لمطابقة ذلك الواحد مع الحقيقة يعنى يطلق المعرف بلام الحقيقة الذى هو موضوع للحقيقة المتخذة في الذهن على فرد موجود من الحقيقة باعتبار كونه معهودا في الذهن وجزئيا من جزئيات تلك الحقيقة مطابقا اياها كما يطلق الكلى الطبيعي على كل جزئى من جزئياته.

وذلك عند قيام قرينة دالة على أنه ليس القصد الى نفس الحقيقة من حيث

٥٤

هى هى بل من حيث الوجود ولا من حيث وجودها في ضمن جميع الافراد بل بعضها غير معين (كقولك ادخل السوق حيث لا عهد) في الخارج ومثله قوله تعالى (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) (وهذا في المعنى كالنكرة) وان كان في اللفظ يجرى عليه احكام المعارف من وقوعه مبتدأ وذا حال ووصفا للمعرفة وموصوفا بها ونحو ذلك وانما قال كالنكرة لما بينهما من تفاوت ما وهو ان النكرة معناه بعض غير معين من جملة الحقيقة وهذا معناه نفس الحقيقة.

وانما تستفاد البعضية من القرينة كالدخول والاكل فالمجرد وذو اللام بالنظر الى القرينة سواء وبالنظر الى انفسهما مختلفان ولكونه في المعنى كالنكرة قد يعامل معاملة النكرة ويوصف بالجملة كقوله «ولقد امر على اللئيم يسبنى».

(وقد يفيد) المعرف باللام المشار بها الى الحقيقة (الاستغراق نحو (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)) اشير بالام الى الحقيقة لكن لم يقصد بها الماهية من حيث هى هى ولا من حيث تحققها في ضمن بعض الافراد بل في ضمن الجميع بدليل صحة الأستثناء الذى شرطه دخول المستثنى في المستثنى منه لو سكت عن ذكره فاللام التى لتعريف العهد الذهنى او الاستغراق هى لام الحقيقة حمل على ما ذكرناه بحسب المقام والقرينة.

ولهذا قلنا ان الضمير في قوله يأتى وقد يفيد عائد إلى المعرف باللام المشار بها الى الحقيقة ولا بد في لام الحقيقة من ان يقصد بها الاشارة الى الماهية باعتبار حضورها في الذهن ليتميز عن اسماء الاجناس النكرات مثل الرجعى ورجعى واذا اعتبر الحضور في الذهن فوجه امتيازه عن تعريف العهد ان لام العهد اشارة الى حصة معينة من الحقيقة واحدا كان او اثنين او جماعة ولام الحقيقة اشارة الى نفس الحقيقة من غير نظر الى الافراد فليتأمل.

(وهو) اى الاستغراق (ضربان حقيقى) وهو ان يراد كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب اللغة (نحو (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ*) اى كل غيب وشهادة وعرفى) وهو ان يراد كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب متفاهم العرف (نحو جمع الامير الصاغة اى صاغة بلده او) اطراف (مملكته) لانه المفهوم عرفا لا صاغة الدنيا.

٥٥

قيل المثال مبنى على مذهب المازنى والا فاللام في اسم الفاعل عند غيره موصول ، وفيه نظر لان الخلاف انما هو في اسم الفاعل والمفعول بمعنى الحدوث دون غيره نحو المؤمن والكافر والعالم والجاهل لانهم قالوا هذه الصفة فعل فى صورة الاسم فلا بد فيه من معنى الحدوث ولو سلم فالمراد تقسيم مطلق الاستغراق سواء كان بحرف التعريف او غيره.

والموصول ايضا مما يأتى للاستغراق نحو اكرم الذين يأتونك الا زيدا واضرب القاعدين والقائمين الا عمرا وهذا ظاهر (واستغراق المفرد) سواء كان بحرف التعريف او غيره (اشمل) من استغراق المثنى والمجموع بمعنى انه يتناول كل واحد واحد من الافراد والمثنى انما يتناول كل اثنين اثنين والجمع انما بتناول كل جماعة جماعة (بدليل صحة لا رجال فى الدار اذا كان فيها رجل او رجلان دون لا رجل) فانه لا يصح اذا كان فيها رجل او رجلان وهذا في النكرة المنفية مسلم.

وامّا فى المعرف باللام فلا نسلم بل الجمع المعرف بلام الاستغراق يتناول كل واحد من الافراد على ما ذكره اكثر ائمة الاصول والنحو ودل عليه الاستقراء واشار اليه ائمة التفسير وقد اشبعنا الكلام في هذا المقام في الشرح فليطالع ثمة.

ولما كان ههنا مظنة اعتراض وهو ان افراد الاسم يدل على وحدة معناه والاستغراق يدل على تعدده وهما متنافيان اجاب عنه بقوله (ولا تنافى بين الاستغراق وافراد الاسم لان الحرف) الدال على الاستغراق كحرف النفى ولام التعريف (انما يدخل عليه) اى على الاسم المفرد حال كونه (مجردا عن) الدلالة على (معنى الواحدة) وامتناع وصفه بنعت الجمع للمحافظة على التشاكل اللفظى (ولانه) اى المفرد الداخل عليه حرف الاستغراق (بمعنى كل فرد لا مجموع الافراد ولهذا امتنع وصفه بنعت الجمع) عند الجمهور وان حكاه الاخفش في نحو اهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض.

(وبالاضافة) اى تعريف المسند اليه بالاضافة الى شىء من المعارف (لانها) اى الاضافة (اخصر طريق) الى احضاره في ذهن السامع (نحو هواى) اى مهواى

٥٦

وهذا اخصر من الذى اهواه ونحو ذلك والاختصار مطلوب لضيق المقام وفرط السأمة لكونه في السجن والحبيب على الرحيل (مع الركب اليمانين مصعد) اى مبعد ذاهب في الارض وتمامه «جنيب وجثمانى بمكه موثق».

الجنيب المجنون المستتبع والجثمان الشخص والموثق المقيد ولفظ البيت خبر ومعناه تأسف وتحسر.

(او لتضمنها) اى لتضمن الاضافة (تعظيما لشان المضاف اليه او المضاف او غيرهما كقولك) في تعظيم المضاف اليه (عبدى حضر) تعظيما لك بان لك عبدا (او) في تعظيم المضاف (عبد الخليفة ركب) تعظيما للعبد بانه عبد الخليفة (او) فى تعظيم غير المضاف والمضاف اليه (عبد السلطان عندى) تعظيما للمتكلم بان عبد السلطان عنده وهو غير المسند اليه المضاف وغير ما اضيف المسند اليه وهذا معنى قوله او غيرهما.

(او) لتضمنها (تحقيرا) للمضاف (نحو ولد الحجام حاضر) او المضاف اليه نحو ضارب زيد حاضر او غيرهما نحو ولد الحجام جليس زيد او لا غنائها عن تفصيل متعذر نحو اتفق اهل الحق على كذا او متعسر نحو اهل البلد فعلوا كذا او لانه يمنع عن التفصيل مانع مثل تقديم البعض على بعض نحو علماء البلد حاضرون الى غير ذلك من الاعتبارات.

(واما تنكيره) اى تنكير المسند اليه (فللافراد) اى للقصد الى فرد مما يقع عليه اسم الجنس (نحو وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى او النوعية) اى للقصد الى نوع منه (نحو (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)) اى نوع من الاغطية وهو غطاء التعامى عن ايات الله تعالى ، وفى المفتاح انها للتعظيم اى غشاوة عظيمة (او التعظيم او التحقير كقوله له حاجب) اى مانع عظيم (في كل امر يشينه) اى يعيبه (وليس له عن طالب العرف حاجب) اى مانع حقير فكيف بالعظيم (او التكثير كقولهم انّ له لأبلا وان له لغنما او التقليل نحو (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ)).

٥٧

والفرق بين التعظيم والتكثير ان التعظيم بحسب ارتفاع الشان وعلو الطبقة والتكثير باعتبار الكميات والمقادير تحقيقا كما في الابل او تقديرا كما في الرضوان وكذا التحقير والتقليل ،

وللاشارة الى ان بينهما فرقا قال (وقد جاء) التنكير (للتعظيم والتكثير نحو (إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) (اى رسل ذووا عدد كثير) هذا ناظر الى التكثير (و) ذووا (آيات عظام) هذا ناظر الى التعظيم.

وقد يكون للتحقير والتقليل معا نحو حصل لى منه شىء اى حقير قليل (ومن تنكير غيره) اى غير المسند اليه (للافراد او النوعية نحو (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ)) اى كل فرد من افراد الدواب من نطفة معينة هى نطفة ابيه المختصة به او كل نوع من انواع الدواب من نوع من انواع المياه وهو نوع النطفة التى تختص بذلك النوع من الدابة (و) من تنكير غيره (للتعظيم نحو (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ)) اى حرب عظيم.

(وللتحقير نحو (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)) اى ظنا حقيرا ضعيفا اذ الظن مما يقبل الشدة والضعف فالمفعول المطلق ههنا للنوعية لا للتأكيد وبهذا الاعتبار صح وقوعه بعد الاستثناء مفرّغا مع الامتناع نحو ما ضربته الا ضربا على ان يكون المصدر للتأكيد لان مصدر ضربته لا يحتمل غير الضرب والمستثنى منه يجب ان يكون متعددا ليشمل المستثنى وغيره.

واعلم انه كما ان التنكير الذى في معنى البعضية يقيد التعظيم فكذلك صريح لفظة البعض كما في قوله تعالى (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) اراد محمدا صلّى الله عليه وآله ففى هذا الابهام من تفخيم فضله واعلاء قدره ما لا يخفى.

(واما وصفه) اى وصف المسند اليه ، والوصف قد يطلق على نفس التابع المخصوص وقد يطلق بمعنى المصدر وهو الانسب ههنا واوفق بقوله واما بيانه واما الابدال عنه اى واما ذكر النعت له (فلكونه) اى الوصف بمعنى المصدر والاحسن ان يكون بمعنى النعت على ان يراد باللفظ احد معنييه وبضميره معناه الآخر على

٥٨

ما سيجىء في البديع (مبينا له) اى للمسند اليه.

(كاشفا عن معناه كقولك الجسم الطويل العريض العميق يحتاج الى فراغ يشغله) فان هذه الاوصاف مما يوضح الجسم ويقع تعريفا له (ومثله في الكشف) اى مثل هذا القول فى كون الوصف للكشف والايضاح وان لم يكن وصفا للمسند إليه (قوله الالمعى الذى يظن بك الظن كان قد رأى وقد سمعا) فان الالمعى معناه الذكى المتوقد والوصف بعده مما يكشف معناه ويوضحه.

لكنه ليس بمسند اليه لانه اما مرفوع على انه خبر انّ فى البيت السابق اعنى قوله «ان الذى جمع السماحة والنجدة والبر والتقى جمعا» او منصوب على انه صفة لاسم ان او بتقدير اعنى وخبر ان حينئذ في قوله بعد عدة ابيات شعر «اودى فلا تنفع الاشاحة من امر لمرء يحاول البدعا» (او) لكون الوصف (مخصصا) للمسند اليه اى مقللا اشتراكه او رافعا احتماله.

وفي عرف النحاة التخصيص عبارة عن تقليل الاشتراك في النكرات والتوضيح عبارة عن رفع الاحتمال الحاصل في المعارف (نحو زيد التاجر عندنا) فان وصفه بالتاجر يرفع احتمال التاجر وغيره (او) لكون الوصف (مدحا او ذما نحو جاءنى زيد العالم او الجاهل حيث يتعين الموصوف) اعنى زيدا (قبل ذكره) اى ذكر الوصف والا لكان الوصف مخصصا (او) لكونه (تأكيدا نحو امس الدابر كان يوما عظيما) فان لفظ الامس مما يدل على الدبور.

وقد يكون الوصف لبيان المقصود وتفسيره كقوله تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) حيث وصف دابة وطائرا بما هو من خواص الجنس لبيان ان القصد منهما الى الجنس دون الفرد وبهذا الاعتبار افاد هذا الوصف زيادة التعميم والاحاطة.

(واما توكيده) اى توكيد المسند اليه (فللتقرير) اى تقرير المسند اليه اى تحقيق مفهومه ومدلوله اعنى جعله مستقرا محققا ثابتا بحيث لا يظن به غيره نحو جاءنى زيد زيد اذا ظن المتكلم غفلة السامع عن سماع لفظ المسند اليه او عن حمله

٥٩

على معناه ، وقيل المراد تقرير الحكم نحو انا عرفت او المحكوم عليه نحو انا سعيت في حاجتك وحدى او لا غيرى ،

وفيه نظر لانه ليس من تأكيد المسند اليه فى شىء ، اذ تأكيد المسند اليه لا يكون لتقرير الحكم قط وسيصرح المصنف رحمه الله بهذا (او لدفع توهم التجوز) اى التكلم بالمجاز نحو قطع اللصّ الامير الامير او نفسه او عينه لئلا يتوهم ان اسناد القطع الى الامير مجاز وانما القاطع بعض غلمانه (او) لدفع توهم (السهو) نحو : جاءنى زيد زيد ، لئلا يتوهم ان الجائى غير زيد وانما ذكر زيدا على سبيل السهو (او) لدفع توهم (عدم الشمول) نحو جاءنى القوم كلهم او اجمعون لئلا يتوهم ان بعضهم لم يجىء الا انك لم تعتد بهم او انك جعلت الفعل الواقع من البعض كالواقع من الكل بناء على انهم في حكم شخص واحد كقولك بنو فلان قتلوا زيدا وانما قتله واحد منهم.

(واما بيانه) اى تعقيب المسند اليه بعطف البيان (فلا يضاحه باسم مختص به نحو قدم صديقك خالد) ولا يلزم ان يكون الثانى اوضح لجواز ان يحصل الايضاح من اجتماعها.

وقد يكون عطف البيان بغير اسم مختص به كقوله

والمؤمن العائذات الطير يمسحها

ركبان مكة بين الغيل والسند

فان الطير عطف بيان للعائذات مع انه ليس اسما يختص بها.

وقد يجىء عطف البيان لغير الايضاح كما في قوله تعالى (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) ذكر صاحب الكشاف ان البيت الحرام عطف بيان للكعبة جىء به للمدح لا للايضاح كما تجىء الصفة لذلك.

(واما الابدال منه) اى من المسند اليه (فلزيادة التقرير) من اضافة المصدر الى المفعول او من اضافة البيان اى الزيادة التى هي التقرير. وهذا من عادة افتنان صاحب المفتاح حيث قال في التأكيد للتقرير وههنا لزيادة التقرير.

ومع هذا فلا يخلو عن نكتة لطيفة وهى الايماء الى ان الغرض من البدل ، هو ان يكون مقصودا بالنسبة والتقرير زيادة تحصل تبعا وضمنا بخلاف التأكيد ، فان

٦٠