مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

المسلمين المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) فانه كناية عن نفى صفة الاسلام عن المؤذى وهو غير مذكور فى الكلام.

واما القسم الاول وهو ما يكون المطلوب بالكناية نفس الصفة وتكون النسبة مصرحا بها فلا يخفى ان الموصوف فيها يكون مذكورا لا محالة لفظا او تقديرا. وقوله في عرض من يؤذى معناه في التعريض به يقال نظرت اليه من عرض بالضم اى من جانب وناحية.

قال (السكاكى الكناية تتفاوت الى تعريض وتلويح ورمز وايماء واشارة) وانما قال تتفاوت ولم يقل تنقسم لان التعريض وامثاله مما ذكر ليس من اقسام الكناية فقط بل هو اعم كذا فى شرح المفتاح.

وفيه نظر والاقرب انه انما قال ذلك لان هذه الاقسام قد تتداخل ويختلف باختلاف الاعتبارات من الوضوح والخفاء وقلة الوسائط وكثرتها (والمناسب للعريضة التعريض) اى الكناية اذا كانت عرضية مسوقة لاجل موصوف غير مذكور كان المناسب ان يطلق عليها اسم التعريض لانه امالة الكلام الى عرض يدل على المقصود يقال عرضت لفلان وبفلان اذا قلت قولا لغيره وانت تعنيه فكأنك اشرت به الى جانب وتريذ به جانبا آخر (و) المناسب (لغيرها) اى لغير العرضية (ان كثرت الوسائط) بين اللازم والملزوم كما فى كثير الرماد وجبان الكلب ومهزول الفصيل (التلويح) لان التلويح هو ان تشير الى غيرك من بعيد.

(و) المناسب لغيرها (ان قلّت) الوسائط (مع خفاء) فى الملزوم كعريض القفاء وعريض الوسادة (الرمز) لان الرمز هو ان تشير الى قريب منك على سبيل الخفية لان حقيقته الاشارة بالشفة او الحاجب (و) المناسب لغيرها ان قلّت الوسائط (بلا خفاء) كما فى قوله او ما رأيت المجد القى رحله فى آل طلحة ثم لم يتحوّل (الايماء والاشارة. ثم قال) السكاكى (والتعريض قد يكون مجازا كقولك آذيتنى فستعرف وانت تريد) بتاء الخطاب (انسانا مع المخاطب دونه) اى لا تريد المخاطب ليكون اللفظ مستعملا فى غير ما وضع له فقط فيكون مجازا (وان اردتهما) اى اردت

٢٦١

المخاطب وانسانا آخر معه جميعا (كان كناية) لانك اردت باللفظ المعنى الاصلى وغيره معا والمجاز ينافى ارادة المعنى الاصلى (ولا بد فيهما) اى فى الصورتين (من قرينة) دالة على ان المراد فى الصورة الاولى هو الانسان الذى مع المخاطب وحده ليكون مجازا وفى الثانية كلاهما جميعا ليكون كناية ، وتحقيق ذلك ان قولك آذيتنى فستعرف كلام دال على تهديد المخاطب بسبب الايذاء ويلزم منه تهديد كل من صدر عنه الايذاء فان استعملته واردت به تهديد المخاطب وغيره من المؤذين كان كناية وان اردت به تهديد غير المخاطب بسبب الايذاء لعلاقة اشتراكه للمخاطب فى الايذاء اما تحقيقا واما فرضا وتقديرا مع قرينة دالة على عدم ارادة المخاطب كان مجازا.

٢٦٢

فصل

اطبق البلغاء على ان المجاز والكناية ابلغ من الحقيقة والتصريح (لان الانتقال فيهما من الملزوم الى اللازم فهو كدعوى الشىء ببينة) فان وجود الملزوم يقتضى وجود اللازم لامتناع انفكاك الملزوم عن لازمه (و) اطبقوا ايضا على (ان الاستعارة ابلغ من التشبيه لانها نوع من المجاز) وقد علم ان المجاز ابلغ من الحقيقة.

وليس معنى كون المجاز والكناية ابلغ ان شيئا منهما يوجب ان يحصل فى الواقع زيادة فى المعنى لا توجد فى الحقيقة والتصريح بل المراد انه يفيد زيادة تأكيد للاثبات ويفهم من الاستعارة ان الوصف فى المشبه بالغ حد الكمال كما فى المشبه به وليس بقاصر فيه كما يفهم من التشبيه والمعنى لا يتغير حاله فى نفسه بان يعبر عنه بعبارة ابلغ.

وهذا مراد الشيخ عبد القاهر بقوله ليست مزية قولنا رأيت اسدا على قولنا رأيت رجلا هو والاسد سواء فى الشجاعة ان الاول افاد زيادة فى مساواته للاسد فى الشجاعة لم يفدها الثانى بل الفضيلة وهى ان الاول افاد تأكيدا لاثبات تلك المساواة له لم يفده الثانى والله اعلم.

كمل القسم الثانى والحمد لله على جزيل نواله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله واصحابه اجمعين.

٢٦٣
٢٦٤

الفن الثالث فى البديع

(وهو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام) اى يتصور به معانيها ويعلّم اعدادها وتفاصيلها بقدر الطاعة.

والمراد بالوجوه ما مر فى قوله وتتبعها وجوه اخر تورث الكلام حسنا وقبولا.

وقوله (بعد رعاية المطابقة) اى مطابقة الكلام لمقتضى الحال (و) رعاية (وضوح الدلالة) اى الخلو عن التعقيد المعنوى اشارة الى ان هذه الوجوه انما تعد محسّنة للكلام بعد رعاية الامرين والا لكان كتعليق الدرر على اعناق الخنازير والظرف اعنى قوله بعد رعاية متعلق بقوله تحسين الكلام.

(وهى) اى وجوه تحسين الكلام (ضربان معنوى) اى راجع الى تحسين المعنى اولا وبالذات وان كان قد يفيد بعضها تحسين اللفظ ايضا (ولفظى) اى راجع الى تحسين اللفظ كذلك (اما المعنوى) قدّمه لان المقصود الاصلى والغرض الاولى هو المعانى والالفاظ توابع وقوالب لها (فمنه المطابقة وتسمى الطباق والتضاد ايضا.

وهى الجمع بين المتضادين اى معنيين متقابلين فى الجملة) اى يكون بينهما تقابل وتناف ولو فى بعض الصور سواء كان التقابل حقيقيا او اعتباريا وسواء كان تقابل التضاد او تقابل الايجاب والسلب او تقابل العدم والملكة او تقابل التضائف او ما يشبه شيئا من ذلك (ويكون) ذلك الجمع (بلفظين من نوع) واحد من انواع الكلمة (اسمين نحو (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) او فعلين نحو (يُحْيِي وَيُمِيتُ*) او حرفين نحو (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)).

فان فى اللام معنى الانتفاع وفى على معنى التضرر اى لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرر بمعصيتها غيرها (او من نوعين نحو (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)) فانه قد اعتبر فى الاحياء معنى الحياة وفى الاماتة معنى الموت والموت والحياة مما يتقابلان وقد دل على الاول بالاسم وعلى الثانى بالفعل (وهو) اى الطباق (ضربان طباق الايجاب

٢٦٥

كما مر وطباق السلب وهو ان يجمع بين فعلى مصدر احدهما مثبت والاخر منفى او احدهما امر والاخر نهى فالاول (نحو قوله تعالى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ*) يعلمون) ظاهرا من الحياة الدنيا.

(و) الثانى (نحو قوله تعالى (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ،) ومن الطباق) ما سماه بعضهم تدبيجا من دبّج المطر الارض اذا زيّنها وفسره بان يذكر فى معنى من المدح او غيره الوان لقصد الكناية او التورية واراد بالالوان ما فوق الواحد بقرينة الامثلة فتدبيج الكناية (نحو قوله تردّى) من تردّيت الثوب اخذته رداء (ثياب الموت حمرا فما اتى لها) اى لتلك الثياب (الليل الا وهى من سندس خضر) يعنى ارتدى الثياب الملطخة بالدم فلم ينقض يوم قتله ولم يدخل فى ليله الا وقد صارت الثياب من سندس خضر من ثياب الجنة فقد جمع بين الحمرة والخضرة وقصد بالاول الكناية عن القتل وبالثانى الكناية عن دخول الجنة.

وتدبيج التورية كقول الحريرى فمذ أغبّر العيش الاخضر ، وازورّ المحبوب الاصفر ، اسودّ يومى الابيض وابيّض فودى الاسود ، حتى رثى لى العدو الازرق ، فياحبذا الموت الاحمر.

فالمعنى القريب للمحبوب الاصفر هو الانسان الذى له صفرة والبعيد هو الذهب وهو المراد ههنا فيكون تورية وجمع الالوان لقصد التورية لا يقتضى ان يكون فى كل لون تورية كما توهمه بعض (ويلحق به) اى بالطباق شيئان احدهما الجمع بين معنيين يتعلق احدهما بما يقابل الاخر نوع تعلق مثل السببية واللزوم (نحو قوله تعالى (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).

فان الرحمة وان لم تكن مقابلة للشدة لكنها مسببية عن اللين) الذى هو ضد الشدة.

(و) الثانى الجمع بين معنيين غير متقابلين عبّر عنهما بلفظين يتقابل معناهما الحقيقى (نحو قوله لا تعجبى يا سلم من رجل) يعنى نفسه ضحك المشيب برأسه) اى ظهر ظهورا تاما (فبكى) ذلك الرجل فظهور الشيب لا يقابل البكاء الا انه قد

٢٦٦

عبر عنه بالضحك الذى معناه الحقيقى مقابل للبكاء.

(ويسمى الثانى ايهام التضاد) لان المعنيين قد ذكرا بلفظين يوهمان التضاد نظرا الى الظاهر (ودخل فيه) اى فى الطباق بالتفسير الذى سبق ما يختص باسم المقابلة وان جعله السكاكى وغيره قسما برأسه من المحسنات المعنوية (وهى ان يؤتى بمعنيين) متوافقين (او اكثر ثم) يؤتى (بما يقابل ذلك) المذكور من المعنيين المتوافقين او المعانى المتوافقة (على الترتيب) فيدخل فى الطباق لانه جمع بين معنيين متقابلين فى الجملة.

(والمراد بالتوافق خلاف التقابل) حتى لا يشترط ان يكونا متناسبين او متماثلين فمقابلة الاثنين بالاثنين (نحو (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)) اتى بالضحك والقلة المتوافقين ثم بالبكاء والكثرة المتقابلين لهما (و) مقابلة الثلاثة بالثلاثة (نحو قوله ما احسن الدين والدنيا اذا اجتمعا ، واقبح الكفر والافلاس بالرجل) اتى بالحسن والدين والغنى ثم بما يقابلها من القبح والكفر والا فلاس على الترتيب (و) مقابلة الاربعة بالاربعة (نحو (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) ،) والتقابل بين الجميع ظاهرا لا بين الاتقاء والاستغناء فبينه بقوله.

(والمراد باستغنى انه زهد فيما عند الله تعالى كانه استغنى عنه) اى اعرض عما عند الله تعالى (فلم يتق او) المراد باستغنى (استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة فلم يتق) فيكون الاستغناء مستتبعا لعدم الاتقاء وهو مقابل للاتقاء فيكون هذا من قبيل قوله تعالى (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ،)

(وزاد السكاكى) فى تعريف المقابلة قيدا آخر حيث قال هى ان تجمع بين شيئين متوافقين او اكثر وضديهما (واذا شرط ههنا) اى فيما بين المتوافقين او المتوافقات (امر شرط ثمة) اى فيما بين ضديهما او اضدادها (ضده) اى ضد ذلك الامر (كهاتين الايتين فانه لما جعل التيسير مشتركا بين الاعطاء والاتقاء والتصديق جعل ضده) اى ضد التيسير وهو التعسير المعبر عنه بقوله (فَسَنُيَسِّرُهُ

٢٦٧

لِلْعُسْرى) (مشتركا بين اضدادها) وهى البخل والاستغناء والتكذيب ، فعلى هذا لا يكون قوله ما احسن الدين الى آخره من المقابلة لانه اشترط فى الدين والدنيا الاجتماع ولم يشترط فى الكفر والافلاس ضده.

(ومنه) اى من المعنوى (مراعاة النظير ويسمى التناسب والتوفيق) والائتلاف والتلفيق (ايضا وهى جمع امر وما يناسبه لا بالتضاد) والمناسبة بالتضاد ان يكون كل منهما متقابلا للاخر ، وبهذا القيد يخرج الطباق.

وذلك قد يكون بالجمع بين الامرين (نحو (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ)) جمعا بين امرين (و) نحو (قوله) فى صفة الابل (كالقسىّ) جمع قوس (المعطفات) اى المنحنيات (بل الاسهم) جمع سهم (مبرية) اى منحوتة (بل الاوتار) جمع وتر جمع بين ثلاثة امور (ومنها) اى من مراعاة النظير ما يسميه بعضهم تشابه الاطراف وهو ان يختم الكلام بما يناسب ابتدائه فى المعنى نحو (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فان اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالابصار والخبير يناسب كونه مدركا بالابصار لان المدرك للشىء يكون خبيرا له عالما به.

(ويلحق بها) اى بمراعاة النظير ان تجمع بين معنيين غير متناسبين بلفظين يكون لهما معنيان متناسبان وان لم يكونا مقصودين ههنا (نحو (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ)) اى والنبات الذى ينجم اى يظهر من الارض لا ساق له كالبقول (وَالشَّجَرُ) الذى له ساق (يَسْجُدانِ) اى ينقادان لله تعالى فيما خلقا له ، فالنجم بهذا المعنى وان لم يكون مناسبا للشمس والقمر لكنه قد يكون بمعنى الكوكب وهو مناسب لهما (ويسمى ايهام التناسب) لمثل ما مر فى ايهام التضاد.

(ومنه) اى من المعنوى (الارصاد) وهو فى اللغة نصب الرقيب فى الطريق (ويسميه بعضهم التسهيم) يقال برد مسهم فيه خطوط مستوية (وهو ان يجعل قبل العجز من الفقرة) وهى فى النثر بمنزلة البيت من النظم ، فقوله وهو يطبع الاسجاع بجواهر لفظه فقرة ويقرع الاسماع بزواجر وعظه فقرة اخرى ، والفقرة فى الاصل حلى يصاغ على شكل فقرة الظهر (او) من (البيت ما يدل عليه) اى على العجز

٢٦٨

وهو آخر كلمة من الفقرة او البيت (اذا عرف الروىّ) فقوله ما يدل فاعل يجعل وقوله اذا عرف متعلق بقوله يدل والروىّ الحرف الذى يبنى عليه او آخر الابيات او الفقرة ويجب تكرره فى كل منهما.

وقيد بقوله اذا عرف الروىّ لان من الارصاد ما لا يعرف فيه العجز لعدم معرفة حرف الروىّ كما فى قوله تعالى (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فلو لم يعرف ان حرف الروى هو النون لربما توهم ان العجز فيما هم فيه اختلفوا او اختلفوا فيه فالارصاد فى الفقرة (نحو (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) وفى البيت (نحو قوله اذا لم تستطع شيئا فدعه ، وجاوزه الى ما تستطيع.

ومنه) اى ومن المعنوى (المشاركة ، وهى ذكر الشىء بلفظ غيره لوقوعه) اى ذلك الشىء (فى صحبته) اى ذلك الغير (تحقيقا او تقديرا) اى وقوعا محققا او مقدرا (فالاول نحو قوله قالوا اقترح شيئا) من اقترحت عليه شيئا اذا سألته اياه من غير رويّة وطلبته على سبيل التكليف والتحكم وجعله من اقترح الشىء ابتدعه غير مناسب على ما لا يخفى (تجد) مجزوم على انه جواب الامر من الاجادة وهى تحسين الشىء (لك طبخه ، قلت اطبخوا لى جبّة وقميصا) اى خيطوا وذكر خياطة الجبّة بلفظ الطبخ لوقوعها فى صحبة طبخ الطعام (ونحوه (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ)) حيث اطلق النفس على ذات الله تعالى لوقوعه فى صحبة نفسى.

(والثانى) وهو ما يكون وقوعه فى صحبة الغير تقديرا (نحو) قوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) الى قوله (صِبْغَةَ اللهِ) وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (وهو) اى قوله (صِبْغَةَ اللهِ) (مصدر) لانه فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهى الحالة التى يقع عليها الصبغ (مؤكد لآمنا بالله اى تطهير الله لان الايمان يطهّر النفوس) فيكون آمنّا مشتملا على تطهير الله لنفوس المؤمنين ودالا عليه فيكون صبغة الله بمعنى تطهير الله مؤكدا لمضمون قوله (آمَنَّا بِاللهِ) ثم اشار الى وقوع تطهير الله فى صحبة ما يعبر عنه بالصبغ تقديرا بقوله (والاصل فيه) اى فى هذا المعنى وهو ذكر

٢٦٩

التطهير بلفظ الصبغ (ان النصارى كانوا يغمسون اولادهم فى ماء اصفر يسمونه المعمودية ويقولون انه) اى الغمس فى ذلك الماء (تطهير لهم) فاذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانيا حقا فامر المسلمون بان يقولوا للنصارى قولا آمنا بالله وصبغنا الله بالايمان صبغة لا مثل صبغتنا وطهّرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا.

هذا اذا كان الخطاب فى قوله (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) للكافرين وان كان الخطاب للمسلمين فالمعنى ان المسلمين امروا بان يقولوا صبغنا الله بالايمان صبغة ولم يصبغ صبغتكم ايها النصارى (فعبر عن الايمان بالله بصبغة الله للمشاركة) لوقوعه فى صحبة صبغة النصارى تقديرا (بهذه القرينة) الحالية التى هى سبب النزول من غمس النصارى اولادهم فى الماء الاصفر وان لم يذكره ذلك لفظا.

(ومنه) اى ومن المعنوى (المزاوجة ، وهى ان تزاوج) اى توقع المزاوجة على ان الفعل مسند الى ضمير المصدر او الى الظرف اعنى قوله (بين معنيين فى الشرط والجزاء) والمعنى بجعل معنيان واقعان فى الشرط والجزاء مزدوجين فى ان يرتب على كل منهما معنى رتب على الاخر (كقوله اذا ما نهى الناهى) ومنعنى عن حبها (فلجّ بى الهوى) لزمنى (اصاخت الى الواشى) اى استمعت الى النمام الذى يشى حديثه ويزيّنه وصدقته فيما افترى على (فلج بها الهجر) زواج بين نهى الناهى واصاختها الى الواشى الواقعين فى الشرط والجزاء فى ان رتب عليهما لجاج شىء.

وقد يتوهم من ظاهر العبارة ان المزاوجة هى ان نجمع بين معنيين فى الشرط ومعنيين فى الجزاء كما جمع فى الشرط بين نهى الناهى ولجاج الهوى وفى الجزاء بين اصاختها الى الواشى ولجاج الهجر وهو فاسد اذ لا قائل بالمزاوجة فى مثل قولنا اذا جاءنى زيد فسلم علّى اجلسته فانعمت عليه.

وما ذكرنا هو المأخوذ من كلام السلف.

(ومنه) اى من المعنوى (العكس) والتبديل (وهو ان يقدم جزء من الكلام على جزء) آخر (ثم يؤخر) ذلك المقدم عن الجزء المؤخر اولا ، والعبارة الصريحة ما ذكره بعضهم وهو ان تقدم فى الكلام جزءا ثم تعكس فتقدم ما اخّرت وتؤخر ما قدّمت.

٢٧٠

وظاهر عبارة المصنف صادق على نحو عادات السادات اشرف العادة وهو ليس من العكس (ويقع) العكس (على وجوه منها ان يقع بين احد طرفى جملة وبين ما اضيف اليه ذلك الطرف نحو عادات السادات سادات العادات) فالعادات احد طرفى الكلام والسادات مضاف اليه لذلك الطرف.

وقد وقع العكس بينهما بان قدم اولا العادات على السادات ثم السادات على العادات.

(ومنها) اى من الوجوه (ان يقع بين متعلقى فعلين فى جملتين نحو (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ*)) فالحى والميت متعلقان بيخرج وقد قدّم اولا الحى على الميت وثانيا الميت على الحى.

(ومنها) اى من الوجوه (ان يقع بين لفظين فى طرفى جملتين نحو (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ)) قدم اولاهن على هم وثانياهم على هن وهما لفظان وقع احدهما فى جانب المسند اليه والآخر فى جانب المسند.

(ومنه) اى من المعنوى (الرجوع ، وهو العود الى الكلام السابق بالنقض) اى بنقضه وابطاله (لنكتة كقوله قف بالديار التى لم يعفها القدم) اى لم يبلها تطاول الزمان وتقادم العهد ثم عاد الى ذلك الكلام ونقضه بقوله (بلى وغيّرها الارياح والديم) اى الرياح والامطار والنكتة اظهار التحير والتدّ له كانه اخبر اولا بمالا تحقق له ثم افاق بعض الافاقة فنقض الكلام السابق قائلا بلى عفاها القدم وغيرها الارياح والديم (ومنه) اى ومن المعنوى (التورية وتسمى الايهام ايضا ، وهو ان يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد به البعيد) اعتمادا على قرينة خفيّة (وهى ضربان) الاولى (مجردة وهى) التورية (التى لا تجامع شيئا مما يلائم) المعنى (القريب نحو (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)) فانه اراد باستوى معناه البعيد وهو استولى ولم يقرن به شىء مما يلائم المعنى القريب الذى هو الاستقرار (و) الثانية (مرشحة) وهى التى تجامع شيئا مما يلائم المعنى القريب (نحو (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) اراد بالايدى معناه البعيد وهو القدرة وقد قرن لها ما يلائم المعنى القريب الذى هو

٢٧١

الجارية المخصوصة وهو قوله (بَنَيْناها) اذ البناء يلائم اليد وهذا مبنى على ما اشتهر بين اهل الظاهر من المفسرين والا فالتحقيق ان هذا تمثيل وتصوير لعظمته وتوقيف على كنه جلاله من غير ان يتمحّل للمفردات حقيقة او مجازا (ومنه) اى ومن المعنوى (الاستخدام وهو ان يراد بلفظ له معنيان احدهما ثم يراد بضميره) اى بالضمير العائد الى ذلك اللفظ (معناه الاخر او يراد باحد ضميريه احدهما) اى احد المعنيين ثم يراد بالاخرى معناه الاخر ويجوز فى كليهما ان يكونا حقيقيين وان يكونا مجازيين او ان يكونا مختلفين (فالاول) وهو ان يراد باللفظ احد المعنيين وبضميره معناه الاخر (كقوله اذا نزل السماء بارض قوم ، رعيناه وان كانوا غضابا) جمع غضبان اراد بالسماء الغيث وبالضمير الراجع اليه فى رعيناه ، النبت وكلا المعنيين مجازى (والثانى) وهو ان يراد باحد ضميريه احد المعنيين وبالضمير الاخر معناه الاخر (كقوله فسقى الغضا والساكنيه وان هم ، شبّوه بين جوانحى وضلوعى) اراد باحد ضميرى الغضا اعنى المجرور فى الساكنيه المكان الذى فيه شجرة الغضا وبالاخر اعنى المنصوب فى شبوه النار الحاصلة من شجرة الغضا وكلاهما مجازى (ومنه) اى من المعنوى (اللف والنشر ، وهو ذكر متعدد على التفصيل او الاجمال ثم) ذكر (ما لكل واحد من آحاد هذا المتعدد من غير تعيين ثقة) اى الذكر بدون التعيين لاجل الوثوق (بان السامع يرده اليه) اى يرد ما لكل من آحاد هذا المتعدد الى ما هو له لعلمه بذلك بالقرائن اللفظية او المعنوية (فالاول) وهو ان يكون ذكر المتعدد على التفصيل (ضربان لان النشر اما على ترتيب اللف) بان يكون الاول من المتعدد فى النشر للاول من المتعدد فى اللف والثانى للثانى وهكذا الى الاخر (نحو (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)) ذكر الليل والنهار على التفصيل ثم ذكر ما لليل وهو السكون فيه وما للنهار وهو الابتغاء من فضل الله فيه على الترتيب.

فان قيل عدم التعيين فى الاية ممنوع فان المجرور من فيه عائد الى الليل لا محالة.

٢٧٢

قلنا نعم ولكن باعتبار احتمال ان يعود الى كل من الليل والنهار يتحقق عدم التعيين (واما على غير ترتيبه) اى ترتيب اللف سواء كان معكوس الترتيب (كقوله كيف اسلو وانت حقف) وهو البقاء من الرمل (وغصن ، وغزال لحظا وقد اوردفا) فاللحظ للغزال والقد للغصن والردف للحقف او مختلطا كقولك هو شمس واسد وبحر جودا وبهاءا وشجاعة.

(والثانى) وهو ان يكون ذكر المتعدد على الاجمال (نحو قوله تعالى (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى)) فان الضمير فى قالوا لليهود والنصارى فذكر الفريقان على وجه الاجمال بالضمير العائد اليهما ثم ذكر ما لكل منهما (اى قالت اليهود لن يدخل الجنة الا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخل الجنة الا من كان نصارى فلفّ) بين الفريقين او القولين اجمالا (لعدم الالتباس) والثقة بان السامع يردّ الى كل فريق او كل قول مقوله (للعلم) بتضليل كل فريق صاحبه واعتقاده ان داخل الجنة هو لا صاحبه.

ولا يتصور فى هذا الضرب الترتيب وعدمه.

ومن غريب اللف والنشر ان يذكر متعددان او اكثر ثم يذكر فى نشر واحد ما يكون لكل من آحاد كل المتعددين كما تقول الراحة والتعب فى العدل والظلم قد سد من ابوابها ما كان مفتوحا وفتح من طرقها ما كان مسدودا.

(ومنه) اى ومن المعنوى (الجمع) وهو ان يجمع بين متعدد اثنين او اكثر (فى حكم واحد كقوله تعالى (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ونحو قوله) اى قول ابى العتاهية ، علمت يا مجاشع بن مسعدة (ان الشباب والفراغ والجدة) اى الاستغناء (مفسدة) اى داعية الى الفساد (للمرء اىّ مفسدة.

ومنه) اى ومن المعنوى (التفريق وهو ايقاع تباين بين امرين من نوع فى المدح او غيره كقوله ما نوال الغمام وقت ربيع كنوال الامير يوم سخاء فنوال الامير بدرة عين) هى عشرة آلاف درهم (ونوال الغمام قطرة ماء) اوقع التباين بين النوالين.

٢٧٣

(ومنه) اي ومن المعنوى (التقسيم وهو ذكر متعدد ثم اضافه ما لكل اليه على التعيين) وبهذا القيد يخرج اللف والنشر وقد اهمله السكاكى فتوهم بعضهم ان التقسيم عنده اعم من اللف والنشر.

اقول ان ذكر الاضافة مغن عن هذا القيد اذ ليس فى اللف والنشر اضافة ما لكل اليه بل يذكر فيه ما لكل اليه حتى يضيفه السامع اليه ويرده (كقوله) اى قول المتلمّس (ولا يقيم على ضيم) اى ظلم (يراد به) الضمير عائد الى المستثنى منه المقدر العام (الا الاذلان) فى الظاهر فاعل لا يقيم وفى التحقيق يدل اى لا يقيم احد على ظلم يقصد به الاهذان (عير الحى) وهو الحمار (والوتد هذا) اى عير الحى (على الخسف) اى الذل (مربوط برمته) هى قطعة حبل بالية (وذا) اى الوتد (يشجّ) اى يدق ويشق رأسه (فلا يرثى) اى فلا يرق ولا يرحم (له احد) ذكر العير والوتد ثم اضاف الى الاول الربط على الخسف والى الثانى الشج على التعيين.

وقيل لا تعيين لان هذا وذا متساويان فى الاشارة الى القريب فكل منهما يحتمل ان يكون اشارة الى العير والى الوتد فالبيت من اللف والنشر دون التقسيم.

وفيه نظر لانا لا نسلم التساوى بل فى حرف التشبيه ايماء الى ان القرب فيه اقل بحيث يحتاج الى تنبيه ما بخلاف المجرد عنها فهذا للقريب اعنى العير وذا للاقرب اعنى الوتد.

وامثال هذه الاعتبارات لا ينبغى ان تهمل فى عبارات البلغاء بل ليست البلاغة الا رعاية امثال ذلك.

(ومنه) اى ومن المعنوى (الجمع مع التفريق وهو ان يدخل شيئان فى معنى ويفرق بين جهتى الادخال كقوله فوجهك كالنار فى ضوئها ، وقلبى كالنار فى حرها) ادخل قلبه ووجه الحبيب فى كونهما كالنار ثم فرق بينهما بان وجه الشبه فى الوجه الضوء واللمعان وفى القلب الحرارة والاحتراق.

(ومنه) اى ومن المعنوى (الجمع مع التقسيم ، وهو جمع متعدد تحت حكم

٢٧٤

ثم تقسيمه او العكس) اى من تقسيم متعدد ثم جمعه تحت حكم (فالاول) اى الجمع ثم التقسيم (كقوله حتى اقام) اى الممدوح ولتضمين الاقامة معنى التسليط عدّاها بعلى فقال (على ارباض) جمع ربض وهو ما حول المدينة (خرشنة) وهى بلدة من بلاد الروم (تشقى به الروم والصلبان) جمع صليب النصارى (والبيع) جمع بيعة وهى معبدهم وحتى متعلق بالفعل فى البيت السابق اعنى قاد المقانب اى العساكر جمع فى هذا البيت شقاء الروم بالممدوح ثم قسم فقال (للسبى ما نكحوا والقتل ما ولدوا) ذكر ما دون من اهانة وقلة المبالات بهم كانهم من غير ذوى العقول وملايمة بقوله (والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا والثانى) اى التقسيم ثم الجمع (كقوله قوم اذا حاربوا ضرّ واعدوهم ، او حاولوا) اى طلبوا (النفع فى اشياعهم) اى اتباعهم وانصارهم (نفعوا سجيّة) او غريزة وخلق (وتلك) الخصلة (منهم غير محدثة ان الخلائق) جمع خليقة والطبيعة وهى الخلق (فاعلم شرّها البدع) جمع بدعة وهى المبتدعات والمحدثات قسم فى الاول صفة الممدوحين الى ضرر الاعداء ونفع الاولياء ثم جمعها فى الثانى تحت كونها سجية.

(ومنه) اى ومن المعنوى (الجمع مع التفريق والتقسيم).

وتفسيره ظاهر مما سبق فلم يتعرض له (كقوله تعالى (يَوْمَ يَأْتِ)) يعنى يأتى الله اى امره او يأتى اليوم اى هو له والظرف منصوب باضمار اذكروا بقوله (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) اى بما ينتفع من جواب او شفاعة (إِلَّا بِإِذْنِهِ).

فَمِنْهُمْ) اى من اهل الموقف (شَقِيٌّ) مقضى له بالنار (وَسَعِيدٌ) مقضى له بالجنة (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) اى اخراج النفس بشدة (وَشَهِيقٌ) رده بشدة (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) اى سموات الاخرة وارضها.

وهذه العبارة كناية عن التأبيد ونفى الانقطاع (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) اى الا وقت مشيئة الله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) من تخليد البعض كالكفار واخراج البعض كالفساق (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ

٢٧٥

إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) اى غير مقطوع بل ممتد الى غير النهاية ومعنى الاستثناء فى الاول ان بعض الاشقياء لا يخلدون فى النار كالعصاة من المؤمنين الذين شقوا بالعصيان.

وفى الثانى ان بعض السعداء لا يخلّدون فى الجنة بل يفارقونها ابتداء يعنى ايام عذابهم كالفساق من المؤمنين الذى سعدوا بالايمان والتأبيد من مبدأ معين فكما ينتقض باعتبار الانتهاء فكذلك باعتبار الابتداء.

فقد جمع الانفس بقوله (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) ثم فرق بينهم بان بعضهم شقى وبعضهم سعيد بقوله (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ثم قسم بان اضاف الى الاشقياء ما لهم من عذاب النار والى السعداء ما لهم من نعيم الجنة بقوله (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) الى آخر الاية.

(وقد يطلق التقسيم على امرين آخرين احدهما ان يذكر احوال الشيىء مضافا الى كل من تلك الاحوال) ما يليق به كقوله سأطلب حقى بالقناء والمشايخ ، كانهم من طول ما التثموا مرد (ثقال) اى لشدة وطائهم على الاعداء (اذا لاقوا) اى حاربوا الاعداء (خفاف) اى مسرعين الى الاجابة (اذا دعوا) الى كفاية مهمّ ودفاع ملمّ (كثير اذا شدّوا) لقيام واحد مقام الجماعة (قليل اذا عدّوا ،) ذكر احوال المشايخ واضاف الى كل حال ما يناسبها بان اضاف الى الثقل حال الملاقاة والى الخفة حال الدعاء وهكذا الى الاخر (والثانى استيفاء اقسام الشيىء كقوله تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) او يزوجهم ذكرانا واناثا ويجعل من يشاء عقيما) فان الانسان اما ان لا يكون له ولد او يكون له ولد ذكرا او انثى او ذكر وانثى وقد استوفى فى الاية جميع الاقسام.

(ومنه) اى ومن المعنوى (التجريد وهو ان ينتزع من امر ذى صفة) امر (آخر مثله فيها) اى مماثل لذلك الامر ذى الصفة فى تلك الصفة (مبالغة) اى لاجل المبالغة وذلك (لكمالها) اى تلك الصفة (فيه) اى فى ذلك الامر حتى كانه بلغ من الاتصاف بتلك الصفة الى حيث يصح ان ينتزع منه موصوف آخر بتلك الصفة.

(وهو) اى التجريد (اقسام منها) اى ما يكون بمن التجريدية (نحو قولهم

٢٧٦

لى من فلان صديق حميم) اى قريب يهتم لامره. (اى بلغ فلان من الصداقة حدّا صح معه) اى مع ذلك الحد (ان يستخلص معه) اى من فلان صديق. (آخر مثله فيها) اى في الصداقة.

(ومنها) ما يكون بالباء التجريدية الداخلة على المنتزع منه (نحو قولهم لئن سألت فلانا لتسألن به البحر) بالغ فى اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا فى السماحة.

(ومنها) ما يكون بدخول باء المعية فى المنتزع (نحو قوله وشوهاء) اى فرس قبيح المنظر لسعة اشداقها او لما اصابها من شدائد الحرب (تعدوا) اى تسرع (بى الى صارخ الوغى ،) اى مستغيث فى الحرب (بمستلئم) اى لابس لامة وهى الدرع والباء للملابسة والمصاحبة (مثل الفتيق) هو الفحل المكرم (المرّحل) من رحّل البعير اشخصه من مكانه وارسله اى تعدو بى ومعى من نفسى مستعد للحرب بالغ فى استعداده للحرب حتى انتزع منه مستعدا آخر.

(ومنها) اى ما يكون بدخول فى فى المنتزع منه (نحو قوله تعالى (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) اى فى جهنم وهى دار الخلد) لكنه انتزع منه دارا اخرى وجعلها معدة فى جهنم لاجل الكفار تهويلا لامرها ومبالغة فى اتصافها بالشدة.

(ومنها) ما يكون بدون توسط حرف (نحو قوله فلئن بقيت لارحلن بغزوة ، تحوى) اى تجمع (الغنائم او يموت) منصوب باضمار ان اى الا ان يموت (كريم) يعنى نفسه انتزع من نفسه كريما مبالغة فى كرمه ، فان قيل هذا من قبيل الالتفات من التكلم الى الغيبة ، قلنا لا ينافى التجريد على ما ذكرنا.

(وقيل تقديره او يموت منى كريم) فيكون من قبيل لى من فلان صديق حميم ولا يكون قسما آخر.

(وفيه نظر) لحصول التجريد تمام المعنى بدون هذا التقدير.

(ومنها) ما يكون بطريق الكناية (نحو قوله يا خير من يركب المطىّ ولا يشرب كاسا بكف من بخلا) اى تشرب الكاس بكف الجواد انتزع منه جواد يشرب

٢٧٧

هو بكفّه على طريق الكناية لانّه اذا نفى عنه الشرب بكف البخيل فقد ثبت له الشرب بكف كريم ومعلوم انه يشرب بكفه فهو ذلك الكريم ، وقد خفى هذا على بعضهم فزعم ان الخطاب ان كان لنفسه فهو تجريد والا فليس من التجريد فى شيىء بل كناية عن كون الممدوح غير بخيل ، واقول الكناية لا ينافى التجريد على ما قررناه ولو كان الخطاب لنفسه لم يكن قسما بنفسه بل داخل فى قوله (ومنها مخاطبة الانسان نفسه) وبيان التجريد فى ذلك انه ينتزع من نفسه شخصا آخر مثله فى الصفة التى سبق لها الكلام ثم يخاطبه (كقوله لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق ان لم يسعد الحال) اى الغنى فكانه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله فى فقد الخيل والمال وخاطبه.

(ومنه) اى ومن المعنوى (المبالغة المقبولة) لان المردودة لا تكون من المحسنات ، وفى هذا اشارة الى الرد على من زعم ان المبالغة مقبولة مطلقا وعلى من زعم انها مردودة مطلقا ، ثم انه فسر مطلق المبالغة وبين اقسامها والمقبولة منها والمردودة منها فقال (والمبالغة) مطلقا (ان يدعى لوصف بلوغه فى الشدة او الضعف حدا مستحيلا او مستبعدا) وانما يدعى ذلك (لئلا يظن انه) اى ذلك الوصف (غير متناه فيه) اى فى الشدة او الضعف ، وتذكير الضمير وافراده باعتبار عوده الى احد الامرين (وتنحصر) المبالغة (فى التبليغ والاغراق والغلوّ) لا بمجرد الاستقراء بل بالدليل القطعى.

وذلك (لان المدعى ان كان ممكنا عقلا وعادة فتبليغ كقوله فعادى) يعنى الفرس (عداءا) هو الموالاة بين الصيدين يصرع احدهما الى اثر الاخر فى طلق واحد (بين ثور) يعنى الذكر من بقر الوحش (ونعجة) يعنى الانثى منها (دراكا) اى متتابعا (فلم ينضح بماء فيغسل) مجزوم معطوف على ينضح اى لم يعرق فلم يغسل.

ادعى ان فرسه ادرك ثورا ونعجة فى مضمار واحد ولم يعرق ، وهذا ممكن عقلا وعادة (وان كان ممكنا عقلا لا عادة فاغراق كقوله ونكرم جارنا ما دام فينا ، ونتبعه) من الاتباع اى نرسل (الكرامة) على اثره (حيث مالا) اى سار وهذا ممكن

٢٧٨

عقلا وممتنع عادة (وهما) اى التبليغ والاغراق (مقبولان والا) اى وان لم يكن ممكنا لا عقلا ولا عادة لامتناع ان يكون ممكنا عادة ممتنعا عقلا اذ كل ممكن عادة ممكن عقلا ولا ينعكس (فغلو كقوله واخفت اهل الشرك حتى انه) الضمير للشأن (لتخافك النطف التى لم تخلق) فان خوف النطفة الغير المخلوقة ممتنع عقلا وعادة والمقبول منه) اى من الغلو (اصناف منها ما ادخل عليه ما يقربه الى الصحة نحو) لفظة ((يَكادُ) فى قوله تعالى (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ،) ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخييل كقوله عقدت سنابكها) اى حوافر الجياد (عليها) يعنى فوق رؤسها (عثيرا) بكسر العين اى غبارا.

ومن لطائف العلامة فى شرح المفتاح العثير الغبار ولا تفتح فيه العين.

والطف من ذلك ما سمعت ان بعض البّغالين كان يسوق بغلته فى سوق بغداد وكان بعض عدول دار القضاء حاضرا فضرطت البغلة فقال البغال على ما هو دأبهم بحلية العدل بكسر العين يعنى احد شقى الوقر فقال بعض الظرفاء على الفور افتح العين فان المولى حاضر.

ومن هذا القبيل ما وقع لى فى قصيدة علا : فاصبح يدعوه الورى ملكا ، وريثما فتحوا عينا غدا ملكا.

ومما يناسب هذا المقام ان بعض اصحابى ممن الغالب على لهجتهم امالة الحركات نحو الفتحة اتانى بكتاب فقلت لمن هو فقال لمولانا عمر بفتح العين فضحك الحاضرون فنظر الى كالمتعرف عن سبب ضحكهم المسترشد بطريق الصواب فرمزت اليه بعض الجفن وضم العين فتفطن للمقصود واستظرف الحاضرون ذلك (لو تبتغى) اى تلك الجياد (عنقا) هو نوع من السير (عليه) اى على ذلك العثير (لا مكنا) اى العنق ادعى ان تراكم الغبار المرتفع من سنابك الخيل فوق رؤسها بحيث صار ارضا يمكن سيرها عليه.

وهذا ممتنع عقلا وعادة لكنه تخييل حسن (وقد اجتمعا) اى ادخال ما يقربه الى الصحة وتضمن التخييل الحسن (فى قوله يخيل لى ان سمر الشهب فى الدجى ،

٢٧٩

وشدّت باهدابى اليهن اجفانى) اى يوقع فى خيالى ان الشهب محكمة بالمسامير لا تزول عن مكانها وان اجفان عينى قد شدت باهدابها الى الشهب لطول ذلك الليل وغاية سهرى فيه.

وهذا تخييل حسن ولفظ يخيل يقربه من الصحة ويزيده حسنا (ومنها ما اخرج مخرج الهزل والخلاعة كقوله اسكر بالامس ان عزمت على الشرب غدا ان ذا من العجب) (ومنه) اى ومن المعنوى (المذهب الكلامى وهو ايراد حجة للمطلوب على طريقة اهل الكلام) وهو ان تكون بعد تسليم المقدمات مستلزمة للمطلوب (نحو (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)) واللازم وهو فساد السموات والارض باطل لان المراد به خروجهما عن النظام الذى هما عليه فكذا الملزوم وهو تعدد الالهة وهذه الملازمة من المشهورات الصادقة التى يكتفى بها فى الخطابيات دون القطعيات المعتبرة فى البرهانيات (وقوله حلفت فلم اترك لنفسك ريبة) اى شكا (وليس وراء الله للمرء مطلب) اى هو اعظم المطالب والحلف به اعلى الاحلاف فكيف يحلف به كاذبا (لئن كنت) اللام لتوطئة القسم (قد بلغت عنى جناية ، لمبلغك) اللام جواب القسم (الواشى اغشّ) من غش اذا خان (واكذب ولكننى كنت امرءا لى جانب.

من الارض فيه اى فى ذلك الجانب (مستراد) اى موضع طلب الرزق من راد الكلاء وارتاده (ومذهب) اى موضع ذهاب للحاجات (ملوك) اى فى ذلك الجانب ملوك (واخوان اذا ما مدحتهم احكّم فى اموالهم) اى اتصرف فيها كيف شئت (واقرب) عندهم واصير رفيع المرتبة (كفعلك) اى كما تفعله انت (فى قوم ازاك اصطنعتهم) اى واحسنت اليهم (فلم ترهم فى مدحهم لك اذنبوا) اى لا تعاتبنى على مدح آل جفنة المحسنين الى والمنعمين على كما لا تعاتب قوما احسنت اليهم فمدحوك ان مدح اولئك لا يعد ذنبا كذلك مدحى لمن احسن الى.

وهذه الحجة على طريق التمثيل الذى يسميه الفقهاء قياسا.

ويمكن رده الى صورة قياس استثنائى اى لو كان مدحى لال جفنة ذنبا لكان مدح ذلك القوم لك ايضا ذنبا واللازم باطل فكذا الملزوم (منه) اى ومن المعنوى

٢٨٠