مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

المنتقلة) اى الكثير الراجح فيها كما يقال الاصل فى الكلام الحقيقة (ان تكون بغير واو) واحترز بالمنتقلة عن المؤكدة المقررة لمضمون الجملة فانها يجب ان تكون بغير واو البتة لشدة ارتباطها بمقابلها.

وانما كان الاصل فى المنتقلة الخلو عن الواو (لانها فى المعنى حكم على صاحبها كالخبر) بالنسبة الى المبتدأ فان قولك جاءنى زيد راكبا اثبات الركوب لزيد كما فى زيد راكب الا انه فى الحال على سبيل التبعية وانما المقصود اثبات المجىء وجئت بالحال لتزيد فى الاخبار عن المجىء هذا المعنى (ووصف له) اى ولانها فى المعنى وصف لصاحبها (كالنعت) بالنسبة الى المنعوت الا ان المقصود فى الحال كون صاحبها على هذا الوصف حال مباشرة الفعل فهى قيد للفعل وبيان لكيفية وقوعه بخلاف النعت فانه لا يقصد به ذلك بل مجرد اتصاف المنعوت به واذا كانت الحال مثل الخبر والنعت فكما انهما يكونان بدون الواو فكذلك الحال.

واما ما اورده بعض النحويين من الاخبار والنعوت المصدرة بالواو كالخبر فى باب كان والجملة الوصفية المصدرة بالواو التى تسمى واو تأكيد للصوق الصفة بالموصوف فعلى سبيل التشبيه والالحاق بالحال (لكن خولف) هذا الاصل (اذا كانت) الحال (جملة فانها) اى الجملة الواقعة حالا (من حيث هى جملة مستقلة بالافادة) من غير ان تتوقف على التعليق بما قبلها.

وانما قال من حيث هى جملة لانها من حيث هى حال غير مستقلة بل متوقفة على التعليق بكلام سابق قصد تقييده بها (فتحتاج) الجملة الواقعة حالا (الى ما يربطها بصاحبها) الذى جعلت حالا عنه (وكل من الضمير والواو صالح للربط والاصل) الذى لا يعدل عنه ما لم تمس حاجة الى زيادة ارتباط (هو الضمير بدليل) الاقتصار عليه فى الحال (المفردة والخبر والنعت فالجملة) التى تقع حالا (ان خلت عن ضمير صاحبها) الذى تقع هى حالا عنه (وجب فيها الواو) ليحصل الارتباط فلا يجوز خرجت زيد قائم.

ولما ذكر ان كل جملة خلت عن الضمير وجبت فيها الواو اراد ان يبين ان اى

١٦١

جملة يجوز ذلك فيها واى جملة لا يجوز ذلك فقال (وكل جملة خالية عن ضمير ما) اى الاسم الذى (يجوز ان ينتصب عنه حال) وذلك بان يكون فاعلا او مفعولا معرفا او منكرا مخصوصا لا نكرة محضة او مبتدأ او خبرا فانه لا يجوز ان ينتصب عنه حال على الاصل.

وانما لم يقل عن ضمير صاحب الحال لان قوله كل جملة مبتدأ وخبره قوله (يصح ان تقع) تلك الجملة (حالا عنه) اى عما يجوز ان ينتصب عنه حالا (بالواو) وما لم يثبت له هذا الحكم اعنى وقوع الحال عنه لم يصح اطلاق اسم صاحب الحال عليه الا مجازا.

وانما قال ينتصب عنه حال ولم يقل يجوز ان تقع تلك الجملة حالا عنه لتدخل فيه الجملة الخالية عن الضمير المصدرة بالمضارع المثبت لان ذلك الاسم مما لا يجوز ان تقع تلك الجملة حالا عنه لكنه مما يجوز ان ينتصب عنه حال فى الجملة وحينئذ يكون قوله كل جملة خالية عن ضمير ما يجوز ان ينتصب عنه حالا متنا ولا للمصدرة بالمضارع الخالية عن الضمير المذكور فيصح استثناؤها بقوله (الا المصدرة بالمضارع المثبت نحو جاء زيد ويتكلم عمرو) فانه لا يجوز ان يجعل ويتكلم عمرو حالا عن زيد (لما سيأتى) من ان ربط مثلها يجب ان يكون بالضمير فقط.

ولا يخفى ان المراد بقوله كل جملة الجملة الصالحة للحالية فى الجملة بخلاف الانشائيات فانها لا تقع حالا البتة لا مع الواو ولا بدونها (والا) عطف على قوله ان خلت اى وان لم تخل الجملة الحالية عن ضمير صاحبها (فان كانت فعلية والفعل مضارع مثبت امتنع دخولها) اى الواو (نحو (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)) اى ولا تعط حال كونك تعدّ ما تعطيه كثيرا (لان الاصل) فى الحال هى الحال (المفردة) لعراقة المفرد فى الاعراب وتطفل الجملة عليه لوقوعها موقعه (وهى) اى المفردة (تدل على حصول صفة) اى معنى قائم بالغير لانها لبيان الهيئة التى عليها الفاعل او المفعول والهيئة معنى قائم بالغير (غير ثابتة) لان الكلام فى الحال المستقلة (مقارن) ذلك الحصول (لما جعلت) الحال (قيدا له) يعنى العامل لان الغرض من الحال تخصيص وقوع

١٦٢

مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال وهذا معنى المقارنة.

(وهو) اى المضارع المثبت (كذلك) اى دال على حصول صفة غير ثابتة مقارن لما جعلت قيدا له كالمفردة فتمتنع الواو فيه كما فى المفردة (اما الحصول) اى اما دلالة المضارع المثبت على حصول صفة غير ثابتة (فلكونه فعلا) فيدل على التجدد وعدم الثبوت (مثبتا) فيدل على الحصول (واما المقارنة فلكونه مضارعا) فيصلح للحال كما يصلح للاستقبال.

وفيه نظر لان الحال التى يدل عليها المضارع هو زمان التكلم وحقيقته اجزاء متعاقبة من اواخر الماضى واوائل المستقبل والحال التى نحن بصددها يجب ان يكون مقارنة لزمان مضمون الفعل المقيد بالحال ماضيا كان او حالا او استقبالا فلا دخل للمضارعة فى المقارنة فالاولى ان يعلل امتناع الواو فى المضارع المثبت بانه على وزن اسم الفاعل لفظا وبتقديره معنى (واما ما جاء من نحو) قول بعض العرب (قمت واصكّ وجهه وقوله فلما خشيت اظافيرهم) اى اسلحتهم (نجوت وارهنهم مالكا فقيل) انما جاء الواو فى المضارع المثبت الواقع حالا (على) اعتبار (حذف المبتدأ) لتكون الجملة اسمية (اى وانا اصك وانا ارهنهم) كما فى قوله تعالى (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) اى وانتم قد تعلمون.

(وقيل الاول) اى قمت واصكّ وجهه (شاذ والثانى) اى نجوت وارهنهم (ضرورة وقال عبد القاهر هى) الواو (فيهما للعطف) لا للحال اذ ليس المعنى قمت صاكا وجهه ونجوت راهنا مالكا بل المضارع بمعنى الماضى (والاصل) قمت (وصككت) ونجوت ورهنت (عدل) عن لفظ الماضى (الى) لفظ (المضارع حكاية للحال) الماضية ومعناها ان يفرض ما كان فى الزمان الماضى واقعا فى هذا الزمان فيعبر عنه بلفظ المضارع (وان كان الفعل) مضارعا (منفيا فالامران جايزان) الواو وتركه (كقرائة ابن ذكوان (فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِ) ، بالتخفيف) اى بتخفيف النون ولا تتبعان فيكون لا للنفى دون النهى لثبوت النون التى هى علامة الرفع فلا يصح عطفه على الامر الذى قبله فيكون الواو للحال بخلاف قرائة العامة ولا تتبعان بالتشديد فانه

١٦٣

نهى مؤكد معطوف على الامر قبله (ونحو قوله تعالى (وَما لَنا)) اى اى شىء ثبت لنا (لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) اى حالكوننا غير مؤمنين فالفعل المنفى حال بدون الواو.

وانما جاز فيه الامران (لدلالته على المقارنة لكونه مضارعا دون الحصول لكونه منفيا) والمنفى انما يدل مطابقة على عدم الحصول (وكذا) يجوز الواو وتركه (ان كان) الفعل (ماضيا لفظا او معنى كقوله تعالى) اخبارا عن زكريا عليه السلام (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) بالواو (وقوله (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)) بدون الواو هذا فى الماضى لفظا.

واما الماضى معنى فالمراد به المضارع المنفى بلم او لمّا فانهما تقلبان معنى المضارع الى الماضى فاورد للمنفى بلم مثالين احدهما مع الواو والاخر بدونه واقتصر فى المنفى بلمّا على ما هو بالواو وكانه لم يطلع على مثال ترك الواو وفيه الا انه مقتضى القياس اشار الى امثلة ذلك فقال.

(وقوله (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي) بَشَرٌ ، وقوله (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ،) وقوله (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ، اما المثبت) اى اما جواز الامرين فى الماضى المثبت (فلدلالته على الحصول) يعنى حصول صفة غير ثابتة (لكونه فعلا مثبتا دون المقارنة لكونه ماضيا) فلا يقارن الحال.

(ولهذا) اى ولعدم دلالته على المقارنة (شرط ان يكون مع قد ظاهرة) كما فى قوله تعالى (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) (او مقدرة) كما فى قوله تعالى (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) لانّ قد تقرّب الماضي من الحال والاشكال المذكور وارد ههنا وهو ان الحال التى نحن بصددها غير الحال التى تقابل الماضى وتقرب قد الماضى منها فتجوز المقارنة اذا كان الحال والعامل ماضيين ولفظ قد انما تقرب الماضى من الحال التى هى زمان التكلم.

وربما تبعده عن الحال التى نحن بصددها كما فى قولنا جاءنى زيد فى السنة الماضية وقد ركب فرسه ، والاعتذار عن ذلك مذكور فى الشرح.

(واما المنفى) اى اما جواز الامرين فى الماضى المنفى (فلدلالته على المقارنة

١٦٤

دون الحصول اما الاول) اى دلالته على المقارنة (فلان لمّا للاستغراق) اى لامتداد النفى من حين الانتفاء الى زمان التكلم (وغيرها) اى غير لمّا مثل لم وما (لانتفاء متقدم) على زمان التكلم (ان الاصل استمراره) اى استمرار ذلك الانتفاء لما سيجىء حتى تظهر قرينة على الانقطاع كما فى قولنا لم يضرب زيد امس لكنه ضرب اليوم (فيحصل به) اى باستمرار النفى او بان الاصل فيه الاستمرار (الدلالة عليها) اى على المقارنة (عند الاطلاق) وترك التقييد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء (بخلاف المثبت فان وضع الفعل على افادة التجدد) من غير ان يكون الاصل استمراره.

فاذا قلت ضرب مثلا كفى فى صدقه وقوع الضرب فى جزء من اجزاء الزمان الماضى.

واذا قلت ما ضرب افاد استغراق النفى لجميع اجزاء الزمان الماضى لكن لا قطعيا بخلاف لمّا وذلك لانهم قصدوا ان يكون الاثبات والنفى فى طرفى النقيض.

ولا يخفى ان الاثبات فى الجملة انما ينافيه النفى دائما.

(وتحقيقه) اى تحقيق هذا الكلام (ان استمرار العدم لا يفتقر الى سبب بخلاف استمرار الوجود) يعنى ان بقاء الحادث وهو استمرار وجوده يحتاج الى سبب موجود لانه وجود عقيب وجود ولا بد للوجود الحادث من السبب بخلاف استمرار العدم فانه عدم فلا يحتاج الى وجود سبب بل يكفيه مجرد انتفاء سبب الوجود والاصل فى الحوادث العدم حتى توجد عللها.

وبالجملة لما كان الاصل فى المنفى الاستمرار حصلت من الاطلاق الدلالة على المقارنة.

(واما الثانى) اى عدم دلالته على الحصول (فلكونه منفيا) هذا اذا كانت الجملة فعلية (وان كانت اسمية فالمشهور جواز تركها) اى الواو (لعكس ما مر فى الماضى المثبت) اى لدلالة الاسمية على المقارنة لكونها مستمرة لا على حصول صفة

١٦٥

غير ثابتة لدلالتها على الدوام والثبات (نحو كلّمته فوه الى فّى) بمعنى مشافها.

(و) ايضا المشهور (ان دخولها) اى الواو (اولى) من تركها (لعدم دلالتها) اى الجملة الاسمية (على عدم الثبوت مع ظهور الاستيناف فيها فحسن زيادة رابطة نحو (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ،) اى وانتم من اهل العلم والمعرفة وانتم تعلمون ما بينهما من التفاوت (وقال عبد القاهر ان كان المبتدأ) فى الجملة الاسمية الحالية (ضمير ذى الحال وجبت) اى الواو سواء كان خبره فعلا (نحو جاء زيد وهو يسرع او) اسما نحو جاء زيد (وهو مسرع).

وذلك لان الجملة لا تترك فيها الواو حتى تدخل فى صلة العامل وتنضم اليه في الاثبات وتقدر تقدير المفرد فى ان لا يستأنف لها الاثبات وهذا مما يمتنع فى نحو جاء زيد وهو يسرع او وهو مسرع لانك اذا اعدت ذكر زيد وجئت بضميره المنفصل المرفوع كان بمنزلة اعادة اسمه صريحا فى انك لا تجد سبيلا الى ان تدخل يسرع فى صلة المجىء وتضمه اليه فى الاثبات لان اعادة ذكره لا تكون حتى تقصد استيناف الخبر عنه بانه يسرع والّا لكنت تركت المبتدأ بمضيعة وجعلته لغوا فى البين وجرى مجرى ان تقول جاءنى زيد وعمرو يسرع امامه ثم تزعم انك لم تستأنف كلاما ولم تبتدأ للسرعة اثباتا.

وعلى هذا فالاصل والقياس ان لا تجىء الجملة الاسمية الا مع الواو وما جاء بدونه فسبيله سبيل الشىء الخارج عن قياسه واصله بضرب من التأويل ونوع من التشبيه.

هذا كلامه فى دلائل الاعجاز وهو مشعر بوجوب الواو فى نحو جاءنى زيد وزيد يسرع او مسرع امامه وجاء زيد وعمرو يسرع او مسرع امامه بالطريق الاولى ثم قال الشيخ (وان جعل نحو على كتفه سيف حالا كثر فيها) اى فى تلك الحال (تركها) اى ترك الواو (نحو) قول بشار :

اذا انكرتنى بلدة او نكرتها

(خرجت مع البازى على سواد)

اى بقية من الليل يعنى اذا لم يعرف قدرى اهل بلدة او لم اعرفهم خرجت

١٦٦

منهم مصاحبا للبازى الذى هو ابكر الطيور مشتملا على شىء من ظلمة الليل غير منتظر لاسفار الصبح فقوله علّى سواد حال ترك فيها الواو.

ثم قال الشيخ الوجه ان يكون الاسم فى مثل هذا فاعلا بالظرف لاعتماده على ذى الحال لا مبتدأ وينبغى ان يقدر ههنا خصوصا ان الظرف فى تقدير اسم الفاعل دون الفعل اللهم ان لا يقدر فعل ماض هذا كلامه وفيه بحث والظاهر ان مثل على كتفه سيف يحتمل ان يكون فى تقدير المفرد وان يكون جملة اسمية قدم خبرها وان يكون فعلية مقدرة بالماضى او المضارع فعل التقديرين يمتنع الواو وعلى التقديرين لا تجب الواو فمن اجل هذا كثر تركها ، وقال الشيخ ايضا (ويحسن الترك) اى ترك الواو فى الجملة الاسمية (تارة لدخول حرف على المبتدأ) يحصل بذلك الحرف نوع من الارتباط (كقوله :

فقلت عسى ان تبصرينى كأنما

بنىّ حوالّى الاسود الحوارد»)

من حرد اذا غضب فقوله بنى الاسود جملة اسمية وقعت حالا من مفعول تبصرينى ولو لا دخول كانما عليها لم يحسن الكلام الا بالواو وقوله حوالى اى فى اكنافى وجوانبى حال من بنى لما فى حرف التشبيه من معنى الفعل (و) يحسن الترك تارة اخرى (لوقوع الجملة الاسمية) الواقعة حالا (بعقب مفرد) حال (كقوله :

 «الله يبقيك لنا سالما

بر داك تبجيل وتعظيم»)

فقوله برداك تبجيل حال ولو لم يتقدمها قوله سالما لم يحسن فيها ترك الواو.

١٦٧
١٦٨

الباب الثامن

الايجاز والاطناب والمساواة

(قال السكاكى اما الايجاز والاطناب فلكونهما نسبيين) اى من الامور النسبية التي يكون تعلقها بالقياس الى تعقل شي آخر فان الموجز انما يكون موجزا بالنسبة الى كلام ازيد منه وكذا المطنب انما يكون مطنبا بالنسبة الى ما هو انقص منه (لا يتيسر الكلام فيها الا بترك التحقيق والتعيين) اى لا يمكن التنصيص على ان هذا المقدار من الكلام ايجاز وذلك اطناب اذ رب كلام موجز يكون مطنبا بالنسبة الى كلام آخر وبالعكس.

(والبناء على امر عرفى) اى والا بالبناء على امر يعرفه اهل العرف (وهو متعارف الاوساط) الذين ليسوا فى مرتبة البلاغة ولا فى غاية الفهاهة (اى كلامهم فى مجرى عرفهم فى تأدية المعانى) عند المعاملات والمحاورات (وهو) اى هذا الكلام (لا يحمد) من الاوساط (فى باب البلاغة) لعدم رعاية مقتضيات الاحوال (ولا يذم) ايضا منهم لان غرضهم تأدية اصل المعنى بدلالات وضعية والفاظ كيف كانت ومجرد تأليف يخرجها عن حكم النعيق.

(فالايجاز اداء المقصود باقل من عبارة المتعارف والاطناب اداؤه باكثر منها ثم قال) اى السكاكى (الاختصار لكونه نسبيا يرجع فيه تارة الى ما سبق) اى الى كون عبارة المتعارف اكثر منه (و) يرجع تارة (اخرى الى كون المقام خليقا بابسط مما ذكر) اى من الكلام الذى ذكره المتكلم.

وتوهم بعضهم ان المراد بما ذكر متعارف الاوساط وهو غلط لا يخفى على من له قلب او القى السمع وهو شهيد يعنى كما ان الكلام يوصف بالايجاز لكونه اقل من

١٦٩

المتعارف كذلك يوصف به لكونه اقل مما يقتضيه المقام بحسب الظاهر ، وانما قلنا بحسب الظاهر لانه لو كان اقل مما يقتضيه المقام ظاهرا وتحقيقا لم يكن فى شىء من البلاغة مثاله قوله تعالى (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) ، من الاية فانه اطناب بالنسبة الى المتعارف اعنى قولنا يا رب شخت وايجاز بالنسبة الى مقتضى المقام ظاهرا لانه مقام بيان انقراض الشباب والمام المشيب فينبغى ان يبسط فيه الكلام غاية البسط فالايجاز معنيان بينهما عموم من وجه.

(وفيه نظر لان كون الشىء امرا نسبيا لا يقتضى تعسر تحقيق معناه) اذ كثيرا ما تحقق معانى الامور النسبية وتعرّف بتعريفات تليق بها كالابوة والاخوة وغيرهما.

والجواب انه لم يرد تعسر بيان معناهما لان ما ذكر بيان لمعناهما بل اراد تعسر التحقيق والتعيين فى ان هذا القدر ايجاز وذلك اطناب (ثم البناء على المتعارف والبسط الموصوف) بان يقال الايجاز هو الاداء باقل من المتعارف او مما يليق بالمقام من كلام ابسط من الكلام المذكور (ردّ الى الجهالة) اذ لا تعرف كمية متعارف الاوساط وكيفيتها لاختلاف طبقاتهم ولا يعرف ان كل مقام اى مقدار يقتضى من البسط حتى يقاس عليه ويرجع اليه.

والجواب ان الالفاظ قوالب المعانى والاوساط الذين لا يقدرون فى تأدية المعانى على اختلاف العبارات والتصرف فى لطائف الاعتبارات لهم حد معلوم من الكلام يجرى فيما بينهم فى المحاورات والمعاملات وهذا معلوم للبلغاء وغيرهم فالبناء على المتعارف واضح بالنسبة اليهما جميعا.

واما البناء على البسط الموصوف فانما هو معلوم للبلغاء العارفين لمقتضيات الاحوال بقدر ما يمكن لهم البسط فلا يجهل عندهم ما يقتضيه كل مقام من مقدار البسط.

(والاقرب) الى الصواب (ان يقال المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية اصله بلفظ مساوله) اى لاصل المراد (او) بلفظ (ناقص عنه واف او بلفظ زائد

١٧٠

عليه لفائدة) فالمساواة ان يكون اللفظ بمقدار اصل المراد والايجاز ان يكون ناقصا عنه وافيا به والاطناب ان يكون زائدا عليه لفائدة.

(واحترز بواف عن الاخلال) وهو ان يكون اللفظ ناقصا عن اصل المراد غير واف به (كقوله والعيش خير فى ظلال النوك) اى الحمق والجهالة (ممن عاش كدّا) اى خير ممن عاش مكدودا متعوبا (اى الناعم فى ظلال العقل) يعنى ان اصل المراد ان العيش الناعم فى ظلال النوك خير من العيش الشاق فى ظلال العقل ولفظه غير واف بذلك فيكون مخلا فلا يكون مقبولا (و) احترز (بفائدة عن التطويل) وهو ان يزيد اللفظ على الاصل المراد لا لفائدة ولا يكون اللفظ الزائد متعينا (نحو) قوله وقدّدت الاديم لراهشيه (والفى) اى وجد (قولها كذبا ومينا) والكذب والمين واحد لا فائدة فى الجمع بينهما.

قوله قدّدت اى قطعت والراهشان عرقان فى باطن الذراعين والضمير فى راهشيه وفى الفى لجذيمة الابرش وفى قددت وفى قولها للزباء والبيت فى قصة قتل الزباء لجذيمة وهى معروفة (و) احترز ايضا بفائدة (عن الحشو) وهو زيادة معينة لا لفائدة (المفسد) للمعنى (كالندى فى قوله ولا فضل فيها) اى فى الدنيا.

(للشجاعة والندى .............

وصبر الفتى لو لا لقاء شعوب»)

هي علم للمنية صرفها للضرورة وعدم الفضيلة على تقدير عدم الموت انما يظهر فى الشجاعة والصبر لتيقن الشجاع بعدم الهلاك وتيقن الصابر بزوال المكروه بخلاف الباذل ماله اذا تيقن بالخلود وعرف احتياجه الى المال دائما فان بذله حينئذ افضل مما اذا تيقن بالموت وتخليف المال وغاية اعتذاره ما ذكره الامام ابن جنى وهو ان فى الخلود وتنقل الاحوال فيه من عسر الى يسر ومن شدة الى رخاء ما يسّكن النفوس ويسهّل البؤس فلا يظهر لبذل المال كثير فضل (و) عن الحشو (غير المفسد) للمعنى.

(كقوله واعلم علم اليوم والامس قبله) ، ولكننى عن علم ما فى غد عمى ، فلفظ قبله حشو غير مفسد وهذا بخلاف ما يقال ابصرته بعينى وسمعته باذنى وكتبته

١٧١

بيدى فى مقام يفتقر الى التأكيد.

(المساواة) قدمها لانها الاصل المقيس عليه (نحو (وَلا يَحِيقُ) الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ، وقوله :

فانك كالليل الذى هو مدركى

وان خلت ان المنتأى عنك واسع»)

اى موضع البعد عنك ذو سعة شبهه فى حال سخطه وهو له بالليل ، قيل فى الاية حذف المستثنى منه وفى البيت حذف جواب الشرط فيكون فى كل منهما ايجازا لا مساواة.

وفيه نظر لان اعتبار هذا الحذف رعاية لامر لفظى لا يفتقر اليه فى تأدية اصل المراد حتى لو صرح به لكان اطنابا بل تطويلا.

وبالجملة لا نسلم ان لفظ الاية والبيت ناقص عن اصل المراد.

والايجاز

(ضربان ايجاز القصر وهو ما ليس بحذف نحو قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ،) فان معناه كثير ولفظه يسير) وذلك لان معناه ان الانسان اذا علم انه متى قتل قتل كان ذلك داعيا له الى الا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذى هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان بارتفاع القتل حياة لهم.

(ولا حذف فيه) اى ليس فيه حذف شىء مما يؤدى به اصل المراد واعتبار الفعل الذى يتعلق به الظرف رعاية لامر لفظى حتى لو ذكر لكان تطويلا (وفضله) اى رجحان قوله (وَلَكُمْ) فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (على ما كان عندهم اوجز كلام فى هذا المعنى وهو) قولهم (القتل انفى للقتل بقلة حروف ما يناظره) اى اللفظ الذى يناظر قولهم القتل انفى للقتل (منه) اى من قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) وما يناظره منه هو قوله (فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) لان قوله (وَلَكُمْ) زائد على معنى قولهم القتل انفى للقتل.

فحروف فى القصاص حياة مع التنوين احد عشر وحروف القتل انفى للقتل

١٧٢

اربعة عشرة اعنى الحروف الملفوظة اذ بالعبارة يتعلق الايجاز لا بالكتابة (والنص) اى وبالنص (على المطلوب) يعنى الحياة (وما يفيده تنكير حيوة من التعظيم لمنعه) اى منع القصاص اياهم (عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد) فحصل لهم فى هذا الجنس من الحكم اعنى القصاص حيوة عظيمة (او) من النوعية اى لكم فى القصاص نوع من الحياة وهى الحياة (الحاصلة للمقتول) اى الذى يقصد قتله (والقاتل) اى الذى يقصد القتل (بالارتداع) عن القتل لمكان العلم بالاقتصاص (واطراده) اى ويكون قوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ) حَياةٌ مطردا اذا الاقتصاص مطلقا سبب للحياة بخلاف القتل فانه قد يكون انفى للقتل كالذى على وجه القصاص وقد يكون ادعى له كالقتل ظلما (وخلّوه عن التكرار) بخلاف قولهم فانه يشتمل على تكرار القتل.

ولا يخفى ان الخالى عن التكرار افضل من المشتمل عليه وان لم يكن مخلا بالفصاحة (واستغنائه عن تقدير محذوف) بخلاف قولهم فان تقديره القتل انفى للقتل من تركه (والمطابقة) اى وباشتماله على صنعة المطابقة وهي الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة كالقصاص والحياة (وايجاز الحذف) عطف على قوله ايجاز القصر.

(والمحذوف اما جزء جملة) عمدة كان او فضلة (مضاف) بدل من جزء جملة (نحو (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)) اي اهل القرية (او موصوف نحو انا ابن جلا) وطلّاع الثنايا ، متى اضع العمامة تعرفونى ، الثنية العقبة وفلان طلّاع الثنايا اى ركاب لصعاب الامور وقوله جلا جملة وقعت صفة لمحذوف (اى) انا ابن (رجل جلا) اى انكشف امره او كشف الامور.

وقيل جلا ههنا علم وحذف التنوين باعتبار انه منقول عن الجملة اعنى الفعل مع الضمير لا عن الفعل وحده (او صفة نحو (وَكانَ وَراءَهُمْ) مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) اى كل سفينة (صحيحة او نحوها) كسليمة او غير معيبة (بدليل ما قبله) وهو قوله (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) لدلالته على ان الملك كان لا يأخذ المعيبة (او شرط كما مر) فى اخر باب الانشاء (او جواب شرط) وحذفه يكون (اما لمجرد الاختصار

١٧٣

نحو قوله تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فهذا شرط حذف جوابه (اى اعرضوا بدليل ما بعده) وهو قوله تعالى (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (او للدلالة على انه) اي جواب الشرط (شىء لا يحيط به الوصف او لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن مثالهما (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ)) فحذف جواب الشرط للدلالة على انه لا يحيط به الوصف او لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن (او غير ذلك) المذكور كالمسند اليه والمسند والمفعول كما مر فى الابواب السابقة وكالمعطوف مع حرف العطف (نحو (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) اى ومن انفق من بعده وقاتل بدليل ما بعده) يعنى قوله تعالى (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَة) مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا (واما جملة) عطف على اما جزء جملة.

فان قلت ماذا اراد بالجملة ههنا حيث لم بعد الشرط والجزاء جملة.

قلت اراد الكلام المستقل الذى لا يكون جزء من كلام آخر (مسببة عن) سبب (مذكور نحو (لِيُحِقَ) الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) فهذا سبب مذكور حذف مسببه (اى فعل ما فعل او سبب لمذكور نحو) قوله تعالى (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ (فَانْفَجَرَتْ) ان قدر فضربه بها) فيكون قوله فضربه به بها جملة محذوفة هى سبب لقوله فانفجرت (ويجوز ان يقدر فان ضربت بها فقد انفجرت) فيكون المحذوف جزء جملة هو الشرط ومثل هذه الفاء يسمى فاء فصيحة قيل على التقدير الاول وقيل على التقدير الثانى.

وقيل على التقديرين (او غيرهما) اى غير المسبب والسبب (نحو فنعم الماهدون على ما مر) فى بحث الاستيناف من انه على حذف المبتدأ والخبر على قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف (واما اكثر) عطف على اما جملة اى اكثر (من جملة) واحدة (نحو (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ) ، اى) فارسلونى (الى يوسف لاستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف والحذف على وجهين ان لا يقام شىء مقام المحذوف) بل يكتفى بالقرينة (كما مر) فى الامثلة السابقة (وان يقام

١٧٤

نحو (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) قوله (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ)) فقد كذبت ليس جزاء الشرط لان تكذيب الرسل متقدم على تكذيبه بل هو سبب لمضمون الجواب المحذوف اقيم مقامه (اى فلا تحزن واصبر) ثم الحذف لابد له من دليل (وادلته كثيرة منها ان يدل العقل عليه) اى على الحذف (والمقصود الاظهر على تعيين المحذوف نحو (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)).

فالعقل دل على ان هنا حذفا اذ الاحكام الشرعية انما تتعلق بالافعال دون الاعيان والمقصود الاظهر من هذه الاشياء المذكورة فى الاية تناولها الشامل للاكل وشرب الالبان فدل على تعيين المحذوف وفى قوله منها ان يدل ادنى تسامح فكأنه على حذف مضاف.

(ومنها ان يدل العقل عليهما) اى على الحذف وتعيين المحذوف (نحو (وَجاءَ رَبُّكَ)) فالعقل يدل على امتناع مجىء الرب تعالى وتقدس ويدل على تعيين المراد ايضا. (اي امره او عذابه) فالامر المعين الذي دل عليه العقل هو احد الامرين لا احدهما على التعيين.

(ومنها ان يدل العقل عليه والعادة على التعيين نحو (فَذلِكُنَ) الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) فان العقل دل على ان فيه حذفا اذ لا معنى للوم الانسان على ذات الشخص واما تعيين المحذوف (فانه يحتمل) ان يقدر (وفى حبله لقوله تعالى (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) وفى مراودته لقوله تعالى (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) وفى شانه حتى يشملهما) اى الحب والمراودة (والعادة دلت على الثانى) اى مراودته (لان الحب المفرط لايلام صاحبه عليه فى العادة لقهره) اى الحب المفرط (اياه) اى صاحبه فلا يجوز ان يقدر فى حبه ولا فى شانه لكونه شاملا له فيتعين ان يقدر فى مراودته نظرا الى العادة.

(ومنها الشروع فى الفعل) يعنى من ادلة تعيين المحذوف لا من ادلة الحذف لان دليل الحذف ههنا هو ان الجار والمجرور لابد من ان يتعلق بشىء والشروع فى الفعل دل على انه ذلك الفعل الذى شرع فيه (نحو بسم الله فيقدر ما جعلت التسمية مبتدأ له) ففى القرائة يقدر بسم الله اقرأ وعلى هذا القياس.

١٧٥

(ومنها) اى من ادلة تعيين المحذوف (الاقتران كقولهم للمعرس بالرفاء والبنين) فان مقارنة هذا الكلام لاعراس المخاطب دل على تعيين المحذوف (اى اعرست) او مقارنة المخاطب بالاعراس وتلبسه به دل على ذلك ، والرفاء هو الالتيام والاتفاق والباء للملابسة.

والاطناب

(اما بالايضاح بعد الابهام ليرى المعنى فى صورتين مختلفتين) احديهما مبهمة والاخرى موضحة وعلمان خير من علم واحد (او ليتمكن فى النفس فضل تمكن) لما جبل الله النفوس عليه من ان الشىء اذا ذكر مبهما ثم بيّن كان اوقع عندها (او لتكمل لذة العلم به) اى بالمعنى لما لا يخفى من ان نيل الشىء بعد الشوق والطلب الذّ (نحو (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) فان اشرح لى يفيد طلب شرح لشىء ماله) اى للطالب (وصدرى يفيد تفسيره) اى تفسير ذلك الشىء.

(ومنه) اى ومن الايضاح بعد الابهام (باب نعم على احد القولين) اى قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف (اذ لو اريد الاختصار) اى تلك الاطناب (كفى نعم زيد) وفى هذا اشعار بان الاختصار قد يطلق على ما يشتمل المساواة ايضا (ووجه حسنه) اى حسن باب نعم (سوى ما ذكر) من الايضاح بعد الابهام (ابراز الكلام فى معرض الاعتدال) من جهة الاطناب بالايضاح بعد الابهام والايجاز بحذف المبتدأ (وايهام الجمع بين المتنافيين) اى الايجاز والاطناب.

وقيل الاجمال والتفصيل ، ولا شك ان ايهام الجمع بين المتنافيين من الامور المستغربة التى تستلذ بها النفس وانما قال ايهام الجمع لان حقيقة جمع المتنافيين ان يصدق على ذات واحدة وصفان يمتنع اجتماعهما على شىء واحد فى زمان واحد من جهة واحدة وهو محال.

(ومنه) اى من الايضاح بعد الابهام (التوشيع وهو) فى اللغة لف القطن

١٧٦

المندوف وفى الاصطلاح (ان يؤتى في عجز الكلام بمثنّى مفسر باسمين ثانيهما معطوف على الاول نحو يشيب ابن آدم ويشب فيه خصلتان الحرص وطول الامل واما بذكر الخاص بعد العام) عطف على قوله اما بالايضاح بعد الابهام.

والمراد الذكر على سبيل العطف (للتنبيه على فضله) اى مزية الخاص (حتى كأنه ليس من جنسه) اى العام (تنزيلا للتغاير فى الوصف منزلة التغاير فى الذات) يعنى انه لما امتاز عن سائر افراد العام بماله من الاوصاف الشريفة جعل كأنه شىء آخر مغاير للعام لا يشمله العام ولا يعرف حكمه منه (نحو (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) اى الوسطى من الصلوات او الفضلى من قولهم للافضل الاوسط وهى صلاة العصر عند الاكثر (واما بالتكرير لنكتة) ليكون اطنابا لا تطويلا وتلك النكتة (كتأكيد الانذار فى (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)).

فقوله كلا ردع عن الانهماك فى الدنيا وتنبيه على انه لا ينبغى للناظر لنفسه ان تكون الدنيا جميع همه وان لا يهتم بدينه وسوف تعلمون انذار وتخويف اى سوف تعلمون الخطاء فيما انتم عليه اذا عاينتم ما قدّامكم من هول المحشر وفى تكريره تأكيد للردع والانذار (وفى ثم) دلالة (على ان الانذار الثانى ابلغ) من الاول تنزيلا لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعمالا للفظ ثم فى مجرد التدريج فى درج الارتقاء (واما بالايغال) من اوغل فى البلاد اذا ابعد فيها واختلف فى تفسيره.

(فقيل هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها كزيادة المبالغة فى قولها) اى فى قول الخنساء فى مرثية اخيها صخر (وان صخر التأتم) اى يقتدى (الهداة به ، كأنه علم) اى جبل مرتفع (فى رأسه نار) فقولها كأنه علم واف بالمقصود اعنى التشبيه بما يهتدى به الا ان فى قولها فى رأسه نار زيادة مبالغة.

(وتحقيق) اى وكتحقيق التشبيه فى قول امرء القيس (كان عيون الوحش حول خبائنا) اى خيامنا (وارحلنا الجزع الذى لم يثقّب) الجزع بالفتح الحرز اليمانى الذى فيه سواد وبياض شبه به عيون الوحش واتى بقوله لم يثقب تحقيقا للتشبيه لانه اذا كان غير مثقوب كان اشبه بالعين قال الاصمعى الظبى والبقرة اذا كانا حيين

١٧٧

فعيونهما كلها سواد فاذا ما تا بدا بياضها وانما شبها بالجزع وفيه سواد وبياض بعد ما ماتت والمراد كثرة الصيد يعنى مما اكلنا كثرت العيون عندنا كذا فى شرح ديوان امرء القيس ، فعلى هذا التفسير يختص الايغال بالشعر.

(وقيل لا يختص بالشعر) بل هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها (ومثل لذلك) فى غير الشعر (بقوله تعالى (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فقوله (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) مما يتم المعنى بدونه لان الرسول مهتد لا محالة الا ان فيه زيادة حث على الاتباع وترغيب فى الرسل.

(واما بالتذييل وهو تعقيب الجملة بجملة اخرى يشتمل على معناها) اى معنى الجملة الاولى (للتأكيد) فهو اعم من الايغال من جهة انه يكون فى ختم الكلام وغيره واخص من جهة ان الايغال قد يكون بغير الجملة ولغير التأكيد (وهو) اى التذييل (ضربان ضرب لم يخرج مخرج المثل بان لم يستقل بافادة المراد) بل يتوقف على ما قبله (نحو (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) على وجه) وهو ان يراد وهل نجازى ذلك الجزاء المخصوص الا الكفور فيتعلق بما قبله واما على الوجه الآخر وهو ان يراد وهل نعاقب الا الكفور بناء على ان المجازاة هى المكافاة ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا فهو من الضرب الثانى (وضرب اخرج مخرج المثل) بان يقصد بالجملة الثانية حكم كلى منفصل عما قبله جار مجرى الامثال فى الاستقلال وفشوا الاستعمال (نحو (وَقُلْ جاءَ الْحَق) وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً وهو ايضا) اى التذييل ينقسم قسمة اخرى واتى بلفظة ايضا تنبيها على ان هذا التقسيم للتذييل مطلقا لا للضرب الثانى منه (اما) ان يكون (لتأكيد منطوق كهذه الآية) فان زهوق الباطل منطوق فى قوله (وَزَهَقَ الْباطِلُ.)

(واما لتأكيد مفهوم كقوله ولست) على لفظ الخطاب (بمستبق اخا لا تلمّه) حال من اخا لعمومه او من ضمير المخاطب فى لست (على شعث) اى تفرق حال وذميم خصال فهذا الكلام دل بمفهومه على نفى الكامل من الرجال وقد اكده بقوله (اىّ الرجال المهذب) استفهام بمعنى الانكار اى ليس فى الرجال منقح الفعال

١٧٨

مرضى الخصال.

(واما بالتكميل ويسمى الاحتراس ايضا) لان فيه التوقى والاحتراز عن توهم خلاف المقصود (وهو ان يؤتى فى كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه) اى يدفع ايهام خلاف المقصود وذلك الدافع قد يكون فى آخر الكلام فالاول (كقوله فسقى ديارك غير مفسدها) نصب على الحال من فاعل سقى وهو (صوب الربيع) اى سقى نزول المطر ووقوعه فى الربيع (وديمة تهمى) اى تسيل فلما كان نزول المطر قد يؤل الى خراب الديار وفسادها اتى بقوله غير مفسدها دفعا لذلك.

(و) الثانى (نحو (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) فانه لما كان مما يوهم ان يكون ذلك لضعفهم دفعه بقوله (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) تنبيها على ان ذلك تواضع منهم للمؤمنين ولهذا عدّى الذل بعلى لتضمنه معنى العطف ويجوز ان يقصد بالتعدية بعلى الدلالة على انهم مع شرفهم وعلّو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم اجنحتهم.

(واما بالتتميم وهو ان يؤتى فى كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة) مثل مفعول او حال او نحو ذلك مما ليس بجملة مستقلة ولا ركن كلام.

ومن زعم انه اراد بالفضلة ما يتم اصل المعنى بدونه فقد كذبه كلام المصنف فى الايضاح وانه لا تخصيص لذلك بالتتميم (لنكتة كالمبالغة نحو (وَيُطْعِمُونَ) الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ ، فى وجه) وهو ان يكون الضمير فى حبه للطعام (اى) ويطعمون (مع حبه) والاحتياج اليه وان جعل الضمير لله تعالى اى يطعمونه على حب الله فهو لتأدية اصل المراد (واما بالاعتراض وهو ان يؤتى فى اثناء الكلام او بين كلامين متصلين معنى بجملة او اكثر لا محل لها من الاعراب لنكتة سوى دفع الايهام) لم يرد بالكلام مجموع المسند اليه والمسند فقط بل مع جميع ما يتعلق بهما من الفضلات والتوابع.

والمراد باتصال الكلامين ان يكون الثانى بيانا للاول او تأكيدا او بدلا منه (كالتنزيه فى قوله تعالى (وَيَجْعَلُون) لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) فقوله سبحانه جملة لانه مصدر بتقدير الفعل وقعت فى اثناء الكلام لان قوله (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) عطف على قول لله البنات (والدعاء فى قوله.

١٧٩

«ان الثمانين وبلغتها ، قد احوجت سمعى الى ترجمان» اى مفسر ومكرر فقوله بلغتها اعتراض فى اثناء الكلام لقصد الدعاء والواو فى مثله تسمى واو اعتراضية ليست بعاطفة ولا حالية.

(والتنبيه فى قوله واعلم فعلم المرء ينفعه) هذا اعتراض بين اعلم ومفعوله وهو (ان سوف يأتى كل ما قدّرا) ان هى المخففة من المثقلة وضمير الشان محذوف يعنى ان المقدور آت البتة تأتى وان وقع فيه تأخير ما.

وفى هذا تسلية وتسهيل للامر فالاعتراض يباين التتميم لانه انما يكون بفضلة والفضلة لابد لها من اعراب ويباين التكميل لانه انما يقع لدفع ايهام خلاف المقصود ويباين الايغال لانه لا يكون الا فى آخر الكلام لكنه يشمل بعض صور التذييل وهو ما يكون بجملة لا محل لها من الاعراب وقعت بين جملتين متصلتين معنى لانه كما لم يشترط فى التذييل ان يكون بين كلامين لم يشترط فيه ان لا يكون بين كلامين فتأمل حتى يظهر لك فساد ما قيل انه يباين التذييل بناء على انه لم يشترط فيه ان يكون بين كلامين متصلين معنى.

(ومما جاء) اى ومن الاعتراض الذى وقع (بين كلامين) متصلين (وهو اكثر من جملة ايضا) اى كما ان الواقع بينهما هو اكثر من جملة (نحو قوله تعالى (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) فهذا اعتراض اكثر من جملة لانه كلام يشتمل على جملتين وقع بين كلامين اولهما قوله (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) وثانيهما قوله (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) والكلامان متصلان معنى.

(فان قوله (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) بيان لقوله (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)) وهو مكان الحرث فان الغرض الاصلى من الاتيان طلب النسل لاقضاء الشهوة والنكتة فى هذا الاعتراض الترغيب فيما امروا به والتنفير عما نهوا عنه (وقال قوم قد تكون النكتة فيه) اى فى الاعتراض (غير ما ذكر) مما سوى دفع الايهام حتى انه قد يكون لدفع ايهام خلاف المقصود (ثم) القائلون بان النكتة فيه قد تكون لدفع الايهام افترقوا فرقتين (جوز بعضهم وقوعه) اى الاعتراض (فى آخر جملة لا تليها جملة متصلة

١٨٠