مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

القصد الى ملاحة وظرافة دون استهزاء وسخرية باحد فتمليح والا فتهكم وقد سبق الى بعض الاوهام نظرا الى ظاهر اللفظ ان وجه الشبه فى قولنا للجبان هو اسد وللبخيل هو حاتم هو التضاد المشترك بين الطرفين باعتبار الوصفين المتضادين.

وفيه نظر لانا اذا قلنا الجبان كالاسد فى التضاد اى فى كون كل منهما متضادا للاخر لا يكون هذا من التمليح والتهكم فى شىء كما اذا قلنا السواد كالبياض فى اللونية او فى التقابل ومعلوم انا اذا اردنا التصريح بوجه الشبه فى قولنا للجبان هو اسد تمليحا او تهكما لم يتأت لنا الا ان نقول فى الشجاعة.

لكن الحاصل فى الجبان انما هو ضد الشجاعة فنزلنا تضادهما منزلة التناسب وجعلنا الجبن بمنزلة الشجاعة على سبيل التمليح والهزؤ (واداته) اى اداة التشبيه (الكاف وكأن).

وقد تستعمل عند الظن بثبوت الخبر من غير قصد الى التشبيه سواء كان الخبر جامدا او مشتقا نحو كأن زيدا اخوك وكأنه قدم وكانك قلت وكأنى قلت (ومثل وما فى معناه) مما يشتق من المماثلة والمشابهة ومما يؤدى هذا المعنى (والاصل فى نحو الكاف) اى فى الكاف ونحوها كلفظ نحو ومثل وشبه بخلاف كأن وتماثل وتشابه (ان يليه المشبه به) لفظا نحو زيد كالاسد او تقديرا نحو قوله تعالى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) على تقدير او كمثل ذوى صيّب (وقد يليه) اى نحو الكاف (غيره) اى غير مشبه به (نحو (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ)) الاية اذ ليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتمحل تقديره بل المراد تشبيه حالها فى نضارتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والفناء بحال النبات الحاصل من الماء يكون اخضر ناضرا شديد الخضرة ثم ييبس فتطيره الرياح كأن لم يكن ولا حاجة الى تقدير كمثل ماء لان المعتبر هو الكيفية الحاصلة من مضمون الكلام المذكور بعد الكاف واعتبارها مستغن عن هذا التقدير.

ومن زعم ان التقدير كمثل ماء وان هذا مما يلى الكاف غير المشبه به بناء على انه محذوف فقدسها سهوا بينا لان المشبه به الذى يلى الكاف قد يكون ملفوظا به وقد

٢٠١

يكون محذوفا على ما صرح به فى الايضاح.

(وقد يذكر فعلى ينبئ عنه) اى عن التشبيه (كما فى علمت زيدا اسدا ان قرب) التشبيه وادعى كمال المشابهة لما فى علمت من معنى التحقيق (وحسبت) زيدا اسدا (ان بعد) التشبيه لما فى الحسبان من الاشعار بعدم التحقيق والتيقن وفى كون مثل هذه الافعال منبئا عن التشبيه نوع خفاء والاظهر ان الفعل ينبئ عن حال التشبيه فى القرب والبعد (والغرض منه) اى من التشبيه (فى الاغلب يعود الى المشبه وهو) اى الغرض العائد الى المشبه (بيان امكانه) اى المشبه.

وذلك اذا كان امرا غريبا يمكن ان يخالف فيه ويدعى امتناعه (كما فى قوله «فان تفق الانام وانت منهم ، فان المسك بعض دم الغزال») فانه لما ادعى ان الممدوح قد فاق الناس حتى صار اصلا برأسه وجنسا بنفسه وكان هذا فى الظاهر كالممتنع احتج لهذه الدعوى وبين امكانها بان شبّه هذه الحال بحال المسك الذى هو من الدماء ثم انه لا يعد من الدماء لما فيه من الاوصاف الشريفة التى لا توجد فى الدم.

وهذا التشبيه ضمنى ومكنى عنه لا صريح (او حاله) عطف على امكانه اى بيان حال المشبه بانه على اى وصف من الاوصاف (كما فى تشبيه ثوب بآخر فى السواد) اذا علم السامع لون المشبه به دون المشبه (او مقدارها) اى بيان مقدار حال المشبه فى القوة والضعف والزيادة والنقصان (كما فى تشبيهه) اى تشبيه الثوب الاسود (بالغراب فى شدته) اى فى شدة السواد (او تقريرها) مرفوع عطفا على بيان امكانه اى تقرير حال المشبه فى نفس السامع وتقوية شانه (كما فى تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء) فانك تجد فيه من تقرير عدم الفائدة وتقوية شأنه مالا تجده فى غيره لان الالف بالحسيات اتم منه بالعقليات لتقدم الحسيات وفرط الف النفس بها.

(وهذه) اى الاغراض (الاربعة تقتضى ان يكون وجه الشبه فى المشبه به اتم وهو به اشهر) اى وان يكون المشبه به بوجه الشبه اشهر واعرف وظاهر هذه

٢٠٢

العبارة ان كلا من الاربعة يقتضى الاتمية والاشهرية.

لكن التحقيق ان بيان الامكان وبيان الحال لا يقتضيان الا الاشهرية ليصح القياس ويتم الاحتجاج فى الاول ويعلم الحال فى الثانى وكذا بيان المقدار لا يقتضى الاتمية بل يقتضى ان يكون المشبه به على حد مقدار المشبه لا ازيد ولا انقص ليتعين مقدار المشبه على ما هو عليه.

واما تقرير الحال فيقتضى الامرين جميعا لان النفس الى الاتمّ والاشهر اميل فالتشبيه به بزيادة التقرير والتقوية اجدر (او تزيينه) مرفوع عطفا على بيان امكانه اى تزيين المشبه فى عين السامع (كما فى تشبيه وجه اسود بمقلة الظبى او تشويهه) اى تقبيحه (كما فى تشبيه وجه مجدور بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة) جمع ديك (او استطرافه) اى عد المشبه طريفا حديثا بديعا (كما فى تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب لابرازه) اى انما استطرف المشبه فى هذا التشبيه لابراز المشبه (فى صورة الممتنع) الوقوع (عادة) وان كان ممكنا عقلا ولا يخفى ان الممتنع عادة مستطرف غريب.

(وللاستطراف وجه آخر) غير الابراز فى صورة الممتنع عادة (وهو ان يكون المشبه نادر الحضور فى الذهن اما مطلقا كما مر) فى تشبيه فحم فيه جمر موقد (واما عند حضور المشبه كما فى قوله «ولا زوردية) يعنى البنفسج (تزهو) قال الجوهرى فى الصحاح زهى الرجل فهو مزهو اذا تكبر.

وفيه لغة اخرى حكاها ابن دريد زها يزهو زهوا (برزقتها ، بين الرياض على حمر اليواقيت ،) يعنى الازهار والشقائق الحمر.

(كأنها فوق قامات ضعفن بها

اوائل النار فى اطراف كبريت)

فان صورة اتصال النار بالطراف الكبريت لا يندر حضورها فى الذهن ندرة حضور بحر من المسك موجه الذهب لكن يندر حضورها عند حضور صورة البنفسج فيستطرف بمشاهدة عناق بين صورتين متباعدتين غاية البعد.

(وقد يعود) اى الغرض من التشبيه (الى المشبه به وهو ضربان احدهما ايهام

٢٠٣

انه اتم من المشبه) فى وجه الشبه (وذلك فى التشبيه المقلوب) الذى يجعل فيه الناقص مشبها به قصدا الى ادعاء انه اكمل (كقوله وبدا الصباح كأن غرته ،) هى بياض فى جبهة الفرس فوق الدرهم استعيرت لبياض الصبح (وجه الخليفة حين يمتدح) فانه قصد ايهام ان وجه الخليفة اتم من الصباح فى الوضوح والضياء ، وفى قوله حين يمتدح دلالة على اتصاف الممدوح بمعرفة حق المادح وتعظيم شأنه عند الحاضرين بالاصغاء اليه والارتياح له وعلى كماله فى الكرم حيث يتصف بالبشر والطلاقة عند استماع المديح.

(و) الضرب (الثانى) من الغرض العائد الى المشبه به (بيان الاهتمام به) اى بالمشبه به (كتشبيه الجائع وجها كالبدر فى الاشراق والاستدارة بالرغيف ويسمى هذا) اى التشبيه المشتمل على هذا النوع من الغرض (اظهار المطلوب ، هذا) الذى ذكرناه من جعل احد الشيئين مشبها والاخر مشبها به انما يكون (اذا اريد الحاق الناقص) فى وجه الشبه (حقيقة) كما فى الغرض العائد الى المشبه (او ادعاء) كما فى الغرض العائد الى المشبه به (بالزايد) فى وجه الشبه (فان اريد الجمع بين شيئين فى امر) من الامور من غير قصد الى كون احدهما ناقصا والاخر زائدا سواء وجدت الزيادة والنقصان ام لم توجد (فالاحسن ترك التشبيه) ذاهبا (الى الحكم بالتشابه) ليكون كل واحد من الشيئين مشبها ومشبها به (احترازا عن ترجيح احد المتساويين) فى وجه الشبه.

(كقوله

تشابه دمعى اذ جرى ومدا متى

فمن مثل ما فى الكأس عينى تسكب

فو الله ما ادرى ابا لخمر اسبلت ، جفونى) يقال اسبل الدمع والمطر اذا هطل واسبلت السماء فالباء فى قوله «ا بالخمر» للتعدية وليست بزائدة على ما توهم بعضهم (ام من عبرتى كنت اشرب) لما اعتقد التساوى بين الدمع والخمر ترك التشبيه الى التشابه (ويجوز) عند ارادة الجمع بين شيئين فى امر (التشبيه ايضا) لانهما وان تساويا فى وجه الشبه بحسب قصد المتكلم الا انه يجوز له ان يجعل احدهما مشبها والاخر

٢٠٤

مشبها به لغرض من الاغراض وسبب من الاسباب مثل زيادة الاهتمام وكون الكلام فيه (كتشبيه غرة الفرس بالصبح وعكسه) اى تشبيه الصبح بغرة الفرس (متى اريد ظهور منير فى مظلم اكثر منه) اى من ذلك المنير من غير قصد الى المبالغة فى وصف غرة الفرس بالضياء والانبساط وفرط التلاءلؤ ونحو ذلك اذ لو قصد ذلك لوجب جعل الغرة مشبها والصبح مشبها به.

(وهو) اى التشبيه (باعتبار الطرفين) المشبه والمشبه به اربعة اقسام لانه (اما تشبيه مفرد بمفرد وهما) اى المفردان (غير مقيدين كتشبيه الخد بالورد او مقيدان كقولهم) لمن لا يحصل من سعيه على طائل (هو كالراقم على الماء) فالمشبه هو الساعى المقيد بان لا يحصل من سعيه على شىء والمشبه به هو الراقم المقيد بكون رقمه على الماء لان وجه الشبه هو التسوية بين الفعل وعدمه وهو موقوف على اعتبار هذين القيدين (او مختلفان) اى احدهما مقيد والاخر غير مقيد (كقوله والشمس كالمرآة فى كف الاشل) فالمشبه به اعنى المرآة مقيدة بكونه فى كف الاشل بخلاف المشبه اعنى الشمس (وعكسه) اى تشبيه المرآة فى كف الاشل بالشمس فالمشبه مقيد دون المشبه به.

(واما تشبيه مركب بمركب) بان يكون كل من الطرفين كيفية حاصلة من مجموع اشياء قد تضامّت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا (كما فى بيت بشار)

كأن مثار النقع فوق رؤسنا

واسيافنا على ما سبق تقريره

(واما تشبيه مفرد بمركب كما مر من تشبيه الشقيق) وهو مفرد باعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد وهو مركب من عدة امور ، والفرق بين المركب والمفرد المقيد احوج شىء الى التأمل فكثيرا ممّا يقع الالتباس.

(واما تشبيه مركب بمفرد كقوله يا صاحبى تقصيّا نظريكما ،) فى الاساس تقصيّته اى بلغت اقصاه اى اجتهدا فى النظر وابلغا اقصى نظريكما (تريا وجوه الارض كيف تصور ،) اى تتصور حذفت التاء ، يقال صوره الله صورة حسنة فتصور (تريا نهارا مشمسا) اى ذا شمس لم يستره غيم (قد شابه) اى خالطه (زهر الربا)

٢٠٥

خصها لانها انضر واشدّ خضرة ولانها المقصود بالنظر (فكأنما هو) اى ذلك النهار المشمس الموصوف (مقمر) اى ليل ذو قمر لان الازهار باخضرارها قد نقصت من ضوء الشمس حتى صارت تضرب الى السواد فالمشبه مركب والمشبه به مفرد وهو المقمر.

(وايضا) تقسيم آخر للتشبيه باعتبار الطرفين وهو انه (ان تعدد طرفاه فاما ملفوف) وهو ان يؤتى اولا بالمشبهات على طريق العطف او غيره ثم بالمشبه به كذلك (كقوله) فى صفة العقاب بكثرة اصطياد الطيور (كان قلوب الطير رطبا) بعضها (ويابسا) بعضها (لدى وكرها العنّاب والحشف) وهو اردأ التمر (البالى) شبّه الرطب الطرىّ من قلوب الطير بالعنّاب واليابس العتيق منها بالحشف البالى اذ ليس لاجتماعهما هيئة مخصوصة يعتد بها ويقصد تشبيهها الا انه ذكر اولا المشبهين ثم المشبه بهما على الترتيب (او مفروق) وهو ان يؤتى بمشبه ومشبه به ثم آخر وآخر (كقوله النشر) اى الطيب والرائحة (مسك والوجوه دنانير واطراف الاكف).

وروى اطراف البنان (عنم) هو شجر احمر لين (وان تعدد طرفه الاول) يعنى المشبه دون الثانى يعنى المشبه به (فتشبيه التسوية كقوله صدغ الحبيب وحالى ، كلاهما كالليالى وان تعدد طرفه الثانى) يعنى المشبه به دون الاول (فتشبيه الجمع كقوله)

بات نديما لى حتى الصباح

اغيد مجدول مكان الوشاح

(كأنما يبسم) ذلك الا غيد اى الناعم البدن (عن لؤلؤ منضّد) منظم (او برد) هو حب الغمام (او اقاح) جمع اقحوان وهو ورد له نور شبه ثغره بثلاثة اشياء (وباعتبار وجهه) عطف على قوله باعتبار الطرفين (اما تمثيل وهو ما) اى التشبيه الذى (وجهه) وصف (منتزع من متعدد) اى امرين او امور (كما مر) من تشبيه الثريا وتشبيه مثار النقع مع الاسياف وتشبيه الشمس بالمرآة فى كف الاشل وغير ذلك.

(وقيّده) اى المنتزع من متعدد (السكاكى بكونه غير حقيقى) حيث قال

٢٠٦

التشبيه متى كان وجهه وصفا غير حقيقى وكان منتزعا من عدة امور خص باسم التمثيل (كما فى تشبيه مثل اليهود بمثل الحمار) فان وجه الشبه هو حرمان الانتفاع بابلغ نافع مع الكدّ والتعب فى استصحابه فهو وصف مركب من متعدد وليس بحقيقى بل هو عائد الى التوهم (واما غير تمثيل وهو بخلافه) اى بخلاف التمثيل يعنى ما لا يكون وجهه منتزعا من متعدد وعند السكاكى ما لا يكون منتزعا من متعدد ولا يكون وهميّا واعتباريا بل يكون حقيقيا فتشبيه الثريا بالعنقود المنور تمثيل عند الجمهور دون السكاكى (وايضا) تقسيم آخر للتشبيه باعتبار وجهه وهو انه (اما مجمل وهو مالم يذكر وجهه فمنه) اى فمن المجمل (ما هو ظاهر) وجهه او فمن الوجه الغير المذكور ما هو ظاهر (يفهمه كل احد) ممن له مدخل فى ذلك (نحو زيد كالاسد ومنه خفى لا يدركه الا الخاصة كقول بعضهم) ذكر الشيخ عبد القاهر انه قول من وصف بنى المهلب للحجاج لما سأله عنهم وذكر جار الله انه قول الانمارية فاطمة بنت الخرشب وذلك انها سئلت عن بنيها ايهم افضل فقالت عمارة لا بل فلان لا بل فلان ثم قالت ثكلتهم ان كنت اعلم ايهم افضل (هم كالحلقة المفرّغة لا يدرى اين طرفاها ، اى هم متناسبون فى الشرف) يمتنع تعيين بعضهم فاضلا وبعضهم افضل منه (كما انها) اى الحلقة المفرّغة متناسبة الاجزاء فى الصورة يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا لكونها مفرّغة مصمتة الجوانب كالدائرة.

(وايضا منه) اى من المجمل وقوله منه دون ان يقول وايضا اما كذا واما كذا اشعار بان هذا من تقسيمات المجمل لا من تقسيمات مطلق التشبيه اى ومن المجمل (ما لم يذكر فيه وصف احد الطرفين) يعنى الوصف الذى يكون فيه ايماء الى وجه الشبه نحو زيد اسد.

(ومنه ما ذكر فيه وصف المشبه به وحده) اى الوصف المشعر بوجه الشبه كقولها هم كالحلقة المفرّغة لا يدرى اين طرفاها (ومنه ما ذكر فيه وصفهما) اى المشبه والمشبه به كليهما (كقوله صدفت عنه) اى اعرضت عنه (ولم تصدف مواهبه ، عنّى وعاوده ظنى فلم يخب ، كالغيث ان جئته وافاك) اى اتاك (ريّقه).

٢٠٧

يقال فعله فى روق شبابه وريقه اى اوله واصابه ريق المطر وريق كل شىء افضله (وان ترحّلت عنه لجّ فى الطلب) وصف المشبه اعنى الممدوح بان عطاياه فائضة عليه اعرض او لم يعرض وكذا وصف المشبه به اعنى الغيث بانه يصيبك ان جئته او ترحّلت عنه والوصفان مشعران بوجه الشبه اعنى الاضافة فى حالتى الطلب وعدمه وحالتى الاقبال عليه والاعراض منه.

(واما مفصّل) عطف على اما مجمل (وهو ما ذكر وجهه كقوله وثغره فى صفاء ، وادمعى كاللاءلى وقد يتسامح بذكر ما يستتبعه مكانه) اى بان يذكر مكان وجه الشبه ما يستلزمه اى يكون وجه الشبه تابعا لازما له فى الجملة (كقولهم للكلام الفصيح هو كالعسل فى الحلاوة فان الجامع فيه لازمها) اى وجه الشبه فى هذا التشبيه لازم الحلاوة (وهو ميل الطبع) لانه المشترك بين العسل والكلام لا الحلاوة التى هى من خواص المطعومات (وايضا) تقسيم ثالث للتشبيه باعتبار وجهه وهو انه (اما قريب مبتذل وهو ما ينتقل فيه من المشبه الى المشبه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه فى بادى الرأى) اى فى ظاهره اذا جعلته من بدا الامر يبدو اى ظهر وان جعلته مهموزا من بدأ فمعناه فى اول الرأى وظهور وجه الشبه فى بادى الرأى يكون لامرين اما (لكونه امرا جمليا) لا تفصيل فيه.

(فان الجملة اسبق الى النفس) من التفصيل الا ترى ان ادراك الانسان من حيث انه شىء او جسم او حيوان اسهل واقدم من ادراكه من حيث انه جسم نام حساس متحرك بالارادة ناطق.

(او) لكون وجه الشبه (قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به فى الذهن اما عند حضور المشبه لقرب المناسبة) بين المشبه والمشبه به.

اذ لا يخفى ان الشيء مع ما يناسبه اسهل حضورا منه مع ما لا يناسبه (كتشبيه الجرة الصغيرة بالكوز فى المقدار والشكل) فانه قد اعتبر فى وجه الشبه تفصيل ما اعنى المقدار والشكل الا ان الكوز غالب الحضور عند حضور الجرة فى الذهن (او مطلقا) عطف على قوله

٢٠٨

عند حضور المشبه ثم غلبة حضور المشبه به فى الذهن مطلقا تكون (لتكرره) اى المشبه به (على الحس) فان المتكرر على الحس كصورة القمر غير منخسف اسهل حضورا ممّا لا يتكرر على الحس كصورة القمر منخسفا (كالشمس) اى كتشبيه الشمس (بالمرآة المجلوة فى الاستدارة والاستنارة) فان فى وجه الشبه تفصيلا ما لكن المشبه به اعنى المرآة غالب الحضور فى الذهن مطلقا (لمعارضة كل من القرب والتكرر التفصيل) اى وانما كانت قلة التفصيل فى وجه الشبه مع غلبة حضور المشبه به بسبب قرب المناسبة او التكرر على الحس سببا لظهوره المؤدى الى الابتذال مع ان التفصيل من اسباب الغرابة لان قرب المناسبة فى الصورة الاولى والتكرر على الحس فى الثانية يعارض كل منهما التفصيل بواسطة اقتضائهما سرعة الانتقال من المشبه الى المشبه به فيصير وجه الشبه كأنه امر جملى لا تفصيل فيه فيصير سببا للابتذال (واما بعيد غريب) عطف على قوله اما قريب مبتذل (وهو بخلافه) اى ما لا ينتقل فيه من المشبه الى المشبه به الا بعد فكر وتدقيق نظر (لعدم الظهور) اى لخفاء وجهه فى بادى الرأى.

وذلك اعنى عدم الظهور (اما لكثرة التفصيل كقوله والشمس كالمرآة فى كف الاشل).

فان وجه التشبه فيه من التفصيل ما قد سبق ولذا لا يقع فى نفس الرائى للمرآة الدائمة الاضطراب الا بعد ان يستأنف تأملا ويكون فى نظره متمهلا (او ندور) اى او لندور (حضور المشبه به اما عند حضور المشبه لبعد المناسبة كما مر) من تشبيه البنفسج بنار الكبريت (واما مطلقا) وندور حضور المشبه به مطلقا يكون (اما لكونه وهميّا) كانياب الاغوال (او مركبا خياليّا) كاعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد (او) مركبا (عقليا) (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (كما مر) اشارة الى الامثلة التى ذكرناها آنفا (او لقلة تكرره) اى المشبه به (على الحس كقوله والشمس كالمرأة فى كف الاشل) فان الرجل ربما ينقضى عمره ولم يتفق له ان يرى مرآة فى يد الاشل.

٢٠٩

(فالغرابة فيه) اى فى تشبيه الشمس بالمرآة فى كف الاشل (من وجهين) احدهما كثرة التفصيل فى وجه الشبه والثانى قلة التكرر على الحس.

فان قلت كيف تكون ندرة حضور المشبه به سببا لعدم ظهور وجه الشبه.

قلت لانه فرع الطرفين والجامع المشترك الذى بينهما انما يطلب بعد حضور الطرفين فاذا ندر حضورهما ندر التفات الذهن الى ما يجمعهما ويصلح سببا للتشبيه بينهما.

(والمراد بالتفصيل ان ينظر فى اكثر من وصف) واحد لشىء واحد او اكثر بمعنى ان يعتبر فى الاوصاف وجودها او عدمها او وجود البعض وعدم البعض كل من ذلك فى امر واحد او امرين او ثلاثة امور او اكثر فلهذا قال (ويقع) اى التفصيل (على وجوه) كثيرة (اعرفها ان تأخذ بعضا) من الاوصاف (وتدع بعضا) اى تعتبر وجود بعضها وعدم بعضها (كما فى قوله حملت ردينيّا) يعنى رمحا منسوبا الى ردينة (كأن سنانه ، سنا لهب لم يتصل بدخان) فاعتبر فى اللهب الشكل واللون واللمعان وترك الاتصال بالدخان ونفاه (وان تعتبر الجميع كما مر من تشبيه الثريا) بعنقود الملاحية المنورة باعتبار اللون والشكل وغير ذلك (وكلما كان التركيب) خياليا كان او عقليا (من امور اكثر كان التشبيه ابعد) لكون تفاصيله اكثر (و) التشبيه (البليغ ما كان من هذا الضرب) اى من البعيد الغريب دون القريب المبتذل (لغرابته) اى لكون هذا الضرب غريبا غير مبتذل (ولان نيل الشىء بعد طلبه الذّ) وموقعه فى النفس الطف ، وانما يكون البعيد الغريب بليغا حسنا اذا كان سببه لطف المعنى ودقته او ترتيب بعض المعانى على البعض فان المعانى الشريفة قلما تنفك عن بناء ثان على اول ورد تال على سابق فيحتاج الى نظر وتأمل (وقد يتصرف فى) التشبيه (القريب) المبتذل (بما يجعله غريبا) ويخرجه عن الابتذال (كقوله :

لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا

الا بوجه ليس فيه حياء)

فتشبيه الوجه بالشمس قريب مبتذل الا ان حديث الحياء وما فيه من الدقة والخفاء اخرجه الى الغرابة.

٢١٠

وقوله لم تلق ان كان من لقيته بمعنى ابصرته فالتشبيه مكنى غير مصرح به وان كان من لقيته بمعنى قابلته وعارضته فهو فعل ينبىء عن التشبيه اى لم تقابله فى الحسن والبهاء الا بوجه ليس فيه حياء (وقوله عزماته مثل النجوم ثواقبا) اى لوامعا (لو لم تكن للثاقبات افول) فتشبيه العزم بالنجم مبتذل الا ان اشتراط عدم الافول اخرجه الى الغرابة.

(ويسمى) مثل (هذا) التشبيه (التشبيه المشروط) لتقييد المشبه او المشبه به او كليهما بشرط وجودى او عدمى يدل عليه بصريح اللفظ او بسياق الكلام (وباعتبار) اى والتشبيه باعتبار (اداته اما مؤكد وهو ما حذفت اداته مثل قوله تعالى (وَهِيَ تَمُرُّ) مَرَّ السَّحابِ ،) اى مثل مر السحاب.

(ومنه) اى ومن المؤكد ما اضيف المشبه به الى المشبه بعد حذف الاداة (نحو قوله والريح تعبث بالغصون) اى تميلها الى الاطراف والجوانب (وقد جرى ذهب الاصيل) هو الوقت بعد العصر الى المغرب يعد من الاوقات الطيبة كالسحر ويوصف بالصفرة كقوله :

 «ورب نهار للفراق اصيله

ووجهى كلا لونيهما متناسب»

«فذهب الاصيل صفرته وشعاع الشمس فيه (على لجين الماء) اى على ماء كاللجين اى الفضة فى الصفاء والبياض فهذا تشبيه مؤكد ومن الناس من لم يميز بين لجين الكلام ولجينه ولم يعرف هجانه من هجينه حتى ذهب بعضهم الى ان اللجين انما هو بفتح اللام وكسر الجيم يعنى الورق الذى يسقط من الشجر وقد شبه به وجه الماء وبعضهم الى ان الاصيل هو الشجر الذى له اصل وعرق وذهبه ورقه الذى اصفر ببرد الخريف وسقط منه على وجه الماء وفساد هذين الوهمين غنى عن البيان.

(او مرسل) عطف على اما مؤكد (وهو بخلافه) اى ما ذكر اداته فصار مرسلا عن التأكيد المستفاد من حذف الاداة المشعر بحسب الظاهر بان المشبه عين المشبه به (كما مر) من الامثلة المذكورة فيها اداة التشبيه (و) التشبيه (باعتبار الغرض اما مقبول وهو الوافى بافادته) اى افادة الغرض (كأن يكون المشبه به) اعرف شىء

٢١١

بوجه التشبيه (فى بيان الحال او) كأن يكون المشبه به (اتم شىء فيه) اى فى وجه التشبيه (في الحاق الناقص بالكامل او) كان يكون المشبه به (مسلم الحكم فيه) اي في وجه التشبيه (معروفة عند المخاطب في بيان الامكان او مردود) عطف على اما مقبول (وهو بخلافه) اي ما يكون قاصرا عن افادة الغرض بان لا يكون على شرط المقبول كما سبق ذكره.

(خاتمة) فى تقسيم التشبيه بحسب القوة والضعف فى المبالغة باعتبار ذكر الاركان وتركها وقد سبق ان الاركان اربعة والمشبه به مذكور قطعا فالمشبه اما مذكور او محذوف وعلى التقديرين فوجه الشبه اما مذكور او محذوف وعلى التقادير الاربعة فالاداة اما مذكورة او محذوفة تصير ثمانية (واعلى مراتب التشبيه فى قوة المبالغة) اذا كان اختلاف المراتب وتعددها (باعتبار ذكر اركانه) اى اركان التشبيه (كلها او بعضها) اى بعض الاركان.

فقوله باعتبار متعلق بالاختلاف الدال عليه سوق الكلام لان اعلى المراتب قد يكون بالنظر الى عدة مراتب مختلفة.

وانما قيد بذلك لان اختلاف المراتب قد يكون باعتبار اختلاف المشبه به نحو زيد كالاسد وزيد كالذئب فى الشجاعة.

وقد يكون باختلاف الاداة نحو زيد كالاسد وكأنّ زيدا الاسد وقد يكون باعتبار ذكر الاركان كلها او بعضها بانه اذا ذكر الجميع فهو ادنى المراتب وان حذف الوجه والاداة فاعلاها والا فمتوسط.

وقد توهم بعضهم ان قوله باعتبار متعلق بقوة المبالغة فاعترض بانه لا قوة مبالغة عند ذكر جميع الاركان فالاعلى (حذف وجهه واداته فقط) اى بدون حذف المشبه نحو زيد اسد (او مع حذف المشبه) نحو اسد فى مقام الاخبار عن زيد (ثم) الاعلى بعد هذه المرتبة (حذف احدهما) اى وجهه او اداته (كذلك) اى فقط او مع حذف المشبه نحو زيد كالاسد ونحو كالاسد عند الاخبار عن زيد ونحو زيد اسد فى الشجاعة ونحو اسد فى الشجاعة عند الاخبار عن زيد (ولا قوة

٢١٢

لغيرهما) وهما الاثنان الباقيان اعنى ذكر الاداة.

والوجه جميعا اما مع ذكر المشبه او بدونه نحو زيد كالاسد فى الشجاعة ونحو كالاسد فى الشجاعة خبرا عن زيد وبيان ذلك ان القوة اما بعموم وجه الشبه ظاهرا او بحمل المشبه به على المشبه بانه هو هو فما اشتمل على الوجهين جميعا فهو فى غاية القوة وما خلا عنهما فلا قوة له وما اشتمل على احدهما فقط فهو متوسط والله اعلم.

٢١٣
٢١٤

الحقيقة والمجاز

هذا هو المقصد الثانى من مقاصد علم البيان اى هذا بحث الحقيقة والمجاز والمقصود الاصلى بالنظر الى علم البيان هو المجاز اذ به يتأتى اختلاف الطرق دون الحقيقة الا انها لما كانت كالاصل للمجاز اذ الاستعمال فى غير ما وضع له فرع الاستعمال فيما وضع له جرت العادة بالبحث عن الحقيقة اولا.

(وقد يقيدان باللغويين) ليتميزا عن الحقيقة والمجاز العقليين الذين هما فى الاسناد.

والاكثر ترك هذا التقييد لئلا يتوهم انه مقابل للشرعى والعرفى.

الحقيقة

. فى الاصل فعيل بمعنى فاعل من حق الشىء اذا ثبت او بمعنى مفعول من حققته اذا اثبته نقل الى الكلمة الثابتة او المثبتة فى مكانها الاصلى والتاء فيها للنقل من الوصفية الى الاسمية وهى فى الاصطلاح (الكلمة المستعملة فيما) اى فى معنى (وضعت) تلك الكلمة (له فى اصطلاح به التخاطب) اى وضعت له فى اصطلاح به يقع التخاطب بالكلام المشتمل على تلك الكلمة فالظرف اعنى فى اصطلاح متعلق بقوله وضعت وتعلقه بالمستعملة على ما توهمه البعض مما لا معنى له فاحترز بالمستعملة عن الكلمة قبل الاستعمال فانها لا تسمى حقيقة ولا مجازا وبقوله فيما وضعت له عن الغلط نحو خذ هذا الفرس مشيرا الى كتاب وعن المجاز المستعمل فيها لم يوضع له فى اصطلاح به التخاطب ولا فى غيره كالاسد فى الرجل الشجاع لان الاستعارة وان كانت موضوعة بالتأويل الا ان المفهوم من اطلاق الوضع انما هو الوضع بالتحقيق.

واحترز بقوله فى اصطلاح به التخاطب عن المجاز المستعمل فيما وضع له فى اصطلاح آخر غير الاصطلاح الذى يقع به التخاطب كالصلاة اذا استعملها المخاطب

٢١٥

بعرف الشرع فى الدعاء فانها تكون مجازا لاستعماله فى غير ما وضع له فى الشرع اعنى الاركان المخصوصة وان كانت مستعملة فيما وضع له فى اللغة (والوضع) اى وضع اللفظ (تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه) اى ليدل بنفسه لا بقرينة تنضم اليه.

ومعنى الدلالة بنفسه ان يكون العلم بالتعيين كافيا فى فهم المعنى عند اطلاق اللفظ وهذا شامل للحرف ايضا لانا نفهم معانى الحروف عند اطلاقها بعد علمنا باوضاعها الا ان معانيها ليست تامة فى انفسها بل تحتاج الى الغير بخلاف الاسم والفعل.

نعم لا يكون هذا شاملا لوضع الحرف عند من يجعل معنى قولهم الحرف ما دل على معنى فى غيره انه مشروط فى دلالته على معناه الافرادى ذكر متعلقه (فخرج المجاز) عن ان يكون موضوعا بالنسبة الى معناه المجازى (لان دلالته) على ذلك المعنى انما تكون (بقرينة) لا بنفسه (دون المشترك) فانه لم يخرج لانه قد عين للدلالة على كل من المعنيين بنفسه وعدم فهم احد المعنيين بالتعيين لعارض الاشتراك لا ينافى ذلك فالقرء مثلا عين مرة للدلالة على الطهر بنفسه ومرة آخر للدلالة على الحيض بنفسه فيكون موضوعا بالتعيين.

وفى كثير من النسخ بدل قوله دون المشترك دون الكناية وهو سهو لانه ان اريد ان الكناية بالنسبة الى معناها الاصلى موضوعة فكذا المجاز ضرورة ان الاسد فى قولنا رأيت اسدا يرمى موضوع للحيوان المفترس وان لم يستعمل فيه وان اريد انها موضوعة بالنسبة الى معنى الكناية اعنى لازم المعنى الاصلى ففساده ظاهر لانه لا يدل عليه بنفسه بل بواسطة القرينة.

لا يقال معنى قوله بنفسه اى من غير قرينة مانعة عن ارادة الموضوع له او من غير قرينة لفظية فعلى هذا يخرج من الوضع المجاز دون الكناية.

لانا نقول اخذ الموضوع فى تعريف الوضع فاسد للزوم الدور وكذا حصر القرينة فى اللفظى لان المجاز قد يكون قرينة فيه معنوية لا يقال معنى الكلام انه

٢١٦

خرج عن تعريف الحقيقة المجاز دون الكناية فانها ايضا حقيقة على ما صرح به صاحب المفتاح.

لانا نقول هذا فاسد على رأى المصنف لان الكناية لم تستعمل عنده فيما وضع له بل انما استعملت فى لازم الموضوع له مع جواز ارادة الملزوم وسيجىء لهذا زيادة تحقيق.

(والقول بدلالة اللفظ لذاته ظاهره فاسد) يعنى ذهب بعضهم الى ان دلالة الالفاظ على معانيها لا تحتاج الى الوضع بل بين اللفظ والمعنى مناسبة طبيعية تقتضى دلالة كل لفظ على معناه لذاته فذهب المصنف وجميع المحققين على ان هذا القول فاسد ما دام محمولا على ما يفهم منه ظاهرا لان دلالة اللفظ على المعنى لو كانت لذاته كدلالته على اللافظ لوجب ان تختلف اللغات باختلاف الامم وان يفهم كل احد معنى كل لفظ لعدم انفكاك المدلول عن الدليل ولامتنع ان يجعل اللفظ بواسطة القرينة بحيث يدل على المعنى المجازى دون الحقيقى لان ما بالذات لا يزول بالغير ولا متنع نقله من معنى الى معنى آخر بحيث لا يفهم منه عند الاطلاق الا المعنى الثانى.

(وقد تأوّله) اى القول بدلالة اللفظ لذاته (السكاكى) اى صرفه عن ظاهره وقال انه تنبيه على ما عليه ائمة علمى الاشتقاق والتصريف من ان للحروف فى انفسها خواص بها تختلف كالجهر والهمس والشدة والرخاوة والتوسط بينهما وغير ذلك وتلك الخواص تقتضى ان يكون العالم بها اذا اخذ فى تعيين شىء مركب منها لمعنى لا يهمل التناسب بينهما قضاء لحق الحكمة كالفصم بالفاء الذى هو حرف رخو لكسر الشىء من غير ان يبين والقسم بالقاف الذى هو حرف شديد لكسر الشىء حتى يبيّن وان لهيئات تركيب الحروف ايضا خواص كالفعلان والفعلى بالتحريك لما فيه حركة كالنزوان والحيدى وكذا باب فعل بالضم مثل شرف وكرم للافعال الطبيعية اللازمة.

٢١٧

والمجاز

فى الاصل مفعل من جاز المكان يجوزه اذا تعداه نقل الى الكلمة الجائزة اى المتعدية مكانها الاصلى او الكلمة المجوز بها على معنى انهم جازوا بها وعدوها مكانها الاصلى كذا ذكره الشيخ فى اسرار البلاغة وذكر المصنف ان الظاهر انه من قولهم جعلت كذا مجازا الى حاجتى اى طريقا لها على ان معنى جاز المكان سلكه فان المجاز طريق الى تصور معناه.

فالمجاز (مفرد ومركب) وهما مختلفان فعرّفوا كلا على حدّة.

(اما المفرد فهو الكلمة المستعملة) احترز بها عن الكلمة قبل الاستعمال فانها ليست بمجاز ولا حقيقة (فى غير ما وضعت له) احترز به عن الحقيقة مرتجلا كان او منقولا او غيرهما وقوله (فى اصطلاح به التخاطب) متعلق بقوله وضعت.

قيد بذلك ليدخل المجاز المستعمل فيما وضع له فى اصطلاح آخر كلفظ الصلاة اذا استعمله المخاطب بعرف الشرع فى الدعاء مجازا فانه وان كان مستعملا فيما وضع له فى الجملة فليس بمستعمل فيما وضع له فى الاصطلاح الذى وقع به التخاطب اعنى الشرع وليخرج من الحقيقة ما يكون له معنى آخر باصطلاح آخر كلفظ الصلاة المستعملة بحسب الشرع فى الاركان المخصوصة فانه يصدق عليه انه كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له لكن بحسب اصطلاح آخر وهو اللغة لا بحسب اصطلاح به التخاطب وهو الشرع (على وجه يصح) متعلق بالمستعملة (مع قرينة عدم ارادته) اى ارادة الموضوع له (فلا بد) للمجاز (من العلاقة) ليتحقق الاستعمال على وجه يصح.

وانما قيد بقوله على وجه يصح واشترط العلاقة (ليخرج الغلط) من تعريف المجاز كقولنا خذ هذا الفرس مشيرا الى كتاب لان هذا الاستعمال ليس على وجه يصح.

٢١٨

(و) انما قيد بقوله مع قرينة عدم ارادته لتخرج (الكناية) لانها مستعملة فى غير ما وضعت له مع جواز ارادة ما وضعت له (وكل منهما) اى من الحقيقة والمجاز (لغوى وشرعى وعرفى خاص) وهو ما يتعين ناقله كالنحوى والصرفى وغير ذلك (او) عرفي (عام) لا يتعين ناقله.

وهذه القسمة فى الحقيقة بالقياس الى الواضع فان كان واضعها واضع اللفظ واللغة فلغوية وان كان الشارع فشرعية وعلى هذا القياس وفى المجاز باعتبار الاصطلاح الذى وقع الاستعمال فى غير ما وضعت له فى ذلك الاصطلاح فان كان هو اصطلاح اللغة فالمجاز لغوى وان كان اصطلاح الشرع فشرعى والا فعرفى عام او خاص (كاسد للسبع) المخصوص (والرجل الشجاع) فانه حقيقة لغوية فى السبع مجاز لغوى فى الرجل الشجاع (والصلاة للعبادة) المخصوصة (والدعاء) فانها حقيقة شرعية فى العبادة ومجاز شرعى فى الدعاء (وفعل للفظ) المخصوص اعنى ما دل على معنى فى نفسه مقترنا باحد الازمنة الثلاثة (والحدث) فانه حقيقة عرفية خاصة اى نحوية فى اللفظ مجاز نحوى فى الحدث (ودابّة لذوى الاربع والانسان) فانها حقيقة عرفية عامة فى الاول مجاز عرفى عام فى الثانى.

(والمجاز مرسل ان كانت العلاقة) المصححة (غير المشابهة) بين المعنى المجازى والمعنى الحقيقى (والا فاستعارة) فعلى هذا الاستعارة هى اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الاصلى لعلاقة المشابهة كاسد فى قولنا رأيت اسدا يرمى (وكثيرا ما تطلق الاستعارة) على فعل المتكلم اعنى (على استعمال اسم المشبه به فى المشبه).

فعلى هذا تكون بمعنى المصدر ويصح منه الاشتقاق (فهما) اى المشبه به والمشبه (مستعار منه ومستعار له واللفظ) اى لفظ المشبه به (مستعار) لانه بمنزلة اللباس الذى استعير من احد فالبس غيره (والمرسل) وهو ما كانت العلاقة غير المشابهة (كاليد) الموضوعة للجارحة المخصوصة اذا استعملت (فى النعمة) لكونها بمنزلة العلة الفاعلية للنعمة لان النعمة منها تصدر وتصل الى المقصود بها (و) كاليد فى (القدرة) لان اكثر ما يظهر سلطان القدرة يكون فى اليد وبها يكون الافعال الدلالة

٢١٩

على القدرة من البطش والضرب والقطع والاخذ وغير ذلك.

(والرواية) التى هى فى الاصل اسم للبعير الذى يحمل المزادة اذا استعملت (فى المزادة) اى المزود الذى يجعل فيه الزاد اى الطعام المتخذ للسفر والعلاقة كون البعير حاملا لها وهى بمنزلة العلة المادية ، ولمّا اشار بالمثال الى بعض انواع العلاقة اخذ فى التصريح بالبعض الآخر من انواع العلاقات فقال.

(ومنه) اى من المرسل (تسمية الشىء باسم جزئه) فى هذه العبارة نوع من التسامح اى عند اطلاقه على نفس ذلك الشىء لا نفس التسمية مجازا ، (كالعين) وهى الجارحة المخصوصة (فى الربيئة) وهى الشخص الرقيب والعين جزء منه.

ويجب ان يكون الجزء الذى يطلق على الكل مما يكون له من بين الاجزاء مزيد اختصاص بالمعنى الذى قصد بالكل مثلا لا يجوز اطلاق اليد او الاصبع على الربيئة (وعكسه) اى ومنه عكس المذكور يعنى تسمية الشىء باسم كله (كالاصابع) المستعملة (فى الانامل) التى هى اجزاء من الاصابع فى قوله تعالى («يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) ، (وتسميته) اى ومنه تسمية الشىء (باسم سببه نحو رعينا الغيث) اى النبات الذى سببه الغيث (او) تسمية الشىء باسم (مسببه نحو امطرت السماء نباتا) اى غيثا لكون النبات مسببا عنه ، واورد فى الايضاح فى امثلة تسمية السبب باسم المسبب فى قولهم فلان اكل الدم اى الدية المسببة عن الدم وهو سهو.

بل هو من تسمية المسبب باسم السبب (او ما كان عليه) اى تسمية الشىء باسم الشىء الذى كان هو عليه فى الزمان الماضى لكنه ليس عليه الآن (نحو قوله تعالى (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ،)) اى الذين كانوا يتامى قبل ذلك اذ لا يتم بعد البلوغ او تسمية الشيء باسم (ما يؤل) ذلك الشىء (اليه) فى الزمان المستقبل (نحو (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً)) اى عصيرا يؤل الى الخمر (او) تسمية الشىء باسم (محله نحو (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ)) اى اهل ناديه الحالّ فيه.

والنادى المجلس (او) تسمية الشىء باسم (حالّه) اى باسم ما يحل فى ذلك الشىء (نحو (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) اى فى الجنة) التى تحل

٢٢٠