مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

بها) وذلك بان لا تلى الجملة جملة اخرى اصلا فيكون الاعتراض فى آخر الكلام او تليها جملة اخرى غير متصلة بها معنى.

وهذا الاصطلاح مذكور فى مواضع من الكشاف فالاعتراض عند هؤلاء ان يؤتى فى اثناء الكلام او فى آخره او بين كلامين متصلين او غير متصلين بجملة او اكثر لا محل لها من الاعراب لنكتة سواء كانت دفع الايهام او غيره (فيشمل) اى الاعتراض بهذا التفسير (التذييل) مطلقا لانه يجب ان يكون بجملة لا محل لها من الاعراب وان لم يذكره المصنف (وبعض صور التكميل) وهو ما يكون بجملة لا محل لها من الاعراب فان التكميل قد يكون بجملة وقد يكون بغيرها والجملة التكميلية قد تكون ذات اعراب وقد لا تكون لكنها تباين التتميم لان الفضلة لابد لها من اعراب.

وقيل لانه لا يشترط فى التتميم ان يكون جملة كما اشترط فى الاعتراض وهو غلط كما يقال ان الانسان يباين الحيوان لانه لم يشترط فى الحيوان النطق فافهم (وبعضهم) اى وجوز بعض القائلين بان نكتة الاعتراض قد تكون لدفع الايهام (كونه) اى الاعتراض (غير جملة) فالاعتراض عندهم ان يؤتى فى اثناء الكلام او بين كلامين متصلين معنى بجملة او غيرها لنكتة ما (فيشمل) الاعتراض بهذا التفسير (بعض صور التتميم و) بعض صور (التكميل وهو) ما يكون واقعا فى اثناء الكلام او بين الكلامين المتصلين (واما بغير ذلك) عطف على قوله اما بالايضاح بعد الابهام واما بكذا وكذا كقوله تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِه ، فانه لو اختصر) اي ترك الاطناب فان الاختصار قد يطلق على ما يعم الايجاز والمساواة كما مر (لم يذكر (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) لان ايمانهم لا ينكره) اى لا يجهله (من يثبتهم) فلا حاجة الى الاخبار به لكونه معلوما (وحسن ذكره) اى ذكر قوله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) (اظهارا لشرف الايمان وترغيبا فيه) وكون هذا الاطناب بغير ما ذكر من الوجوه السابقة ظاهر بالتأمل فيهم.

(واعلم انه قد يوصف الكلام بالايجاز والاطناب باعتبار كثرة حروفه

١٨١

وقلتها بالنسبة الى كلام آخر مساوله) اى لذلك الكلام (فى اصل المعنى) فيقال للاكثر حروفا انه مطنب وللاقل انه موجز (كقوله يصد) اى يعرض (عن الدنيا اذا عنّ) اى ظهر (سؤدد) اى سيادة ولو برزت فى زى عذراء ناهدى الزى الهيئة والعذراء البكر والنهود ارتفاع الثدى.

(وقوله ولست) بالضم على انه فعل المتكلم بدليل ما قبله وهو قوله «وانى لصبار على ما ينوبنى ، وحسبك انّ الله اثنى على الصبر (بنظار الى جانب الغنى ، اذا كانت العلياء فى جانب الفقر) يصفه بالميل الى المعالى يعنى ان السيادة مع التعب احب اليه من الراحة مع الخمول.

فهذا البيت اطناب بالنسبة الى المصراع السابق (ويقرب منه) اى من هذا القبيل (قوله تعالى (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) وَهُمْ يُسْئَلُون وقول الحماسى «وننكر ان شئنا على الناس قولهم ، ولا ينكرون القول حين نقول) يصف رياستهم ونفاذ حكمهم اى نحن نغيّر ما نريد من قول غيرنا واحد لا يجسر على الاعتراض علينا فالآية ايجاز بالنسبة الى البيت.

وانما قال يقرب لان ما فى الآية يشمل كل فعل والبيت مختص بالقول فالكلامان لا يتساويان فى اصل المعنى بل كلام الله سبحانه وتعالى اجل واعلى وكيف لا والله اعلم ، تم الفن الاول بعون الله وتوفيقه واياه اسأل فى اتمام الفنين الآخرين هداية طريقه.

١٨٢

الفن الثانى علم البيان

قدّمه على البديع للاحتياج اليه فى نفس البلاغة وتعلق البديع بالتوابع (وهو علم) اى ملكة يقتدر بها على ادراكات جزئية او اصول وقواعد معلومة (يعرف به ايراد المعنى الواحد) اى المدلول عليه بكلام مطابق لمقتضى الحال (بطرق) وتراكيب (مختلفة فى وضوح الدلالة عليه) اى على ذلك المعنى بان يكون بعض الطرق واضح الدلالة عليه وبعضها اوضح والواضح خفى بالنسبة الى الاوضح فلا حاجة الى ذكر الخفاء.

وتقيد الاختلاف بالوضوح ليخرج معرفة ايراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى اللفظ والعبارة.

واللام فى المعنى الواحد للاستغراق العرفى اى كل معنى واحد يدخل تحت قصد المتكلم وارادته فلو عرف احد ايراد معنى قولنا زيد جواد بطرق مختلفة لم يكن بمجرد ذلك عالما بالبيان ثم لما لم يكن كل دلالة قابلا للوضوح والخفاء اراد ان يشير الى تقسيم الدلالة وتعيين ما هو المقصود ههنا فقال : (ودلالة اللفظ) يعنى دلالته الوضعية.

وذلك لان الدلالة هى كون الشىء بحيث يلزم من العلم به العلم بشىء آخر والاول الدال والثانى المدلول.

ثم الدال ان كان لفظا فالدلالة لفظية والا فغير لفظية كدلالة الخطوط والعقود والاشارات والنصب.

ثم الدلالة اللفظية اما ان يكون للوضع مدخل فيها او لا فالاولى هى المقصودة بالنظر ههنا وهى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى عند الاطلاق بالنسبة الى العالم بوضعه ، وهذه الدلالة (اما على تمام ما وضع) اللفظ (له) كدلالة الانسان

١٨٣

على الحيوان الناطق (او على جزئه) كدلالة الانسان على الحيوان او الناطق (او على خارج منه) كدلالة الانسان على الضاحك.

(وتسمى الاولى) اى الدلالة على تمام ما وضع له (وضعية) لان الواضع انما وضع اللفظ لتمام المعنى (و) يسمى (كلّ من الاخيرتين) اى الدلالة على الجزء والخارج (عقلية) لان دلالة اللفظ على كل من الجزء والخارج انما هى من جهة حكم العقل بان حصول الكل او الملزوم يستلزم حصول الجزء او اللازم والمنطقيون يسمون الثلاثة وضعية باعتبار ان للوضع مدخلا فيها ويخصون العقلية بما يقابل الوضعية والطبيعية كدلالة الدخان على النار.

(وتقيد الاولى) من الدلالات الثلاث (بالمطابقة) لتطابق اللفظ والمعنى.

(والثانية بالتضمن) لكون الجزء فى ضمن المعنى الموضوع له.

(والثالثة بالالتزام) لكون الخارج لازما للموضوع له.

فان قيل اذا فرضنا لفظا مشتركا بين الكل وجزئه وبين الملزوم لازمه كلفظ الشمس المشترك مثلا بين الجرم والشعاع ومجموعهما فاذا اطلق على المجموع مطابقة واعتبر دلالته على الجرم تضمنا والشعاع التزاما فقد صدق على هذا التضمن والالتزام انها دلالة اللفظ على تمام الموضوع له واذا اطلق على الجرم او الشعاع مطابقة صدق عليها انها دلالة اللفظ على جزء الموضوع له او لازمه وحينئذ ينتقض تعريف كل من الدلالات الثلاث بالاخريين.

فالجواب ان قيد الحيثية مأخوذ فى تعريف الامور التى تختلف باعتبار الاضافات حتى ان المطابقة هى الدلالة على تمام ما وضع له من حيث انه تمام الموضوع له والتضمن هى الدلالة على جزء ما وضع له من حيث انه جزء ما وضع له والالتزام هى الدلالة على لازمه من حيث انه لازم ما وضع له وكثيرا ما يتركون هذا القيد اعتمادا على شهرة ذلك وانسباق الذهن اليه.

(وشرطه) اى الالتزام (هى اللزوم الذهنى) اى كون المعنى الخارجى بحيث يلزم من حصول المعنى الموضوع له فى الذهن حصوله فيه اما على الفور او بعد التأمل

١٨٤

فى القرائن والامارات.

وليس المراد باللزوم عدم انفكاك تعقل المدلول الالتزامى عن تعقل المسمى فى الذهن اصلا اعنى اللزوم البين المعتبر عند المنطقيين والا لخرج كثير من معانى المجازات والكنايات عن ان يكون مدلولات التزامية.

ولما يتأتى الاختلاف بالوضوح فى دلالة الالتزام ايضا وتقييد اللزوم بالذهنى اشارة الى انه لا يشترط اللزوم الخارجى كالعمى فانه يدل على البصر التزاما لانه عدم البصر عما من شأنه ان يكون بصيرا مع التنافى بينهما فى الخارج ومن نازع فى اشتراط اللزوم الذهنى فكأنه اراد باللزوم اللزوم البين بمعنى عدم انفكاك تعقله عن تعقل المسمى.

والمصنف اشار الى انه ليس المراد باللزوم الذهنى اللزوم البين المعتبر عند المنطقيين بقوله (ولو لاعتقاد المخاطب بعرف) اى ولو كان ذلك اللزوم مما يثبته اعتقاد المخاطب بسبب عرف عام اذ هو المفهوم من اطلاق العرف (او غيره) يعنى العرف الخاص كالشرع واصطلاحات ارباب الصناعات وغير ذلك (والايراد المذكور) اى ايراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى الوضوح (لا يتأتى بالوضعية) اى بالدلالة المطابقة (لان السامع اذا كان عالما بوضع الالفاظ) لذلك المعنى (لم يكن بعضها اوضح دلالة عليه من بعض والا) اى وان لم يكن عالما بوضع الالفاظ (لم يكن كل واحد) من الالفاظ (دالا عليه) لتوقف الفهم على العلم بالوضع مثلا اذا قلنا خده يشبه الورد فالسامع ان كان عالما بوضع المفردات والهيئة التركيبية امتنع ان يكون كلام آخر يؤدى هذا المعنى بطريق المطابقة دلالة اوضح او اخفى لانه اذا اقيم مقام كل لفظ ما يرادفه فالسامع ان علم الوضع فلا تفاوت فى الفهم والا لم يتحقق الفهم.

وانما قال لم يكن كل واحد لان قولنا هو عالم بوضع الالفاظ معناه انه عالم بوضع كل لفظ فنقيضه المشار اليه بقوله والا يكون سلبا جزئيا اى ان لم يكن عالما بوضع كل لفظ فيكون اللازم عدم دلالة كل لفظ ويحتمل ان يكون البعض منها دالا لاحتمال ان يكون عالما بوضع البعض.

١٨٥

ولقائل ان يقول لا نسلم عدم التفاوت فى الفهم على تقدير العلم بالوضع بل يجوز ان يحضر فى العقل معانى بعض الالفاظ المخزونة فى الخيال بادنى التفات لكثرة الممارسة والمؤانسة وقرب العهد بخلاف البعض فانه يحتاج الى التفات اكثر ومراجعة اطول مع كون الالفاظ مترادفة والسامع عالما بالوضع وهذا مما نجده من انفسنا.

والجواب ان التوقف انما هو من جهة تذكر الوضع وبعد تحقق العلم بالوضع وحصوله بالعقل فالفهم ضرورى.

(ويتأتى) الايراد المذكور (بالعقلية) من الدلالات (لجواز ان تختلف مراتب اللزوم فى الوضوح) اى مراتب لزوم الاجزاء للكل فى التضمن ومراتب لزوم اللوازم للملزوم فى الالتزام.

وهذا فى الالتزام ظاهر فانه يجوز ان يكون للشىء لوازم متعدة بعضها اقرب اليه من بعض واسرع انتقالا منه اليه لقلة الوسائط فيمكن تأدية الملزوم بالالفاظ الموضوعة لهذه اللوازم المختلفة الدلالة عليه وضوحا وخفاء.

وكذا يجوز ان يكون للازم ملزومات لزومه لبعضها اوضح منه للبعض الآخر فيمكن تأدية اللازم بالالفاظ الموضوعة للملزومات المختلفة وضوحا وخفاء واما فى التضمن فلانه يجوز ان يكون المعنى جزء من شىء وجزء من شىء آخر فدلالة الشىء الذى ذلك المعنى جزء منه على ذلك المعنى اوضح من دلالة الشىء الآخر الذى ذلك المعنى جزء من جزئه مثلا دلالة الحيوان على الجسم اوضح من دلالة الانسان عليه ودلالة الجدار على التراب اوضح من دلالة البيت عليه.

فان قلت بل الامر بالعكس فان فهم الجزء سابق على فهم الكل.

قلت نعم ولكن المراد هنا انتقال الذهن الى الجزء وملاحظته بعد فهم الكل وكثيرا ما يفهم الكل من غير التفات الى الجزء كما ذكره الشيخ الرئيس فى الشفاء انه يجوز ان يخطر النوع بالبال ولا يلتفت الذهن الى الجنس.

(ثم اللفظ المراد به لازم ما وضع له) سواء كان اللازم داخلا فيه كما فى التضمن او خارجا عنه كما فى الالتزام (ان قامت قرينة على عدم ارادته) ارادة ما

١٨٦

وضع له (فمجاز والا فكناية) فعند المصنف ان الانتقال فى المجاز والكناية كليهما من الملزوم الى اللازم اذ لا دلالة للازم من حيث انه لازم على الملزوم الا ان ارادة المعنى الموضوع له جائزة في الكناية دون المجاز (وقدّم) المجاز (عليها) اي على الكناية (لان معناه) اي المجاز (كجزء معناها) اي الكناية لان معنى المجاز هو اللازم فقط ومعنى الكناية يجوز ان يكون هو اللازم والملزوم جميعا والجزء مقدم على الكل طبعا فيقدم بحث المجاز على بحث الكناية وضعا.

وانما قال كجزء معناها لظهور انه ليس جزء معناها حقيقة فان معنى الكناية ليس هو مجموع اللازم والملزوم بل هو اللازم مع جواز ارادة الملزوم.

(ثم منه) اى من المجاز (ما يبتنى على التشبيه) وهو الاستعارة التى كان اصلها التشبيه (فتعين التعرض له) اى للتشبيه ايضا قبل التعرض للمجاز الذى احد اقسامه الاستعارة المبنية على التشبيه ولما كان فى التشبيه مباحث كثيرة وفوائد جمة لم يجعل مقدمة لبحث الاستعارة بل جعل مقصدا برأسه (فانحصر) المقصود من علم البيان (فى الثلثة) التشبيه والمجاز والكناية.

التشبيه

اى هذا باب التشبيه الاصطلاحى المبنى عليه الاستعارة.

(التشبيه) اى مطلق التشبيه اعم من ان يكون على وجه الاستعارة او على وجه تبتنى عليه الاستعارة او غير ذلك فلم يأت بالضمير لئلا يعود الى التشبيه المذكور الذى هو اخص وما يقال ان المعرفة اذا اعيدت كانت عين الاول فليس على اطلاقه يعنى ان معنى التشبيه فى اللغة (الدلالة) هو مصدر قولك دللت فلانا على كذا اذا هديته له (على مشاركة امر لامر اخر فى معنى) فالامر الاول هو المشبه والثانى هو المشبه به والمعنى هو وجه الشبه وهذا شامل لمثل قاتل زيد عمرا وجاءنى زيد وعمرو.

١٨٧

(والمراد) بالتشبيه المصطلح عليه (ههنا) اى فى علم البيان (ما لم تكن) اى الدلالة على مشاركة امر لامر فى معنى بحيث لا يكون (على وجه الاستعارة التحقيقية) نحو رأيت اسدا فى الحمام (ولا على) وجه (الاستعارة بالكناية) نحو انشبت المنية اظفارها (و) لا على وجه (التجريد) الذى يذكر فى علم البديع من نحو لقيت يزيد اسدا او لقينى منه اسد فان فى هذه الثلثة دلالة على مشاركة امر لامر فى معنى مع ان شيئا منها لا يسمى تشبيها اصطلاحا.

وانما قيد الاستعارة بالتحقيقية والكناية لان الاستعارة التخييلية كاثبات الاظفار للمنية فى المثال المذكور ليس فى شىء من الدلالة على مشاركة امر لامر فى معنى على رأى المصنف اذ المراد بالاظفار ههنا معناها الحقيقى على ما سيجىء فالتشبيه الاصطلاحى هو الدلالة على مشاركة امر لامر فى معنى لا على وجه الاستعارة التحقيقية والاستعارة بالكناية والتجريد (فدخل فيه نحو قولنا زيد اسد) بحذف اداة التشبيه (و) نحو (قوله تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ، *)) بحذف الاداة والمشبه جميعا اى هم كاصم.

فان المحققين على انه تشبيه بليغ لا استعارة لان الاستعارة انما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له بالكلية ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لان يراد به المنقول عنه والمنقول اليه لو لا دلالة الحال او فحوى الكلام.

(والنظر ههنا فى اركانه) اى البحث فى هذا المقصد عن اركان التشبيه المصطلح عليه.

(وهى) اربعة (طرفاه) اى المشبه والمشبه به (ووجهه واداته وفى الغرض منه وفى اقسامه) واطلاق الاركان على الاربعة المذكورة اما باعتبار انها مأخوذة فى تعريفه اعنى الدلالة على مشاركة امر لامر فى معنى بالكاف ونحوه واما باعتبار ان التشبيه فى الاصطلاح كثيرا ما يطلق على الكلام الدال على المشاركة المذكورة كقولنا زيد كالاسد فى الشجاعة.

ولما كان الطرفان هما الاصل والعمدة فى التشبيه لكون الوجه معنى قائما بهما

١٨٨

والاداة آلة فى ذلك قدم بحثهما فقال (طرفاه) اى المشبه والمشبه به (اما حسّيان كالخد والورد) فى المبصرات (والصوت الضعيف والهمس) اى الصوت الذى اخفى حتى كأنه لا يخرج عن فضاء الفم فى المسموعات (والنكهة) وهى ريح الفم (والعنبر) فى المشمومات (والريق والخمر) فى المذوقات (والجلد الناعم والحرير) فى الملموسات.

وفى اكثر ذلك تسامح لان المدرك بالبصر مثلا انما هو لون الخد والورد وبالشم رائحة العنبر وبالذوق طعم الريق والخمر وباللمس ملاسة الجلد الناعم والحرير ولينهما لانفس هذه الاجسام لكن اشتهر فى العرف ان يقال ابصرت الورد وشممت العنبر وذقت الخمر ولمست الحرير (او عقليان كالعلم والحياة) ووجه الشبه بينهما كونهما جهتى ادراك كذا فى المفتاح والايضاح.

فالمراد بالعلم ههنا الملكة التى يقتدر بها على الادراكات الجزئية لانفس الادراك.

ولا يخفى انها جهة وطريق الى الادراك كالحياة.

وقيل وجه الشبه بينهما الادراك اذ العلم نوع من الادراك والحياة مقتضية للحس الذى هو نوع من الادراك وفساده واضح لان كون الحياة مقتضية للحس لا يوجب اشتراكهما فى الادراك على ما هو شرط فى وجه الشبه.

وايضا لا يخفى ان ليس المقصود من قولنا العلم كالحياة والجهل كالموت ان العلم ادراك كما ان الحياة معها ادراكا بل ليس فى ذلك كثير فائدة كما فى قولنا العلم كالحس فى كونهما ادراكا (او مختلفان) بان يكون المشبه عقليا والمشبه به حسيا (كالمنية والسبع) فان المنية اى الموت عقلى لانه عدم الحياة عما من شانه الحياة والسبع حسى او بالعكس (و) ذلك مثل (العطر) الذى هو محسوس مشموم (وخلق كريم) وهو عقلى لانه كيفية نفسانية يصدر عنها الافعال بسهولة.

والوجه فى تشبيه المحسوس بالمعقول ان يقدر المعقول محسوسا ويجعل كالاصل لذلك المحسوس على طريق المبالغة والا فالمحسوس اصل للمعقول لان العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية اليها فتشبيه بالمعقول يكون من جعل الفرع

١٨٩

اصلا والاصل فرعا وذلك لا يجوز.

ولما كان من المشبه والمشبه به ما لا يدرك بالقوة العاقلة ولا بالحس اعنى الحس الظاهر مثل الخياليات والوهميات والوجدانيات اراد ان يجعل الحسى والعقلى بحيث يشملانها تسهيلا للضبط بتقليل الاقسام فقال.

(والمراد بالحسى المدرك هو او مادته باحدى الحواس الخمس الظاهرة) اعنى البصر والسمع والشم والذوق واللمس (فدخل فيه) اى فى الحسى بسبب زيادة قولنا او مادته (الخيالى) وهو المعدوم الذى فرض مجتمعا من امور كل واحد منها مما يدرك بالحس (كما فى قوله وكأن محمر الشقيق) هو من باب جرد قطيفة والشقيق ورد احمر فى وسطه سواد ينبت بالجبال (اذا تصوّب) اى مال الى السفل (او تصعّد) اى مال الى العلو (اعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد) فان كلا من العلم والياقوت والرمح والزبرجد محسوس لكن المركب الذى هذه الامور مادته ليس بمحسوس لانه ليس بموجود والحس لا يدرك الا ما هو موجود فى المادة حاضر عند المدرك على هيئة مخصوصة.

(و) المراد (بالعقلى ما عدا ذلك) اى مالا يكون هو ولا مادته مدركا باحدى الحواس الخمس الظاهرة (فدخل فيه الوهمى) اى الذى لا يكون للحس مدخل فيه (اى ما هو غير مدرك بها) اى باحدى الحواس المذكورة (و) لكنه بحيث (لو ادرك لكان مدركا بها) وبهذا القيد يتميز عن العقلى (كما فى قوله) ا يقتلنى والمشرفى مضاجعى.

(ومسنونة زرق كانياب اغوال) اى ايقتلنى ذلك الرجل الذى يوعّدنى والحال ان مضاجعى سيف منسوب الى مشارف اليمن وسهام محددة النصال صافية مجلوة.

وانياب الاغوال مما لا يدركها الحس لعدم تحققها مع انها لو ادركت لم تدرك الا بحس البصر.

ومما يجب ان يعلم فى هذا المقام ان من قوى الادراك ما يسمى متخلية ومفكرة

١٩٠

ومن شانها تركيب الصور والمعانى وتفصيلها والتصرف فيها واختراع اشياء لا حقيقة لها.

والمراد بالخيالى المعدوم الذى ركبته المتخيّلة من الامور التى ادركت بالحواس الظاهرة وبالوهمى ما اخترعته المتخيّلة من عند نفسها كما اذا سمع ان الغول شىء تهلك به النفوس كالسبع فاخذت المتخيلة فى تصويرها بصورة السبع واختراع ناب لها كما للسبع (وما يدرك بالوجدان) اى ودخل ايضا فى العقلى ما يدرك بالقوى الباطنة ويسمى وجدانيا (كاللذة) وهى ادراك ونيل لما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك (والالم) وهو ادراك ونيل لما هو عند المدرك آفة وشر من حيث هو كذلك.

ولا يخفى ان ادراك هذين المعنيين ليس بشىء من الحواس الظاهرة وليسا ايضا من العقليات الصرفة لكونهما من الجزئيات المستندة الى الحواس بل هما من الوجدانيات المدركة بالقوى الباطنة كالشبع والجوع والفرح والغم والغضب والخوف وما شاكل ذلك والمراد ههنا اللذة والالم الحسيّان والا فاللذة والالم العقليان من العقليات الصرفة.

(ووجهه) اى وجه الشبه (ما يشتركان فيه) اى المعنى الذى قصد اشتراك الطرفين فيه وذلك ان زيدا والاسد يشتركان فى كثير من الذاتيات وغيرها كالحيوانية والجسمية والوجود وغير ذلك مع ان شيئا منها ليس وجه الشبه وذلك الاشتراك يكون (تحقيقيا او تخييليا.

والمراد بالتخييلى) ان لا يوجد ذلك المعنى فى احد الطرفين او فى كليهما الا على سبيل التخييل والتأويل (نحو ما فى قوله وكأن النجوم بين دجاه) جمع دجية وهى الظلمة والضمير لليل وروى دجاها والضمير للنجوم (سنن لاح بينهن ابتداع.

فان وجه الشبه فيه) اى فى هذا التشبيه (هو الهيئة الحاصلة من حصول اشياء مشرقة بيض فى جانب شىء مظلم اسود فهى) اى تلك الهيئة (غير موجودة فى المشبه به) اعنى السنن بين الابتداع (الا على طريق التخييل) اى وجودها فى المشبه به على طريق التخييل (انه) الضمير للشان (لما كانت البدعة وكل ما هو

١٩١

جهل يجعل صاحبها كمن يمشى فى الظلمة فلا يهتدى الى الطريق ولا يأمن من ان ينال مكروها شبهت) اى البدعة وكل ما هو جهل (بها) اى بالظلمة (ولزم بطريق العكس) اذا اريد التشبيه (ان تشبه السنة وكل ما هو علم بالنور) لان السنة والعلم يقابل البدعة والجهل كما ان النور يقابل الظلمة.

(وشاع ذلك) ان كون السنة والعلم كالنور والبدعة والجهل كالظلمة (حتى تخيل ان الثانى) اى السنة وكل ما هو علم (مما له بياض واشراق نحو اتيتكم بالحنفية البيضاء والاول على خلاف ذلك) اى يخيل ان البدعة وكل ما هو جهل مما له سواد واظلام (كقولك شاهد سواد الكفر من جبين فلان فصار) بسبب التخيل ان الثانى مما له بياض واشراق والاول مما له سواد واظلام (تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع كتشبيها) اى النجوم (ببياض الشيب فى سواد الشباب) اى ابيضه فى اسوده (او بالانوار) اى الازهار (مؤتلقة) بالقاف اى لامعة (بين النبات الشديدة الخضرة) حتى تضرب الى السواد.

فهذا التأويل اعنى تخييل ما ليس بمتلون متلونا ظهر اشتراك النجوم بين الدجى والسنن بين الابتداع فى كون كل منهما شيئا ذا بياض بين شىء ذى سواد.

ولا يخفى ان قوله لاح بينهن ابتداع من باب القلب اى سنن لاحت بين الابتداع (فعلم) من وجوب اشتراك الطرفين فى وجه التشبيه (فساد جعله) اى وجه الشبه (فى قول القائل «النحو فى الكلام كالملح فى الطعام» كون القليل مصلحا والكثير مفسدا) لان المشبه اعنى النحو لا يشترك فى هذا المعنى (لان النحو لا يحتمل القلة والكثرة).

اذ لا يخفى ان المراد به ههنا رعاية قواعده واستعمال احكامه مثل رفع الفاعل ونصب المفعول وهذه ان وجدت فى الكلام بكمالها صار صالحا لفهم المراد وان لم توجد بقى فاسدا ولم ينتفع به (بخلاف الملح) فانه يحتمل القلة والكثرة بان يجعل فى الطعام القدر الصالح منه او اقل او اكثر بل وجه الشبه هو الصلاح باعمالهما والفساد باهمالهما.

(وهو) اى وجه الشبه (اما غير خارج عن حقيقتهما) اى حقيقة الطرفين بان

١٩٢

يكون تمام ماهيتهما او جزء منهما (كما فى تشبيه ثوب بآخر فى نوعهما او جنسهما او فصلهما) كما يقال هذا القميص مثل ذاك فى كونهما كرباسا او ثوبا او من القطن (او خارج) عن حقيقة الطرفين (صفة) اى معنى قائم بهما ضرورة اشتراكهما فيه وتلك الصفة (اما حقيقة) اى هيئة متمكنة فى الذات متقررة فيها (و) هى (اما حسية) اى مدركة باحدى الحواس الظاهرة وهى (كالكيفيات الجسمية) اى المختصة بالاجسام (مما يدرك بالبصر) وهى قوة مرتبة فى العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان فتفترقان الى العينين (من الالوان والاشكال) والشكل هيئة احاطة نهاية واحدة او اكثر بالجسم كالدائرة ونصف الدائرة والمثلث والمربع وغير ذلك (والمقادير) جمع مقدار وهو كم متصل قار الذات كالخط والسطح (والحركات) والحركة هى الخروج من القوة الى الفعل على سبيل التدريج.

وفى جعل المقادير والحركات من الكيفيات تسامح (وما يتصل بها) اى بالمذكورات كالحسن والقبح المتصف بهما الشخص باعتبار الخلقة التى هى مجموع الشكل واللون وكالضحك والبكاء الحاصلين باعتبار الشكل والحركة (او بالسمع) عطف على قوله بالبصر وهى قوة رتبت فى العصب المفروش على سطح باطن الصماخين تدرك بها الاصوات (من الاصوات الضعيفة والقوية والتى بين بين) والصوت يحصل من التموج المعلول للقرع الذي هو امساس عنيف والقدح الذي هو تفريق عنيف بشرط مقاومة المقروع للقارع والمقلوع للقالع ويختلف الصوت قوة وضعفا بحسب قوة المقاومة وضعفها (او بالذوق) وهى قوة منبثتة فى العصب المفروش على جرم اللسان (من الطعوم) كالحلاوة والمرارة والملوحة والحموضة وغير ذلك (او بالشم) وهى قوة مرتبة فى زائدتى مقدم الدماغ المشبهتين بحلمتي الثدى (من الروايح او باللمس) وهى قوة سارية فى البدن كله يدرك بها الملموسات (من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة).

هذه الاربعة هى اوائل الملموسات فالاوليان منها فعليان والاخريان منها انفعاليان (والخشونة) وهى كيفية حاصلة من كون بعض الاجزاء اخفض وبعضها

١٩٣

ارفع (والملاسة) وهى كيفية حاصلة عن استواء وضع الاجزاء (واللين) وهى كيفية بها يقتضى الجسم قبول الغمز الى الباطن ويكون للشىء بها قوام غير سيال (والصلابة) وهى تقابل اللين (والخفة) وهى كيفية بها يقتضى الجسم ان يتحرك الى صوب المحيط لو لم يعقه عائق (والثقل) وهى كيفية بها يقتضى الجسم ان يتحرك الى صوب المركز لو لم يعقه عائق (وما يتصل بها) اى بالمذكورات كالبلة والجفاف واللزوجة والهشاشة واللطافة والكثافة وغير ذلك (او عقلية) عطف على حسية (كالكيفيات النفسانية) اى المختصة بذوات الانفس (من الذكاء) وهى شدة قوة للنفس معدة لاكتساب الاراء.

(والعلم) وهو الادراك المفسر بحصول صورة الشىء عند العقل وقد يقال على معان اخر.

(والغضب) وهو حركة للنفس مبدؤها ارادة الانتقام.

(والحلم) وهو ان تكون النفس مطمئنة بحيث لا يحركها الغضب بسهولة ولا تضطرب عند اصابة المكروه.

(وسائر الغرائز) جمع غريزة وهى الطبيعة اعنى ملكة تصدر عنها صفات ذاتية مثل الكرم والقدرة والشجاعة وغير ذلك.

(واما اضافية) عطف على قوله اما حقيقية.

ونعنى بالاضافية ما لا تكون له هيئة متقررة فى الذات بل تكون معنى متعلقا بشيئين (كازالة الحجاب فى تشبيه الحجة بالشمس) فانها ليست هيئة متقررة فى ذات الحجة والشمس ولا فى ذات الحجاب وقد يقال الحقيقى على ما يقابل الاعتبارى الذى لا تحقق له الا بحسب اعتبار العقل.

وفى المفتاح اشارة الى انه المراد ههنا حيث قال الوصف العقلى منحصر بين حقيقى كالكيفيات النفسانية وبين اعتبارى ونسبى كاتصاف الشىء بكونه مطلوب الوجود او العدم عند النفس او كاتصافه بشىء تصورى وهمى محض (وايضا) لوجه الشبه تقسيم آخر وهو انه (اما واحد واما بمنزلة الواحد لكونه مركبا من متعدد)

١٩٤

تركيبا حقيقيا بأن يكون وجه الشبه حقيقة ملتئمة من امور مختلفة او اعتباريا بان يكون هيئة انتزعها العقل من عدة امور.

(وكل منهما) اى من الواحد وما هو بمنزلته (حسى او عقلى واما متعدد) عطف على قوله اما واحد واما بمنزلة الواحد ، والمراد بالمتعدد ان ينظر الى عدة امور ويقصد اشتراك الطرفين فى كل واحد منها ليكون كل منها وجه الشبه بخلاف المركب المنزل منزلة الواحد فانه لم يقصد اشتراك الطرفين فى كل من تلك الامور بل فى الهيئة المنتزعة او فى الحقيقة الملتئمة منها (كذلك) اى المتعدد أيضا حسى او عقلى (او مختلف) بعضه حسى وبعضه عقلى.

(والحسى) من وجه التشبيه سواء كان بتمامه حسيا او ببعضه (طرفاه حسيان لا غير) اى لا يجوز ان يكون كلاهما او احدهما عقليا (لامتناع ان يدرك بالحس من غير الحسى شىء) فان وجه الشبه امر مأخوذ من الطرفين موجود فيهما والموجود فى العقلى انما يدرك بالعقل دون الحس اذا المدرك بالحس لا يكون الا جسما او قائما بالجسم.

(والعقلى) من وجه الشبه (اعم) من الحسى (لجواز ان يدرك بالعقل من الحسى شىء) اى يجوز ان يكون طرفاه حسيين او عقليين او احدهما حسيا والاخر عقليا اذ لا امتناع فى قيام المعقول بالمحسوس وادراك العقل من المحسوسات شيئا (ولذلك يقال التشبيه بالوجه العقلى اعم) من التشبيه بالوجه الحسى بمعنى ان كلما يصح فيه التشبيه بالوجه الحسى يصح بالوجه العقلى من غير عكس.

(فان قيل هو) اى وجه الشبه (مشترك فيه) ضرورة اشتراك الطرفين فيه (فهو كلى) ضرورة ان الجزئى يمتنع وقوع الشركة فيه (والحسى ليس بكلى) قطعا ضرورة ان كل حسى فهو موجود فى المادة حاضر عند المدرك ومثل هذا لا يكون الا جزئيا ضرورة فوجه الشبه لا يكون حسيا قط.

(قلنا المراد) بكون وجه الشبه حسيا (ان افراده) اى جزئياته (مدركة بالحس) كالحمرة التى تدرك بالبصر جزئياتها الحاصلة فى المواد ، فالحاصل ان وجه الشبه اما

١٩٥

واحد او مركب او متعدد وكل من الاولين اما حسى او عقلى والاخير اما حسى او عقلى او مختلف تصير سبعة والثلاثة العقلية طرفاها اما حسيان او عقليان او المشبه حسى والمشبه به عقلى او بالعكس فصارت ستة عشر قسما (الواحد الحسى كالحمرة) من المبصرات (والخفاء) يعنى خفاء الصوت من المسموعات (وطيب الرائحة) من المشمومات (ولذة الطعم) من المذوقات (ولين اللمس) من الملموسات (فيما مر) اى فى تشبيه الخد بالورد والصوت الضعيف بالهمس والنكهة بالعنبر والريق بالخمر والجلد الناعم بالحرير وفى كون الخفأ من المسموعات والطيب من المشمومات واللذة من المذوقات تسامح (و) الواحد (العقلى كالعراء عن الفائدة والجرأة) على وزن الجرعة اى الشجاعة.

وقد يقال جرء الرجل جرائة بالمد (والهداية) اى الدلالة الى طريق يوصل الى المطلوب (واستطابة النفس فى تشبيه وجود الشىء العديم النفع بعدمه) فيما طرفاه عقليان اذ الوجود والعدم من الامور العقلية (و) تشبيه (الرجل الشجاع بالاسد) فيما طرفاه حسيان.

(و) تشبيه (العلم بالنور) فيما المشبه عقلى والمشبه به حسى فبالعلم يوصل الى المطلوب ويفرق بين الحق والباطل كما ان بالنور يدرك المطلوب ويفصل بين الاشياء فوجه الشبه بينهما الهداية.

(و) تشبيه (العطر بخلق) شخص (كريم) فيما المشبه حسى والمشبه به عقلى ولا يخفى ما فى الكلام من اللف والنشر وفى وحدة بعض الامثلة تسامح لما فيه شائبة التركيب كالعراء عن الفائدة مثلا (والمركب الحسى) من وجه الشبه طرفاه اما مفردان او مركبان او احدهما مفرد والآخر مركب ومعنى التركيب ههنا ان تقصد الى عدة اشياء مختلفة فتنزع منها هيئة وتجعلها مشبها او مشبها بها.

ولهذا صرح صاحب المفتاح فى تشبيه المركب بالمركب بان كلا من المشبه والمشبه به هيئة منتزعة.

وكذا المراد بتركيب وجه الشبه ان تعمد الى عدة اوصاف لشىء فتنزع منها

١٩٦

هيئة.

وليس المراد بالمركب ههنا ما يكون حقيقة مركبة من اجزاء مختلفة بدليل انهم يجعلون المشبه والمشبه به فى قولنا زيد كالاسد مفردين لا مركبين.

ووجه الشبه فى قولنا زيد كعمر وفى الانسانية واحد لا منزلا منزلة الواحد فالمركب الحسى (فيما) اى فى التشبيه الذى (طرفاه مفردان كما فى قوله وقد لاح فى الصبح الثريا كما ترى ، كعنقود ملّاحية) بضم الميم وتشديد اللام عنب ابيض فى حبه طول وتخفيف اللام اكثر (حين نوّرا) اى تفتح نوره (من الهيئة) بيان لما فى قوله كما (الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرة الصغار المقادير فى المرأى) وان كانت كبارا فى الواقع حال كونها (على الكيفية المخصوصة) اى لا مجتمعة اجتماع التضام والتلاصق ولا شديدة الافتراق منضمة (الى المقدار المخصوص) من الطول والعرض فقد نظر الى عدة اشياء وقصد الى هيئة حاصلة منها.

والطرفان مفردان لان المشبه هو الثريا والمشبه به هو العنقود مقيدا بكونه عنقود الملاحية فى حال اخراج النور والتقييد لا ينافى الافراد كما سيجىء ان شاء الله تعالى.

(وفيما) اى والمركب الحسى وفى التشبيه الذى (طرفاه مركبان كما فى قول بشار كأن مثار النقع) من آثار الغبار هيجه (فوق رؤسنا ، واسيافنا ليل تهاوى كواكبه) اى تتساقط بعضها اثر بعض والاصل تتهاوى حذفت احدى التائين (من الهيئة الحاصلة من هوى) بفتح الهاء اى سقوط (اجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار متفرقة فى جوانب شىء مظلم).

فوجه الشبه مركب كما ترى وكذا الطرفان لانه لم يقصد تشبيه الليل بالنقع والكواكب بالسيوف بل عمد الى تشبيه هيئة السيوف وقد سلّت من اغمادهما وهى تعلو وترسب وتجىء وتذهب وتضطرب اضطرابا شديدا وتتحرك بسرعة الى جهات مختلفة وعلى احوال تنقسم بين الاعوجاج والاستقامة والارتفاع والانخفاض مع التلاقى والتداخل والتصادم والتلاصق.

١٩٧

وكذا فى جانب المشبه به فان للكواكب فى تهاويها تواقعا وتداخلا واستطالة لاشكالها (و) المركب الحسى (فيما طرفاه مختلفان) احدهما مفرد والآخر مركب (كما مر فى تشبيه الشقيق) باعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد من الهيئة الحاصلة من نشر اجرام حمر مبسوطة على رؤس اجرام خضر مستطيلة فالمشبه مفرد وهو الشقيق والمشبه به مركب وهو ظاهر وعكسه تشبيه نهار مشمس قد شابه اى خالطه زهر الربا بليل مقمر على ما سيجىء.

(ومن بديع المركب الحسى ما) اى وجه الشبه الذى (يجىء الهيئات التى تقع عليها الحركة) اى يكون وجه الشبه الهيئة التى تقع عليها الحركة من الاستدارة والاستقامة وغيرهما ويعتبر فيها تركيب (ويكون) ما يجىء فى تلك الهيئات (على وجهين احدهما ان يقترن بالحركة غيرها من اوصاف الجسم كالشكل واللون) والاوضح عبارة اسرار بلاغة اعلم ان ما يزداد به التشبيه دقة وسحرا ان يجيء بالهيئات الّتي تقع عليها الحركات والهيئة المقصودة في التشبيه على وجهين احدهما ان تقرن بغيرها من الاوصاف والثانى ان تجرد هيئة الحركة حتى لا يزاد عليها غيرها فالاول (كما فى قوله والشمس كالمرآة فى كف الاشل من الهيئة) بيان لما فى قوله كما (الحاصلة من الاستدارة مع الاشراق والحركة السريعة المتصلة مع تموج الاشراق حتى يرى الشعاع كأنه يهم بان ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة ثم يبدو له) يقال بداله اذا ندم والمعنى ظهر له رأى غير الاول (فيرجع) من الانبساط الذى بداه (الى الانقباض) كانه يرجع من الجوانب الى الوسط فان الشمس اذا احدّ الانسان النظر اليها ليتبين جرمها وجدها مؤدية لهذه الهيئة الموصوفة وكذلك المرآة فى كف الاشل.

(و) الوجه (الثانى ان تجرد) الحركة (عن غيرها) من الاوصاف (فهناك ايضا) يعنى كما انه لا بد فى الاول من ان يقترن بالحركة غيرها من الاوصاف فكذا فى الثانى.

(لابد من اختلاط حركات) كثيرة للجسم (الى جهات مختلفة) له كأن

١٩٨

يتحرك بعضه الى اليمين وبعضه الى الشمال وبعضه الى العلو وبعضه الى السفل ليتحقق التركيب والا لكان وجه الشبه مفردا وهو الحركة (فحركة الرحى والدولاب والسهم لا تركيب فيها) لاتحادها (بخلاف حركة المصحف فى قوله وكأن البرق مصحف قار) بحذف الهمزة اى قارئ (فانطباق مرة وانفتاحا) اى فينطبق انطباقا مرة وينفتح انفتاحا اخرى فان فيها تركيبا لان المصحف يتحرك فى حالتى الانطباق والانفتاح الى جهتين فى كل حالة الى جهة واحدة.

(وقد يقع التركيب فى هيئة السكون كما فى قوله فى صفة كلب يقعى) اى يجلس على اليتيه (جلوس البدوى المصطلى) من اصطلى بالنار (من الهيئة الحاصلة من موقع كل عضو منه) اى من الكلب (فى اقعائه) فانه يكون لكل عضو منه فى الاقعاء موقع خاص وللمجموع صورة خاصة مؤلفة من تلك المواقع وكذلك صورة جلوس البدوى عند الاصطلاء بالنار الموقدة على الارض.

(و) المركب (العقلى) من وجه الشبه (كحرمان الانتفاء بابلغ نافع مع تحمل التعب فى استصحابه فى قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)) جمع سفر بكسر السين وهو الكتاب فانه امر عقلى منتزع من عدة امور لانه روعى من الحمار فعل مخصوص هو الحمل وان يكون المحمول اوعية العلوم وان الحمار جاهل بما فيها وكذا فى جانب المشبه.

(واعلم انه قد ينتزع) وجه الشبه (من متعدد فيقع الخطأ لوجوب انتزاعه من اكثر) من ذلك المتعدد (كما اذا انتزع) وجه الشبه (من الشطر الاول من قوله كما ابرقت قوما عطاشا) فى الاساس ابرقت لى فلانة اذا تحسنت لك وتعرضت فالكلام ههنا على حذف الجار وايصال الفعل اى ابرقت لقوم عطاش جمع عطشان (غمامة ، فلما رأوها اقشعت وتجلت) اى تفرقت وانكشفت فانتزاع وجه الشبه من مجرد قوله كما ابرقت قوما عطاشا غمامة خطأ (لوجوب انتزاعه من الجميع) اعنى جميع البيت.

(فان المراد التشبيه) اى تشبيه الحالة المذكورة فى الابيات السابقة بحالة

١٩٩

ظهور غمامة للقوم العطاش ثم تفرقها وانكشافها وبقائهم متحيرين (باتصال) اى باعتبار اتصال فالباء ههنا مثلها فى قولهم التشبيه بالوجه العقلى الاعم اذ الامر المشترك فيه ههنا هو اتصال (ابتداء مطمع بانتهاء مؤيس).

وهذا بخلاف التشبيهات المجتمعة كما فى قولنا زيد كالاسد والسيف والبحر فان القصد فيها الى التشبيه لكل واحد من الامور على حدة حتى لو حذف ذكر البعض لم يتغير حال الباقى فى افادة معناه بخلاف المركب فان المقصود منه يختل باسقاط بعض الامور (والمتعدد الحسى كاللون والطعم والرائحة فى تشبيه فاكهة باخرى و) المتعدد (العقلى كحدة النظر وكمال الحذر واخفاء السفاد) اى نزو الذكر على الانثى (فى تشبيه طائر بالغراب و) المتعدد (المختلف) الذى بعضه حسى وبعضه عقلى (كحسن الطلعة) الذى هو حسى (ونباهة الشان) اى شرفه واشتهاره الذى هو عقلى (فى تشبيه انسان بالشمس) ففى المتعدد يقصد اشتراك الطرفين فى كل من الامور المذكورة ولا يعمد الى انتزاع هيئة منها تشترك هى فيها.

(واعلم انه قد ينتزع الشبه) اى التماثل يقال بينهما شبه بالتحريك اى تشابه ، والمراد به ههنا ما به التشابه اعنى وجه التشبيه (من نفس التضاد لاشتراك الضدين فيه) اى فى التضاد لكون كل منهما متضادا للآخر (ثم ينزل) التضاد (منزلة التناسب بواسطة تمليح) اى اتيان بما فيه ملاحة وظرافة.

يقال ملح الشاعر اذا اتى بشىء مليح.

وقال الامام المرزوقى فى قول الحماسى «اتانى من ابى انس وعيد ، فسلّ لغيظة الضحاك جسمى» ان قائل هذه الابيات قد قصد بها الهزؤ والتمليح.

واما الاشارة الى قصة او مثل او شعر فانما هو التلميح بتقديم اللام على الميم وسيجىء ذكره فى الخاتمة.

والتسوية بينهما انما وقعت من جهة العلامة الشيرازى رحمه الله تعالى وهو سهو (او تهكم) اى سخرية واستهزاء (فيقال للجبان ما اشبهه بالاسد وللبخيل انه هو حاتم) كل من المثالين صالح للتمليح والتهكم وانما يفرق بينهما بحسب المقام فان كان

٢٠٠