مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

الغرض منه نفس التقرير والتحقيق (نحو جاءنى اخوك زيد) في بدل الكل ويحصل التقرير بالتكرير (وجاءنى القوم اكثرهم) في بدل البعض (وسلب زيد ثوبه) في بدل الاشتمال.

وبيان التقرير فيهما ان المتبوع يشتمل على التابع اجمالا حتى كأنه مذكور.

اما فى البعض فظاهر.

واما في الاشتمال فلان معناه ان يشمل المبدل منه على البدل لا كاشتمال الظرف على المظروف بل من حيث كونه مشعرا به اجمالا ومتقاضيا له بوجه ما بحيث تبقى النفس عند ذكر المبدل منه متشوقة الى ذكره منتظرة له.

وبالجملة يجب ان يكون المتبوع فيه بحيث يطلق ويراد به التابع نحو اعجبنى زيد اذا اعجبك علمه بخلاف ضربت زيدا اذا ضربت حماره ، ولهذا صرحوا بان نحو جاءنى زيد اخوه بدل غلط لا بدل اشتمال كما زعم بعض النحاة ثم بدل البعض والاشتمال بل بدل الكل ايضا لا يخلو عن ايضاح وتفسير ولم يتعرض لبدل الغلط لانه لا يقع في فصيح الكلام.

(واما العطف) اى جعل الشىء معطوفا على المسند اليه (فلتفصيل المسند اليه مع اختصار نحو جاءنى زيد وعمرو) فان فيه تفصيلا للفاعل ، بانه زيد وعمرو ، من غير دلالة على تفصيل الفعل ، بان المجيئين كانا معا ، او مترتبين مع مهلة او بلا مهلة.

واحترز بقوله مع اختصار عن نحو جاءنى زيد ، وجاءنى عمرو ، فان فيه تفصيلا للمسند اليه ، مع انه ليس من عطف المسند اليه.

وما يقال من انه احتراز عن نحو جاءنى زيد ، جاءنى عمرو ، من غير عطف ، فليس بشىء ، اذ ليس فيه دلالة على تفصيل المسند اليه ، بل يحتمل ان يكون اضرابا عن الكلام الاول ونص عليه الشيخ في دلائل الاعجاز.

(او) لتفصيل (المسند) بانه قد حصل من احد المذكورين اولا ، ومن الاخر بعده مع مهلة او بلا مهلة (كذلك) اى مع اختصار.

٦١

واحترز بقوله كذلك عن نحو جاءنى زيد وعمرو بعده بيوم او سنة (نحو جاءنى زيد فعمرو او ثم عمرو او جاءنى القوم حتى خالد) فالثلاثة تشترك في تفصيل المسند الا ان الفاء تدل على التعقيب من غير تراخ وثم على التراخى وحتى على ان اجزاء ما قبلها مترتبة في الذهن من الاضعف الى الاقوى او بالعكس.

فمعنى تفصيل المسند فيها ان يعتبر تعلقه بالمتبوع اولا وبالتابع ثانيا من حيث انه اقوى من اجزاء المتبوع او اضعفها ولا يشترط فيها الترتيب الخارجى.

فان قلت فى هذه الثلاثة ايضا تفصيل للمسند اليه فلم لم يقل او لتفصيلهما معا.

قلت فرق بين ان يكون الشىء حاصلا من شىء وبين ان يكون الشىء مقصودا منه وتفصيل المسند اليه في هذه الثلاثة وان كان حاصلا لكن ليس العطف بهذه الثلاثة لاجله لان الكلام اذا اشتمل على قيد زائد على مجرد الاثبات او النفى فهو الغرض الخاص والمقصود من الكلام ففى هذه الامثلة تفصيل المسند اليه كانه امر كان معلوما وانما سيق الكلام لبيان ان مجىء احدهما كان بعد الاخر فليتأمل.

وهذا البحث مما اورده الشيخ في دلائل الاعجاز ووصى بالمحافظة عليه (اورد السامع) عن الخطاء في الحكم (الى الصواب نحو جاءنى زيد لا عمرو) لمن اعتقد ان عمروا جاءك دون زيد او انهما جاآك جميعا ولكن ايضا للرد الى الصواب الا انه لا يقال لنفى الشركة حتى ان نحو ما جاءنى زيد لكن عمرو انما يقال لمن اعتقد ان زيدا جاءك دون عمرو ، لا لمن اعتقد انهما جاآك جميعا.

وفي كلام النحاة ما يشعر بانه انما يقال لمن اعتقد انتفاء المجىء عنهما جميعا (او صرف الحكم) عن المحكوم عليه (الى) محكوم عليه (آخر نحو جاءنى زيد بل عمرو او ما جاءنى زيد بل عمرو) فان بل للاضراب عن المتبوع وصرف الحكم الى التابع ومعنى الاضراب عن المتبوع ان يجعل فى حكم المسكوت عنه لا ان ينفى عنه الحكم قطعا خلافا لبعضهم.

ومعنى صرف الحكم في المثبت ظاهر وكذا في المنفى ان جعلناه بمعنى نفى الحكم عن التابع والمتبوع في حكم المسكوت عنه او متحقق الحكم له حتى يكون

٦٢

معنى ما جاءنى زيد بل عمرو ان عمروا لم يجيئ وعدم مجيئ زيد ومجيئه على الاحتمال او مجيئه محقق كما هو مذهب المبرد وان جعلناه بمعنى ثبوت الحكم للتابع حتى يكون معنى ما جاءني زيد بل عمرو ان عمروا جاءك كما هو مذهب الجمهور.

ففيه اشكال (او للشك) من المتكلم (او التشكيك للسامع) اى ايقاعه في الشك (نحو جاءنى زيد او عمرو) او للابهام نحو قوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ،) او للتخيير او للاباحة نحو ليدخل الدار زيد او عمرو والفرق بينهما ان في الاباحة يجوز الجمع بينهما بخلاف التخيير.

واما فصله : اى تعقيب المسند اليه بضمير الفصل ، وانما جعله من احوال المسند اليه ، لانه يقترن به اولا ، ولانه فى المعنى عبارة عنه ، وفى اللفظ مطابق له (فلتخصيصه) اى المسند اليه (بالمسند) يعنى لقصر المسند على المسند اليه ، لان معنى قولنا : زيد هو القائم ، ان القيام مقصور على زيد لا يتجاوزه الى عمرو ، فالباء في قوله فلتخصيصه بالمسند مثلها في قولهم ، خصصت فلانا بالذكر ، اى : ذكرته دون غيره ، كانك جعلته من بين الاشخاص مختصا بالذكر ، اى منفردا به ، والمعنى ههنا جعل المسند اليه من بين ما يصح اتصافه بكونه مسندا اليه مختصا بان يثبت له المسند كما يقال : في اياك نعبد معناه نخصك بالعبادة ولا نعبد غيرك.

واما تقديمه : اى تقديم المسند اليه (فلكون ذكره اهم) ولا يكفى فى التقديم مجرد ذكر الاهتمام بل لا بد من ان يبين ان الاهتمام من اى جهة وباى سبب فلذا فصله بقوله :

(اما لانه) اى تقديم المسند اليه (الاصل) لانه المحكوم عليه ولا بد من تحققه قبل الحكم فقصدوا ان يكون في الذكر ايضا مقدما (ولا مقتضى للعدول عنه) اى عن ذلك الاصل اذ لو كان امر يقتضى العدول عنه فلا يقدم كما في الفاعل فان مرتبة العامل التقدم على المعمول.

(واما ليتمكن الخبر في ذهن السامع ، لان فى المبتدأ تشويقا اليه) اى الخبر

٦٣

(كقوله والذى حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جماد) يعنى تحيرت الخلائق فى المعاد الجسمانى والنشور الذى ليس بنفسانى بدليل ما قبله «بان امر الاله واختلف الناس فداع الى ضلال وهاد» يعنى بعضهم يقول بالمعاد ، وبعضهم لا يقول به.

(واما التعجيل المسرة او المساءة للتفاؤل) علة لتعجيل المسرة (او التطير) علة لتعجيل المساءة (نحو سعد في دارك) لتعجيل المسرة (والسفاح في دار صديقك) لتعجيل المساءة.

(واما لا يهام انه) اى المسند اليه (لا يزول عن الخاطر) لكونه مطلوبا (او انه يستلذ به) لكونه محبوبا (او لنحو ذلك) كاظهار تعظيمه او تحقيره او ما اشبه ذلك قال (عبد القاهر وقد يقدم) المسند اليه (ليفيد) التقديم (تخصيصه بالخبر الفعلي) اى لقصر الخبر الفعلى عليه (ان ولى) المسند اليه (حرف النفى) اى وقع بعدها بلا فصل (نحو ما انا قلت هذا اى لم اقله مع انه مقول لغيرى).

فالتقديم يفيد نفى الفعل عن المتكلم ، وثبوته لغيره على الوجه الذى نفى عنه من العموم او الخصوص ، ولا يلزم ثبوته لجميع من سواك ، لان التخصيص ههنا انما هو بالنسبة الى من توهم المخاطب اشتراكك معه في القول او انفرادك به دونه.

(ولهذا) اى ولان التقديم يفيد التخصيص ونفى الحكم عن المذكور ، مع ثبوته للغير (لم يصح ما انا قلت) هذا (ولا غيرى).

لان مفهوم ما انا قلت ثبوت قائلية هذا القول لغير المتكلم ، ومنطوق لا غيرى نفيها عنه وهما متناقضان (ولا ما انا رأيت احدا) لانه يقتضى ان يكون انسان غير المتكلم ، قد رأى كل احد من الانسان لانه قد نفى عن المتكلم الرؤية على وجه العموم في المفعول فيجب ان يثبت لغيره على وجه العموم في المفعول ليتحقق تخصيص المتكلم بهذا النفى (ولا ما انا ضربت إلّا زيدا) لانه يقتضى ان يكون انسان غيرك قد ضرب كل احد سوى زيد لان المستثنى منه مقدر عام وكل ما نفيته عن المذكور على وجه الحصر يجب ثبوته لغيره تحقيقا لمعنى الحصر ان عاما فعام وان خاصا فخاص.

وفي هذا المقام مباحث نفيسة وشحنا بها في الشرح (والا) اى وان لم يل المسند

٦٤

اليه حرف النفى بان لا يكون في الكلام حرف النفى او يكون حرف النفى متأخرا عن المسند اليه (فقد يأتى) التقديم (للتخصيص) ردا (على من زعم انفراد غيره) اى غير المسند اليه المذكور (به) اى في الخبر الفعلى (او) زعم (مشاركته) اى مشاركة الغير (فيه) اى في الخبر الفعلى (نحو انا سعيت في حاجتك) لمن زعم انفراد الغير بالسعى ، فيكون قصر قلب او زعم مشاركته لك في السعى ، فيكون قصر افراد (ويؤكد على الاول) اى على تقدير كونه ردا على من زعم انفراد الغير (بنحو لا غيرى) مثل لا زيد ولا عمرو ولا من سواى لانه الدال صريحا على نفى شبهة لان الفعل صدر عن الغير.

(و) يؤكد (على الثانى) اى على تقدير كونه ردا على من زعم المشاركة (بنحو وحدى) مثل منفردا او متوحدا او غير مشارك او غير ذلك لانه الدال صريحا على ازالة شبهة اشتراك الغير في الفعل والتأكيد انما يكون لدفع شبهة خالجت قلب السامع (وقد يأتى لتقوى الحكم) وتقريره في ذهن السامع دون التخصيص (نحو هو يعطى الجزيل) قصدا الى تحقيق انه يفعل اعطاء الجزيل وسيرد عليك تحقيق معنى التقوى (وكذا اذا كان الفعل منفيا) فقد يأتى التقديم للتخصيص.

وقد يأتى للتقوى.

فالاول نحو انت ما سعيت فى حاجتى قصدا الى تخصيصه لعدم السعى.

والثانى (نحو انت لا تكذب) وهو لتقوية الحكم المنفى.

وتقريره (فانه اشد لنفى الكذب من لا تكذب) لما فيه من تكرار الاسناد المفقود فى لا تكذب واقتصر المصنف على مثال التقوى ليفرع عليه التفرقة بينه وبين تأكيد المسند اليه كما اشار اليه بقوله (وكذا من لا تكذب انت) يعنى انه اشد لنفى الكذب من لا تكذب انت مع ان فيه تأكيدا (لانه) اى لان لفظ انت او لان لفظ لا تكذب انت (لتأكيد المحكوم عليه) بانه ضمير المخاطب تحقيقا وليس الاسناد اليه على سبيل السهو او التجوز او النسيان (لا) لتاكيد (الحكم) لعدم تكرر الاسناد وهذا الذى ذكر من ان التقديم للتخصيص تارة وللتقوى اخرى اذا بنى الفعل على

٦٥

معرف (وان بنى الفعل على منكر افاد) التقديم (تخصيص الجنس او الواحد به) اى بالفعل (نحو رجل جاءنى اى لا امرأة) فيكون تخصيص جنس (او رجلان) فيكون تخصيص واحد وذلك ان اسم الجنس حامل لمعنيين الجنسية والعدد المعين اعنى الواحد ان كان مفردا او الاثنين ان كان مثنى ، والزائد عليه ان كان جمعا ، فاصل النكرة المفردة ان تكون لواحد من الجنس ، فقد يقصد به الواحد فقط والذى يشعر به كلام الشيخ في دلائل الاعجاز ان لا فرق بين المعرفة والنكرة فى ان البناء عليه قد يكون للتخصيص وقد يكون للتقوى.

(ووافقه) اى عبد القاهر (السكاكى على ذلك) اى على ان التقديم يفيد التخصيص لكن خالفه في شرائط وتفاصيل فان مذهب الشيخ انه ان ولى حرف النفى فهو للتخصيص قطعا والا فقد يكون للتخصيص وقد يكون للتقوى مضمرا كان الاسم او مظهرا معرفا كان او منكرا مثبتا كان الفعل او منفيا.

ومذهب السكاكى انه ان كان نكرة فهو للتخصيص ان لم يمنع منه مانع وان كان معرفة فان كان مظهرا فليس الا للتقوى وان كان مضمرا فقد يكون للتقوى وقد يكون للتخصيص من غير تفرقة بين ما يلى حرف النفى وغيره.

والى هذا اشار بقوله (الا انه) اى السكاكى (قال التقديم يفيد الاختصاص ان جاز تقدير كونه) اى المسند اليه (في الاصل مؤخرا على انه فاعل معنى فقط) لا لفظا (نحو انا قمت) فانه يجوز ان يقدر ان اصله قمت انا فيكون انا فاعلا معنى تأكيدا لفظا (وقدر) عطف على جاز يعنى ان افادة التخصيص مشروط بشرطين.

احدهما جواز التقدير والاخر ان يعتبر ذلك اى يقدر انه كان فى الاصل مؤخرا (والا) اى وان لم يوجد الشرطان (فلا يفيد) التقديم (الا تقوى الحكم) سواء (جاز) تقدير التأخير (كما مر) في نحو انا قمت (ولم يقدر او لم يجز) تقدير التأخير اصلا (نحو زيد قام) فانه لا يجوز ان يقدر ان اصله قام زيد فقدم لما سنذكره.

ولما كان مقتضى هذا الكلام ان لا يكون نحو رجل جاءنى مفيدا للتخصيص لانه اذا اخر فهو فاعل لفظا لا معنى استثناه السكاكى واخرجه من هذا الحكم بان

٦٦

جعله في الاصل مؤخرا على انه فاعل معنى لا لفظا بان يكون بدلا من الضمير الذى هو فاعل لفظا لا معنى وهذا معنى قوله.

(واستثنى) السكاكى (المنكر بجعله من باب واسروا النجوى الذين ظلموا ، اى على القول بالابدال من الضمير) يعنى قدر بان اصل رجل جاءنى جاءنى رجل على ان رجل ليس بفاعل ، بل هو بدل من الضمير في جاءنى ، كما ذكر في قوله تعالى (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ان الواو فاعل والذين ظلموا بدل منه.

وانما جعله من هذا الباب (لئلا ينتفى التخصيص اذ لا سبب له) اى للتخصيص (سواه) اى سوى تقدير كونه مؤخرا في الاصل على انه فاعل معنى ولو لا انه مخصص لما صح وقوعه مبتدأ (بخلاف المعرف) فانه يجوز وقوعه مبتدأ من غير اعتبار التخصيص ، فلزم ارتكاب هذا الوجه البعيد في المنكر دون المعرف.

فان قيل : فلزمه ابراز الضمير في مثل جاءني رجلان وجاؤني رجال والاستعمال بخلاف قلنا ليس مراده ان المرفوع في قولنا جاءني رجل ، بدل لا فاعل ، فانه مما لا يقول به عاقل فضلا عن فاضل ، بل المراد ان المرفوع فى مثل قولنا رجل جاءنى ان يقدر ، ان الاصل جاءنى رجل على ان رجلا بدل لا فاعل ، ففى مثل رجال جاؤنى يقدر ان الاصل جاؤني رجال فليتأمل.

(ثم قال) السكاكى (وشرطه) اى وشرط كون المنكر من هذا الباب ، واعتبار التقديم والتأخير فيه (اذا لم يمنع من التخصيص مانع كقولك رجل جاءنى على ما مر) ان معناه رجل جاءنى لا امرأة او لا رجلان (دون قولهم شر اهر ذا ناب) فان فيه مانعا من التخصيص.

(اما على تقدير الاول) يعنى تخصيص الجنس (فلا متناع ان يراد ان المهر شر لا خير) لان المهر لا يكون الاشرا.

واما على (الثانى) يعنى تخصيص الواحد (فلنبوّه عن مظان استعماله) اى لنبوّ تخصيص الواحد عن مواضع استعمال هذا الكلام ، لانه لا يقصد به ان المهر شر لا شران وهذا ظاهر.

٦٧

(واذ قد صرح الائمة بتخصيصه حيث تأولوه بما اهر ذا ناب الا شرا فالوجه) اى وجه الجمع بين قولهم بتخصيصه وقولنا بالمانع من التخصيص (تفظيع شان الشر به بتنكيره) اى جعل التنكير للتعظيم والتهويل ليكون المعنى شر عظيم فظيع اهر ذا ناب لا شر حقير ، فيكون تخصيصا نوعيا ، والمانع ، انما كان من تخصيص الجنس او الواحد.

(وفيه) اى فيما ذهب اليه السكاكى (نظر اذ الفاعل اللفظى والمعنوى) كالتأكيد والبدل (سواء في امتناع التقديم ما بقيا على حالهما) اى ما دام الفاعل فاعلا والتابع تابعا بل امتناع تقديم التابع اولى.

(فتجويز تقديم المعنوى دون اللفظ تحكم) وكذا تجويز الفسخ في التابع دون الفاعل تحكم لان متناع تقديم الفاعل هو انما كونه فاعلا والا فلا امتناع في ان يقال : في نحو زيد قام انه كان في الاصل قام زيد فقدم زيد وجعل مبتدأ.

كما يقال في جرد قطيفة ان جردا كان في الاصل ، صفة ، فقدم وجعل مضافا ، وامتناع تقديم التابع حال كونه تابعا مما اجمع عليه النحاة الا في ضرورة الشعر ، فمنع هذا مكابرة والقول بان في حالة تقديم الفاعل ليجعل مبتدأ : يلزم خلو الفعل عن الفاعل وهو محال بخلاف الخلو عن التابع فاسد ، لان هذا اعتبار محض.

(ثم لا نسلم انتفاء التخصيص) في نحو رجل جاءنى (لو لا تقدير التقديم لحصوله) اى التخصيص (بغيره) اى بغير تقدير التقديم (كما ذكره) السكاكى من التهويل وغيره كالتحقير والتكثير والتقليل.

والسكاكى وان لم يصرح بان لا سبب للتخصيص سواه لكن لزم ذلك من كلامه حيث قال انما يرتكب ذلك الوجه البعيد عند المنكر لفوات شرط الابتداء.

ومن العجائب ان السكاكى انما ارتكب في مثل رجل جاءنى ذلك الوجه البعيد لئلا يكون المبتدأ نكرة محضة.

وبعضهم يزعم انه عند السكاكى بدل مقدم لا مبتدأ وان الجملة فعلية لا

٦٨

اسمية.

ويتمسك في ذلك بتلويحات بعيدة من كلام السكاكى وبما وقع من السهو للشارح العلامة فى مثل زيد قام وعمر وقعد ان المرفوع يحتمل ان يكون بدلا مقدما ولا يلتفت الى تصريحاتهم بامتناع تقديم التوابع حتى قال الشارح العلامة في هذا المقام ان الفاعل هو الذى لا يتقدم بوجه ما.

واما التوابع فتحتمل التقديم على طريق الفسخ وهو ان يفسخ كونه تابعا ويقدم ، واما لا على طريق الفسخ فيمتنع تقديمها ايضا لاستحالة تقديم التابع على المتبوع من حيث هو تابع فافهم.

(ثم لا نسلم امتناع ان يراد المهر شر لا خير) كيف وقد قال الشيخ عبد القاهر قدم شر لا المعنى ان الذى اهره من جنس الشر لا من جنس الخير.

(ثم قال) السكاكى (ويقرب من) قبيل (هو قام زيد قائم في التقوى لتضمنه) اى لتضمن قائم (الضمير) مثل قام فيحصل للحكم تقوى (وشبهه) اى شبه السكاكى مثل قائم المتضمن للضمير (بالخالى عنه) اى عن الضمير من جهة (عدم تغيره في التكلم والخطاب والغيبة) نحو انا قائم وانت قائم وهو قائم كما لا يتغير الخالى عن الضمير نحو انا رجل وانت رجل وهو رجل.

وبهذا الاعتبار قال يقرب ولم يقل نظيره.

وفى بعض النسخ وشبهه بلفظ الاسم مجرورا عطفا على تضمنه يعنى ان قوله يقرب مشعر بان فيه شيئا من التقوى وليس مثل التقوى فى زيد قام فالاول لتضمنه الضمير والثانى لشبهه بالخالى عن الضمير.

(ولهذا) اى ولشبهه بالخالى عن الضمير (لم يحكم بانه) اى مثل قائم مع الضمير وكذا مع فاعله الظاهر ايضا (جملة ولا عومل) قائم مع الضمير (معاملتها) اى معاملة الجملة (في البناء) حيث اعرب في مثل رجل قائم ورجلا قائما ورجل قائم.

(ومما يرى تقديمه) اى من المسند اليه الذى يرى تقديمه على المسند (كاللازم لفظ مثل وغير) اذا استعملا على سبيل الكناية (فى نحو مثلك لا يبخل

٦٩

وغيرك لا يجود بمعنى انت لا تبخل وانت تجود من غير ارادة تعريض بغير المخاطب) بان يراد بالمثل والغير انسان آخر مماثل للمخاطب او غير مماثل بل المراد نفى البخل عنه على طريق الكناية ، لانه اذا نفى عمن كان على صفته من غير قصد الى مماثل ، لزم نفيه عنه ، واثبات الجود له بنفيه عن غيره ، مع اقتضائه محلا يقوم به.

وانما يرى التقديم في مثل هذه الصورة كاللازم (لكونه) اى التقديم (اعون على المراد بهما) ان بهذين التركيبين لان الغرض منهما اثبات الحكم بطريق الكناية التى هى ابلغ من التصريح والتقديم لا فادته التقوى اعون على ذلك وليس معنى قوله كاللازم انه قد يقدم وقد لا يقدم بل المراد انه كان مقتضى القياس ان يجوز التأخير لكن لم يرد الاستعمال الا على التقديم كما نص عليه الشيخ في دلائل الاعجاز.

(قيل وقد يقدم) المسند اليه المعسور بكل على المسند المقرون بحرف النفى (لانه) اى التقديم (دال على العموم) اى على نفى الحكم عن كل فرد من افراد ما اضيف اليه لفظ كل (نحو كل انسان لم يقم) فانه يفيد نفى القيام عن كل واحد من افراد الانسان (بخلاف ما لو اخر نحو لم يقم كل انسان فانه يفيد نفى الحكم عن جملة الافراد لا عن كل فرد) فالتقديم يفيد عموم السلب وشمول النفى والتاخير لا يفيد الا سلب العموم ونفى الشمول.

وذلك اى كون التقديم مفيدا للعموم دون التأخير (لئلا يلزم ترجيح التأكيد) وهو ان يكون لفظ كل لتقرير المعنى الحاصل قبله (على التأسيس) وهو ان يكون لافادة معنى جديد مع ان التأسيس راجح لان الافادة خير من الاعادة.

وبيان لزوم ترجيح التأكيد على التاسيس اما في صورة التقديم فلان قولنا انسان لم يقم موجبة مهملة اما الايجاب فلانه حكم فيها بثبوت عدم القيام لأنسان لا بنفى القيام عنه لان حرف السلب وقع جزأ من المحمول.

واما الاهمال فلانه لم يذكر فيها ما يدل على كمية افراد الموضوع مع ان الحكم فيها على ما صدق عليه الانسان واذا كان انسان لم يقم موجبة مهملة يجب ان يكون معناه نفى القيام عن جملة الافراد ، لا عن كل فرد (لان الموجبة المهملة المعدولة

٧٠

المحمولة في قوة السالبة الجزئية) عند وجود الموضوع نحو لم يقم بعض الانسان بمعنى انهما متلازمان في الصدق ، لأنه قد حكم في المهملة بنفي القيام عما صدق عليه الانسان اعم من انه يكون جميع الافراد او بعضها وايا ما كان يصدق نفى القيام عن البعض وكلما صدق نفى القيام عن البعض صدق نفيه عما صدق عليه الانسان في الجملة فهى في قوة السالبة الجزئية (المستلزمة نفى الحكم عن الجملة) لان صدق السالبة الجزئية الموجودة الموضوع اما بنفى الحكم عن كل فرد او نفيه عن البعض مع ثبوته للبعض.

واياما كان يلزمها نفى الحكم عن جملة الافراد (دون كل فرد) لجواز ان يكون منفيا عن البعض ثابتا للبعض الاخر واذا كان انسان لم يقم بدون كل معناه نفى القيام عن جملة الافراد لا عن كل فرد فلو كان بعد دخول كل ايضا معناه كذلك كان كل لتأكيد المعنى الاول فيجب ان يحمل على نفى الحكم عن كل فرد ليكون كل لتأسيس معنى آخر ترجيحا للتأسيس على التأكيد.

واما فى صورة التأخير فلان قولنا لم يقم انسان سالبة مهملة لا سور فيها (والسالبة المهملة فى قوة السالبة الكلية المقتضية للنفى عن كل فرد) نحو لا شىء من الانسان بقائم ولما كان هذا مخالفا لما عندهم من ان المهملة فى قوة الجزئية بينه بقوله (لورود موضوعها) اى موضوع المهملة (في سياق النفى) حال كونه نكرة غير مصدرة بلفظ كل فانه يفيد نفى الحكم عن كل فرد واذا كان لم يقم انسان بدون كل معناه نفى القيام عن كل فرد فلو كان بعد دخول كل ايضا كذلك كان كل لتأكيد المعنى الاول فيجب ان يحمل على نفى القيام عن جملة الافراد ليكون كل لتأسيس معنى آخر.

وذلك لان لفظ كل فى هذا المقام لا يفيد الا احد هذين المعنيين فعند انتفاء احدهما يثبت الاخر ضرورة.

والحاصل ان التقديم بدون كل لسلب العموم ونفى الشمول والتأخير لعموم السلب وشمول النفى ، فبعد دخول كل ، يجب ان يعكس هذا ، ليكون كل للتأسيس

٧١

الراجح دون التأكيد المرجوح.

(وفيه نظر لان النفى عن الجملة في الصورة الاولى) يعنى الموجبة المهملة المعدولة المحمول نحو انسان لم يقم (وعن كل فرد فى) الصورة (الثانية) يعنى السالبة المهملة نحو لم يقم انسان (انما افاده الاسناد الى ما اضيف اليه كل) وهو لفظ انسان.

(وقد زال ذلك) الاسناد المفيد لهذا المعنى (بالاسناد اليها) اى الى كل لان انسانا صار مضافا اليه فلم يبق مسندا اليه (فيكون) اى على تقدير ان يكون الاسناد الى كل ايضا ، مفيدا للمعنى الحاصل من الاسناد الى انسان يكون كل (تأسيسا لا تأكيدا) لان التأكيد لفظ يفيد تقوية ما يفيده لفظ آخر وهذا ليس كذلك لان هذا المعنى حينئذ انما افاده الاسناد الى لفظ كل لا شىء آخر حتى يكون كل تأكيدا له.

وحاصل هذا الكلام انا لا نسلم انه لو حمل الكلام بعد دخول كل على المعنى الذى حمل عليه قبل كل كان كل للتأكيد.

ولا يخفى ان هذا انما يصح على تقدير ان يراد به التأكيد الاصطلاحى اما لو اريد بذلك ان يكون كل لافادة معنى كان حاصلا بدونه ، فاندفاع المنع ظاهر وحينئذ يتوجه ما اشار اليه بقوله (ولان) الصورة (الثانية) يعنى السالبة المهملة نحو لم يقم انسان (اذا افادت النفى عن كل فرد فقد افادت النفى عن الجملة فاذا حملت) كل (على الثانى) اى على افادة النفى عن جملة الافراد حتى يكون معنى لم يقم كل انسان نفى القيام عن الجملة لا عن كل فرد (لا يكون) كل (تأسيسا) بل تأكيدا ، لان هذا المعنى كان حاصلا بدونه ، وحينئذ فلو جعلنا لم يقم كل انسان لعموم السلب مثل لم يقم انسان لم يلزم ترجيح التأكيد على التأسيس اذ لا تأسيس اصلا بل انما لزم ترجيح احد التأكيدين على الآخر.

وما يقال ان دلالة لم يقم انسان على النفى عن الجملة بطريق الالتزام ودلالة لم يقم كل انسان عليه بطريق المطابقة فلا يكون تأكيدا.

٧٢

ففيه نظر اذ لو اشترط في التأكيد اتحاد الدلالتين لم يكن حينئذ كل انسان لم يقم على تقدير كونه لنفى الحكم عن الجملة تأكيدا لان دلالة انسان لم يقم على هذا المعنى التزام (ولان النكرة المنفية اذا عمت كان قولنا لم يقم انسان سالبة كلية لا مهملة) كما ذكره هذا القائل لانه قد بين فيها ان الحكم مسلوب عن كل واحد من الافراد والبيان لا بد له من مبين.

ولا محالة ههنا شىء يدل على ان الحكم فيها على كلية افراد الموضوع ولا نعنى بالسور سوى هذا وحينئذ يندفع ما قيل سماها مهملة باعتبار عدم السور.

(وقال عبد القاهر ان كانت) كلمة (كل داخلة في حيز النفى بان اخرت عن اداته) سواء كانت معمولة لاداة النفى اولا وسواء كان الخبر فعلا (نحو ما كل «ما يتمنى المرء يدركه) تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن» او غير فعل نحو قولك ما كل متمنى المرء حاصلا (او معمولة للفعل المنفى).

الظاهر انه عطف على داخلة وليس بسديد لان الدخول في حيز النفى شامل لذلك.

وكذا لو عطفتها على اخرت بمعنى او جعلت معمولة لان التأخير عن اداة النفى ايضا شامل له.

اللهم الا ان يخصص التأخير بما اذا لم تدخل الاداة على فعل عامل في كل على ما يشعر به المثال والمعمول (اعمّ) من ان يكون فاعلا او مفعولا او تأكيدا لاحدهما او غير ذلك (نحو ما جاءنى القوم كلهم) فى تأكيد الفاعل (او ما جاءنى كل القوم) في الفاعل وقدم التأكيد على الفاعل لان كلا اصل فيه (او لم آخذ كل الدراهم) في المفعول المتأخر (او كل الدراهم لم آخذ) في المفعول المتقدم وكذا لم آخذ الدراهم كلها او الدراهم كلها لم آخذ ففي جميع هذه الصور (توجه النفى الى الشمول خاصة) لا الى اصل الفعل.

(وافاد) الكلام (ثبوت الفعل او الوصف لبعض) مما اضيف اليه كل ان كانت كل فى المعنى فاعلا للفعل او الوصف المذكور في الكلام (او) افاد (تعلقه) اى

٧٣

تعلق الفعل او الوصف (به) اى ببعض مما اضيف اليه كل ان كان كل فى المعنى مفعولا للفعل او الوصف.

وذلك بدليل الخطاب وشهادة الذوق والاستعمال والحق ان هذا الحكم اكثرى لا كلى بدليل قوله تعالى (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (والا) اى وان لم تكن داخلة في حيز النفى بان قدمت على النفى لفظا ولم تقع معمولة للفعل المنفى (عم) النفى كل فرد مما اضيف اليه كل وافاد نفى اصل الفعل عن كل فرد (كقول النبى صلّى الله عليه وآله وسلم لما قال له ذو اليدين) اسم واحد من الصحابة (اقصرت الصلاة) بالرفع فاعل اقصرت (ام نسيت) يا رسول الله (كل ذلك لم يكن) هذا قول النبى صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم.

والمعنى لم يقع واحد من القصر والنسيان على سبيل شمول النفى وعمومه لوجهين احدهما ان جواب ام اما بتعيين احد الامرين او بنفيهما جميعا تخطئة للمستفهم لا بنفى الجمع بينهما لانه عارف بان الكائن احدهما.

والثانى ما روى انه لما قال النبى عليه السلام كل ذلك لم يكن قال له ذو اليدين بل بعض ذلك قد كان ومعلوم ان الثبوت للبعض انما ينافى النفى عن كل فرد لا النفى عن المجموع (وعليه) اى على عموم النفى عن كل فرد.

(قوله) اى قول ابى النجم

قد اصبحت ام الخيار تدعى

على ذنبا كله لم اصنع

برفع كله على معنى لم اصنع شيئا مما تدعيه على من الذنوب ولافادة هذا المعنى عدل عن النصب المستغنى عن الاضمار الى الرفع المفتقر اليه اى لم اصنعه.

(واما تأخيره) اى تأخير المسند اليه (فلاقتضاء المقام تقديم المسند) وسيجىء بيانه.

(هذا) اى الذى ذكر من الحذف والذكر والاضمار وغير ذلك في المقامات المذكورة (كله مقتضى الظاهر) من الحال.

(وقد يخرج الكلام على خلافه) اى على خلاف مقتضى الظاهر لاقتضاء

٧٤

الحال اياه (فيوضع المضمر موضع المظهر كقولهم نعم رجلا) زيد (مكان نعم الرجل زيد) فان مقتضى الظاهر فى هذا المقام هو الاظهار دون الاضمار لعدم تقدم ذكر المسند اليه وعدم قرينة تدل عليه ،

وهذا الضمير عائد الى متعقل معهود في الذهن والتزم تفسيره بنكرة ليعلم جنس المتعقل وانما يكون هذا من وضع المضمر موضع المظهر (في احد القولين) اى قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف واما من يجعله مبتدأ ونعم رجلا خبره فيحتمل عنده ان يكون الضمير عائدا الى المخصوص وهو مقدم تقديرا ويكون التزام افراد الضمير حيث لم يقل نعما ونعموا من خواص هذا الباب لكونه من الافعال الجامدة.

(وقولهم هو او هى زيد عالم مكان الشان او القصة) فالاضمار فيه ايضا على خلاف مقتضى الظاهر لعدم التقدم.

واعلم ان الاستعمال على ان ضمير الشأن انما يؤنث اذا كان فى الكلام مؤنث غير فضلة ، فقوله هى زيد عالم مجرد قياس ثم علل وضع المضمر موضع المظهر في البابين بقوله (ليتمكن ما يعقبه) اى يعقب الضمير اى يجىء على عقبه (فى ذهن السامع لانه) اى السامع (اذا لم يفهم منه) اى من الضمير (معنى انتظره) اى انتظر السامع ما يعقب الضمير ليفهم منه معنى فيتمكن بعد وروده فضل تمكن لان المحصول بعد الطلب اعز من المنساق بلا تعب.

ولا يخفى ان هذا لا يحسن فى باب نعم لان السامع ما لم يسمع المفسر لم يعلم ان فيه ضميرا فلا يتحقق فيه التشوق والانتظار (وقد يعكس) وضع المضمر موضع المظهر اى يوضع المظهر موضع المضمر (فان كان) المظهر الذى وضع موضع المضمر (اسم اشارة فلكمال العناية بتمييزه) اى تمييز المسند اليه (لاختصاصه بحكم بديع) كقوله (كم عاقل عاقل) هو وصف عاقل الاول بمعنى كامل العقل متناه فيه (اعيت) اى اعيته واعجزته او اعيت عليه وصعبت (مذاهبه) اى طرق معاشه.

٧٥

وجاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذى ترك الاوهام حائرة

وصير العالم النحرير) اى المتقن من نحر الامور علما اتقنها (زنديقا) كافرا نافيا للصانع العدل الحكيم ، فقوله هذا اشارة الى حكم سابق غير محسوس وهو كون العاقل محروما والجاهل مرزوقا فكان القياس فيه الاضمار فعدل الى اسم الاشارة لكمال العناية بتمييزه ليرى السامعين ان هذا الشىء المتميز المتعين هو الذى له الحكم العجيب وهو جعل الاوهام حائرة والعالم النحرير زنديقا فالحكم البديع هو الذى اثبت للمسند اليه المعبر عنه باسم الاشارة (او التهكم) عطف على كمال العناية (بالسامع كما اذا كان) السامع (فاقد البصر) او لا يكون ثمة مشار اليه اصلا (او النداء على كمال بلادته) اى بلادة السامع بانه لا يدرك غير المحسوس (او) على كمال (فطانته) بان غير المحسوس عنده بمنزلة المحسوس (او ادعاء كمال ظهوره) اى ظهور المسند اليه.

(وعليه) اى على وضع اسم الاشارة موضع المضمر لادعاء كمال الظهور (من غير هذا الباب) اى باب المسند اليه (تعاللت) اى اظهرت العلة والمرض (كى اشجى) اى احزن من شجى بالكسر اى صار حزينا لا من شجى العظم بمعنى نشب فى حلقه (وما بك علة ، تريدين قتلى قد ظفرت بذلك) اى بقتلى كان مقتضى الظاهر (ان يقول به لانه ليس) بمحسوس فعدل الى ذلك اشارة الى ان قتله قد ظهر ظهور المحسوس (وان كان) المظهر الذى وضع موضع المضمر (غيره) اى غير اسم الاشارة (فلزيادة التمكن) اى جعل المسند اليه متمكنا عند السامع (نحو (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ)) اى الذى يصمد اليه ويقصد فى الحوائج لم يقل هو الصمد لزيادة التمكن.

(ونظيره) اى نظير (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) في وضع المظهر موضع المضمر لزيادة التمكن (من غيره) اى من غير باب المسند اليه.

((وَبِالْحَقِ)) اى بالحكمة المقتضية للانزال ((أَنْزَلْناهُ)) اى القرآن ((وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)) حيث لم يقل وبه نزل (او ادخال الروع) عطف على زيادة التمكن (فى ضمير السامع وتربية المهابة) عنده وهذا كالتأكيد لادخال الروع (او تقوية داعى

٧٦

المأمور ، ومثالهما) اى مثال التقوية وادخال الروع مع التربية (قول الخلفاء امير المؤمنين يأمرك بكذا) مكانا انا آمرك.

(وعليه) اى على وضع المظهر موضع المضمر لتقوية داعى المأمور (من غيره) اى من غير باب المسند اليه ((فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)) لم يقل علّى لمّا فى لفظ الله من تقوية الداعى الى التوكل عليه لدلالته على ذات موصوفة بالاوصاف الكاملة من القدرة الباهرة وغيرها (او الاستعطاف) اى طلب العطف والرحمة (كقوله :

الهى عبدك العاصى اتاكا

مقرا بالذنوب وقد دعاكا

لم يقل انا العاصي لما في لفظ عبدك العاصى من التخضع واستحقاق الرحمة وترقب الشفقة.

(قال السكاكى هذا) اعنى نقل الكلام عن الحكاية الى الغيبة (غير مختص بالمسند اليه ولا) النقل مطلقا مختص (بهذا القدر) اى بان يكون عن الحكاية الى الغيبة ولا يخلو العبارة عن تسامح (بل كل من التكلم والخطاب والغيبة مطلقا) اى وسواء كان فى المسند اليه او غيره وسواء كان كل منها واردة فى الكلام او كان مقتضى الظاهر ايراده (ينقل الى الاخر) فتصير الاقسام ستة حاصلة من ضرب الثلاثة فى الاثنين ولفظ مطلقا ليس فى عبارة السكاكى لكنه مراده بحسب ما علم من مذهبه فى الالتفات بالنظر الى الامثلة.

(ويسمى هذا النقل عند علماء المعانى التفاتا) مأخوذا من التفات الانسان عن يمينه الى شماله او بالعكس (كقوله) اى قول امرىء القيس (تقاول ليلك) خطاب لنفسه التفاتا ومقتضى الظاهر ليلى (بالاثمد) بفتح الهمزة وضم الميم اسم موضع.

(والمشهور) عند الجمهور (ان الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من) الطرق (الثلاثة) التكلم والخطاب والغيبة (بعد التعبير عنه) اى عن ذلك المعنى (باخر منها) اى بطريق آخر من الطرق الثلاثة بشرط ان يكون التعبير الثانى على خلاف ما يقتضيه الظاهر ويترقبه السامع ولا بد من هذا القيد ليخرج مثل قولنا انا

٧٧

زيد وانت عمر ونحن اللذون صبّحوا الصباحا ، ومثل قوله تعالى (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ،) و (اهْدِنَا ،) و (أَنْعَمْتَ) فان الالتفات انما هو فى اياك نعبد والباقى جار على اسلوبه ومن زعم ان فى مثل يا ايها الذين آمنوا التفاتا والقياس آمنتم فقد سها على ما يشهد به كتب النحو.

(وهذا) اى الالتفات بتفسير الجمهور (اخص منه) بتفسير السكاكى لان النقل عنده اعم من ان يكون قد عبر عنه بطريق من الطرق ثم بطريق آخر او يكون مقتضى الظاهر ان يعبر عنه بطريق منها فترك وعدل الى طريق آخر فيتحقق الالتفات بتعبير واحد وعند الجمهور مخصوص بالاول حتى لا يتحقق الالتفات بتعبير واحد فكل التفات عندهم التفات عنده من غير عكس كما في تطاول ليلك.

(مثال التفات من التكلم الى الخطاب ومالى لا اعبد الذى فطرنى واليه ترجعون) ومقتضى الظاهر ارجع والتحقيق ان المراد ما لكم لا تعبدون ، لكن لما عبر عنهم بطريق التكلم كان مقتضى ظاهر السوق اجراء باقى الكلام على ذلك الطريق فعدل عنه الى طريق الخطاب فيكون التفاتا على المذهبين.

(و) مثال الالتفات من التكلم (الى الغيبة (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ،).

ومقتضى الظاهر لنا (و) مثال الالتفات (من الخطاب الى التكلم) قول الشاعر (طحا) اى ذهب (بك قلب فى الحسان طروب) ومعنى طروب فى الحسان ان له طربا فى طلب الحسان ونشاطا فى مراودتها (بعيد الشباب) تصغير بعد للقرب اى حين ولى الشباب وكاد ينصرم (عصر) ظرف زمان مضاف الى الجملة الفعلية اعنى قوله (حان) اى قرب (مشيب ، يكلفنى ليلى) فيه التفات من الخطاب فى بك الا التكلم.

ومقتضى الظاهر يكلفك وفاعل يكلفنى ضمير عائد الى القلب وليلى مفعوله الثانى والمعنى يطالبنى القلب بوصل ليلى.

وروى تكلفنى بالتاء الفوقانية على انه مسند الى ليلى والمفعول محذوف اى

٧٨

شدائد فراقها او على انه خطاب للقلب فيكون التفاتا آخر من الغيبة الى الخطاب (وقد شط) اى بعد (وليها) اى قربها (وعادت عواد بيننا وخطوب) قال المرزوقى عادت يجوز ان يكون فاعلت من المعاداة كان الصوارف والخطوب صارت تعاديه ويجوز ان يكون من عاد يعود اى عادت عواد وعوائق كانت تحول بيننا الى ما كانت عليه قبل.

(و) مثال الالتفات من الخطاب (الى الغيبة) قوله تعالى (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) والقياس بكم (و) مثال الالتفات (من الغيبة الى التكلم) قوله تعالى (اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ) ومقتضى الظاهر فساقه اى ساق الله ذلك السحاب واجراه الى بلد ميت.

(و) مثال الالتفات من الغيبة (الى الخطاب) قوله تعالى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ومقتضى الظاهر اياه (ووجهه) اى وجه حسن الالتفات (ان الكلام اذا نقل من اسلوب الى اسلوب آخر كان) ذلك الكلام (احسن تطرية) اى تجديدا واحداثا من طريت الثوب (لنشاط السامع وكان اكثر ايقاظا للاصغاء اليه) اى الى ذلك الكلام لان لكل جديد لذة ، وهذا وجه حسن الالتفات على الاطلاق.

(وقد يختص مواقعه بلطائف) غير هذا الوجه العام (كما في) سورة (الفاتحة فان العبد اذا ذكر الحقيق بالحمد عن قلب حاضر يجد) ذلك العبد (من نفسه محركا للاقبال عليه) اى على ذلك الحقيقى بالحمد (وكلما اجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرك الى ان يؤل الامر الى خاتمتها) اى خاتمة تلك الصفات يعنى مالك يوم الدين (المفيدة انه) اى ذلك الحقيق بالحمد (مالك الامر كله فى يوم الجزاء) لانه اضيف مالك الى يوم الدين على طريق الاتساع والمعنى على الظرفية اى مالك فى يوم الدين والمفعول محذوف دلالة على التعميم.

(فحينئذ يوجب) ذلك المحرك لتناهيه فى القوة (الاقبال عليه) اى اقبال العبد على ذلك الحقيق ، بالحمد (والخطاب بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة فى المهمات) فالباء فى بتخصيصه متعلق بالخطاب يقال : خاطبته بالدعاء اذا دعوت له

٧٩

مواجهة.

وغاية المخضوع : هو معنى العبادة وعموم المهمات مستفاد من حذف مفعول نستعين والتخصيص مستفاد من تقديم المفعول فاللطيفة المختص بها موقع هذا الالتفات ، هى : ان فيه تنبيها على ان العبد اذا اخذ فى القراءة يجب ان يكون قراءته على وجه يجد من نفسه ذلك المحرك.

ولما انجر الكلام الى ذكر خلاف مقتضى الظاهر ، اورد عدة اقسام : منه وان لم تكن من مباحث المسند اليه ، فقال (ومن خلاف المقتضى) اى مقتضى الظاهر (تلقى المخاطب) من اضافة المصدر الى المفعول اى تلقى المتكلم للمخاطب (بغير ما يترقب) المخاطب (بحمل كلامه).

والباء فى بغير للتعدية وفى بحمل كلامه للسببية اى انما تلقاه بغير ما يترقبه بسبب انه حمل كلامه اى الكلام الصادر عن المخاطب (على خلاف مراده) اى مراد المخاطب ، وانما حمل كلامه على خلاف مراده (تنبيها) للمخاطب (على انه) اى ذلك الغير هو (الاولى بالقصد) والارادة.

(كقول القبعثرى للحجاج وقد قال) الحجاج (له) اى للقبعثرى حال كون الحجاج (متوعدا) اياه («لاحملنك على الادهم») يعني القيد ، هذا مقول قول الحجاج («مثل الامير يحمل على الادهم والاشهب») هذا مقول قول القبعثرى فابرز وعيد الحجاج فى معرض الوعد وتلقاه بغير ما يترقب بان حمل الادهم فى كلامه على الفرس الادهم اى الذى غلب سواده حتى ذهب البياض الذى فيه وضم اليه الاشهب اى الذى غلب بياضه حتى ذهب سواده.

ومراد الحجاج انما هو القيد فنبه على ان الحمل على الفرس الادهم ، هو الاولى بان يقصده الامير (اى من كان مثل الامير فى السلطان) اى الغلبة (وبسطة اليد) اى الكرم والمال والنعمة (فجدير بان يصفد) اى يعطى من اصفده (لا ان يصفد) اى يقيده من صفده (او السائل) عطف على المخاطب اى تلقى السائل (بغير ما يطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره) اى منزلة غير ذلك السؤال (تنبيها) للسائل (على انه)

٨٠