مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

المراد خصوصية ما ، وهو مقتضى الحال ، مثلا كون المخاطب منكرا للحكم حال يقتضى تأكيد الحكم ، والتأكيد مقتضى الحال ، وقولك له ان زيدا في الدار مؤكدا بان كلام مطابق لمقتضى الحال.

وتحقيق ذلك انه جزئي من جزئيات ذلك الكلام ، الذى يقتضيه الحال ، فان الانكار مثلا يقتضى كلاما مؤكدا ، وهذا مطابق له ، بمعنى انه صادق عليه على عكس ما يقال : ان الكلي مطابق للجزئيات.

وان اردت تحقيق هذا الكلام فارجع الى ما ذكرناه في الشرح في تعريف علم المعاني (وهو) : اى مقتضى الحال (مختلف فان مقامات الكلام متفاوتة) لان الاعتبار اللائق بهذا المقام يغاير الاعتبار اللائق بذاك ، وهذا عين تفاوت مقتضيات الاحوال ، لان التغاير بين الحال والمقام انما هو بحسب الاعتبار ، وهو انه يتوهم في الحال ، كونه زمانا لورود الكلام فيه وفي المقام كونه محلا له.

وفي هذا الكلام اشارة اجمالية الى ضبط مقتضيات الاحوال وتحقيق لمقتضى الحال.

(فمقام كل من التنكير والاطلاق والتقديم والذكر يباين مقام خلافه) : اى مقام خلاف كل منها يعنى ان المقام الذي يناسبه تنكير المسند اليه او المسند ، يباين المقام الذى يناسبه التعريف ، ومقام اطلاق الحكم او التعليق او المسند اليه او المسند او متعلقه يباين مقام تقييده بمؤكد ، او اداة قصر او تابع او شرط او مفعول او ما يشبه ذلك ، ومقام تقديم المسند اليه او المسند او متعلقاته ، يباين مقام تاخيره ، وكذا مقام ذكره يباين مقام حذفه ، فقوله خلافه شامل لما ذكرناه.

وانما فصل قوله (ومقام الفصل يباين مقام الوصل) تنبيها على عظم شان هذا الباب ، وانما لم يقل مقام خلافه لانه احضر واظهر ، لان خلاف الفصل انما هو الوصل ، وللتنبيه على عظم شان الفصل قوله (ومقام الايجاز يباين مقام خلافه) اى الاطناب والمساواة (وكذا خطاب الذكى مع خطاب الغبى) فان مقام الاول يباين مقام الثاني فان الذكى يناسبه من الاعتبارات اللطيفة والمعاني الدقيقة الخفية ما لا

٢١

يناسب الغبى.

(ولكل كلمة مع صاحبتها) اى مع كل كلمة اخرى مصاحبة لها (مقام) ليس لتلك الكلمة مع ما يشارك تلك المصاحبة في اصل المعنى ، مثلا الفعل الذى قصد اقترانه بالشرط ، فله مع ان مقام ليس له مع اذا وكذا الكل من ادوات الشرط مع الماضى مقام ليس له مع المضارع وعلى هذا القياس (وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب وانحطاطه) اى انحطاط شانه (بعدمها) اى بعدم مطابقته للاعتبار المناسب.

(والمراد بالاعتبار المناسب الامر الذى اعتبره المتكلم مناسبا بحسب السليقة او بحسب تتبع تراكيب البلغاء ، يقال اعتبرت الشيء ، اذا نظرت اليه وراعيت حاله) واراد بالكلام ، الكلام الفصيح وبالحسن ، الحسن الذاتي الداخل في البلاغة دون العرضى الخارج لحصوله بالمحسنات البديعية (فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب) للحال والمقام ، يعنى اذا علم ان ليس ارتفاع شأن الكلام الفصيح في الحسن الذاتي الا بمطابقته للاعتبار المناسب على ما يفيده اضافة المصدر.

ومعلوم انه انما يرتفع بالبلاغة التى هى عبارة عن مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال ، فقد علم ان المراد بالاعتبار المناسب ومقتضى الحال واحد ، والا لما صدق انه لا يرتفع الا بالمطابقة للاعتبار المناسب ، ولا يرتفع الا بالمطابقة لمقتضى الحال فليتأمل.

(فالبلاغة) صفة (راجعة الى اللفظ) يعنى انه يقال : كلام بليغ لكن لا من حيث انه لفظ وصوت ، بل (باعتبار افادته المعنى) اى الغرض المصوغ له الكلام (بالتركيب) متعلق بافادته ، وذلك لان البلاغة كما مرّ عبارة عن مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال ، فظاهر ان اعتبار المطابقة وعدمها انما يكون باعتبار المعاني والاغراض التى يصاغ لها الكلام ، لا باعتبار الالفاظ المفردة والكلم المجردة.

(وكثيرا ما) نصب على الظرف لانه من صفة الاحيان وما لتأكيد معنى الكثرة والعامل فيه.

٢٢

قوله : (يسمى ذلك) الوصف المذكور (فصاحة ايضا) كما يسمى بلاغة ، فحيث يقال : أن اعجاز القرآن من جهة كونه في اعلى طبقات الفصاحة يراد بها هذا المعنى. (ولها) اى لبلاغة الكلام (طرفان : اعلى وهو حد الاعجاز) وهو ان يرتقى الكلام في بلاغته الى ان يخرج عن طوق البشر ، ويعجزهم عن معارضته.

(وما يقرب منه) عطف على قوله وهو والضمير في منه عائد الى اعلى ، يعنى ان الاعلى مع ما يقرب منه كلاهما من حد الاعجاز ، هذا هو الموافق لما في المفتاح.

وزعم بعضهم انه عطف على حد الاعجاز والضمير في منه عائد اليه ، يعنى ان الطرف الاعلى هو حد الاعجاز ، وما يقرب من حد الاعجاز.

وفيه نظر لان القريب من حد الاعجاز لا يكون من الطرف الاعلى الذى هو حد الاعجاز وقد اوضحنا ذلك في الشرح.

(واسفل وهو ما اذا غير) الكلام (عنه الى ما دونه) اى الى مرتبة اخرى هي ادنى منه وانزل (التحق) الكلام وان كان صحيح الاعراب (عند البلغاء باصوات الحيوانات) تصدر عن محالها بحسب ما يتفق ، من غير اعتبارات اللطائف والخواص الزائدة على اصل المراد (وبينهما) اى بين الطرفين (مراتب كثيرة) متفاوتة بعضها اعلى من بعض بحسب تفاوت المقامات ورعاية الاعتبارات ، والبعد من اسباب الاخلال بالفصاحة (وتتبعها) اى بلاغة الكلام (وجوه اخر) سوى المطابقة.

والفصاحة (تورث الكلام حسنا) وفي قوله (تتبعها) اشارة الى ان تحسين هذه الوجوه للكلام عرضى خارج عن حد البلاغة ، والى ان هذه الوجوه انما تعد محسنة بعد رعاية المطابقة ، والفصاحة وجعلها تابعة للبلاغة الكلام دون المتكلم لانها ليست مما تجعل المتكلم متصفا بصفة.

(و) البلاغة (في المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ فعلم) مما تقدم (ان كل بليغ) كلا ما كان او متكلما على سبيل استعمال المشترك في معنييه ، او على تأويل كل ما يطلق عليه لفظ البليغ (فصيح) لان الفصاحة مأخوذة في تعريف

٢٣

البلاغة مطلقا (ولا عكس) بالمعنى اللغوى : اى ليس كل فصيح بليغا ، لجواز أن يكون كلام فصيح غير مطابق لمقتضى الحال ، وكذا يجوز ان يكون لاحد ملكة يقتدر بها التعبير عن المقصود بلفظ فصيح من غير مطابقة لمقتضى الحال.

(و) علم ايضا (ان البلاغة) في الكلام (مرجعها) اى ما يجب ان يحصل حتى يمكن حصولها ، كما يقال مرجع الجود الى الغنى (الى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد) والا لربما ادى المعنى المراد بلفظ فصيح ، غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغا (والى تمييز) الكلام (الفصيح من غيره) والا لربما اورد الكلام المطابق لمقتضى الحال بلفظ غير فصيح ، فلا يكون ايضا بليغا لوجوب وجود الفصاحة في البلاغة ، ويدخل في تمييز الكلام الفصيح من غيره تمييز الكلمات الفصيحة من غيرها لتوقفه عليها.

(والثاني) اى تمييز الفصيح من غيره (منه) اى بعضه (ما يبين) اى يوضح (في علم متن اللغة) كالغرابة.

وانما قال في علم متن اللغة اى معرفة اوضاع المفردات لان اللغة اعم من ذلك لانه يطلق على سائر اقسام العربية ، يعنى به يعرف تمييز السالم من الغرابة عن تمييز غيره ، بمعنى ان من تتبع الكتب المتداولة واحاط بمعانى المفردات المأنوسة علم ان ما عداها مما يفتقر الى تنقير او تخريج ، فهو غير سالم من الغرابة.

وبهذا تبين فساد ما قيل انه ليس في علم متن اللغة ان بعض الالفاظ مما يحتاج في معرفته الى ان يبحث عنه في الكتب المبسوطة في اللغة (او) في علم (التصريف) كمخالفة القياس اذ به يعرف ان الاجلل مخالف (للقياس) دون الاجل (او في علم النحو) كضعف التأليف والتعقيد اللفظى (او يدرك بالحس) كالتنافر ، اذ به يعرف ان مستشزرا متنافر دون مرتفع.

وكذا تنافر الكلمات (وهو) اى ما يبين في العلوم المذكورة او ما يدرك بالحس ، فالضمير عائد الى ما ، ومن زعم انه عائد الى ما يدرك بالحس فقدسها سهوا ظاهرا.

(ما عد التعقيد المعنوى) اذ لا يعرف بتلك العلوم ولا بالحس تمييز السالم من

٢٤

التعقيد المعنوى من غيره فعلم ان مرجع البلاغة بعضه مبين في العلوم المذكورة وبعضها مدرك بالحس وبقى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد والاحتراز عن التعقيد المعنوى.

فمست الحاجة الى وضع علمين مفيدين لذلك ، فوضعوا علم المعاني للاول وعلم البيان للثاني.

واليه اشار بقوله (وما يحترز به عن الاول) اى الخطاء في تأدية المعنى المراد (علم المعانى وما يحترز به عن التعقيد المعنوى علم البيان).

وسموا هذين العلمين علم البلاغة لمكان مزيد اختصاص لهما بالبلاغة ، وإن كان البلاغة تتوقف على غيرهما من العلوم.

ثم احتاجوا لمعرفة توابع البلاغة الى علم آخر ، فوضعوا لذلك علم البديع واليه اشار بقوله (وما يعرف به وجوه التحسين علم البديع).

ولما كان هذا المختصر في علم البلاغة وتوابعها انحصر مقصوده في ثلاثة فنون (وكثير) من الناس (يسمى الجميع علم البيان وبعضهم يسمى الاول علم المعانى و) يسمى (الاخيرين) يعنى البيان والبديع (علم البيان والثلاثة علم البديع) ولا يخفى وجوه المناسبة والله اعلم.

٢٥
٢٦

(الفن الاول علم المعانى)

قدمه على البيان ، لكونه منه بمنزلة المفرد من المركب ، لان رعاية المطابقة لمقتضى الحال وهو مرجع علم المعانى ، معتبرة في علم البيان ، مع زيادة شىء آخر وهو ايراد المعنى الواحد في طرق مختلفة.

(وهو علم) اى ملكة يقتدر بها على ادراكات جزئية ، ويجوز أن يريد به نفس الاصول والقواعد المعلومة ، ولاستعمالهم المعرفة في الجزئيات.

قال (تعرف به احوال اللفظ العربى) اى هو علم يستنبط منه ادراكات جزئية ، وهى معرفة كل فرد فرد من جزئيات الاحوال المذكورة ، بمعنى ان اىّ فرد يوجد منها امكننا ان نعرفه بذلك العلم.

وقوله (التى بها يطابق) اللفظ (مقتضى الحال) احتراز عن الاحوال التي ليست بهذه الصفة ، مثل الاعلال والادغام والرفع والنصب وما اشبه ذلك مما لا بد منه في تأدية اصل المعنى ، وكذا المحسنات البديعية من التنجيس والترصيع ونحوهما مما يكون بعد رعاية المطابقة.

والمراد انه علم يعرف به هذه الاحوال من حيث انها يطابق بها اللفظ مقتضى الحال ، لظهور ان ليس علم المعانى عبارة عن تصور معانى التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والاثبات والحذف وغير ذلك.

وبهذا يخرج عن التعريف علم البيان ، اذ ليس البحث فيه عن احوال اللفظ من هذه الحيثية ، والمراد باحوال اللفظ : الامور العارضة له من التقديم والتأخير والاثبات والحذف وغير ذلك.

ومقتضى الحال في التحقيق هو الكلام الكلى المتكيف بكيفية مخصوصة على ما اشار اليه في المفتاح ، وصرح به في شرحه لا نفس الكيفيات من التقديم والتأخير

٢٧

والتعريف والتنكير على ما هو ظاهر عبارة المفتاح وغيره ، والا لما صح القول بانها احوال بها يطابق اللفظ مقتضى الحال ، لانها عين مقتضى الحال ، قد حققنا ذلك في الشرح.

واحوال الاسناد ايضا من احوال اللفظ ، باعتبار أن التأكيد وتركه مثلا من الاعتبارات الراجعة الى نفس الجملة ، وتخصيص اللفظ بالعربى مجرد اصطلاح ، لان الصناعة انما وضعت لذلك.

(وينحصر) المقصود من علم المعانى (في ثمانية ابواب) : انحصار الكل في الاجزاء لا الكلى في الجزئيات ، والا لصدق علم المعانى على كل باب من الابواب المذكورة ، وليس كذلك (احوال الاسناد الخبرى) و (احوال المسند اليه) و (احوال المسند) و (احوال متعلقات الفعل) و (القصر) و (الانشاء) و (الفصل) و (الوصل) و (الايجاز) و (الاطناب) و (المساواة).

وانما انحصر فيها؟ (لان الكلام اما اخبار او انشاء لانه) لا محالة يشتمل على نسبة تامة بين الطرفين ، قائمة بنفس المتكلم وهى تعلق احد الشيئين بالاخر ، بحيث يصح السكوت عليه سواء كان ايجابا او سلبا او غيرهما كما في الانشائيات وتفسيرها بايقاع المحكوم به على المحكوم عليه او سلبه عنه خطأ في هذا المقام ، لانه لا يشمل النسبة في الكلام الانشائي فلا يصح التقسيم.

فالكلام (ان كان لنسبته خارج) في احد الازمنة الثلاثة : اى يكون بين الطرفين في الخارج نسبة ثبوتية او سلبية (تطابقه) اى تطابق تلك النسبة ذلك الخارج ، بان يكونا ثبوتيتين او سلبيتين (او لا تطابقه) بان تكون النسبة المفهومة من الكلام ثبوتية ، والتى بينهما في الخارج والواقع سلبية او بالعكس.

(فخبر) اى فالكلام خبر (والا) اى وان لم يكن لنسبته خارج كذلك (فانشاء).

وتحقيق ذلك ان الكلام اما ان يكون له نسبة بحيث تحصل من اللفظ ويكون اللفظ موجدا لها من غير قصد الى كونه دالا على نسبة حاصلة فى الواقع بين الشيئين

٢٨

وهو الانشاء او تكون له نسبة بحيث يقصدان لها نسبة خارجية مطابقة اولا مطابقة ، وهو الخبر ، لان النسبة المفهومة من الكلام الحاصلة فى الذهن لابد وان تكون بين الشيئين ، ومع قطع النظر عن الذهن لا بد وان يكون بين هذين الشيئين في الواقع نسبة ثبوتية ، بان يكون هذا ذاك ، او سلبية بان لا يكون هذا ذاك.

الا ترى انك اذا قلت زيد قائم ، فان القيام حاصل لزيد قطعا ، سواء قلنا ان النسبة من الامور الخارجية او ليست منها ، وهذا معنى وجود النسبة الخارجية.

(والخبر لا بد له من مسند اليه ومسند واسناد ، والمسند قد يكون له متعلقات اذا كان فعلا او ما في معناه) كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول وما اشبه ذلك ، ولا وجه لتخصيص هذا الكلام بالخبر.

(وكل من الاسناد والتعليق اما بقصر او بغير قصر وكل جملة قرنت باخرى ، اما معطوفة عليها او غير معطوفة ، والكلام البليغ اما زائد على اصل المراد لفائدة) احترز به عن التطويل ، على انه لا حاجة اليه بعد تقييد الكلام بالبليغ (او غير زائد).

هذا كله ظاهر لكن لا طائل تحته ، لان جميع ما ذكر من القصر والفصل والوصل والايجاز ومقابليه ، انما هو من احوال الجملة او المسند اليه والمسند ، مثل التأكيد والتقديم والتأخير وغير ذلك ، فالواجب في هذا المقام بيان سبب افرادها وجعلها ابوابا برأسها وقد لخصنا ذلك في الشرح.

٢٩

صدق الخبر وكذبه

(تنبيه)

على تفسير الصدق والكذب الذى قد سبق اشارة ما اليه في قوله تطابقه او لا تطابقه.

اختلف القائلون بانحصار الخبر في الصدق والكذب في تفسيرها.

فقيل : (صدق الخبر مطابقته) اى مطابقة حكمه (للواقع) وهو الخارج الذى يكون لنسبة الكلام الخبرى (وكذبه) اى كذب الخبر (عدمها) اى عدم مطابقته للواقع ، يعنى ان الشيئين اللذين اوقع بينهما نسبة في الخبر ، لا بد وان يكون بينهما نسبة في الواقع ، اى مع قطع النظر عما في الذهن وعما يدل عليه الكلام فمطابقة تلك النسبة المفهومة من الكلام للنسبة التى في الخارج ، بان يكونا ثبوتيتين او سلبيتين صدق وعدمها ، بان يكون احديهما ثبوتية والاخرى سلبية كذب.

(وقيل) صدق الخبر (مطابقته لاعتقاد المخبر ولو كان) ذلك الاعتقاد (خطاء) غير مطابق للواقع (و) كذب الخبر (عدمها) اى عدم مطابقته لاعتقاد المخبر ولو كان خطاء ، فقول القائل السماء تحتنا معتقدا ذلك صدق ، وقوله السماء فوقنا غير معتقد كذب ، والمراد بالاعتقاد الحكم الذهني الجازم او الراجح ، فيعم العلم والظن.

وهذا يشكل بخبر الشاك لعدم الاعتقاد فيه فيلزم الواسطة ولا يتحقق الانحصار.

اللهم الا ان يقال انه كاذب لانه اذا انتفى الاعتقاد صدق عدم مطابقة الاعتقاد والكلام في ان المشكوك خبر او ليس بخبر مذكور في الشرح فليطالع ثمة (بدليل) قوله تعالى (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ... وَاللهُ يَشْهَدُ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) فانه تعالى جعلهم كاذبين في قولهم انك لرسول الله لعدم مطابقته لاعتقادهم وان كان مطابقا للواقع.

٣٠

(ورد) هذا الاستدلال (بان المعنى لكاذبون في الشهادة) وفي ادعائهم المواطأة ، فالتكذيب راجع الى الشهادة باعتبار تضمنها خبرا كاذبا غير مطابق للواقع ، وهو ان هذه الشهادة من صميم القلب وخلوص الاعتقاد بشهادة انّ واللام والجملة الاسمية (او) المعنى انهم لكاذبون (في تسميتها) اى في تسمية هذا الاخبار شهادة لان الشهادة ما يكون على وفق الاعتقاد فقوله تسميتها مصدر مضاف الى المفعول الثاني والاول محذوف (او) المعنى انهم لكاذبون (في المشهود به) اعنى قولهم انك لرسول الله لكن لا في الواقع بل (في زعمهم) الفاسد واعتقادهم الباطل لانهم يعتقدون انه غير مطابق للواقع فيكون كاذبا باعتقادهم وان كان صادقا في نفس الامر فكأنه قيل انهم يزعمون انهم كاذبون في هذا الخبر الصادق وحينئذ لا يكون الكذب الا بمعنى عدم المطابقة للواقع فليتأمل.

لئلا يتوهم ان هذا اعتراف بكون الصدق والكذب راجعين الى الاعتقاد.

(والجاحظ) انكر انحصار الخبر في الصدق والكذب واثبت الواسطة وزعم ان صدق الخبر (مطابقته) للواقع (مع الاعتقاد) بانه مطابق (و) كذب الخبر (عدمها) اى عدم مطابقته للواقع (معه) أى مع اعتقاد انه غير مطابق (وغيرهما) اى غير هذين القسمين.

وهو اربعة اعنى المطابقة مع اعتقاد عدم المطابقة ، او بدون الاعتقاد اصلا ، او عدم المطابقة مع اعتقاد المطابقة ، او بدون الاعتقاد اصلا (ليس بصدق ولا كذب) فكل من الصدق والكذب بتفسيره اخص منه بالتفسيرين السابقين لانه اعتبر في الصدق مطابقة الواقع والاعتقاد جميعا وفي الكذب عدم مطابقتهما جميعا بناء على ان اعتقاد المطابقة يستلزم مطابقة الاعتقاد.

ضرورة توافق الواقع والاعتقاد حينئذ وكذا اعتقاد عدم المطابقة يستلزم عدم مطابقة الاعتقاد حينئذ.

وقد اقتصر في التفسيرين السابقين على احدهما (بدليل افترى على الله كذبا ام به جنة) لان الكفار حصروا اخبار النبي عليه السلام بالحشر والنشر على ما يدل

٣١

عليه قوله تعالى (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) في الافتراء والاخبار حال الجنة على سبيل منع الخلو.

ولا شك (ان المراد بالثاني) اى الاخبار حال الجنة لا قوله ام به جنة على ما سبق الى بعض الاوهام (غير الكذب لانه قسيمه) اى لان الثاني قسيم الكذب اذ المعنى الكذب ام اخبر حال الجنة وقسيم الشيء يجب ان يكون غيره (وغير الصدق لانهم لم يعتقدوه) اى لان الكفار لم يعتقدوا صدقه فلا يريدون في هذا المقام الصدق الذى هو بمراحل عن اعتقادهم ، ولو قال لانهم اعتقدوا عدم صدقه لكان اظهر.

فمرادهم بكونه خبرا حال الجنة غير الصدق وغير الكذب وهم عقلاء من اهل اللسان عارفون باللغة فيجب ان يكون من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب حتى يكون هذا منه بزعمهم وعلى هذا لا يتوجه ما قيل انه لا يلزم من عدم اعتقادهم الصدق عدم الصدق لانه لم يجعله دليلا على عدم الصدق بل على عدم ارادة الصدق فليتأمل.

(ورد) هذا الاستدلال (بان المعنى) اى معنى ام به جنة (ام لم يفتر فعبر عنه) اى عدم الافتراء (بالجنة لان المجنون لا افتراء له) لانه الكذب عن عمد ولا عمد للمجنون فالثاني ليس قسيما للكذب ، بل لما هو اخص منه ، اعنى الافتراء فيكون هذا حصرا للخبر الكاذب بزعمهم في نوعيه اعنى الكذب عن عمد والكذب لا عن عمد.

٣٢

الباب الاول

(احوال الاسناد الخبرى)

وهو ضم كلمة او ما يجرى مجراها الى اخرى بحيث يفيد الحكم بان مفهوم احديهما ثابت لمفهوم الاخرى او منفى عنه وانما قدم بحيث الخبر لعظم شأنه وكثرة مباحثه.

ثم قدم احوال الاسناد على احوال المسند اليه والمسند مع تأخر النسبة عن الطرفين لان البحث في علم المعاني انما هو عن احوال اللفظ الموصوف بكونه مسند اليه او مسندا وهذا الوصف انما يتحقق بعد تحقق الاسناد والمتقدم على النسبة انما هو ذات الطرفين ولا بحث لنا عنها.

(لا شك ان قصد المخبر) اى من يكون بصدد الاخبار والاعلام والا فالجملة الخبرية كثيرا ما تورد لاغراض آخر غير افادة الحكم او لازمه مثل التحسّر والتحزّن وفى قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) وما اشبه ذلك (بخبره) متعلق بقصر (افادة المخاطب) خبران.

(اما الحكم) مفعول الافادة (او كونه) اى كون المخبر (عالما به) اى بالحكم والمراد بالحكم هنا وقوع النسبة اولا وقوعها وكونه مقصودا للمخبر بخبر لا يستلزم تحققه في الواقع.

وهذا مراد من قال ان الخبر لا يدل على ثبوت المعنى او انتفائه على سبيل القطع والا فلا يخفى ان مدلول قولنا زيد قائم ومفهومه ان القيام ثابت لزيد وعدم ثبوته له احتمال عقلى لا مدلول ولا مفهوم للفظ فليفهم.

(ويسمى الاول) اى الحكم الذى يقصد بالخبر افادته (فائدة الخبر والثاني)

٣٣

اى كون المخبر عالما به (لازمها) اى لازم فائدة الخبر ، لانه كلما افاد الحكم افاد انه عالم به وليس كلما افاد انه عالم بالحكم افاد نفس الحكم ، لجواز ان يكون الحكم معلوما قبل الاخبار ، كما في قولنا لمن حفظ التورية قد حفظت التورية وتسمية مثل هذا الحكم فائدة الخبر بناء على انه من شانه ان يقصد بالخبر ويستفاد منه والمراد بكونه عالما بالحكم حصول صورة الحكم في ذهنه وههنا ابحاث شريفة سمحنا بها في الشرح.

(وقد ينزّل) المخاطب (العالم بهما) اى بفائدة الخبر ولازمها (منزلة الجاهل) فيلقى اليه الخبر وان كان عالما بالفائدتين (لعدم جريه على موجب العلم) فان من لا يجرى على مقتضى علمه هو والجاهل سواء كما يقال للعالم التارك للصلاة ، الصلاة واجبة وتنزيل العالم بالشى منزلة الجاهل به لاعتبارات خطابية كثير في الكلام منه قوله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) بل تنزيل وجود الشىء منزلة عدمه كثير منه قوله تعالى (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

(فينبغى) اى اذا كان قصد المخبر بخبره افادة المخاطب ينبغى (ان يقتصر من التركيب على قدر الحاجة) حذرا عن اللغو (فان كان) المخاطب (خالى الذهن من الحكم والتردد فيه) اى لا يكون عالما بوقوع النسبة او لا وقوعها ولا مترددا في ان النسبة هل هي واقعة ام لا.

وبهذا تبين فساد ما قيل ان الخلو عن الحكم يستلزم الخلو عن التردد فيه فلا حاجة الى ذكره بل التحقيق ان الحكم والتردد فيه متنافيان (استغنى) على لفظ المبنى للمفعول (عن مؤكدات الحكم) لتمكن الحكم في الذهن حيث وجده خاليا (وان كان) المخاطب (مترددا فيه) اى في الحكم (طالبا له) بان حضر في ذهنه طرف الحكم وتحير في ان الحكم بينهما وقوع النسبة اولا وقوعها (حسن تقوية) اى تقويته الحكم (بمؤكد) ليزيل ذلك المؤكد تردده ويمكن فيه الحكم.

لكن المذكور في دلائل الاعجاز انه انما يحسن التأكيد اذا كان للمخاطب ظن في خلاف حكمك (وان كان) اى المخاطب (منكرا) للحكم (وجب توكيده) اى

٣٤

توكيد الحكم (بحسب الانكار) اى بقدرة قوة وضعفا يعنى يجب زيادة التأكيد بحسب ازدياد الانكار ازالة له (كما قال الله تعالى حكاية عن رسل عيسى عليه السلام اذ كذبوا في المرة الاولى (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) مؤكدا بانّ واسمية الجملة (وفي) المرة (الثانية) ربنا يعلم (إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) مؤكدا بالقسم وانّ واللام واسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الانكار حيث قالوا (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) وقوله اذ كذبوا مبنى على أن تكذيب الاثنين تكذيب الثلاثة والا فالمكذب اولا اثنان.

(ويسمى الضرب الاول ابتدائيا والثاني طلبيا والثالث انكاريا و) يسمى (اخراج الكلام عليها) اى على الوجوه المذكورة وهي الخلو عن التأكيد في الاول والتقوية بمؤكد استحسانا في الثاني ووجوب التأكيد بحسب الانكار في الثالث (اخراجا على مقتضى الظاهر) وهو اخص مطلقا من مقتضى الحال لان معناه مقتضى ظاهر الحال فكل مقتضى الظاهر مقتضى الحال من غير عكس كما في صورة اخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر فانه يكون على مقتضى الحال ولا يكون على مقتضى الظاهر.

(وكثيرا ما يخرج) الكلام (على خلافه) اى على خلاف مقتضى الظاهر (فيجعل غير السائل كالسائل اذا قدم اليه) اى الى غير السائل (ما يلوح) اى يشير (له) اى لغير السائل (بالخبر فيستشرف) غير السائل (له) اى للخبر يعنى ينظر اليه يقال استشرف فلان الشىء اذا رفع رأسه لينظر اليه وبسط كفه فوق حاجبه كالمستظل من الشمس (استشراف الطالب المتردد نحو (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا*)) اى ولا تدعنى يا نوح في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك فهذا كلام يلوح بالخبر تلويحا ما ويشعر بانه قد حق عليهم العذاب فصار المقام مقام ان يتردد المخاطب في انهم هل صاروا محكوما عليهم بالاغراق ام لا فقيل (انهم مغرقون) مؤكدا اى محكوم عليهم بالاغراق.

(و) يجعل (غير المنكر كالمنكر اذا لاح) اى ظهر (عليه) اى على غير المنكر

٣٥

(شىء من امارات الانكار نحو جاء شقيق) اسم رجل (عارضا رمحه) اى واضعا على العرض فهو لا ينكر ان في بنى عمه رماحا لكن مجيئه واضعا الرمح على العرض من غير التفات وتهيّؤ امارات انه يعتقد ان لا رمح فيهم بل كلهم عزل لا سلاح معهم فنزل منزلة المنكر وخوطب خطاب التفات بقوله (ان بنى عمك فيهم رماح) مؤكدا بان وفى البيت على ما اشار اليه الامام المرزوقى تهكم واستهزاء كانه يرميه بان فيه من الضعف والجبن بحيث لو علم ان فيهم رماحا لما التفت لفت الكفاح ولم تقو يده على حمل الرماح على طريقة قوله :

فقلت لمحرز لما التقينا

تنكب لا يقطرك الزحام

يرميه بانه لم يباشر الشدائد ولم يدفع الى مضائق ، المجامع كأنه يخاف عليه ان يداس بالقوائم ، كما يخاف على الصبيان والنساء لقلة غنائه وضعف بنائه.

(و) يجعل (المنكر كغير المنكر اذا كان معه) اى مع المنكر.

(ما ان تأمله) اى شىء من الدلائل والشواهد ان تأمل المنكر ذلك الشى (ارتدع) عن انكاره ومعنى كونه معه ان يكون معلوما له ومشاهدا عنده كما تقول لمنكر الاسلام «الاسلام حق» من غير تأكيد لان مع ذلك المنكر دلائل دالة على حقيقة الاسلام وقيل معنى كونه معه ان يكون معه موجودا في نفس الامر.

وفيه نظر لان مجرد وجوده لا يكفى في الارتداع ما لم يكن حاصلا عنده.

وقيل معنى ما ان تأمله شىء من العقل.

وفيه نظر لان المناسب حينئذ ان يقال ما ان تأمل به لانه لا يتأمل العقل بل يتأمل به.

(نحو (لا رَيْبَ فِيهِ)) ظاهر هذا الكلام انه مثال لجعل منكر الحكم كغيره وترك التأكيد لذلك.

وبيانه ان معنى لا ريب فيه انه ليس القرآن بمظنة للريب ولا ينبغى ان يرتاب فيه وهذا الحكم مما ينكره كثير من المخاطبين لكن نزل انكارهم منزلة عدمه لما معهم

٣٦

من الدلائل الدالة على انه ليس مما ينبغى ان يرتاب فيه والاحسن ان يقال انه نظير لتنزيل وجود الشىء منزلة عدمه بناء على وجود ما يزيله فانه نزل ريب المرتابين منزلة عدمه تعويلا على وجود ما يزيله حتى صح نفى الريب على سبيل الاستغراق كما نزل الانكار منزلة عدمه لذلك حتى يصح ترك التأكيد.

(وهكذا) اى مثل اعتبارات الاثبات (اعتبارات النفى) من التجريد عن المؤكدات في الابتدائي وتقويته بمؤكد استحسانا في الطلبى ووجوب التأكيد بحسب الانكار في الانكارى تقول لخالى الذهن ما زيد قائما او ليس زيد قائما وللطالب ما زيد بقائم وللمنكر والله ما زيد بقائم وعلى هذا القياس.

الاسناد الحقيقى والمجازى

(ثم الاسناد) مطلقا سواء كان انشائيا او اخباريا (منه حقيقة عقلية) لم يقل اما حقيقة واما مجاز لان بعض الاسناد عنده ليس بحقيقة ولا مجاز كقولنا الحيوان جسم والانسان حيوان وجعل الحقيقة والمجاز صفتى الاسناد دون الكلام لان اتصاف الكلام بهما انما هو باعتبار الاسناد واوردهما في علم المعانى لأنهما من احوال اللفظ فيدخلان في علم المعاني.

(وهى) اى الحقيقة العقلية (اسناد الفعل او معناه) كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل والظرف (الى ما) اى الى شىء.

(هو) اى الفعل او معناه (له) اى لذلك الشىء كالفاعل فيما بنى له نحو ضرب زيد عمرا او المفعول فيما بنى له نحو ضرب عمرو فان الضاربية لزيد والمضروبية لعمرو (عند المتكلم) متعلق بقوله له وبهذا دخل فيه ما يطابق الاعتقاد دون الواقع (في الظاهر) وهو ايضا متعلق بقوله له وبهذا يدخل فيه ما لا يطابق الاعتقاد والمعنى اسناد الفعل او معناه الى ما يكون هو له عند المتكلم فيما يفهم من ظاهر حاله وذلك بان لا ينصب قرينة دالة على انه غير ما هو له في اعتقاده ومعنى كونه له ان معناه قائم به ووصف له وحقه ان يسند اليه سواء كان صادرا عنه باختياره كضرب او لا كمات ومرض.

٣٧

واقسام الحقيقة العقلية على ما يشمله التعريف اربعة :

الاول ما يطابق الواقع والاعتقاد جميعا (كقول المؤمن انبت الله البقل و).

الثاني ما يطابق الاعتقاد فقط نحو قول الجاهل انبت الربيع البقل.

الثالث ما يطابق الواقع فقط كقول المعتزلى لمن لا يعرف حاله وهو يخفيها منه خلق الله تعالى الافعال كلها وهذا المثال متروك في المتن.

(و) الرابع ما لا يطابق الواقع والاعتقاد (نحو قولك جاء زيد وانت) اى والحال انك خاصة (تعلم انه لم يجىء) دون المخاطب اذ لو علمه المخاطب ايضا لما تعين كونه حقيقة لجواز ان يكون المتكلم قد جعل علم السامع بانه لم يجىء قرينة على انه لم يرد ظاهره فلا يكون الاسناد الى ما هو له عند المتكلم في الظاهر.

(ومنه) اى ومن الاسناد (مجاز عقلى) ويسمى مجازا حكميا ومجازا في الاثبات واسنادا مجازيا (وهو اسناده) اى اسناد الفعل او معناه (الى ملابس له) اى للفعل او معناه (غير ما هو له) اى غير الملابس الذى ذلك الفعل او معناه مبنى له يعنى غير الفاعل في المبنى للفاعل وغير المفعول به في المبنى للمفعول به سواء كان ذلك الغير غيرا في الواقع او عند المتكلم في الظاهر.

وبهذا سقط ما قيل انه ان اراد به غير ما هو له عند المتكلم في الظاهر فلا حاجة الى قوله يتأول وهو ظاهر وان اراد به غير ما هو له في الواقع خرج عنه مثل قول الجاهل انبت الله البقل مجازا باعتبار الاسناد الى السبب.

(بتاول) متعلق باسناده ومعنى التأول تطلّب ما يؤل اليه من الحقيقة او الموضع الذى يؤل اليه من العقل وحاصله ان ينصب قرينة صارفة عن ان يكون الاسناد الى ما هو له (وله) اى للفعل وهذا اشارة الى تفصيل وتحقيق للتعريفين.

(ملابسات شتى) اى مختلفة جمع شتيت كمريض (يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والسبب) ولم يتعرض للمفعول معه والحال ونحوهما لان الفعل لا يسند اليها.

(فاسناده الى الفاعل او المفعول به اذا كان مبنيا له) اى للفاعل او الى

٣٨

المفعول به اذا كان مبنيا للمفعول به (حقيقة كما مر) من الامثلة.

(و) اسناده (الى غيرهما) اى : غير الفاعل او المفعول به ، يعنى غير الفاعل في المبنى للفاعل ، وغير المفعول به في المبنى للمفعول به (للملابسة) : يعنى لاجل ان ذلك الغير يشابه ما هو له في ملابسة الفعل (مجاز كقولهم عيشة راضية) فيما بنى للفاعل واسند الى المفعول به اذ العيشة مرضية.

(وسيل مفعم) في عكسه اعنى فيما بنى للمفعول ، واسند الى الفاعل ، لان السيل هو الذى يفعم اى يملاء من افعمت الاناء اى ملئته (وشعر شاعر) في المصدر والاولى بالتمثيل بنحو جد جده لان الشعر ههنا بمعنى المفعول (ونهاره صائم) في الزمان (ونهر جار) في المكان لان الشخص صائم في النهار ، والماء جار في النهر (وبنى الامير المدينة) في السبب وينبغى ان يعلم ان المجاز العقلي يجرى في النسبة الغير الاسنادية ايضا من الايقاعية نحو : اعجبنى انبات الربيع البقل ، وجرى الانهار ، قال الله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) و (مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ونومت الليل واجريت النهر. قال الله تعالى : (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) ، والتعريف المذكور انما هو للاسنادى.

اللهم الا ان يراد بالاسناد مطلق النسبة.

وههنا مباحث نفيسة وشحنا بها في الشرح.

(وقولنا) في التعريف (بتأول يخرج نحو ما مر من قول الجاهل) انبت الربيع البقل رائيا ، الانبات من الربيع فان هذا الاسناد وان كان الى غير ما هو له في الواقع لكن لا تأول فيه لانه مراده ومعتقده ، وكذا شفى الطيب المريض ونحو ذلك فقوله بتأويل يخرج ذلك كما يخرج الاقوال الكاذبة ، وهذا تعريض بالسكاكي ، حيث جعل التأول لاخراج الاقوال الكاذبة فقط وللتنبيه.

على هذا تعرض المصنف في المتن لبيان فائدة هذا القيد مع انه ليس ذلك من دأبه فى هذا الكتاب واقتصر على بيان اخراجه لنحو قول الجاهل مع انه يخرج الأقوال الكاذبة ايضا.

(ولهذا) اى : ولان مثل قول الجاهل خارج عن المجاز لاشتراط التأول فيه.

٣٩

(لم يحمل نحو قوله :

اشاب الصغير وافنى الكبير

كر الغداة ومر العشى على المجاز

اى على ان اسناد اشاب وافنى الى كر الغداة ومر العشى مجاز (ما) دام (لم يعلم او) لم (يظن ان قائله) اى قائل هذا القول (لم يعتقد ظاهره) اى ظاهر الاسناد لانتفاء التأول حينئذ لاحتمال ان يكون هو معتقدا للظاهر فيكون من قبيل قول الجاهل انبت الربيع البقل.

(كما استدل) يعني ما لم يعلم ولم يستدل بشىء على انه لم يرد ظاهره مثل هذا الاستدلال (على ان اسناد ميز) الى جذب الليالى (في قول ابي النجم ميز عنه) عن الرأس (قنزعا عن قنزع) هو الشعر المجتمع في نواحى الرأس.

(جذب الليالى) اى مضيها واختلافها (ابطئ او اسرعى) هو حال من الليالى على تقدير القول اى مقولا فيها ويجوز ان يكون الامر بمعنى الخبر (مجاز) خبر انّ اى استدل على ان اسناد ميز الى جذب الليالى مجاز (بقوله) متعلق باستدل اى بقول ابى النجم (عقيبه) اى عقيب قوله ميز عنه قنزعا عن قنزع (افناه) اى بالنجم او شعر رأسه ..

(قيل الله) اى امر الله تعالى وارادته (للشمس اطلعى) فانه يدل على اعتقاده انه من فعل الله وانه المبدئ والمعيد والمنشئ والمفنى فيكون الاسناد الى جذب الليالي بتأول بناء على انه زمان او سبب.

(وأقسامه) اى اقسام المجاز العقلى باعتبار حقيقة الطرفين او مجازيتهما (اربعة : لان طرفيه)

وهما المسند اليه والمسند (اما حقيقتان) لغويتان (نحو انبت الربيع البقل او مجازان) لغويان (نحو احى الارض شباب الزمان) فان المراد باحياء الارض تهييج القوى النامية فيها واحداث نضارتها بانواع النبات والاحياء في الحقيقة اعطاء الحياة وهي صفة تقتضى الحس والحركة الارادية وكذا المراد بشباب الزمان زمان ازدياد قويها النامية وهو في الحقيقة عبارة عن كون الحيوان فى زمان تكون حرارته الغريزية مشبوبة

٤٠