مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

فيها الرحمة (او) تسمية الشىء باسم (آلته نحو (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ، اى ذكرا حسنا) واللسان اسم لآلة الذكر ولما كان فى الاخيرين نوع خفاء صرح به فى الكتاب.

فان قيل قد ذكر فى مقدمة هذا الفن ان مبنى المجاز على الانتقال من الملزوم الى اللازم وبعض انواع العلاقة بل اكثرها لا يفيد اللزوم فكيف ذلك.

قلنا ليس معنى اللزوم ههنا امتناع الانفكاك فى الذهن او الخارج بل تلاصق واتصال ينتقل بسببه من احدهما الى الآخر فى الجملة وفى بعض الاحيان.

وهذا متحقق فى كل امرين بينهما علاقة وارتباط (والاستعارة) وهى مجاز تكون علاقته المشابهة اى قصد ان الاطلاق بسبب المشابهة فاذا اطلق المشفر على شفة الانسان فان قصد تشبيهها بمشفر الابل فى الغلظ فهو استعارة وان اريد انه من اطلاق المقيد على المطلق كاطلاق المرسن على الانف من غير قصد الى التشبيه فمجاز مرسل فاللفظ الواحد بالنسبة الى المعنى الواحد قد يكون استعارة وقد يكون مجازا مرسلا والاستعارة (قد تقيد بالتحقيقية) ليتميز عن التخييلية والمكنى عنها (لتحقق معناها) اى ما عنى بها واستعملت هى فيه (حسا او عقلا) بان يكون اللفظ قد نقل الى امر معلوم يمكن ان ينص عليه ويشار اليه اشارة حسية او عقلية فالحسى (كقوله لدى اسد شاكى السلاح) اى تام السلاح (مقذّف اى رجل شجاع) اى قذّف به كثيرا الى الوقائع.

وقيل قذفّ باللحم ورمى به فصار له جسامة ونبالة فالاسد ههنا مستعار للرجل الشجاع وهو امر متحقق حسا (وقوله) اى والعقلى كقوله تعالى ((اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) اى الدين الحق) وهو ملة الاسلام وهذا امر متحقق عقلا.

قال المصنف رحمه الله فالاستعارة ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له.

والمراد بمعناه ما عنى باللفظ واستعمل اللفظ فيه.

فعلى هذا يخرج من تفسير الاستعارة نحو زيد اسد ورأيت زيدا اسدا ومررت بزيد اسد مما يكون اللفظ مستعملا فيما وضع له وان تضمن تشبيه شىء به وذلك لانه

٢٢١

اذا كان معناه عين المعنى الموضوع له لم يصح تشبيه معناه بالمعنى الموضوع له لاستحالة تشبيه الشىء بنفسه على ان ما فى قولنا ما تضمن عبارة عن المجاز بقرينة تقسيم المجاز الى الاستعارة وغيرها واسد فى الامثلة المذكورة ليس بمجاز لكونه مستعملا فيما وضع له.

وفيه بحث لانا لا نسلم انه مستعمل فيما وضع له بل فى معنى الشجاع فيكون مجازا او استعارة كما فى رأيت اسدا يرمى بقرينة حمله على زيد.

ولا دليل لهم على ان هذا على حذف اداة التشبيه وان التقدير زيد كاسد ، واستدلالهم على ذلك بانه قد اوقع الاسد على زيد.

ومعلوم ان الانسان لا يكون اسدا فوجب المصير الى التشبيه بحذف اداته قصدا الى المبالغة فاسد لان المصير الى ذلك انما يجب اذا كان اسد مستعملا فى معناه الحقيقى واما اذا كان مجازا عن الرجل الشجاع فحمله على زيد صحيح.

ويدل على ما ذكرنا ان المشبه به فى مثل هذا المقام كثيرا ما يتعلق به الجار والمجرور كقوله «اسد علّى وفى الحروب نعامة» اى مجترى ، صائل علّى وكقوله والطير اغربة عليه اي باكية وقد استوفينا ذلك في الشرح ، واعلم انهم قد اختلفوا في ان الاستعارة مجاز لغوى او عقلى فالجمهور على انها مجاز لغوى بمعنى انها لفظ استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة.

(ودليل انها) اى الاستعارة (مجاز لغوى كونها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ولا للاعم منهما) اى من المشبه والمشبه به فاسد فى قولنا رأيت اسدا يرمى موضوع للسبع المخصوص لا للرجل الشجاع ولا لمعنى اعم من السبع والرجل الشجاع كالحيوان المجترى ، مثلا ليكون اطلاقه عليهما حقيقة كاطلاق الحيوان على الاسد والرجل الشجاع وهذا معلوم بالنقل عن ائمة اللغة قطعا فاطلاقه على المشبه وهو الرجل الشجاع اطلاق على غير ما وضع له مع قرينة مانعة عن ارادة ما وضع له فيكون مجازا لغويا.

وفى هذا الكلام دلالة على لفظ العام اذا اطلق على الخاص لا باعتبار

٢٢٢

خصوصه بل باعتبار عمومه فهو ليس من المجاز فى شىء كما اذا لقيت زيدا فقلت لقيت رجلا او انسانا او حيوانا بل هو حقيقة اذ لم يستعمل اللفظ الا فى معناه الموضوع له.

(وقيل انها) اى الاستعارة (مجاز عقلى بمعنى ان التصرف فى امر عقلى لا لغوى لانها لما لم تطلق على المشبه الا بعد ادعاء دخوله) اى دخول المشبه (فى جنس المشبه به) بان جعل الرجل الشجاع فردا من افراد الاسد (كان استعمالها) اى الاستعارة فى المشبه استعمالا (فيما وضعت له) وانما قلنا انها لم تطلق على المشبه الا بعد ادعاء دخوله فى جنس المشبه به لانها لو لم تكن كذلك لما كانت استعارة لان مجرد نقل الاسم لو كانت استعارة لكانت الاعلام المنقولة استعارة ولما كانت الاستعارة ابلغ من الحقيقة اذ لا مبالغة فى اطلاق الاسم المجرد عاريا من معناه.

ولما صح ان يقال لمن قال رأيت اسدا واراد به زيدا انه جعله اسدا كما لا يقال لمن سمى ولده اسدا انه جعله اسدا اذ لا يقال جعله اميرا الا وقد اثبت فيه صفة الامارة واذا كان نقل اسم المشبه به الى المشبه تبعا لنقل معناه اليه بمعنى انه اثبت له معنى الاسد الحقيقى ادعاء ثم اطلق عليه اسم الاسد كان الاسد مستعملا فيما وضع له فلا يكون مجازا لغويا بل عقليا بمعنى ان العقل جعل الرجل الشجاع من جنس الاسد وجعل ما ليس فى الواقع واقعا مجاز عقلى.

(ولهذا) اى ولان اطلاق اسم المشبه به على المشبه انما يكون بعد ادعاء دخوله فى جنس المشبه به (صح التعجب فى قوله قامت تظللنى) اى توقع الظلّ على.

(من الشمس نفس اعزّ على من نفسى ، قامت تظللنى ومن عجب ، شمس) اى غلام كالشمس فى الحسن والبهاء (تظللنى من الشمس) فلو لا انه ادعى لذلك الغلام معنى الشمس الحقيقى وجعله شمسا على الحقيقة لما كان لهذا التعجب معنى اذ لا تعجب فى ان يظلل انسان حسن الوجه انسانا آخر (والنهى عنه) اى ولهذا صح النهى عن التعجب فى قوله (لا تعجبوا من بلى غلالته) هى شعار يلبس تحت الثوب وتحت الدرع ايضا.

٢٢٣

(قد زرّ ازراره على القمر) تقول زررت القميص عليه ازرّه اذا شددت ازراره عليه فلو لا انه جعله قمرا حقيقيا لما كان للنهى عن التعجب معنى لان الكتان انما يسرع اليه البلى بسبب ملابسة القمر الحقيقى لا بملابسة انسان كالقمر فى الحسن لا يقال القمر فى البيت ليس باستعارة لان المشبه مذكور وهو الضمير فى غلالته وازراره لانا نقول لا نسلم ان الذكر على هذا الوجه ينافى الاستعارة المذكورة كما فى قولنا سيف زيد فى يد اسد فان تعريف الاستعارة صادق على ذلك (ورد) هذا الدليل (بان الادعاء) اى ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به (لا يقتضى كونها) اى الاستعارة (مستعملة فيما وضعت له) للعلم الضرورى بان اسدا فى قولنا رأيت اسدا يرمى مستعمل فى الرجل الشجاع والموضوع له هو السبع المخصوص.

وتحقيق ذلك ان ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به مبنى على انه جعل افراد الاسد بطريق التاويل قسمين : احدهما المتعارف وهو الذى له غاية الجرأة ونهاية القوة فى مثل تلك الجثة المخصوصة والثانى غير المتعارف وهو الذى له تلك الجرأة لكن لا فى تلك الجثة المخصوصة.

والهيكل المخصوص ولفظ الاسد انما هو موضوع للمتعارف فاستعماله فى غير المتعارف استعمال فى غير ما وضع له والقرينة مانعة عن ارادة المعنى المتعارف ليتعين المعنى الغير المتعارف.

وبهذا يندفع ما يقال ان الاصرار على دعوى الاسديّة لرجل الشجاع ينافى نصب القرينة المانعة عن ارادة السبع المخصوص.

(واما التعجب والنهى عنه) كما فى البيتين المذكورين (فللبناء على تناسى التشبيه قضاء لحق المبالغة) ودلالة على ان المشبه بحيث لا يتميز عن المشبه به اصلا حتي ان كل ما يترتب على المشبه به من التعجب والنهى عن التعجب يترتب على المشبه ايضا (والاستعارة تفارق الكذب بوجهين بالبناء على التأويل) فى دعوى دخول المشبه فى جنس المشبه به بان يجعل افراد المشبه به قسمين متعارفا وغير متعارف كما مر ولا تأويل فى الكذب.

٢٢٤

(ونصب) اى وبنصب (القرينة على ارادة خلاف الظاهر) فى الاستعارة لما عرفت انه لابد للمجاز من قرينة مانعة عن ارادة المعنى الحقيقى الموضوع له بخلاف الكذب فان قائله لا ينصب فيه قرينة على ارادة خلاف الظاهر بل يبذل المجهود فى ترويج ظاهره (ولا تكون) اى الاستعارة (علما) لما سبق من انها تقتضى ادخال المشبه فى جنس المشبه به بجعل افراده قسمين متعارفا وغير متعارف ولا يمكن ذلك فى العلم (لمنافاته الجنسية) لانه يقتضى التشخص ومنع الاشتراك والجنسية يقتضى العموم وتناول الافراد (الا اذا تضمن) العلم (نوع وصفية) بواسطة اشتهاره بوصف من الاوصاف (كحاتم) المتضمن للاتصاف بالجود وكذا ومادر بالبخل وسحبان بالفصاحة وباقل بالفهاهة.

فحينئذ يجوز ان يشبه شخص بحاتم فى الجود ويتأول فى حاتم فيجعل كأنه موضوع للجواد سواء كان ذلك الرجل المعهود او غيره كما مر فى الاسد.

فبهذا التأويل يتناول حاتم الفرد المتعارف والمعهود والفرد الغير المتعارف ويكون اطلاقه على المعهود اعنى حاتما الطائى حقيقة وعلى غيره ممن يتصف بالجود استعارة نحو رأيت اليوم حاتما.

(وقرينتها) يعنى ان الاستعارة لكونها مجاز لابد لها من قرينة مانعة عن ارادة المعنى الموضوع له وقرينتها (اما امر واحد كما فى قولك رأيت اسدا يرمى او اكثر) اى امران او امور يكون كل واحد منها قرينة (كقوله وان تعافوا) اى تكرهوا (العدل والايمانا ، فان فى ايماننا نيرانا) اى سيوفا تلمع كشعل النيران فتعلق قوله تعافوا بكل واحد من العدل والايمان قرينة على ان المراد بالنيران السيوف لدلالته على ان جواب هذا الشرط تحاربون وتلجأون الى الطاعة بالسيوف (او معان ملتئمة) مربوطة بعضها ببعض يكون الجميع قرينة لاكل واحد.

وبهذا ظهر فساد قول من زعم ان قوله او اكثر شامل لقوله او معان فلا يصح جعله مقابلا له وقسيما (كقوله وصاعقة من نصله) اى من نصل سيف الممدوح (تنكفى بها) من انكفاء اى انقلب والباء للتعدية والمعنى ربّ نار من حد سيفه يقلبها

٢٢٥

(على ارؤس الاقران خمس سحائب) اى انامله الخمس التى هى فى الجود وعموم العطايا سحائب اى تصبّها على اكفّائه فى الحرب فيهلكهم بها.

ولما استعار السحائب لا نامل الممدوح ذكر ان هناك صاعقة وبين انها من نصل سيفه ثم قال على ارؤس الاقران ثم قال خمس فذكر العدد الذى هو عدد الانامل فظهر من جميع ذلك انه اراد بالسحائب الانامل (وهى) اى الاستعارة (باعتبار الطرفين) المستعار منه والمستعار له (قسمان لان اجتماعهما) اى اجتماع الطرفين (فى شىء اما ممكن نحو (فَأَحْيَيْناهُ)) فى قوله تعالى (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ،) اى ضالا فهديناه) استعار الاحياء من معناه الحقيقى وهو جعل الشىء حيا للهداية التى هى الدلالة على طريق يوصل الى المطلوب.

والاحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما فى شىء واحد.

وهذا اولى من قول المصنف ان الحياة والهداية مما يمكن اجتماعهما فى شىء واحد لان المستعار منه هو الاحياء لا الحياة.

وانما قال نحو (فَأَحْيَيْناهُ) لان الطرفين فى استعارة الميّت للضال مما لا يمكن اجتماعهما فى شىء اذ الميت لا يوصف بالضلال (ولتسم) الاستعارة التى يمكن اجتماع طرفيها فى شىء (وفاقية) لما بين الطرفين من الاتفاق (واما ممتنع) عطف على اما ممكن (كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم غنائه) هو بالفتح النفع اى لانتفاءه النفع فى ذلك الموجود كما فى المعدوم.

ولا شك ان اجتماع الوجود والعدم فى شىء ممتنع وكذلك استعارة اسم الموجود لمن عدم او فقد لكن بقيت آثاره الجميلة التى تحى ذكره وتديم فى الناس اسمه (ولتسمّ) الاستعارة التى لا يمكن اجتماع طرفيها فى شىء (عناديّة) لتعاند الطرفين وامتناع اجتماعهما.

(ومنها) اى من العنادية الاستعارة (التهكميّة والتمليحيّة وهما ما استعمل فى ضده) اى الاستعارة التى استعملت فى ضد معناها الحقيقى (او نقيضه لما مر) اى لتنزيل التضاد او التناقص منزلة التناسب بواسطة تمليح او تهكّم على ما سبق تحقيقه

٢٢٦

فى باب التشبيه (نحو (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ،)) اى انذرهم.

استعيرت البشارة التى هى الاخبار بما يظهر سرورا فى المخبر له للانذار الذى هو ضده بادخال الانذار فى جنس البشارة على سبيل التحكم والاستهزاء وكقولك رأيت اسدا وانت تريد جبانا على سبيل التمليح والظرافة.

ولا يخفى امتناع اجتماع التبشير والانذار من جهة واحدة وكذا الشجاعة والجبن.

(و) الاستعارة (باعتبار الجامع) اى ما قصد اشتراك الطرفين فيه (قسمان لانه) اى الجامع (اما داخل فى مفهوم الطرفين) المستعار له والمستعار منه (نحو) قوله عليه الصلاة والسلام خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه (كلما سمع هيعة طار اليها) او رجل فى شعفة فى غنيمة يعبد الله حتى يأتيه الموت.

قال جار الله الهيعة الصيحة التى تفزع منها واصلها من هاع يهيع اذا جبن والشعفة رأس الجبل والمعنى خير الناس رجل اخذ بعنان فرسه واستعد للجهاد فى سبيل الله او رجل اعتزل الناس وسكن فى رؤس بعض الجبال فى غنم له قليل يرعاها ويكتفى بها فى امر معاشه ويعبد الله حتى يأتيه الموت.

استعار الطيران للعدو والجامع داخل فى مفهومهما (فان الجامع بين العدو والطيران هو قطع المسافة بسرعة وهو داخل فيهما) اى فى مفهوم العدو والطيران الا انه فى الطيران اقوى منه فى العدو.

والاظهر ان الطيران هو قطع المسافة بالجناح والسرعة لازمة له فى الاكثر لا داخلة فى مفهومه فالاولى ان يمثل باستعارة التقطيع الموضوع لازالة الاتصال بين الاجسام الملتزقة بعضها ببعض لتفريق الجماعة وابعاد بعضها عن بعض فى قوله تعالى (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً).

والجامع ازالة الاجتماع الداخلة فى مفهومهما وهى فى القطع اشد ، والفرق بين هذا وبين اطلاق المرسين على الانف مع ان في كل من المرسن والتقطيع خصوص وصف ليس فى الانف وتفريق الجماعة هو ان

٢٢٧

خصوص الوصف الكائن فى التقطيع مرعى وملحوظ فى استعارته لتفريق الجماعة بخلاف خصوص الوصف فى المرسن.

والحاصل ان التشبيه ههنا منظور بخلافه ثمة.

فان قلت قد تقرر فى غير هذا الفن ان جزء الماهية لا يختلف بالشدة والضعف فكيف يكون جامعا والجامع يجب ان يكون فى المستعار منه اقوى.

قلت امتناع الاختلاف انما هو فى الماهية الحقيقية والمفهوم لا يجب ان يكون ماهية حقيقية بل قد يكون امرا مركبا من امور بعضها قابل للشدة والضعف فيصحّ كون الجامع داخلا فى مفهوم الطرفين مع كونه فى احد المفهومين اشد واقوى الا ترى ان السواد جزء من مفهوم الاسود اعنى المركب من السواد والمحل مع اختلافه بالشدة والضعف (واما غير داخل) عطف على اما داخل (كما مر) من استعارة الاسد للرجل الشجاع والشمس للوجه المتهلّل ونحو ذلك لظهور ان الشجاعة عارض للاسد لا داخل فى مفهومه ، وكذا التهلّل للشمس.

(وايضا) للاستعارة تقسيم آخر باعتبار الجامع وهو انها (اما عاميّة وهى المبتذلة لظهور الجامع فيها نحو رأيت اسدا يرمى او خاصيّة وهى الغريبة) التى لا يطلع عليها الا الخاصة الذين اوتواذهنا به ارتفعوا عن طبقة العامة.

(والغرابة قد تكون فى نفس الشبه) بان يكون تشبيها فيه نوع غرابة (كما فى قوله) فى وصف الفرس بانه مؤدّب وانه اذا نزل صاحبه عنه والقى عنانه فى قربوس سرجه وقف مكانه الى ان يعود اليه (واذا احتبى قربوسه) اى مقدم سرجه (بعنانه ، علك الشكيم الى انصراف الزائر) الشكيم والشكيمة هى الحديدة المعترضة فى فهم الفرس.

واراد بالزائر نفسه شبه هيئة وقوع العنان فى موقعه من قربوس السرج ممتدا الى جانبى فم الفرس بهيئة وقوع الثوب فى موقعه من ركبتى المحتبى ممتدا الى جانبى ظهره ثم استعار الاحتباء وهو ان يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوب او غيره لوقوع العنان فى قربوس السرج فجائت الاستعارة غريبة لغرابة التشبيه.

٢٢٨

(وقد تحصل) اى الغرابة (بتصرف فى) الاستعارة (العامية كما فى قوله) اخذنا باطراف الاحاديث بيننا ، (وسالت باعناق المطىّ الاباطح) جمع ابطح وهو مسيل الماء فيه دقاق الحصى استعار سيلان السيول الواقعة فى الاباطح لسير الابل سيرا حثيثا فى غاية السرعة المشتملة على لين وسلاسة والشبه فيها ظاهر عامى لكن قد تصرف فيه بما افاد اللطف والغرابة (اذ اسند الفعل) اعنى سالت (الى الاباطح دون المطىّ) واعناقها حتى افاد انه امتلائت الاباطح من الابل كما فى قوله تعالى (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ،) (او ادخل الاعناق فى السير) لان السرعة والبطؤ فى سير الابل يظهر ان غالبا فى الاعناق ويتبين امرهما فى الهوادى وسائر الاجزاء تستند اليها فى الحركة وتتبعها فى الثقل والخفة.

(و) الاستعارة (باعتبار الثلاثة) المستعار منه والمستعار له والجامع (ستة اقسام).

لان المستعار منه والمستعار له اما حسيان او عقليان او المستعار منه حسى والمستعار له عقلى او بالعكس تصير اربعة والجامع فى الثلاثة الاخيرة عقلى لا غير لما سبق فى التشبيه لكنه فى القسم الاول اما حسى او عقلى او مختلف فتصير ستة والى هذا اشار بقوله (لان الطرفين ان كانا حسيين فالجامع اما حسى نحو قوله تعالى (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ.)

فان المستعار منه ولد البقرة والمستعار له الحيوان الذى خلقه الله تعالى من حلى القبط) التى سبكتها نار السامرى عند القائه فى تلك الحلى التربة التى اخذها من موطىء فرس جبريل عليه السلام.

(والجامع الشكل) فان ذلك الحيوان كان على شكل ولد البقرة (والجميع) من المستعار منه والمستعار له والجامع (حسى) اى مدرك بالبصر (واما عقلى نحو (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) فان المستعار منه) معنى السلخ وهو (كشط الجلد عن نحو الشاة والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل) وهو موضع القاء ظله (وهما حسيان والجامع ما يعقل من ترتب امر على آخر) اى حصوله عقيب حصوله

٢٢٩

دائما او غالبا كترتب ظهور اللحم على الكشط وترتب ظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل والترتب امر عقلى.

وبيان ذلك ان الظلمة هى الاصل والنور فرع طار عليها يسترها بضوئه فاذا غربت الشمس فقد سلخ النهار من الليل اى كشط وازيل كما يكشف عن الشىء الشىء الطارى عليه الساتر له فجعل ظهور الظلمة بعد ذهاب ضوء النهار بمنزلة ظهور المسلوخ بعد سلخ اهابه عنه وحينئذ صح قوله تعالى (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ،) لان الواقع عقيب اذهاب الضوء عن مكان الليل هو الاظلام.

واما على ما ذكر فى المفتاح من ان المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل ففيه اشكال لان الواقع بعده انما هو الابصار دون الاظلام.

وحاول بعضهم التوفيق بين الكلامين بحمل كلام صاحب المفتاح على القلب اى ظهور ظلمة الليل من النهار او بان المراد من الظهور التمييز او بان الظهور بمعنى الزوال كما فى قول الحماسى وذلك عاريا ابن ربطة ظاهر.

وفى قول ابى ذؤيب وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.

اى زائل وذكر العلامة فى شرح المفتاح ان السلخ قد يكون بمعنى النزع مثل سلخت الاهاب عن الشاة.

وقد يكون بمعنى الاخراج نحو سلخت الشاة عن الاهاب فذهب صاحب المفتاح الى الثانى وصح قوله تعالى (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) بالفاء لان التراخى وعدمه مما يختلف باختلاف الامور والعادات وزمان النهار وان توسط بين اخراج النهار من الليل وبين دخول الظلام لكن لعظم شان دخول الظلام بعد اضائة النهار وكونه مما ينبغى ان يحصل الا فى اضعاف ذلك الزمان من الليل عدّ الزمان قريبا وجعل الليل كأنه يفاجئهم عقيب اخراج النهار من الليل بلا مهلة.

وعلى هذا حسن اذا المفاجاة كما يقال اخرج النهار من الليل ففاجاه دخول الليل.

ولو جعلنا السلخ بمعنى النزع وقلنا نزع ضوء الشمس عن الهواء ففجاه

٢٣٠

الظلام لم يستقم او لم يحسن كما اذا قلنا كسرت الكوز ففاجاه الانكسار فلا يجوز ذلك.

(واما مختلف) بعضه حسى وبعضه عقلى (كقولك «رأيت شمسا» وانت تريد انسانا كالشمس فى حسن الطلعة) وهى حسى (ونباهة الشان) وهى عقلية (والا) عطف على قوله وان كانا حسيين اى وان لم يكن الطرفان حسيين (فهما) اى الطرفان (اما عقليان نحو قوله تعالى (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا.)

فان المستعار منه الرقاد) اى النوم على ان يكون المرقد مصدرا ميميا وتكون الاستعارة اصلية او على انه بمعنى المكان الا انه اعتبر التشبيه فى المصدر لان المقصود بالنظر فى اسم المكان وسائر المشتقات انما هو فى المعنى القائم بالذات لا نفس الذات واعتبار التشبيه فى المقصود الاهم اولى وستسمع لهذا زيادة تحقيق فى الاستعارة التبعية.

(والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل والجميع عقلى).

وقيل عدم ظهور الافعال فى المستعار له اعنى الموت اقوى.

ومن شرط الجامع ان يكون المستعار منه اقوى فالحق ان الجامع هو البعث الذى هو فى النوم اظهر واشهر واقوى لكونه مما لا شبهة فيه لاحد وقرينة الاستعارة هى كون هذا الكلام كلام الموتى مع قوله (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).

(واما مختلفان) اى احد الطرفين حسى والآخر عقلى (والحسى هو المستعار منه نحو قوله تعالى (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ،) فان المستعار منه كسر الزجاج وهو حسى والمستعار له التبليغ والجامع التأثير وهما عقليان) والمعنى ابن الامر ابانة اى لا تنمحى كما لا يلتئم صدع الزجاجة (واما عكس ذلك) اى الطرفان مختلفان والحسى هو المستعار له (نحو قوله تعالى (إِنَّا لَمَّا طَغَى) الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ.

فان المستعار له كثرة الماء وهو حسى والمستعار منه التكثير والجامع الاستعلاء المفرط وهما عقليان و) الاستعارة (باعتبار اللفظ) المستعار (قسمان لانه) اى اللفظ المستعار (ان كان اسم جنس) حقيقة او تأويلا كما فى الاعلام المشتهرة

٢٣١

بنوع وصفية (فاصلية) اى فالاستعارة اصلية (كاسد) اذا استعير للرجل الشجاع (وقتل) اذا استعير للضرب الشديد الاول اسم عين والثانى اسم معنى (والا فتبعية) اى وان لم يكن اللفظ المستعار اسم جنس فالاستعارة تبعية (كالفعل وما يشتق منه) مثل اسمى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وغير ذلك (والحرف).

وانما كانت تبعية لان الاستعارة تعتمد التشبيه والتشبيه يقتضى كون المشبه موصوفا بوجه الشبه او بكونه مشاركا للمشبه به في وجه الشبه وانما يصلح للموصوفية الحقائق اي الامور المتقررة الثابتة كقولك جسم ابيض وبياض صاف دون معاني الافعال والصفات المشتقة منها لكونها متجددة غير متقررة بواسطة دخول الزمان في مفهوم الافعال وعروضه للصفات دون الحروف وهو ظاهر كذا ذكروه.

وفيه بحث لان هذا الدليل بعد استقامته لا يتناول اسم الزمان والمكان والالة لانها تصلح للموصوفية وهم ايضا صرحوا بان المراد بالمشتقات هو الصفات دون اسم الزمان والمكان والالة فيجب ان تكون الاستعارة فى اسم الزمان ونحو اصلية بان يقدر التشبيه فى نفسه لا فى مصدره وليس كذلك للقطع بانا اذا قلنا هذا مقتل فلان للموضع الذى ضرب فيه ضربا شديدا او مرقد فلان لقبره فان المعنى على تشبيه الضرب بالقتل والموت بالرقاد وان الاستعارة فى المصدر لا فى نفس المكان بل التحقيق ان الاستعارة فى الافعال وجميع المشتقات التى يكون القصد بها الى المعانى القائمة بالذوات تبعية لان المصدر الدال على المعنى القائم بالذات هو المقصود الاهم الجدير بان يعتبر فيه التشبيه والا لذكرت الالفاظ الدالة على نفس الذوات دون ما يقوم بها من الصفات (فالتشبيه فى الاولين) اى فى الفعل وما يشتق منه (لمعنى المصدر وفى الثالث) اى الحرف (لمتعلق معناه) اى لما تعلق به معنى الحرف.

قال صاحب المفتاح المراد بمتعلقات معانى الحروف ما يعبر بها عنها عند تفسير معانيها مثل قولنا من معناها ابتداء الغاية وفى معناها الظرفية وكى معناها الغرض فهذه ليست معانى الحروف والا لما كانت حروفا بل اسماءا لان الاسمية

٢٣٢

والحرفية انما هى باعتبار المعنى وانما هى متعلقات لمعانيها اى اذا افادت هذه الحروف معانى ترجع تلك المعانى الى هذه بنوع استلزام.

فقول المصنف فى تمثيل متعلق معنى الحروف (كالمجرور فى قولنا زيد فى نعمة) ليس بصحيح.

واذا كان التشبيه لمعنى المصدر ولمتعلق معنى الحروف (فيقدر) التشبيه (فى نطقت الحال والحال ناطقة بكذا للدلالة بالنطق) اى يجعل دلالة الحال مشبها ونطق الناطق مشبها به ووجه الشبه ايضاح المعنى وايصاله الى الذهن ثم يستعار للدلالة لفظ النطق ثم يشتق من النطق المستعار الفعل والصفة فتكون الاستعارة فى المصدر اصلية وفى الفعل والصفة تبعية وان اطلق النطق على الدلالة لا باعتبار التشبيه بل باعتبار ان الدلالة لازمة له يكون مجازا مرسلا.

وقد عرفت انه لا امتناع فى ان يكون اللفظ الواحد بالنسبة الى المعنى الواحد استعارة ومجازا مرسلا باعتبار العلاقتين (و) يقدر التشبيه (فى لام التعليل نحو قوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ)) اى موسى عليه السلام ((آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) للعداوة) اى يقدر التشبيه للعداوة (والحزن) الحاصلين (بعد الالتقاط بعلته) اى علة الالتقاط (الغائية) كالمحبة والتبنّى فى الترتب على الالتقاط والحصول بعده ثم استعمل فى العداوة والحزن ما كان حقه ان يستعمل فى العلة الغائية فتكون الاستعارة فيها تبعا للاستعارة فى المجرور.

وهذا الطريق مأخوذ من كلام صاحب الكشاف ومبنى على ان متعلق معنى اللام هو المجرور على ما سبق.

لكنه غير مستقيم على مذهب المصنف فى الاستعارة المصرحة لان المتروك يجب ان يكون هو المشبه سواء كانت الاستعارة اصلية او تبعية.

وعلى هذا الطريق المشبه اعنى العداوة والحزن مذكور لا متروك.

بل تحقيق استعارة التبعية ههنا انه شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب علته الغائية عليه ثم استعمل فى المشبه اللام الموضوعة للمشبه به اعنى ترتب

٢٣٣

علة الالتقاط الغائية عليه فجرت الاستعارة اولا فى العلّية والفرضيّة وتبعيتها فى اللام كما مر فى نطقت الحال فصار حكم اللام حكم الاسد حيث استعيرت لما يشبه العلية وصار متعلق معنى اللام هو العلّية والفرضيّة لا المجرور على ما ذكره المصنف سهوا.

وفى هذا المقام زيادة تحقيق اوردناها فى الشرح (ومدار قرينتها) اى قرينة الاستعارة التبعية (فى الاولين) اى فى الفعل وما يشتق منه (على الفاعل نحو نطقت الحال) بكذا فان النطق الحقيقى لا يسند الى الحال (او المفعول نحو) جمع الحق لنا فى امام (قتل البخل واحى السماحا) فان القتل والاحياء الحقيقيين لا يتعلقان بالبخل والجود (ونحو نقريهم لهذميّات نقدّ بها) ما كان خاط عليهم كل زرّاد.

اللهذم من الاسنة القاطع فاراد بلهذميّات طعنات منسوبة الى الاسنة القاطعة او اراد نفس الاسنة والنسبة للمبالغة كالحمرىّ والقدّ القطع وزرد الدرع وسردها نسجها فالمفعول الثانى اعنى لهذميّات قرينة على ان نقريهم استعارة (او المجرور نحو (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ،)) فان ذكر العذاب قرينة على ان بشر استعارة تبعية تهكمية.

وانما قال ومدارا قرينتها على كذا لان القرينة لا تنحصر فيما ذكر بل قد تكون حالية كقولك قتلت زيدا اذا ضربته ضربا شديدا (و) الاستعارة (باعتبار آخر) غير اعتبار الطرفين والجامع.

واللفظ (ثلثة اقسام) لانها اما ان لم تقترن بشىء يلائم المستعار له والمستعار منه او تقترن بما يلائم المستعار له او تقترن بما يلائم المستعار منه.

الاول (مطلقة وهى ما لم تقترن بصفة ولا تفريع) اى تفريع كلام مما يلائم المستعار له والمستعار منه نحو عندى اسد (والمراد) بالصفة (المعنوية) التى هى معنى قائم بالغير (لا النعت) النحوى الذى هو احد التوابع.

(و) الثانى (مجردة وهى ما قرن بما يلائم المستعار له كقوله غمر الرداء) اى كثير العطاء استعار الرداء للعطاء لانه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه.

٢٣٤

ثم وصفه بالغمر الذى يناسب العطاء دون الرداء تجريدا للاستعارة والقرينة سياق الكلام اعنى قوله (اذا تبسم ضاحكا) اى شارعا فى الضحك آخذا فيه.

وتمامه غلقت بضحكته رقاب المال اى اذا تبسم غلقت رقاب امواله فى ايدى السائلين.

يقال غلق الرهن فى يد المرتهن اذا لم يقدر على انفكاكه.

(و) الثالث (مرشحة وهى ما قرن بما يلائم المستعار منه نحو (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)) استعير الاشتراء للاستبدال والاختيار.

ثم فرع عليها ما يلائم الاشتراء من الربح والتجارة (وقد يجتمعان) اى التجريد والترشيح (كقوله لدى اسد شاكى السلاح) هذا تجريد لانه وصف بما يلائم المستعار له اعنى الرجل الشجاع (مقذّف له لبد اظفاره لم تقلّم) هذا ترشيح لان هذا الوصف مما يلائم المستعار منه اعنى الاسد الحقيقى.

واللبد جمع لبدة وهى ما تلبّد من شعر الاسد على منكبيه والتقليم مبالغة القلم وهو القطع (والترشيح ابلغ) من الاطلاق والتجريد ومن جمع التجريد والترشيح (لاشتماله على تحقيق المبالغة) فى التشبيه لان فى الاستعارة مبالغة فى التشبيه فترشيحها بما يلائم المستعار منه تحقيق ذلك وتقوية له (ومبناه) اى مبنى الترشيح (على تناسى التشبيه) وادعاء ان المستعار له نفس المستعار منه لا شىء شبيه به (حتى انه يبنى على علو القدر) الذى يستعار له علو المكان (ما يبنى على علو المكان كقوله ويصعد حتى يظن الجهول بان له حاجة في السماء) استعار الصعود لعلو القدر والارتقاء في مدارج الكمال ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان والارتقاء الى السماء من ظن الجهول ان له حاجة في السماء.

وفي لفظ الجهول زيادة مبالغة في المدح لما فيه من الاشارة الى ان هذا انما يظنه الجهول واما العاقل فيعرف انه لا حاجة له في السماء لا تضافه بسائر الكلمالات.

وهذا المعنى مما خفى على بعضهم فتوهم ان فى البيت تقصيرا فى وصف علوه حيث اثبت هذا الظن للكامل الجهل بمعرفة الاشياء (ونحو) اى مثل البناء على علو

٢٣٥

القدر ما يبنى على علو المكان لتناسى التشبيه (ما مر من التعجب) فى قوله قامت تظللنى ومن عجب شمس تظللنّى من الشمس (والنهى عنه) اى عن التعجب في قوله لا تعجبوا من بلى غلالته قد زر ازراره على القمر.

اذ لو لم يقصد تناسى التشبيه وانكاره لما كان للتعجب والنهى عنه جهة على ما سبق ، ثم اشار الى زيادة تقرير لهذا الكلام فقال (واذا جاز البناء على الفرع) اى المشبه به (من الاعتراف بالاصل) اى المشبه.

وذلك لان الاصل فى التشبيه وان كان هو المشبه به من جهة انه اقوى واعرف الا ان المشبه هو الاصل من جهة ان الغرض يعود اليه وانه المقصود فى الكلام بالنفى والاثبات (كما فى قوله هى الشمس مسكنها فى السّماء فعزّ) امر من عزّاه حمله على العزاء وهو الصبر (الفؤاد عزاء جميلا فلن تستطيع) انت (اليها) اى الى الشمس الصعود ولن تستطيع الشمس (اليك النزولا) والعامل فى اليها واليك هو المصدر بعدهما ان جوزنا تقديم الظرف على المصدر والا فمحذوف يفسره الظاهر.

فقوله هى الشمس تشبيه لا استعارة وفى التشبيه اعتراف بالمشبه ومع ذلك فقد بنى الكلام على المشبه به اعنى الشمس وهو واضح.

فقوله واذا جاز البناء شرط جوابه قوله (فمع جحده) اى جحد الاصل كما فى الاستعارة البناء على الفرع (اولى) بالجواز لانه قد طوى فيه ذكر المشبه اصلا وجعل الكلام خلوا عنه ونقل الحديث الى المشبه به.

وقد وقع فى بعض اشعار العجم النهى عن التعجب من التصريح باداة التشبيه.

وحاصله لا تعجبوا من قصر ذوائبه فانها كالليل ووجهه كالربيع والليل فى الربيع مائل الى القصر.

وفى هذا المعنى من الغرابة والملاحة بحيث لا يخفى.

(واما) المجاز (المركب فهو اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الاصلى) اى بالمعنى الذى يدل عليه ذلك اللفظ بالمطابقة (تشبيه التمثيل) وهو ما يكون وجهه منتزعا من متعدد واحترز بهذا على الاستعارة فى المفرد (للمبالغة) فى التشبيه (كما

٢٣٦

يقال للمتردد فى امر انى اراك تقدّم رجلا وتؤخّر اخرى) شبه صورة تردده فى ذلك الامر بصورة تردد من قام ليذهب فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخر اخرى.

فاستعمل فى الصورة الاولى الكلام الدال بالمطابقة على الصورة الثانية ووجه الشبه وهو الاقدام تارة والاحجام اخرى منتزع من عدة امور كما ترى.

(وهذا) المجاز المركب (يسمى التمثيل) لكون وجهه منتزعا من متعدد (على سبيل الاستعارة) لانه قد ذكر فيه المشبه به واريد المشبه كما هو شان الاستعارة.

(وقد يسمى التمثيل مطلقا) من غير تقييد بقولنا على سبيل الاستعارة ويمتاز عن التشبيه بان يقال له تشبيه تمثيل او تشبيه تمثيلى.

وفى تخصيص المجاز المركب بالاستعارة نظر لانه كما ان المفردات موضوعة بحسب الوضع الشخصى فالمركبات موضوعة بحسب النوع فاذا استعمل المركب فى غير ما وضع له فلا بد من ان يكون ذلك بعلاقة فان كانت هى المشابهة فاستعارة والا فغير استعارة وهو كثير فى الكلام كالجمل الخبرية التى لم تستعمل فى الاخبار (ومتى فشا استعماله) اى المجاز المركب (كذلك) اى على سبيل الاستعارة (يسمى مثلا ولهذا) اى ولكون المثل تمثيلا فشا استعماله على سبيل الاستعارة (لا تغير الامثال) لان الاستعارة يجب ان يكون لفظ المشبه به المستعمل في المشبه.

فلو غير المثل لما كان لفظ المشبه به بعينه فلا يكون استعارة فلا يكون مثلا.

ولهذا لا يلتفت فى الامثال الى مضاربها تذكيرا وتأنيثا وافرادا وتثنية وجمعا بل انما ينظر الى مواردها كما يقال للرجل بالصيف ضعيت اللبن بكسر تاء الخطاب لانه فى الاصل للامرأة.

٢٣٧
٢٣٨

فصل

فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية.

ولما كانتا عند المصنف امرين معنويين غير داخلين فى تعريف المجاز اورد لهما فصلا على حدة ليستوفى المعانى التى يطلق عليها لفظ الاستعارة فقال (قد يضمر التشبيه فى النفس فلا يصرح بشىء من اركانه سوى المشبه) واما وجوب ذكر المشبه به فانما هو فى التشبيه المصطلح عليه ، وقد عرفت انه غير الاستعارة بالكناية.

(ويدل عليه) اى على ذلك التشبيه المضمر فى النفس (بان يثبت للمشبه امر مختص بالمشبه به) من غير ان يكون هناك امر متحقق حسا او عقلا يطلق عليه اسم ذلك الامر (فيسمى التشبيه) المضمر فى النفس (استعارة بالكناية او مكنيا عنها) اما الكناية فلانه لم يصرح به بل انما دل عليه بذكر خواصه ولوازمه واما الاستعارة فمجرد تسمية خالية عن المناسبة (و) يسمى (اثبات ذلك الامر) المختص بالمشبه به (للمشبه استعارة تخييلية) لانه قد استعير للمشبه ذلك الامر الذى يختص المشبه به وبه يكون كمال المشبه به او قوامه فى وجه الشبه ليخيل ان المشبه من جنس المشبه به (كما فى قول الهذلى واذا المنية انشبت) اى علقت (اظفارها) الفيت كل تميمة لا تنفع.

التميمة الخرزة التى تجعل معاذة اى تعويذا اى اذا علّق الموت مخلبه فى شىء ليذهب به بطلت عنده الحيل (شبه) الهذلى فى نفسه (المنية بالسبع فى اغتيال النفوس بالقهر والغلبة من غير تفرقة بين نفاع وضرار) ولا رقة لمرحوم ولا بقيا على ذى فضيلة (فاثبت لها) اى للمنية (الاظفار التى لا يكمل ذلك) الاغتيال (فيه) اى فى السبع (بدونها) تحقيقا للمبالغة فى التشبيه.

فتشبيه المنية بالسبع استعارة بالكناية واثبات الاظفار لها استعارة تخييلية (وكما في قول الاخر ولئن نطقت بشكر برك مفصحا ، فلسان حالى بالشكاية انطق.

٢٣٩

شبه الحال بانسان متكلم فى الدلالة على المقصود) وهو استعارة بالكناية (فاثبت لها) اى للحال (اللسان الذى به قوامها) اى قوام الدلالة (فيه) اى فى الانسان المتكلم.

وهذا الاثبات استعارة تخييلية ، فعلى هذا كل من لفظى الاظفار والمنية حقيقة مستعملة فى معناها الموضوع له وليس فى الكلام مجاز لغوى.

والاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية فعلان من افعال المتكلم متلازمان اذ التخييلية يجب ان تكون قرينة للمكنيّة البتة والمكنيّة يجب ان تكون قرينتها تخييلية البتة فمثل قولنا اظفار المنية المشبهة بالسبع اهلكت فلانا يكون ترشيحا للتشبيه كما ان اطولكنّ فى قوله عليه السلام اسرعكنّ لحوقابى اطولكنّ يدا اى نعمة ترشيح للمجاز.

هذا ولكن تفسير الاستعارة بالكناية بما ذكره المصنف شىء لا مستند له فى كلام السلف ولا هو مبنى على مناسبة لغوية ومعناها المأخوذ من كلام السلف هو ان لا يصرح بذكر المستعار بل بذكر رديفه ولازمه الدال عليه فالمقصود بقولنا اظفار المنية استعارة السبع للمنية كاستعارة الاسد للرجل الشجاع.

الا انا لم نصرح بذكر المستعار اعنى السبع بل اقتصرنا على ذكر لازمه وهو الاظفار لينتقل منه الى المقصود كما هو شان الكناية فالمستعار هو لفظ السبع الغير المصرح به والمستعار منه هو الحيوان المفترس والمستعار له هو المنية.

قال صاحب الكشاف ان من اسرار البلاغة ولطائفها ان يسكتوا عن ذكر الشىء المستعار ثم يرمزوا اليه بذكر شىء من روادفه فينبهوا بذلك الرمز على مكانه نحو شجاع يفترس افتراسة.

ففيه تنبيه على ان الشجاع اسد.

هذا كلامه وهو صريح فى ان المستعار هو اسم المشبه به المتروك صريحا المرموز اليه بذكر لوازمه ، وسيجىء الكلام على ما ذكره السكاكى (وكذا قول زهير صحا) اى سلا مجازا من الصحو خلاف السكر (القلب عن سلمى واقصر باطله ،).

٢٤٠