مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

يقال اقصر عن الشىء اذا اقلع عنه اى تركه وامتنع عنه اى امتنع باطله عنه وتركه بحاله (وعرىّ افراس الصبا ورواحله اراد) زهير (ان يبين انه ترك ما كان يرتكبه زمن المحبة من الجهل والغى واعرض عن معاودته فبطلت آلاته) الضمير فى معاودته وآلاته لما كان يرتكبه (فشبه) زهير فى نفسه (الصبا بجهة من جهات المسير كالحج والتجارة قضى منها) اى من تلك الجهة (الوطر فاهملت آلاتها) ووجه الشبه الاشتغال التام وركوب المسالك الصعبة فيه غير مبال بمهلكة ولا محترز عن معركة ، وهذا التشبيه المضمر فى النفس استعارة بالكناية.

(فاثبت له) اى للصبا بعض ما يختص تلك الجهة اعنى (الافراس والرواحل) التى بها قوام جهة المسير والسفر.

فاثبات الافراس والرواحل استعارة تخييلية (فالصبا) على هذا التقدير (من الصبوة بمعنى الميل الى الجهل والفتوة) يقال صبا يصبو صبوا اى مال الى الجهل والفتوة كذا فى الصحاح لا من الصباء بالفتح والمد يقال صبى صباء مثل سمع سماعا اى لعب مع الصبيان.

(ويحتمل انه) اى زهير (اراد) بالافراس والرواحل (دواعى النفوس وشهواتها والقوى الحاصلة لها فى استيفاء اللذات او اراد بها الاسباب التى قلمّا تتاخذ فى اتباع الغى الا اوان الصبا) وعنفوان الشباب مثل المال والمنال والاخوان والاعوان (فتكون الاستعارة) اى استعارة الافراس والرواحل (تحقيقية) لتحقق معناها عقلا اذا اريد بهما الدواعى وحسا اذا اريد بهما اسباب اتباع الغى من المال والمنال مثّل المصنف امثلة الاول ما تكون التخييلية اثبات ما به كمال المشبه به والثانى ما تكون اثبات ما به قوام المشبه به والثالث ما يحتمل التخييلية والتحقيقية.

٢٤١
٢٤٢

(فصل)

فى مباحث من الحقيقة والمجاز والاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية وقعت فى المفتاح مخالفة لما ذكره المصنف والكلام عليها (عرف السكاكى الحقيقة اللغوية) اى غير العقلية (بالكلمة المستعملة فيما وضعت هى له من غير تأويل فى الوضع واحترز بالقيد الاخير) وهو قوله من غير تأويل فى الوضع (عن الاستعارة على اصح القولين) وهو القول بان الاستعارة مجاز لغوى لكونها مستعملة فى غير الموضوع له الحقيقى فيجب الاحتراز عنها ، واما على القول بانها مجاز عقلى واللفظ مستعمل فى معناه اللغوى فلا يصح الاحتراز عنها (فانها) اى انما وقع الاحتراز بهذا القيد عن الاستعارة لانها (مستعملة فيما وضعت له بتاويل) وهو ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به بجعل افراده قسمين متعارفا وغير متعارف.

(وعرف) السكاكى (المجاز اللغوى بالكلمة) فى غير ما هى موضوعة له بالتحقيق استعمالا فى الغير بالنسبة الى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن ارادة معناها فى ذلك النوع.

وقوله بالنسبة متعلق بالغير واللام فى الغير للعهد اى المستعملة فى معنى غير المعنى الذى الكلمة موضوعة له فى اللغة او الشرع غيرا بالنسبة الى نوع حقيقة تلك الكلمة حتى لو كان نوع حقيقتها لغويا يكون الكلمة قد استعملت فى غير معناها اللغوى فيكون مجازا لغويا.

وعلى هذا القياس ولما كان هذا القيد بمنزلة قولنا فى اصطلاح به التخاطب مع كون هذا اوضح وادل على المقصود اقام المصنف مقامه اخذا بالحاصل من كلام السكاكى فقال (فى غير ما وضعت له بالتحقيق فى اصطلاح به التخاطب مع قرينة مانعة عن ارادته) اى ارادة معناها فى ذلك الاصطلاح.

(واتى) السكاكى (بقيد التحقيق) حيث قال موضوعة له بالتحقيق

٢٤٣

(لتدخل) فى تعريف المجاز (الاستعارة) التى هى مجاز لغوى (على ما مر) من انها مستعملة فيما وضعت له بالتأويل لا بالتحقيق ، فلو لم يقيد الوضع بالتحقيق لم تدخل هى فى التعريف لانها ليست مستعملة فى غير ما وضعت له بالتأويل.

وظاهر عبارة صاحب المفتاح ههنا فاسد لانه قال وقولى بالتحقيق احتراز عن ان لا تخرج الاستعارة وظاهر ان الاحتراز انما هو عن خروج الاستعارة لا عن عدم خروجها فيجب ان تكون لا زائدة او يكون المعنى احترازا لئلا تخرج الاستعارة (ورد) ما ذكره السكاكى (بان الوضع) وما يشتق منه كالموضوعة مثلا (اذا اطلق لا يتناول الوضع بتأويل).

لان السكاكى نفسه قد فسر الوضع بتعيين اللفظ بازاء المعنى بنفسه وقال وقولى بنفسه احتراز عن المجاز المعين بازاء معناه بقرينة ولا شك ان دلالة الاسد على الرجل الشجاع انما هو بالقرينة فحينئذ لا حاجة الى تقييد ذلك الوضع فى تعريف الحقيقة بعدم التأويل وفى تعريف المجاز بالتحقيق.

اللهم الا ان يقصد زيادة الايضاح لا تتميم الحد.

ويمكن الجواب بان السكاكى لم يقصد ان مطلق الوضع بالمعنى الذى ذكره يتناول الوضع بالتأويل بل مراده انه قد عرض للفظ الوضع اشتراك بين المعنى المذكور وبين الوضع بالتأويل كما فى الاستعارة فقيّده بالتحقيق ليكون قرينة على ان المراد بالوضع معناه المذكور لا المعنى الذى يستعمل فيه احيانا وهو الوضع بالتأويل.

وبهذا يخرج الجواب عن سؤال آخر وهو ان يقال لو سلم تناول الوضع للوضع بالتأويل فلا تخرج الاستعارة ايضا لانه يصدق عليها انها مستعملة فى غير ما وضعت له فى الجملة اعنى الوضع بالتحقيق اذ غاية ما فى الباب ان الوضع يتناول الوضع بالتحقيق والتأويل لكن لا جهة لتخصيصه بالوضع بالتأويل فقط حتى تخرج الاستعارة البتة.

(و) رد ايضا ما ذكره (بان التقييد باصطلاح به التخاطب) او ما يؤدى معناه (كما لا بد منه فى تعريف المجاز) ليدخل فيه نحو لفظ الصلاة اذا استعمله الشارع

٢٤٤

فى الدعاء مجازا كذلك (لا بد منه فى تعريف الحقيقة) ايضا ليخرج عنه نحو هذا اللفظ لانه مستعمل فيما وضع له فى الجملة وان لم يكن ما وضع له فى هذا الاصطلاح.

ويمكن الجواب بان قيد الحيثية مراد فى تعريف الامور التى تختلف باختلاف الاعتبارات والاضافات.

ولا يخفى ان الحقيقة والمجاز كذلك لان الكلمة الواحدة بالنسبة الى المعنى الواحد قد تكون حقيقة وقد تكون مجازا بحسب وضعين مختلفين فالمراد انّ الحقيقة هى الكلمة المستعملة فيما هى موضوعة له من حيث انها موضوعة له لا سيّما ان تعليق الحكم بالوصف مفيد لهذا المعنى كما يقال الجواد لا يخيّب سائله اى من حيث انه جواد.

وحينئذ يخرج عن التعريف مثل لفظ الصلاة المستعمل فى عرف الشرع فى الدعاء لان استعماله فى الدعاء ليس من حيث انه موضوع الدعاء بل من حيث ان الدعاء جزء من الموضوع له ، وقد يجاب بان قيد اصطلاح به التخاطب مراد فى تعريف الحقيقة لكنه اكتفى بذكره فى تعريف المجاز لكون البحث عن الحقيقة غير مقصود بالذات فى هذا الفن وبان اللام فى الوضع للعهد اى الوضع الذى وقع به التخاطب فلا حاجة الى هذا القيد وفى كليهما نظر.

واعترض ايضا على تعريف المجاز بانه يتناول الغلط لآن الفرس فى خذ هذا الفرس مشيرا الى كتاب بين يديه مستعمل فى غير ما وضع له والاشارة الى الكتاب قرينة على انه لم يرد بالفرس معناه الحقيقى.

(وقسم) السكاكى (المجاز اللغوى) الراجع الى معنى الكلمة المتضمن للفائدة (الى الاستعارة وغيرها) بانه ان تضمن المبالغة فى التشبيه فاستعارة والا فغير استعارة (وعرّف) السكاكى (الاستعارة بان تذكر احد طرفى التشبيه وتريد به) اى بالطرف المذكور (الآخر) اى الطرف المتروك (مدعيّا دخول المشبه فى جنس المشبه به) كما تقول فى الحمام اسد وانت تريد به الرجل الشجاع مدعيا انه من جنس الاسد فتثبت له ما بختص السبع المشبه به وهو اسم جنسه وكما تقول انشبت المنية اظفارها

٢٤٥

وانت تريد بالمنية السبع بادعاء السبعيّة لها فتثبت لها ما يختص السبع المشبه به وهو الاظفار ويسمى المشبه به سواء كان هو المذكور او المتروك مستعارا منه ويسمى اسم المشبه به مستعارا ويسمى المشبه بالمشبه به مستعارا له.

(وقسمّها) اى الاستعارة (الى المصرح بها والمكنى عنها وعنى بالمصرح بها ان يكون) الطرف (المذكور) من طرفى التشبيه (هو المشبه به وجعل منها) اى من الاستعارة المصرح بها (تحقيقية وتخييلية).

وانما لم يقل قسمها اليهما لان المتبادر الى الفهم من التحقيقية والتخييلية ما يكون على الجزم وهو قد ذكر قسما آخر سماه المحتملة للتحقيق والتخييل كما ذكر فى بيت زهير (وفسر التحقيقية بما مر) اى بما يكون المشبه المتروك متحققا حسا او عقلا (وعد التمثيل) على سبيل الاستعارة كما فى قولك انى اراك تقدم رجلا وتؤخر اخرى.

(منها) اى من التحقيقية حيث قال فى قسم الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع ومن الامثلة استعارة وصف احدى صورتين منتزعتين من امور لوصف صورة اخرى.

(ورد) ذلك (بانه) اى التمثيل (مستلزم للتركيب المنافى للافراد) فلا يصح عده من الاستعارة التى هى من اقسام المجاز المفرد لان تنافى اللوازم يدل على تنافى الملزومات والا لزم اجتماع المتنافيين ضرورة وجود اللازم عند وجود الملزوم والجواب انه عد التمثيل قسما من مطلق الاستعارة التصريحية التحقيقية لا من الاستعارة التى هى مجاز مفرد وقسمة المجاز المفرد الى الاستعارة وغيرها لا توجب كون كل استعارة مجازا مفردا كقولنا الابيض اما حيوان او غيره والحيوان قد يكون ابيض وقد لا يكون على ان لفظ المفتاح صريح فى ان المجاز الذى جعله منقسما الى اقسام ليس هو المجاز المفرد المفسر بالكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له لانه قال بعد تعريف المجاز ان المجاز عند السلف قسمان لغوى وعقلى واللغوى قسمان راجع الى معنى الكلمة وراجع الى حكم الكلمة والراجع الى المعنى قسمان خال عن الفائدة ومتضمن لها والمتضمن للفائدة قسمان استعارة وغير استعارة وظاهر ان المجاز العقلى والراجع الى

٢٤٦

حكم الكلمة خارجان عن المجاز بالمعنى المذكور فيجب ان يريد بالراجع الى معنى الكلمة اعم من المفرد والمركب ليصح الحصر فى القسمين.

واجيب بوجوه آخر الاول ان المراد بالكلمة اللفظ الشامل للمفرد والمركب نحو كلمة الله والثانى انا لا نسلم ان التمثيل يستلزم التركيب بل هو استعارة مبنية على التشبيه التمثيلى وهو قد يكون طرفاه مفردين كما فى قوله تعالى.

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) الاية.

والثالث ان اضافة الكلمة الى شىء او تقييدها واقترانها بالف شىء لا يخرجها عن ان تكون كلمة فالاستعارة فى مثل انى اراك تقدم رجلا وتؤخر اخرى هو التقديم المضاف الى الرجل المقترن بتأخيره اخرى والمستعار له هو التردد فهو كلمة فى غير ما وضعت له.

وفى الكل نظر اوردناه فى الشرح (وفسر) السكاكى الاستعارة (التخييلية بما لا تحقق لمعناه حسا ولا عقلا بل هو) اى معناه (صورة وهمية محضة) لا يشعر بها شىء من التحقق العقلى او الحسى (كلفظ الاظفار فى قول الهذلى)

واذا المنية انشبت اظفارها

الفيت كل تميمة لا تنفع

(فانه لما شبه المنية بالسبع فى الاغتيال اخذ الوهم فى تصويرها) اى المنية (بصورته) اى السبع (واختراع لوازمه لها) اى لوازم السبع للمنية وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتيال السبع للنفوس به (فاخترع لها) اى للمنية صورة (مثل صورة الاظفار) المحققة (ثم اطلق عليه) اى على ذلك المثل اعنى الصورة التى هى مثل صورة الاظفار (لفظ الاظفار) فيكون استعارة تصريحية لانه قد اطلق اسم المشبه به وهو الاظفار المحققة على المشبه وهو صورة وهمية شبيهة بالسبع فصرح بالتشبيه لتكون الاستعار فى الاظفار فقط من غير استعارة بالكناية فى المنية.

وقال المصنف انه بعيد جدا لا يوجد له مثال فى الكلام.

٢٤٧

(وفيه) اى فى تفسير التخييلية بما ذكره (تعسف) اى اخذ على غير الطريق لما فيه من كثرة الاعتبارات التى لا تدل عليها دليل ولا تمس اليها حاجة وقد يقال ان التعسف فيه هو انه لو كان الامر كما زعم لوجب ان تسمى هذه الاستعارة توهمية لا تخييلية.

وهذا في غاية السقوط لانه يكفى في التسمية ادنى مناسبة على انهم يسمون حكم الوهم تخييلا ذكر في الشعاء ان القوة المسماة بالوهم هي الرئيسة الحاكمة في الحيوان حكما غير عقلي ولكن حكما تخييليا (ويخالف) تفسيره للتخييلية بما ذكره (تفسير غيره لها) اى غير السكاكى للتخييلية (بجعل الشىء للشىء) كجعل اليد للشمال وجعل الاظفار للمنية.

قال الشيخ عبد القاهر انه لا خلاف فى ان اليد استعارة ثم انك لا تستطيع ان تزعم ان لفظ اليد قد نقل عن شىء الى شىء اذ ليس المعنى على انه شبه شيئا باليد بل المعنى على انه اراد ان يثبت للشمال يدا ، ولبعضهم فى هذا المقام كلمات واهية بيّنا فسادها فى الشرح.

نعم نتيجته ان يقال انّ صاحب المفتاح فى هذا الفن خصوصا فى مثل هذه الاعتبارات ليس بصدد التقليد لغيره حتى يعترض عليه بان ما ذكره هو مخالف لما ذكره غيره.

(ويقتضى) ما ذكره السكاكى فى التخييلية (ان يكون الترشيح) استعارة (تخييلية للزوم مثل ما ذكره) السكاكى فى التخييلية من اثبات صورة وهمية (فيه) اى فى الترشيح لان فى كل من التخييلية والترشيح اثبات بعض ما يخص المشبه به للمشبه فكما اثبت للمنية التى هى المشبه ما يخص السبع الذى هو المشبه به من الاظفار كذلك اثبت لاختيار الضلالة على الهدى الذى هو المشبه ما يخص المشبه به الذى هو الاشتراء الحقيقى من الربح والتجارة فكما اعتبر هنالك صورة وهمية شبيهة بالاظفار فليعتبر ههنا ايضا امر وهمى شبيه بالتجارة وآخر شبيه بالريح ليكون استعمال الربح والتجارة بالنسبة اليهما استعارتين تخييليتين اذا لا فرق بينهما الا بان

٢٤٨

التعبير عن المشبه الذى اثبت له ما يخص المشبه به كالمنيّة مثلا فى التخييلية بلفظ الموضوع له كلفظ المنية وفى الترشيح بغير لفظه كلفظ الاشتراء المعبّر به عن الاختيار والاستبدال الذى هو المشبه مع ان لفظ الاشتراء ليس بموضوع له.

وهذا الفرق لا يوجب اعتبار المعنى المتوهم فى التخييلية وعدم اعتباره فى الترشيح فاعتباره فى احدهما دون الاخر تحكّم.

والجواب ان الامر الذى هو من خواص المشبه به لما قرن فى التخييلية بالمشبه كالمنية مثلا جعلناه مجازا عن امر متوهم يمكن اثابته للمشبه وفى الترشيح لما قرن بلفظ المشبه به لم يحتج الى ذلك لان المشبه به جعل كأنه هو هذا المعنى مقارنا للوازمه وخواصه حتى ان المشبه به فى قولنا رأيت اسدا يفترس اقرانه وهو الاسد الموصوف بالافتراس الحقيقى من غير احتياج الى توهم صورة واعتبار مجاز في الافتراس بخلاف ما اذا قلنا رأيت شجاعا يفترس اقرانه فانا نحتاج الى ذلك ليصح اثباته للشجاع فليتأمل ففى الكلام دقة ما.

(وعنى بالمكنى عنها) اى اراد السكاكى بالاستعارة المكنى عنها (ان يكون) الطرف (المذكور) من طرفى التشبيه (هو المشبه) ويراد به المشبه به (على ان المراد بالمنيّة) فى مثل انشبت المنية اظفارها هو (السبع بادعاء السبعية لها) وانكار ان يكون شيئا غير السبع (بقرينة اضافة الاظفار) التى هى من خواص السبع (اليها) اى الى المنية فقد ذكر المشبه وهو المنية واراد به المشبه به وهو السبع فالاستعارة بالكناية لا تنفك عن التخييلية بمعنى انه لا توجد استعارة بالكناية بدون الاستعارة التخييلية لان فى اضافة خواص المشبه به الى المشبه استعارة تخييلية.

(وردّ) ما ذكره من تفسير الاستعارة المكنى عنها (بان لفظ المشبه فيها) اى فى الاستعارة بالكناية كلفظ المنية مثلا (مستعمل فيما وضع له تحقيقا) للقطع بان المراد بالمنية هو الموت لا غير (والاستعارة ليست كذلك) لانه قد فسرها بان تذكر احد طرفى التشبيه وتريد به الطرف الاخر ولمّا كان ههنا مظنة سئوال وهو انه لو اريد بالمنية معناها الحقيقى فما معنى اضافة الاظفار اليها اشار الى جوابه بقوله (واضافة

٢٤٩

نحو الاظفار قرينة التشبيه) المضمر فى النفس يعنى تشبيه المنية بالسبع وكان هذا الاعتراض من اقوى اعتراضات المصنف على السكاكى.

وقد يجاب عنه بانه وان صرح بلفظ المنية الا ان المراد به السبع ادعاءا كما اشار اليه فى المفتاح من انا نجعل ههنا اسم المنية اسما للسبع مرادفا له بان ندخل المنية فى جنس السبع للمبالغة فى التشبيه بجعل افراد السبع قسمين متعارفا وغير متعارف ثم يخيل ان الواضع كيف يضع اسمين كلفظى المنيّة والسبع لحقيقة واحدة ولا يكونان مترادفين فيتأتى لنا بهذا الطريق دعوى السبعية للمنية مع التصريح بلفظ المنية.

وفيه نظر لان ما ذكره لا يقتضى كون المراد بالمنية غير ما وضعت له بالتحقيق حتى يدخل فى تعريف الاستعارة للقطع بان المراد بها الموت ، وهذا اللفظ موضوع له بالتحقيق وجعله مرادفا للفظ السبع بالتأويل المذكور لا يقتضى ان يكون استعماله فى الموت استعارة.

ويمكن الجواب بانه قد سبق ان قيد الحيثيّة مراد فى تعريف الحقيقة اى هى الكلمة المستعملة فيما هى موضوعة له بالتحقيق ولا نسلم ان استعمال لفظ المنية فى الموت مثل اظفار المنية استعمال فيما وضع له بالتحقيق من حيث انه موضوع له بالتحقيق فى مثل قولنا دنت منية فلان بل من حيث ان الموت جعل من افراد السبع الذى لفظ المنية موضوع له بالتأويل.

وهذا الجواب وان كان مخرجا له عن كونه حقيقة الا ان تحقيق كونه مجازا او مرادا به الطرف الاخر غير ظاهر بعد (واختار) السكاكى (رد) الاستعارة (التبعية) وهى ما تكون فى الحروف والافعال وما يشتق منها (الى) الاستعارة (المكنى عنها بجعل قرينتها) اى قرينة التبعية استعارة مكنيا عنها (و) جعل الاستعارة (التبعية قرينتها) اى قرينة الاستعارة المكنى عنها (على نحو قوله) اى قول السكاكى (فى المنية واظفارها) حيث جعل المنية استعارة بالكناية واضافة الاظفار اليها قرينتها ففى قولنا نطقت الحال بكذا جعل القوم نطقت استعارة عن دلت بقرينة الحال والحال

٢٥٠

حقيقة وهو يجعل الحال استعارة بالكناية عن المتكلم ونسبة النطق اليها قرينة الاستعارة وهكذا فى قوله نقريهم لهذميّات بجعل اللهذميّات استعارة بالكناية عن المطعومات الشهيّة على سبيل التهكّم ونسبة القرى اليها قرينة الاستعارة ، وعلى هذا القياس وانما اختار ذلك ايثارا للضبط وتقليلا للاقسام.

(وردّ) ما اختاره السكاكى (بانه ان قدر التبعية) كنطقت فى نطقت الحال بكذا (حقيقة) بان يراد بها معناها الحقيقى (لم تكن) التبعية استعارة (تخييلية لانها) اى التخييلية (مجاز عنده) اى عند السكاكى لانه جعلها من اقسام الاستعارة المصرح بها المفسرة بذكر المشبه به وارادة المشبه الا ان المشبه فيها يجب ان يكون مما لا تحقق لمعناه حسا ولا عقلا بل وهما فتكون مستعملة فى غير ما وضعت له بالتحقيق فتكون مجازا واذا لم تكن التبعية تخييلية (فلم تكن) الاستعارة (المكنى عنها مستلزمة للتخييلية) بمعنى انها لا توجد بدون التخييلية.

وذلك لان المكنى عنها قد وجدت بدون التخييلية فى مثل نطقت الحال بكذا على هذا التقدير.

(وذلك) اى عدم استلزام المكنى عنها للتخييلية (باطل بالاتفاق) وانما الخلاف فى ان التخييلية هل تستلزم المكنى عنها فعند السكاكى لا تستلزم كما فى قولنا اظفار المنية الشبيهة بالسبع.

وبهذا ظهر فساد ما قيل ان مراد السكاكى بقوله لا تنفك المكنى عنها عن التخييلية ان التخييلية مستلزمة للمكنى عنها لا على العكس كما فهمه المصنف.

نعم يمكن ان ينازع فى الاتفاق على استلزام المكنى عنها للتخييلية لان كلام الكشاف مشعر بخلاف ذلك.

وقد صرح فى المفتاح ايضا فى بحث المجاز العقلى بان قرينة المكنى عنها قد تكون امرا وهميا كاظفار المنية وقد تكون امرا محققا كالانبات فى انبت الربيع البقل والهزم فى هزم الامير الجند الا ان هذا لا يدفع الاعتراض عن السكاكى لانه قد صرح فى المجاز العقلى بان نطقت فى نطقت الحال بكذا امر وهمى جعل قرينة للمكنى عنها

٢٥١

وايضا فلمّا جوزّ وجود المكنى عنها بدون التخييلية كما فى انبت الربيع البقل ووجود التخييلية بدونها كما فى اظفار المنية الشبيهة بالسبع فلا جهة لقوله ان المكنى عنها لا تنفك عن التخييلية (والّا) اى وان لم تقدر التبعية الّتى جعلها السكاكى قرينة المكنى عنها حقيقة بل قدرها مجاز (فتكون) التبعية كنطقت الحال مثلا (استعارة) ضرورة انه مجاز علاقته المشابهة والاستعارة فى الفعل لا تكون الا تبعية فلم يكن ما ذهب اليه السكاكى من رد التبعية الى المكنى عنها (مغنيا عما ذكره غيره) من تقسيم الاستعارة الى التبعية وغيرها لانه اضطر آخر الامر الى القول بالاستعارة التبعية.

وقد يجاب بان كل مجاز تكون علاقته المشابهة لا يجب ان يكون استعارة لجواز ان يكون له علاقة اخرى باعتبارها وقع الاستعمال كما بين النطق والدلالة فانها لازمة للنطق بل انما يكون استعارة اذا كان الاستعمال باعتبار علاقته المشابهة وقصد المبالغة فى التشبيه ، وفيه نظر لان السكاكى قد صرح بان نطقت ههنا امر مقدّر وهمى كاظفار المنيّة المستعارة للصورة الوهمية الشبيهة بالاظفار المحققة ولو كان مجازا مرسلا عن الدلالة لكان امرا محققا عقليا على ان هذا لا يجرى فى جميع الامثلة.

ولو سلم فحينئذ يعود الاعتراض الاول وهو وجود المكنى عنها بدون التخييلية.

ويمكن الجواب بان المراد بعدم انفكاك الاستعارة بالكناية عن التخييلية ان التخييلية لا توجد بدونها فيما شاع من كلام الفصحاء اذ لا نزاع فى عدم شيوع مثل اظفار المنية الشبيهة بالسبع.

وانما الكلام فى الصحة ، واما وجود الاستعارة بالكناية بدون التخييلية فشائع على ما قرره صاحب الكشاف فى قوله تعالى (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ*) ، وصاحب المفتاح فى مثل انبت الربيع البقل ، فصار الحاصل من مذهبه ان قرينة الاستعارة بالكناية قد تكون استعارة تخييلية مثل اظفار المنية ونطقت الحال وقد تكون استعارة تحقيقية على ما ذكر فى قوله تعالى (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) ان البلع استعارة عن غور الماء فى الارض والماء استعارة بالكناية عن الغذاء ، وقد تكون حقيقة كما فى انبت الربيع.

٢٥٢

فصل

فى شرائط حسن الاستعارة (وحسن كل من) الاستعارة (التحقيقية والتمثيل) على سبيل الاستعارة (برعاية جهات حسن التشبيه) كان يكون وجه الشبه شاملا للطرفين والتشبيه وافيا بافادة ما علّق به من الغرض ونحو ذلك (وان لا يشم رائحته لفظا) اى وبان لا يشم شىء من التحقيقية والتمثيل رائحة التشبيه من جهة اللفظ لان ذلك يبطل الغرض من الاستعارة اعنى ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به لما فى التشبيه من الدلالة على ان المشبه به اقوى فى وجه الشبه.

(ولذلك) اى ولان شرط حسنه ان لا يشم رائحة التشبيه لفظا (يوصى ان يكون الشبه) اى ما به المشابهة (بين الطرفين جليّا) بنفسه او بواسطة عرف او اصطلاح خاص (لئلا تصير) الاستعارة (الغازا) وتعمية ان روعى شرائط الحسن ولم تشم رائحة التشبيه وان لم يراع فات الحسن يقال اللغزفى كلامه اذا عمى مراده ومنه اللغز وجمعه الغاز مثل رطب وارطاب (كما لو قيل) فى التحقيقية (رأيت اسدا واريد انسان ابخر) فوجه الشبه بين الطرفين خفى (و) فى التمثيل (رأيت ابلا مائة لا تجد فيها راحلة واريد الناس) من قوله عليه السلام الناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة ، وفى الفائق الراحلة البعير الذى يرتحله الرجل جملا كان او ناقة يعنى ان المرضىّ المنتخب من الناس في عزة وجوده كالنجيبة المنتخبة التى لا توجد في كثير من الابل.

(وبهذا ظهر ان التشبيه اعم محلا) اذ كل ما يتأتى فيه الاستعارة يتأتى فيه التشبيه من غير عكس لجواز ان يكون وجه الشبه غير جعلى فتصير الاستعارة الغازا كما فى المثالين المذكورين ، فان قيل قد سبق ان حسن الاستعارة برعاية جهات حسن التشبيه ومن جملتها ان يكون وجه الشبه بعيدا غير مبتذل فاشتراط جلائه فى الاستعارة ينافى ذلك.

قلنا الجلاء والخفاء مما يقبل الشدة والضعف فيجب ان يكون من الجلاء بحيث

٢٥٣

لا يصير مبتذلا ومن الغرابة بحيث لا يصير الغازا.

(ويتصل به) اى بما ذكرنا من انه اذا خفى التشبيه لم تحسن الاستعارة ويتعين التشبيه (انه اذا قوى الشبه بين الطرفين حتى اتحدا كالعلم والنور والشبهة والظلمة لم يحسن التشبيه وتعينت الاستعارة) لئلا يصير كتشبيه الشىء بنفسه.

فاذا فهمت مسئلة تقول حصل فى قلبى نور ولا تقول علم كالنور ، واذا وقعت فى شبهة تقول وقعت فى ظلمة ولا تقول فى شبهة كالظلمة (و) الاستعارة (المكنى عنها كالتحقيقية) فى ان حسنها برعاية جهات حسن التشبيه لانها تشبيه مضمر (و) الاستعارة (التخييلية حسنها بحسب حسن المكنى عنها) لما بيّنا لانها لا تكون الا تابعة للمكنى عنها وليس لها فى نفسها تشبيه بل هى حقيقة فحسنها تابع لحسن متبوعها.

٢٥٤

فصل

فى بيان معنى آخر يطلق عليه لفظ المجاز على سبيل الاشتراك او التشابه (وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم اعرابها) اى حكمها الذى هو الاعراب على ان الاضافة للبيان اى تغيّر اعرابها من نوع الى نوع آخر (بحذف لفظ او زيادة لفظ) فالاول (كقوله تعالى (وَجاءَ رَبُّكَ) ، وقوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) و) الثانى مثل (قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) اى) جاء (امر ربك) لاستحالة المجىء على الله تعالى (و) اسئل (اهل القرية) للقطع.

بان المقصود ههنا سؤال اهل القرية وان جعلت القرية مجازا عن اهلها لم يكن من هذا القبيل (وليس مثله شىء) لان المقصود نفى ان يكون شىء مثل الله تعالى لا نفى ان يكون شىء مثل مثله فالحكم الاصلى لربك والقرية هو الجر.

وقد تغيّر فى الاول الى الرفع وفى الثانى الى النصب بسبب حذف المضاف والحكم الاصلى فى مثله هو النصب لانه خبر ليس وقد تغير الى الجر بسبب زيادة الكاف فكما وصفت الكلمة بالمجاز باعتبار نقلها عن معناها الاصلى كذلك وصفت به باعتبار نقلها عن اعرابها الاصلى.

وظاهر عبارة المفتاح ان الموصوف بهذا النوع من المجاز هو نفس الاعراب. وما ذكره المصنف اقرب ، والقول بزيادة الكاف فى نحو قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) اخذ بالظاهر ويحتمل ان لا تكون زائدة بل تكون نفيا للمثل بطريق الكناية التى هى ابلغ لان الله تعالى موجود فاذا نفى مثل مثله لزم نفى مثله ضرورة انه لو كان له مثل لكان هو اعنى الله تعالى مثل مثله فلم يصح نفى مثل مثله كما تقول ليس لاخى زيد اخ اى ليس لزيد اخ نفيا للملزوم بنفى لازمه والله اعلم.

٢٥٥
٢٥٦

الكناية

الكناية فى اللغة مصدر كنيت بكذا عن كذا او كنوت اذا تركت التصريح به.

وفى الاصطلاح (لفظ اريد به لازم معناه مع جواز ارادته معه) اى ارادة ذلك المعنى مع لازمه كلفظ طويل النجاد والمراد به طول القامة مع جواز ان يراد حقيقة طول النجاد ايضا.

(فظهر انه تخالف المجاز من جهة ارادة المعنى) الحقيقى (مع ارادة لازمه) كارادة طول القامة بخلاف المجاز فانه لا يجوز فيه ارادة المعنى الحقيقى للزوم القرينة المانعة عن ارادة المعنى الحقيقى.

وقوله من جهة ارادة المعنى ليوافق ما ذكره فى تعريف الكناية ولان الكناية كثيرا ما تخلو عن ارادة المعنى الحقيقى للقطع بصحة قولنا فلان طويل النجاد وجبان الكلب ومهزوم الفصيل وان لم يكن له نجاد ولا كلب ولا فصيل.

ومثل هذا فى الكلام اكثر من ان يحصى.

وههنا بحث لا بد من التنبيه عليه وهو ان المراد بجواز ارادة المعنى الحقيقى فى الكناية هو ان الكناية من حيث انها كناية لا تنافى ذلك كما ان المجاز ينافيه.

لكن قد يمتنع ذلك فى الكناية بواسطة خصوص المادة كما ذكر صاحب الكشاف فى قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) انه من باب الكناية كما فى قولهم مثلك لا يبخل لانهم اذا نفوه عمن يماثله وعمن يكون على اخص اوصاف فقد نفوه عنه كما يقولون بلغت اترابه يريدون بلوغه فقولنا ليس كمثله شىء عبارتان متعاقبتان على معنى واحد وهو نفى المماثلة عن ذاته مع انه لا فرق بينهما الا ما تعطيه الكناية من المبالغة.

ولا يخفى ههنا امتناع ارادة الحقيقة وهو نفى المماثلة عمن هو مماثل له وعمن يكون على اخص اوصافه (وفرّق) بين الكناية والمجاز (بان الانتقال فيها) اى فى

٢٥٧

الكناية (من اللازم) الى الملزوم كالانتقال من طول النجاد الى طول القامة.

(وفيه) اى فى المجاز الانتقال (من الملزوم) الى اللازم كالانتقال من الغيث الى النبت ومن الاسد الى الشجاعة (وردّ) هذا الفرق (بان اللازم ما لم يكن ملزوما) بنفسه او بانضمام قرينة اليه (لم ينتقل منه) الى الملزوم لان اللازم من حيث انه لازم يجوز ان يكون اعم ولا دلالة للعام على الخاص (وحينئذ) اى واذا كان اللازم ملزوما (يكون الانتقال من الملزوم الى اللازم) كما فى المجاز فلا يتحقق الفرق.

والسكاكى ايضا معترف بان اللازم ما لم يكن ملزوما امتنع الانتقال منه ، وما يقال ان مراده ان اللزوم من الطرفين من خواص الكناية دون المجاز او شرط لها دونه فمما لا دليل عليه.

وقد يجاب بان مراده باللازم ما يكون وجوده على سبيل التبعية كطول النجاد التابع لطول القامة.

ولهذا جوز كون الكلام اخص كالضاحك بالفعل للانسان فالكناية ان يذكر من المتلازمين ما هو تابع ورديف ويراد به ما هو متبوع ومردوف والمجاز بالعكس.

وفيه نظر ولا يخفى عليك ان ليس المراد باللزوم ههنا امتناع الانفكاك. (وهى) اى الكناية (ثلاثة اقسام الاولى :) تأنيثها باعتبار كونها عبارة عن الكناية (المطلوب بها غير صفة ولا نسبة فمنها) اى فمن الاولى (ما هى معنى واحد) مثل ان يتفق فى صفة من الصفات اختصاص بموصوف معين عارض فتذكر تلك الصفة ليتوصل بها الى ذلك الموصوف (كقوله) الضاربين بكل ابيض مخذم.

(والطاعنين مجامع الاضغان) المخذم القاطع والضغن الحقد ومجامع الاضغان معنى واحد كناية عن القلوب.

(ومنها ما هو مجموع معان) بان تؤخذ صفة فتضم الى لازم آخر وآخر لتصير جملتها مختصة بموصوف فيتوصل بذكرها اليه (كقولنا كناية عن الانسان حى مستوى القامة عريض الاظفار) ويسمّى هذا خاصة مركبة (وشرطهما) اى وشرط هاتين الكنايتين (الاختصاص بالمكنى عنه) ليحصل الانتقال.

٢٥٨

وجعل السكاكى الاولى منهما اعنى ما هى معنى واحد قريبة بمعنى سهولة المأخوذ والانتقال فيها لبساطتها واستغنائها عن ضم لازم الى آخر وتلفيق بينهما والثانية بعيدة بخلاف ذلك وهذه غير البعيدة بالمعنى الذى سيجىء.

(الثانية) من اقسام الكناية (المطلوب بها صفة) من الصفات كالجود والكرم ونحو ذلك وهى ضربان قريبة وبعيدة (فان لم يكن الانتقال) من الكناية الى المطلوب بواسطة قريبة والقريبة قسمان (واضحة) يحصل الانتقال منها بسهولة (كقولهم كناية عن طول القامة طويل نجاده وطويل النجاد والاولى) اى طويل نجاده كناية (ساذجة) لا يشوبها شىء من التصريح (وفى الثانية) اى طويل النجاد (تصريح ما لتضمن الصفة) اى طويل (الضمير) الراجع الى الموصوف ضرورة احتياجها الى مرفوع مسند اليه فيشتمل على نوع تصريح بثبوت الطول له.

والدليل على تضمنه الضمير انك تقول هند طويلة النجاد والزيدان طويلا النجاد والزيدون طوال النجاد فتؤنث وتثنى وتجمع الصفة البتة لاسنادها الى ضمير الموصوف بخلاف هند طويل نجادها والزيدان طويل نجادهما والزيدون طويل نجادهم.

وانما جعلنا الصفة المضافة كناية مشتملة على نوع تصريح ولم نجعلها تصريحا للقطع بان الصفة فى المعنى صفة للمضاف اليه واعتبار الضمير رعاية لامر لفظي وهو امتناع خلو الصفة عن معمول مرفوع بها (او خفيّة) عطف على واضحة.

وخفاؤها بان يتوقف الانتقال منها على تأمل واعمال رويّة (كقولهم كناية عن الابله عريض القفاء) فان عرض القفاء وعظم الرأس بالافراط مما يستدل به على البلاهة فهو ملزوم لها بحسب الاعتقاد.

لكن فى الانتقال منه الى البلاهة نوع خفاء لا يطّلع عليه كل احد.

وليس الخفاء بسبب كثرة الوسائط والانتقالات حتى يكون بعيدة (وان كان الانتقال) من الكناية الى المطلوب بها (بواسطة فبعيدة كقولهم كثير الرماد كناية عن المضياف فانه ينتقل من كثرة الرماد الى كثرة احراق الحطب تحت القدر

٢٥٩

ومنها) اى ومن كثرة الاحراق (الى كثرة الطبائح ومنها الى كثرة الاكلة) جمع آكل (ومنها الى كثرة الضيفان) بكسر الضاد جمع ضيف (ومنها الى المقصود) وهو المضياف وبحسب قلة الوسائط وكثرتها تختلف الدلالة على المقصود وضوحا وخفاء.

(الثالثة) من اقسام الكناية (المطلوب بها نسبة) اى اثبات امر لاخر او نفيه عنه وهو المراد بالاختصاص فى هذا المقام (كقوله ان السماحة والمرؤة) هى كمال الرجوليّة (والندى فى قبة ضربت على ابن الحشرج. فانه اراد ان يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات) اى ثبوتها له (فترك التصريح) باختصاصه بها (بان يقول انه مختص بها او نحوه) مجرور عطفا على ان يقول او منصوب عطفا على انه مختص بها مثل ان يقول ثبتت سماحة ابن الحشرج او حصلت السماحة له ، او ابن الحشرج سمح ، كذا فى المفتاح.

وبه يعرف ان ليس المراد بالاختصاص ههنا الحصر (الى الكناية) اى ترك التصريح ومال الى الكناية (بان جعلها) اى تلك الصفات (فى قبّة) تنبيها على ان محلها ذو قبّة وهى تكون فوق الخيمة يتخذها الرؤساء (مضروبة عليه) اى على ابن الحشرج فافاد اثبات الصفات المذكورة له لانه اذا اثبت الامر فى مكان الرجل وحيزه فقد اثبت له (ونحوه) اى مثل البيت المذكور فى كون الكناية لنسبة الصفة الى الموصوف بان تجعل فيما يحيط به ويشتمل عليه (قولهم المجد بين ثوبيه والكرم بين برديه) حيث لم يصرح بثبوت المجد والكرم له بل كنّى عن ذلك بكونهما بين برديه وبين ثوبيه.

فان قلت ههنا قسم رابع وهو ان يكون المطلوب بها صفة ونسبة معا كقولنا كثير الرماد فى ساحة زيد.

قلت ليس هذا كناية واحدة بل كنايتان احدهما المطلوب بها نفس الصفة وهى كثرة الرماد كناية عن المضيافيّة والثانية المطلوب بها نسبة المضيّافية الى زيد وهو جعلها فى ساحته ليفيد اثباتها له (والموصوف فى هذين القسمين) يعنى الثانى والثالث (قد يكون) مذكورا كما مر (و) قد يكون (غير مذكور كما يقال فى عرض من يؤذى

٢٦٠