مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

واما صورة التخصيص نحو انا سعيت فى حاجتك ورجل جاءنى فهى داخلة في التقوى على ما مر (واسميّتها وفعليّتها وشرطيّتها لما مر) يعنى ان كون المسند جملة للسببية او التقوى وكون تلك الجملة اسمية للدوام والثبوت وكونها فعلية للتجدد والحدوث والدلالة على احد الازمنة الثلثة على اخصر وجه وكونها شرطية للاعتبارات المختلفة الحاصلة من ادوات الشرط (وظرفيتها لاختصار الفعلية اذ هي) أي الظرفية (مقدرة بالفعل على الاصح) لان الفعل هو الاصل في العمل.

وقيل باسم الفاعل لان الاصل فى الخبر ان يكون مفردا ، ورجح الاول بوقوع الظرف صلة للموصول نحوى الذى فى الدار اخوك.

واجيب بان الصلة من مظان الجملة بخلاف الخبر ، ولو قال اذ الظرف مقدر بالفعل على الاصح ، لكان اصوب لان ظاهر عبارته يقتضى ان الجملة الظرفية مقدرة باسم الفاعل على القول الغير الاصح ، ولا يخفى فساده.

(واما تأخيره) اى تأخير المسند (فلان ذكر المسند اليه اهم كما مر) فى تقديم المسند اليه (واما تقديمه) اى تقديم المسند (فلتخصيصه بالمسند اليه) اى لقصر المسند اليه على ما حققناه فى ضمير الفصل لان معنى قولنا تميمى انا هو انه مقصور على التميمية لا يتجاوزها الى القيسية (نحو لا فيها غول اى بخلاف خمور الدنيا) فان فيها غولا.

فان قلت المسند هو الظرف اعنى فيها والمسند اليه ليس بمقصور عليه بل على جزء منه اعنى الضمير المجرور الراجع الى خمور الجنة قلت المقصود ان عدم الغول مقصور على الاتصاف بفى خمور الجنة لا يتجاوزه الى الاتصاف بفى خمور الدنيا وان اعتبرت النفى فى جانب المسند فالمعنى ان الغول مقصور على عدم الحصول في خمور الجنة لا يتجاوزه الى عدم الحصول في خمور الدنيا فالمسند اليه مقصور على المسند قصرا غير حقيقي وكذلك قياس في قوله تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.)

١٠١

ونظيره ما ذكره صاحب المفتاح فى قوله تعالى (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) من ان المعنى حسابهم مقصور على الاتصاف بعلى ربى لا يتجاوزه الى الاتصاف بعلّى فجميع ذلك من قصر الموصوف على الصفة دون العكس كما توهمه بعضهم (ولهذا) اى ولان التقديم يفيد التخصيص (لم يقدم الظرف) الذى هو المسند على المسند اليه (فى «لا ريب فيه») ولم يقل لا فيه ريب (لئلا يفيد) تقديمه عليه ثبوت الريب فى سائر كتب الله تعالى بناء على اختصاص عدم الريب بالقرآن.

وانما قال فى سائر كتب الله تعالى لانه المعتبر فى مقابلة القرآن كما ان المعتبر فى مقابلة خمور الجنة هى خمور الدنيا لا مطلق المشروبات وغيرها (او التنبيه) عطف على تخصيصه اى تقديم المسند للتنبيه (من اول الامر على انه) اى المسند (خبر لا نعت) اذ النعت لا يتقدم على المنعوت.

وانما قال من اول الامر لانه ربما يعلم انه خبر لا نعت بالتأمل فى المعنى والنظر الى انه لم يرد فى الكلام خبر للمبتدأ (كقوله

 «له همم لا منتهى لكبارها

وهمته الصغرى اجل من الدهر)

حيث لم يقل همم له (او التفاؤل) نحو سعدت بغرة وجهك الايام.

(او التشويق الى ذكر المسند اليه) بان يكون فى المسند المتقدم طول يشوق النفس الى ذكر المسند اليه فيكون له وقع فى النفس ومحل من القبول لان الحاصل بعد الطلب اعز من المنساق بلا تعب (كقوله ثلاثة) هذا هو المسند المتقدم الموصوف بقوله (تشرق) من اشرق بمعنى صار مضيئا (الدنيا) فاعل تشرق والعائد الى الموصوف هو الضمير المجرور في قوله (ببهجتها) اى بحسنها ونضارتها اى تصير الدنيا منورة ببهجة هذه الثلاثة وبهائها والمسند اليه المتأخر هو قوله (شمس الضحى وابو اسحق والقمر).)

(تنبيه ، كثير مما ذكر في هذا الباب) يعنى باب المسند (والذي قبله) يعنى باب المسند اليه (غير مختص بهما كالذكر والحذف وغيرهما) من التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والاطلاق والتقييد وغير ذلك مما سبق.

١٠٢

وانما قال كثير مما ذكر لان بعضها مختص بالبابين كضمير الفصل المختص بما بين المسند اليه والمسند وككون المسند مفردا فعلا فانه مختص بالمسند اذ كل فعل مسند دائما.

وقيل : هو اشارة الى ان جميعها لا يجرى فى غير البابين كالتعريف فانه لا يجرى فى الحال والتمييز وكالتقديم فانه لا يجرى فى المضاف اليه.

وفيه نظر لان قولنا جميع ما ذكر فى البابين غير مختص بهما لا يقتضى ان يجرى شىء من المذكورات فى كل واحد من الامور التى هى غير المسند اليه والمسند فضلا عن ان يجرى كل منها فيه اذ يكفى لعدم الاختصاص بالبابين ثبوته فى شىء مما يغايرهما فافهم.

(والفطن اذا اتقن اعتبار ذلك فيهما) اى فى البابين (لا يخفى عليه اعتباره فى غيرهما) من المفاعيل والملحقات بها والمضاف اليه.

١٠٣
١٠٤

الباب الرابع

احوال متعلقات الفعل

قد اشير فى التنبيه الى ان كثيرا من الاعتبارات السابقة يجرى فى متعلقات الفعل لكن ذكر فى هذا الباب تفصيل بعض من ذلك لاختصاصه بمزيد بحث ومهد لذلك مقدمة.

فقال (الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل فى ان الغرض من ذكره معه) اى ذكر كل من الفاعل والمفعول او ذكر الفعل مع كل منهما (افادة تلبسه به) اى تلبس الفعل بكل منهما اما بالفاعل فمن جهة وقوعه عنه واما بالمفعول فمن جهة وقوعه عليه (لا افادة وقوعه مطلقا) اى ليس الغرض من ذكره معه افادة وقوع الفعل وثبوته في نفسه من غير ارادة ان يعلم ممن وقع عنه او على من وقع عليه اذ لو اريد ذلك لقيل وقع الضرب او وجد او ثبت من غير ذكر الفاعل او المفعول لكونه عبثا (فاذا لم يذكر) المفعول به (معه) اي مع الفعل المتعدى المسند الى فاعله.

(فالغرض ان كان اثباته) اى اثبات الفعل (لفاعله او نفيه عنه مطلقا) اى من غير اعتبار تعلقه*** بمن وقع عليه فضلا عن عمومه وخصوصه (نزل) الفعل المتعدى (منزلة اللازم ولم يقدر له مفعول لان المقدر كالمذكور) فى ان السامع يفهم منها ان الغرض الاخبار بوقوع الفعل من الفاعل باعتبار تعلقه بمن وقع عليه.

فان قولنا فلان يعطى الدنانير يكون لبيان جنس ما يتناوله الاعطاء لا لبيان كونه معطيا ويكون كلاما مع من اثبت له اعطاء غير الدنانير لا مع من نفى ان يوجد منه اعطاء (وهو) اى هذا القسم الذى نزل منزلة اللازم (ضربان لانه اما ان يجعل الفعل) حال كونه (مطلقا) اى من غير اعتبار عموم او خصوص فيه ومن غير اعتبار

١٠٥

تعلقه بالمفعول (كناية عنه) اى عن ذلك الفعل حال كونه (متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة اولا) يجعل كذلك (الثانى كقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) اى لا يستوى من يوجد له حقيقة العلم ومن لا يوجد فالغرض اثبات العلم لهم ونفيه عنهم من غير اعتبار عموم فى افراده ولا خصوص ومن غير اعتبار تعلقه بمعلوم عام او خاص.

وانما قدم الثانى لانه باعتبار كثرة وقوعه اشد اهتماما بحاله السكاكى ذكر فى بحث افادة اللام الاستغراق انه اذا كان المقام خطابيا لا استدلاليا كقوله صلّى الله عليه وآله وسلم «المؤمن غر كريم والمنافق خب لئيم» حمل المعرف باللام مفردا كان او جمعا على الاستغراق بعلة ايهام ان القصد الى فرد دون آخر مع تحقق الحقيقة فيهما ترجيح لاحد المتساويين على الاخر.

ثم ذكر فى بحث حذف المفعول ، انه قد يكون للقصد الى نفس الفعل بتنزيل المتعدى منزلة اللازم ذهابا فى نحو فلان يعطى الى معنى يفعل الاعطاء ويوجد هذه الحقيقة ايهاما للمبالغة بالطريق المذكور فى افادة اللام الاستغراق فجعل المصنف قوله بالطريق المذكور اشارة الى قوله ثم اذا كان المقام خطابيا لا استدلاليا حمل المعرف باللام على الاستغراق واليه اشار بقوله.

(ثم) اى بعد كون الغرض ثبوت اصل الفعل وتنزيله منزلة اللازم من غير اعتبار كونه كناية (اذا كان المقام خطابيا) يكتفى فيه بمجرد الظن (لا استدلاليا) يطلب فيه اليقين البرهانى (افاد) المقام او الفعل (ذلك) اى كون الغرض ثبوته لفاعله او نفيه عنه مطلقا (مع التعميم) فى افراد الفعل (دفعا للتحكم) اللازم من حمله على فرد دون آخر.

وتحقيقه ان معنى يعطى حينئذ يفعل الاعطاء فالاعطاء المعرف بلام الحقيقة يحمل فى المقام الخطابى على استغراق الا عطاآت وشمولها مبالغة لئلا يلزم ترجيح احد المتساويين على الاخر.

لا يقال افادة التعميم فى افراد الفعل تنافى كون الغرض الثبوت او النفى عنه

١٠٦

مطلقا اى من غير اعتبار عموم ولا خصوص.

لانا نقول لا نسلم ذلك فان عدم كون الشىء معتبرا فى الغرض لا يستلزم عدم كونه مفادا من الكلام فالتعميم مفاد غير مقصود ، ولبعضهم فى هذا المقام تخيلات فاسدة لا طائل تحتها فلم نتعرض لها.

(والاول) وهو ان يجعل الفعل مطلقا كناية عنه متعلقا بمفعول مخصوص (كقول البخترى فى المعتز بالله) تعريضا بالمستعين بالله (شجو حسّاده وغيظ عداه ، (

شجو حسّاده وغيظ عداه

ان يرى مبصر ويسمع واع)

اي ان يكون ذو رؤية وذو سمع فيدرك بالبصر (محاسنه) وبالسمع (اخباره الظاهرة الدالة على استحقاقه الامامة دون غيره فلا يجدوا) نصب وعطف على يدرك اى فلا يجد اعداؤه وحسّاده الذين يتمنون الامامة (الى منازعته) الامامة (سبيلا).

فالحاصل انه نزل يرى ويسمع منزلة اللازم ، اى : من يصدر عنه السماع والرؤية من غير تعلق بمفعول مخصوص ، ثم جعلها كنايتين عن الرؤية والسماع المتعلقين بمفعول مخصوص هو محاسنه.

واخباره بادعاء الملازمة بين مطلق الرؤية ورؤية آثاره ومحاسنه وكذا بين مطلق السماع وسماع اخباره للدلالة على ان آثاره واخباره بلغت من الكثرة والاشتهار الى حيث يمتنع اخفاؤها فأبصرها كل راء وسمعها كل واع بل لا يبصر الرائى الا تلك الاثار ولا يسمع الواعى الا تلك الاخبار ، فذكر الملزوم واراد اللازم على ما هو طريق الكناية ففى ترك المفعول والاعراض عنه اشعار بان فضائله قد بلغت من الظهور والكثرة الى حيث يكفى فيها مجرد ان يكون ذو سمع وذو بصر حتى يعلم انه المتفرد بالفضائل.

ولا يخفى انه يفوت هذا المعنى عند ذكر المفعول او تقديره (والا) اى : وان لم يكن الغرض عند عدم ذكر المفعول مع الفعل المتعدى المسند الى فاعله او نفيه عنه مطلقا بل قصد تعلقه بمفعول غير مذكور (وجب التقدير بحسب القرائن) الدالة على

١٠٧

تعيين المفعول ان عاما فعام وان خاصا فخاص ، ولما وجب تقدير المفعول تعين انه مراد فى المعنى ومحذوف من اللفظ لغرض فاشار الى تفصيل الغرض بقوله (ثم الحذف اما للبيان بعد الابهام كما فى فعل المشيئة) والارادة ونحوهما اذا وقع شرطا فان الجواب يدل عليه ويبينه لكنه انما يحذف (ما لم يكن تعلقه به) اي تعلق فعل المشيئة بالمفعول (غريبا نحو (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)) اي لو شاء الله هدايتكم لهديكم اجمعين.

فانه لما قيل لو شاء علم السامع ، ان هناك شيئا علقت المشيئة عليه لكنه مبهم عنده ، فاذا جىء بجواب الشرط صار مبينا له وهذا اوقع فى النفس (بخلاف) ما اذا كان تعلق فعل المشيئة به غريبا فانه لا يحذف حينئذ كما فى نحو قوله («ولو شئت ان ابكى دما لبكيته) ، عليه ولكن ساحة الصبر اوسع».

فان تعلق فعل المشيئة ببكاء الدم غريب فذكره ليتقرر فى نفس السامع ويأنس به.

(واما قوله :

فلم يبق منى الشوق غير تفكرى

فلو شئت ان ابكى بكيت تفكر»

فليس منه) اى مما ترك فيه حذف مفعول المشيئة بناء على غرابة تعلقها به على ما ذهب اليه صدر الافاضل فى ضرام السقط من ان المراد لو شئت ان ابكى تفكرا بكيت تفكرا فلم يحذف منه مفعول المشيئة.

ولم يقل لو شئت بكيت تفكرا لان تعلق المشيئة ببكاء التفكر غريب كتعلقها ببكاء الدم.

وانما لم يكن من هذا القبيل (لان المراد بالاول البكاء الحقيقى) لا البكاء التفكرى لانه اراد ان يقول افنانى النحول فلم يبق منى غير خواطر تجول فىّ حتى لو شئت البكاء فمريت جفونى وعصرت عينى ليسيل منها دمع لم اجده وخرج منها بدل الدمع التفكر فالبكاء الذى اراد ايقاع المشيئة عليه بكاء مطلق مبهم غير معدى

١٠٨

الى التفكر البتة والبكاء الثانى مقيد معدى الى التفكر فلا يصلح ان يكون تفسيرا للاول وبيانا له كما اذا قلت لو شئت ان تعطى درهما اعطيت درهمين كذا فى دلائل الاعجاز ، ومما نشأ فى هذا المقام من سوء الفهم وقلة التدبر ما قيل ان الكلام فى مفعول ابكى والمراد ان البيت ليس من قبيل ما حذف فيه المفعول للبيان بعد الابهام بل انما حذف لغرض آخر.

وقيل : يحتمل ان يكون المعنى لو شئت ان ابكى تفكرا بكيت تفكرا اى لم يبق فىّ مادة الدمع فصرت بحيث اقدر على بكاء التفكر فيكون من قبيل ما ذكر فيه مفعول المشيئة لغرابته.

وفيه نظر لان ترتب هذا الكلام على قوله لم يبق منى الشوق غير تفكرى يأبى هذا المعنى عند التأمل الصادق لان القدرة على بكاء التفكر لا تتوقف على ان لا يبقى فيه غير التفكر فافهم.

(واما لدفع توهم ارادة غير المراد) عطف على اما للبيان (ابتداء) متعلق بتوهم (كقوله «وكم ذدت) اى دفعت (عنى من تحامل حادث») يقال تحامل فلان علّى اذا لم يعدل وكم خبرية مميزها قوله من تحامل قالوا واذا فصل بين كم الخبرية ومميزها بفعل متعد وجبت الاتيان بمن لئلا يلتبس بالمفعول ومحل كم النصب على انها مفعول ذدت.

وقيل المميز محذوف اى كم مرة ومن فى من تحامل زائدة وفيه نظر للاستغناء عن هذا الحذف والزيادة بما ذكرناه (وسورة ايام) اى شدتها وصولتها (حززن) اى قطعن اللحم (الى العظم) فحذف المفعول اعنى اللحم (اذ لو ذكر اللحم لربما توهم قبل ذكر ما بعده) اى ما بعد اللحم يعنى الى العظم (ان الحز لم ينته الى العظم).

وانما كان فى بعض اللحم فحذف دفعا لهذا التوهم (واما لانه اريد ذكره) اى ذكر المفعول (ثانيا على وجه يتضمن ايقاع الفعل على صريح لفظه) لا على الضمير العائد اليه (اظهارا لكمال العناية بوقوعه) اى الفعل (عليه) اى على المفعول حتى كأنه لا يرضى ان يوقعه على ضميره وان كان كناية عنه (كقوله :

١٠٩

 «قد طلبنا فلم نجد لك فى السؤدد

والمجد والمكارم مثلا»)

اى قد طلبنا لك مثلا فحذف مثلا اذ لو ذكره لكان المناسب فلم نجده فيفوت الغرض اعنى ايقاع عدم الوجدان على صريح لفظ المثل (ويجوز ان يكون السبب) فى حذف مفعول طلبنا (ترك مواجهة الممدوح بطلب مثل له) قصدا الى المبالغة فى التأدب معه حتى كأنه لا يجوز وجود المثل له ليطلبه فان العاقل لا يطلب الا ما يجوز وجوده.

(واما للتعميم) فى المفعول (مع الاختصار كقولك قد كان منك ما يؤلم اى كل احد) بقرينة ان المقام مقام المبالغة ، وهذا التعميم وان امكن ان يستفاد من ذكر المفعول بصيغة العموم لكن يفوت الاختصار حينئذ.

(وعليه) اى وعلى حذف المفعول للتعميم مع الاختصار ورد قوله تعالى (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) اى جميع عباده.

فالمثال الاول يفيد العموم مبالغة والثاني تحقيقا (واما لمجرد الاختصار) من غير ان يعتبر معه فائدة اخرى من التعميم وغيره.

وفى بعض النسخ (عند قيام قرينة) وهو تذكرة لما سبق ولا حاجة اليه.

وما يقال من ان المراد عند قيام قرينة دالة على ان الحذف لمجرد الاختصار ليس بسديد لان هذا المعنى معلوم ومع هذا جار فى سائر الاقسام ولا وجه لتخصيصه بمجرد الاختصار (نحو «اصغيت اليه» اى اذنى وعليه) اى على الحذف لمجرد الاختصار (قوله تعالى (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) اى ذاتك).

وههنا بحث وهو ان الحذف للتعميم مع الاختصار ان لم يكن فيه قرينة دالة على ان المقدر عام فلا تعميم اصلا وان كانت فالتعميم مستفاد من عموم المقدر سواء حذف او لم يحذف فالحذف لا يكون الا لمجرد الاختصار.

(واما للرعاية على الفاصلة نحو) قوله تعالى («وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى» (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) اى وما قلاك وحصول الاختصار ايضا ظاهر (واما لاستهجان) ذكره) اى ذكر المفعول (كقول عائشة) رضى الله تعالى عنها «ما رأيت منه اى من

١١٠

النبى عليه السلام (ولا رأى منى) اى العورة.

(واما لنكتة اخرى) كاخفائه او التمكن من انكاره ان مست اليه حاجة او تعينه حقيقة او ادعاء او نحو ذلك (وتقديم مفعوله) اى مفعول الفعل (ونحوه) اى نحو المفعول من الجار والمجرور والظرف والحال وما اشبه ذلك (عليه) اى على الفعل (لرد الخطاء فى التعيين كقولك زيدا عرفت لمن اعتقد انك عرفت انسانا) واصاب فى ذلك (و) اعتقد (انه غير زيد) واخطأفيه (وتقول لتأكيده) اى تأكيد هذا الرد زيدا عرفت لا غيره وقد يكون ايضا لرد الخطاء فى الاشتراك كقولك زيدا عرفت لمن اعتقد انك عرفت زيدا وعمرو ، وتقول لتأكيده زيدا عرفت وحده ، وكذا فى نحو زيدا اكرم وعمروا لا تكرم امرا ونهيا فكان الاحسن ان يقول لافادة الاختصاص.

(ولذلك) اى ولان التقديم لرد الخطاء فى تعيين المفعول مع الاصابة فى اعتقاد وقوع الفعل على مفعول ما (لا يقال ما زيدا ضربت ولا غيره) لان التقديم يدل على وقوع الضرب على غير زيد تحقيقا لمعنى الاختصاص.

وقولك ولا غيره ينفى ذلك فيكون مفهوم التقديم مناقضا لمنطوق لا غيره.

نعم لو كان التقديم لغرض آخر غير التخصيص جاز ما زيدا ضربت ولا غيره وكذا زيدا ضربت وغيره (ولا ما زيدا ضربت ولكن اكرمته) لان مبنى الكلام ليس على ان الخطاء واقع فى الفعل بانه الضرب حتى ترده الى الصواب بانه الاكرام وانما الخطا فى تعيين المضروب فالصواب ولكن عمروا.

(واما نحو زيدا عرفته فتأكيد ان قدر) الفعل المحذوف (المفسر) بالفعل المذكور (قبل المنصوب) اى عرفت زيدا عرفته (والا) اى وان لم يقدر المفسر قبل المنصوب بل بعده (فتخصيص) اى زيدا عرفت عرفته لان المحذوف المقدر كالمذكور فالتقديم عليه كالتقديم على المذكور فى افادة الاختصاص كما فى بسم الله فنحو زيدا عرفته محتمل للمعنيين التخصيص والتأكيد فالرجوع فى التعيين الى القرائن وعند قيام القرينة على انه للتخصيص يكون اوكد من قولنا زيدا عرفت لما فيه من التكرار وفى بعض النسخ.

١١١

(واما نحو («وَأَمَّا ثَمُودُ) فَهَدَيْناهُمْ» فلا يفيد الا التخصيص) لامتناع ان يقدر الفعل مقدما نحو اما فهدينا ثمود لالتزامهم وجود فاصل بين اما والفاء بل التقدير اما ثمود فهديناهم بتقديم المفعول ، وفى كون هذا التقديم للتخصيص نظر لانه يكون مع الجهل بثبوت اصل الفعل كما اذا جاءك زيد وعمرو ثم سألك سائل ما فعلت بهما فتقول اما زيدا فضربته واما عمروا فاكرمته فليتأمل.

(وكذلك) اى ومثل زيدا عرفت في افادة الاختصاص (قولك بزيد مررت) فى المفعول بواسطة لمن اعتقد انك مررت بانسان وانه غير زيد وكذلك يوم الجمعة سرت وفى المسجد صليت وتأديبا ضربته وماشيا حججت.

(والتخصيص لازم للتقديم غالبا) اى لا ينفك عن تقديم المفعول ونحوه فى اكثر الصور بشهادة الاستقراء وحكم الذوق.

وانما قال غالبا لان اللزوم الكلى غير متحقق ، اذا التقديم قد يكون لاغراض اخر كمجرد الاهتمام والتبرك والاستلذاذ وموافقة كلام السامع وضرورة الشعر او رعاية السجع والفاصلة ونحو ذلك قال الله تعالى (خُذُوهُ) فَغُلُّوهُ ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَة ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ ، وقال (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ،) وقال (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ،) الى غير ذلك مما لا يحسن فيه اعتبار التخصيص عند من له معرفة باساليب الكلام.

(ولهذا) اى ولان التخصيص لازم للتقديم غالبا (يقال فى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) معناه نخصك بالعبادة والاستعانة) بمعنى نجعلك من بين الموجودات مخصوصا بذلك لا نعبد ولا نستعين غيرك (وفى (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) معناه اليه تحشرون لا الى غيره ويفيد) التقديم (فى الجميع) اى جميع صور التخصيص (وراء التخصيص) اى بعده (اهتماما بالمقدم) لانهم يقدمون الذى شانه اهم وهم ببيانه اعنى (ولهذا يقدر) المحذوف (فى بسم الله مؤخرا) اى بسم الله افعل كذا ليفيد مع الاختصاص الاهتمام لان المشركين كانوا يبدؤن باسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات باسم العزى فقصد الموحد تخصيص اسم الله بالابتداء للاهتمام والرد عليهم.

١١٢

(واورد اقرأ باسم ربك) يعنى لو كان التقديم مفيدا للاختصاص والاهتمام لوجب ان يؤخر الفعل ويقدم باسم ربك لان كلام الله تعالى احق لرعاية ما تجب رعايته (واجيب بان الاهم فيه القرائة) لانها اول سورة نزلت فكان الامر بالقرائة اهم باعتبار هذا العارض وان كان ذكر الله اهم فى نفسه هذا جواب جار الله العلامة فى الكشاف (وبانه) اى باسم ربك (متعلق باقرأ الثانى) اى هو مفعول اقرأ الذى بعده.

(ومعنى) اقرأ (الاول اوجد القرائة) من غير اعتبار تعديته الى مقروء به كما فى فلان يعطى ويمنع كذا فى المفتاح (وتقديم بعض معمولاته) اى معمولات الفعل (على بعض لان اصله) اى اصل ذلك البعض (التقديم) على البعض الاخر (ولا مقتضى للعدول عنه) اى عن الاصل (كالفاعل فى نحو ضرب زيد عمروا) لانه عمدة فى الكلام وحقه ان يلى الفعل وانما قال فى نحو ضرب زيد عمروا لان فى نحو ضرب زيدا غلامه مقتضيا للعدول عن الاصل (والمفعول الاول فى نحو اعطيت زيدا درهما) فان اصله التقديم لما فيه من معنى الفاعلية وهو انه عاط اى آخذ للعطاء (او لان ذكره) اى ذكر ذلك البعض الذى يقدم.

(اهم) جعل الاهمية ههنا قسيما لكون الاصل التقديم وجعلها فى المسند اليه شاملا له ولغيره من الامور المقتضية للتقديم وهو الموافق للمفتاح ولما ذكره الشيخ عبد القاهر حيث قال انا لم نجدهم اعتمدوا فى التقديم شيئا يجرى مجرى الاصل غير العناية والاهتمام لكن ينبغى ان يفسر وجه العناية بشىء يعرف له فيه معنى وقد ظن كثير من الناس انه يكفى ان يقال قدم للعناية ولكونه اهم من غير ان يذكر من اين كانت تلك العناية وبم كان اهم.

فمراد المصنف بالاهمية ههنا الاهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم او السامع بشانه والاهتمام بحاله لغرض من الاغراض (كقوله قتل الخارجى فلان) لان الاهم فى تعلق القتل هو الخارجى المقتول ليتخلص الناس من شره (او لان فى التأخير اخلالا ببيان المعنى نحو قوله تعالى «وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ

١١٣

إِيمانَهُ» فانه لو اخرّ) قوله من آل فرعون عن قوله (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (لتوهم انه من صلة (يَكْتُمُ)) اى يكتم ايمانه من آل فرعون (فلم يفهم انه) اى ذلك الرجل كان (منهم) اى من آل فرعون.

والحاصل انه ذكر للرجل ثلاثة اوصاف انه مؤمن ، ومن آل فرعون ، ويكتم ايمانه ، قدم الاول اعنى مؤمن لكونه اشرف ثم الثانى لئلا يتوهم خلاف المقصود (او) لان فى التأخير اخلالا (بالتناسب كرعاية الفاصلة نحو قوله تعالى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل لان فواصل الاى على الالف.

١١٤

الباب الخامس :

القصر

فى اللغة الحبس وفى الاصطلاح تخصيص شىء بشىء بطريق مخصوص وهو (حقيقى وغير حقيقى) لان تخصيص شىء بشىء اما ان يكون بحسب الحقيقة وفى نفس الامر بان لا يتجاوزه الى غيره اصلا وهو الحقيقى.

او بحسب الاضافة الى شىء آخر بان لا يتجاوزه الى ذلك الشىء وان امكن ان يتجاوزه الى شىء آخر فى الجملة وهو غير حقيقى بل اضافى كقولك ما زيد الا قائم بمعنى انه لا يتجاوز القيام الى القعود لا بمعنى انه لا يتجاوزه الى صفة اخرى اصلا.

وانقسامه الى الحقيقى والاضافى بهذا المعنى لا ينافى كون التخصيص مطلقا من قبيل الاضافات.

(وكل واحد منهما) اي من الحقيقي وغيره (نوعان قصر الموصوف على الصفة) وهو ان لا يتجاوز الموصوف من تلك الصفة الى صفة آخر لكن يجوز ان تكون تلك الصفة لموصوف آخر.

(وقصر الصفة على الموصوف) وهو ان لا يتجاوز تلك الصفة ذلك الموصوف الى موصوف آخر لكن يجوز ان يكون لذلك الموصوف صفات آخر.

(والمراد) بالصفة ههنا الصفة (المعنوية) اعنى المعنى القائم بالغير (لا النعت النجوى) اعنى التابع الذى يدل على معنى فى متبوعه غير الشمول وبينهما عموم من وجه لتصادقهما فى مثل اعجبنى هذا العلم وتفارقهما فى مثل العلم حسن ومررت بهذا الرجل.

١١٥

واما نحو قولك ما زيد الا اخوك وما الباب الاساج وما هذا الا زيد فمن قصر الموصوف على الصفة تقديرا اذا المعنى انه مقصور على الاتصاف بكونه اخا اوساجا او زيدا.

(والاول) اى قصر الموصوف على الصفة (من الحقيقى نحو ما زيد الا كاتب اذا اريد انه لا يتصف بغيرها) اى غير الكتابة من الصفات (وهو لا يكاد يوجد لتعذر الاحاطة بصفات الشىء) حتى يمكن اثبات شىء منها ونفى ما عداها بالكلية بل هذا محال لان للصفة المنفية نقيضا وهو من الصفات التى لا يمكن نفيها ضرورة امتناع ارتفاع النقيضين مثلا.

اذا قلنا ما زيد الا كاتب واردنا انه لا يتصف بغيره لزم ان لا يتصف بالقيام ولا بنقيضه وهو محال.

(والثانى) اى قصر الصفة على الموصوف من الحقيقى (كثير نحو ما فى الدار الا زيد) على معنى ان الحصول فى الدار المعينة مقصور على زيد (وقد يقصد به) اى بالثانى (المبالغة لعدم الاعتداد بغير المذكور) كما يقصد بقولنا ما فى الدار الا زيد ان جميع من فى الدار ممن عدا زيدا فى حكم العدم فيكون قصرا حقيقيا ادعائيا واما فى القصر الغير الحقيقى فلا يجعل فيه غير المذكور بمنزلة العدم بل يكون المراد ان الحصول فى الدار مقصور على زيد بمعنى انه ليس حاصلا لعمرو وان كان حاصلا لبكر وخالد.

(والاول) اى قصر الموصوف على الصفة (من غير الحقيقى تخصيص امر بصفة دون) صفة (اخرى او مكانها) اى تخصيص امر بصفة مكان صفة اخرى.

(والثانى) اى قصر الصفة على الموصوف من غير الحقيقى (تخصيص صفة بامر دون) امر (آخر او مكانه).

وقوله دون اخرى معناه متجاوز اعن الصفة الاخرى فان المخاطب اعتقد اشتراكه فى صفتين والمتكلم يخصصه باحديهما ويتجاوز عن الاخرى ومعنى دون فى الاصل ادنى مكانا من الشىء يقال هذا دون ذاك اذا كان احطّ منه قليلا ثم استعير

١١٦

للتفاوت فى الاحوال والرتب ثم اتسع فيه فاستعمل فى كل تجاوز حد الى حد وتخطى حكم الى حكم.

ولقائل ان يقول ان اريد بقوله دون اخرى ودون آخر دون صفة واحدة اخرى ودون امر واحد آخر فقد خرج عن ذلك ما اذا اعتقد المخاطب اشتراك ما فوق الاثنين كقولنا ما زيد الا كاتب لمن اعتقده كاتبا وشاعرا ومنجما وقولنا ما كاتب الا زيد لمن اعتقد ان الكاتب زيد او عمرو او بكر وان اريد به الاعم من الواحد وغيره فقد دخل فى هذا التفسير القصر الحقيقى وكذا الكلام على مكان اخرى ومكان آخر.

(فكل منهما) اى فعلم من هذا الكلام ومن استعمال لفظة او فيه ان كل واحد من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف (ضربان).

الاول التخصيص بشىء دون شىء والثانى التخصيص بشىء مكان شىء (والمخاطب بالاول من ضربى كل) من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف ويعنى بالاول التخصيص بشىء دون شىء (من يعتقد الشركة) اى شركة صفتين فى موصوف واحد فى قصر الموصوف على الصفة وشركة موصوفين فى صفة واحدة فى قصر الصفة على الموصوف فالمخاطب بقولنا ما زيد الا كاتب من يعتقد اتصافه بالشعر والكتابة وبقولنا ما كاتب الا زيد من يعتقد اشتراك زيد وعمرو فى الكتابة.

(ويسمى) هذا القصر (قصر افراد لقطع الشركة) التى اعتقدها المخاطب (و) المخاطب (بالثانى) اعنى التخصيص بشىء مكان شىء من ضربى كل من القصرين (يعتقد العكس) اى عكس الحكم الذى أثبته المتكلم فالمخاطب بقولنا ما زيد الا قائم من اعتقد اتصافه بالقعود دون القيام وبقولنا ما شاعر الا زيد من اعتقد ان الشاعر عمرو لا زيد.

(ويسمى) هذا القصر (قصر قلب لقلب حكم المخاطب او تساويا عنده) عطف على قوله يعتقد العكس على ما يفصح عنه لفظ الايضاح اى المخاطب بالثانى اما من يعتقد العكس واما من تساوى عنده الامر ان اعنى الاتصاف بالصفة المذكورة

١١٧

وغيرها فى قصر الموصوف على الصفة واتصاف الامر المذكور وغيره بالصفة فى قصر الصفة على الموصوف حتى يكون المخاطب بقولنا ما زيد الا قائم من يعتقد اتصافه بالقيام او القعود من غير علم بالتعيين وبقولنا ما شاعر الا زيد من يعتقد ان الشاعر زيدا وعمروا من غير ان يعلمه على التعيين.

(ويسمى) هذا القصر (قصر تعيين) لتعيينه ما هو غير معين عند المخاطب.

فالحاصل ان التخصيص بشىء دون شىء آخر قصر افراد والتخصيص بشىء مكان شىء ان اعتقد المخاطب فيه العكس قصر قلب وان تساويا عنده قصر تعيين.

وفيه نظر لانا لو سلمنا ان فى قصر التعيين تخصيص شىء بشىء مكان شىء آخر فلا يخفى ان فيه تخصيص شىء بشىء دون آخر فان قولنا ما زيد الا قائم لمن تردد بين القيام والقعود تخصص له بالقيام دون القعود.

ولهذا جعل السكاكى التخصيص بشيء دون شيء مشتركا بين قصر الافراد والقصد الذي سماه المصنف قصر تعيين وجعل التخصيص بشيء مكان شيء قصر قلب فقط.

(وشرط قصر الموصوف على الصفة افرادا عدم تنافى الوصفين) ليصح اعتقاد المخاطب اجتماعهما فى الموصوف حتى تكون الصفة المنفية فى قولنا ما زيد الا شاعر كونه كاتبا او منجما لا كونه مفحما اى غير شاعر لان الافحام وهو وجدان الرجل غير شاعر ينافى الشاعرية.

(و) شرط قصر الموصوف على صفة (قلبا تحقق تنافيهما) اى تنافى الوصفين حتى يكون المنفى فى قولنا ما زيد الا قائم كونه قاعدا او مضطجعا او نحو ذلك مما ينافى القيام.

ولقد احسن صاحب المفتاح فى اهمال هذا الاشتراط لان قولنا ما زيد الا شاعر ، لمن اعتقد انه كاتب وليس بشاعر قصر قلب على ما صرح به فى المفتاح مع عدم تنافى الشعر والكتابة ومثل هذا خارج عن اقسام القصر على ما ذكره المصنف.

لا يقال هذا شرط الحسن او المراد التنافى فى اعتقاد المخاطب.

١١٨

لانا نقول اما الاول فلا دلالة للفظ عليه مع انا لا نسلم عدم حسن قولنا ما زيد الا شاعر لمن اعتقده كاتبا غير شاعر.

واما الثانى فلان التنافى بحسب اعتقاد المخاطب معلوم مما ذكره فى تفسيره ان قصر القلب هو الذى يعتقد فيه المخاطب العكس فيكون هذا الاشتراط ضائعا ، وايضا لم يصح قول المصنف فى الايضاح ان السكاكى لم يشترط فى قصر القلب تنافى الوصفين وعلل المصنف رحمه الله اشتراط تنافى الوصفين بقوله ليكون اثبات الصفة مشعرا بانتفاء غيرها.

وفيه نظر بيّن فى الشرح.

(وقصر التعيين اعم) من ان يكون الوصفان فيه متنافيين او لا فكل مثال يصلح لقصر الافراد والقلب يصلح لقصر التعيين من غير عكس.

(وللقصر طرق) والمذكور ههنا اربعة وغيرها قد سبق ذكره ، فالاربعة المذكورة ههنا (منها العطف كقولك فى قصره) اى قصر الموصوف على الصفة (افرادا زيد شاعر لا كاتب او ما زيد كاتبا بل شاعر) مثل بمثالين اولهما الوصف المثبت فيه معطوف عليه والمنفى معطوف والثانى بالعكس (وقلبا زيد قائم لا قاعد او ما زيد قائما بل قاعد).

فان قلت اذا تحقق تنافى الوصفين فى قصر القلب فاثبات احدهما يكون مشعرا بانتفاء الغير فما فائدة نفى الغير واثبات المذكور بطريق الحصر.

قلت الفائدة فيه التنبيه على رد الخطاء فيه اذ المخاطب اعتقد العكس فان قولنا زيد قائم وان دل على نفى القعود لكنه خال عن الدلالة على ان المخاطب اعتقد انه قاعد.

(وفى قصرها) اى قصر الصفة على الموصوف افرادا ، او قلبا بحسب المقام (زيد شاعر لا عمرو او ما عمرو شاعرا بل زيد) ويجوز ما شاعر عمرو بل زيد بتقديم الخبر لكنه يجب حينئذ رفع الاسمين لبطلان العمل ولما لم يكن فى قصر الموصوف على الصفة مثال الافراد صالحا للقلب لاشتراط عدم التنافى فى الافراد.

١١٩

وتحقق التنافى فى القلب على زعمه اورد للقلب مثالا يتنافى فيه الوصفان بخلاف قصر الصفة فان فيه مثالا واحدا يصلح لهما ، ولما كان كل ما يصلح مثالا لهما يصلح مثالا لقصر التعيين لم يتعرض لذكره ، وهكذا فى سائر الطرق.

(ومنها النفى والاستثناء كقولك فى قصره) افرادا (ما زيد الاشاعر) قلبا (وما زيد الا قائم وفى قصرها) افرادا وقلبا (ما شاعر الا زيد) والكل يصلح مثالا للتعيين والتفاوت انما هو بحسب اعتقاد المخاطب.

(ومنها انما كقولك فى قصره) افرادا (انما زيد كاتب) قلبا (وانما زيد قائم وفى قصرها) افرادا وقلبا (انما قائم زيد).

وفى دلائل الاعجاز ان انما ولاء العاطفة انما يستعملان فى الكلام المعتد به لقصر القلب دون الافراد.

واشار الى سبب افادة انما القصر بقوله (لتضمنه معنى ما والا) واشار بلفظ التضمن الى انه ليس بمعنى ما والا حتى كأنهما لفظان مترادفان اذ فرق بين ان يكون فى الشىء معنى الشىء.

وبين ان يكون الشىء الشىء ، على الاطلاق فليس كل كلام يصلح فيه ما والا يصلح فيه انما صرح بذلك الشيخ فى دلائل الاعجاز ، ولما اختلفوا فى افادة انما القصر وفى تضمنه معنى ما والا بيّنه بثلثة اوجه فقال (لقول المفسرين انما حرّم عليكم الميتة بالنصب معناه ما حرّم الله عليك الا الميتة و) هذا المعنى (هو المطابق لقرائة الرفع) اى رفع الميتة.

وتقرير هذا الكلام ان فى الاية ثلث قرائات حرّم مبنيا للفاعل مع نصب الميتة ورفعها وحرّم مبنيا للمفعول مع رفع الميتة كذا فى تفسير الكواشى ، فعلى القرائة الاولى ما فى انما كافة اذ لو كانت موصولة لبقى ان بلا خبر والموصول بلا عائد وعلى الثانية موصولة لتكون الميتة خبرا اذ لا يصح ارتفاعها بحرم المبنى للفاعل على ما لا يخفى.

والمعنى ان الذى حرّمه الله تعالى عليكم هو الميتة وهذا يفيد القصر (لما مر) فى

١٢٠