مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

تعريف المسند من ان نحو المنطلق زيد وزيد المنطلق يفيد قصر الانطلاق على زيد.

فاذا كان انما متضمنا معنى ما والا وكان معنى القرائة الاولى ما حرّم الله عليكم الا الميتة كانت مطابقة للقرائة الثانية والا لم تكن مطابقة لها لافادتها القصر ، فمراد السكاكى والمصنف بقرائة النصب والرفع هو القرائة الاولى والثانية فى المبنى للفاعل ولهذا لم يتعرضا للاختلاف فى لفظ حرّم بل فى لفظ الميتة رفعا ونصبا.

واما على القرائة الثالثة اعنى رفع الميتة وحرّم مبنيا للمفعول فيحتمل ان يكون ما كافة اى ما حرّم عليكم الا الميتة وان يكون موصولة اى ان الذى حرّم عليكم وهو الميتة ويرجح هذا ببقاء انّ عاملة على ما هو اصلها.

وبعضهم توهم ان مراد السكاكى والمصنف بقرائة الرفع هذه القرائة الثالثة فطالبهما بالسبب فى اختيار كونها موصولة مع ان الزجاج اختار انها كافة.

(ولقول النحاة انما لاثبات ما يذكر بعده ونفى ما سواه) اى سوى ما يذكر بعده اما فى قصر الموصوف نحو انما زيد قائم فهو لاثبات قيام زيد ونفى ما سواه من القعود ونحوه واما فى قصر الصفة نحو انما يقوم زيد فهو لاثبات قيامه ونفى ما سواه من قيام عمرو وبكر وغيرهما (ولصحة انفصال الضمير معه) اى مع انما نحو انما يقوم انا فان الانفصال انما يجوز عند تعذر الاتصال ولا تعذر ههنا الا بان يكون المعنى ما يقوم الا انا فيقع بين الضمير وعامله فصل لغرض ثم استشهد على صحة هذا الانفصال ببيت من هو ممن يستشهد بشعره.

ولهذا صرح باسمه فقال (قال الفرزدق انا الذائد) ، من الذود وهو الطرد (الحامى الذمار) اى العهد.

وفى الاساس هو الحامى الذمار اذا حمى ما لو لم يحمه ليم وعنف من حماه وحريمه (وانما يدافع عن احسابهم انا او مثلى ،) لما كان غرضه ان يخص المدافع لا المدافع عنه فصل الضمير واخره اذ لو قال وانما ادافع عن احسابهم لصار المعنى انه يدافع عن احسابهم لا عن احساب غيرهم وهو ليس بمقصوده. ولا يجوز ان يقال انه محمول على الضرورة لانه كان يصح ان يقال انما ادافع عن

١٢١

احسابهم انا على ان يكون انا تأكيدا وليست ما موصولة اسم انّ وانا خبرها اذ لا ضرورة فى العدول عن لفظ من الى لفظ ما (ومنها التقديم) اى تقديم ما حقه التأخير كتقديم الخبر على المبتدأ او المعمولات على الفعل (كقولك فى قصره) اى قصر الموصوف (تميمى انا) كان الانسب ذكر المثالين لان التميمية والقيسية ان تنافيا لم يصلح هذا مثالا لقصر الافراد والا لم يصلح لقصر القلب بل للافراد (وفى قصرها انا كفيت مهمتك) افرادا وقلبا او تعيينا بحسب اعتقاد المخاطب.

(وهذه الطرق الاربعة) بعد اشتراكها فى افادة القصر (تختلف من وجوه فدلالة الرابع) اى التقديم (بالفحوى) اى بمفهوم الكلام بمعنى انه اذا تأمل صاحب الذوق السليم فيه فهم منه القصر وان لم يعرف اصطلاح البلغاء فى ذلك (و) دلالة الثلثة (الباقية بالوضع) لان الواضع وضعها لمعان تفيد القصر.

(والاصل) اى الوجه الثانى من وجوه الاختلاف ان الاصل (فى الاول) اى فى طريق العطف (النص على المثبت والمنفى كما مر فلا يترك) النص عليهما (الا لكراهة الاطناب كما اذا قيل زيد يعلم النحو الصرف والعروض او زيد يعلم النحو وعمرو وبكر فتقول فيهما) اى فى هذين المقامين (زيد يعلم النحو لا غير) واما فى الاول [فمعناه : لا غير النحوى اى : لا التصريف ولا العروض واما فى الثانى] فمعناه لا غير زيد اى لا عمرو ولا بكر وحذف المضاف اليه من غير وبنى هو على الضم تشبيها بالغايات ، وذكر بعض النحاة ان لا فى لا غير ليست عاطفة بل لنفى الجنس (او نحوه) اى نحو لا غير مثل لا ما سواه ولا من عداه وما اشبه ذلك.

(و) الاصل (فى) الثلاثة (الباقية النص على المثبت فقط) دون المنفى وهو ظاهر (والنفى) اى وجه الثالث من وجوه الاختلاف ان النفى بلاء العاطفة (لا يجامع الثانى) اعنى النفى والاستثناء فلا يصح ما زيد الا قائم لا قاعد ،

وقد يقع مثل ذلك فى كلام المصنفين لا فى كلام البلغاء (لان شرط المنفى بلاء العاطفة ان لا يكون) ذلك المنفى (منفيا قبلها بغيرها) من ادوات النفى لانها موضوعة لان تنفى بها ما اوجبته للمتبوع لا لان تعيد بها النفى فى شىء قد نفيته وهذا

١٢٢

الشرط مفقود فى النفى والاستثناء.

لانك اذ قلت ما زيد الا قائم فقد نفيت عنه كل صفة وقع فيها التنازع حتى كانك قلت ليس هو بقاعد ولا نائم ولا مضطجع ونحو ذلك ، فاذا قلت لا قاعد فقد نفيت عنه بلاء العاطفة شيئا هو منفى قبلها بماء النافية وكذا الكلام فى ما يقوم الا زيد وقوله بغيرها يعنى من ادوات النفى على ما صرح به فى المفتاح.

وفائدته الاحتراز عما اذا كان منفيا بفحوى الكلام او علم المتكلم او السامع ونحو ذلك كما سيجىء فى بحث انما ،

لا يقال هذا يقتضى جواز ان يكون منفيا قبلها بلاء العاطفة الاخرى نحو جاءنى الرجال لا النساء لا هند لانا نقول الضمير لذلك المشخص اى بغير لاء العاطفة التى نفى بها ذلك المنفى ومعلوم انه يمتنع نفيه قبلها بها لامتناع ان ينفى شىء بلاء قبل الاتيان بها وهذا كما يقال دأب الرجل الكريم ان لا يؤذى غيره فان المفهوم منه ان لا يؤذى غيره سواء كان ذلك الغير كريما او غير كريم.

(ويجامع) اى النفى بلاء العاطفة (الاخيرين) اى انما والتقديم (فيقال انما انما تميمى لا قيسى وهو يأتينى لا عمرو لان النفى فيهما) اى فى الاخيرين (غير مصرح به) كما فى النفى والاستثناء فلا يكون المنفى (بلاء العاطفة منفيا بغيرها من ادوات النفى وهذا كما يقال امتنع زيد عن المجىء لا عمرو) فانه يدل على نفى المجىء عن زيد لكن لا صريحا بل ضمنا وانما معناه الصريح هو ايجاب امتناع المجىء عن زيد فيكون لا نفيا لذلك لايجاب.

والتشبيه بقوله امتنع زيد عن المجىء لا عمرو من جهة ان النفى الضمنى ليس فى حكم النفى الصريح لا من جهة ان المنفى بلاء العاطفة منفى قبلها بالنفى الضمنى كما فى انما انا تميمى لا قيسى اذ لا دلالة لقولنا امتنع زيد عن المجىء على نفى امتناع مجىء عمرو لا ضمنا ولا صريحا.

قال (السكاكى شرط مجامعته) اى مجامعة النفى بلاء العاطفة (الثالث) اى انما (ان لا يكون الوصف فى نفسه مختصا بالموصوف) لتحصل الفائدة (نحو (إِنَّما

١٢٣

يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)) فانه يمتنع ان يقال لا الذين لا يسمعون لان الاستجابة لا تكون الا ممن يسمع ويعقل بخلاف انما يقوم زيد لا عمرو اذ القيام ليس مما يختص بزيد.

وقال الشيخ (عبد القاهر لا تحسن) مجامعة الثالث (فى) الوصف (المختص كما تحسن فى غيره وهذا اقرب) الى الصواب اذ لا دليل على الامتناع عند قصد زيادة التحقيق والتأكيد (واصل الثانى) اى الوجه الرابع من وجوه الاختلاف ان اصل النفى والاستثناء (ان يكون ما استعمل له) اى الحكم الذى استعمل فيه النفى والاستثناء (مما يجهله المخاطب وينكره بخلاف الثالث) اى انما فان اصله ان يكون الحكم المستعمل هو فيه مما يعلمه المخاطب ولا ينكره كذا فى الايضاح نقلا عن دلائل الاعجاز.

وفيه بحث لان المخاطب اذا كان عالما بالحكم ولم يكن حكمه مشوبا بخطاء لم يصح القصر بل لا يفيد الكلام سوى لازم الحكم وجوابه ان مراده انّ انما يكون لخبر من شأنه ان لا يجهله المخاطب ولا ينكره حتى ان انكاره يزول بادنى تنبيه لعدم اصراره عليه وعلى هذا يكون موافقا لما فى المفتاح (كقولك لصاحبك وقد رأيت شبحا من بعيد ما هو الازيد اذا اعتقده غيره) اى اذا اعتقد صاحبك ذلك الشبح غير زيد (مصرا) على هذا الاعتقاد (وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل له) اى لذلك المعلوم.

(الثانى) اى النفى والاستثناء (افرادا) اى حال كونه قصر افراد (نحو (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) صلّى الله عليه وآله وسلم اى مقصور على الرسالة لا يتعداها الى التبرى من الهلاك) فالمخاطبون وهم الصحابة رضى الله عنهم كانوا عالمين بكونه مقصورا على الرسالة غير جامع بين الرسالة والتبرى من الهلاك لكنهم لما كانوا يعدون هلاكه امرا عظيما (نزل استعظامهم هلاكه منزلة انكارهم اياه) اى الهلاك فاستعمل له النفى والاستثناء واعتبار المناسب هنا هو الاشعار بعظم هذا الامر فى نفوسهم وشدة حرصهم على بقائه عليه الصلاة والسلام عندهم.

١٢٤

(او قلبا) عطف على قوله افرادا (نحو (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)) فالمخاطبون وهم الرسل عليهم السلام لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرا ولا منكرين لذلك لكنهم نزلوا منزلة المنكرين (لاعتقاد القائلين) وهم الكفار (ان الرسول لا يكون بشرا مع اصرار المخاطبين على دعوى الرسالة) فنزلهم القائلون منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا اعتقادا فاسدا من التنافى بين الرسالة والبشرية فقلبوا هذا الحكم بان قالوا ان انتم الا بشر مثلنا اى مقصورون على البشرية ليس لكم وصف الرسالة التى تدعونها.

ولما كان هنا مظنة سؤال وهو ان القائلين قد ادعوا التنافى بين البشرية والرسالة وقصروا المخاطبين على البشرية والمخاطبون قد اعترفوا بكونهم مقصورين على البشرية حيث قالوا ان نحن الا بشر مثلكم فكأنهم سلموا انتفاء الرسالة عنهم اشار الى جوابه بقوله.

(وقولهم) اى قول الرسل المخاطبين (ان نحن الا بشر مثلكم من) باب (مجاراة الخصم) وارخاء العنان اليه بتسليم بعض مقدماته (ليعثر) الخصم من العثار وهو الزلة.

وانما يفعل ذلك (حيث يراد تبكيته) اى اسكات الخصم والزامه (لا لتسليم انتفاء الرسالة) فكأنهم قالوا ان ما ادعيتم من كوننا بشرا فحق لا ننكره.

ولكن هذا لا ينافى ان يمن الله تعالى علينا بالرسالة فلهذا اثبتوا البشرية لانفسهم.

واما اثباتها بطريق القصر فليكون على وفق كلام الخصم (وكقولك) عطف على قوله كقولك لصاحبك.

وهذا مثال لاصل انما اى الاصل فى انما ان يستعمل فيما لا ينكره المخاطب كقولك (انما هو اخوك لمن يعلم ذلك ويقرّ به وانت تريد ان ترقّقه عليه) اى ان تجعل من يعلم ذلك رقيقا مشفقا على اخيه.

والاولى بناء على ما ذكرنا ان يكون هذا المثال من الاخراج لا على مقتضى

١٢٥

الظاهر (وقد ينزل المجهول منزلة المعلوم لادعاء ظهوره فيستعمل له الثالث) اى انما (قوله تعالى حكاية عن اليهود (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)) ادعوا ان كونهم مصلحين امر ظاهر من شأنه ان لا يجهله المخاطب ولا ينكره (ولذلك جاء الا انهم هم المفسدون للرد عليهم مؤكدا بما ترى) من ايراد الجملة الاسمية الدالة على اثبات.

وتعريف الخبر الدال على الحصر وتوسيط ضمير الفصل المؤكد لذلك وتصدير الكلام بحرف التنبيه الدال على ان مضمون الكلام مما له خطر وله عناية.

ثم لتأكيده بان ثم تعقيبه بما يدل على التقريع والتوبيخ وهو قوله (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (ومزية انما على العطف انه يعقل منها) اى من انما (الحكمان) اعنى الاثبات للمذكور والنفى عما عداه (معا) بخلاف العطف فانه يفهم منه اولا الاثبات ثم النفى نحو زيد قائم لا قاعد وبالعكس نحو ما زيد قائما بل قاعدا.

(واحسن مواقعها) اى مواقع انما (التعريض نحو («إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» *) فانه تعريض بان الكفار من فرط جهلهم كالبهائم فطمع النظر) اى التأمل (منهم كطمعه منها) اى كطمع النظر من البهائم.

(ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر على ما مر يقع بين الفعل والفاعل) نحو ما قام الا زيد (وغيرهما) كالفاعل والمفعول نحو ما ضرب زيد الا عمروا وما ضرب عمروا الا زيد والمفعولين نحو ما اعطيت زيدا الا درهما وما اعطيت درهما الا زيدا وغير ذلك من المتعلقات.

(ففى الاستثناء يؤخر المقصور عليه مع اداة الاستثناء) حتى لو اريد القصر على الفاعل قيل ما ضرب عمروا الا زيد ولو اريد القصر على المفعول قيل ما ضرب زيد الا عمروا ومعنى قصر الفاعل على المفعول مثلا قصر الفعل المسند اليه الفاعل على المفعول.

وعلى هذا قياس البواقى فيرجع فى الحقيقة الى قصر الصفة الى الموصوف وبالعكس ويكون حقيقيا وغير حقيقى افرادا وقلبا وتعيينا ولا يخفى اعتبار ذلك.

(وقلّ) اى جاز على قلة (تقديمهما) اى تقديم المقصور عليه واداة الاستثناء

١٢٦

على المقصور (حال كونهما بحالهما) وهو ان يلى المقصور عليه الاداة (نحو ما ضرب الا عمروا زيد) فى قصر الفاعل على المفعول (وما ضرب الا زيد عمروا) فى قصر المفعول على الفاعل ، وانما قال بحالهما احترازا عن تقديمهما مع ازالتهما عن حالهما بان يؤخر الاداة عن المقصور عليه كقولك فى ما ضرب زيدا الا عمروا ما ضرب عمروا الا زيد فانه لا يجوز ذلك لما فيه من اختلال المعنى وانعكاس المقصود.

وانما قل تقديمهما بحالهما (لاستلزامه قصر الصفة قبل تمامها) لان الصفة المقصورة على الفاعل مثلا هى الفعل الواقع على المفعول لا مطلق الفعل فلا يتم المقصود قبل ذكر المفعول فلا يحسن قصره ، وعلى هذا فقس ، وانما جاز على قلة نظرا الى انها فى حكم التام باعتبار ذكر المتعلق فى الاخر.

(ووجه الجميع) اى السبب فى افادة النفى والاستثناء القصر فيما بين المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول وغير ذلك (ان النفى فى الاستثناء المفرغ) الذى حذف منه المستثنى منه واعرب ما بعد الا بحسب العوامل (يتوجه الى مقدر وهو مستثنى منه) لان الا للاخراج والاخراج يقتضى مخرجا منه.

(عام) ليتناول المستثنى وغيره فيتحقق الاخراج (مناسب للمستثنى فى جنسه) بان يقدر فى نحو ما ضرب الا زيد ما ضرب احد وفى نحو ما كسوته الا الجبة ما كسوته لباسا وفى نحو ما جاءنى الا راكبا ما جاءنى كائنا على حال من الاحوال وفى نحو ما سرت الا يوم الجمعة ما سرت وقتا من الاوقات.

وعلى هذا القياس (و) فى (صفته) يعنى فى الفاعلية والمفعولية والحالية ونحو ذلك.

واذا كان النفى متوجها الى هذا المقدر العام المناسب للمستثنى فى جنسه وصفته (فاذا اوجب منه) اى من ذلك المقدر (شىء بالا جاء القصر) ضرورة بقاء ما عداه على صفة الانتفاء.

(وفى انما يؤخر المقصور عليه تقول انما ضرب زيد عمروا) فيكون القيد الاخير بمنزلة الواقع بعد الا فيكون هو المقصور عليه (ولا يجوز تقديمه) اى تقديم

١٢٧

المقصور عليه بانما (على غيره للالتباس) كما اذا قلنا فى انما ضرب زيد عمروا انما ضرب عمروا زيد بخلاف النفى والاستثناء فانه لا التباس فيه اذا المقصور عليه هو المذكور بعد الاسواء قدم او اخر وههنا ليس الا مذكورا فى اللفظ بل تضمنا.

(وغير كالا فى افادة القصرين) اى قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف افراد وقلبا وتعيينا (و) فى (امتناع مجامعته لاء) العاطفة لما سبق فلا يصح ما زيد غير شاعر لا كاتب ولا ما شاعر غير زيد لا عمرو.

١٢٨

الباب السادس

فى الانشاء

اعلم ان الانشاء قد يطلق على نفس الكلام الذى ليس لنسبته خارج تطابقه او لا تطابقه وقد يقال على ما هو فعل المتكلم اعنى القاء مثل هذا الكلام كما ان الاخبار كذلك.

والاظهر ان المراد ههنا هو الثانى بقرينة تقسيمه الى الطلب وغير الطلب وتقسيم الطلب الى التمنى والاستفهام وغيرهما والمراد بها معانيها المصدرية لا الكلام المشتمل عليها بقرينة قوله واللفظ الموضوع له كذا وكذا لظهور ان لفظ ليت مثلا يستعمل لمعنى التمنى لا لقولنا ليت زيدا قائم فافهم.

فالانشاء ان لم يكن طلبا كافعال المقاربة وافعال المدح والذم وصيغ العقود والقسم وربّ ونحو ذلك فلا يبحث عنها ههنا لقلة المباحث المناسبة المتعلقة بها ولان اكثرها فى الاصل اخبار نقلت الى معنى الانشاء فالانشاء (ان كان طلبا استدعى مطلوبا غير حاصل وقت الطلب) لامتناع طلب الحاصل فلو استعمل صيغ الطلب لمطلوب حاصل امتنع اجراؤها على معانيها الحقيقية ويتولد منها بحسب القرائن ما يناسب المقام.

(وانواعه) اى الطلب (كثيرة منها : التمنى) وهو طلب حصول شىء على سبيل المحبة (واللفظ الموضوع له ليت ولا يشترط امكان المتمنى) بخلاف الترجى (كقولك ليت الشباب يعود يوما) فاخبره بما فعل المشيب ولا تقول لعله يعود لكن اذا كان المتمنى ممكنا يجب ان لا يكون لك توقع وطماعية فى وقوعه والا لصار ترجيا.

(وقد يتمنى بهل نحو هل لى من شفيع حيث يعلم ان لا شفيع له) لانه

١٢٩

حينئذ يمتنع حمله على حقيقة الاستفهام لحصول الجزم بانتفائه ، والنكتة فى التمنى بهل والعدول عن ليت هى ابراز المتمنى لكمال العناية به فى صورة الممكن الذى لا جزم بانتفائه.

(و) قد يتمنى (بلو نحو لو تأتينى فتحدثنى بالنصب) على تقدير فان تحدثنى فان النصب قرينة على ان لو ليست على اصلها اذ لا ينصب المضارع بعدها باضمار ان وانما يضمر ان بعد الاشياء الستة والمناسب للمقام ههنا هو التمنى.

قال (السكاكى كانّ حروف التنديم والتحضيض وهى هلا والا بقلب الهاء همزة ولو لا ولو ما مأخوذة منهما) وخبر كأن منهما اى كأنها مأخوذة من هل ولو اللتين للتمنى حال كونهما (مركبتين مع ماء ولاء المزيدتين لتضمينهما) علة لقوله مركبتين.

والتضمين جعل الشىء فى ضمن الشىء تقول ضمنت الكتاب كذا كذا بابا اذا جعلته متضمنا لتلك الابواب يعنى ان الغرض المطلوب من هذا التركيب والتزامه هو جعل هل ولو متضمنتين (معنى التمنى ليتولد) علة لتضمينهما يعنى ان الغرض من تضمينهما معنى التمنى ليس افادة التمنى بل ان يتولد (منه) اى من معنى التمنى المتضمنتين هما اياه (فى الماضى التنديم نحو هلا اكرمت زيدا) او لو ما اكرمته على معنى ليتك اكرمته قصدا الى جعله نادما على ترك الاكرام.

(وفى المضارع التحضيض نحو هلا تقوم) ولو ما تقوم على معنى ليتك تقوم قصدا الى حثه على القيام.

والمذكور فى الكتاب ليس عبارة السكاكى لكنه حاصل كلامه.

وقوله لتضمينهما مصدر مضاف الى المفعول الاول ومعنى التمنى مفعوله الثانى.

ووقع فى بعض النسخ لتضمنهما على لفظ التفعل وهو لا يوافق معنى كلام المفتاح.

وانما ذكر هذا بلفظ كأن لعدم القطع بذلك.

(وقد يتمنى بلعل فيعطى له حكم ليت) وينصب فى جوابه المضارع على اضمار ان (نحو لعلى احج فازورك بالنصب لبعد المرجو عن الحصول).

١٣٠

وبهذا يشبه المحالات والممكنات التى لاطماعية فى وقوعها فيتولد منه معنى التمنى ومنها اى من انواع الطلب (الاستفهام) وهو طلب حصول صورة الشىء فى الذهن فان كانت وقوع نسبة بين امرين او لا وقوعها فحصولها هو التصديق والا فهو التصور.

(والالفاظ الموضوعة له الهمزة وهل وما ومن واىّ وكم وكيف واين وانى ومتى وايان.

فالهمزة لطلب التصديق) اى انقياد الذهن واذعانه لوقوع نسبة تامة بين الشيئين (كقولك اقام زيد) فى الجملة الفعلية (وازيد قائم) فى الجملة الاسمية (او) لطلب (التصور) اى ادراك غير النسبة (كقولك) فى طلب تصور المسند اليه (ادبس فى الاناء ام عسل) عالما بحصول شىء فى الاناء طالبا لتعيينه (و) فى طلب تصور المسند (فى الخابية دبسك ام فى الزق) عالما بكون الدبس فى واحد من الخابية والزق طالبا لتعيين ذلك (ولهذا) اى ولمجىء الهمزة لطلب التصور (لم يقبح) فى تصور الفاعل (ازيد قام) كما قبح هل زيد قام (و) (لم يقبح فى طلب تصور المفعول «اعمروا عرفت») كما قبح هل عمروا عرفت.

وذلك لان التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل فيكون هل لطلب حصول الحاصل.

وهذا ظاهر فى أعمروا عرفت لا فى ازيد قام فليتأمل (والمسؤل عنه بها) اى بالهمزة (هو ما يليها كالفعل فى اضربت زيدا) اذا كان الشك فى نفس الفعل اعنى الضرب الصادر من المخاطب الواقع على زيد واردت بالاستفهام ان تعلم وجوده فيكون لطلب التصديق.

ويحتمل ان يكون لطلب تصور المسند بان تعلم انه قد تعلق فعل من المخاطب بزيد لكن لا تعرف انه ضرب او اكرام (والفاعل فىءانت ضربت) اذا كان الشك فى الضارب (والمفعول فى ازيدا ضربت) اذا كان الشك فى المضروب ، وكذا قياس سائر المتعلقات (وهل لطلب التصديق فحسب) وتدخل على الجملتين (نحو هل قام زيد

١٣١

وهل عمرو قاعد) اذا كان المطلوب حصول التصديق بثبوت القيام لزيد والقعود لعمرو.

(ولهذا) اى ولا ختصاصها بطلب التصديق (امتنع هل زيد قام ام عمرو) لان وقوع المفرد ههنا بعد ام دليل على ان ام متصلة وهى لطلب تعيين احد الامرين مع العلم بثبوت اصل الحكم وهل انما تكون لطلب الحكم فقط.

ولو قلت هل زيد قام بدون ام عمرو لقبح ولا يمتنع لما سيجىء (و) لهذا ايضا (قبح هل زيدا ضربت لان التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل) فيكون هل لطلب حصول الحاصل وهو محال.

وانما لم يمتنع؟ لاحتمال ان يكون زيدا مفعول فعل محذوف او يكون التقديم لمجرد الاهتمام لا للتخصيص لكن ذلك خلاف الظاهر (دون) هل زيدا (ضربته) فانه لا يقبح (لجواز تقدير المفسر قبل زيدا) اى هل ضربت زيدا ضربته (وجعل السكاكى قبح هل رجل عرف لذلك) اى لان التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل لما سبق من مذهبه من ان الاصل عرف رجل على ان رجل بدل من الضمير فى عرف قدم للتخصيص.

(ويلزمه) اى السكاكى (ان لا يقبح هل زيد عرف) لان تقديم المظهر المعرفة ليس للتخصيص عنده حتى يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل مع انه قبيح باجماع النحاة.

وفيه نظر لان ما ذكره من اللزوم ممنوع لجواز ان يقبح لعلة اخرى (وعلل غيره) اى غير السكاكى (قبحهما) اى قبح هل رجل عرف وهل زيد عرف (بان هل بمعنى قد فى الاصل) واصله اهل (وترك الهمزة قبلها لكثرة وقوعها فى الاستفهام) فاقيمت هى مقام الهمزة وقد تطفلت عليها فى الاستفهام وقد من خواص الافعال فكذا ما هى بمعناها.

وانما لم يقبح هل زيد قائم لانها اذا لم تر الفعل فى حيزها ذهلت عنه ونسيت بخلاف ما اذا رأته فانها تذكرت العهود وحنت الى الالف المألوف فلم ترض بافتراق

١٣٢

الاسم بينهما.

(وهى) اى هل (تخصص المضارع بالاستقبال) بحكم الوضع كالسين وسوف (فلا يصح هل تضرب زيدا) فى ان يكون الضرب واقعا فى الحال على ما يفهم عرفا ومن قوله (وهو اخوك كما يصح اتضرب زيدا وهو اخوك) قصدا الى انكار الفعل الواقع فى الحال بمعنى انه لا ينبغى ان يكون وذلك لان هل تخصصّ المضارع بالاستقبال فلا يصح لانكار الفعل الواقع فى الحال بخلاف الهمزة فانها تصلح لانكار الفعل الواقع لانها ليست مخصصة للمضارع بالاستقبال.

وقولنا فى ان يكون الضرب واقعا فى الحال ليعلم ان هذا الامتناع جار فى كل ما يوجد فيه قرينة تدل على ان المراد انكار الفعل الواقع فى الحال سواء عمل ذلك المضارع فى جملة حالية كقولك اتضرب زيدا وهو اخوك او لا كقوله تعالى (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ، *) وكقولك ا تؤذى اباك واتشتم الامير فلا يصح وقوع هل فى هذه المواضع.

ومن العجائب ما وقع لبعضهم فى شرح هذا الموضع من ان هذا الامتناع بسبب ان الفعل المستقبل لا يجوز تقييده بالحال واعماله فيها.

ولعمرى ان هذه فرية ما فيها مرية اذ لم ينقل عن احد من النحاة امتناع مثل سيجىء زيد راكبا وسأضرب زيدا وهو بين يدى الامير كيف وقد قال الله تعالى (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ،) وانما (يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ ،) وفى الحماسة «ساغسل عنى العار بالسيف جاليا ، على قضاء الله ما كان جالبا» وامثال هذه اكثر من ان تحصى.

واعجب من هذا انه لما سمع قول النحاة انه يجب تجريد صدر الجملة الحالية عن علم الاستقبال لتنافى الحال والاستقبال بحسب الظاهر على ما سنذكره حتى لا يجوز يأتينى زيد سيركب او لن يركب فهم منه انه يجب تجريد الفعل العامل فى الحال عن علامة الاستقبال حتى لا يصح تقييد مثل هل تضرب وستضرب ولن تضرب بالحال واورد هذا المقال دليلا على ما ادعاه ولم ينظر فى صدر هذا المقال حتى يعرف

١٣٣

انه لبيان امتناع تصدير الجملة الحالية بعلم الاستقبال (ولاختصاص التصديق بها) اى لكون هل مقصورة على طلب التصديق وعدم مجيئها لغير التصديق كما ذكر فيما سبق.

(وتخصيصها المضارع بالاستقبال كان لها مزيد اختصاص بما كونه زمانيا اظهر) وما موصولة وكونه مبتدأ خبره اظهر وزمانيا خبر الكون اى بالشىء الذى زمانيته اظهر (كالفعل) فان الزمان جزء عن مفهومه بخلاف الاسم فانه انما يدل عليه حيث يدل بعروضه له اما اقتضاء تخصيصها المضارع بالاستقبال لمزيد اختصاصها بالفعل فظاهر.

واما اقتضاء كونها لطلب التصديق فقط لذلك فلان التصديق هو الحكم بالثبوت او الانتفاء والنفى والاثبات انما يتوجهان الى المعانى والاحداث التى هى مدلولات الافعال لا الى الذوات التى هى مدلولات الاسماء.

(ولهذا) اى ولان لها مزيد اختصاص بالفعل (كان فهل انتم شاكرون ادل على طلب الشكر من فهل تشكرون وفهل انتم تشكرون) مع انه مؤكد بالتكرير لان انتم فاعل فعل محذوف (لان ابراز ما سيتجدد فى معرض الثابت ادل على كمال العناية بحصوله) من ابقائه على اصله كما فى هل تشكرون لان هل فى هل تشكرون وفى هل انتم تشكرون على اصلها لكونها داخلة على الفعل تحقيقا فى الاول وتقديرا فى الثانى.

(و) فهل انتم شاكرون ادل على طلب الشكر (من افانتم شاكرون) ايضا (وان كان للثبوت باعتبار) كون الجملة اسمية (لان هل ادعى للفعل من الهمزة فتركه معها) اى ترك الفعل مع هل (ادل على ذلك) اى على كمال العناية بحصول ما سيتجدد (ولهذا) اى ولان هل ادعى للفعل من الهمزة (لا يحسن هل زيد منطلق الا من البليغ) لانه الذى يقصد به الدلالة على الثبوت وابراز ما سيوجد فى معرض الوجود (وهى) اى هل (قسمان بسيطة وهى التى يطلب بها وجود الشىء او لا) وجوده (كقولنا هل الحركة موجودة) او لا موجودة (ومركبة وهى التى يطلب بها

١٣٤

وجود شىء لشىء) او لا وجود له (كقولنا هل الحركة دائمة) او لا دائمة فان المطلوب وجود الدوام للحركة او لا وجوده لها.

وقد اعتبر فى هذه شيئان غير الوجود وفى الاولى شىء واحد فكانت مركبة بالنسبة الى الاولى وهى بسيطة بالنسبة اليها.

(والباقية) من الفاظ الاستفهام تشترك فى انها (لطلب التصور فقط) وتختلف من جهة ان المطلوب بكل منها تصور شىء آخر.

(قيل فيطلب بما ، شرح الاسم كقولنا ما العنقاء) طالبا ان يشرح هذا الاسم ويبين مفهومه فيجاب بايراد لفظ اشهر (او ماهية المسمى) اى حقيقته التى هو بها هو (كقولنا ما الحركة) اى ما حقيقة مسمى هذا اللفظ فيجاب بايراد ذاتياته.

(وتقع هل البسيطة فى الترتيب بينهما) اى بين ما التى لشرح الاسم والتى لطلب الماهية يعنى ان مقتضى الترتيب الطبيعى ان يطلب او لا شرح الاسم ثم وجود المفهوم فى نفسه ثم ما هيته وحقيقته لان من لا يعرف مفهوم اللفظ استحال منه ان يطلب وجود ذلك المفهوم ومن لا يعرف انه موجود استحال منه ان يطلب حقيقته وماهيته اذ لا حقيقة للمعدوم ولا ماهية له والفرق بين المفهوم من الاسم بالجملة وبين الماهية التى يفهم من الحد بالتفصيل غير قليل فان كل من خوطب باسم فهم فهما ما ووقف على الشىء الذى يدل عليه الاسم اذا كان عالما باللغة.

واما الحد فلا يقف عليه الا المرتاض بصناعة المنطق فالموجودات لما كان لها حقائق ومفهومات فلها حدود حقيقية واسمية واما المعدومات فليس لها الا المفهومات فلا حدود لها الا بحسب الاسم لان الحد بحسب الذات لا يكون الا بعد ان يعرف ان الذات موجودة حتى ان ما يوضع فى اول التعاليم من حدود الاشياء التى يبرهن عليها فى اثناء التعاليم انما هى حدود اسمية ثم اذا برهن عليها واثبت وجودها صارت تلك الحدود بعينها حدودا حقيقية جميع ذلك مذكور فى الشفاء.

(و) يطلب (بمن العارض المشخص) اى الامر الذى يعرض (لذى العلم) فيفيد تشخصه وتعينه (كقولنا من فى الدار) فيجاب عنه يزيد ونحوه مما يفيد تشخصه

١٣٥

(وقال السكاكى يسأل بما عن الجنس تقول ما عندك اى اىّ اجناس الاشياء عندك وجوابه كتاب ونحوه) ويدخل فيه السؤال عن الماهية والحقيقة نحو ما الكلمة اى اىّ اجناس الالفاظ هى وجوابه لفظ مفرد موضوع (او عن الوصف تقول ما زيد وجوابه الكريم ونحوه و) يسأل (بمن عن الجنس من ذى العلم تقول من جبريل اى ابشر هو ام ملك ام جنى.

وفيه نظر) اذ لا نسلم انه للسؤال عن الجنس وانه يصح فى جواب من جبريل ان يقال ملك بل جوابه ملك من عند الله يأتى بالوحى كذا وكذا مما يفيد تشخصه (ويسأل باىّ عما يميز احد المتشاركين فى امر يعمهما) وهو مضمون اضيف اليه اىّ (نحو (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) خَيْرٌ مَقاماً ، اى انحن ام اصحاب محمد عليه السلام) والمؤمنون والكافرون قد اشتركا فى الفريقية وسألوا عما يميز احدهما عن الاخر مثل كون الكافرين قائلين بهذا القول ومثل كون اصحاب محمد عليه السلام غير قائلين.

(و) يسأل (بكم عن العدد نحو سل بنى اسرائيل (كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ،)) اى كم آية آتيناهم اعشرين ام ثلثين فمن آية مميزكم بزيادة من لما وقع من الفصل بفعل متعد بين كم ومميزه كما ذكرنا فى الخبرية ، فكم ههنا للسؤال عن العدد لكن الغرض من هذا السؤال هو التقريع والتوبيخ.

(و) يسأل (بكيف عن الحال وباين عن المكان وبمتى عن الزمان) ماضيا كان او مستقبلا (وبايان عن) الزمان (المستقبل.

قيل ويستعمل فى مواضع التفخيم مثل (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) ، وانى تستعمل تارة بمعنى كيف) ويجب ان يكون بعدها فعل (نحو (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)) اى على اى حال ومن اىّ شق اردتم بعد ان يكون المأتى موضع الحرث ولم يجىء انّى زيد بمعنى كيف هو (واخرى بمعنى من اين نحو (أَنَّى لَكِ هذا)) اى من اين لك هذا الرزق الاتى كل يوم.

وقوله يستعمل اشارة الى انه يحتمل ان يكون مشتركا بين المعنيين وان يكون فى احدهما حقيقة وفى الاخر مجازا ويحتمل ان يكون معناه اين الا انه فى الاستعمال

١٣٦

يكون مع من ظاهرة كما فى قوله «من اني» عشرون لنا اى من اين او مقدرة كما فى قوله تعالى (أَنَّى لَكِ هذا) اى من اين لك هذا على ما ذكره بعض النحاة.

(ثم ان هذه الكلمات الاستفهامية كثيرا ما تستعمل فى غير الاستفهام) مما يناسب المقام بحسب معونة القرائن (كالاستبطاء نحو كم دعوتك والتعجب نحو (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)) لانه كان لا يغيب عن سليمان عليه السلام الا باذنه فلما لم يبصره مكانه تعجب من حال نفسه فى عدم ابصاره اياه.

ولا يخفى انه لا معنى لاستفهام العاقل عن حال نفسه وقول صاحب الكشاف انه نظر سليمان الى مكان الهدهد فلم يبصره فقال مالى لا اراه على معنى انه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره او غير ذلك ثم لاح له انه غائب فاضرب عن ذلك واخذ يقول اهو غائب كانه يسأل عن صحة ما لاح له يدل على ان الاستفهام على حقيقته.

(والتنبيه على الضلال نحو (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) والوعيد كقولك لمن يسىء الادب الم اؤدب فلانا اذا علم) المخاطب (ذلك) وهو انك ادبت فلانا فيفهم معنى الوعيد والتخويف ولا يحمله على السؤال.

(والتقرير) اى حمل المخاطب على الاقرار بما يعرفه والجائه اليه (بايلاء المقرر به الهمزة) اى بشرط ان يذكر بعد الهمزة ما حمل المخاطب على الاقرار به (كما مر) فى حقيقة الاستفهام من ايلاء المسؤل عنه الهمزة تقول اضربت زيدا فى تقريره بالفعل وانت ضربت فى تقريره بالفاعل وازيدا ضربت فى تقريره بالمفعول وعلى هذا القياس.

وقد يقال التقرير بمعنى التحقيق والتثبيت فيقال اضربت زيدا بمعنى انك ضربته البتة (والانكار كذلك نحو (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) (اى بايلاء المنكر الهمزة كالفعل فى قوله ايقتلنى والمشرفّى مضاجعى ، والفاعل فى قوله تعالى (أَهُمْ يَقْسِمُونَ) رَحْمَتَ رَبِّكَ ، والمفعول فى قوله تعالى (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ،) و (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ.)

واما غير الهمزة فيجىء للتقرير والانكار لكن لا يجرى فيه هذه التفاصيل ولا يكثر كثرة الهمزة فلذا لم يبحث عنه.

(ومنه) اى من مجىء الهمزة للانكار (نحو (أَلَيْسَ اللهُ) بِكافٍ عَبْدَهُ ، اى الله

١٣٧

كاف) لان انكار النفى نفى له و (نفى النفى اثبات وهذا) المعنى (مراد من قال الهمزة فيه للتقرير) اى لحمل المخاطب على الاقرار (بما دخله النفى) وهو الله كاف (لا بالنفى) وهو ليس الله بكاف فالتقرير لا يجب ان يكون بالحكم الذى دخلت عليه الهمزة بل بما يعرف المخاطب من ذلك الحكم اثباتا او نفيا.

وعليه قوله تعالى (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ،) فالهمزة فيه للتقرير اى بما يعرفه عيسى عليه السلام من هذا الحكم لا بانه قد قال ذلك فافهم.

وقوله والانكار كذلك دل على ان صورة انكار الفعل ان يلى الفعل الهمزة ، ولما كان له صورة اخرى لا يلى فيها الفعل الهمزة اشار اليها بقوله (والانكار الفعل صورة اخرى وهى نحو «ازيدا ضربت ام عمروا» لمن يردد الضرب بينهما) من غير ان يعتقد تعلقه بغيرهما فاذا انكرت تعلقه بهما فقد نفيته عن اصله لانه لا بد له من محل يتعلق به (والانكار اما للتوبيخ اى ما كان ينبغى ان يكون) ذلك الامر الذى كان (نحو «ا عصيت ربك») فان العصيان واقع لكنه منكر.

وما يقال انه للتقرير فمعناه التحقيق والتثبيت (او لا ينبغى ان يكون فى) اى ان يحدث ويتحقق مضمون ما دخلت عليه الهمزة وذلك فى المستقبل (نحو «ا تعصى ربك») يعنى لا ينبغى ان يتحقق العصيان (او للتكذيب) فى الماضى (اى لم يكن نحو (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ)) اى لم يفعل ذلك (و) فى المستقبل اى (لا يكون نحو (أَنُلْزِمُكُمُوها)) اى انلزمكم تلك الهداية او الحجة بمعنى أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء والحال انكم لها كارهون يعنى لا يكون منا هذا الالزام (والتهكم) عطف على الاستبطاء او على الانكار ، وذلك انهم اختلفوا فى انه اذا ذكر معطوفات كثيرة ان الجميع معطوف على الاول او كل واحد عطف على ما قبله (نحو (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا)) وذلك ان شعيبا عليه السلام كان كثير الصلوات وكان قومه اذا رأوه يصلى تضاحكوا فقصدوا بقولهم (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ) الهزء والسخرية لا حقيقة الاستفهام (والتحقيق نحو «من هذا») استحقارا بشانه مع انك

١٣٨

تعرفه (والتهويل كقرائة ابن عباس) رضى الله عنه ((وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ) بلفظ الاستفهام) اى من بفتح الميم (ورفع فرعون) على انه مبتدأ ومن الاستفهامية خبره او بالعكس على اختلاف الرأيين فانه لا معنى لحقيقة الاستفهام ههنا وهو ظاهر بل المراد انه لما وصف الله العذاب بالشدة والفظاعة زادهم تهويلا بقوله (مِنْ فِرْعَوْنَ) اى هل تعرفون من هو فى فرط عتوه وشدة شكيمته فما ظنكم بعذاب يكون المعذب به مثله (ولهذا قال (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ)) زيادة لتعريف حاله وتهويل عذابه (والاستبعاد نحو (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى)) فانه لا يجوز حمله على حقيقة الاستفهام وهو ظاهر.

بل المراد استبعاد ان يكون لهم الذكرى بقرينة قوله تعالى (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) اى كيف يتذكرون ويتعظون ويوفون بما وعدوه من الايمان عند كشف العذاب عنهم وقد جاءهم ما هو اعظم وادخل فى وجوب الاذكار من كشف الدخان وهو ما ظهر على يد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من الايات والبينات من الكتاب المعجز وغيره فلم يتذكروا واعرضوا عنه.

(ومنها) اى من انواع الطلب (الامر) وهو طلب فعل غير كف على جهة الاستعلاء وصيغته تستعمل فى معان كثيرة ، فاختلفوا فى حقيقته الموضوعة هى لها اختلافا كثيرا ، ولما لم تكن الدلائل مفيدة للقطع بشىء.

قال المصنف : (والاظهر ان صيغته من المقترنة باللام نحو ليحضر زيد وغيرها نحو اكرم عمرا ورويد بكرا) فالمراد بصيغته ما دل على طلب فعل غير كف استعلاء سواء كان اسما او فعلا (موضوعة لطلب الفعل استعلاء) اى على طريق طلب العلو وعد الآمر نفسه عاليا سواء كان عاليا فى نفسه ام لا (لتبادر الفهم عند سماعها) اى سماع الصيغة (الى ذلك) المعنى اعنى الطلب استعلاء والتبادر الى الفهم من اقوى امارات الحقيقة.

(وقد تستعمل) صيغة الامر (لغيره) اى لغير طلب الفعل استعلاء (كالاباحة نحو «جالس الحسن او ابن سيرين») فيجوز له ان يجالس احدهما او كليهما وان لا

١٣٩

يجالس احدا منهما اصلا (والتهديد) اى التخويف وهو اعم من الانذار لانه ابلاغ مع التخويف.

وفى الصحاح الانذار تخويف وهو مع دعوة (نحو (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)) لظهور ان ليس المراد الامر بكل عمل شاؤا (والتعجيز نحو (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)) اذ ليس المراد طلب اتيانهم بسورة من مثله لكونه محالا.

والظرف اعنى قوله من مثله متعلق بفأتوا والضمير لعبدنا او صفة لسورة والضمير لما نزلنا او لعبدنا.

فان قلت لم لا يجوز على الاول ان يكون الضمير لما نزلنا.

قلت : لانه يقتضى ثبوت مثل القرآن فى البلاغة وعلوا الطبقة بشهادة الذوق اذ التعجيز انما يكون عن المأتى به فكأن مثل القرآن ثابت لكنهم عجزوا عن ان يأتوا عنه بسورة بخلاف ما اذا كان وصفا للسورة فان المعجوز عنه هو السورة الموصوفة باعتبار انتفاء الوصف.

فان قلت فليكن التعجيز باعتبار انتفاء المأتى به منه.

قلنا احتمال عقلى لا يسبق الى الفهم ولا يوجد له مساغ فى اعتبارات البلغاء واستعمالاتهم فلا اعتداد به ، ولبعضهم هنا كلام طويل لا طائل تحته (والتسخير نحو («كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» *) والاهانة نحو (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً)) اذ ليس الغرض من يطلب منهم كونهم قردة او حجارة او حديدا لعدم قدرتهم على ذلك لكن فى التسخير يحصل الفعل اعنى صيرورتهم قردة وفى الاهانة لا يحصل اذا المقصود قلة المبالاة بهم. (والتسوية نحو (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا)) ففى الاباحة كأن المخاطب توهم ان الفعل محظور عليه فاذن له فى الفعل مع عدم الحرج فى الترك وفى التسوية كانه توهم ان احد الطرفين من الفعل والترك انفع له وارجح بالنسبة اليه فرفع ذلك التوهم وسوى بينهما.

(والتمنى نحو الا ايها الليل الطويل الا انجلى) بصبح وما الا صباح منك بامثل ، اذ ليس الغرض طلب الانجلاء من الليل اذ ليس ذلك فى وسعه لكنه يتمنى

١٤٠