مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

(حسن التعليل وهو ان يدعى لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف) اى بان ينظر نظرا يشتمل على لطف ودقة (غير حقيقى) اى لا يكون ما اعتبر علة له فى الواقع كما اذا قلت قتل فلان اعاديه لدفع ضررهم فانه ليس فى شىء من حسن التعليل وما قيل من ان هذا الوصف اعنى غير حقيقى ليس بمفيد لان الاعتبار لا يكون الا غير حقيقى فغلط ومنشأه ما سمع ان ارباب المعقول يطلقون الاعتبارى على ما يقابل الحقيقى.

ولو كان الامر كما توهم لوجب ان يكون جميع اعتبارات العقل غير مطابق للواقع (وهو اربعة اضرب لان الصفة) التى ادعى لها علة مناسبة (اما ثابتة قصد بيان علتها او غير ثابتة اريد اثباتها والاولى اما ان لا يظهر لها فى العادة علة) وان كانت لا تخلو فى الواقع عن علة (كقوله لم يحك) اى لم يشابه (نائلك) اى عطائك (السحاب وانما حمّت به) اى صارت محمومة بسبب نائلك وتفوقه عليها (فصبيبها الرحضاء) اى فالمصبوب من السحاب ، هو عرق الحمى فنزول المطر من السحاب صفة ثابتة لا يظهر لها فى العادة علة.

وقد علّله بانه عرق حماها الحادثة بسبب عطاء الممدوح (او يظهر لها) اى لتلك الصفة (علة غير) العلة (المذكورة) لتكون المذكورة غير حقيقية فتكون من حسن التعليل (كقوله ما به قتل اعاديه ولكن يتقى اخلاف ما ترجو الذئاب فان قتل الاعداء في العادة لدفع مضرتهم) وصفوة المملكة عن منازعتهم (لا لما ذكره) من ان طبيعة الكرم قد غلبت عليه ومحبة صدق رجاء الراجين بعثته على قتل اعاديه لما علم من انه اذا توجه الى الحرب صارت الذئاب ترجوا اتساع الرزق عليها بلحوم من يقتل من الاعادى.

وهذا مع انه وصف بكمال الجود وصف بكماله الشجاعة حتى ظهر ذلك للحيوانات العجم.

(والثانية) اى الصفة الغير الثابتة التى اريد اثباتها (اما ممكنة كقوله يا واشيا حسنت فينا اسائته ، نجّى حذارك) اى حذارى اياك (انسانى) اى انسان

٢٨١

عينى (من الغرق فان استحسان اسائة الواشى ممكن لكن لما خالف) اى الشاعر (للناس فيه) اذ لا يستحسنه الناس (عقبّه) اى عقب الشاعر استحسان اسائة الواشى (بان حذاره منه) اى من الواشى (نجى انسانه من الغرق فى الدموع) حيث ترك البكاء خوفا منه (او غير ممكنة كقوله لو لم تكن نيّة الجوزاء خدمته ، لما رأيت عليها عقد منتطق) من انتطق اى شد النطاق.

وحول الجوزاء كواكب يقال لها نطاق الجوزاء فنية الجوزاء خدمة الممدوح صفة غير ممكنة الممدوح صفة غير ممكنة قصد اثباتها كذا فى الايضاح.

وفيه بحث لان مفهوم هذا الكلام هو ان نية الجوزاء خدمة الممدوح علة لرؤية عقد النطاق عليها اعنى لرؤية حالة شبيهة بانتطاق المنتطق كما يقال لو لم تجئنى لم اكرمك يعنى ان علة الاكرام هي المجىء وهذه صفة ثابتة قصد تعليلها بنية الخدمة الممدوح فيكون من الضرب الاول وهو الصفة الثابتة التى قصد علتها.

وما قيل من انه اراد ان الانتطاق صفة ممتنعة الثبوت للجوزاء وقد اثبتها الشاعر وعلّلها بنية الجوزاء خدمة الممدوح فهو مع انه مخالف بصريح كلام المصنف فى الايضاح ليس بشىء لان حديث انتطاق الجوزاء اعنى الحالة الشبيهة بذلك ثابت بل محسوس.

والاقرب ان يجعل لو ههنا مثلها فى قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) اعنى الاستدلال بانتفاء الثانى على انتفاء الاول فيكون الانتطاق علة لكون نية الجوزاء خدمة الممدوح اى دليلا عليه وعلة للعلم مع انه وصف غير ممكن (والحق به) اى بحسن التعليل (ما بنى على الشك) ولم يجعل منه لان فيه ادعاء واصرارا والشك ينافيه (كقوله كأن السحاب الغرّ) جمع الاغر والمراد السحاب الماطرة الغريزة الماء (غيّبن تحتها) اى تحت الربا (حبيبا فما ترقا) الاصل ترقاء بالهمزة فخففت اى ما تسكن (لهن مدامع) علل على سبيل الشك نزول المطر من السحاب بانها غيبت حبيبا تحت تلك الربا فهى تبكى عليها.

(ومنه) اى ومن المعنوى (التفريع وهو ان يثبت لمتعلق امر حكم بعد اثباته)

٢٨٢

اى اثباته ذلك الحكم (لمتعلق له آخر) على وجه يشعر بالتفريع والتعقيب وهو احتراز عن نحو غلام زيد راكب وابوه راكب (كقوله احلامكم لسقام الجهل شافية ، كما دماؤكم تشفى من الكلب) هو بفتح اللام شبه جنون يحدث للانسان من عضّ الكلب اذ لا دواء له انجع من شرب دم ملك كما قال الحماسى بنات مكارم واساة كلم ، دماؤكم من الكلب الشفاء ففرّع على وصفهم بشفاء احلامهم من داء الجهل وصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب يعنى انهم ملوك واشراف وارباب العقول الراجحة.

(ومنه) اى ومن المعنوى (تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو ضربان افضلهما) ان يستثنى من صفة ذم منفية عن الشىء صفة مدح) لذلك الشىء (بتقدير دخولها فيها) دخول صفة المدح فى صفة الذم (كقوله ولا عيب فيهم غير ان سيوفهم ، بهن فلول) جمع فلّ وهو الكسر فى حد السيف (من قراع الكتائب) اى مضاربة الجيوش (اى ان كان فلول السيف من القرع عيبا فاثبت شيئا منه) اى من العيب (على تقدير كونه منه) اى كون فلول السيف من العيب.

(وهو) اى هذا التقدير وهو كون الفلول من العيب (محال) لانه كناية عن كمال الشجاعة (فهو) اى اثبات شىء من العيب على هذا التقدير (فى المعنى تعليق بالمحال) كما يقال حتى يبيض الفار وحتى يلج الجمل فى سم الخياط (فالتأكيد فيه) اى فى هذا الضرب (من جهة انه كدعوى الشىء ببينة) لانه علق نقيض المدعى وهو اثبات شىء من العيب بالمحال والمعلق بالمحال محال فعدم العيب محقق.

(و) من جهة (ان الاصل فى) مطلق (الاستثناء) هو (الاتصال) اى كون المستثنى منه بحيث يدخل فيه المستثنى على تقدير السكوت عنه.

وذلك لما تقرر فى موضعه من ان الاستثناء المنقطع مجاز واذا كان الاصل فى الاستثناء الاتصال (فذكر اداته قبل ذكر ما بعدها) يعنى المستثنى (يوهم اخراج شىء) وهو المستثنى (مما قبلها) اى مما قبل الاداة وهو المستثنى منه (فاذا وليها) اى الاداة (صفة مدح) وتحول الاستثناء من الاتصال الى الانقطاع (جاء التأكيد لما فيه من المدح على المدح والاشعار بانه لم يجد فيه صفة ذم حتى يستثنيها فاضطر إلى استثناء

٢٨٣

صفة مدح وتحويل الاستثناء إلى الانقطاع.

(و) الضرب (الثانى) من تأكيد المدح بما يشبه الذم (ان يثبت لشىء اداة الاستثناء) اى يذكر عقيب اثبات صفة المدح لذلك الشىء اداة استثناء (تليها صفة مدح اخرى له) اى لذلك الشىء (نحو انا افصح العرب بيدانى من قريش) بيد بمعنى غير وهو اداة الاستثناء (واصل الاستثناء فيه) اى فى هذا الضرب (ايضا ان يكون منقطعا) كما ان الاستثناء فى الضرب الاول منقطع لعدم دخول المستثنى فى المستثنى منه.

وهذا لا ينافى كون الاصل فى مطلق الاستثناء هو الاتصال (لكنه) اى الاستثناء المنقطع فى هذا الضرب (لم يقدر متصلا) كما قدر في الضرب الاول اذ ليس هنا صفة ذم منفية عامة يمكن تقدير دخول صفة المدح فيها.

واذا لم يكن تقدير الاستثناء متصلا فى هذا الضرب (فلا يفيد التأكيد الا من الوجه الثانى) وهو ان ذكر اداة الاستثناء قبل ذكر المستثنى يوهم اخراج شىء مما قبلها من حيث ان الاصل فى مطلق الاستثناء هو الاتصال فاذا ذكر بعد الاداة صفة مدح اخرى جاء التأكيد ولا يفيد التأكيد من الوجه الاول وهو دعوى الشىء ببينة لانه مبنى على التعليق بالمحال المبنى على تقدير الاستثناء متصلا (ولهذا) اى ولكون التأكيد فى هذا الضرب من الوجه الثانى فقط (كان) الضرب (الاول) المفيد للتأكيد من وجهين (افضل ومنه) اى ومن تأكيد المدح بما يشبه الذم (ضرب اخر) وهو ان يؤتى بمستثنى فيه معنى المدح معمولا لفعل فيه معنى الذم نحو قوله تعالى (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا) اى ما تعيب منا الا اصل المناقب والمفاخر كلها وهو الايمان.

يقال نقم منه وانتقم اذا عابه وكرهه وهو كالضرب الاول فى افادة التأكيد من وجهين (والاستدراك) المفهوم من لفظ لكن (فى هذا الباب) اى باب تأكيد المدح بما

٢٨٤

يشبه الذم (كالاستثناء) كما فى قوله

هو البدر الا انه البحر زاخرا

سوى انه الضرغام لكنه الوبل

فقوله الا وسوى استثناء مثل قوله ع بيدانى من قريش ، وقوله لكنه استدراك يفيد فائدة الاستثناء المنقطع فى هذا الضرب لان الا فى الاستثناء المنقطع بمعنى لكن (ومنه) اى ومن المعنوى (تأكيد الذم بما يشبه المدح وهو ضربان احدهما ان يستثنى من صفة مدح منفية عن الشىء صفة ذم له بتقدير دخولها) اى صفة الذم (فيها) اى فى صفة المدح (كقولك فلان لا خير فيه الا انه يسىء الى من احسن اليه وثانيهما ان يثبت للشىء صفة ذم وتعقّب باداة استثناء يليها صفة ذم اخرى له) اى لذلك الشىء (كقولك فلان فاسق الا انه جاهل ،) فالضرب الاول يفيد التأكيد من وجهين والثانى من وجه واحد (وتحقيقها على قياس ما مر) فى تأكيد المدح بما يشبه الذم (ومنه) اى ومن المعنوى (الاستتباع وهو المدح بشىء على وجه يستتبع المدح بشىء آخر كقوله

نهبت من الاعمار ما لو حويته

لهنئت الدنيا بانك خالد

مدحه بالنهاية في الشجاعة) حيث جعل كثرة قتلاه بحيث يخلّد لو ورث اعمارهم (على وجه استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها) اذ لا تهنئة لاحد بشىء لا فائدة له فيه.

قال على بن عيسى الربعى (وفيه) اى فى البيت وجهان آخران من المدح احدهما (انه نهب الاعمار دون الاموال) كما هو مقتضى علو الهمة وذلك مفهوم من تخصيص الاعمار بالذكر والاعراض عن الاموال مع ان النهب بها اليق وهم يعتبرون ذلك فى المحاورات والخطابيات وان لم يعتبره ائمة الاصول (و) الثانى (انه لم يكن ظالما فى قتلهم) والا لما كان للدنيا سرور بخلوده.

(ومنه) اى ومن المعنوى (الادماج) فقال ادمج الشىء فى ثوبه اذا لفّه فيه (وهو ان يضمن كلام سيق لمعنى) مدحا كان او غيره (معنى اخر) هو منصوب على انه مفعول ثان ليضمن وقد اسند الى المفعول الاول (فهو) لشموله المدح وغيره (اعم

٢٨٥

من الاستتباع) لاختصاصه بالمدح (كقوله اقلّب فيه) اى فى ذلك الليل (اجفانى كانى ، اعدبها على الدهر الذنوبا ، فانه ضمن وصف الليل بالطول لشكاية الدهر ومنه) اى ومن المعنوى (التوجيه) ويسمى محتمل الضدين (وهو ايراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين) اى متبائنين متضادين كالمدح والذم مثلا ولا يكفى مجرد احتمال معنيين متغايرين (كقول من قال لا عور ليت عينيه سواء) يحتمل تمنى صحة العين العوراء فيكون دعاء له والعكس فيكون دعاء عليه.

قال (السكاكى ومنه) اى ومن التوجيه (متشابهات القرآن باعتبار) وهو احتمالها لوجهين مختلفين وتفارقه باعتبار آخر ، وهو عدم استواء الاحتمالين لان احد المعنيين فى المتشابهات قريب والاخر بعيد ولما ذكر السكاكى نفسه من ان اكثر متشابهات القرآن من قبيل التورية والايهام ويجوز ان يكون وجه المفارقة هو ان المعنيين فى المتشابهات لا يجب تضادهما.

(ومنه) اى ومن المعنوى (الهزل الذى يراد به الجد كقوله اذا ما تميمى اتاك مفاخرا ، فقل عد عن ذا كيف اكلك للضب) (ومنه) اى ومن المعنوى (تجاهل العارف وهو كما سماه السكاكى سوق المعلوم مساق غيره لنكتة) وقال لا احب تسميته بالتجاهل لو روده فى كلام الله تعالى (كالتوبيخ فى قول الخارجية ايا شجر الخابور) هو من ديار بكر (مالك مورقا) اى ناضرا ذا ورق (كانك لم تجزع على ابن ظريف.

والمبالغة فى المدح كقوله المع برق سرى ام ضوء مصباح ، ام ابتسامتها بالمنظر الضاحى) اى اظن (او) المبالغة (فى الذم كقوله وما ادرى وسوف اخال ادرى) اى اظن وكسر همزة المتكلم فيه هو الافصح وبنو اسد تقول اخال بالفتح وهو القياس (قوم آل حصن ام نساء) فيه دلالة على ان القوم هم الرجال خاصة (والتدله) اى وكالتحير والتدهش (فى الحب فى قوله «تالله يا ظبيات القاع) وهو المستوى من الارض (قلن لنا ، ليلا منكن ام ليلى من البشر) وفى اضافة ليلى الى نفسه اولا والتصريح باسمها ثانيا استلذاذ.

وهذه انموذج من نكات التجاهل وهى اكثر من ان يضبطها القلم (ومنه) اى

٢٨٦

ومن المعنوى (القول بالموجب وهو ضربان احدهما ان تقع صفة فى كلام الغير كناية عن شىء اثبت له) اى لذلك الشىء (حكم فتثبتها لغيره) اى فتثبت انت فى كلامك تلك الصفة لغير ذلك الشىء (من غير تعرض لثبوته له) اى لثبوت ذلك الحكم لذلك الغير (او نفيه عنه نحو قوله تعالى (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ (الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)) فالاعزّ صفة وقعت فى كلام المنافقين كناية عن فريقهم والاذل كناية عن المؤمنين وقد اثبت المنافقون لفريقهم اخراج المؤمنين من المدينة ، فاثبت الله تعالى فى الرد عليهم صفة العزة لغير فريقهم وهو الله تعالى ورسوله والمؤمنون ولم يتعرض لثبوت ذلك الحكم الذى وهو الاخراج للموصوفين بالعزة اعنى الله تعالى ورسوله والمؤمنين ولا لنفيه عنهم.

(والثانى حمل لفظ وقع فى كلام الغير على خلاف مراده) حال كون خلاف مراده (مما يحتمله) ذلك اللفظ (بذكر متعلقه) اى انما يحمل على خلاف مراده بان يذكر متعلق ذلك اللفظ (كقوله

قلت ثقّلت اذا اتيت مرارا

قال ثقّلت كاهلى بالايادى

فلفظ ثقلت وقع فى كلام الغير بمعنى حملتك المؤنة فحمله على تثقيل عاتقه بالايادى والمنن بان ذكر متعلقه اعنى قوله كاهلى بالايادى.

(ومنه) اى ومن المعنوى (الاطراد وهو ان تأتى باسماء الممدوح او غيره) واسماء (آبائه على ترتيب الولادة من غير تكلف) فى السبك (كقوله ان يقتلوك فقد ثللت عروشهم ، بعتيبة بن الحارث بن شهاب) يقال للقوم اذا ذهب عزهم وتضعضع حالهم قد ثل عرشهم يعنى ان تبحجوا بقتلك وفرحوا به فقد اثرت فى عزّهم وهدمت اساس مجدهم بقتل رئيسهم.

فان قيل هذا من تتابع الاضافات فكيف يعد من المحسنات.

قلنا قد تقرر ان تتابع الاضافات اذا سلم من الاستكراه ملح ولطف والبيت من هذا القبيل كقوله عليه السلام الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم الحديث ، هذا تمام ما ذكر من الضرب المعنوى (واما) الضرب (اللفظى) من الوجوه

٢٨٧

المحسنة للكلام.

(فمنه الجناس بين اللفظين وهو تشابههما فى اللفظ) اى فى التلفظ فيخرج التشابه فى المعنى نحو اسد وسبع او فى مجرد عدد الحروف نحو ضرب وعلم او فى مجرد الوزن نحو ضرب وقتل (والتام منه) اى من الجناس (ان يتفقا) اى اللفظان (فى انواع الحروف) فكل من الحروف التسعة والعشرين نوع وبهذا يخرج نحو يفرح ويمرح (و) فى (اعدادها) وبه يخرج نحو الساق والمساق (و) فى هيئاتها) وبه يخرج نحو البرد والبرد بالفتح والضم فان هيئة الكلمة هى كيفية حاصلة لها باعتبار الحركات والسكنات فنحو ضرب وقتل على هيئة واحدة مع اختلاف الحروف بخلاف ضرب وضرب مبنيين للفاعل والمفعول فانهما على هيئتين مع اتحاد الحروف.

(و) فى (ترتيبها) اى تقديم بعض الحروف على بعض وتأخيره عنه وبه يخرج نحو الفتح والحتف (فان كانا) اى اللفظان المتفقان فى جميع ما ذكره (من نوع) واحد من انواع الكلمة (كاسمين) او فعلين او حرفين (يسمى متماثلا) جريا على اصطلاح المتكلمين من ان التماثل هو الاتحاد فى النوع (نحو (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ)) اى القيامة (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) من ساعات الايام (وان كانا من النوعين) اسم وفعل او اسم وحرف او فعل وحرف (يسمى مستوفى كقوله

ما مات من كرم الزمان فانه

يحيى لدى يحيى بن عبد الله)

لانه كريم يحيى من اسم الكرم (وايضا) لجناس التام تقسيم آخر وهو انه (ان كان احد لفظيه مركبا) والاخر مفردا (سمى جناس التركيب) وحينئذ (فان اتفقا) اى اللفظان المفرد والمركب (فى الخط خص) هذا النوع من جناس التركيب (باسم المتشابه) لاتفاق اللفظين فى الكتابة (كقوله اذا ملك لم يكن ذاهبة) اى صاحب هبة وعطاء (فدعه) اى اتركه (فدولته ذاهبة) اى غير باقية (والا) اى وان لم يتفق اللفظان المفرد والمركب في الخط (خص) هذا النوع من جناس التركيب (باسم المفروق) لافتراق اللفظين في صورة الكتابة (كقوله :

٢٨٨

كلكم قد اخذ الجام ولا جام لنا

ما الذى ضر مدير الجام لو جاملنا)

اى عاملنا بالجميل هذا اذا لم يكن اللفظ المركب مركبا من كلمة وبعض كلمة والاخص باسم المرفوّ كقولك اهذا مصاب ام طعم صاب (وان اختلفا) عطف على قوله والتام منه ان يتفقا او على محذوف اى هذا ان اتفقا فيما ذكر وان اختلفا اى لفظا المتجانسين (فى هيئات الحروف فقط) اى واتفقا فى النوع والعدد والترتيب (يسمى) التجنيس (محرّفا) لانحراف احدى الهيئتين عن الهيئة الاخرى والاختلاف قد يكون بالحركة (كقولهم جبّة البرد جنّة البرد) يعنى لفظ البرد والبرد بالضم والفتح (ونحوه) فى ان الاختلاف فى الهيئة فقط قولهم (الجاهل اما مفرط او مفرّط) لان الحرف المشدد لما كان يرتفع اللسان عنهما دفعة واحدة كحرف واحد عد حرفا واحدا وجعل التجنيس مما لا اختلاف فيه فى الهيئة فقط.

ولذا قال (والحرف المشدد) فى هذا الباب (فى حكم المخفف) واختلاف الهيئة فى مفرط ومفرط باعتبار ان الفاء من احدهما ساكن ومن الاخر مفتوح.

(و) قد يكون الاختلاف فيه فى الحركة والسكون جميعا (كقولهم البدعة شرك الشرك) فان الشين من الاول مفتوح ومن الثانى مكسور والراء من الاول مفتوح ومن الثانى ساكن (وان اختلفا) اى لفظا المتجانسين (فى اعدادها) اى اعداد الحروف بان يكون فى احد اللفظين حرف زائد او اكثر اذا سقط حصل الجناس التام (سمى الجناس ناقصا) لنقصان احد اللفظين عن الاخر (وذلك) الاختلاف (اما بحرف) واحد (فى الاول مثل (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)) بزيادة الميم (او فى الوسط نحو جدى جهدى) بزيادة الهاء وقد سبق ان المشدّد بحكم المخفّف او في الاخر كقوله يمدون من ايد عواص عواصم) بزيادة الميم ولا اعتبار بالتنوين وقوله من ايد فى موضع مفعول يمدون على زيادة من كما هو مذهب الاخفش او على كونها للبعيض كما فى قولهم هز من عطفه وحرف من نشاطه او على انه صفة محذوف اى يمدون سواعد من ايد عواص جمع عاصية من عصاه ضربه بالعصا

٢٨٩

وعواصم من عصمه حفظه وحماه وتمامه تصول باسياف قواض قواضب اى يمدون ايديا ضاربات للاعداء حاميات للاولياء صائلات على الاقران بسيوف حاكمة بالقتل قاطعة.

(وربما سمى) هذا القسم الذى يكون الزيادة فيه فى الاخر (مطرّفا واما باكثر) من حرف واحد وهو عطف على قوله اما بحرف ولم يذكر من هذا الضرب الا ما تكون الزيادة فى الاخر (كقولها) اى الخنساء (ان البكاء هو الشفاء من الجوى) اى حرقة القلب (بين الجوانح) بزيادة النون والحاء (وربما سمى هذا) النوع (مذيلا وان اختلفا) اى لفظا المتجانسين (فى انواعها) اى انواع الحروف (فيشترط ان لا يقع) الاختلاف (باكثر من حرف) واحد والا لبعد بينهما التشابه ولم يبق التجانس كلفظى نصر ونكل (ثم الحرفان) اللذان وقع بينهما الاختلاف (ان كانا متقاربين فى المخرج (سمى) الجناس (مضارعا وهو) ثلثة اضرب لان الحرف الاجنبى (اما فى الاول نحو بينى وبين كنّى ليل دامس وطريق طامس او فى الوسط نحو قوله تعالى (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) او فى الاخر نحو الخيل معقود بنواصيها الخير).

ولا يخفى تقارب الدال والطاء وكذا الهاء والهمزة وكذا اللام والراء (والا) اى وان لم يكن الحرفان متقاربين (سمى لاحقا وهو ايضا اما فى الاول نحو (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)) الهمزة الكسر واللمزة الطعن وشاع استعمالهما فى الكسر من اعراض الناس والطعن فيها وبناء فعلة يدل على الاعتياد (او فى الوسط نحو (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ) فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) وفى عدم تقارب الفاء والميم نظر فانهما شفويتان وان اريد بالتقارب ان يكونا بحيث يدغم احدهما فى الاخر فالهاء والهمزة ليستا كذلك (او فى الاخر نحو قوله تعالى (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ) وان اختلفا) اى لفظا المتجانسين (فى ترتيبها) اى ترتيب الحروف بان يتحد النوع والعدد والهيئة لكن قدم فى احد اللفظين بعض الحروف واخّر فى اللفظ الاخر.

(سمى) هذا النوع (تجنيس القلب نحو حسامه فتح لاوليائه حتف لاعدائه ويسمى قلب كل) لانعكاس ترتيب الحروف كلها (ونحو اللهم استر

٢٩٠

عوراتنا وآمن روعاتنا ويسمى قلب بعض) اذ لم يقع الانعكاس الا بين بعض حروف الكلمة (فاذا وقع احدهما) اى احد اللفظين المتنجانسين تجانس القلب (فى اول البيت و) اللف (الاخر فى آخره سمى) تجنيس القلب حينئذ (مقلوبا مجنحا) لان اللفظين بمنزلة جناحين للبيت كقوله لاح انوار الهدى من كفه فى كل حال.

(واذا ولى احد المتجانسين) اى تجانس سواء كان جناس القلب او غيره ولذا ذكره باسمه الظاهر دون المضمر المتجانس (الاخر سمى) الجناس (مزدوجا ومكررا ومرددا نحو (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)) هذا من التجنيس اللاحق وامثلة الاخر ظاهرة مما سبق (ويلحق بالجناس شيئان احدهما ان يجمع اللفظين الاشتقاق وهو توافق الكلمتين فى الحروف الاصول مع الاتفاق فى اصل المعنى (نحو قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)) فانهما مشتقان من قام يقوم.

(والثانى ان يجمعهما) اى اللفظين (المشابهة وهى ما يشبه) اى اتفاق يشبه (الاشتقاق) وليس باشتقاق فلفظة ما موصولة او موصوفة ، وزعم بعضهم انها مصدرية اى اشباه اللفظين الاشتقاق وهو غلط لفظا ومعنا اما لفظا فلانه جعل الضمير المفرد فى «يشبه» الى اللفظين وهو لا يصح الا بتأويل بعيد فلا يصح عند الاستغناء عنه.

واما معنا فلان اللفظين لا يشبهان الاشتقاق بل توافقهما قد يشبه الاشتقاق بان يكون فى كل منهما جميع ما يكون فى آخر من الحروف او اكثرها ولكن لا يرجعان الى اصل واحد كما فى الاشتقاق (نحو قوله تعالى (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ)) فالاول من القول والثانى من القلى.

وقد يتوهم ان المراد بما يشبه الاشتقاق هو الاشتقاق الكبير وهذا ايضا غلط لان الاشتقاق الكبير هو الاتفاق فى الحروف الاصول دون الترتيب مثل القمر والرقم والمرق ، وقد مثلوا فى هذا المقام بقوله تعالى (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا ،) ولا يخفى ان الارض مع ارضيتم ليس كذلك.

(ومنه) اى ومن اللفظى (رد العجز على الصدر وهو فى النثر ان يجعل احد اللفظين المكررين) اى المتفقين فى اللفظ والمعنى (او المتجانسين) او المتشابهين فى

٢٩١

اللفظ دون المعنى (او الملحقين بهما) اى بالمتجانسين الذى يجمعهما الاشتقاق او شبه الاشتقاق (فى اول الفقرة) وقد عرفت معناها (و) اللفظ (الاخر فى آخرها) اى آخر الفقرة فتكون الاقسام اربعة (نحو قوله تعالى (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ)) فى المكررين (ونحو سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل) فى المتجانسين (ونحو قوله تعالى (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً)) فى الملحقين اشتقاقا (ونحو (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ)) فى الملحقين يشبه الاتشقاق (و) هو (فى النظم ان يكون احدهما) اى احد اللفظين المكررين او المتجانسين او الملحقين بهما اشتقاقا او شبه الاشتقاق (فى آخر البيت و) اللفظ (الاخر فى صدر المصراع الاول او حشوه او آخره او صدر) المصراع (الثانى) فتصير الاقسام ستة عشرة حاصلة من ضرب اربعة فى اربعة.

والمصنف اورد ثلثة عشر مثالا واهمل ثلاثا (كقوله سريع الى ابن العم يلطم وجهه ، وليس الى داعي الندى بسريع) فيما يكون المكرر الاخر فى صدر المصراع الاول (وقوله :

تمتع من شميم عرار نجد

فما بعد العشية من عرار)

فيما يكون المكرر الاخر فى حشو المصراع الاول.

ومعنى البيت استمتع بشميم عرار نجد وهى وردة ناعمة صفراء طيبة الرائحة فانا نعدمه اذا امسينا لخروجنا من ارض نجد ومنابته (وقوله «ومن كان بالبيض الكواعب) جمع كاعب وهى الجارية حين تبدو ثديها للنهود (مغرما) مولعا (فما زلت بالبيض القواضب) اى السيوف القواطع (مغرما) فيما يكون المكرر الاخر فى آخر المصراع الاول (وقوله وان لم يكن الا معرّج ساعة) هو خبر كان واسمه ضمير يعود الى الامام المدلول عليه فى بيت السابق وهو الما على الدار التى لو وجدتها بها اهلها ما كان وحشا مقيلها (قليلا) صفة مؤكدة لفهم القلة من اضافة التعريج الى الساعة او صفة مقيدة اى الا تعريجا قليلا فى ساعة (فانى نافع لى قليلها) مرفوع بانه فاعل نافع والضمير للساعة والمعنى قليل من التعريج فى الساعة ينفعنى ويشفى غليل وجدى ، وهذا فيما يكون المكرر الاخر فى صدر المصراع الثانى (وقوله دعانى) اى

٢٩٢

اتركانى (من ملامكما سفاها) اى خفة وقلة عقل (فداعى الشوق قبلكما دعانى) من الدعاء وهذا فيما يكون المتجانس الاخر فى صدر المصراع الاول (وقوله واذا البلابل) جمع بلبل وهو طائر معروف (افصحت بلغاتها ، فانف البلابل) جمع بلبال وهو الحزن (باحتساء بلابل) جمع بلبلة بالضم وهو ابريق فيه الخمر.

وهذا فيما يكون المتجانس الاخر اعنى البلابل الاول فى حشو المصراع الاول لا صدره لان صدره هو قوله واذا (وقوله فمشعوف بآيات المثانى ،) (اى القرآن) (ومفتون برنات المثانى) اى بنغمات اوتار المزامير التى ضم طاق منها الى طاق.

وهذا فيما يكون المتجانس الاخر فى آخر المصراع الاول (وقوله املتهم ثم أملّتهم فلاح) اى ظهر (لى ان ليس فيهم فلاح) اى فوز ونجاة وهذا فيما يكون المتجانس الاخر فى صدر المصراع الثانى (وقوله ضرائب) جمع ضربية وهى الطبيعة التى ضربت للرجل وطبع عليها (ابدعتها فى السماح ، فلسنا نرى لك فيها ضريبا) اى مثلا واصله المثل فى ضرب القداح.

وهذا فيما يكون الملحق الاخر بالمتجانسين اشتقاقا فى صدر المصراع الاول (وقوله اذ المرء لم يخزن عليه لسانه ، فليس على شىء سواه بخزّان) اى اذا لم يحفظ المرء لسانه على نفسه مما يعود ضرره اليه فلا يحفظه على غيره مما لا ضرر له فيه ، وهذا فيما يكون الملحق الاخر اشتقاقا فى حشو المصراع الاول (وقوله لو اختصرتم من الاحسان زرتكم ، والعذب) من الماء (يهجر للافراط فى الخصر) اى فى البرودة يعنى ان بعدى عنكم لكثرة انعامكم على.

وقد توهم بعضهم ان هذا المثال مكرر حيث كان اللفظ الاخر فى حشو المصراع الاول كما فى البيت الذى قبله ولم يعرف ان اللفظين فى البيت السابق مما يجمعهما الاشتقاق وفى هذا البيت مما يجمعهما شبه الاشتقاق والمصنف لم يذكر من هذا القسم الا هذا المثال واهمل الثلاثة الباقية وقد اوردتها فى الشرح (وقوله :

فدع الوعيد فما وعيدك ضائرى

اطنين اجنحة الذباب يضير)

وهذا فيما يكون الملحق الاخر اشتقاقا وهو ضائرى فى اخر المصراع الاول

٢٩٣

(وفى قوله وقد كانت البيض القواضب فى الوغى) اى السيوف القواع فى الحرب (بواتر) اى قواطع بحسن استعمال اياها (فهى الان من بعده بتر) جمع ابتر اذ لم يبق من بعده من يستعملها استعمالة.

وهذا فيما يكون الملحق الاخر اشتقاقا فى صدر المصراع الثانى.

(ومنه) اى ومن اللفظى (السجع قيل وهو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد) فى الاخر (وهو معنى قول السكاكى هو) اى السجع (فى النثر كالقافية فى الشعر) يعنى ان هذا مقصود كلام السكاكى ومحصوله والا فالسجع على التفسير المذكور بمعنى المصدر اعنى توافق الفاصلتين فى الحرف الاخير.

وعلى كلام السكاكى هو نفس اللفظ المتواطى الاخر فى اواخر الفقر ولذا ذكره السكاكى بلفظ الجمع وقال انها فى النثر كالقوافى فى الشعر وذلك لان القافية لفظ فى آخر البيت اما الكلمة نفسها او الحرف الاخير منها او غير ذلك على تفصيل المذاهب وليست عبارة عن تواطئ الكلمتين من اواخر الابيات على حرف واحد.

فالحاصل ان السجع قد يطلق على الكلمة الاخيرة من الفقرة باعتبار توافقها للكلمة الاخيرة من الفقرة الاخرى وقد يطلق على نفس توافقها ومرجع المعنيين واحد (وهو) اى السجع ثلاثة اضرب (مطرّف ان اختلفا) اى الفاصلتين (فى الوزن نحو (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)) فان الوقار والاطوال مختلفان وزنا (والا) اى وان لم يختلفا فى الوزن (فان كان ما فى احدى القرينتين) من الالفاظ (او) كان (اكثره) اى اكثر ما فى احد لقرينتين (مثل ما يقابله) من القرينة الاخرى (فى الوزن والتقفية) اى التوافق على الحرف الاخير (فترصيع نحو فهو يطبع الاسجاع بجواهر لفظه ويقرع الاسماع بزواجر وعظه) فجميع ما فى القرينة الثانية يوافق لما يقابله من القرينة الاولى.

واما لفظه فهو فلا يقابله شىء من الثانية ، ولو قال بدل الاسماع الاذان كان مثالا لما يكون اكثر ما فى الثانية موافقا لما يقابله فى الاولى (والا فهو متواز) اى وان لم يكن جميع ما فى القرينة ولا اكثر مثل ما يقابله من الاخرى فهو السجع المتوازى

٢٩٤

(نحو (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)) لاختلاف سرر واكواب فى الوزن والتقفية جميعا.

وقد يختلف الوزن فقط نحو (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) ، فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً ،

وقد تختلف التقفية فقط كقولنا ، حصل الناطق والصامت ، وهلك الحاسد والشامت.

(قيل واحسن السجع ما تساوت قرائته نحو (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) ثم) اى بعد ان لا تتساوى قرائنه فالاحسن (ما طالت قرينته الثانية نحو (وَالنَّجْمِ) إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى او) قرينته (الثالثة نحو (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ)) من التصلية (ولا يحسن ان يؤتى قرينة) بعد قرينة اخرى.

(اقصر منها) قصرا (كثيرا) لان السجع قد استوفى امده فى الاول بطوله فاذا جاء الثانى اقصر منه كثيرا يبقى الانسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء الى غاية فيعثر دونها ، وانما قال كثيرا احترازا عن نحو قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) (والاسجاع مبنية على سكون الاعجاز) اى اواخر فواصل القرائن اذ لا يتم التواطؤ والتزاوج فى جميع الصور الا بالوقف والسكون (كقولهم ما ابعد ما فات واقرب ما هو آت) اى اذ لو لم يعتبر السكون لفات السجع لان التاء من فات مفتوح ومن آت منون مكسور (قيل ولا يقال فى القرآن اسجاع) رعاية للادب وتعظيما له اذ السجع فى الاصل هدير الحمام ونحوه.

وقيل لعدم الاذن الشرعى ، وفيه نظر اذ لم يقل احد بتوقف امثال هذا على اذن الشارع وانما الكلام فى اسماء الله تعالى.

(بل يقال) للاسجاع فى القرآن اعنى الكلمة الاخيرة من الفقرة (فواصل ،

وقيل السجع غير مختص بالنثر ومثله من النظم (قوله تجّلى به رشدى واثرت) اى صارت ذات ثروة (به يدى وفاض به ثمدى) هو بالكسر الماء القليل.

والمراد ههنا المال القليل (واورى) اى صار ذاورى (به زندى) فاما اورى بضم الهمزة وكسر الراء على انه المتكلم المضارع من اوريت الزند اخرجت ناره فغلط

٢٩٥

وتصحيف ومع ذلك يأباه الطبع (ومن السجع على هذا القول) اى القول بعدم اختصاصه بالنثر (ما يسمى التشطير ، وهو جعل كل من شطرى البيت سجعة مخالفة لاختها) اى للسجعة التى فى الشطر الاخر ، وقوله سجعة فى موضع المصدر اى مسجوعا سجعة لان الشطر نفسه ليس بسجعة او هو مجاز تسمية للكل باسم جزئه (كقوله تدبير معتصم بالله منتقم ، لله مرتغب فى الله) اى راغب فيما يقرّبه من رضوانه (مرتقب) اى منتظر ثوابه او خائف عقابه ، فالشطر الاول سجعة مبنية على الميم والثانية سجعة مبنية على الباء.

(ومنه) اى ومن اللفظى (الموازنة وهى تساوى الفاصلتين) اى الكلمتين الاخيرتين من الفقرتين او من المصراعين (فى الوزن دون التقفية نحو (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)) فان مصفوفة ومبثوثة متساويان فى الوزن لا فى التقفية اذ الاولى على الفاء والثانية على الثاء لا عبرة بتاء التأنيث فى القافية على ما بيّن فى موضع.

وظاهر قوله دون التقفية انه يجب فى الموازنة عدم التساوى فى التقفية حتى لا يكون نحو (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ، وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) ، من الموازنة ويكون بين الموازنة والسجع مباينة الا على رأى ابن الاثير فانه يشترط فى السجع التساوى فى الوزن والتقفية ويشترط فى الموازنة التساوى فى الوزن دون الحرف الاخير فنحو شديد وقريب ليس بسجع وهو اخص من الموازنة واذا تساوى الفاصلتان فى الوزن دون التقفية (فان كان ما فى احدى القرينتين) من الالفاظ (او اكثره مثل ما يقابله من) القرينة (الاخرى فى الوزن) سواء كان يماثله فى التقفية او لا (خصّ) هذا النوع من الموازنة (باسم المماثلة) وهى لا تختص بالنثر كما توهمه البعض من ظاهر قولهم تساوى الفاصلتين ولا بالنظم على ما ذهب اليه البعض بل تجرى فى القبيلتين فلذلك او رد مثالين نحو قوله تعالى (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وقوله مها الوحش) جمع مهاة وهى البقرة الوحشية (الا ان هاتا) اى هذه النساء (او انس ، قنا الخط الا ان تلك) لقناة (ذوابل) وهذه النساء نواضر ، والمثالان مما يكون

٢٩٦

اكثر ما فى احدى القرينتين مثل ما يقابله من الاخرى لعدم تماثل آتيناهما وهديناهما وزنا وكذا هاتا وتلك.

ومثال الجميع قول ابى تمام ، فاحجم لما لم يجد فيك مطمعا ، واقدم لما لم يجد عنك مهربا.

وقد كثر ذلك فى الشعر الفارسى واكثر مدائح ابى الفرج الرومى من شعراء العجم على المماثلة وقد اقتفى الا نورى اثره فى ذلك.

(ومنه) اى ومن اللفظى (القلب) وهو ان يكون الكلام بحيث لو عكسته بدأت بحرفه الاخير الحرف الاول كان الحاصل بعينه هو هذا الكلام ويجرى في النثر والنظم (كقوله

مودّته تدوم لكل هول

وهل كل مودته تدوم)

فى مجموع البيت.

وقد يكون ذلك فى المصراع كقوله ارانا الاله هلالا ارانا (وفى التنزيل (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)) والحرف المشدد فى حكم المخفف لان المعتبر هو الحرف المكتوبة.

وقد يكون ذلك فى المفرد نحو سلس ومغايرة القلب بهذا المعنى لتجنيس القلب ظاهر فان المقلوب ههنا يجب ان يكون عين اللفظ الذى ذكر بخلافه ثمة ويجب ثمة ذكر اللفظين جميعا بخلافه ههنا.

(ومنه) اى ومن اللفظى (التشريع) ويسمى التشريح وذا القافيتين ايضا (وهو بناء البيت على قافيتين يصح المعنى عند الوقوف على كل منهما لان التشريع هو ان يبنى الشارع ابيات القصيدة ذات قافيتين على بحرين او ضربين من بحر واحد فعلى اى القافيتين وقفت كان شعرا مستقيما ، قلنا القافية انما هى آخر البيت فالبناء على قافيتين لا يتصور الا اذا كان البيت بحيث يصح الوزن ويحصل الشعر عند الوقوف على كل منهما والا لم تكن الاولى قافية (كقوله يا خاطب الدنيا) من خطب المرأة (الدنيّة) اى الخسيسة (انها ، شرك الردى) اى حبالة الهلاك

٢٩٧

(وقرارة الاكدار) اى مقرّ الكدورات.

فان وقفت على الردى فالبيت من الضرب الثامن الطويل الكامل وان وقفت على الاكدار فهو من الضرب الثانى منه ، والقافية عند الخليل من آخر حرف فى البيت الى اول ساكن يليه مع الحركة التى قبل ذلك الساكن ، فالقافية الاولى من هذا البيت هو لفظ الردى مع حركة الكاف من شرك والقافية الثانية هى من حركة الدال من الاكدار الى الاخر وقد يكون البناء على اكثر من قافيتين وهو قليل متكلف ، ومن لطيف ذى القافيتين نوع يوجد فى الشعر الفارسى وهو ان تكون الالفاظ الباقية بعد القوافى الاول بحيث اذا جمعت كانت شعرا مستقيم المعنى.

(ومنه) اى ومن اللفظى (لزوم ما لا يلزم) ويقال له الالزام والتضمين والتشديد والاعنات ايضا (وهو ان يجىء قبل حرف الروى) وهو الحرف الذى تبنى عليه القصيدة وتنسب اليه فيقال قصيدة لامية او ميمية مثلا من رويت الحبل اذا فتلته لانه يجمع بين الابيات كما ان الفتل يجمع بين قوى الحبل او من رويت على البعير اذا شددت عليه الرواء وهو الحبل الذى يجمع به الاحمال (او ما فى معناه) اى قبل الحرف الذى هو فى معنى الروى (من الفاصلة) يعنى الحرف الذى وقع فى فواصل الفقر موقع حرف الروى فى قوافى الابيات.

وفاعل يجىء هو قوله (ما ليس بلازم فى السجع) يعنى ان يؤتى قبله بشىء لو جعل القوافى او الفواصل اسجاعا لم يحتج الى الاتيان بذلك الشىء ويتم السجع بدونه.

فمن زعم انه كان ينبغى ان يقول ما ليس بلازم فى السجع اى القافية ليوافق قوله قبل حرف الروى او ما فى معناه فهو لم يعرف معنى هذا الكلام.

ثم لا يخفى ان المراد بقوله يجىء قبل كذا ما ليس بلازم فى السجع ان يكون ذلك فى بيتين او اكثر او فاصلتين او اكثر والا ففى كل بيت او فاصلة يجىء قبل حرف الروى او ما فى معناه ما ليس بلازم فى السجع كقوله :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

٢٩٨

قد جاء قبل اللام ميم مفتوحة وهو ليس بالزم فى السجع.

وقوله قبل حرف الروى او ما فى معناه اشارة الى انه يجرى فى النثر والنظم (نحو (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)) فالراء بمنزلة حرف الروى ومجىء الهاء قبلها فى الفاصلتين لزوم ما يلزم لصحة السجع بدونها نحو (فَلا تَنْهَرْ) ولا تسخر (وقوله ساشكر عمرا ان تراخت منيتى ، ايادى) بدل من عمرا (ايادى لم تمنن وان هى جلّت ،) اى لم تقطع او لم تخلط بمنة وان عظمت وكثرت

(فتى غير محجوب الغنى عن صديقه

ولا مظهر الشكوى اذ النعل زلّت)

زلة القدم والنعل كناية عن نزول الشر والمحنة (راى خلّتى) اى فقرى (من حيث يخفى مكانها) لانى كنت استرها عنه بالتجمل (فكانت) اى خلّتى (قذى عينيه حتى تجلت) اى انكشفت وزالت باصلاحه اياها باياديه يعنى من حسن اهتمامه جعله كالداء الملازم لاشرف اعضائه حتى تلافاه بالاصلاح ، فحرف الروى هو التاء وقد جىء قبله بلام مشددة مفتوحة وهو ليس بلازم فى السجع لصحة السجع بدونها نحو جلّت ومدّت ومنّت وانشقت ونحو ذلك (واصل الحسن فى ذلك كله) اى فى جميع ما ذكر من المحسنات اللفظية (ان تكون الالفاظ تابعة للمعانى دون العكس) اى ان لا يكون المعانى توابع للالفاظ بان يؤتى بالالفاظ متكلمة مصنوعة فيتبعها المعنى كيف ما كان كما فعله بعض المتأخرين الذين لهم شعف بايراد المحسنات اللفظية فيجعلون الكلام كانه غير مسوق لافادة المعنى ولا يبالون بخفاء الدلالات وركاكة المعنى فيصير كغمد من ذهب على سيف من خشب.

بل الوجه ان تترك المعانى على سجيتها فتطلب لانفسها لفظا تليق بها ، وعند هذا تظهر البلاغة والبراعة ويتميز الكامل من القاصر ، وحين رتب الحريرى مع كمال فضله فى ديوان الانشاء عجز فقال ابن الخشاب هو رجل مقاماتى وذلك لان كتابه

٢٩٩

حكاية تجرى على حسب ارادته ومعانيه تتبع ما اختاره من الالفاظ الموضوعة فاين هذا من كتاب امر به فى قضية وما احسن ما قيل فى الترجيح بين الصاحب والصابى ان الصاحب كان يكتب كما يريد والصابى كان يكتب كما يؤمر وبين الحالتين بون بعيد ولهذا قال قاضى قم حين كتب اليه الصاحب.

ايها القاضى بقم ، قد عزلناك فقم والله ما عزلتنى الا هذه السجعة.

٣٠٠