مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

ذلك تخلصا عما عرض له فى الليل من تباريح الجوّ ولاستطالة تلك الليلة كأنه طماعية له فى انجلائها فلهذا يحمل على التمنى دون الترجى.

(والدعاء) اى الطلب على سبيل التضرع (نحو رب اغفر لى والالتماس كقولك لمن يساويك رتبة افعل بدون الاستعلاء) والتضرع ، فان قيل اى حاجة الى قوله بدون الاستعلاء مع قوله لمن يساويك رتبة ، قلت قد سبق ان الاستعلاء لا يستلزم العلو فيجوز ان يتحقق من المساوى بل من الادنى ايضا.

(ثم الامر قال السكاكى حقه الفور لانه الظاهر من الطلب) عند الانصاف كما فى الاستفهام والنداء (ولتبادر الفهم عند الامر بشىء بعد الامر بخلافه الى تغيير) الامر (الاول دون الجمع) بين الامرين (وارادة التراخى).

فان المولى اذا قال لعبده قم ثم قال له قبل ان يقوم اضطجع حتى المساء يتبادر الفهم الى انه غيّر الامر بالقيام الى الامر بالاضطجاع ولم يرد الجمع بين القيام والاضطجاع مع تراخى احدهما.

(وفيه نظر) لانا لا نسلم ذلك عند خلو المقام عن القرائن.

(ومنها) اى من انواع الطلب (النهى) وهو طلب الكف عن الفعل استعلاء (وله حرف واحد وهو لاء الجازمة فى نحو قولك لا تفعل وهو كالامر فى الاستعلاء) لانه المتبادر الى الفهم.

(وقد يستعمل فى غير طلب الكف) عن الفعل كما هو مذهب البعض (او) طلب (الترك) كما هو مذهب البعض.

فانهم قد اختلفوا فى ان مقتضى النهى كف النفس عن الفعل بالاشتغال باحد اضداده او ترك الفعل وهو نفس ان لا تفعل (كالتهديد كقولك لعبد لا يمتثل امرك لا تمتثل امرى) وكالدعاء والالتماس وهو ظاهر.

(وهذه الاربعة) يعنى التمنى والاستفهام والامر والنهى (يجوز تقدير الشرط بعدها) وايراد الجزاء عقيبها مجزوما بان المضمرة مع الشرط (كقولك) فى التمنى (ليت لى مالا انفقه) اى ان ارزقه انفقه.

١٤١

(و) فى الاستفهام (اين بيتك ازرك) اى ان تعرفنيه ازرك (و) فى الامر (اكرمني اكرمك) اى ان تكرمنى اكرمك (و) فى النهى (لا تشتمني يكن خيرا لك) اى ان لا تشتم يكن خيرا لك ، وذلك لان الحامل للمتكلم على الكلام الطلبى كون المطلوب مقصورا للمتكلم اما لذاته او لغيره لتوقف ذلك الغير على حصوله.

وهذا معنى الشرط فاذا ذكرت الطلب وذكرت بعده ما يصلح توقفه على المطلوب غلب على ظن المخاطب كون المطلوب مقصودا لذلك المذكور بعده لا لنفسه فيكون اذا معنى الشرط فى الطلب مع ذكر ذلك الشىء ظاهرا.

ولما جعل النحاة الاشياء التى تضمن حرف الشرط بعدها خمسة اشياء اشار المصنف الى ذلك بقوله (واما العرض كقولك الا تنزل عندنا تصب خيرا) اى ان تنزل تصب خيرا (فمولد من الاستفهام) وليس شيئا آخر برأسه لان الهمزة فيه للاستفهام دخلت على فعل منفى وامتنع حملها على حقيقة الاستفهام للعلم بعدم النزول مثلا وتولد عنه بمعونة قرينة الحال عرض النزول على المخاطب وطلبه عنه (ويجوز) تقدير الشرط (فى غيرها) اى فى غير هذه المواضع (لقرينة) تدل عليه (نحو) (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) (فالله هو الولى اى ان ارادوا اولياء بحق) فالله هو الولى الذى يجب ان يتولى وحده ويعتقد انه المولى والسيد.

وقيل لا شك ان قوله (أَمِ اتَّخَذُوا) انكار توبيخ بمعنى انه لا ينبغى ان يتخذ من دونه اولياء وحينئذ يترتب عليه قوله تعالى (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ) من غير تقدير شرط كما يقال لا ينبغى ان يعبد غير الله فالله هو المستحق للعبادة.

وفيه نظر اذ ليس كل ما فيه معنى الشىء حكمه حكم ذلك الشىء والطبع المستقيم شاهد صدق على صحة قولنا لا تضرب زيدا فهو اخوك بالفاء بخلاف اتضرب زيدا فهو اخوك استفهام انكار فانه لا يصح الا بالواو الحالية.

(منها) اى من انواع الطلب (النداء) وهو طلب الاقبال بحرف نائب مناب ادعو لفظا او تقديرا.

(وقد تستعمل صيغته) اى صيغة النداء (فى غير معناه) وهو طلب الاقبال

١٤٢

(كالاغراء فى قولك لمن اقبل يتظلم يا مظلوم) قصدا الى اغرائه وحثه على زيادة التظلّم وبثّ الشكوى لان القبال حاصل (والاختصاص فى قولهم انا افعل كذا ايها الرجل) فقولنا ايها الرجل اصله تخصيص المنادى بطلب اقباله عليك ثم جعل مجردا عن طلب الاقبال ونقل الى تخصيص مدلوله من بين امثاله بما نسب اليه اذ ليس المراد باى ووصفه المخاطب بمنادى بل ما دل عليه ضمير المتكلم فايّها مضموم والرجل مرفوع والمجموع فى محل النصب على انه حال.

ولهذا قال (متخصصا) اى مختصا (من بين الرجال) وقد يستعمل صيغة النداء فى الاستغاثة نحو «يالله» والتعجب نحو «يا للماء» والتحسر والتوجع كما فى نداء الاطلال والمنازل والمطايا وما اشبه ذلك.

(ثم الخبر قد يقع موقع الانشاء اما للتفاؤل) بلفظ الماضى دلالة على انه كأنه وقع نحو وفقك الله للتقوى (او لاظهار الحرص فى وقوعه) كما مر فى بحث الشرط من ان الطالب اذا عظمت رغبته فى شىء يكثر تصوره اياه فربما يخيل اليه حاصلا نحو رزقنى الله لقاءك (والدعاء بصيغة الماضى من البليغ) كقوله رحمه الله (يحتملهما) اى التفاؤل واظهار الحرص.

واما غير البليغ فهو ذاهل عن هذه الاعتبارات (او للاحتراز عن صورة الامر) كقول العبد للمولى ينظر المولى الى ساعة دون انظر لانه فى صورة الامر وان قصد به الدعاء او الشفاعة (او لحمل المخاطب على المطلوب بان يكون) المخاطب (ممن لا يحب ان يكذب الطالب) اى ينسب اليه الكذب كقولك لصاحبك الذى لا يحب تكذيبك تأتينى غدا مقام اءتينى تحمله بالطف وجه على الاتيان لانه ان لم يأتك غدا صرت كاذبا من حيث الظاهر لكون كلامك فى صورة الخبر.

(تنبيه)

الانشاء كالخبر فى كثير مما ذكر فى الابواب الخمسة السابقة) يعنى احوال

١٤٣

الاسناد والمسند اليه والمسند ومتعلقات الفعل والقصر (فليعتبره) اى ذلك الكثير الذى يشارك فيه الانشاء والخبر.

(الناظر) بنور البصيرة فى لطائف الكلام مثلا الكلام الانشائى ايضا اما مؤكد او غير مؤكد والمسند اليه فيه اما محذوف او مذكور الى غير ذلك.

١٤٤

الباب السابع

الفصل والوصل

بدأ بذكر الفصل لانه الاصل والوصل طار اى عارض عليه حاصل بزيادة حرف من حروف العطف ، لكن لما كان الوصل بمنزلة الملكة والفصل بمنزلة العدم والاعدام انما تعرف بملكاتها بدأ فى التعريف بذكر الوصل.

فقال (الوصل عطف بعض الجمل على بعض والفصل تركه) اى ترك عطفه عليه (فاذا أنت جملة بعد جملة فالاولى اما ان يكون لها محل من الاعراب او لا وعلى الاول) اى على تقدير ان يكون للاولى محل من الاعراب (ان قصد تشريك الثانية لها) اى للاولى (فى حكمه) اى فى حكم الاعراب الذى كان لها مثل كونها خبر مبتدأ او حالا او صفة او نحو ذلك.

(عطفت) الثانية (عليها) اى على الاول ليدل العطف على التشريك المذكور (كالمفرد) فانه اذا قصد تشريكه لمفرد قبله فى حكم اعرابه من كونه فاعلا او مفعولا او نحو ذلك وجب عطفه عليه (فشرط كونه) اى كون عطف الثانية على الاولى (مقبولا بالواو ونحوه ان يكون بينهما) اى بين الجملتين (جهة جامعة نحو زيد يكتب ويشعر) لما بين الكتابة والشعر من التناسب الظاهر (او يعطى ويمنع) لما بين الاعطاء والمنع من التضاد ، بخلاف نحو زيد يكتب ويمنع او يعطى ويشعر وذلك لئلا يكون الجمع بينهما كالجمع بين الضّب والنون.

وقوله ونحوه اراد به ما يدل على التشريك كالفاء وثم وحتى وذكره حشو مفسد لان هذا الحكم مختص بالواو لان لكل من الفاء ، وثم ، وحتى ، معنى محصلا غير التشريك والجمعية فان تحقق هذا المعنى حسن العطف وان لم توجد جهة جامعة بخلاف الواو.

١٤٥

ـ (ولهذا) اى ولانه لا بد فى الواو من جهة جامعة (عيب على ابى تمام ، قوله لا والذى هو عالم ان النوى ، صبر وان ابا الحسين كريم) اذ لا مناسبة بين كرم ابى الحسين ومرارة النوى.

فهذا العطف غير مقبول سواء جعل عطف مفرد على مفرد كما هو الظاهر او عطف جملة على جملة باعتبار وقوعه موقع مفعولى عالم لان وجود الجامع شرط فى الصورتين.

وقوله «لا» نفى لما ادعته الحبيبة عليه من اندراس هواه بدلالة البيت السابق (والا) اى وان لم يقصد تشريك الثانية للاولى فى حكم اعرابها (فصلت) الثانية (عنها) لئلا يلزم من العطف التشريك الذى ليس بمقصود (نحو (وَإِذا خَلَوْا) إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ، اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ لم يعطف الله يستهزئ بهم على انا معكم لانه ليس من مقولهم) فلو عطف عليه لزم تشريكه له فى كونه مفعول قالوا فيلزم ان يكون مقول قول المنافقين وليس كذلك.

وانما قال على (إِنَّا مَعَكُمْ) دون (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) لان قوله (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بيان لقوله (إِنَّا مَعَكُمْ) فحكمه حكمه.

وايضا العطف على المتبوع هو الاصل (وعلى الثانى) اى على تقدير ان لا يكون للاولى محل من الاعرب (ان قصد ربطها بها) اى ربط الثانية بالاولى (على معنى عاطف سوى الواو عطفت) الثانية على الاولى (به) اى بذلك العاطف من غير اشتراط امر آخر (نحو دخل زيد فخرج عمرو او ثم خرج عمرو واذا قصد التعقيب او المهملة) وذلك لان ما سوى الواو من حروف العطف يفيد مع الاشتراك معانى محصلة مفصلة فى علم النحو ، فاذا عطفت الثانية على الاولى بذلك العاطف ظهرت الفائدة اعنى حصول معانى هذه الحروف.

بخلاف الواو فانه لا يفيد الا مجرد الاشتراك.

وهذا انما يظهر فيما له حكم اعرابى.

واما فى غيره ففيه خفاء واشكال وهو السبب فى صعوبة باب الفصل والوصل

١٤٦

حتى حصر بعضهم البلاغة فى معرفة الفصل والوصل.

(والا) اى وان لم يقصد ربط الثانية بالاولى على معنى عاطف سوى الواو (فان كان للاولى حكم لم يقصد اعطاؤه للثانية فالفصل) واجب لئلا يلزم من الوصل التشريك فى ذلك الحكم (نحو (وَإِذا خَلَوْا) الاية لم يعطف (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على (قالُوا) لئلا يشاركه فى الاختصاص بالظرف لما مر) من ان تقديم المفعول ونحوه من الظرف وغيره يفيد الاختصاص فيلزم ان يكون استهزاء الله بهم مختصا بحال خلوهم الى شياطينهم وليس كذلك.

فان قيل اذا شرطية لا ظرفية.

قلنا اذا الشرطية هى الظرفية استعملت استعمال الشرط ولو سلم فلا ينافى ما ذكرناه لانه اسم معناه الوقت لابد له من عامل وهو (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) بدلالة المعنى.

واذا قدم متعلق الفعل وعطف فعل آخر عليه يفهم اختصاص الفعلين به كقولنا يوم الجمعة سرت وضربت زيدا بدلالة الفحوى والذوق (والا) عطف على قوله فان كان للاولى حكم اى وان لم يكن للاولى حكم لم يقصد اعطاؤه للثانية.

وذلك بان لا يكون لها حكم زائد على مفهوم الجملة او يكون ولكن قصد اعطاؤه للثانية ايضا (فان كان بينهما) اى بين الجملتين (كمال الانقطاع بلا ايهام) اى بدون ان يكون فى الفصل ايهام خلاف المقصود (او كمال الاتصال او شبه احدهما) اى احد الكمالين (فكذلك) اى يتعين الفصل لان الوصل يقتضى مغايرة ومناسبة (والا) اى وان لم يكن بينهما كمال الانقطاع بلا ايهام ولا كمال الاتصال ولا شبه احدهما (فالوصل) متعين لوجود الداعى وعدم المانع.

والحاصل ان للجملتين اللتين لا محل لهما من الاعراب ولم يكن للاولى حكم لم يقصد اعطاؤه للثانية ستة احوال.

الاول كمال الانقطاع بلا ايهام.

الثانى كمال الاتصال ، الثالث شبه كمال الانقطاع ،

١٤٧

الرابع شبه كمال الاتصال ،

الخامس كمال الانقطاع مع الايهام ،

السادس التوسط بين الكمالين.

فحكم الاخيرين الوصل وحكم الاربعة السابقة الفصل فاخذ المصنف فى تحقيق الاحوال الستة فقال (اما كمال الانقطاع) بين الجملتين (فلاختلافهما خبر او انشاء لفظا ومعنى) بان يكون احديهما خبرا لفظا ومعنى والاخرى انشاء لفظا ومعنى (نحو وقال رائدهم) هو الذى يتقدم القوم لطلب الماء والكلاء (ارسوا) اى اقيموا من ارسيت السفينة حبستها بالمرساة (نزاولها) اى نحاول تلك الحرب ونعالجها ، فكل حتف امرئ يجرى بمقدار.

اى اقيموا نقاتل فان موت كل نفس يجرى بقدر الله تعالى لا الجبن ينجيه ولا الاقدام يرديه.

لم يعطف نزاولها على ارسوا لانه خبر لفظا ومعنى وارسوا انشاء لفظا ومعنى.

وهذا مثال لكمال الانقطاع بين الجملتين باختلافهما خبرا وانشاء لفظا ومعنى مع قطع النظر عن كون الجملتين مما ليس له محل من الاعراب والا فالجملتان فى محل النصب على انه مفعول قال (او) لاختلافهما خبرا وانشاء (معنى) فقط بان يكون احديهما خبرا معنى والاخرى انشاء معنى وان كانتا خبريتين او انشاءيتين لفظا (نحو مات فلان رحمه الله) لم يعطف رحمه الله على مات لانه انشاء معنى ومات خبر معنى وان كانتا جميعا خبريتين لفظا (او لانه) عطف على لاختلافهما والضمير للشان (لا جامع بينهما كما سيأتى).

بيان الجامع فلا يصح العطف فى مثل زيد طويل وعمرو نائم.

(واما كمال الاتصال) بين الجملتين (فلكون الثانية مؤكدة للاولى) تأكيدا معنويا (لدفع توهم تجوز او غلط نحو (لا رَيْبَ فِيهِ)) بالنسبة الى (ذلِكَ الْكِتابُ) اذا جعلت (الم) طائفة من الحروف او جملة مستقلة و (ذلِكَ الْكِتابُ) جملة ثانية و (لا رَيْبَ فِيهِ) ثالثة (فانه لما بولغ فى وصفه اى وصف الكتاب (ببلوغه) متعلق بوصفه اى فى

١٤٨

ان وصف بانه بلغ (الدرجة القصوى فى الكمال) وبقوله بولغ تتعلق الباء فى قوله (بجعل المبتدأ ذلك) الدال على كمال العناية بتمييزه والتوسل ببعده الى التعظيم وعلو الدرجة (وتعريف الخبر باللام) الدال على الانحصار مثل حاتم الجواد.

فمعنى ذلك الكتاب انه الكتاب الكامل الذى يستأهل ان يسمى كتابا كأن ما عداه من الكتب فى مقابلته ناقص بل ليس بكتاب (جاز) جواب لما اى جاز بسبب هذه المبالغة المذكورة (ان يتوهم السامع قبل التأمل انه) اعنى قوله ذلك الكتاب (مما يرمى به جزافا) من غير صدور عن رويّة وبصيرة (فاتبعه) على لفظ المبنى للمفعول والمرفوع المستتر عائد الى (لا رَيْبَ فِيهِ) والمنصوب البارز الى (ذلِكَ الْكِتابُ) اى جعل لا ريب فيه تابعا لذلك الكتاب (نفيا لذلك) التوهم (فوزانه) اى وزان لا ريب فيه مع ذلك الكتاب (وزان نفسه) مع زيد (فى جاءنى زيد نفسه).

فظهر ان لفظ وزان فى قوله وزان نفسه ليس بزائد كما توهم او تأكيدا لفظيا كما اشار اليه بقوله (ونحو هدى) اى هو هدى (لِلْمُتَّقِينَ) اى الضالين الصائرين الى التقوى.

(فان معناه انه) اى الكتاب (فى الهداية بالغ درجة لا يدركها كنهها) اى غايتها لما فى تنكير هدى من الابهام والتفخيم (حتى كأنه هداية محضة) حيث قيل هدى ولم يقل هاد (وهذا معنى ذلك الكتاب لان معناه كما مر الكتاب الكامل.

والمراد بكماله كماله فى الهداية لان الكتب السماوية بحسبها) اى بقدر الهداية واعتبارها (تتفاوت فى درجات الكمال) لا بحسب غيرها لانها المقصود الاصل من الانزال (فوزانه) اى وزان (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (وزان زيد الثانى فى جاءنى زيد زيد) لكونه مقررا لذلك الكتاب مع اتفاقهما فى المعنى بخلاف (لا رَيْبَ فِيهِ) فانه يخالفه معنى (او) لكون الجملة الثانية (بدلا منها) اى من الاولى (لانها) اى الاولى (غير وافية بتمام المراد او كغير الوافية) حيث يكون فى الوفاء قصور ما او خفاء ما (بخلاف الثانية) فانها وافية كمال الوفاء (والمقام يقتضى اعتناء بشانه) اى بشان المراد (لنكتة ككونه) اى المراد (مطلوبا فى نفسه او فظيعا او عجيبا او لطيفا)

١٤٩

فتنزل الثانية من الاولى منزلة بدل البعض او الاشتمال فالاول (نحو (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) ، (وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) ، فان المراد التنبيه على نعم الله تعالى) والمقام يقتضى اعتناء بشانه لكونه مطلوبا فى نفسه وذريعة الى غيره.

(والثانى) اعنى قوله (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ) الى آخره (او فى بتأديته) اى تأدية المراد الذى هو التنبيه (لدلالته) اى الثانية (عليها) اى علم نعم الله تعالى (بالتفصيل من غير احالة على علم المخاطبين المعاندين فوزانه وزان وجهه فى اعجبنى زيد وجهه لدخول الثانى فى الاول) لان ما تعلمون يشتمل الانعام وغيرها.

(والثانى) اعنى المنزل منزلة بدل الاشتمال (نحو اقول له ارحل لا تقيمن عندنا ، والا فكن فى السر والجهر مسلما فان المراد به) اى بقوله ارحل (كمال اظهار الكراهة لاقامته) اى المخاطب (وقوله لا تقيمن عندنا او فى بتأديته لدلالته) اى لدلالة لا تقيمن عندنا (عليه) اى كمال اظهار الكراهة (بالمطابقة مع التأكيد) الحاصل من النون وكونها مطابقة باعتبار الوضع العرفى حيث يقال لا تقم عندى ولا يقصد كفه عن الاقامة بل مجرد اظهار كراهة حضوره (فوزانه) اى وزان لا تقيمن عندنا (وزان حسنها فى اعجبنى الدار حسنها لان عدم الاقامة مغاير للارتحال) فلا يكون تأكيدا (وغيره داخل فيه) فلا يكون بدل بعض ولم يعتدّ ببدل الكل لانه انما يتميز عن التأكيد بمغايرة اللفظين وكون المقصود هو الثانى وهذا لا يتحقق فى الجمل لا سيما التى لا محل لها من الاعراب (مع ما بينهما) اى بين عدم الاقامة والارتحال (من الملابسة) اللزومية فيكون بدل اشتمال.

والكلام فى ان الجملة الاولى اعنى ارحل ذات محل من الاعراب مثل ما مر فى ارسوا نزاولها.

وانما قال فى المثالين ان الثانية او فى لان الاولى وافية مع ضرب من القصور باعتبار الاجمال وعدم مطابقة الدلالة فصارت كغير الوافية (او) لكون الثانية (بيانا لها) اى للاولى (لخفائها) اى الاولى (نحو (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) فان وزانه) اى وزان قال يا آدم (وزان عمر

١٥٠

في قوله اقسم بالله ابو حفص عمر) ما مسها من نقب ولا دبر حيث جعل الثاني بيانا وتوضيحا للاول.

فظهر ان ليس لفظ قال بيانا وتفسيرا للفظ وسوس حتى يكون هذا من باب بيان الفعل دون الجملة بل المبين هو مجموع الجملة (واما كونها) اى الجملة الثانية كالمنقطعة عنها اى عن الاولى (فلكون عطفها عليها) اى عطف الثانية على الاولى (موهما لعطفها على غيرها) مما ليس بمقصود وشبه هذا بكمال الانقطاع باعتبار اشتماله على مانع من العطف الا انه لما كان خارجيا يمكن دفعه بنصب قرينة لم يجعل هذا من كمال الانقطاع.

(ويسمى الفصل لذلك قطعا مثاله وتظن سلمى اننى ابغى بها بدلا ، اراها فى الضلال تهيم) فبين الجملتين مناسبة ظاهرة لاتحاد المسندين لان معنى اراها اظنها وكون المسند اليه فى الاولى محبوبا وفى الثانية محبا لكن ترك العاطف لئلا يتوهم انه عطف على ابغى فيكون من مظنونات سلمى.

(ويحتمل الاستيناف) كأنه قيل كيف تراها فى هذا الظن فقال اراها تتحير فى اودية الضلال.

(واما كونها) اى الثانية (كالمتصلة بها) اي بالاولى (فلكونها) اي الثانية (جوابا لسؤال اقتضته الاولى فتنزل) الاولى (منزلته) اى السؤال لكونها مشتملة عليه ومقتضية له (فتفصل) اى الثانية (عنها) اى عن الاولى (كما يفصل الجواب عن السؤال) لما بينهما من الاتصال.

(وقال السكاكى فينزل ذلك) اى السؤال الذى تقتضيه الاولى وتدل عليه بالفحوى (منزلة السؤال الواقع) ويطلب بالكلام الثانى وقوعه جوابا له فيقطع عن الكلام الاول لذلك وتنزيله منزلة الواقع انما يكون (لنكتة كاغناء السامع عن ان يسأل او) مثل (ان لا يسمع منه) اى من السامع (شىء) تحقيرا له وكراهة لكلامه او مثل ان لا ينقطع كلامك بكلامه او مثل القصد الى تكثير المعنى بتقليل اللفظ وهو تقدير السؤال وترك العاطف او غير ذلك وليس فى كلام السكاكى دلالة على ان الاولى

١٥١

تنزل منزلة السؤال فكان المصنف نظر الى قطع الثانية عن الاولى مثل قطع الجواب عن السؤال انما يكون على تقدير تنزيل الاولى منزلة السؤال وتشبيهها به والاظهر انه لا حاجة الى ذلك بل مجرد كون الاولى منشأ للسؤال كاف فى ذلك اشير اليه فى الكشاف.

(ويسمى الفصل لذلك) اى لكونه جوابا لسؤال اقتضته الاولى (استينافا وكذا) الجملة (الثانية) نفسها ايضا تسمى استينافا ومستأنفة.

(وهو) اى الاستيناف (ثلاثة اضرب لان السؤال) الذى تضمنته الاولى (اما عن سبب الحكم مطلقا نحو قال :

لى كيف انت قلت عليل

سهر دائم وحزن طويل

اى ما بالك عليلا او ما سبب علتك) بقرينة العرف والعادة.

لانه اذا قيل فلان مريض فانما يسأل عن مرضه وسببه لا ان يقال هل سبب علته كذا وكذا لا سيما السهر والحزن حتى يكون السؤال عن السبب الخاص (واما عن سبب خاص) لهذا الحكم (نحو (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) كأنه قيل هل النفس امّارة بالسوء).

فقيل ان النفس لامّارة بالسوء بقرينة التأكيد فالتأكيد دليل على ان السؤال عن السبب الخاص فان الجواب عن مطلق السبب لا يؤكد (وهذا الضرب يقتضى تأكيد الحكم) الذى هو فى الجملة الثانية اعنى الجواب لان السائل متردد فى هذا السبب الخاص هل هو سبب الحكم ام لا (كما مر) فى احوال الاسناد الخبرى من ان المخاطب اذا كان طالبا مترددا حسن تقوية الحكم بمؤكد.

ولا يخفى ان المراد الاقتضاء استحسانا لا وجوبا والمستحسن فى باب البلاغة بمنزلة الواجب (واما عن غيرهما) اى غير السبب المطلق والسبب الخاص (نحو (قالُوا) سَلاماً قالَ سَلامٌ) اى فماذا قال ابراهيم فى جواب سلامهم فقيل قال سلام اى حياهم بتحية احسن لكونها بالجملة الاسمية الدالة على الدوام والثبوت.

(وقوله زعم العواذل) جمع عاذلة بمعنى جماعة عاذلة (اننى فى غمرة) وشدة

١٥٢

(صدقوا) اى الجماعات العواذل فى زعمهم اننى فى غمرة (ولكن غمرتى لا تتجلى) ولا تنكشف بخلاف اكثر الغمرات والشدائد كأنه قيل اصدقوا ام كذبوا فقيل صدقوا (وايضا منه) اى من الاستيناف.

وهذا اشارة الى تقسيم آخر له (ما يأتى باعادة اسم ما استؤنف عنه) اى وقع عنه الاستيناف واصل الكلام ما استؤنف عنه الحديث فحذف المفعول ونزل الفعل منزلة اللازم (نحو احسنت) انت (الى زيد زيد حقيق بالاحسان) باعادة اسم زيد (ومنه ما يبنى على صفته) اى صفة ما استؤنف عنه دون اسمه.

والمراد بالصفة صفة تصلح لترتب الحديث عليه (نحو) احسنت الى زيد (صديقك القديم اهل لذلك) والسؤال المقدر فيهما لما ذا احسن اليه وهل هو حقيق بالاحسان (وهذا) اى الاستيناف المبنى على الصفة (ابلغ) لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم كالصداقة القديمة فى المثال المذكور لما يسبق الى الفهم من ترتب الحكم على الوصف الصالح للعلية انه علة له وههنا بحث وهو ان السؤال ان كان عن السبب.

فالجواب يشتمل على بيانه لا محالة والا فلا وجه لاشتماله عليه كما فى قوله تعالى (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) ، وقوله زعم العواذل ، ووجه التفصى عن ذلك مذكور فى الشرح (وقد يحذف صدر الاستيناف) فعلا كان او اسما (نحو (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ،) رجال) فيمن قرأها مفتوحة الباء كانه قيل من يسبحه فقيل رجال اى يسبحه رجال (وعليه نعم الرجل زيد) او نعم رجلا زيد (على قول) اى على قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف اى هو زيد.

ويجعل الجملة استينافا جوابا للسؤال عن تفسير الفاعل المبهم.

(وقد يحذف) الاستيناف (كله اما مع قيام شىء مقامه نحو) قول الحماسى («زعمتم ان اخوتكم قريش ، لهم الف) اى ايلاف فى الرحلتين المعروفتين لهم فى التجارة رحلة فى الشتاء الى اليمن ورحلة فى صيف الى الشام (وليس لكم آلاف») اى مؤالفة فى الرحلتين المعرفتين كأنه قيل اصدقنا فى هذا الزعم ام كذبنا فقيل كذبتم

١٥٣

فحذف هذا الاستيناف كله واقيم قوله لهم آلاف وليس لكم الالف مقامه لدلالته عليه (او بدون ذلك) اى قيام شىء مقامه اكتفاء بمجرد القرينة (نحو (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)) اى نحن (على قول) اى على قول من يجعل المخصوص خبر المبتدأ اى هم نحن.

ولما فرغ من بيان الاحوال الاربعة المقتضية للفصل شرع فى بيان الحالتين المقتضيتين للوصل.

فقال (واما الوصل لدفع الايهام فكقولهم لا وايدك الله) فقولهم لا رد لكلام سابق كما اذا قيل هل الامر كذلك فيقال لا اى ليس الامر كذلك فهذه جملة اخبارية وايدك الله جملة انشائية دعائية فبينهما كمال الانقطاع لكن عطفت عليها لان ترك العطف يوهم انه دعاء على المخاطب بعدم التأييد مع ان المقصود الدعاء له بالتأييد فاينما وقع هذا الكلام فالمعطوف عليه هو مضمون قولهم لا وبعضهم لما لم يقف على المعطوف عليه فى هذا الكلام.

نقل عن الثعالبى حكاية مشتملة على قوله قلت لا وايدك الله وزعم ان قوله وايدك الله عطف على قوله قلت ولم يعرف انه لو كان كذلك لم يدخل الدعاء تحت القول وانه لو لم يحك الحكاية فحين ما قال للمخاطب لا وايدك الله فلا بد له من معطوف عليه (واما للتوسط) عطف على قوله اما الوصل لدفع الايهام اى اما الوصل لتوسط الجملتين بين كمال الانقطاع والاتصال.

وقد صحفه بعضهم اما بكسر الهمزة بفتح الهمزة فركب متن عمياء وخبط خبط عشواء (فاذا اتفقتا) اى الجملتان (خبرا او انشاء لفظا ومعنى او معنى فقط بجامع) اى بان يكون بينهما جامع بدلالة ما سبق من انه اذا لم يكن بينهما جامع فبينهما كمال الانقطاع ثم الجملتان المتفقتان خبرا او انشاء لفظا ومعنى قسمان لانهما اما انشائيتان او خبريتان والمتفقتان معنى فقط ستة اقسام لانهما ان كانتا انشائيتين معنى.

فاللفظان اما خبران او الاولى خبر والثانية انشاء او بالعكس وان كانتا خبريتين معنى فاللفظان اما انشاآن او الاولى انشاء والثانية خبر او بالعكس فالمجموع ثمانية اقسام.

١٥٤

والمصنف اورد للقسمين الاولين مثاليهما (كقوله تعالى («يُخادِعُونَ اللهَ) وَهُوَ خادِعُهُمْ» وقوله («إِنَّ الْأَبْرارَ) لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ») فى الخبريتين لفظا ومعنى الا انهما فى المثال الثانى متناسبان فى الاسمية بخلاف الاول (وقوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) فى الانشائيتين لفظا ومعنى واورد للاتفاق معنى فقط مثالا واحدا واشارة الى انه يمكن تطبيقه على قسمين من اقسامه الستة واعاد فيه لفظة الكاف تنبيها على انه مثال للاتفاق معنى فقط فقال (وكقوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنا) مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ،) فعطف قولوا على لا تعبدون مع اختلافهما لفظا لكونهما انشائيتين معنى لان قوله لا تعبدون اخبار فى معنى الانشاء (اى لا تعبدوا).

وقوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) لابد له من فعل فاما ان يقدر خبر فى معنى الطلب اى (وتحسنون بمعنى احسنوا) فتكون الجملتان خبرا ولفظا وانشاء معنى وفائدة تقدير الخبر.

ثم جعله بمعنى الانشاء اما لفظا فالملايمة مع قوله لا تعبدون واما معنى فالمبالغة باعتبار ان المخاطب كأنه سارع الى الامتثال فهو يخبر عنه كما تقول تذهب الى فلان وتقول له كذا تريد الامر (او) يقدر من اول الامر صريح الطلب على ما هو الظاهر اى (واحسنوا) بالوالدين احسانا فتكونان انشائيتين معنى مع ان لفظة الاولى اخبار ولفظة الثانية انشاء (والجامع بينهما) اى بين الجملتين (يجب ان يكون باعتبار المسند اليهما والمسندين جميعا) اى باعتبار المسند اليه فى الجملة الاولى والمسند اليه في الجملة الثانية وكذا باعتبار المسند فى الجملة الاولى والمسند في الجملة الثانية (نحو «يشعر زيد ويكتب») للمناسبة الظاهرة بين الشعر والكتابة وتقارنهما فى خيال اصحابهما (ويعطى) زيد (ويمنع) لتضاد الاعطاء والمنع.

هذا عند اتحاد المسند اليهما ، واما عند تغايرهما فلا بد من تناسبهما ايضا كما اشار اليه بقوله (زيد شاعر وعمرو كاتب وزيد طويل وعمرو قصير لمناسبة بينهما).

١٥٥

اى بين زيد وعمرو كالاخوة او الصداقة او العداوة او نحو ذلك وبالجملة يجب ان يكون احدهما مناسبا للاخر وملابسا له ملابسة لها نوع اختصاص بهما (بخلاف زيد كاتب وعمرو شاعر بدونها) اى بدون المناسبة بين زيد وعمرو فانه لا يصح وان اتحد المسندان ولهذا حكموا بامتناع نحو خفى ضيق وخاتمى ضيق (وبخلاف زيد شاعر وعمرو طويل مطلقا) اى سواء كان بين زيد وعمرو مناسبة او لم تكن لعدم تناسب الشعر وطول القامة (السكاكى) ذكر انه يجب ان يكون بين الجملتين ما يجمعهما عند القوة المفكرة جمعا من جهة العقل وهو الجامع العقلى او من جهة الوهم وهو الجامع الوهمى او من جهة الخيال وهو الجامع الخيالى.

والمراد بالعقلى القوة العاقلة المدركة للكليات وبالوهمى القوة المدركة للمعانى الجزئية الموجودة فى المحسوسات من غير ان تتأدى اليها من طرق الحواس كادراك الشاة معنى فى الذئب وبالخيال القوة التى تجتمع فيها صور المحسوسات وتبقى فيها بعد غيبوبتها عن الحس المشترك وهى القوة التى تتأدى اليها صور المحسوسات من طرق الحواس الظاهرة وبالمفكرة القوة التى من شانها التفصيل والتركيب بين الصور المأخوذة عن الحس المشترك والمعانى المدركة بالوهم بعضها مع بعض ونعنى بالصور ما يمكن ادراكها باحدى الحواس الظاهرة وبالمعانى ما لا يمكن ادراكها.

فقال السكاكى الجامع بين الجملتين اما عقلى وهو ان يكون بين الجملتين اتحاد فى تصور ما مثل الاتحاد فى المخبر عنه او فى المخبر به او فى قيد من قيودهما وهذا ظاهر فى ان المراد بالتصور الامر المتصور.

ولما كان مقررا عندهم انه لا يكفى فى عطف الجملتين وجود الجامع بين فردين من مفرداتهما باعتراف السكاكى ايضا غيّر المصنف عبارة السكاكى.

فقال (الجامع بين الشيئين اما عقلى) وهو امر بسببه يقتضى العقل اجتماعهما فى المفكرة وذلك (بان يكون بينهما اتحاد فى التصور او تماثل فان العقل بتجريده المثلين عن التشخص فى الخارج يرفع التعدد) بينهما فيصيران متحدين وذلك لان العقل يجرد الجزئى الحقيقى عن عوارضه المشخصة الخارجية وينتزع منه المعنى الكلى

١٥٦

فيدركه على ما تقرر فى موضعه وانما قال فى الخارج لانه لا يجرده عن المشخصات العقلية لان كل ما هو موجود فى العقل فلا بد له من تشخص عقلى به يمتاز عن سائر المعقولات.

وههنا بحث وهو ان التماثل هو الاتحاد فى النوع مثل اتحاد زيد وعمرو مثلا فى الانسانية واذا كان التماثل جامعا لم تتوقف صحة قولنا زيد كاتب وعمرو شاعر على اخوة زيد وعمرو او صداقتهما او نحو ذلك لانهما متماثلان لكونهما من افراد الانسان.

والجواب ان المراد بالتماثل ههنا هو اشتراكهما فى وصف له نوع اختصاص بهما على ما سيتضح فى باب التشبيه (او تضايف) وهو كون الشيئين بحيث لا يمكن تعقل كل منهما الا بالقياس الى تعقل الاخر (كما بين العلة والمعلول) فان كل امر يصدر عنه امر آخر بالاستقلال او بواسطة انضمام الغير اليه فهو علة والاخر معلول (او الاقل والاكثر) فان كل عدد يصير عند العدّ فانيا قبل عدد آخر فهو اقل من الاخر والاخر اكثر منه (او وهمى) وهو امر بسببه يحتال الوهم فى اجتماعهما عند المفكرة بخلاف العقل فانه اذا خلى ونفسه لم يحكم بذلك وذلك (بان يكون بين تصويرهما شبه تماثل كلونى بياض وصفرة فان الوهم يبرزهما فى معرض المثلين) من جهة انه يسبق الى الوهم انهما نوع واحد زيد فى احدهما عارض بخلاف العقل فانه يعرف انهما نوعان متباينان داخلان تحت جنس هو اللون (ولذلك) اى ولان الوهم يبرزهما فى معرض المثلين (حسن الجمع بين الثلاثة التى فى قوله :

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحى وابو اسحق والقمر»)

فان الوهم يتوهم ان الثلاثة من نوع واحد وانما اختلفت بالعوارض والعقل يعرف انها امور متباينة (او) يكون بين تصوريهما (تضاد) وهو التقابل بين امرين وجوديين يتعاقبان على محل واحد (كالسواد والبياض) فى المحسوسات (الايمان والكفر) فى المعقولات والحق ان بينهما تقابل العدم والملكة لان الايمان هو تصديق النبى عليه الصلاة والسلام فى جميع ما علم مجيئه به بالضرورة اعنى قبول النفس

١٥٧

لذلك والاذعان له على ما هو تفسير التصديق فى المنطق عند المحققين مع الاقرار به باللسان والكفر عدم الايمان عما من شانه الايمان.

وقد يقال الكفر انكار شىء من ذلك فيكون وجوديا فيكونان متضادين (وما يتصف بها) اى بالمذكورات كالاسود والابيض والمؤمن والكافر وامثال ذلك فانه قد يعد من المتضادين باعتبار الاشتمال على الوصفين المتضادين (او شبه تضاد كالسماء والارض) فى المحسوسات فانهما وجوديان احدهما فى غاية الارتفاع والاخر فى غاية الانحطاط ، وهذا معنى شبه التضاد وليسا متضادين لعدم تواردهما على المحل لكونهما من الاجسام دون الاعراض ولا من قبيل الاسود والابيض لان الوصفين المتضادين ههنا ليسا بداخلين فى مفهومى السماء والارض.

(والاول والثانى) فيما يعم المحسوسات والمعقولات فان الاول هو اللذى يكون سابقا على الغير ولا يكون مسبوقا بالغير والثانى هو الذى يكون مسبوقا بواحد فقط فاشبها المتضادين باعتبار اشتمالهما على وصفين لا يمكن اجتماعهما ولم يجعلا متضادين كالاسود والابيض لانه قد يشترط فى المتضادين ان يكون بينهما غاية الخلاف.

ولا يخفى ان مخالفة الثالث والرابع وغيرهما للاول اكثر من مخالفة الثانى له مع ان العدم معتبر فى مفهوم الاول فلا يكون وجوديا (فانه) اى انما يجعل التضاد وشبهه جامعا وهميا لان الوهم (ينزلهما منزلة التضائف) فى انه لا يحضره احد المتضادين او الشبيهين بهما الا ويحضره الآخر (ولذلك تجد الضد اقرب خطورا بالبال مع الضد) من المغايرات الغير المتضادة يعنى ان ذلك مبنى على حكم الوهم والا فالعقل يتعقل كلا منهما ذاهلا عن الآخر (او خيالى) وهو امر بسببه يقتضى الخيال اجتماعهما فى المفكرة وذلك (بان يكون بين تصوريهما تقارن فى الخيال سابق) على العطف لاسباب مؤدية الى ذلك (واسبابه) اى واسباب التقارن فى الخيال (مختلفة ولذلك اختلفت الصور الثابتة فى الخيالات ترتيبا ووضوحا) فكم من صور لا انفكاك بينها فى خيال وهى فى خيال آخر مما لا تجتمع اصلا وكم من صور لا تغيب

١٥٨

عن خيال وهى فى خيال آخر مما لا تقع قط.

(ولصاحب علم المعانى فضل احتياج الى معرفة الجامع) لان معظم ابوابه الفصل والوصل وهو مبنى على الجامع (لا سيما) الجامع (الخيالى فان جمعه على مجرى الالف والعادة) بحسب انعقاد الاسباب فى اثبات الصور فى خزانة الخيال وبيان الاسباب مما يفوته الحصر.

فظهر ان ليس المراد بالجامع العقلى ما يدرك بالعقل وبالوهمى ما يدرك بالوهم وبالخيالى ما يدرك بالخيال لان التضاد وشبهه ليسا من المعانى التى يدركها الوهم وكذا التقارن فى الخيال ليس من الصور التى تجتمع فى الخيال بل جميع ذلك معان معقولة وقد خفى هذا على كثير من الناس فاعترضوا بان السواد والبياض مثلا من المحسوسات دون الوهميات.

واجابوا بان الجامع كون كل منهما متضادا للآخر وهذا معنى جزئى لا يدركه الا الوهم.

وفيه نظر لانه ممنوع وان ارادوا ان تضاد هذا السواد لهذا البياض معنى جزئى فتماثل هذا مع ذلك وتضائفه معه ايضا معنى جزئى فلا تفاوت بين التماثل والتضائف وشبههما فى انهما ان اضيفت الى الكليات كانت كليات وان اضيفت الى الجزئيات كانت جزئيات فكيف يصح جعل بعضها علي الاطلاق عقليا وبعضها وهميا.

ثم ان الجامع الخيالى هو تقارن الصور فى الخيال وظاهر انه ليس بصورة ترتسم فى الخيال بل هو من المعانى.

فان قلت كلام المفتاح مشعر بانه يكفى لصحة العطف وجود الجامع بين الجملتين باعتبار مفرد من مفرداتهما وهو نفسه معترف بفساد ذلك حيث منع صحة نحو خفى ضيق وخاتمى ضيق ونحو الشمس مرارة الارنب والف باذنجانة محدثة.

قلت كلامه ههنا ليس الا فى بيان الجامع بين الجملتين واما ان اى قدر من الجامع يجب لصحة العطف فمفوض الى موضع آخر.

وصرح فيه باشتراط المناسبة بين المسندين والمسند اليهما جميعا والمصنف لما

١٥٩

اعتقد ان كلامه فى بيان الجامع سهو منه واراد اصلاحه غيّره الى ما ترى فذكر مكان الجملتين الشيئين ومكان قوله اتحاد فى تصور ما ـ اتحاد فى التصور فوقع الخلل فى قوله الوهمى ان يكون بين تصوريهما شبه تماثل او تضاد او شبه تضاد والخيالى ان يكون بين تصوريهما تقارن فى الخيال لان التضاد مثلا انما هو بين نفس السواد والبياض لا بين تصوريهما اعنى العلم بهما وكذا التقارن فى الخيال انما هو بين نفس الصور.

فلا بد من تأويل كلام المصنف وحمله على ما ذكره السكاكى بان يراد بالشيئين الجملتان وبالتصور مفرد من مفردات الجملة مع ان ظاهر عبارته يأبى ذلك ولبحث الجامع زيادة تفصيل وتحقيق اوردناها فى الشرح وانه من المباحث التى ما وجدنا احدا حام حول تحقيقها.

(ومن محسنات الوصل) بعد وجود المصحح (تناسب الجملتين فى الاسمية والفعلية و) تناسب (الفعليتين فى المضى والمضارعة).

فاذا اردت مجرد الاخبار من غير تعرض للتجدد فى احديهما والثبوت فى الاخرى قلت قام زيد وقعد عمرو وكذلك زيد قائم وعمرو قاعد (الا لمانع) مثل ان يراد فى احديهما التجدد وفى الاخرى الثبوت فيقال قام زيد وعمرو قاعد او يراد فى احديهما المضى وفى الاخرى المضارعة فيقال زيد قام وعمرو يعقد او يراد فى احديهما الاطلاق وفى الاخرى التقييد بالشرط كقوله تعالى (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ، ومنه قوله تعالى (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فعندى ان قوله (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) عطف على الشرطية قبلها لا على الجزاء اعنى قوله (لا يَسْتَأْخِرُونَ) اذ لا معنى لقولنا اذا جاء اجلهم لا يستقدمون.

تذنيب

هو جعل الشىء ذنابة للشىء شبه به ذكر بحث الجملة الحالية وكونها بالواو تارة وبدونها اخرى عقيب بحث الفصل والوصل لمكان التناسب (اصل الحال

١٦٠