مختصر المعاني

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]

مختصر المعاني

المؤلف:

مسعود بن عمر بن عبدالله [ سعد الدين التفتازاني ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات دار الفكر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

اى ذلك الغير (هو الاولى بحاله او المهم له كقوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)) سألوا عن سبب اختلاف القمر فى زيادة النور ونقصانه ،

فاجيبوا ببيان الغرض من هذا الاختلاف وهو ان الاهلة بحسب ذلك الاختلاف معالم يوّقت بها الناس امورهم من المزارع والمتاجر ومحال الديون والصوم وغير ذلك ومعالم للحج يعرف بها وقته.

وذلك للتنبيه على ان الاولى والاليق بحالهم ان يسألوا عن ذلك لانهم ليسوا ممن يطلعون بسهولة على دقائق علم الهيئة ولا يتعلق لهم به غرض (وكقوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) سألوا عن بيان ماذا ينفقون فاجيبوا ببيان المصارف تنبيها على ان المهم هو السؤال عنها لان النفقة لا يعتد بها الا ان تقع موقعها.

(ومنه) اى من خلاف مقتضى الظاهر (التعبير عن) المعنى (المستقبل بلفظ الماضى تنبيها على تحقق وقوعه نحو قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)) بمعنى يصعق.

(ومثله) التعبير عن المقصود المستقبل بلفظ اسم الفاعل كقوله تعالى (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) مكان يقع (ونحوه) التعبير عن المستقبل بلفظ اسم المفعول كقوله تعالى (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) مكان يجمع وههنا بحث وهو ان كلا من اسمى الفاعل والمفعول قد يكون بمعنى الاستقبال وان لم يكن ذلك بحسب اصل الوضع فيكون كل منهما ههنا واقعا في موقعه واردا على حسب مقتضى الظاهر.

والجواب ان كلا منهما حقيقة فيما تحقق فيه وقوع الوصف وقد استعمل ههنا فيما لم يتحقق مجازا تنبيها على تحقق وقوعه.

(ومنه) اى من خلاف مقتضى الظاهر (القلب) وهو ان يجعل احد اجزاء الكلام مكان الاخر والاخر مكانه (عرضت الناقة على الحوض) اى اظهرته عليها لتشرب (وقبله) اى القلب (السكاكي مطلقا) وقال انه مما يورث الكلام ملاحة.

(وردّه غيره) اى غير السكاكي (مطلقا) لانه عكس المطلوب ونقيض

٨١

المقصود (والحق انه ان تضمن اعتبارا لطيفا) غير الملاحة التى اورثها نفس القلب (قبل كقوله «ومهمه) اى مفازة (مغبرة اى مملوة بالغبرة ارجاؤه ،) اى اطرافه ونواحيه جمع الرجى مقصورا (كان لون ارضه سماؤه») على حذف المضاف (اى لونها) يعنى لون السماء فالمصراع الاخير من باب القلب والمعنى كأن لون سمائه لغبرتها لون ارضه.

والاعتبار اللطيف هو المبالغة فى وصف لون السماء بالغبرة حتى كأنه صار بحيث يشبه به لون الارض فى ذلك مع ان الارض اصل فيه (والا) اى وان لم يتضمن اعتبارا لطيفا (ردّ) لانه عدول عن مقتضى الظاهر من غير نكتة يعتد بها (كقوله) فلما ان جرى سمن عليها (كما طينت بالفدن) اي بالقصر (السياعا) اي الطين بالتبن والمعنى كما طينت الفدن بالسياع يقال طينت السطح والبيت.

ولقائل ان يقول : انه يتضمن من المبالغة فى وصف الناقة بالسمن مالا يتضمنه قوله كما طينت الفدن بالسياع لا يهامه ان السياع قد بلغ مبلغا من العظم والكثرة الى ان صار بمنزلة الاصل والفدن بالنسبة اليه كالسياع بالنسبة الى الفدن.

٨٢

الباب الثالث

احوال المسند

(اما تركه فلما مر) فى حذف المسند اليه (كقوله) :

 «ومن يك امسى بالمدينة رحله

(فانى وقيار بها لغريب»)

الرحل هو المنزل والمأوى ، وقيار اسم فرس او جمل للشاعر وهو ضابى ، ابن الحارث كذا فى الصحاح ، ولفظ البيت خبر ومعناه التحسر والتوجع فالمسند الى قيار محذوف لقصد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر مع ضيق المقام بسبب التوجع ومحافظة الوزن.

ولا يجوز ان يكون قيار عطفا على محل اسم ان وغريب خبرا عنهما لامتناع العطف على محل اسم ان قبل مضى الخبر لفظا او تقديرا واما اذا قدرنا له خبرا محذوفا فيجوز ان يكون هو عطفا على محل اسم ان لان الخبر مقدم تقديرا فلا يكون مثل ان زيدا وعمرو ذاهبان بل مثل ان زيدا وعمرو لذاهب وهو جائز ويجوز ان يكون مبتدأ والمحذوف خبره والجملة باسرها عطف على جملة انّ مع اسمها وخبرها (وكقوله

 «نحن بما عندنا وانت بما

عندك راض والرأى مختلف»)

فقوله : نحن مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا ، اى نحن بما عندنا راضون ، فالمحذوف ههنا هو خبر الاول بقرينة الثانى وفى البيت السابق بالعكس (وقولك : زيد منطلق وعمرو) اى وعمرو منطلق فحذف للاحتراز عن العبث من غير ضيق المقام (وقولك خرجت فاذا زيد) اى موجود او حاضر او واقف او ما اشبه ذلك فحذف لما مر مع اتباع الاستعمال ، لان اذا المفاجأة تدل على مطلق الوجود.

وقد ينضم اليها قرائن تدل على نوع ، خصوصية كلفظ الخروج المشعر بان

٨٣

المراد فاذا زيد بالباب حاضر او نحو ذلك (وقوله

 «ان محلا وان مرتحلا

وان فى السفر اذا مضوا مهلا»

(اى) ان (لنا فى الدنيا) حلولا (و) ان (لنا عنها) الى الاخرة (ارتحالا).

والمسافرون قد توغلوا فى المضى لا رجوع لهم ، ونحن على اثرهم عن قريب ، فحذف المسند الذى هو ظرف قطعا لقصد الاختصار والعدول الى اقوى الدليلين ، اعنى العقل ولضيق المقام ، اعنى المحافظة على الشعر ولأتباع الاستعمال لاطراد الحذف فى مثل ان مالا وان ولدا وقد وضع سيبويه فى كتابه لهذا بابا فقال هذا باب ان مالا وان ولدا وقوله تعالى (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي).

فقوله انتم ليس بمبتدأ لان لو انما تدخل على الفعل بل هو فاعل فعل محذوف ، والاصل لو تملكون انتم تملكون فحذف الفعل الاول احترازا عن العبث لوجود المفسر ثم ابدل من الضمير المتصل ضمير منفصل على ما هو القانون عند حذف العامل فالمسند المحذوف ههنا فعل وفيما سبق اسم او جملة.

وقوله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ*) يحتمل الامرين) حذف المسند او المسند اليه (اى) فصبر جميل (اجمل او فامرى صبر جميل) ففى الحذف تكثير للفائدة بامكان حمل الكلام على كل من المعنيين بخلاف ما لو ذكر فانه يكون نصا فى احدهما.

(ولا بد) للحذف (من قرينة) دالة عليه ليفهم منه المعنى (كوقوع الكلام جوابا لسؤال محقق نحو (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ*)) اى خلقهن الله فحذف المسند لان هذا الكلام عند تحقق ما فرض من الشرط والجزاء يكون جوابا عن سؤال محقق والدليل على ان المرفوع فاعل والمحذوف فعله انه جاء عند عدم الحذف كذلك كقوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ،) وكقوله تعالى (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ.)

(او مقدر) عطف على محقق (نحو) قول ضرار بن نهشل يرثى يزيد بن نهشل (وليبك يزيد) كانه قيل من يبكيه فقال (ضارع) اى يبكيه ضارع اى ذليل

٨٤

(لخصومة) لانه كان ملجأ للاذلاء وعونا للضعفاء تمامه «ومختبط مما تطيح الطوائح».

والمختبط : هو الذى يأتى اليك للمعروف من غير وسيلة تطيح من الاطاحة وهى الاذهاب والاهلاك والطوائح جمع مطيحة على غير القياس كلواقح جمع ملقحة ومما يتعلق بمختبط وما مصدرية اى سائل يسئل من اجل اذهاب الوقائع ماله او بيبكى المقدر اى يبكى لاجل اهلاك المنايا يزيد.

(وفضله) اى رجحانه نحو ليبك يزيدا ضارع مبنيا للمفعول (على خلافه) يعنى ليبك يزيد ضارع مبنيا للفاعل ناصبا ليزيد ورافعا لضارع (بتكرر الاسناد) بان اجمل اولا (اجمالا ثم) فصل ثانيا (تفصيلا) اما التفصيل فظاهر.

واما الاجمال فلانه لما قيل : ليبك علم ان هناك باكيا يسند اليه هذا البكاء لان المسند الى المفعول لابد له من فاعل محذوف اقيم المفعول مقامه ولا شك ان المتكرر آكد واقوى وان الاجمال ثم التفصيل اوقع فى النفس (وبوقوع نحو يزيد غير فضلة) لكونه مسندا اليه لا مفعولا كما فى خلافه (وبكون معرفة الفاعل كحصول نعمة غير مترقبة لان اول الكلام غير مطمع فى ذكره) اى ذكر الفاعل لاسناد الفعل وتمام الكلام به بخلاف ما اذا بنى للفاعل فانه مطمع فى ذكر الفاعل اذ لا بد للفعل من شىء يسند هو اليه.

(واما ذكره) اى ذكر المسند (فلما مر) فى ذكر المسند اليه من كون الذكر هو الاصل مع عدم المقتضى للعدول ومن الاحتياط لضعف التعويل على القرينة مثل (خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).

ومن التعريض بغباوة السامع نحو محمد نبينا صلّى الله عليه وآله وسلم فى جواب من قال من نبيكم وغير ذلك (او) لاجل (ان يتعين) بذكر المسند (كونه اسما) فيفيد الثبوت والدوام (او فعلا) فيفيد التجدد والحدوث.

(واما افراده) اى جعل المسند غير جملة (فلكونه غير سببى مع عدم افادة تقوى الحكم) اذ لو كان سببيا نحو زيد قام ابوه او مفيدا للتقوى نحو زيد قام فهو جملة قطعا.

٨٥

واما نحو زيد قائم فليس بمفيد للتقوى بل هو قريب من زيد قام فى ذلك.

وقوله : مع عدم افادة التقوى معناه مع عدم افادة نفس التركيب تقوى الحكم فيخرج ما يفيد التقوى بحسب التكرير نحو عرفت عرفت او بحرف التأكيد نحو ان زيدا عارف او تقول ان تقوى الحكم فى الاصطلاح هو تأكيده بالطريق المخصوص نحو زيد قائم.

فان قلت : المسند قد يكون غير سببى ولا مفيد للتقوى ومع هذا لا يكون مفردا كقولنا انا سعيت فى حاجتك ورجل جاءنى وما انا فعلت هذا عند قصد التخصيص.

قلت : سلمنا ان ليس القصد فى هذا الصور الى التقوى.

لكن لا نسلم انها لا تفيد التقوى ضرورة حصول تكرار الاسناد الموجب للتقوى ولو سلم فالمراد ان افراد المسند يكون لاجل هذا المعنى ولا يلزم منه تحقق الافراد فى جميع صور تحقق هذا المعنى.

ثم السببى والفعلى ، من اصطلاحات صاحب المفتاح ، حيث سمى فى قسم النحو الوصف بحال الشىء نحو رجل كريم وصفا فعليا ، والوصف بحال ما هو من سببه نحو رجل كريم ابوه وصفا سببيا ، وسمى فى علم المعانى المسند فى نحو زيد قام مسندا فعليا وفى نحو زيد قام ابوه مسندا سببيا وفسرهما بما لا يخلو عن صعوبة وانغلاق ،

فلهذا اكتفى المصنف فى بيان المسند السببى بالمثال.

وقال : (والمراد بالسببى نحو زيد ابوه منطلق) وكذا زيد انطلق ابوه.

ويمكن ان يفسر المسند السببى بجملة علقت على مبتدأ بعائد لا يكون مسندا اليه في تلك الجملة فيخرج عنه المسند في نحو زيد منطلق ابوه لانه مفرد وفي نحو (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) لان تعليقها على المبتدأ ليس بعائد وفي نحو زيد قام وزيد هو قائم لان العائد فيهما مسند اليه ودخل فيه نحو زيد ابوه قائم وزيد قام ابوه وزيد مررت به وزيد ضرب عمروا في داره وزيد ضربته ونحو ذلك من الجمل التى وقعت

٨٦

خبر مبتدأ ولا تفيد التقوى.

والعمدة في ذلك تتبع كلام السكاكي لانا لم نجد هذا الاصطلاح لمن قبله.

(واما كونه) اي المسند (فعلا فللتقييد) اي تقييد المسند (باحد الازمنة الثلاثة) اعني الماضي وهو الزمان الذي قبل زمانك الذي انت فيه والمستقبل وهو الزمان الذي يترقب وجوده بعد هذا الزمان والحال وهو اجزاء من اواخر الماضي واوائل المستقبل متعاقبة من غير مهلة وتراخ وهذا امر عرفي.

وذلك لان الفعل دال بصيغته على احد الازمنة الثلاثة من غير احتياج الى قرينة تدل على ذلك بخلاف الاسم فانه انما يدل عليه بقرينة خارجية كقولنا زيد قائم الان او امس او غدا ولهذا قال (على اخصر وجه).

ولما كان التجدد لازما للزمان لكونه كما غير قار الذات اي لا يجتمع اجزائه في الوجود والزمان جزء من مفهوم الفعل ، كان الفعل مع افادته التقييد باحد الازمنة الثالثة مفيدا للتجدد واليه اشار بقوله (مع افادة التجدد كقوله) اي كقول ظريف بن تميم (او كلما وردت عكاظ) هو متسوق للعرب كانوا يجتمعون فيه فيتناشدون ويتفاخرون وكانت فيه وقايع (قبيلة بعثوا الى عريفهم) عريف القوم القيم بامرهم الذي شهر وعرف بذلك (يتوسم) اي يصدر عنه تفرس الوجوه وتأملها شيئا فشيئا ولحظة فلحظة.

(واما كونه) اي المسند (اسما فلافادة عدمهما) اي عدم التقييد المذكور وافادة التجدد يعني لافادة الدوام والثبوت لاغراض تتعلق بذلك (كقوله «لا يألف الدرهم المضروب صرتنا») وهو ما يجتمع فيه الدراهم (لكن يمر عليها وهو منطلق») يعنى ان الانطلاق من الصرة ثابت للدرهم دائما.

قال الشيخ عبد القاهر : موضوع الاسم على ان يثبت به الشيء للشيء ، من غير اقتضاء انه يتجدد ويحدث شيئا فشيئا ، فلا تعرض في زيد منطلق لاكثر من اثبات الانطلاق فعلا له كما في زيد طويل وعمرو قصير.

(واما تقييد الفعل) وما يشبهه من اسم الفاعل والمفعول وغيرهما (بمفعول)

٨٧

مطلق او به او فيه او له او معه (ونحوه) من الحال والتمييز والاستثناء (فلتربية الفائدة) لان الحكم كلما زاد خصوصا زاد غرابة وكلما زاد غرابة زاد افادة.

كما يظهر بالنظر الى قولنا شيء ما موجود وفلان بن فلان حفظ التوراة سنة كذا في بلد كذا ولما استشعر سؤالا وهو ان خبر كان من مشبهات المفعول والتقييد به ليس لتربية الفائدة بدونه اشار الى جوابه بقوله (والمقيد في نحو كان زيد منطلقا هو منطلقا لا كان) لان منطلقا هو نفس المسند وكان قيد له للدلالة على زمان النسبة كما اذا قلت زيد منطلق في الزمان الماضي.

(واما تركه) اي ترك التقييد (فلما نع منها) اي من تربيه الفائدة ، مثل خوف انقضاء المدة والفرصة او ارادة ان لا يطلع الحاضرون على زمان الفعل او مكانه او مفعوله او عدم العلم بالمقيدات او نحو ذلك.

(واما تقييده) اي الفعل (بالشرط) ، مثل اكرمك ان تكرمنى وان تكرمني اكرمك (فلاعتبارات) شتى وحالات تقتضى تقييده به (لا تعرف الا بمعرفة ما بين ادواته) يعني حروف الشرط واسمائه (من التفصيل وقد بين ذلك) اي التفصيل (في علم النحو).

وفي هذا الكلام اشارة الى ان الشرط في عرف اهل العربية قيد لحكم الجزاء مثل المفعول ونحوه فقولك ان جئتني اكرمك بمنزلة قولك اكرمك وقت مجيئك اياى ولا يخرج الكلام بهذا القيد عما كان عليه من الخبرية والانشائية بل ان كان الجزاء خبرا فالجملة الشرطية خبرية نحو ان جئتني اكرمك وان كان انشائيا فانشائية نحو ان جاءك زيد فاكرمه.

واما نفس الشرط ، فقد اخرجته الاداة عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب وما يقال من ان كلا من الشرط والجزاء خارج عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب وانما الخبر هو مجموع الشرط والجزاء المحكوم فيه بلزوم الثانى للاول فانما هو باعتبار المنطقيين فمفهوم قولنا كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود باعتبار اهل العربية الحكم بوجود النهار فى كل وقت من اوقات طلوع الشمس فالمحكوم عليه هو النهار

٨٨

والمحكوم به هو الموجود.

وباعتبار المنطقيين الحكم بلزوم وجود النهار لطلوع الشمس فالمحكوم عليه طلوع الشمس والمحكوم به وجود النهار فكم من فرق بين الاعتبارين.

(ولكن لابد من النظر ههنا فى ان واذا ولو) لان فيها ابحاثا كثيرة لم يتعرض لها فى علم النحو (فان واذا للشرط فى الاستقبال لكن اصل ان عدم الجزم بوقوع الشرط) فلا يقع في كلام الله تعالى على الاصل الاحكاية او على ضرب من التأويل (واصل اذا الجزم) بوقوعه فان واذا يشتركان فى الاستقبال بخلاف لو ويفترقان بالجزم بالوقوع وعدم الجزم به واما عدم الجزم بلا وقوع الشرط فلم يتعرض له لكونه مشتركا بين اذا وان والمقصود بيان وجه الافتراق.

(ولذلك) اى ولان اصل ان عدم الجزم بالوقوع (كان) الحكم (النادر) لكونه غير مقطوع به فى الغالب (موقعا لان و) لان اصل اذا الجزم بالوقوع (غلب لفظ الماضى) لدلالته على الوقوع قطعا نظرا الى نفس اللفظ وان نقل ههنا الى معنى الاستقبال (مع اذا نحو (فَإِذا جاءَتْهُمُ)) اى قوم موسى (الْحَسَنَةُ) كالخصب والرخاء (قالُوا لَنا هذِهِ) اى هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) اى جدب وبلاء (يَطَّيَّرُوا) اى يتشأموا (بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) من المؤمنين جىء فى جانب الحسنة بلفظ الماضى مع اذا (لان المراد بالحسنة الحسنة المطلقة) التى حصولها مقطوع به.

(ولهذا عرفت) الحسنة (تعريف الجنس) اى الحقيقة لان وقوع الجنس كالواجب لكثرته واتساعه لتحققه فى كل نوع بخلاف النوع وجىء فى جانب السيئة بلفظ المضارع مع ان لما ذكره بقوله (والسيئة نادرة بالنسبة اليها) اى الى الحسنة المطلقة (ولهذا نكّرت) السيئة ليدل على التقليل (وقد تستعمل ان فى) مقام (الجزم) بوقوع الشرط (تجاهلا) ، كما اذا سئل العبد عن سيده هل هو فى الدار وهو يعلم انه فيها ، فيقول : ان كان فيها اخبرك يتجاهل خوفا من السيد (او لعدم جزم المخاطب) بوقوع الشرط فيجرى الكلام على سنن اعتقاده (كقولك لمن يكذبك ان صدقت

٨٩

فما ذا تفعل) مع علمك بانك صادق.

(او تنزيله) اى لتنزيل المخاطب العالم بوقوع الشرط (منزلة الجاهل لمخالفته مقتضى العلم) كقولك لمن يؤذى اباه ان كان اباك فلا تؤذه.

(او التوبيخ) اى لتعبير المخاطب على الشرط (وتصوير ان المقام لاشتماله على ما يقلع الشرط عن اصله لا يصلح الا لفرضه) اى فرض الشرط (كما يفرض المحال) لغرض من الاغراض (نحو (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ)) اى انهملكم فنضرب عنكم القرآن.

وما فيه من الامر والنهى والوعد والوعيد (صفحا) اى اعراضا او للاعراض او معرضين (ان كنتم قوما مسرفين فيمن قرأ ان بالكسر) فكونهم مسرفين امر مقطوع به لكن جىء بلفظ ان لقصد التوبيخ.

وتصوير ان الاسراف من العاقل فى هذا المقام يجب ان لا يكون الا على سبيل الفرض والتقدير كالمحالات لاشتمال المقام على الايات الدالة على ان الاسراف مما لا ينبغي ان يصدر عن العاقل اصلا فهو بمنزلة المحال وان كان مقطوعا ، بعدم وقوعه لكنهم يستعملون فيه ان لتنزيله منزلة ما لا قطع بعدمه على سبيل المساهلة وارخاء العنان لقصد التبكيت كما فى قوله تعالى (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ.)

(او تغليب غير المتصف به) اى بالشرط (على المتصف به) كما اذا كان القيام قطعى الحصول لزيد غير قطعى لعمرو فنقول ان قمتما كان كذا (وقوله تعالى للمخاطبين المرتابين (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا ،) يحتملهما) اى يحتمل ان يكون للتوبيخ والتصوير المذكور وان يكون لتغليب غير المرتابين على المرتابين لانه كان فى المخاطبين من يعرف الحق وانما ينكر عنادا فجعل الجميع كأنه لا ارتياب لهم.

وههنا بحث ، وهو : انه اذا جعل الجميع بمنزلة غير المرتابين كان الشرط قطعى اللاوقوع فلا يصح استعمال ان فيه كما اذا كان قطعى الوقوع لانها انما تستعمل فى المعانى المحتملة المشكوكة وليس المعنى ههنا على حدوث الارتياب فى المستقبل.

ولهذا زعم الكوفيون انّ ان ههنا بمعنى اذ ونص المبرد والزجاج على انّ ان لا

٩٠

تغلب كان على معنى الاستقبال لقوة دلالته على المضى فمجرد التغليب لا يصحح استعمال ان ههنا بل لا بد من ان يقال لما غلب صار الجميع بمنزلة غير المرتابين فصار الشرط قطعى الانتفاء فاستعمل فيه ان على سبيل الفرض والتقدير للتبكيت والالزام كقوله تعالى (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) ، و (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ).

(والتغليب) باب واسع (يجرى فى فنون كثيرة كقوله تعالى (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)) غلب الذكر على الانثى بان اجرى الصفة المشتركة بينهما على طريقة اجرائها على الذكور خاصة فان القنوت مما يوصف به الذكور والاناث لكن لفظ قانتين انما يجرى على الذكور فقط (و) نحو (قوله تعالى (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) غلب جانب المعنى على جانب اللفظ لان القياس يجهلون بياء الغيبة لان الضمير عائد الى قوم ولفظه لفظ الغائب لكونه اسما مظهرا لكنه فى المعنى عبارة عن المخاطبين فغلب جانب الخطاب على جانب الغيبة.

(ومنه) اى ومن التغليب (ابوان) للاب والام (ونحوه) كالعمرين لابي بكر وعمر رضى الله عنهما والقمرين للشمس والقمر ، وذلك بان يغلب احد المتصاحبين او المتشابهين على الاخر بان يجعل الاخر متفقا له فى الاسم ثم يثنى ذلك الاسم ويقصد اللفظ اليهما جميعا فمثل ابوان ليس من قبيل قوله تعالى (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) كما توهمه بعضهم لان الابوة ليست صفة مشتركة بينهما كالقنوت.

فالحاصل ان مخالفة الظاهر فى مثل القانتين من جهة الهيئة والصيغة وفي مثل ابوان من جهة المادة وجوهر اللفظ بالكلية (ولكونهما) اى ان واذا (لتعليق امر) هو حصول مضمون الجزاء (بغيره) يعنى حصول مضمون الشرط (فى الاستقبال) متعلق بغيره على معنى انه يجعل حصول الجزاء مترتبا ومعلقا على حصول الشرط فى الاستقبال ولا يجوز ان يتعلق بتعليق امر لان التعليق انما هو في زمان التكلم لا في الاستقبال الا ترى انك اذا قلت ان دخلت الدار فانت حر فقد علقت في هذه الحال حريته على دخول الدار في الاستقبال (كان كلّ من جملتي كلّ) من ان واذا يعني

٩١

الشرط والجزاء (فعلية استقبالية).

اما الشرط فلانه مفروض الحصول فى الاستقبال فيمتنع ثبوته ومضيه.

واما الجزاء ، فلان حصوله معلق على حصول الشرط فى الاستقبال ويمتنع تعليق حصول الحاصل الثابت على حصول ما يحصل فى المستقبل (ولا يخالف ذلك لفظا الا لنكتة) لامتناع مخالفة مقتضى الظاهر من غير فائدة.

وقوله لفظا : اشارة الى ان الجملتين وان جعلت كلتاهما او احديهما اسمية او فعلية ما ضوية فالمعنى على الاستقبال حتى ان قولنا ان اكرمتنى الان فقد اكرمتك امس معناه ان تعتد باكرامك اياى الان فاعتد باكرامى اياك امس.

وقد تستعمل ان فى غير الاستقبال قياسا مطردا مع كان نحو (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) ، كما مر وكذا اذا جىء بها فى مقام التأكيد بعد واو الحال لمجرد الوصل والربط دون الشرط نحو زيد وان كثر ماله بخيل وعمر وان اعطى جاها لئيم.

وفى غير ذلك قليلا كقوله :

فيا وطنى ان فاتنى بك سابق

من الدهر فلينعم لساكنك البال

ثم اشار الى تفصيل النكتة الداعية الى العدول عن لفظ الفعل المستقبل بقوله (كابر از غير الحاصل فى معرض الحاصل لقوة الاسباب) المتأخذة فى حصوله نحو ان اشتريت كان كذا حال انعقاد اسباب الاشتراء (او كون ما هو مقطوع الوقوع كالواقع) هذا عطف على قوة الاسباب وكذا المعطوفات بعد ذلك باو لانها كلها علل لابراز غير الحاصل فى معرض الحاصل على ما اشار اليه فى اظهار الرغبة.

ومن زعم انها كلها عطف على ابراز غير الحاصل فى معرض الحاصل فقدسها سهوا بينا.

(او التفاؤل او اظهار الرغبة فى وقوعه) اى وقوع الشرط (نحو ان ظفرت بحسن العاقبة) فهو المرام هذا يصلح مثالا للتفاؤل ولاظهار الرغبة ولما كان اقتضاء اظهار الرغبة ابراز غير الحاصل فى معرض الحاصل يحتاج الى بيان ما اشار اليه بقوله

٩٢

(فان الطالب اذا عظمت رغبته فى حصول امر يكثر تصوره) اى الطالب (اياه) اى ذلك الامر (فربما يخيّل) اى ذلك الامر (اليه حاصلا) فيعبر عنه بلفظ الماضى (وعليه) اى على استعمال الماضى مع ان لاظهار الرغبة فى الوقوع ورد قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) (ان اردن تحصنا) حيث لم يقل ان يردن.

فان قيل تعليق النهى عن الاكراه بارادتهن التحصن يشعر بجواز الاكراه عند انتفائها على ما هو مقتضى التعليق بالشرط ، اجيب بان القائلين بان التقييد بالشرط يدل على نفى الحكم عند انتفائه انما يقولون به اذا لم يظهر للشرط فائدة اخرى ويجوز ان يكون فائدته فى الاية ، المبالغة فى النهى عن الاكراه يعنى انهن اذا اردن العفة فالمولى احق بارادتها وايضا دلالة الشرط على انتفاء الحكم انما هو بحسب الظاهر والاجماع القاطع على حرمة الاكراه مطلقا قد عارضه والظاهر يدفع بالقاطع (قال السكاكى او للتعريض) اى ابراز غير الحاصل فى معرض الحاصل.

اما لما ذكر واما للتعريض بان ينسب الفعل الى واحد والمراد غيره (نحو) قوله تعالى (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)) فالمخاطب هو النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وعدم اشراكه مقطوع به ، لكن جىء بلفظ الماضى ابرازا للاشراك الغير الحاصل فى معرض الحاصل على سبيل الفرض والتقدير تعريضا لمن صدر عنهم الاشراك بانه قد حبطت اعمالهم كما اذا شتمك احد فتقول والله ان شتمنى الامير لاضربنّه ،

ولا يخفى عليك انه لا معنى للتعريض لمن لم يصدر عنهم الاشراك وان ذكر المضارع لا يفيد التعريض لكونه على اصله ولما كان فى هذا الكلام نوع خفاء وضعف نسبه الى السكاكى والا فهو قد ذكر جميع ما تقدم ثم قال.

(ونظيره) اى نظير لئن اشركت ، (فى التعريض) لا فى استعمال الماضى مقام المضارع فى الشرط للتعريض قوله تعالى («وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ،) اى وما لكم لا تعبدون الذى فطركم بدليل (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»)) اذ لو لا التعريض لكان المناسب ان يقال واليه ارجع على ما هو الموافق للسياق (ووجه حسنه) اى حسن هذا

٩٣

التعريض (اسماع) المتكلم (المخاطبين) الذين هم اعداؤه (الحق) هو المفعول الثانى للاسماع (على وجه لا يزيد) ذلك الوجه (غضبهم وهو) اى ذلك الوجه (ترك التصريح بنسبتهم الى الباطل ويعين) عطف على يزيد.

وليس هذا فى كلام السكاكى اى على وجه يعين (على قبوله) اى قبول الحق (لكونه) اي لكون ذلك الوجه (ادخل في امحاض النصح لهم حيث لا يريد) المتكلم (لهم الا ما يريد لنفسه ولو للشرط) اي لتعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشرط فرضا (في الماضي مع القطع بانتفاء الشرط) فيلزم انتفاء الجزاء كما تقول لو جئتني لاكرمتك معلقا الاكرام بالمجىء مع القطع بانتفائه فيلزم انتفاء الاكرام فهي لامتناع الثاني اعني الجزاء لامتناع الاول اعني الشرط يعني ان الجزاء منتف بسبب انتفاء الشرط ، هذا هو المشهور بين الجمهور.

واعترض عليه ابن الحاجب بان الاول سبب والثانى مسبب وانتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسبب لجواز ان يكون للشىء اسباب متعددة بل الامر بالعكس لان انتفاء المسبب يدل على انتفاء جميع اسبابه فهى لامتناع الاول لامتناع الثانى الا ترى ان قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) انما سيق ليستدل بامتناع الفساد على امتناع تعدد الالهة دون العكس.

واستحسن المتأخرون رأى ابن الحاجب حتى كادوا ان يجمعوا على انها لامتناع الاول لامتناع الثانى.

اما لما ذكره واما لان الاول ملزوم والثانى لازم وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم من غير عكس لجواز ان يكون اللازم اعم.

وانا اقول منشأ هذا الاعتراض : قلة التأمل ، لانه ليس معنى قولهم لو لامتناع الثانى لامتناع الاول انه يستدل بامتناع الاول على امتناع الثانى حتى يرد على ان انتفاع السبب او الملزوم لا يوجب انتفاع المسبب او اللازم بل معناه انها للدلالة على ان انتفاء الثانى فى الخارج انما هو بسبب انتفاء الاول فمعنى («لَوْ شاءَ) الله (لَهَداكُمْ») ان انتفاء الهداية انما هو بسبب انتفاء المشيئة يعنى انها تستعمل للدلالة على ان علة

٩٤

انتفاء مضمون الجزاء فى الخارج هى انتفاء مضمون الشرط من غير التفات الى ان علة العلم بانتفاء الجزاء ما هى الا ترى ان قولهم لو لا لامتناع الثانى لوجود الاول نحو «لو لا على لهلك عمر» معناه ان وجود علىّ سبب لعدم هلاك عمر لا ان وجوده دليل على ان عمر لم يهلك.

ولهذا صح مثل قولنا «لو جئتنى لاكرمتك لكنك لم تجىء» اعنى عدم الاكرام بسبب عدم المجىء ، قال الحماسى «ولو طار ذو حافر قبلها ، لطارت ولكنه لم يطر» يعنى انّ عدم طيران تلك الفرس بسبب انه لم يطر ذو حافر قبلها ، وقال ابو العلاء المعرّى «ولو دامت الدولات كانوا كغيرهم ، رعايا ولكن ما لهن دوام».

واما المنطقيون فقد جعلوا ، ان ولو ، اداة اللزوم وانما يستعملونها فى القياسات لحصول العلم بالنتائج فهى عندهم للدلالة على ان العلم بانتفاء الثانى علة للعلم بانتفاء الاول ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم من غير التفات الى ان علة انتفاء الجزاء فى الخارج ما هى وقوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وارد على هذه القاعدة لكن الاستعمال على قاعدة اللغة هو الشانع المستفيض وتحقيق هذا البحث على ما ذكرناه من اسرار هذا الفن.

وفى هذا المقام مباحث اخرى شريفة اوردناها فى الشرح واذا كان لو للشرط فى الماضى (فيلزم عدم الثبوت والمضى فى جملتيها) اذ الثبوت ينافى التعليق والاستقبال ينافى المضى فلا يعدل فى جملتيها عن الفعلية الماضوية الا لنكتة ومذهب المبرد انها تستعمل فى المستقبل استعمال ان للوصل وهو مع قلته ثابت.

نحو قوله عليه السلام : «اطلبوا العلم ولو بالصين» و «انى اباهى بكم الامم يوم القيامة ولو بالسقط».

(فدخلوها على المضارع فى نحو) (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) اى لو قعتم فى جهد وهلاك (لقصد استمرار الفعل فيما مضى وقتا فوقتا).

٩٥

والفعل : هو الاطاعة يعنى ان امتناع عنتكم بسبب امتناع استمراره على اطاعتكم فان المضارع يفيد الاستمرار ودخول لو عليه يفيد امتناع الاستمرار.

ويجوز ان يكون الفعل امتناع الاطاعة يعنى ان امتناع عنتكم بسبب استمرار امتناعة عن اطاعتكم لانه كما ان المضارع المثبت يفيد استمرار الثبوت يجوز ان يفيد المنفى استمرار النفى والداخل عليه لو يفيد استمرار الامتناع كما ان الجملة الاسمية المثبتة تفيد تاكيد الثبوت ودوامه.

والمنفية يفيد تأكيد النفى ودوامه لا نفى التأكيد والدوام كقوله تعالى (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) ردا لقولهم انا آمنا على ابلغ وجه وآكده كما فى قوله تعالى (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) حيث لم يقل الله مستهزئ بهم قصدا الى استمرار الاستهزاء وتجدده وقتا فوقنا.

(و) دخولها على المضارع (فى نحو قوله تعالى (وَلَوْ تَرى)) الخطاب لمحمد عليه السلام او لكل من تأتى منه الرؤية (إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) اى اروها حتى يعاينوها واطلعوا عليها اطلاعا هى تحتهم او ادخلوها فعرفوا مقدار عذابها وجواب لو محذوف اى لرأيت امرا فظيعا (لتنزيله) اى المضارع (منزلة الماضى لصدوره) اى المضارع او الكلام (عمن لا خلاف فى اخباره).

فهذه الحالة انما هى فى القيامة لكنها جعلت بمنزلة الماضى المتحقق فاستعمل فيها لو واذ المختصان بالماضى لكن عدل عن لفظ الماضى ولم يقل ولو رأيت اشارة الى انه كلام من لا خلاف فى اخباره والمستقبل عنده بمنزلة الماضى فى تحقق الوقوع فهذا الامر مستقبل فى التحقيق ماض بحسب التأويل كأنه قيل قد انقضى هذا الامر لكنك ما رأيته ولو رأيته لرأيت امرا فظيعا (كما) عدل عن الماضى الى المضارع (فى (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) لتنزيله منزلة الماضى لصدوره عمن لا خلاف فى اخباره.

وانما كان الاصل ههنا هو الماضى لانه قد التزم ابن السراج وابو على فى الايضاح ان الفعل الواقع بعد رب المكفوفة بما يجب ان يكون ماضيا لانها للتقليل فى الماضى ومعنى التقليل ههنا انه يدهشم اهوال القيمة فيبهتون فان وجدت منهم افاقة ما تمنوا ذلك.

٩٦

وقيل هى مستعارة للتكثير او للتحقيق ومفعول يود محذوف لدلالة (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) عليه ولو للتمنى حكاية لودادتهم واما على رأى من جعل لو اللتى للتمنى حرفا مصدرية فمفعول يود هو قوله (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (او لاستحضار الصورة) عطف على قوله لتنزيله يعنى ان العدول الى المضارع فى نحو (وَلَوْ تَرى) اما لما ذكر واما لاستحضار صورة رؤية الكافرين موقوفين على النار لان المضارع مما يدل على الحال الحاضر الذى من شأنه ان يشاهد كأنه يستحضر بلفظ المضارع تلك الصورة ليشاهدها السامعون ولا يفعل ذلك الا فى امر يهتم بمشاهدته لغرابته او فظاعته او نحو ذلك (كما قال الله تعالى (فَتُثِيرُ سَحاباً)) بلفظ المضارع بعد قوله تعالى (اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) (استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة) يعنى اثارة صورة السحاب مسخرا بين السماء والارض على الكيفيات المخصوصة والانقلابات المتفاوتة (واما تنكيره) اى تنكير المسند (فلارادة عدم الحصر والعهد) الدال عليهما التعريف (كقولك زيد كاتب وعمرو شاعر او للتفخيم نحو (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)) بناء على انه خبر مبتدأ محذوف او خبر ذلك الكتاب (او للتحقير) نحو ما زيد شيئا.

(واما تخصيصه) اى المسند (بالاضافة) نحو زيد غلام رجل (او الوصف) نحو زيد رجل عالم (فلكون الفائدة اتم) لما مر من ان زيادة الخصوص توجب اتمية الفائدة.

واعلم ان جعل معمولات المسند كالحال ونحوه من المقيدات وجعل الاضافة والوصف من المخصصات انما هو مجرد اصطلاح.

وقيل لان التخصيص عبارة عن نقص الشيوع ولا شيوع للفعل لانه انما يدل على مجرد المفهوم والحال تقيده والوصف يجىء فى الاسم الذى فيه الشيوع فيخصصه وفيه نظر.

(واما تركه) اى ترك تخصيص المسند بالاضافة او الوصف (فظاهر مما سبق) فى ترك تقيد المسند لمانع من تربية الفائدة.

٩٧

(واما تعريفه فلافادة السامع حكما على امر معلوم له باحدى طرق التعريف) يعنى انه يجب عند تعريف المسند اليه اذ ليس فى كلامهم مسند اليه نكرة ومسند معرفة فى الجملة الخبرية (بآخر مثله) اى حكما على امر معلوم بامر آخر مثله فى كونه معلوما للسامع باحدى طرق التعريف سواء يتحدا الطريقان نحو الراكب هو المنطلق او يختلفان نحو زيد هو المنطلق (او لازم حكم) عطف على حكما (كذلك) اى على امر معلوم باخر مثله.

وفيه هذا تنبيه على ان كون المبتدأ والخبر معلومين لا ينافى افادة الكلام للسامع فائدة مجهولة لان العلم بنفس المبتدأ والخبر لا يستلزم العلم باسناد احدهما الى الاخر (نحو زيد اخوك وعمرو المنطلق) حال كون المنطلق معرفا (باعتبار تعريف العهد او الجنس).

وظاهر لفظ الكتاب ان نحو زيد اخوك انما يقال لمن يعرف ان له اخا.

والمذكور فى الايضاح انه يقال لمن يعرف زيدا بعينه سواء كان يعرف ان له اخا او لم يعرف.

ووجه التوفيق ما ذكره بعض المحققين من النحاة ان اصل وضع تعريف الاضافة على اعتبار العهد والا لم يبق فرق بين غلام زيد وغلام لزيد فلم يكن احدهما معرفة والاخر نكرة لكن كثيرا ما يقال جاءنى غلام زيد من غير اشارة الى معين كالمعرف باللام وهو خلاف وضع الاضافة فما فى الكتاب ناظر الى اصل الوضع وما فى الايضاح الى خلافه.

(وعكسها) اى ونحو عكس المثالين المذكورين وهو اخوك زيد والمنطلق عمرو.

والضابط فى التقديم انه اذا كان للشىء صفتان من صفات التعريف وعرف السامع اتصافه باحديهما دون الاخرى فايهما كان بحيث يعرف السامع اتصاف الذات به وهو كالطالب بحسب زعمك ان تحكم عليه بالاخر فيجب ان تقدم اللفظ الدال عليه وتجعله مبتدأ وايهما كان بحيث يجهل اتصاف الذات به وهو كالطالب بحسب

٩٨

زعمك ان تحكم بثبوته للذات او انتفائه عنه يجب ان تؤخر اللفظ الدال عليه وتجعله خبرا فاذا عرف السامع زيدا بعينه واسمه ولا يعرف اتصافه بانه اخوه واردت ان تعرفه ذلك قلت زيد اخوك واذا عرف اخا له ولا يعرفه على التعيين واردت ان تعينه عنده قلت اخوك زيد ولا يصح زيد اخوك ويظهر ذلك فى نحو قولنا رأيت اسودا غابها الرماح ولا يصح رماحها الغاب.

(والثانى) يعنى اعتبار تعريف الجنس (قد يفيد قصر الجنس على شىء تحقيقا نحو زيد الامير) اذا لم يكن امير سواه (او مبالغة لكماله فيه) اى لكمال ذلك الشىء فى ذلك الجنس او بالعكس (نحو عمرو الشجاع) اى الكامل فى الشجاعة كانه لا اعتداد بشجاعة غيره لقصورها عن رتبة الكمال وكذا اذا جعل المعرّف بلام الجنس مبتدأ نحو الامير زيد والشجاع عمرو ولا تفاوت بينهما وبين ما تقدم فى افادة قصر الامارة على زيد والشجاعة على عمرو.

والحاصل ان المعرف بلام الجنس ان جعل مبتدأ فهو مقصور على الخبر سواء كان الخبر معرفة او نكرة وان جعل خبرا فهو مقصور على المبتدأ والجنس قد يبقى على اطلاقه كما مر وقد يقيد بوصف او حال او ظرف او مفعول او نحو ذلك نحو هو الرجل الكريم وهو السائر راكبا وهو الامير فى البلد وهو الواهب الف قنطار وجميع ذلك معلوم بالاستقراء وتصفح تراكيب البلغاء.

وقوله قد يفيد بلفظ قد اشارة الى انه قد لا يفيد القصر كما فى قول الخنساء «اذا قبح البكاء على قتيل ، رايت بكاءك الحسن الجميلا» فانه يعرف بحسب الذوق السليم والطبع المستقيم والتدرب في معرفة معانى كلام العرب ان ليس المعنى ههنا على القصر وان امكن ذلك بحسب النظر الظاهر والتأمل القاصر.

(وقيل) فى نحو زيد المنطلق او المنطلق زيد (الاسم متعين للابتداء) تقدم او تأخر (لدلالته على الذات والصفة) متعينة (للخبرية) تقدمت او تأخرت (لدلالتها على امر نسبى) لان معنى المبتدأ المنسوب اليه.

ومعنى الخبر المنسوب والذات هى المنسوب اليها والصفة هى المنسوب فسواء

٩٩

قلنا زيد المنطلق او المنطلق زيد يكون زيد مبتدأ والمنطلق خبر وهذا رأى الامام الرازى قدس الله سره.

(ورد بان المعنى الشخص الذى له الصفة صاحب الاسم) يعنى ان الصفة تجعل دالة على الذات ومسندا اليها والاسم يجعل دالا على امر نسبى ومسندا.

(واما كونه) اى المسند (جملة فللتقوى) نحو زيد قام (او لكونه سببيا) نحو زيد ابوه قايم (لما مر) من ان افراده يكون لكونه غير سببى مع عدم افادة التقوى.

وسبب التقوى فى مثل زيد قام على ما ذكره صاحب المفتاح هو ان المبتدأ لكونه مبتدأ يستدعى ان يسند اليه شىء فاذا جاء بعده ما يصلح ان يسند الى ذلك المبتدأ صرفه ذلك المبتدأ الى نفسه سواء كان خاليا عن الضمير او متضمنا له فينعقد بينهما حكم.

ثم اذا كان متضمنا له لضميره المعتد به بان لا يكون مشابها للخالى عن الضمير كما في زيد قائم صرفه ذلك الضمير الى المبتدأ ثانيا فيكتسي الحكم قوة فعلى هذا يختص التقوى بما يكون مسندا الى ضمير مبتدا ويخرج عنه نحو زيد ضربته ويجب ان يجعل سببيا.

واما على ما ذكره الشيخ فى دلائل الاعجاز وهو ان الاسم لا يؤتى به معرى عن العوامل اللفظية الا لحديث قد نوى اسناده اليه.

فاذا قلت زيد فقد اشعرت قلب السامع بانك تريد الاخبار عنه فهذا توطئة له وتقدمة للاعلام به.

فاذا قلت قام دخل فى قلبه دخول المأنوس وهذا اشد للثبوت وامنع من الشبهة والشك.

وبالجملة ليس الاعلام بالشىء بغتة مثل الاعلام به بعد التنبيه عليه ، والتقدمة ، فان ذلك يجرى مجرى تأكيد الاعلام فى التقوى والاحكام فيدخل فيه نحو زيد ضربته وزيد مررت به ومما يكون المسند فيه جملة لا للسببية او التقوى خبر ضمير الشان ولم يتعرض له لشهرة امره وكونه معلوما مما سبق.

١٠٠