الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٠

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٠

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-181-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٢

دوافع نقض العهد :

أما ما قدمه من امتياز لكعب بن أسد ولبني قريظة ليثير شهيتهم لنقض العهد ، والدخول معهم في حرب محمد فهو استئصال محمد ومن معه.

وقد اشترط كعب لنفسه إن لم يتحقق هذا الهدف أن يواجه حيي بن أخطب معه كل السلبيات التي تنشأ عن عدم استئصال محمد ومن معه ، حيث شرط عليه أن يدخل معه حصنه ، ويصيبه ما أصابه فقبل حيي بن أخطب ذلك.

وذلك يوضح لنا : صوابية القرار الذي اتخذه الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بتنفيذ حكم سعد بن معاذ في بني قريظة ، وهو الحكم الذي أعطاه بنو قريظة أنفسهم موافقتهم المسبقة عليه ، بل هم الذين اقترحوا تحكيم سعد بن معاذ فيهم.

وسيأتي بحث هذا الموضوع في غزوة بني قريظة إن شاء الله تعالى.

جهام بلا ماء :

ولم يكن كعب بن أسد يرى في كل تلك الجموع قدرة على تحقيق الهدف الذي تسعى له ، أو يشفي الغليل ، وما هي إلا رعد وبرق فارغ ، وسراب خادع.

ولعل مما ساعد على تكوّن تلك النظرة لديه هو ما جرى في حرب بدر وأحد ، وقينقاع ، والنضير ، وغيرها. مع رؤيته وجود فرق كبير فيما بين قدرات المسلمين في السابق وفي اللاحق. فقد تنامت قدراتهم ، واتسع نفوذهم ، وتأكدت هيمنتهم على المنطقة بأسرها. كما أن الخطة التي اتبعها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مواجهة الأحزاب قد كانت على مرأى

٣٢١

ومسمع من بني قريظة ، وهم يعرفون : أنها خطة ناجحة إلى حد كبير ، ولا يمكن اختراقها ، وتحقيق فجوة فيها بسهولة.

الشعور بالذنب والخيانة :

وإذا كان كعب يعترف بوفاء وصدق محمد ، وبسائر المواقف النبيلة والإنسانية لنبي الإسلام ، فإنه يكون قد اعترف ضمنا بالخيانة وبالغدر ، فهل كان حقا قد شعر بالذنب وبتأنيب الضمير؟!

لو كان قد شعر بذلك حقا لبدرت منه بادرة تراجع أو ندم ولكن الله لا يوفق كل ظلوم كفار ، ولن يكون لغادر فلاح ، ولا لخائن نجاح. والمصير الذي انتهى إليه بنو قريظة خير شاهد على ذلك.

عدة مبعوثين لمهمة واحدة :

لقد رأينا فيما سبق : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرسل أكثر من شخص واحد لكشف خبر بني قريظة. ولعل ذلك يرجع إلى أن الجماعة تكون في مناسبات مشحونة بالتوتر أكثر تدبرا للأمور في المواقع التي تشهد تصعيدا خطيرا ، وعلى درجة كبيرة من الحساسية. ويمكن لبعضهم أن يستعين بالبعض الآخر ، ويسدده ويعضده ، لو كان ثمة ما يقتضي اتخاذ موقف أو القيام بمبادرة من نوع ما.

كما أن ذلك يجعل الخبر الذي يأتي به هؤلاء ، ليتخذ على أساسه قرارات في غاية الخطورة ، ترتبط بمستقبل ومصير أمة من الناس ، يجعله أكثر دقة ، ووضوحا ، وأبعد عن اللبس ، وعن احتمالات تدخل الأهواء في صياغته وفي أدائه. بالإضافة إلى أنه يقطع العذر لمن يريد أن يغدر ويمكر ، ثم يجنب

٣٢٢

نفسه عواقب هذا الغدر والمكر ، حتى تلوح له بوادر فشله ، وخيبته. إذ لا بد أن يحيق به مكره السيئ ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

والملفت للنظر هنا بالذات : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يختار لهذه المهمة أناسا عاديين ، بل يختار لها الرؤساء والكبراء الذين يحترمهم رؤساء بني قريظة. وقد اختار «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يكونوا جميعا من الأنصار ، وفيهم خصوص سعد بن معاذ ، سيد الأوس ، وسعد بن عبادة سيد الخزرج ، لكي يلمس اليهود وجود التفاهم والانسجام الكامل ، والعميق والراسخ فيما بين هاتين القبيلتين ، اللتين لهما تاريخ طويل من الصراع. ثم ليستمعوا من هذين الزعيمين ، وخصوصا من سعد بن معاذ ، ما يزيل لهم كل شبهة ويدفع أي لبس أو تشكيك في حقيقة موقفهما.

مع ملاحظة : أن بين بني قريظة وبين الأوس حلف وعهد ، يلزمهم الوفاء به. ثم إن هذه البادرة منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما هي إلا تعبير لهم عن حسن النية ، وتدخل في سياق تهيئة الأجواء لهم ليعودوا عن قرارهم الخياني ، إذا كانوا يطمعون بوفاء سعد وقبيلته لهم ، وهم الذين يفترض بهم أن يعيشوا معهم بعد رحيل الأحزاب ، وعليهم أن يفكروا بأن لا يحرقوا السفن وراءهم ، فإن ذلك سوف يحرمهم من السلامة في نهاية المطاف.

طريقة الرمز في نقل المعلومات الحساسة :

وقد طلب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من رسله إلى بني قريظة : أن يستعملوا طريقة الرمز في تأدية المعلومات إليه ، إذا كانت تلك المعلومات ذات طابع خاص يميزها بالخطورة والحساسية ، وكان للجهر بها أثر سلبي على المعنويات.

٣٢٣

كما أن ذلك يفرض أن يكون الذين يتم اختيارهم لمهمات من هذا القبيل لديهم المؤهلات الكافية لاختيار أسلوب الرمز المناسب مع قدرتهم على تصنيف المعلومات نفسها وفقا للخطة التي ترسمها القيادة.

البشائر النبوية بالنصر :

وحين بلغ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خبر نقض بني قريظة للعهد ، الذي من شأنه أن يهد العزائم ، ويثير حالة من الهلع في صفوف أهل الإسلام فإنه يعلن بالتكبير ، الذي يؤذن بالغلبة والفلاح والنجاح ، ثم يبشرهم بالنصر الأكيد الساحق ، وبالسيطرة على العالم بأسره.

ولكنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يذكر لهم مضمون البشارة إلا بعد أن اضطجع وتقنع بثوبه ، وطال انتظارهم له ، واشتد عليهم البلاء والخوف فجاءت البشارة لتبخر ذلك الخوف ، وتكشف البلاء ، وليفهمهم أن كلامه هذا ليس لمجرد التطمين ورفع المعنويات.

حدة سعد بن عبادة :

وقد أشرنا فيما سبق : إلى أن وصفهم لسعد بن عبادة بالحدة ليس له ما يبرره ، ويبدو أن ذلك من تزييفات الحاقدين على سعد ، لإقدامه على طلب الخلافة في يوم السقيفة ، وهو ذنب يصعب أن يغفره له الآخرون ، وإن كان أبو بكر قد استطاع بما لديه من حنكة ودهاء أن يقلب الأمور رأسا على عقب ، ويفوز هو بالأمر كما يعلمون.

كما أن سعدا هو والد قيس نصير عليّ والحسن ، والمجاهد بين أيديهما في سبيل الله.

٣٢٤

أسيد بن حضير :

وقد ذكر أسيد بن حضير فيما سبق كبديل عن بعض الشخصيات التي أرسلها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لكشف خبر بني قريظة ثم أعطوه دورا هاما جدا ، وهو أنه قد أخبر بني قريظة بتفاصيل ما سوف يجري لهم ، وقد تحقق ما قال حرفا فحرفا ، وكأنه يقرؤه في كتاب.

ونحن لا نصدق كل ذلك عن أسيد ، الذي كان يحظى بعناية خاصة من قبل بعض التيارات ؛ لأنه كان قريب أبي بكر ، وكان له دور هام في توطيد أمر أبي بكر في يوم السقيفة ، وكان أحد المهاجمين لبيت فاطمة «عليها‌السلام» وكان للسلطة اهتمام ظاهر به ، وسعي لتسطير الفضائل والكرامات له ، ومنحه الأوسمة ، بسبب وبلا سبب (١).

فضيلة مكذوبة للزبير :

عن عبد الله بن الزبير ، قال : كنت يوم الأحزاب ، أنا وعمر بن أبي سلمة مع النساء في أطم حسان ، فنظرت ، فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا ، فلما رجعت قلت : يا أبت رأيتك تختلف!

قال : رأيتني يا بني؟!

قلت : نعم.

قال : كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : من يأت قريظة ، فيأتيني بخبرهم؟!

__________________

(١) راجع كتابنا «حديث الإفك» ـ فصل : الفضائل والسياسة.

٣٢٥

فانطلقت ، فلما رجعت جمع لي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أبويه ، فقال : «فداك أبي وأمي» (١).

وفي رواية أخرى : أن عمر بن الخطاب لما أخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بنقض بني قريظة للعهد ، قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : من نبعث يعلم لنا علمهم؟!

فقال عمر : الزبير بن العوام.

فكان أول من بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الناس ، الزبير بن العوام ، فقال : اذهب إلى بني قريظة ، فذهب الزبير فنظر ، ثم رجع ، فقال : يا رسول الله ، رأيتهم يصلحون حصونهم ، ويدربون طرقهم ، وقد جمعوا ماشيتهم.

فذلك حين قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن لكل نبي حواريا وحواريي الزبير ابن عمتي.

__________________

(١) المواهب اللدنية ج ١ ص ١١٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢١٧ وراجع ص ٣٢٧ و ٣٢٨ كلاهما عن الشيخين. وقال الترمذي : حديث حسن والتاريخ الكبير للبخاري ج ٦ ص ١٣٩.

وقول الزبير الأخير : موجود في السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٥ و ١٠ وكذا في سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٦٢ لكنه لم يصرح ببني قريظة وحدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٠ عن الصحيحين ، وليس فيهما تصريح ببني قريظة أيضا.

وفيه : أنه لما قال له الزبير : أنا. قال : إن لكل نبي حواري وإن حواريي الزبير ، وراجع : صحيح البخاري كتاب أصحاب النبي ، باب مناقب الزبير.

٣٢٦

ثم تذكر القصة إرسال السعدين إلى بني قريظة (١).

ونقول :

إن هذه الرواية لا تصح ، وذلك للأمور التالية :

أولا : إنها تخالف سائر الروايات وتناقضها ؛ لأنها مجمعة على أن السعدين هما اللذان جاءا بخبر نقض بني قريظة للعهد.

وحاول البعض توجيه ذلك ، ورفع التنافي فقال : «لا منافاة بين إرسال الزبير وإرسال هؤلاء ، لاحتمال أنهم أرسلوا دفعة ، أو بعد إرساله ، وخص هؤلاء القوم بالإرسال لأنهم حلفاؤهم ، فيحتمل أن يرجعوا إلى العهد بعد نقضه حياء من حلفائهم ، فغلبت عليهم الشقوة» (٢).

وقال الحلبي : «ولعل هذا ـ أي إرسال السعدين ومن معهما ـ كان بعد إرسال الزبير إليهم ليأتي بخبرهم ، هل نقضوا العهد استثباتا للأمر» (٣).

ونقول :

إن احتمال إرسال الزبير بعد تلك الجماعة ليس له ما يبرره ، إذ إن إخبار هؤلاء الكبار كان يكفي في ثبوت هذا الأمر لديه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وأما إرسال الزبير قبلهم ، فهو أيضا في غير محله ، إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عازما من أول الأمر على إرسال تلك الجماعة ، إذ إن إرساله لا يفيد شيئا في حصول اليقين له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أما مجرد الاحتمال فقد

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٧ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٢٧.

(٢) السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٥.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٧.

٣٢٧

حصل بإخبار عمر له أولا حسبما تقدم.

ثانيا : أضف إلى ما تقدم : أننا لم نفهم السر في أن الزبير حين أرسله النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليأتيه بخبرهم ، قد تردد إليهم مرتين أو ثلاثا ، ألم تكن المرة الأولى كافية لوقوفه على حقيقية أمرهم؟! ولماذا الترديد بين المرتين والثلاث ، فهل نسي ولده عبد الله عدد المرات التي رصدها وسأل أباه عنها؟!

ثالثا : إننا لم نعرف وجه تسمية الأطم ب «أطم حسان» ، مع أن النساء كن في أطم بني حارثة ، إلا أن يكون قد أراد الإشارة إلى أن جبن حسان قد تجلى في هذا الأطم بالذات ، ثم اشتهر به بسبب ذلك ، ولكن ذلك ـ على كل حال ـ يحتاج إلى إثبات.

رابعا : قال ابن عبد البر : «ثبت عن الزبير أنه قال : جمع لي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أبويه مرتين : يوم أحد ، ويوم بني قريظة ، فقال : «ارم فداك أبي وأمي».

فقال : ولعل ذلك كان في أحد : «إن لكل نبي حواريا ، وإن حواريي الزبير الخ ..» (١).

خامسا : إن ابن الزبير كان يوم الخندق طفلا صغيرا ، لا يعقل مثل هذه الأمور ، فلا يصح أن يسأل أباه هذا السؤال ، ثم يجيبه أبوه بذلك الجواب الذي لا يدرك مغزاه إلا ذو الحجى ، ولا يخاطب به طفلا صغيرا ، عمره على أبعد الأقوال أربع سنوات ، أو سنتان ونصف سنة ـ كما هو قول الأكثر ـ

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٧.

٣٢٨

فضلا عن القول الذي يذكر : أنه ولد في أحد ، أو في الخندق بالذات ، ولتوضيح ذلك نقول :

رغم أنهم يقولون : إن ابن الزبير كان أول مولود في الإسلام من المهاجرين (١) ، مع وضوح خطأ الرازي في قوله : إنه أول مولود ولد في الإسلام (٢) ـ رغم ذلك ـ فإنهم قد اختلفوا في تاريخ ولادته ، على النحو التالي :

١ ـ فريق يقول : إن أسماء حملت بعبد الله في مكة ، وخرجت مهاجرة إلى المدينة ، فلما دخلت المدينة نزلت قباء ، فولدته بقباء (٣).

٢ ـ وبعضهم أطلق القول في ولادته ، فقال : ولد عام الهجرة ، أو ما

__________________

(١) السيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٢٣١ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٣٠١ و ٣٠٢ وتهذيب الأسماع ج ١ ص ٢٦٦ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٦٣ و ٣٦٥ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٥٤٨ وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) وتاريخ الصحابة ص ١٥٠ وتهذيب الكمال ج ١٤ ص ٥٠٩ وراجع : أسد الغابة ج ٣ ص ١٦١ ومختصر تاريخ دمشق ج ١٢ ص ١٧٠ و ١٧١ و ١٧٢ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٣٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٨٩ و ٨٠ والتبيين في أنساب القريشيين ص ٢٥٧ وتهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢١٣ والإصابة ج ٢ ص ٣٠٩ و ٣١٠.

(٢) الجرح والتعديل ج ٥ ص ٥٦ وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص ١٩٧.

(٣) تاريخ الصحابة لابن حبان ص ١٥٠ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٣٠١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣١ والتاريخ الكبير ج ٥ ص ٦ وحلية الأولياء ج ١ ص ٣٣٣ ومختصر تاريخ دمشق ج ١٢ ص ١٧١ والتبيين في أنساب القريشيين ٢٥٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٩ والثقات ج ٣ ص ٢١٢ والجمع بين رجال الصحيحين ج ١ ص ٢٤٠ ونسب قريش لمصعب ص ٢٣٧.

٣٢٩

يقرب من هذه العبارة ، وبعضهم ذكر ذلك بلفظ قيل (١).

٣ ـ ونجد الآخرين يقولون : إنه ولد في شوال السنة الثانية للهجرة النبوية الشريفة (٢).

والقائلون بهذا القول هم الأكثر (٣).

لكن عبارة عدد منهم هكذا : هاجرت به أمه وهي حامل ، فولد بعد الهجرة بعشرين شهرا (٤).

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٣٠ ووفيات الأعيان ج ٣ ص ٧١ ومستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي ج ٣ ص ٥٤٨ والإصابة ج ٢ ص ٣٠٩ ، وراجع : سيرة أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٦٣ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٦٣ وتهذيب الكمال ج ١٤ ص ٥٠٩ وتهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢١٣ وتهذيب الأسماء ج ١ ص ١٦٦ وأنساب الأشراف ج ٥ ص ٣٧٥.

(٢) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ ص ٥٥١ والإصابة ج ٢ ص ٣٠٩ عن الواقدي ومن تبعه ، وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٦٣ وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص ١٩٧ وتهذيب الأسماع ج ٢ ص ٢٦٦ والمحبر ص ٢٧٥ و ٢٧٦ وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٢٣١ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٦١ ومختصر تاريخ دمشق ج ١٢ ص ١٧١ عن الزبير بن بكار والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٨٠ عن الواحدي وغيره.

(٣) تهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢١٤ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٥٥١.

(٤) راجع : الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٣٠١ وتهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢١٣ وراجع : أسد الغابة ج ٣ ص ١٦١ وتهذيب الكمال ج ١٤ ص ٥٠٩ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٣٠ والمحبر ص ٢٧٥ و ٢٧٦ والجمع بين رجال الصحيحين لابن العسقلاني ج ١ ص ٢٤٠.

٣٣٠

قال العسقلاني : «لا يتجه إلا بتقدير أن يكون قد أقام في بطنها نحو سنتين ، ولم أر من صرح بذلك» (١).

ولعل هذا هو السبب في أنه قد استظهر أن يكون القول بولادته في أول سنيّ الهجرة أقرب إلى الصحة ، وإن كان الأكثر على خلافه (٢).

٤ ـ ويؤيد القول بأنه قد ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا ، وأنه قد ولد في السنة الثانية قولهم : إنه قتل في السنة الثلاث وسبعين ، وله اثنتان وسبعون سنة (٣).

٥ ـ إنهم يقولون : إن النعمان بن بشير ولد قبل ابن الزبير بستة أشهر ، على رأس أربعة عشر شهرا من الهجرة (٤).

وقال الذهبي : ولد سنة اثنتين (٥).

وقالوا أيضا : إن النعمان هذا قد ولد قبل وفاة النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) تهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢١٣ و ٢١٤ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٨٠.

(٢) تهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢١٤.

(٣) الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٣٠٣ ومختصر تاريخ دمشق ج ١٢ ص ١٩٨ وج ٢٤ ص ١٩٠ ووفيات الأعيان ج ٣ ص ٧٤ والجمع بين رجال الصحيحين ج ١ ص ٢٤٠ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٩ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٥ ص ٤٣.

(٤) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٣٠ والإصابة ج ٣ ص ٥٥٩ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٣ ص ١٥١ وتهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٤٤٨ و ٤٤٧ والمحبر ص ٢٧٦ وتهذيب الأسماع ج ٢ ص ١٢٩.

(٥) سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٤١١ وتهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٤٤٨.

٣٣١

وآله» بثمان سنين وسبعة أشهر.

وقيل : ست سنين. والأول أصح.

وقال ابن الزبير : النعمان أكبر مني بستة أشهر. وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة (١). وذلك يعني أن ابن الزبير قد ولد في السنة الثالثة.

٦ ـ إنهم يقولون : إن ابن الزبير يكبر مروان بن الحكم بأربعة أشهر (٢). ومروان ولد في الثالثة يوم أحد كما عن مالك ، أو في الرابعة ، أو يوم الخندق ـ كما عن ابن عبد البر ـ أو في الثانية. فراجع ترجمة مروان في كتب السير والتراجم (٣) ..

٧ ـ ويقولون أيضا : كان لابن الزبير حين موت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثمانية سنين وأربعة أشهر (٤).

ولعل قول ابن إسحاق : كان له تسع سنين (٥) ، لا ينافي ذلك ؛ إذا كان قد

__________________

(١) أسد الغابة ج ٥ ص ٢٢.

(٢) سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٤٧٦.

(٣) راجع على سبيل المثال : الإصابة ج ٣ ص ٤٧٧ و ٤٧٨ وتهذيب الأسماء ج ٢ ص ٨٧ وأسد الغابة ج ٤ ص ٣٤٨ وتهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٩١ و ٩٢ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٤٢٥ والبداية والنهاية ، وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج ٥ ص ٦١١ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٥ ص ٣٦ وفي مختصر تاريخ دمشق ج ٢٤ ص ١٨٤ و ١٧٩ : أن عمر مروان حين موت النبي كان ثمانية سنين. وراجع : الكامل في التاريخ ج ٤ ص ١٩٢

(٤) راجع : تهذيب الكمال ج ١٤ ص ٥٠٩ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٦٤ ومختصر تاريخ دمشق ج ١٢ ص ١٧١.

(٥) الإصابة ج ٢ ص ٣٠١ وتهذيب التهذيب ج ٥ ص ٥١٤.

٣٣٢

قال ذلك على سبيل التقريب ، لا التحديد ..

٨ ـ قال العسقلاني عن عمر بن أبي سلمة : «ولد بالحبشة في السنة الثانية. وقيل : قبل ذلك. وقبل الهجرة إلى المدينة.

ويدل عليه قول عبد الله بن الزبير : كان أكبر مني بسنتين الخ ..» (١).

وجزم ابن عبد البر بأنه ولد في الثانية ، وعند الذهبي : ولد في أواخرها (٢).

٩ ـ وأخيرا : فقد روى البخاري عن عروة : أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسا وهو ابن عشر ، ووكل به رجلا (٣).

وقد كانت وقعة اليرموك سنة ١٣ ه‍ أو ١٥ ه‍. وعليه الجمهور (٤). ويدل عليه كتاب الصلح الذي كتبه خالد للنصارى حينما أراد النهوض إلى اليرموك ، وقد أرخه بسنة خمس عشرة (٥). فتكون ولادة ابن الزبير في السنة الثالثة أو الخامسة ، وهو ما أيدته بعض الشواهد المتقدمة ، خصوصا قولهم

__________________

(١) الإصابة ج ٢ ص ٥١٨ وتهذيب التهذيب ج ٧ ص ٤٥٦.

(٢) الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٤٧٥ وراجع : الثقات ج ٣ ص ٢٦٣ والجمع بين رجال الصحيحين ج ١ ص ٣٣٩ والمحبر ص ٢٩٣ وراجع : تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٤٥٦ وتهذيب الأسماء ج ٢ ص ١٦.

(٣) صحيح البخاري ج ٣ كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل ، وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٦٥.

(٤) عمدة القاري ج ١٧ ص ٩٠ وذكر هذا التاريخ في مصادر كثيرة ، فراجع على سبيل المثال : تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٩١ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٢٥٢ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٣٣.

(٥) فتوح البلدان ص ١٣٠ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٢١.

٣٣٣

في ولادة مروان. وقد اعتذر العسقلاني وغيره عن قصة اليرموك هذه : بأنها قد جاءت على سبيل إلغاء الكسر (١).

ولكنه اعتذار واه ، لأن إلغاء خمس أو ثلاث سنوات ، من أصل خمس عشرة سنة ، بعيد ومستهجن ، خصوصا إذا كان في مقام التحديد ، من أجل إظهار فضيلة وخصوصية خاصة للزبير ، ولو سلمنا ، فإنما يقبل هذا الاعتذار بعد ثبوت كون سن عبد الله هو عشر سنين ، وهو لم يثبت.

بل الظاهر : خلافه كما قلنا.

من الذي شاتم بني قريظة؟!

وقد ذكرت إحدى الروايات السابقة : أن ابن إسحاق وبعضا آخر يقولون : إن سعد بن عبادة هو الذي شاتم بني قريظة ، وكان رجلا فيه حدة ، ونقول :

١ ـ قد روي عن ابن إسحاق ما يخالف ذلك ، وأن الذي شاتمهم هو ابن معاذ.

٢ ـ إن قول أسيد بن حضير لكعب بن أسد : أتسب سيدك يا عدو الله ، يشير إلى : أن الذي شاتمهم هو ابن معاذ ، لأنه هو الذي كان بينه وبينهم حلف ، ويحسن وصفه بأنه سيدهم. أما ابن عبادة فحاله معهم حال سائر الناس.

إلا أن يقال : إن مراده بالسيد هو رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه.

أو أن يقال : إنه إنما قال ذلك لإظهار عظمة ابن عبادة وامتيازه عليهم ،

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ٢٣٣ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٩١ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٢٥٣.

٣٣٤

بالإسلام ، وبأنه رئيس قومه. والذي نستقر به هو : أن المشاتمة قد حصلت لكلا الرجلين ، فابن معاذ شتم من قبل كعب بن أسد ، وابن عبادة شتم من قبل شاس (نباش) بن قيس حسبما تقدم ، ثم قال أحدهما للآخر : دع عنك مشاتمتهم ، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة.

عمر عرف بأمر بني قريظة :

ويذكر النص التاريخي : أنه لما نقض بنو قريظة العهد «بلغ عمر بن الخطاب نقض بني قريظة العهد ، فأعلم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بخبرهم» (١).

ونقول :

إن لم تكن هذه القضية كاذبة ، فإننا لا ندري ما السبب في أن ذلك بلغ خصوص عمر بن الخطاب دون النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ودون كل المسلمين الآخرين؟ فهل كان لعمر جواسيس لدى بني قريظة يخبرونه بكل مواقفهم وتحركاتهم؟ أم أنه علم ذلك من جهة المشركين؟

إننا نعترف بالعجز عن إدراك الحقيقة ، وليس في النصوص التي بين أيدينا ما يكشف لنا عن هذا الأمر ..

ولا نريد أن نذكر القارئ بما ذكرناه في غزوة أحد ، وبما سيأتي في هذه الغزوة من أن رموز الشرك ، كخالد بن الوليد ، وضرار بن الخطاب كانوا يتحاشون إيصال الأذى إلى عمر بن الخطاب ، ولا ندري سر وسبب ذلك ،

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٧ وبقية المصادر تقدمت تحت عنوان : لا بد من التثبت.

٣٣٥

لا سيما وأنهم يصرحون له بأنهم يتخذون ذلك يدا لهم عنده.

هذا بالإضافة : إلى قضايا أخرى لا مجال للتذكير بها الآن ، رغم أن أهل الشرك إلى أن انقضت غزوة الخندق ، كانوا يعتقدون أن بالإمكان اقتلاع الإسلام واستئصاله من جذوره ، وكانوا يهتمون بقتل كل من تصل إليه أيديهم ، ولا سيما من بني هاشم ، كحمزة وعبيدة بن الحارث ، وعليّ «عليه‌السلام» وغيرهم. فلماذا يريدون قتل هؤلاء ، ولا يريدون قتل غيرهم من رجالات الإسلام؟

أحلاف عبادة بن الصامت :

ويذكر البعض : «أنه لما خرج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم الأحزاب قال عبادة بن الصامت : يا رسول الله ، إن معي خمس مئة رجل من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي ، فأستظهر بهم على العدو ..

فأنزل الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (١)» (٢).

ونقول :

إن هذا الكلام لا يصح.

أولا : لأن ظاهر الآية يأبى الانطباق على واقعة من هذا القبيل فإنها تزجر عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ولم يكن عبادة يريد أن

__________________

(١) الآية ٢٨ من آل عمران.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ج ٤ ص ٥٨ وتفسير الخازن ج ١ ص ٢٢٧.

٣٣٦

يتخذهم أولياء من دون المؤمنين ، بل هو يريد أن يشركهم في الدفاع عن أهل الإيمان ، حبا منه بسلامة المؤمنين. فهذا التحذير القوي ، واستثناء حالة مصانعتهم تقية ، والتنصيص على أنه يواليهم من دون أهل الإيمان يبعد القضية عن أن تكون في شأن عبادة.

ثانيا : من أين يأتي عبادة بخمس مئة يهودي ليقاتلوا معه؟ فقد أجلى بنو قينقاع وبنو النضير عن ديارهم ، ولم يكونوا ليدافعوا عن الإسلام ، بل كانوا هم المحرضين للأحزاب على حرب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمين. وبنو قريظة قد نقضوا العهد ، وأصبحوا مع الأحزاب.

عريش جديد لأبي بكر :

ويستفاد من كلام الواقدي : أنه قد كان ثمة ما يشبه العريش ـ عريش بدر ـ لأبي بكر فيذكر : أن أبا بكر كان مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» «في قبة من أدم مضروبة في أصل الجبل ، عند المسجد الذي في أسفل ، معه أبو بكر ، والمسلمون على خندقهم يتناوبون» (١).

فجاء عمر إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأخبره بنقض بني قريظة للعهد.

لكن قد تقدم : أن ذلك لا يصح ، أو على الأقل يشك كثيرا في صحته. وقد تحدثنا في غزوة بدر عن عدم صحة قصة العريش المزعوم لأبي بكر والنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فراجع ما ذكرناه هناك ..

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٧.

٣٣٧

ولسنا ندري لماذا ترك أبو بكر الناس يتناوبون على خندقهم؟

أليس هو خندقه أيضا؟

ولماذا استثناه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليكون معه دون كل من عداه؟!

وكيف لم يعترض على ذلك أي من الناس الذين كانوا يقومون بواجباتهم في الحفظ والحراسة وكان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه يفعل ذلك أيضا؟!

٣٣٨

الفهارس

١ ـ الفهرس الإجمالي

٢ ـ الفهرس التفصيلي

٣٣٩
٣٤٠