الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٠

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١٠

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-181-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٢

بأوامرها غاليا ، وغاليا جدا.

ومن هنا : فإننا لا نفاجأ إذا رأينا المسلمين يصرون على الاحتفاظ بزمام المبادرة ، وعلى الهيمنة العسكرية على المنطقة.

وكان لا بد لأبي سفيان من الاحتفاظ بماء الوجه ، ولو شكليا ، ولكنه فشل في ذلك ، حتى اضطر إلى أن يتراجع ، ويخلف في وعده ، متذرعا بما لا يخفى على أحد وهنه وعدم واقعيته. حتى إن أهالي مكة أنفسهم كانوا يتندرون بما حدث ، ويسمون جيشهم المهزوم روحيا ونفسيا ، بأنهم جيش السويق ، أي أنهم خرجوا لشرب السويق في الطريق ، لا للحرب ، والقتال.

ولو كان العام عام جدب فعلا ، فلماذا خرج أبو سفيان بهذا الجيش الكثيف من مكة؟ ألم يكن يدري حين جهز جيشه بهذا الجدب الذي زعمه ، ثم اكتشفه بعد أن قطع مسافة من الطريق ، وبلغ إلى مجنّة من ناحية مرّ الظهران؟!.

الإنتظار ثمانية أيام :

وإذا كانت بدر تستضيف الكثيرين الذين يأتونها من مناطق مختلفة ، لأجل السوق ؛ فإن حضور المسلمين في هذا السوق على هذه الصورة الملفتة والمثيرة ، لسوف يكون له تأثيره القوي على الناس الذين يعيشون في المناطق على اختلافها. خصوصا إذا لاحظ الناس هذا الإصرار من المسلمين على لقاء عدوهم ، حتى إنهم لينتظرون ثمانية أيام ، ثم يتخلف عدوهم عن الحضور ، رغم أنه كان هو الطالب والراغب بمناجزة المسلمين وقتالهم في هذا الموضع.

١٠١

وإذا كان هذا العدو هو مشركو مكة ؛ بما لها من هيبة ، ونفوذ ، وليس عدوا عاديا من سائر القبائل ، فإن القضية سوف تصبح أكثر حساسية بالنسبة لأولئك الناس ، ولسوف يكون لها أكثر من مغزى عميق ودقيق ، وأكثر من أثر سلبي وإيجابي على مشاعرهم وأحاسيسهم ، وعلى نظرتهم إلى المستقبل ، بصورة عامة.

وهكذا : فإن الكل سوف يدرك أن ما جرى في أحد لم يؤثر ولم يغير في المعادلة شيئا ، إن لم نقل : إنه قد كانت له آثار سلبية على المشركين ، وإيجابية على المسلمين كما هو ظاهر.

الإتجار في بدر الموعد :

إن البعض قد رأى : أنه من غير المعقول أن يحمل المسلمون معهم إلى بدر بضائع للتجارة ، ما داموا ذاهبين إلى القتال ، وإلى منطقة يجتمع فيها خلائق من الناس الذين يلتقون مع قريش في أهدافها ، وفي عقائدها ومواقفها تجاه الإسلام والمسلمين.

إذن .. فموضع لقاء المسلمين بالمشركين ليس هو بدر التي هي سوق للعرب.

كما أنهم قد ذهبوا إلى الحرب بلا بضائع ، وليس لأجل البيع والشراء (١).

ونقول :

إننا لا نستطيع أن نوافق هذا الباحث على رأيه المشار إليه ، وذلك لأن

__________________

(١) راجع : سيرة المصطفى ص ٤٥٤.

١٠٢

سوق بدر لم يكن المجتمعون فيه مستدعين لخوض حرب تحتاج إلى تجهيزات كثيرة ومتنوعة ، من خيول ودروع وأعتدة مختلفة.

كما أن سيطرة الجيش الإسلامي على الموقف سوف تمنحه الفرصة للتعامل مع الآخرين وعقد الصفقات التجارية بكل طمأنينة وثقة.

أضف إلى ذلك : أن جهاز الاستخبارات الإسلامي كان من القوة بحيث إنه كان يرصد أي تحرك يحصل في مختلف أنحاء الجزيرة العربية على اتساعها وترامي أطرافها ، وينهيه إلى الرسول الأكرم في الموقع المناسب.

ويدل على ذلك : أنا نجد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يفاجئ أعداءه ، الذين يتآمرون ، ويتأهبون لقتاله ، وهم غارون ، وقبل أن تصدر منهم أية بادرة أو أن يجدوا الفرصة لأي تحرك والتفاف ، ولو من خلال إعادة تنظيم أمرهم ، ولم شعثهم.

فجهاز الاستخبارات هذا لا يعجز عن رصد حالة الناس في تلك السوق. كما أنه لا يعجز عن موافاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الوقت المناسب بحقيقة نوايا قريش ، وما أزمعت عليه من كيد ومكر إعلامي فاشل.

ومن الجهة الأخرى : فإن المسلمين كانوا وما زالوا رغم حروبهم مع أعدائهم منفتحين حتى على أولئك الأعداء في النواحي التجارية والإنمائية.

حتى إننا لنجد تجار المشركين لا يزالون يترددون على المدينة بتجاراتهم المختلفة.

ويحدثنا التاريخ : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه كان يشجع هذا التوجه بصورة عامة. كما أوضحناه في كتابنا : السوق في ظل الدولة

١٠٣

الإسلامية ، فراجع.

ويكفي أن نذكر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أطلق الصناع وأصحاب الحرف في خيبر لينتفع بهم المسلمون ، كما سيأتي حين الحديث عن غزوة خيبر.

فالجيش الإسلامي إذن لا بد أن يقدم نموذجا من الوفاء والتضحية والانضباطية أولا. كما أنه في نفس الوقت يقيم علاقات تجارية مع الآخرين ، ويتعامل معهم بطريقة سليمة وعفوية ، وبريئة ، من خلال إحساسه بالثقة وبالقوة والثبات.

أضف إلى ذلك : أن المسلمين كانوا يشكون في وفاء أبي سفيان بالوعد ، قال : موسى بن عقبة : «وخرجوا ببضائعهم ، وقالوا : إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له ، وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا» (١).

ومن يدري فلعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه قد طلب من المسلمين ذلك ، من أجل خدمة تلك العلاقات والروابط بالذات ، ومن أجل أهداف تدخل في نطاق الحرب الإعلامية والنفسية للأعداء ، وإعطاء فرص إيجابية إلى أولئك الآخرين الذين كانوا ينتفعون من هذه الفرص لتركيز قناعاتهم ، وتبلور مفاهيمهم عن الإسلام والمسلمين ، الأمر الذي ستكون له إيجابياته في المستقبل.

غزوة دومة الجندل :

إيضاحات :

١ ـ دومة الجندل : مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال ، وتبعد عن المدينة

__________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠٣ وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٧١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٨٩ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٨٥.

١٠٤

خمس عشرة أوست عشرة ليلة. وهي بقرب تبوك (١).

وقيل : دومة الجندل : اسم حصن (٢).

٢ ـ صاحب دومة الجندل هو أكيدر بن عبد الملك الكندي ، وهو يدين بالنصرانية ، وهو في طاعة هرقل ملك الروم (٣).

٣ ـ هذه الغزوة أول غزوات النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الروم (٤).

٤ ـ قال المقدسي عن سنة خمس من الهجرة : «وهي سنة الزلازل» (٥).

تاريخ هذه الغزوة :

صرح البعض : بأن دومة الجندل كانت في أواخر السنة الرابعة (٦).

وقال بعض آخر : إنها كانت بعد غزوة ذات الرقاع بشهرين وأربعة أيام (٧).

وثالث يقول : إن الخندق كانت في السنة الرابعة ، ودومة الجندل بعدها

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ عن ابن سعد ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٧ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣ والتنبيه والإشراف ص ٢١٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩.

(٣) التنبيه والإشراف ص ٢١٥ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٧.

(٤) البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٤.

(٥) التنبيه والإشراف ص ٢١٥.

(٦) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٧.

(٧) نقله في تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩.

١٠٥

في الخامسة (١).

والأكثرون على أنها كانت في السنة الخامسة في شهر ربيع الأول منها (٢).

وعند ابن سعد : في شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا من مهاجره (٣).

هذه الغزوة :

قال البعض : «أراد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يدنو إلى أدنى الشام ، وقيل له : إنها طرف من أفواه الشام ؛ فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصر الخ ..» (٤).

__________________

(١) تاريخ مختصر الدول ص ٩٥.

(٢) راجع ما يلي : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٧٧ و ١٧٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٩٢ ونقل عن الواقدي : أنها في ربيع الآخر. وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٧ والجامع للقيرواني ص ٢٨١ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٢٩ وشذرات الذهب ج ١ ص ١١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٢ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤١ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٧ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦.

(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٦٢ ونهاية الإب ج ١٧ ص ١٦٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨.

(٤) مغازي الواقدي ج ١ ص ٤٠٣ وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٧٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٩٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٩٠.

١٠٦

وقال بعض آخر : إنهم كانوا يعترضون المسافرين إلى المدينة وتجارهم (١).

غير أن جمعا آخر من المؤرخين يقولون : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سمع أن جمعا من قضاعة وغسان تجمعوا بكثرة في دومة الجندل. وكان بها سوق عظيم ، وتجار ، بلغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنهم يظلمون من مر بهم. وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة.

فاستخلف «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ـ وعند المسعودي : استخلف ابن أم مكتوم ـ وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من أصحابه.

فكان يسير الليل ويكمن النهار ، ومعه دليل من بني عذرة يقال له مذكور. وقد نكب عن طريقهم ، فلما كان بينه وبين دومة يوم قال الدليل : يا رسول الله ، إن سوائمهم ترعى عندك ؛ فأقم حتى أنظر.

وسار مذكور حتى وجد آثار النعم ؛ فرجع وقد عرف مواضعهم ؛ فهجم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ماشيتهم ؛ فأصاب من أصاب ، وهرب من هرب في كل وجه.

وجاء الخبر إلى دومة الجندل ، فتفرقوا ، ورجع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وفي نص آخر : ونذر به القوم ، فتفرقوا ؛ فلم يجد إلا النعم والشاء ، فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب ، وهرب من هرب في كل وجه ، وجاء الخبر أهل دومة ، فتفرقوا.

__________________

(١) التنبيه والإشراف ص ٢١٥.

١٠٧

ونزل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بساحتهم ، فلم يلق بها أحدا ؛ فأقام بها أياما ، وبث السرايا ، وفرقها ؛ فرجعوا ولم يصادفوا منهم أحدا ورجعت السرية بالقطعة من الإبل.

فرجع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ودخل المدينة في العشرين من ربيع الآخر ، فكانت غيبته خمسا وعشرين ليلة (١).

وقال المقدسي : «إن التجار والسابلة شكوا أكيدر الكندي عامل هرقل عليها ، فسار إليها في ألف رجل ، يسير الليل ويكمن النهار ، وأحس بذلك أكيدر فهرب ، واحتمل الرحل ، وخلى السوق ، وتفرق أهلها ، فلم يجد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أحدا ، فرجع» (٢).

كانت تلك صورة عما يقوله المؤرخون عن هذه الغزوة قد جمعنا

__________________

(١) راجع ما تقدم كله أو بعضه في المصادر التالية : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٧ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤١ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ وحياة محمد لهيكل ص ٢٨١ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٢٩ والوفاء ص ٦٩١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٢ والثقات ج ١ ص ٢٦٠ والتنبيه والإشراف ص ٢١٥ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٧ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢١٢ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٣ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٩٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٧٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٩٠ و ٣٩١.

(٢) البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٤ وأشار إليه الذهبي في تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢١٢ (السابلة : عابر والسبيل).

١٠٨

شتاتها ، وألفنا بين متفرقاتها ومختلفاتها ، فراجع المصادر التي في الهوامش.

وقبل أن نواصل الحديث نتوقف قليلا لنسجل بعض الملاحظات والتحفظات فنقول :

مدة غيبته صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المدينة :

قولهم : إن مدة غيبته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن المدينة في هذه الغزوة كانت خمسا وعشرين ليلة لا يصح.

لأنهم يقولون : إن دومة الجندل تبعد عن المدينة مسافة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة (١) ، فالذهاب والإياب منها وإليها لسوف يستغرق أكثر من شهر.

يضاف إلى ذلك : أنه كان يسير الليل ويكمن النهار ، فقد يحتاج المسير إليها والحالة هذه إلى أكثر من ذلك أيضا.

هذا بالإضافة إلى أنهم يقولون : إنه أقام بها أياما يبث السرايا ، فكيف تكون مدة غيبته عن المدينة خمسا وعشرين ليلة فقط؟!.

رجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل بلوغ دومة!!

قد ادّعى البعض ، كابن هشام : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رجع قبل أن يصل إلى دومة الجندل (٢).

__________________

(١) تقدمت مصادر ذلك في أول هذا الفصل تحت عنوان : إيضاحات.

(٢) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٢٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٧٧ عن ابن إسحاق والبداية والنهاية ج ٤ ص ٩٢ ودلائل النبوة ج ٣ ص ٣٩٠.

١٠٩

وقد يكون لنا الحق في أن نشك في صحة هذا القول ، ما دام أنه يعطي انطباعا سلبيا عن حالة المسلمين ، فإن الرجوع لا بد أن يكون لأحد سببين ، أو كليهما ، وكلاهما مرفوض.

وهما :

الأول : إنه خاف من التعرض لقيصر ، فإنه قد راجع حساباته في الطريق ؛ فأدرك أن هذا في غير صالحه ؛ فآثر الرجوع ، ولو تسبب ذلك بنوع من الشعور بالضعف لدى المسلمين ، وسوف يؤكد ذلك هيبة ملك الروم في نفوسهم ، وهذا مما لا يمكن قبوله في حق النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

الثاني : إنه قد أحس بأن المدينة تتعرض لخطر من نوع ما في حال غيابه عنها ، سواء من داخلها ، من قبل المنافقين واليهود وغيرهم ممن لم يسلم حتى الآن ، أو من خارجها ، من قبل قريش ومن معها من المشركين المتربصين حول المدينة ، وفي سائر المناطق.

وهذه أيضا نقطة ضعف أخرى ، كان من المفروض أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد حسب حسابها ، وأعد العدة لمواجهتها ، قبل أن يخرج من المدينة. فلا يمكن أيضا قبول هذا السبب لما يتضمنه من نسبة القصور أو التقصير ـ والعياذ بالله ـ إلى ساحة قدس النبي الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

التوجيه الأقرب :

وإذا صح أنه رجع ولم يبلغها ، فالأظهر أنه قد بلغه أن أهلها قد عرفوا بمسيره إليهم ، فتنحوا عنها إلى جهة غير معلومة ، بحيث لم يعد ثمة فائدة من المسير إليهم.

١١٠

لكن الذي يعترض طريق قبول ذلك هو تلك التفاصيل الكثيرة والدقيقة التي يذكرها المؤرخون مما كان قد حصل في غزوة دومة الجندل.

ولا سيما مع تصريحهم ، بأنه لما كان بينه وبين دومة الجندل يوم ، قال الدليل : يا رسول الله الخ .. وتصريحهم بأنه أقام أياما يبث السرايا في النواحي.

فالأقرب أن يقال : إن هؤلاء الذين ادّعوا : أنه قد رجع قبل أن يبلغها قد غلطوا في ذلك وليس الغلط من مثل هؤلاء بعزيز.

ونسجل هنا ما يلي :

ألف : إننا نلاحظ : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يختار المسير ليلا والكمون نهارا ، ليمكن له مفاجأة العدو ، وأخذه على حين غرة ، فيحقق بذلك الغرض من دون أن يتكبد المسلمون خسائر كبيرة ، لو أن المشركين كانوا مستعدين للحرب ، عارفين بمسير المسلمين إليهم.

ويكون بذلك قد قدم لنا أيضا مثلا في التدبير الحربي السليم ، الذي يوفر مزيدا من الفرص لتسجيل النصر الحاسم ، من خلال الاستفادة من عنصر التخفي في التحرك نحو الهدف المطلوب.

ب : إن تحرك النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمين ، كان بهدف الحفاظ على حرية حركة الناس ، وضرب مصدر المتاعب حينما أصبحت طرق المواصلات والإمدادات والتموين ، الذي يأتي عن طريق التجارة مع المناطق الشمالية كسورية وما والاها غير آمنة. إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد تحرك ليصبح طريق الناس آمنا ، وليمكنهم من أن يتواصلوا وينفع بعضهم بعضا من خلال نقل التجارب والمعارف ، ونقل المنتجات ، وغير ذلك.

١١١

وهذا يشير إلى أن حق الحرية هذا مقدس ، ولا يمكن المساس به من أي كان ، وأنه لا يمكن للحاكم العادل أن يقف تجاه انعدام الأمن موقف اللامبالاة ، ويعتبر أن ذلك لا يعينه ، وإنما هو مسؤولية غيره ، بل عليه أن يبادر إلى تحمل مسؤولية حماية حرية الناس في تحركاتهم ، وترددهم بتجاراتهم وغيرها ، رغم أن ذلك يحمل في طياته خطر الاصطدام بعامل هرقل عظيم الروم ، ثم بهرقل ذاته من بعده.

ج : يضاف إلى ما تقدم : أن ما جرى في بدر الموعد ، قد أعطى المسلمين المزيد من النشاط ، وجعلهم يتحركون بصورة أكثر حيوية وفاعلية ، حينما توجهوا إلى شمال الجزيرة ، بعد أن توطدت هيبتهم في الجنوب بسبب ما جرى في غزوتي بدر الموعد ، وحمراء الأسد ، وغيرهما.

ومعنى ذلك هو : أنهم قد عطفوا نظرهم إلى منطقة يعتبر قيصر الروم فيها هو الأقوى ، والأعظم نفوذا ، ولا يتوقع القيصر أن تنشأ في جزيرة العرب حركة تجترئ عليه ، أو تسمح لنفسها بالتفكير بالتطاول على هيبته وسلطانه.

د : والأكثر وقعا وتأثيرا في هذه الغزوة : أن نجد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حينما وصل إلى دومة الجندل ، وفر أولئك الأشرار منها ، قد بقي يبث السرايا والبعوث عدة أيام في مختلف الاتجاهات ، بحثا عن أولئك الأشرار الهاربين.

ومعنى ذلك هو : أن هذا الهجوم قد كان مدروسا بعناية ، وهدوء ، ويراد له أن يترك آثاره في المنطقة كلها ، ولم يكن ثمة تسرع في اتخاذ القرار فيه ، ولا كان ناشئا عن اندفاع عاطفي ، أو ما أشبه ذلك.

١١٢

ه : إن سرعة تحرك جيش بهذه الكثافة إلى بلد يبعد عنه مسيرة أيام كثيرة وثقته بنفسه ، واطمئنانه إلى عدم جرأة أحد على العبث بالأمن في بلده من بعده ، ليدل على مدى ثقة هذا الجيش بنفسه وبقدراته ، وعلى أنه قادر على تسديد ضربته لكل من تسول له نفسه أن يتآمر أو يشارك في التآمر ضده ، وعليه أن يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على التحالف مع أعدائه ومناوئيه.

وإذا كان المسلمون أقوياء ، فلسوف تتشوف نفوس الكثيرين للتحالف معهم ، والوقوف إلى جانبهم ، والعيش في كنفهم.

ولا أقل من أنهم سوف يسعون لإقامة علاقات طبيعية معهم. أما التحالف مع الأعداء ، ومشاركتهم في مناوأة المسلمين ، فإنه يصبح أكثر صعوبة خصوصا من القبائل التي لا تتوفر لديها أعداد ضخمة وكافية لحماية نفسها من قوة لها هذا النشاط ، وبهذا الحجم والمستوى.

وهذا من شأنه أن يضعف أمر قريش ، ويقلل من الفرص المتاحة لجمع الحشود ، وتحزيب الأحزاب لمواجهة المد الإسلامي العارم.

و: إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمين وهم يحاولون أن يقللوا من الخسائر البشرية ما أمكنهم ، فإنهم يعتمدون طريقة الضغط السياسي والروحي ، على الخصم ، وكذلك إضعافه اقتصاديا بصورة رئيسية باستيلائهم على مواشيهم وأموالهم ، الأمر الذي يضعف مقاومتهم ، وقدرتهم على تنظيم المؤامرات ، وبذل الأموال لتجييش الجيوش لحرب المسلمين.

وليس ذلك لأجل حب السلب والنهب ، وجمع الأموال ، والشاهد على ذلك : أننا نجده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يجعل فداء أسير من أسرى المشركين

١١٣

تعليم عشرة أطفال من المسلمين القراءة والكتابة ، رغم شدة حاجة المسلمين لأقل شيء من المال. وقد تقدم ذلك في غزوة بدر.

كما أننا نراه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين يرتكب خالد بن الوليد جريمة في حق بعض القبائل ـ وذلك حينما أرسل خالدا لدعوة بني جذيمة ، فآمنهم ، فلما وضعوا السلاح أمر بهم فكتفوا ، ثم عرضهم على السيف ـ نراه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما بلغه ذلك تبرأ من فعل خالد ، ثم أرسل عليا «عليه‌السلام» فودى لهم الدماء ، وما أصيب لهم من الأموال ، حتى إنه ليدي ميلغة الكلب (١).

دومة الجندل حقيقة أم خيال؟! :

قال العلامة الحسني : «إن أخبار هذه الغزوة أكثرها عن الواقدي ، وأخباره في الغالب من نوع المراسيل ، ومن البعيد أن يترك النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المدينة قرابة شهر كامل ، كما يدّعي المؤلفون في السيرة ، إلى مكان بعيد مسافة تزيد عن خمسة عشر يوما ، والأعراب من حولها لا يزالون على الشرك ، وهم يترقبون المسلمين ، ويستغلون الفرصة المناسبة للوقيعة بهم. ومن ذا يمنعهم من المدينة إذا غاب عنها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع ألف من أصحابه وفيها من المنافقين ما لا يقل عددا عن المسلمين وكانوا على اتصال دائم بقريش وأحلافها من المشركين؟

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٧ ص ١٦٩ عن سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٥٣ ـ ٥٧ وعن تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٤٥ وعن أسد الغابة ج ٣ ص ١٠٢ وعن الإصابة ج ١ ص ٣١٨ وج ٢ ص ٨١ وعن البخاري كتاب المغازي.

١١٤

من البعيد أن يتركها ليغزو أطراف الجزيرة المتاخمة لحدود الشام في مثل هذه الظروف إلا أن يكون مأمورا بذلك من الله سبحانه» (١).

ونقول :

١ ـ إننا لا نستطيع أن نوافق على ما ذكره العلامة الحسني «رحمه‌الله» ، لأن ذلك لو كان ، لكان مانعا من التحرك نحو أي من المناطق الأخرى ، قريبة كانت أو بعيدة. فإن كثيرا من الغزوات كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يغيب فيها أياما كثيرة. فقد غاب في غزوة بدر الموعد ست عشرة ليلة ، منها ثمانية أيام أقامها في بدر ، والباقي في الطريق ذهابا وإيابا ، وكانت غيبته في ذات الرقاع خمس عشرة ليلة ، وكانت غيبته في غزوة بني المصطلق ثمانية وعشرين يوما.

فقد كان بإمكان الأعداء أن يغتنموا فرصة غيابه للإغارة على المدينة ، بصورة سريعة وخاطفة ، أو احتلالها ، لا سيما مع وجود اليهود والمنافقين ، والمشركين فيها وحولها.

٢ ـ ومن جهة ثانية ، فإن سير الأحداث يعطي : أن الرسول الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كانت له أجهزة استخبارات قوية وفاعلة لا يفوتها رصد أية تحركات أو تجمعات مريبة ، بل وحتى المؤامرات والنوايا أحيانا. وقد كانت مبثوثة في مختلف الأنحاء والأرجاء قريبة كانت أو بعيدة كما ألمحنا إليه فيما سبق.

ومن الواضح : أن مهاجمة المدينة في غياب الرسول «صلى الله عليه

__________________

(١) سيرة المصطفى ص ٤٥٧.

١١٥

وآله» يحتاج إلى جمع قوى كثيرة من مختلف القبائل ولن يخفى ذلك على عيون الرسول الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

٣ ـ أضف إلى ذلك : أن النبي كان قد عقد تحالفات ومعاهدات كثيرة في المنطقة ، كما أنه قد عقد تحالفات مع سكان المدينة أنفسهم ، يلزمهم فيها الدفاع والنصر ، خصوصا إذا هوجم ، فكيف إذا هوجموا؟

٤ ـ وحين يظعن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن المدينة ، فإنه لا يخليها نهائيا ، بحيث لا تبقى فيها أية قوة عسكرية قادرة على ضبط الوضع داخليا ، والدفاع ضد العدو الخارجي قدر الإمكان لو دهمهم أمر ، وإلى أن يأتي الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويمسك هو بزمام المبادرة.

٥ ـ مضافا إلى أن ضرب المدينة في غياب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يحسم الأمر ، بل هو سوف يعرض من تسول له نفسه ويقدم على ذلك إلى العقاب الصارم ، الذي لن يكون قادرا على دفعه عن نفسه. فإن الكل كانوا أصغر من أن يجرؤوا على ذلك ، بعد أن عجزت قريش وفشلت ذلك الفشل الذريع. ولم يكن لأي من القبائل ما كان لقريش من قوة وشوكة ، ونفوذ ومنعة في المنطقة بأسرها.

ذكريات أبي موسى الأشعري في دومة الجندل :

ويذكر المؤرخون : أن تحكيم الحكمين قد كان بدومة الجندل (١).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ وصفين ص ٥٣٥ و ٥٣٨ و ٥٤٠ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي ج ٢ ص ٢٤٨ وراجع : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٥٢ ومصادر ذلك كثيرة جدا فلتراجع كتب التاريخ ، حين الحديث حول قضية صفين ، ثم التحكيم.

١١٦

وفي كتاب الخوارج عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : «مررت مع أبي موسى بدومة الجندل ، فقال : حدثني حبيبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنه حكم في بني إسرائيل في هذا الموضع حكمان بالجور ، وأنه يحكم في أمتي حكمان بالجور في هذا الموضع.

قال : فما ذهبت الأيام حتى حكم هو وعمرو بن العاص فيما حكماه ، قال : فلقيته.

فقلت : يا أبا موسى قد حدثتني عن رسول الله.

فقال : والله المستعان. كذا أورده المجد» (١).

موادعة عيينة بن حصن الغادر :

ويذكر المؤرخون : أنه لما رجع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من دومة الجندل وادع عيينة بن حصن الذي كانت أرضه قد أجدبت : أن يرعى بتغلمين وما والاه إلى المراض ، وكان ما هناك قد أخصب ، وهو موضع بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلا على طريق الربذة (٢).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ وذكر هذه القصة أيضا وإن لم يصرح بأن التحكيم كان وسيكون في دومة الجندل كل من : المسعودي في مروج الذهب ج ٢ ص ٣٩٢ وشرح نهج البلاغة للمعنزلي ج ١٣ ص ٣١٥ وراجع ص ٣١٦ وراجع : قاموس الرجال ج ٦ ص ١٠٨ و ١٠٩.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٧ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٦٣ وراجع : نهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٣ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٢٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٢.

١١٧

وسيأتي : أنه لما سمن حافره ، وانتقل إلى أرضه أغار على لقاح (١) رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالغابة ..

حكومة القيم ، أم حكومة المشاعر؟!

وغني عن القول هنا : إن عيينة بن حصن كان لا يزال هو ومن معه على الشرك والكفر ، الذي كان يناوئ الدعوة الإسلامية بكل الوسائل.

ولم يكن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين سمح له بما سمح يطمع في الحصول على أي نفع من قبله ، فلم يكن يريد في مقابل ذلك مالا ، ولا كان يريد منه أن ينصره على عدوه ، ويتقوى به على مناوئيه ، لا في مال ، ولا رجال.

كما أن عيينة لم يكن يملك قوة خارقة للعادة ، بحيث يخشاه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وينصاع لما يطلبه منه.

كما أننا نلاحظ : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يحاول استغلال حاجة عيينة ومن معه ، ليفرض عليهم شروطا ، ويحصل على امتيازات سياسية ، أو مادية ، أو غير ذلك. بل هو لم يطلب حتى السماح لدعاته بأن يطرحوا مع الناس هناك قضية الإسلام والإيمان ، فضلا عما هو أبعد من ذلك.

بل تصرف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على أساس ما لديه من مثل وقيم ، وقناعات ومنطلقات إيمانية وإنسانية ، ومن ثوابت أخلاقية ودينية.

فالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرى أن الحرب إنما تهدف إلى منع قوى

__________________

(١) اللقاح : النياق الحلوب الغزيرة اللبن.

١١٨

الهيمنة والاستكبار من فرض إرادتها ، ومصادرة حرية الآخرين في الفكر وفي الإيمان. وإلى دفع غائلة العدو الذي يريد سحق قوى الخير ، ونسف قواعد الإيمان. وليس للحرب أي دور حين تجري الأمور بصورة طبيعية.

فإن السلاح الذي يعتمد عليه الإسلام هو الدليل القاطع والبرهان الساطع ، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والجدال بالتي هي أحسن ..

بل إن كل الجرائم التي ارتكبها مشركو قريش في حق الإسلام والمسلمين لم تمنع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من إرسال الأموال إلى مكة ، حين علم أن أهلها يعانون من ضائقة كبيرة بسبب الجدب.

ولم يكن منطلقه في ذلك ، ولا في موقفه هنا من عواطف ثاثرة ، تتحرك باندفاع وبعنفوان بصورة غير واعية ولا متزنة في الحالات الطارئة. بل منطلقه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو القيم والمثل العليا ، وكل المعاني الإنسانية الصافية والنبيلة ، فليس ثمة تناقض بين الأحاسيس والمشاعر ، وبين الموقف الرسالي والمبدئي.

بل إن مشاعره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأحاسيسه قد نمت وتربت في ظل مبادئه وقيمه ومن خلالها ، فمنها تنطلق وإليها تنتهي ، وعلى أساسها تقوم وتدوم.

١١٩
١٢٠