الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

يتبرع الحاكم به عليهم. نعم لو كانت الديون لمن له (١) عليه ولاية كان له الحجر ، أو بعضها (٢) مع التماس الباقين ، ولو كانت (٣) لغائب لم يكن للحاكم ولايته (٤) لأنه لا يستوفي له ، بل يحفظ أعيان أمواله ، ولو التمس بعض الغرماء فإن كان دينهم يفي بماله ويزيد جاز الحجر وعمّ (٥) وإلا (٦) فلا على الأقوى.

(بشرط حلول الدين (٧) فلو كان كله ، أو بعضه مؤجلا لم يحجر ، لعدم استحقاق المطالبة حينئذ ، نعم لو كان بعضها حالا جاز مع قصور المال عنه (٨) والتماس أربابه.

(ولا تباع داره (٩) ،

______________________________________________________

فلا يحجر عليه تبرعا مع عدم التماسهم للأصل ، نعم لو التمس بعضهم فقط فيعتبر في التحجير عليه أن يكون دينه على نحو أكثر من مال الغريم وإن عمّ الحجر حينئذ له ولغيره ، واستقرب العلامة في التذكرة جواز الحجر بالتماس بعضهم وإن لم يكن دين الملتمس زائدا عن ماله ، وهو ضعيف ، هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كانت الديون لمن للحاكم عليه ولاية كالطفل واليتيم والمجنون والسفيه كان للحاكم الحجر باعتبار ولايته على الغرماء.

(١) أي لمن للحاكم.

(٢) أي لو كان بعض ديون الغرماء لمن للحاكم عليه ولاية ، وقد التمس بقية الغرماء الحجر كان للحاكم الحجر عليه.

(٣) أي الديون.

(٤) أي ليس للحاكم ولاية على الغائب حتى يستوفي ماله في ذمم الآخرين.

(٥) أي وعمّ الحجر بالنسبة لغير الملتمس.

(٦) وإن لم يف دين الملتمس بمال المديون فلا حجر ، وقد خالف العلامة في التذكرة على ما تقدم.

(٧) هذا هو الشرط الرابع ، فلو كانت ديونه مؤجلة لم يحجر عليه وإن لم يف ماله بها ، إذ ليس لهم المطالبة في الحال وربما يجد الوفاء عند توجه المطالبة بعد حلول الأجل.

(٨) عن البعض الحالّ.

(٩) لا يجبّر المفلّس على بيع داره التي يسكنها لصحيح الحلبي عن عبد الله عليه‌السلام (لا تباع الدار ولا الجارية في الدين ، ذلك أنه لا بدّ للرجل من ظلّ يسكنه وخادم يخدمه) (١) ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الدين حديث ١.

٤١

ولا خادمه (١) ، ولا ثياب تجمله (٢). ويعتبر في الأول والأخير ما يليق بحاله كما وكيفا (٣) ، وفي الوسط ذلك (٤) ، لشرف ، أو عجز ، وكذا دابة ركوبه (٥) ، ولو احتاج إلى المتعدد استثنى كالمتحد ولو زادت (٦) عن ذلك في أحد الوصفين وجب الاستبدال ، والاقتصار على ما يليق بحاله ، (وظاهر ابن الجنيد بيعها) في الدين

______________________________________________________

وخبر ابن زياد (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن لي على رجل دينا وقد أراد أن يبيع داره فيقضيني ، فقال عليه‌السلام : أعندك بالله أن تخرجه من ظل رأسه) (١) ، ومثلها غيرها.

ومن التعليل في صحيح الحلبي يعرف أن الدار التي لا تباع في الدين هي الدار التي يحتاجها لسكناه ، فلو كانت عنده دار زائدة بيعت حينئذ بلا خلاف فيه كما في الجواهر.

بل لو كانت عنده دار واسعة بحيث كان بعضها كامنا لسكناه فيجب بيع الباقي حينئذ ، قال الصدوق في الفقيه (وكان شيخنا محمد بن الحسن يروي أنها إن كانت الدار واسعة يكتفي صاحبها ببعضها فعليه أن يسكن منها ما يحتاج ، ويقضي ببقيتها دينه ، وكذلك إن كفته دار بدون ثمنها باعها واشترى بثمنها دارا ليسكنها ويقضي بالثمن دينه) (٢).

وعن التذكرة المنع من بيع الدار وشراء الأدون للنهي عن بيع الدار كما في صحيح الحلبي ، وفيه : إن النهي في صحيح الحلبي وغيره محمول على الدار التي تكون بقدر كفايته ، ولذا اعتبر في الدار المستثناة كونها لائقة بحاله كما وكيفا ، والمشهور على استثناء الدار والخادم ، واستثناء الخادم لنفس صحيح الحلبي المتقدم ، وعن ابن الجنيد الإلزام ببيع الدار والخادم في الدين ، وإن كان الأولى تركه للغريم ، وفيه : إنه اجتهاد في قبال النص.

(١) المحتاج إلى خدمته كما يدل عليه صحيح الحلبي المتقدم.

(٢) لاحتياجه إليها كاحتياجه إلى الدار والخادم المنصوص عليهما ، بلا خلاف فيه ، ولأن في بيع ثياب التجمل حرجا وعسرا ، وهما منفيان بالشريعة.

(٣) من غير اشتراط الشرف والعجز بخلاف الوسط الذي هو الخادم ، لأنهما من ضروريات المعاش.

(٤) أي ما لا يليق بحاله كما وكيفا لشرف أو عجز.

(٥) كالوسط باشتراط الشرف أو العجز.

(٦) أي لو زادت الأشياء الثلاثة عما يليق بحاله في أحد الوصفين من الكم أو الكيف وجب الاستبدال.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الدين حديث ٣ و ٦.

٤٢

(واستحب للغريم تركه ، والروايات متضافرة بالأول (١) وعليه العمل ، وكذا تجرى عليه نفقته يوم القسمة (٢) ، ونفقة واجبي النفقة ، ولو مات قبلها (٣) قدم كفنه ، ويقتصر منه على الواجب وسطا مما يليق به عادة ، ومئونة تجهيزة (٤).

وهذه الأحكام استطردها في كتاب الدين لمناسبته وإن جرت العادة باختصاص الفلس بباب ، ورعاية (٥) لإدراج الأحكام بسبيل الاختصار.

(القسم الثاني ـ دين العبد)

خصه (٦) بناء على الغالب من توليه (٧) ذلك ، دون الأمة. ولو أبدله بالمملوك كما عبر غيره عمّ ، (ولا يجوز له التصرف فيه) أي في الدين بأن يستدين (٨) ، لا

______________________________________________________

(١) أي الاستثناء.

(٢) لا خلاف في أنه ينفق عليه نفقته وكسوته ونفقة وكسوة من تجب عليه نفقته إلى يوم قسمة ماله ، ويعطي هو وعياله نفقة ذلك اليوم ، لنفي الحرج والعسر.

(٣) قبل القسمة فيقدم كفنه على حقوق الغرماء بلا خلاف فيه لخبر زرارة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات وعليه دين بقدر كفنه ، قال : يكفّن بما ترك ، إلا أن يتجر إنسان فيكفنه ويقضي بما ترك دينه) (١) ، وخبر إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن أول ما يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث) (٢) ، والقدر المتيقن من الكفن هو الواجب منه وهو ثلاثة أثواب ، ويعتبر فيها الوسط مما يليق بحاله عادة ، ولا يجب الاقتصار على الأدون ـ كما في المسالك ـ مع احتمال الاقتصار على الأدون وبه قطع الشهيد في البيان.

(٤) من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك.

(٥) علة ثانية لذكر هذه الأمور في باب الدين.

(٦) أي خصّ الدين بالعبد.

(٧) أي تولي العبد الدين.

(٨) لا يجوز للملوك أن يتصرف في نفسه بإجارة ولا استدانة ، ولا غير ذلك من العقود ، ولا بما في يده ببيع ولا هبة إلا بإذن سيده ، وعليه فلو أذن المولى للعبد في الاستدانة للمولى كان الدين لازما على المولى بلا خلاف فيه ضرورة كون العبد كالوكيل حينئذ.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدين حديث ١ و ٢.

٤٣

فيما استدانه وإن كان حكمه كذلك ، لدخوله في قوله : (ولا فيما بيده) من الأموال (إلا بإذن السيد) سواء قلنا بملكه أم أحلناه ، (فلو استدان بإذنه) ، أو إجازته (١) (فعلى المولى وإن أعتقه) ، وقيل : يتبع به مع العتق ، استنادا إلى رواية لا تنهض حجة فيما خالف القواعد الشرعية ، فإن العبد بمنزلة الوكيل وانفاقه على نفسه وتجارته بإذن المولى انفاق لمال المولى فيلزمه كما لو لم يعتق ، ولو كانت الاستدانة للمولى فهو عليه قولا واحدا.

(ويقتصر) المملوك (في التجارة على محل الإذن (٢) فإن عين له نوعا ، أو

______________________________________________________

ولو أذن المولى للعبد في الاستدانة لنفس العبد ، فعلى المولى كما هو المشهور لصحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (قلت له : الرجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين ، قال : إن كان أذن له أن يستدين فالدين على مولاه ، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي‌ء على المولى ويستسعي العبد في الدين) (١) ، وعن الشيخ في النهاية والقاضي والعلامة في المختلف وجماعة أنه على المولى ما دام العبد غير معتق ، وكذا لو باعه ، ولكن لو أعتقه فهو على العبد بعد العتق لخبر طريق بيّاع الأكفان (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غلام لي كنت أذنت له في الشراء والبيع فوقع عليه مال الناس ، وقد أعطيت به مالا كثيرا ، فقال : إن بعته لزمك ما عليه ، وإن أعتقته فالمال على الغلام) (٢) ، وخبره الآخر قال : (كان أذن لغلام له في البيع والشراء فأفلس ولزمه دين ، فأخذ بذلك الدين الذي عليه ، وليس يساوي ثمنه ما عليه من الدين ، فسأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : إن بعته لزمك الدين ، وإن أعتقت لم يلزمك الدين ، فأعتقه ولم يلزمه شي‌ء) (١) ومثلها غيرها.

وهذه الطائفة ضعيفة السند ومخالفة للقواعد الشرعية لأن المشغول مع الاذن هو المولى لا العبد ، ولو أنفقه على نفسه لأنه إنفاق لمال المولى على مال المولى.

(١) وذلك فيما لو استدان أولا ثم أذن له فيما بعد ، بخلاف الاذن فإنه قبل الاستدانة.

(٢) قال في الجواهر : (وإذا أذن له في التجارة اقتصر على موضع الاذن ، فلو أذن له بقدر معين أو زمان أو مكان أو جنس كذلك لم يزدد عليه كما في كل محجور عليه ، وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا) انتهى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدين حديث ١ و ٢.

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدين حديث ٣.

٤٤

مكانا ، أو زمانا تعين وإن أطلق تخير ، (وليس له الاستدانة بالإذن في التجارة (١) لعدم دلالتها عليها (٢) إلا أن تكون لضرورتها (٣) كنقل المتاع وحفظه مع الاحتياج إليه (٤) (فتلزم ذمته (٥) لو تعدى المأذون نطقا (٦) ، أو شرعا (٧) (لو تلف يتبع به بعد عتقه) ويساره (على الأقوى) ، وإلا (٨) ضاع ، ولو كانت عينه باقية رجع إلى مالكه ، لفساد العقد (٩) ، (وقيل : يسعى فيه) العبد معجلا ، استنادا إلى إطلاق رواية أبي بصير ، وحملت على الاستدانة للتجارة (١٠) لأن الكسب للمولى فإذا لم يلزمه فعله لا

______________________________________________________

(١) الاذن في التجارة ليس إذنا في الاستدانة للتغاير بينهما ، فلو استدان حينئذ وتلف المال في يد العبد كان الدين لازما لذمة العبد يتبع به بعد العتق على المشهور لوجود سبب الضمان بالنسبة إليه دون سيده ، وعن الشيخ في النهاية أنه يستسعي به معجلا لإطلاق صحيح أبي بصير المتقدم حيث قال : (وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي‌ء على المولى وليستسعي العبد في الدين) (١) ، وحملت الرواية على ما لو استدان لضرورة التجارة. ولم يأذن المولى في التجارة ، فلا إذن في الاستدانة حينئذ كما سيأتي.

(٢) أي لعدم دلالة التجارة على الاستدانة.

(٣) أي إلا أن تكون الاستدانة لضرورة التجارة فتجوز لأن الاذن في التجارة يدل على الاذن في الاستدانة لضرورة التجارة بالدلالة الالتزامية عرفا.

(٤) أي إلى النقل أو الحفظ.

(٥) أي ذمة العبد ويتبع به بعد العتق على المشهور كما تقدم.

(٦) كما لو أذن له في التجارة في بلد معين ، فخالف وتاجر في بلد آخر.

(٧) كما لو حصلت الضرورة المذكورة فاستدان أكثر من اللازم.

(٨) أي وإن لم يعتق يضع المال على الدائن.

(٩) وهو القرض ، فالتصرف من العبد غير مأذون فيه كما هو المفروض فالقبول الواقع منه كالعدم ، وبه يبطل العقد ويبقى المال على ملكية الدائن ، فيرجع الدائن على عين ماله عند بقاءه.

(١٠) في الأمور الضرورية لها غير أن المولى لم يأذن بأصل التجارة فلا إذن بالاستدانة حينئذ ، غايته أن كسب العبد في هذه التجارة لمولاه فلا بدّ أن يكون ما يقتضيه الكسب من الدين متعينا من مال المولى ، ولكنه لا نلزم المولى بدفعه بل نلزم العبد بالسعي فيه معجلا للرواية ، وسعي العبد المعجل مال للمولى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدين حديث ١.

٤٥

يدفع من ماله (١).

والأقوى أن استدانته لضرورة التجارة إنما يلزم مما في يده (٢) ، فإن قصر استسعى في الباقي ، ولا يلزم المولى من غير ما في يده ، وعليه (٣) تحمل الرواية.

(ولو أخذ المولى ما اقترضه المملوك (٤) بغير إذنه أو ما في حكمه (٥) (تخير المقرض بين رجوعه على المولى) ، لترتب يده على ماله مع فساد القرض ، (وبين اتباع العبد) بعد العتق واليسار ، لأنه كالغاصب أيضا ، ثم إن رجع على المولى قبل أن يعتق المملوك لم يرجع المولى عليه لأنه لا يثبت له في ذمة عبده مال ، وإن كان (٦) بعده وكان (٧) عند أخذه للمال عالما بأنه قرض فلا رجوع له على المملوك

______________________________________________________

(١) ولكنه يلزمه فعل العبد لأن الكسب له فيكون الوفاء عن ماله على بيان قد تقدم.

(٢) أي يد العبد.

(٣) أي على ما لو قصّر ما في يد العبد عن وفاء الدين تحمل الرواية باستسعاء العبد ، وإنما هو استسعاء في الباقي ، وفيه : ما دام الدين لازما للمولى لأن كسب التجارة التي استدان لضرورتها إنما هو للمولى فلا بدّ من إلزام المولى من غير ما في يد العبد ، وقد يجاب بأن هذا مبنى على وجود الرواية والعمل بها وحملها على هذا الوجه أقرب من غيره من الوجوه التي ذهب إليها المشهور أو الشيخ في النهاية.

(٤) لو اقترض المملوك بغير إذن سيده فأخذه المولى وقد تلف في يده كان المقرض بالخيار بين مطالبة المولى وبين إتباع المملوك إذا أعتق وأيسر ، لثبوت يد كل منهما على مال بغير حق ، فإن رجع على المولى قبل أن يعتق العبد لم يرجع المولى على العبد بشي‌ء لعدم تعلق ضمان العبد لمولاه ، ولعدم ثبوت المال للمولى على ماله ، ولا دليل على تجدده بعد العتق.

وإن رجع على العبد فهو رجوع على المولى لأن العبد وما يملك لمولاه ، هذا كله إذا كان الرجوع قبل عتق العبد ، ولو كان الرجوع بعده فإن رجع على العبد فله الرجوع على المولى لاستقرار التلف في يده إذا لم يكن العبد قد غرّ مولاه.

وإن رجع على المولى فإن كان مغرورا بحيث لم يعلم أن المال الذي في يد العبد هو دين للغير ، بل ادعى العبد أن المال المذكور إنما هو من كسبه ، يرجع المولى على العبد لمكان الغرور.

وإن لم يكن مغرورا ، بل كان عالما بأنه دين للغير فلا يرجع المولى على العبد لتفريطه.

(٥) أي حكم الإذن ، وهو الاستدانة لضرورة التجارة المأذون بها.

(٦) أي كان الرجوع على المولى بعد العتق.

(٧) أي المولى.

٤٦

أيضا لتفريطه ، وإن كان قد غره بأن المال له اتجه رجوعه عليه لمكان الغرور ، وإن رجع المقرض على العبد بعد عتقه ويساره فله الرجوع على المولى لاستقرار التلف في يده ، إلا أن يكون قد غر المولى فلا رجوع له عليه.

٤٧
٤٨

كتاب الرهن

٤٩
٥٠

كتاب الرهن (١)

[في تعريفه]

(وهو وثيقة للدين) والوثيقة فعيلة بمعنى المفعول أي موثوق به لأجل الدين ، والتاء فيها (٢) لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية كتاء الحقيقة لا للتأنيث ،

______________________________________________________

(١) الرهن لغة هو الثبات والدوام ، فيقال : رهن الشي‌ء إذا ثبت ودام ، ومنه نعمة راهنة ، ويطلق على الحبس بأي سبب كان ، قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (١) أي محبوسة.

وطفحت عباراتهم بأنه شرعا هو : وثيقة لدين المرتهن ، وهو مأخوذ من الحبس.

والوثيقة فعلية قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول ، والأنسب هنا الثاني ، لأن الرهن موثوق به ، ثم إن اللام في (لدين المرتهن) تعليلية ، أي لأجله ، ويمكن كونها للتعدية.

(٢) أشكل على تعريف الرهن المتقدم بأمور :

الأول : إن الوثيقة قد وقعت في التعريف خبرا ، والمبتدأ هو الضمير المنفصل ، وهذا يقتضي عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث ، وهو خلل لفظي ، ويمكن دفعه بأن لفظ الوثيقة مما يستوي فيه التذكير والتأنيث في الاستعمال ـ كما صرح به في الجواهر عن بعضهم ـ ، فخرجت التاء عن التأنيث.

بل قيل : إن التاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية لا للتأنيث كما في تاء الحقيقة والأكيلة والنطيحة ، وعلى كل فتحصل المطابقة ..

الأمر الثاني : إن إدخال المرتهن في التعريف يفضي إلى الدور ، لأن المرتهن قابل الرهن ،

__________________

(١) سورة المدثر ، الآية : ٣٨.

٥١

فلا يرد عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث ، وأتى بالدين معرفا من غير نسبة له إلى المرتهن حذرا من الدور باعتبار أخذه (١) فى التعريف ، وفي بعض النسخ لدين المرتهن.

ويمكن تخلّصه منه (٢) بكشفه (٣) بصاحب الدين ، أو من له الوثيقة من غير أن يؤخذ الرهن في تعريفه. والتخصيص (٤) بالدين إما مبني على عدم جواز الرهن على غيره وإن كان مضمونا كالغصب ، لكن فيه أن المصنف قائل بجواز الرهن عليه (٥) ، وعلى ما يمكن تطرق ضمانه كالمبيع (٦) وثمنه ، لاحتمال فساد البيع باستحقاقهما ، ونقصان قدرهما ، أو (٧) على أن الرهن عليهما (٨) إنما هو لاستيفاء الدين على تقدير ظهور الخلل بالاستحقاق (٩) ، أو تعذر العين (١٠).

______________________________________________________

أو من له الرهن ، فيتوقف تعريف كل منهما على الآخر ، ويدفع بإمكان كشف المرتهن بوجه لا يدخل الرهن في مفهومه بأن يقال : هو صاحب الدين ، ولذا عرّف الشهيد الرهن في الدروس بأنه وثيقة للمدين يستوفى منه المال ، وعرّفه هنا بأنه وثيقة للدين ، فسلم من هذا الإشكال.

(١) أي باعتبار أخذ الرهن في تعريف المرتهن فلو دخل المرتهن في تعريف الرهن للزم الدور.

(٢) أي ويمكن تخلص المصنف من الدور عند ما عرّف الرهن بأنه وثيقة لدين المرتهن على ما في بعض النّسخ.

(٣) أي بتفسير المرتهن.

(٤) الأمر الثالث الذي أورد على تعريف الرهن هو : أن تخصيص الرهن بالوثيقة للدين ليس في محله ، إذ قد يكون الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوب والمستعار مع الضمان مع أنها ليست دينا.

وفيه : إن الرهن على المذكورات مما فيه خلاف بخلاف الرهن على الدين ، وعلى تقدير الجواز فالرهن عليها إنما هو لاستيفاء الدين على تقدير تعذر العين.

(٥) أي على غير الدين فيما لو كان مضمونا.

(٦) كأن يأخذ المشتري من البائع وثيقة يستوفي منها المبيع إذا تبين أن المبيع مستحق للغير.

(٧) تعليل ثان لتخصيص الرهن بأنه وثيقة للدين.

(٨) على المبيع وثمنه.

(٩) أي استحقاق المبيع أو ثمنه لغير البائع والمشتري.

(١٠) في المغصوب.

٥٢

وفيه تكلف (١) ، مع أنه (٢) قد يبقى بحاله فلا يكون دينا ، وفيه (٣) على تقدير عدم الإضافة إلى المرتهن إمكان الوثيقة بدون الرهن ، بل بالوديعة والعارية ومطلق وضع اليد فيؤخذ مقاصة عند جحود المديون الدين ، وهو توثيق في الجملة ، ويفتقر الرهن (٤) إلى إيجاب وقبول كغيره من العقود.

______________________________________________________

(١) أي في التعليل الثاني تكلف ناشئ من عدم تسمية تعذر العين أو ظهور الاستحقاق دينا.

(٢) أي مع أن المبيع أو ثمنه قد يبقيان على حالهما عند ظهور استحقاقهما للغير فلا ينطبق اسم الدين إذا كان البيع قد تعلق بالعين الشخصية لبطلان البيع ، نعم لو تعلق بأمر كلي ثم ظهر أن ما قدمه كان مستحقا للغير فتكون ذمته مشغولة بالمبيع الكلي فيصدق حينئذ اسم الدين.

(٣) أي وفي تعريف المصنف للرهن هنا من دون إضافة الدين للمرتهن إشكال بأنه غير مانع للأغيار ، وذلك فيما لو كان عند الدائن وديعة للمديون ، فالوديعة وثيقة لدينه مع أنها غير رهن ، فلا بدّ من إضافة الدين حينئذ للمرتهن لتخرج الوديعة والعارية والمال المغصوب من المديون لو كان تحت يد الدائن فيكون التعريف مانعا حينئذ لهذه الأغيار وإن أفضى إلى الدور.

(٤) الرهن جائز غير محرم بلا خلاف فيه ، ففي الخبر عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام (سألته عن الرهن والكفيل في بيع النسيئة ، فقال : لا بأس به) (١) ، ومثله غيره ، نعم يكره أخذه من المؤمن لمرسل مروك بن عبيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من كان الرهن عنده أوثق من أخيه المسلم فالله منه بري‌ء) (٢) ، ولكنه مخصوص في زمن القائم عليه‌السلام وعجل الله تعالى فرجه على ما في خبر علي بن سالم عن أبيه (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخبر الذي روي أن من كان الرهن أوثق منه بأخيه المؤمن فأنا منه بري‌ء ، قال : ذلك إذا ظهر الحق وقام قائمنا أهل البيت) (٣).

والرهن عقد بالاتفاق لاحتياجه إلى طرفين ، وعقده مفتقر إلى إيجاب وقبول ، وقد تقدم في البيع صحة الإنشاء بالمعاطاة ، وقد تقدم كفاية دلالة اللفظ على المعنى ولو بالقرينة ، سواء كان العقد لازما أم جائزا ـ فما عن المشهور من اشتراط اللفظ الصريح في العقود اللازمة دون الجائزة ليس في محله لعدم الدليل عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الرهن حديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الرهن حديث ١ و ٢.

٥٣

(والإيجاب رهّنتك ، أو وثقتك) بالتضعيف ، أو أرهنتك (١) بالهمزة (أو هذا رهن عندك ، أو على مالك) ، أو وثيقة عندك ، أو خذه على مالك ، أو بمالك ، أو أمسكه حتى أعطيك مالك بقصد الرهن (٢) ، (وشبهه) مما أدى هذا المعنى ، وإنما لم ينحصر هذا العقد في لفظ كالعقود اللازمة (٣) ، ولا في الماضي (٤) ، لأنه ، جائز من طرف المرتهن الذي هو المقصود الذاتي منه (٥) ، فغلّب فيه جانب الجائز (٦) مطلقا (٧) ، وجوزه المصنف في الدروس بغير العربية (٨) ، وفاقا للتذكرة.

(وتكفي الإشارة (٩) في الأخرس (١٠) وإن كان (١١) عارضا ، (أو الكتابة)

______________________________________________________

وعليه فكل لفظ يدل على الارتهان كقوله : رهّنتك أو هذه وثيقة عندك ، وما أدى هذا المعنى كوثّقتك وهذا رهن عندك فهو كاف.

(١) فهو بمعنى رهّنتك على لغة كما في المسالك والتنقيح ، بل هي أوضح دلالة من كثير مما عدوه ، بل عن الصحاح والمصباح والقاموس (رهن وأرهن بمعنى) ، فما عن المهذب البارع من أنه لا يقال : أرهن مردود بما سمعت.

(٢) قال الشارح في المسالك : (ولو قال أمسكه حتى أعطيك مالك وأراد الرهن جاز ، ولو أراد الوديعة أو اشتبه فليس برهن) انتهى.

(٣) بل قد عرفت عدم الاشتراط حتى في العقود اللازمة.

(٤) تخصيص بعد التعميم ، ومثال غير الماضي كقوله : خذ هذا وثيقة على مالك.

(٥) من الرهن.

(٦) وهو ترجيح بلا مرجح كما في الجواهر.

(٧) في عدم الانحصار في لفظ مخصوص ولا في الماضي.

(٨) قال في الجواهر : (إلا أن الظاهر اعتبار العربية فيه على القولين ـ الجائز واللازم ـ لانصراف الإطلاق إليه ـ أي انصراف العقد إلى العربي فقط ـ ، بل في جامع المقاصد نمنع صدق العقد على ما كان باللفظ العجمي مع القدرة على العربي) انتهى ، وهو كما ترى لما تقدم في كتاب البيع من صحة كل ما يكون عقدا بنظر العرف ، والمنعقد بغير العربي عقد بنظر أهله.

(٩) أي الإشارة المفهمة للمقصود.

(١٠) في الجواهر (بلا خلاف فيه لقيامها حينئذ مقام اللفظ كما يفهم ذلك مما ورد في تلبية الأخرس وتشهده).

(١١) أي الخرس.

٥٤

(معها) أي مع الإشارة بما يدل على قصده ، لا بمجرد الكتابة (١) ، لإمكان العبث ، أو إرادة أمر آخر (٢) (فيقول المرتهن : قبلت وشبهه) من الألفاظ الدالة على الرضا بالإيجاب ، وفي اعتبار المضي (٣) والمطابقة (٤) بين الإيجاب والقبول وجهان.

وأولى (٥) بالجواز هنا لوقوعه ممن هو ليس بلازم من طرفه

(ويشترط دوام الرهن (٦) بمعنى عدم توقيته بمدة ، ويجوز تعليق الإذن في التصرف (٧) على انقضاء أجل وإطلاقه (٨) ، فيتسلط عليه (٩) من حين القبول والقبض إن اعتبرناه (فإن ذكر أجلا) للتصرف (اشترط ضبطه) (١٠) بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، أما لو شرطه للرهن (١١) بطل العقد.

______________________________________________________

(١) وفيه : كفاية الكتابة لصدق العقد عليها عرفا ، وإمكان العبث فيها كإمكان الهزل وعدم الجد في اللفظ ، ونفي احتمال غير الجدّ في اللفظ بالأصل العقلائي يجري بعينه في احتمال العبث في الكتابة.

(٢) غير العبث.

(٣) أي اعتبار الماضوية في القبول.

(٤) أي عدم الفصل بين الإيجاب والقبول بما يعتدّ به ، وقال في المسالك عن الماضوية والمطابقة : (إذ يمكن القول باعتبارهما نظرا إلى اللزوم بوجه ، وعدمه التفاتا إلى الجواز من قبل القابل) انتهى.

(٥) أي والعدم أولى بالجواز هنا في طرف القبول ، ووجه الأولوية أنه إذا جاز عدم الماضوية من طرف الراهن مع أن العقد لازم من جهته فالعدم من طرف المرتهن مع أن العقد جائز من جهته يكون أولى.

(٦) لأن اشتراط التوقيت مناف لمعنى الرهن الذي هو الحبس ، ومناف لفائدة الرهن التي هي الاستيثاق ، إذ قد لا يتيسر الوفاء في الأمد المضروب فينتهي الرهن ويبقى الدين من غير وثيقة ، وهو على خلاف القصد من الرهن ، فيتعين بقاء الرهن إلى أداء الدين ، وهذا ما يوجب دوامه بلا خلاف في ذلك كله.

(٧) لو علّق تصرف المرتهن في الرهن على أجل جاز لعدم المانع بعد عدم منافاته لمعنى الرهن.

(٨) أي ويجوز إطلاق الاذن في التصرف.

(٩) تفريع على الإطلاق ، والمعنى أن المرتهن يتسلط على الرهن.

(١٠) فلا بدّ من معرفة زمان جواز التصرف للمرتهن حتى لا يقع التنازع.

(١١) أي لو شرط الأجل للرهن وإن كان مضبوطا بطل العقد كما تقدم.

٥٥

(ويجوز اشتراط الوكالة) في حفظ الرهن (١) ، وبيعه ، وصرفه في الدين (للمرتهن ، وغيره ، والوصية له ، ولوارثه) على تقدير موت الراهن قبله ، (وإنما يتم) الرهن (بالقبض على الأقوى (٢) للآية والرواية. ومعنى عدم تماميته

______________________________________________________

(١) يجوز للمرتهن اشتراط الوكالة في الرهن بأن يحفظ العين المرهونة وبأن يبيعها ويصرفها في الدين عند عدم الوفاء ، ويجوز للمرتهن اشتراط الوكالة بما ذكر لغيره سواء كان الغير وارثا أم لا ، بلا خلاف فيه كون الشرط سائغا ، غير معارض للكتاب والسنة ، فيندرج في عموم (المؤمنون عند شروطهم) (١).

وكذا يجوز للمرتهن اشتراط الوصية على الراهن بأن يوصي لو مات الراهن قبله بأن يحفظ المرتهن المتاع أو يبيحه أو يكون ذلك لوارث المرتهن ، لأنه من الشروط السائغة.

(٢) ذهب جماعة منهم الشيخ وبنو حمزة والجنيد والبراج والطبرسي إلى أن القبض من المرتهن شرط في لزوم الرهن لقوله تعالى : (فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٢) ، وحيث أمر بالرهن المقبوض فلا يتحقق المطلوب شرعا بدونه ، ولخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أو أبي عبد الله عليه‌السلام على اختلاف الكتب (لا رهن إلا مقبوضا) (٣).

وفيه : إن الآية دالة على اشتراط القبض من ناحية المفهوم الوصفي ، وهو ضعيف كما قرّر في محله ، ولو قلنا بحجية المفهوم الوصفي فالوصف هنا غالبي ولا مفهوم له ، لأنه مع السفر وعدم الكاتب فالغالب في الرهن أن يكون مقبوضا حتى يستوثق على دينه ، قال تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كٰاتِباً فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٢) ، فالآية حينئذ للإرشاد إلى ذلك.

ويؤيد هذا الحمل عدم الخلاف بين الفقهاء في أن استدامة القبض ليست بشرط كما سيأتي ، وكذا لو وكّل المرتهن الراهن بالقبض لكفى به وهذا كاشف عن أن قبض المرتهن ليس بشرط.

وأما الخبر فهو غير حجة لكون محمد بن قيس مشتركا بين الثقة وغيره ، ولذا ذهب الشيخ في أحد قوليه وابن إدريس والفاضل وولده والمحقق الثاني وغيرهم بل نسب إلى الأكثر إلى عدم الاشتراط.

والإنصاف يقتضي القول بأن محمد بن قيس هو البجلي الثقة لا الأسدي الضعيف بقرينة

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٣.

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الرهن حديث ١.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٣.

٥٦

بدونه (١) كونه جزء السبب للزومه من قبل الراهن (٢) كالقبض في الهبة بالنسبة إلى المتهب (٣). وقيل : يتم بدونه للأصل (٤) ، وضعف سند الحديث ، ومفهوم الوصف في الآية. واشتراطه (٥) بالسفر فيها وعدم الكاتب يرشد إلى كونه للإرشاد ، ويؤيده كون استدامته ليست بشرط ، بل قبض المرتهن (٦) ، لجواز توكيله الراهن فيه (٧). وهذا أقوى ، وعلى اشتراطه (فلو جنّ) الراهن ، (أو مات ، أو أغمي عليه ، أو رجع فيه قبل اقباضه بطل (٨) الرهن كما هو شأن العقود الجائزة عند عروض هذه الأشياء. وقيل : لا يبطل ، للزومه من قبل الراهن فكان كاللازم مطلقا (٩) ، فيقوم وليه (١٠) مقامه ، لكن يراعي ولي المجنون

______________________________________________________

رواية عاصم عنه ، نعم يحتمل أن يكون المراد منه نفي الطمأنينة من دون القبض بعد إرادة العين المرهونة من المنفي ، ومع الاحتمال ينتفي الاستدلال به على المدعى.

(١) أي عدم تمامية الرهن بدون القبض.

(٢) أي القبض شرط في لزوم الرهن بالنسبة إلى الراهن.

(٣) أي أن القبض شرط في لزوم الرهن بالنسبة للراهن كالقبض شرط في ملك المتهب.

(٤) أي أصالة عدم اشتراط القبض.

(٥) أي واشتراط القبض بالسفر في الآية.

(٦) أي أن قبض المرتهن ليس بشرط.

(٧) وفيه : إن قبض الوكيل قبض الموكل فلو شرطنا القبض فلا إشكال مع التوكيل.

(٨) أي لو نطق الراهن بالإيجاب وقبل المرتهن ثم جنّ الراهن أو أغمي عليه أو مات أو رجع فيه قبل القبض يبطل الرهن لعدم تحقق القبض الذي هو شرط فيه كما هو المفروض ، قال الشارح في المسالك : (ولا شبهة في كون عروض هذه الأشياء للراهن لا يقتضي انعقاد الرهن بناء على اشتراط القبض فيه ، إنما الكلام في أنه هل يبطل بذلك بناء على أنه قبل القبض عقد جائز ، ومن شأن الجائز بطلانه بعروض هذه الأشياء كالهبة قبل القبض ، وبه قطع في القواعد والدروس ، أو لا يبطل بذلك لأنه ليس على حد العقود الجائزة مطلقا بل هو آئل إلى اللزوم كبيع الخيار ، فإنه لا يبطل بموت البائع زمنه ، وبه قطع في التذكرة.

وعلى الثاني يقوم الولي مقام الراهن في استحقاق الإقباض ، لكن ولي المجنون يراعي مصلحته فإن كان الحظ في الإقباض بأن يكون شرطا في بيع يتضرر بفسخه أو غير ذلك من المصالح أقبضه ، وإن كان الحظ في تركه لم يجز له إقباضه) انتهى.

(٩) من الطرفين.

(١٠) ولي الراهن في استحقاق الإقباض.

٥٧

مصلحته (١) ، فإن كان الحظ في الزامه بأن يكون شرطا في بيع يتضرر بفسخه أقبضه وإلا أبطله.

ويضعف (٢) بأن لزومه على القول به مشروط بالقبض ، فقبله جائز مطلقا ، فيبطل كالهبة قبله ، ولو عرض ذلك للمرتهن (٣) فأولى بعدم البطلان لو قيل به ثمّ (٤) ، ولو قيل به في طرف الراهن فالأقوى عدمه هنا (٥). والفرق تعلق حق الورثة والغرماء بعد موت الراهن بماله ، بخلاف موت المرتهن فإن الدين يبقى فتبقى وثيقته لعدم المنافي (٦) ، وعلى هذا (٧) لا يجبر الراهن على الاقباض لعدم

______________________________________________________

(١) مصلحة الراهن.

(٢) بأن هذه الفروع مبنية على كون القبض شرطا في لزوم العقد ، فقبل القبض هو جائز مطلقا بالنسبة للطرفين كالهبة قبل القبض ، ولذا إذا انتفى القبض بطل العقد ، ولكن قد عرفت عدم كون القبض شرطا في لزوم العقد.

(٣) أي لو عرض الإغماء أو الجنون أو الموت أو الرجوع من المرتهن قبل تحقق القبض من طرفه وإن تحقق الإقباض من طرف الراهن ، فلا يتحقق القبض حينئذ الذي هو شرط في لزوم العقد ، وهل يبطل العقد بذلك أو لا ، فإن قلنا بعدم البطلان سابقا كما في التذكرة فنقول بعدمه هنا لنفس الدليل السابق ، لأنه عقد آئل إلى اللزوم كبيع الخيار فلا يبطله موت المشتري زمن الخيار ، بل هنا أولى ، لعدم المنافي كما سيأتي بيانه.

وإن قلنا بالبطلان سابقا كما عن القواعد والدروس فإنه لا يبطل هنا ، قال الشارح في المسالك : (والفرق تعلق حق الورثة ـ والديّان بعد موت الراهن به ـ أي بالرهن فلا يستأثر به أحد ، بخلاف موت المرتهن فإن الدين باق فتبقى وثيقته) انتهى.

(٤) أي لو قيل بالبطلان في موت الراهن.

(٥) أي لو قيل بالبطلان في موت الراهن فالأقوى عدم البطلان في موت المرتهن.

(٦) المنافي هو تعلق حق الغرماء والورثة في الرهن ، وهو معدوم أن صاحبه وهو الراهن لم يمت بحسب الفرض لأن الموت للمرتهن.

(٧) أي على اشتراط القبض في اللزوم كما فسره سلطان العلماء ، وفسره بعض بأنه على تقدير عدم البطلان في موت المرتهن ، وهو الأولى لسياق الكلام هنا وكلام الشارح في المسالك حيث قال : (وعلى تقدير بقاء الصحة لا يجبر الراهن على الإقباض ـ بعد موت المرتهن ـ لأنه لم يلزم بعد ، إلا أن يكون ـ أي الإقباض ـ مشروطا في عقد لازم ، فالأقوى وجوبه وإلزامه به خلافا للشهيد والفاضل) انتهى.

٥٨

لزومه بعد إلا أن يكون مشروطا في عقد لازم فيبني على القولين (١).

(ولا يشترط دوام القبض (٢) ، للأصل بعد تحقق الامتثال به (فلو أعاده إلى الراهن فلا بأس) وهو موضع وفاق ، (ويقبل إقرار الراهن بالإقباض (٣) ، لعموم إقرار العقلاء (إلا أن يعلم كذبه) كما لو قال : رهنته اليوم داري التي بالحجاز وهما بالشام وأقبضته إياها فلا يقبل ، لأنه محال عادة ، بناء على اعتبار وصول القابض ، أو من يقوم مقامه إلى الرهن في تحققه (٤) ، (فلو ادعى) بعد الإقرار بالقبض (المواطأة) (٥)

______________________________________________________

(١) القولان هما : إن الرهن المشروط في عقد لازم هل يوجب استحقاق المرتهن القبض من الراهن أو لا ، قال بالأول الشارح تمسكا بالشرط في العقد اللازم ، وقال بالثاني الشهيد الأول والفاضل بعدم جبر الراهن على الدفع غايته يثبت للمرتهن حق فسخ العقد اللازم الذي وقع فيه الاشتراط ليس إلا لعدم تحقق شرط.

(٢) استدامة القبض ليست شرطا بلا خلاف فيه ، قال في الجواهر : (بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، وهو الحجة) ، وقال في المسالك : (هذا عندنا موضع وفاق نقل الإجماع عليه في التذكرة ، نعم خالف جماعة من العامة ـ أبو حنيفة وأحمد ومالك ـ نظرا إلى الوصف المتقدم في الآية ، وعدم دلالتها على الاستمرار واضح). انتهى.

(٣) لو رهن ما هو غائب عن مجلس العقد فلا يتحقق القبض بمجرد ، انتهاء العقد ، لأن التخلية وإن كانت كافية في صدق القبض في غير المنقول ، إلا أنه هنا لا بدّ من مضي زمان حتى يحضر المرتهن أو القائم مقامه عند الرهن ويقبضه بما يصدق معه التخلية بلا خلاف فيه.

ولذا لو أقر الراهن بالإقباض قضي عليه لعموم (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (١) ، إلا أن يعلم كذبه فلا عبرة به ، كأن يقول : رهنت اليوم داري التي بالحجاز وهما بالشام ، وأقبضته إياها ، فلا يلتفت إليه ، للمحال العادي بناء على اعتبار وصول المرتهن أو من يقوم مقامه عند الرهن مع قبضه.

(٤) أي تحقق الإقباض.

(٥) بأن تواطأ الراهن والمرتهن بأن يقولا بحصول القبض مع أن القبض غير حاصل ، وهذه

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار حديث ٢.

٥٩

على الإقرار والإشهاد عليه (١) إقامة لرسم الوثيقة حذرا من تعذر ذلك إذا تأخر إلى أن يتحقق القبض سمعت دعواه لجريان العادة بذلك (فله إحلاف المرتهن) على عدمها (٢) وأنه (٣) وقع موقعه.

هذا إذا شهد الشاهدان على إقراره ، أما لو شهدا على نفس الإقباض لم تسمع دعواه (٤) ولم يتوجه اليمين ، وكذا لو شهدا على إقراره به (٥) فأنكر الإقرار لأنه تكذيب للشهود ، ولو ادعى الغلط في إقراره وأظهر تأويلا ممكنا (٦) فله إحلاف المرتهن أيضا ، وإلا فلا على الأقوى (٧).

______________________________________________________

المواطاة من أجل كتابة القبض في وثيقة أمام شاهدين حذرا من تعذر إقامة الوثيقة إذا تأخر ذلك إلى أن يتحقق القبض الفعلي.

فأقر الراهن بالقبض للمواطاة ، وبعد الإقرار ادّعى المواطاة فإن وافقه المرتهن فهو ، وإلا فقول الراهن يوافقه الظاهر لأن المواطاة مما تجري العادة فيها لوقوع ذلك كثيرا ، وقول المرتهن يوافقه الأصل ، لأن الأصل عدم وقوع المواطاة ، والأصل هنا مقدم على الظاهر ، فالمرتهن هو المنكر لموافقة قوله الأصل ، فيقدم قوله مع يمينه ويكون للراهن إحلافه.

(١) على الإقرار.

(٢) عدم المواطاة.

(٣) أي الإقرار المذكور.

(٤) أي لم تسمع دعوى الراهن بالمواطاة ، لأن سماعها تكذيب للشهود ، ومع سقوط دعوى المواطاة يؤخذ بإقراره بالقبض ، ولا يمين على منكر المواطاة الذي هو المرتهن.

(٥) أي إقراره بالقبض.

(٦) أي ما لو أقر بالقبض وشهد شاهدان بذلك ثم ادعى الغلط في الإقرار وأظهر تأويلا ممكنا قال الشارح في المسالك : (نعم لو ادعى الغلط في إقراره وأظهر تأويلا ممكنا ، بأن قال : إني أقبضته بالقول وظننت الاكتفاء به ، حيث يمكن في حقه توهم ذلك ، أو قال : استندت فيه إلى كتاب كتبه إليّ وكيلي فظهر مزوّرا ، ونحو ذلك ، سمعت دعواه ، بمعنى توجه اليمين على المرتهن بأن القبض حقيقي ، أو على نفي ما يدعيه الراهن ، لأن الأصل صحة الإقرار ومطابقته للواقع.

واستقرب في التذكرة توجه اليمين على المرتهن وإن لم يظهر تأويلا محتجا بأن الغالب في الوثائق وقوع الشهادة قبل تحقيق ما فيها فلا حاجة إلى تلفظه بها). انتهى.

(٧) أي وإن لم يظهر تأويلا ممكنا فلا يمين على المرتهن ، وإنما يؤخذ الراهن بإقراره ولا تسمع دعواه بالغلط في قبال العلامة في التذكرة بتوجه اليمين على المرتهن في هذه الصورة.

٦٠