الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

١

٢

٣
٤

٥
٦

كتاب الدّين

(وهو قسمان) (١) :

(الأول ـ القرض (٢) بفتح القاف وكسرها ، وفضله عظيم (٣) (والدرهم منه)

______________________________________________________

(١) دين الحر ودين العبد.

(٢) قال في مصباح المنير : (القرض ـ بفتح القاف ـ ما تعطيه غيرك من المال لتقضاه ، والجمع قروض مثل فلس وفلوس ، وهو اسم من أقرضته المال إقراضا) ، وفي الجواهر وغيره أنه بالكسر أيضا.

(٣) قد تظافرت النصوص عليه ، بل في الجواهر : (بل تواترت بتأكيده في المؤمن) منها : خبر جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه) (١) ، وخبر الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ما من مسلم أقرض مسلما قرضا حسنا يريد به وجه الله إلا حسب له أجرها كحساب الصدقة حتّى يرجع إليه) (٢) ، وخبر القماط عن شيخ كان عندنا (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لأن أقرض قرضا أحب إليّ من أنّ أتصدق بمثله ، وكان يقول : من أقرض قرضا وضرب له أجلا فلم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم يتأخر من ذلك الأجل بمثل صدقة دينار واحد في كل يوم) (٣) ، وخبر هيثم الصيرفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (القرض الواحد بثمانية عشر ، وإن مات حسبتها من الزكاة) (٤) ، وخبر أبي الفتوح في تفسيره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (رأيت مكتوبا على باب الجنة : الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر ، فقلت : يا

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الدين والقرض حديث ٣ و ٢ و ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الدين حديث ٤.

٧

(بثمانية عشر درهما مع أن درهم الصدقة بعشرة) قيل والسر فيه : أن الصدقة تقع في يد المحتاج وغيره ، والقرض لا يقع إلا في يد المحتاج غالبا (١) ، وأن درهم القرض يعود فيقرض ثانيا (٢) ، ودرهم الصدقة لا يعود.

واعلم أن القرض لا يتوقف على قصد القربة (٣) ، ومطلق الثواب يتوقف عليها (٤) ، فليس كل قرض يترتب عليه الثواب ، بخلاف الصدقة (٥) فإن القربة معتبرة فيها ، فإطلاق كون درهم القرض بثمانية عشر إما مشروط بقصد القربة ، أو تفضل من الله تعالى من غير اعتبار الثواب بواسطة الوجهين (٦) ، وقد يقع

______________________________________________________

جبرئيل ولم ذلك؟ والذي يتصدق لا يريد الرجوع ، والذي يقرض يعطي لأن يرجعه؟ فقال : نعم ، هو كذلك ، ولكن ما كل من يأخذ الصدقة له بها حاجة ، والذي يستقرض لا يكون إلا عن حاجة ، والصدقة قد تصل إلى غير المستحق ، والقرض لا يصل إلا إلى المستحق ، ولذا صار القرض أفضل من الصدقة) (١) ، وخبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألف درهم أقرضها مرتين أحبّ إليّ من أن أتصدق بها مرة) (٢) ،

(١) كما في خبر أبي الفتوح المتقدم.

(٢) كما يؤمي إليه خبر ابن سنان.

(٣) بحسب ماهيته.

(٤) على القربة ، قال في المسالك : (واعلم أن تحقق أصل الثواب في القرض فضلا عن أفضليته بوجه إنما يكون مع قصد المقرض بفعله وجه الله تعالى ، كما في نظائره من الطاعات التي يترتب عليها الثواب ، فلو لم يتفق هذا القصد ـ سواء قصد غيره من الأغراض الدنيوية والريائية أم لم يقصد ـ لم يستحق عليه ثوابا كما لا يخفى) انتهى.

(٥) للأخبار.

منها : خبر الفضلاء ـ ابن بكير وابن أذينة وحماد ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا صدقة ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) (٣) ، وصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا صدقة ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) (٤).

(٦) فالثواب لا يعطى إلا استحقاقا وجزاء ، ولا يعطى تفضلا ، فيكون المعنى : من غير اعتبار

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الدين حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الدين حديث ٥.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات حديث ٣ و ٢.

٨

التفضل على كثير من فاعلي البر من غير اعتبار القربة كالكرم. ويفتقر القرض إلى إيجاب وقبول (١).

(والصيغة (٢) أقرضتك ، أو انتفع به ، أو تصرّف فيه) ، أو ملّكتك أو أسلفتك ، أو خذ هذا ، أو اصرفه (وعليك عوضه) ، وما أدى هذا المعنى ، لأنه من العقود الجائزة ، وهي (٣) لا تنحصر في لفظ ، بل تتأدى بما أفاد معناها (٤) ، وإنما يحتاج (٥) إلى ضميمة «وعليك عوضه» ما عدا الصيغة الأولى فإنها صريحة في معناه لا تفتقر إلى انضمام أمر آخر (فيقول المقترض : قبلت وشبهه (٦) مما دل على الرضا بالإيجاب ، واستقرب في الدروس الاكتفاء بالقبض (٧) ، لأن

______________________________________________________

استحقاق الثواب وإنما هو تفضل إما لكون القرض في يد المحتاج غالبا ، وإما لكون درهم القرض يعود فيقرض ثانيا فيكشف به كربة المؤمن ثانيا بعد كشف كربة المؤمن أولا.

(١) القرض عقد بلا خلاف فيه ـ كما في الجواهر ـ ، وهو متحقق بالإيجاب والقبول بلا شبهة كما في المسالك.

هذا وقد تقدم في كتاب البيع كفاية دلالة اللفظ على المعنى ولو بالقرينة في إنشاء الإيجاب والقبول ، سواء كان العقد لازما أم جائزا ، فما عن المشهور من اشتراط اللفظ الصريح في العقود اللازمة دون الجائزة ليس في محله ، لعدم الدليل عليه.

ولذا يكفي في إيجاب القرض وقبوله كل لفظ يدل على معناه ولو بالقرينة.

(٢) بالنسبة للإيجاب ، وهو متحقق بلفظ أقرضتك أو ما يؤدي معناه وضعا أو استعمالا ، كمثل : تصرف فيه أو انتفع به وعليك ردّ عوضه ، وكذا خذ هذا أو اصرفه أو تملكه أو ملكتك أو أسلفتك وعليك ردّ عوضه.

والحاصل أن إيجاب القرض لا ينحصر في لفظ مخصوص بل كل لفظ يدل عليه فهو ، غير أن لفظ أقرضتك صريح في معناه فلا يحتاج إلى ضميمة (وعليك ردّ عوضه) ، وغيره يحتاج إليها لعدم صراحته.

(٣) أي العقود الجائزة.

(٤) أي معنى العقود الجائزة ، ولو كانت الإفادة بالقرينة.

(٥) أي يحتاج القرض في إيجابه.

(٦) بل كل لفظ يدل على القبول والرضا بالإيجاب لما تقدم.

(٧) بل يصح الاكتفاء بالإقباض والقبض إذا كانا بداعي الإيجاب والقبول ، لجريان المعاطاة في البيع فهنا أولى.

٩

مرجعه (١) إلى الإذن في التصرف. وهو حسن من حيث إباحة التصرف.

أما إفادته للملك المترتب على صحة القرض فلا دليل عليه (٢) ، وما استدلّ به (٣) لا يؤدي إليه.

(ولا يجوز اشتراط النفع (٤) ، للنهي عن قرض يجر نفعا (فلا يفيد الملك) لو

______________________________________________________

(١) أي مرجع القبض إلى الاذن في التصرف ، حيث إن القبض لا يتم إلا بعد الإقباض ، والإقباض من المالك هو إذن بالتصرف في ماله.

(٢) بل الدليل هو العرف الحاكم ، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب البيع فراجع.

(٣) أي ما استدل به المصنف في الدروس من الاذن في التصرف لا يؤدي إلى التمليك ، لأن الاذن أعم من التمليك وغيره ، وفيه : إنه إذن بالتصرف على نحو المعاطاة المفيدة للملك على ما تقدم بيانه في كتاب البيع.

(٤) فلو اشترط النفع في القرض حرم الشرط ، بلا خلاف فيه ، للأخبار.

منها : خبر الدعائم فعن أبي جعفر عليه‌السلام (كل قرض جرّ منفعة فهو ربا) (١) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن رجل أعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر ، قال عليه‌السلام : هذا الربا المحض) (٢) ، وخبر خالد بن الحجاج (سألته عن رجل كان لي عليه مائة درهم عددا قضانيها مائة درهم وزنا ، قال : لا بأس به ما لم يشترط ، وقال : جاء الرباء من قبل الشرط وإنما تفسده الشروط) (٣) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس ، إذا لم يكن بينكما شرط) (٤) وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلا مثلها ، فإن جوزي أجود منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم

ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقه) (٥).

ومما تقدم تعرف جواز قبول الزيادة من غير شرط ، وهو صريح خبر ابن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال : الربا رباءان ، أحدهما ربا حلال ، والآخر حرام ، فأما الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضا طمعا أن يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه بلا شرط بينهما ، فإن

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدين حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدين حيث ١٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصرف حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الدين حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدين حديث ١١.

١٠

شرطه (١) ، سواء في ذلك الربوي ، وغيره ، وزيادة العين ، والمنفعة (حتى لو شرط الصحاح عوض المكسرة (٢) ، خلافا لأبي الصلاح) الحلبي رحمه‌الله وجماعة حيث

______________________________________________________

أعطاه أكثر مما أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له ، وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه ، وهو قول الله عزوجل : فلا يربو عند الله ، وأما الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضا ويشترط أن يردّ أكثر مما أخذه فهذا هو الحرام) (١).

وإذا حرمت الزيادة بالشرط فلا فرق فيها بين كونها عينا أو منفعة ، ولا بين الربوي وغيره لإطلاق النصوص المتقدمة.

والمراد بالربوي ما لو كان المال المقترض من المكيل والموزون ، والمراد بغيره كما لو كان معدودا كالجوز والبيض.

(١) أي شرط النفع ، والمعنى : يحرم على المستقرض قبض الدين والتصرف فيه ، لأن الشرط فاسد مفسد ، أما أنه فاسد فواضح للنصوص المتقدمة ، وأما أنه مفسد لأن القرض لم يقع إلا على هذا الوجه الفاسد فلا يرضى صاحب المال أن يتصرف المستقرض إلا بشرطه ، ولم يسلم لهما ، فتصرفه بغير الشرط غير مأذون فيه فيكون العقد فاسدا ، ومع فساد العقد يكون المال تحت يد المستقرض مضمونا عليه لقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) ، ومنه تعرف ضعف قول ابن حمزة : إن المال أمانة عند فساد العقد.

(٢) قيل يصح ، والقائل الشيخ وأبو الصلاح وابنا البراج وحمزة لصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة ، ويأخذ منه الدراهم الطازجية طيّبة بها نفسه.

قال عليه‌السلام : لا بأس ، وذكر ذلك عن علي عليه‌السلام) (٢) ، والطازج هو الخالص ، والغلة غيره.

ولا يخفى بعده عن الدلالة على المدعى ، إذ ليس فيه أنه شرط ذلك فيحمل على ما لو لم يشترط ، بل لا بد من هذا الحمل جمعا بينه وبين ما تقدم من جواز النفع بغير شرط ، ولخصوص صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يستقرض من الرجل الدراهم فيرد عليه المثقال ، أو يستقرض المثقال فيردّ عليه الدراهم فقال : إذا لم يكن شرط فلا بأس ، وذلك هو الفضل ، كان أبي عليه‌السلام يستقرض الدراهم المغسولة فيدخل عليه الدراهم الجلال فيقول : يا بني ردّها على الذي استقرضتها ، فأقول : إن دراهمه كانت مغسولة وهذه خير منها ، فيقول : يا بني هذا هو الفضل فأعطه

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الربا حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصرف حديث ٥.

١١

جوزوا هذا الفرد من النفع ، استنادا إلى رواية لا تدل على مطلوبهم. وظاهرها إعطاء الزائد الصحيح بدون الشرط ، ولا خلاف فيه (١) بل لا يكره ، وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقترض بكرا فردّ بازلا رباعيا ، وقال : إن خير الناس أحسنهم قضاء ، (وإنما يصح إقراض الكامل (٢) على وجه يرتفع عنه الحجر في المال ، وأراد كمال المتعاقدين معا (٣) بإضافة المصدر إلى الفاعل والقابل.

______________________________________________________

إياها) (١) ، وأراد عليه‌السلام بالفضل الإشارة إلى قوله تعالى : (وَلٰا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (٢) ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمغسولة هي الرديئة ، ومن جهة ثالثة على ما لو لم يشترط يحمل مرسل بشر بن مسلمة عن أبي جعفر عليه‌السلام (خير القرض ما جرّ منفعة) (٣) وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة) (٤) ، وعليه يحمل فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كما في سنن البيهقي (لما اقترض بكرا فردّ بازلا رباعيا وقال : إن خير الناس أحسنهم قضاء) (٥).

والبكر ـ كما في مصباح المنير ـ بالفتح هو الفتى من الإبل ، والبازل ـ كما في مصباح المنير أيضا ـ ما فطر نابه بدخوله في السنة التاسعة ، وأما الرباعي فهو ما دخل في التاسعة وألقى رباعيته فيكون القيد تفسيريا.

(١) أي في إعطاء الزائد بلا شرط ، بل لا يكره قبول الزيادة للأصل وإطلاق النصوص المتقدمة.

(٢) بما أن القرض من المقرض تصرف في ماله ، ومن المستقرض تصرف في المال فيشترط في كليهما عدم الحجر حتى يجوز لهما التصرف ، وهذا هو معنى الكامل.

بل باعتبار أن القرض من العقود فيشترط في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر العقود من البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وهذا ما تقدم الدليل عليه في باب البيع.

(٣) لأنه أضاف المصدر ـ وهو الإقراض ـ إلى الفاعل وهو المقرض ، وإلى القابل وهو المستقرض ، وهذا لا يكون إلا بإرادة الجنس من الكامل ، وإذا أريد الجنس فينطبق على الفرد وعلى الفردين.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصرف حديث ٧.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدين حديث ٦ و ٤.

(٥) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣٥١.

١٢

(وكل ما تتساوى أجزاؤه (١) في القيمة ، والمنفعة ، وتتقارب صفاته كالحبوب والأدهان (يثبت في الذمة مثله ، وما لا يتساوى) أجزاؤه كالحيوان (تثبت قيمته يوم القبض) ، لأنه وقت الملك ، (وبه) أي بالقبض (يملك) المقترض القرض على المشهور (٢) ، لا بالتصرف ، قيل : لأنه (٣) فرع الملك فيمتنع كونه (٤) شرطا فيه (٥) وإلا دار ، وفيه (٦) منع تبعيته (٧) للملك مطلقا (٨) ، إذ يكفي فيه (٩) إذن المالك

______________________________________________________

(١) شروع فيما يصح إقراضه ، وضابطه أن كل ما يضبط وصفه وقدره الموجبين لاختلاف قيمته فيصح إقراضه ، بلا خلاف فيه ـ كما في الجواهر ـ لإطلاق النصوص المتقدمة.

غايته ما تتساوى أجزاؤه كالحنطة والشعير والذهب يثبت في الذمة مثله لأنه مثلي ، وما ليس كذلك يثبت في الذمة قيمته لأنه قيمي ، والمعتبر قيمته وقت التسليم إلى المقترض الذي هو أول أوقات ملك المقترض على الأقوى كما سيأتي ، لأن المقترض لا يملك بالعقد بل بالقبض.

وقيل : وقت القرض كما عن الفاضل في القواعد ، وفيه : أنه لا ملك قبل القبض كما سيأتي.

(٢) للإجماع المدعى عن البعض كما في الجواهر ولو لا الإجماع لقيل بتحقق الملك بمجرد العقد على حسب غيره من العقود.

وقيل : لا يملك إلا بالتصرف ، ونسبه الشهيد في حواشيه إلى الشيخ كما في المسالك ، وردّ مضافا إلى الإجماع المتقدم بأن التصرف لو كان شرطا للملك كما هو المدعى للزم الدور لأن الملك هو الشرط في التصرف كما هو الواضح.

وأشكل عليهم الشارح هنا وفي المسالك : بمنع تبعية التصرف للملك ومنع توقفه عليه ، بل يكفي في جواز التصرف إذن المالك فيه كما في غيره من المأذونات ، ولا شك بأن الإذن للمقترض حاصل من المالك بالإيجاب.

(٣) أي التصرف.

(٤) كون التصرف.

(٥) في الملك.

(٦) أي في الدور.

(٧) أي منع تبعية التصرف للملك.

(٨) سواء كان الملك تاما وهو العاري عن الخيار ، أو متزلزلا وهو المقرون بالخيار.

(٩) أي في التصرف.

١٣

وهو (١) هنا حاصل بالعقد (٢) ، بل بالإيجاب (٣) ، وحيث قلنا بملكه (٤) ، بالقبض (٥) (فله رد مثله) مع وجود عينه (وإن كره المقرض) ، لأن العين حينئذ تصير كغيرها من أمواله ، والحق يتعلق بذمته فيتخير في جهة القضاء ، ولو قلنا بتوقف الملك على التصرف وجب دفع العين مع طلب مالكها (٦) ، ويمكن القول بذلك (٧) وإن ملّكناه (٨) ، بالقبض (٩) ، بناء على كون القرض عقدا جائزا ومن شأنه رجوع كل عوض إلى مالكه إذا فسخ كالهبة والبيع بخيار.

______________________________________________________

(١) أي الاذن.

(٢) أي المؤلف من الإيجاب والقبول.

(٣) أي بالإيجاب فقط ، لأن الإيجاب المنفرد مشتمل على الاذن بالتصرف.

(٤) بملك المقترض.

(٥) فهل للمقرض ارتجاع العين ، فعن الشيخ نعم أنه يجوز له ذلك ولو كره المقترض ، فإذا طلبها يجب على المقترض إرجاع العين لا مثلها ، واستدل بالإجماع على كون القرض من العقود الجائزة ، التي من المعلوم كون المراد بجوازها فسخها ورجوع كل عوض إلى مالكه ، والمثل والقيمة إنما وجبا بدلا عن العين لغلبة خروجها عن يد المقترض ، ولأنه إذا استحق المطالبة بالمثل أو القيمة فبالعين بطريق أولى.

وعن المشهور العدم بحيث لو طلبها المقرض فلا يجب على المقترض إرجاع العين بل يجوز له رد مثلها ، لأن فائدة الملك التسلط على المملوك والأصل فيه عدم خروجه عنه إلا برضاه ، مع أن الحق قد ثبت في الذمة وهو مخيّر في جهة القضاء.

ولأن القرض من العقود اللازمة بالنسبة لعدم جواز الرجوع إلى العين نعم هو من العقود الجائزة بالنسبة إلى أن للمقرض عدم الإنظار ومطالبة المقترض بالأداء ، ولو قبل قضاء وطره ، أو قبل مضي زمان يمكن فيه ذلك.

(٦) لعدم حصول الملك إلى الآن ، لأن المفروض عدم التصرف والملك متوقف على التصرف ، هذا من جهة ومن جهة أخرى المراد من التصرف هو التصرف المتلف للعين أو الناقل للملك على ما يظهر من المسالك ، وعليه فما دامت العين عند المقترض لم يحصل التصرف الموجب للملك فيجوز للمقرض الرجوع.

(٧) أي يوجب دفع العين مع طلب مالكها.

(٨) أي ملكنا المقترض.

(٩) وهو قول الشيخ وقد تقدم.

١٤

(ولا يلزم اشتراط الأجل فيه (١) لماله (٢) ، ولا لغيره (٣) ، لأنه عقد جائز فلا يلزم ما يشترط فيه ، إلحاقا لشرطه بجزئه ، نعم لو شرط أجل القرض في عقد لازم لزم على ما سبق (٤).

(ويجب) على المديون (نية القضاء) (٥) سواء قدر على أدائه أم لا (٦) بمعنى

______________________________________________________

(١) لو شرط التأجيل في القرض لم يلزم على المشهور ، لأن عقد القرض جائز فمن باب أولى شرطه ، وعن الكاشاني وجماعة من المتأخرين أنه يلزم لوجوب الوفاء بالشرط ، ولأن القرض عقد لازم بالنسبة للمقرض بدليل عدم جواز رجوعه على العين ، ولازمه أن يكون كل شرط على المقرض لازما.

(٢) أي لمال القرض.

(٣) أي لغير مال القرض.

(٤) من لزوم الشرط إذا كان في عقد لازم.

(٥) الوجوب هنا ليس مختصا بقضاء دين الناس وردّ حقوقهم ، بل يجب نية القضاء على كل من عليه حق سواء كان الحق آدميا أو لا ، وسواء كان الآدمي حاضرا أو غائبا ، لأن مقتضى الإيمان أن لا يكون متهاونا في قضاء ما عليه نعم خصّ الفقهاء وجوب نية القضاء بمن كان عليه دين ، وقد غاب صاحبه غيبة منقطعة تبعا لاقتصار النصوص على هذه الصورة.

منها : صحيح زرارة (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه ولا على ولي له ، ولا يدري بأي أرض هو ، قال : لا جناح عليه بعد أن يعلم الله منه أن نيته الأداء) (١) ، ومثله غيره.

ومما يدل على وجوب نية القضاء مطلقا سواء كان صاحبه غائبا أو حاضرا مرسل ابن فضال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من استدان دينا فلم ينو قضاءه كان بمنزلة السارق) (٢) وخبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أيّما رجل أتى رجلا فاستقرض منه مالا ، وفي نيته أن لا يؤديه فذلك اللص العادي) (٣) وخبر ابن رباط عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله حافظان يعينانه على الأداء عن أمانته ، فإن قصرت نيته عن الأداء قصر عنه المعونة بقدر ما قصر من نيته) (٤).

(٦) لإطلاق الأخبار المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الدين حديث ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الدين حديث ٢ و ٥ و ٣.

١٥

العزم ـ وإن عجز ـ على الأداء إذ (١) قدر ، وسواء كان صاحب الدين حاضرا أم غائبا ، لأن ذلك من مقتضى الإيمان ، كما يجب العزم على أداء كل واجب ، وترك كل محرم. وقد روي : أن كل من عزم على قضاء دينه أعين عليه : وأنه ينقص من مئونته بقدر قصور نيته.

(وعزله عند وفاته (٢) ، والإيصاء به لو كان صاحبه غائبا) ليتميز الحق ، ويسلم من تصرف الوارث فيه ، ويجب كون الوصاية إلى ثقة ، لأنه تسليط على مال الغير وإن قلنا بجواز الوصاية إلى غيره في الجملة ، (ولو جهله (٣) ويئس منه تصدق به عنه) في المشهور. وقيل : يتعين دفعه إلى الحاكم ، لأن الصدقة تصرف في مال الغير بغير إذنه ، ويضعف بأنه إحسان محض إليه ، لأنه إن ظهر ولم يرض بها ضمن له عوضها وإلا فهي أنفع من بقاء العين المعزولة المعرضة لتلفها بغير تفريط المسقط لحقه. والأقوى التخيير بين الصدقة ، والدفع إلى الحاكم ، وابقائه في يده.

______________________________________________________

(١) ظرف متعلق ب «الأداء».

(٢) يجب على المقترض عزل الدين عند وفاته إن كان صاحبه غائبا غيبة منقطعة الأثر ، بلا خلاف فيه كما عن المختلف ، لأنه أبعد عن تصرف الورثة فيه ، ويشعر به خبر هشام بن سالم (سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه‌السلام وأنا جالس فقال : إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر ففقدناه وبقي له من أجره شي‌ء ولا نعرف له وارثا ، قال : فاطلبه ، قال : قد طلبناه ولم نجده ، فقال : مساكين وحرّك يديه.

قال : فأعاد عليه ، قال : اطلب وأجهد فإن قدرت عليه وإلا فكسبيل مالك حتى يجي‌ء له طالب ، فإن حدث بك حدث فأوصي به إن جاء له طالب أن يدفع إليه) (١).

ومنه تعرف حكم الإيصاء به والمراد من الوصية هنا هو بجعل المال تحت يد الوصي حتى يوصله إلى رب المال أو ورثته ، وفي النهاية : أنه يوصي به إلى من يثق به ، لأن الوصية تسليط على مال الغير فيجب أن يكون الوصي ثقة لئلا يتصرف فيه تصرفا غير مأذون فيه ، وإن قلنا بجواز كون الوصي غير ثقة في غير هذا المورد عند ما يوصي الإنسان بماله.

(٣) أي جهل المستقرض المقرض ، بحيث اجتهد في طلبه بعد غيابه ولم يعثر عليه ، قال

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الخنثى حديث ١.

١٦

(ولا تصح قسمة الدين (١) المشترك بين شريكين فصاعدا على المشهور ، (بل الحاصل منه (٢) لهما ، والتّأوي (٣) بالمثناة وهو الهالك (منهما) ، وقد يحتال (٤)

______________________________________________________

الشيخ بالتصدق به عنه وتبعه عليه جماعة من الأصحاب ، وتوقف المحقق والعلامة في الكثير من كتبه لعدم النص على الصدقة ، ومن ثمّ ذهب ابن إدريس إلى عدم جواز الصدقة ، لأنها تصرف في مال الغير وهو غير مأذون فيه شرعا فيتعين عليه التسليم إلى الحاكم.

هذا واستدل للتصدق به عنه بأن الصدقة إحسان محض بالنسبة إلى المالك ، لأنه إن ظهر ضمن له عوضها على تقدير عدم الرضا بالصدقة ، وإلا فالصدقة أنفع له من بقاء العين وهي في معرض التلف ، وهو تلف بغير تفريط وهو مؤدي إلى سقوط حقه ، ولذا قال الشارح في المسالك : (فالعمل بهذا القول ـ أي التصدق ـ أجود خصوصا مع تعذر قبض الحاكم لها ، أما معه فهو أحوط ، وحيث يمكن مراجعته فهو أولى من الصدقة بغير إذنه وإن كان جائزا ، لأنه أبصر بمواقعها ، ومصرفها مصرف الصدقة المندوبة ، وإن وجبت على المديون أو وارثه بالعارض) انتهى.

(١) بأن كان لاثنين مال في ذمم الناس ، ثم تقاسما مالهما بأن يتراضيا على أنّ ما في ذمة زيد لأحدهما وما في ذمة عمرو للآخر ، فهذه القسمة غير صحيحة عند المشهور ، وحينئذ ما يحصل من أحد المديونين فهو لهما وما يذهب فهو عليهما للأخبار.

منها : صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجلين كان لهما مال بأيديهما ومنه متفرقا عنهما فاقتسما بالسوية ما كان بأيديهما وما كان غائبا عنهما ، فهلك نصيب أحدهما مما كان غائبا واستوفى الآخر ، عليه أن يردّ على صاحبه؟ قال : نعم ما يذهب بماله) (١) ، وموثق ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن رجلين بينهما مال منه دين ومنه عين ، فاقتسما العين والدين ، فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه ، وخرج الذي للآخر أيردّ على صاحبه؟ قال : نعم ما يذهب بماله) (٢).

وخالف ابن إدريس بأن القسمة صحيحة والأخبار تدفعه.

(٢) من الدين.

(٣) يقال : توي المال بكسر الواو يتوى إذا هلك.

(٤) قد ذكر غير واحد للاحتيال في قسمة الدين الحوالة ، بأن يحيل كل منهما صاحبه بنصيبه

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الدين حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الشركة حديث ٢.

١٧

للقسمة بأن يحيل كل منهما صاحبه بحصته التي يريد إعطاءها صاحبه ويقبل الآخر ، بناء على صحة الحوالة من البري‌ء ، وكذا لو اصطلحا على ما في الذمم بعضا ببعض (١) وفاقا للمصنف في الدروس.

(ويصح بيعه بحال (٢)

______________________________________________________

الذي في ذمة أحد المديونين ، وذلك بأن يحيل أحد الدائنين صاحبه بما له في ذمة زيد ، والدائن الآخر يحيل صاحبه بماله في ذمة عمرو ، فالمال المشترك لهما قد تميز حينئذ ، ويكون ما في ذمة زيد للدائن الثاني ، وما في ذمة عمرو للدائن الأول.

ولكن هذه الحوالة من بري‌ء وهو الذي ليس في ذمته دين ، فكل من الدائنين غير مشغول الذمة لصاحبه الذي أحاله ، ولذا لا بد من القول بصحة الحوالة من البري‌ء أو كون أحد الدائنين مشغول الذمة لصاحبه الذي أحاله ، والثاني لا إشكال في صحته ، والأول قال عنه في الجواهر (لم أجد فيه خلافا سوى ما حكاه الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه من توقف الفاضل في التذكرة في ذلك ، ولا ريب في ضعفه).

(١) بأن يجعل أحدهما نصيبه في ذمة أحد المديونين في قبال نصيب شريكه في ذمة الآخر صلحا ، وقد احتمله في جامع المقاصد ، واستقرب صحته في الدروس ، واستحسنه الشارح في المسالك بناء على كون الصلح أصلا برأسه ، والنصوص المانعة المتقدمة لا تشمل الصلح ولا الحوالة لأنها مقيدة بالقسمة فيقتصر فيها على موردها.

(٢) يجوز بيع الدين بعد حلوله على الذي هو عليه بحالّ بلا خلاف فيه بيننا ولا إشكال لعموم أدلة البيع ، وعلى غير الغريم على المشهور شهرة عظيمة ، ولم يخالف إلا ابن إدريس حيث منع ذلك ، وهو ضعيف لعدم المانع بعد وجود المقتضي من عموم أدلة البيع.

بل مقتضى هذا العموم جواز بيع الدين قبل حلوله كما هو صريح العلامة في التذكرة وظاهر المختلف وصريح الروضة وظاهر اللمعة ، وأشكل عليه بأن الدين قبل الحلول غير مستحق للدائن في ذمة المديون ، وفيه : إنه حق مالي إلى آخر ما يعتبر في المبيع ، فيصح بيعه على حالته التي هو عليها ، وإن لم تجز المطالبة به قبل الأجل.

وأشكل عليه أيضا بعدم إمكان قبضه الذي هو شرط في صحة البيع ، وفيه : منع اشتراط إمكان القبض حين العقد بل الشرط إمكانه مطلقا ، مع أنه يمكن القبض بعد الحلول ، وهو كما لو باعه عينا غائبة منقولة لا يمكن قبضها حال العقد ويمكن قبضها بعد مضي زمان يمكن وصولها فيه.

نعم قد تقدم في باب السلف عدم عدم جواز بيعه قبل قبضه ولكنه مختص ببابه فجرّ حكمه إلى غيره قياس.

١٨

وإن لم يقبض (١) من المديون (٢) وغيره (٣) ، حالا كان الدين ، أم مؤجلا ، ولا يمنع تعذر قبضه حال البيع من صحته (٤) لأن الشرط إمكانه (٥) في الجملة لا حالة البيع ، ولا فرق في بيعه بالحال بين كونه مشخصا ، ومضمونا على الأقوى (٦) ، للأصل (٧) ، وعدم صدق اسم الدين عليه (٨) ، (لا بمؤجل) (٩) لأنه بيع دين بدين.

______________________________________________________

وعلى كل فإذا جاز بيع الدين فإن باعه بالحال الحاضر من الأعيان المتشخصة فيصح بلا خلاف ولا إشكال ، وإذا باعه بالحال المضمون الذي هو عين موصوفة بكذا ، فهو أمر كلي ثابت في الذمة وصادق على أفراد متعددة ، فإذا خرج المدفوع فردا له فهو وإلا بقي الثمن مضمونا في الذمة ، فيصح هذا البيع لعدم صدق بيع الدين بالدين المنهي عنه ضرورة عدم إرادة التأخير من المضمون.

(١) أي الحالّ.

(٢) أي يصح بيع الدين من المديون والمعنى صحة بيع الدين على الغريم.

(٣) أي غير المديون.

(٤) أي صحة البيع.

(٥) أي إمكان القبض مطلقا لا حال العقد.

(٦) قال في الجواهر : (كما هو ظاهر الروضة حيث جعل الجواز أقوى ، وهو مشعر بل ظاهر في وقوع الخلاف ، ووجهه قوة احتمال صدق الدين عليه بناء على تضمنه الأجل ولو في الزمان السابق على العقد فيلزم حينئذ بيع الدين بالدين) انتهى.

وفيه : إن البحث في المضمون الكلي غير المؤجل فلا داعي لهذا الاحتمال أبدا.

(٧) أي أصالة الصحة في العقود.

(٨) على المضمون الحالّ.

(٩) لا يصح بيع الدين بالمضمون المؤجل الذي شرط تأجيله في متن العقد كأن يقول : بعتك هذا الدين الذي لي في ذمة عمرو بمائة درهم بشرط أن تدفعها بعد شهر ، على المشهور لأنه بيع دين بدين فيشمله النهي وهو خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يباع الدين بالدين) (١).

وقيل : يكره كما عن المحقق وجماعة لعمومات أدلة البيع التي يجب الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن ، والمتيقن من بيع الدين بالدين المنهي عنه هو ما كان دينا قبل العقد وقبل أن تتعلق به باء العوض ، والمضمون عند العقد ليس بدين وإنما يصير دينا بعده

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الدين حديث ١.

١٩

وفيه نظر ، لأن الدين الممنوع منه : ما كان عوضا حال كونه دينا بمقتضى تعلق الباء (١) به ، والمضمون عند العقد ليس بدين وإنما يصير دينا بعده فلم يتحقق بيع الدين به (٣) ، ولأنه يلزم مثله في بيعه بحالّ (٣) والفرق غير واضح ، ودعوى إطلاق اسم الدين عليه إن أرادوا به قبل العقد فممنوع (٤) ، أو بعده فمشترك (٥) ، وإطلاقهم له عليه (٦) عرفا إذا بيع به فيقولون : باع فلان ماله بالدين مجاز بقصد أن الثمن بقي في ذمته دينا بعد البيع ، ولو اعتبر هذا الاطلاق جاء مثله في الحالّ إذا لم يقبضه ، خصوصا إذا أمهله به من غير تأجيل (٧).

(وبزيادة) عن قدره ، (ونقيصة (٨) ، إلا أن يكون ربويا) فتعتبر المساواة ، (ولا يلزم المديون أن يدفع إلى المشتري إلا ما دفع المشتري) إلى البائع (على رواية (٩)

______________________________________________________

فلم يتحقق بيع الدين بالدين ، وقد حكم بالكراهة خروجا من خلاف من منع منه.

(١) أي باء العوض.

(٢) أي بالدين.

(٣) أي إن كان ثبوت العوض في الذمة بسبب العقد يجعله دينا مانعا من صحة بيع الدين به فيلزم مثله في بيع الدين بالحالّ والفرق تحكم ، وفيه : لا كلام في ثبوت المؤجل والحال في الذمة ، وإنما التأجيل شرط في المؤجل دون الحال ، ولهذا الفرق يظهر الحال في صدق الدين على الأول دون الثاني.

(٤) كما هو واضح لعدم ثبوته في الذمة إلى حين العقد.

(٥) أي وإطلاق اسم الدين على المضمون المؤجل بعد العقد فهو مشترك بين المؤجل والحال لكونهما معا يثبتان في الذمة بمجرد العقد.

(٦) أي وإطلاق اسم الدين على المضمون المؤجل عرفا إذا بيع الدين به.

(٧) ومن هنا تعرف أنه مع عدم شرطية التأجيل لا يصدق اسم الدين على الحالّ بخلاف المضمون المؤجل الذي شرط تأجيله.

(٨) لعموم أدلة البيع ، وقد تقدم جواز بيع الدين على غير المديون كما عرفت من دون خلاف إلا من ابن إدريس.

(٩) وهي رواية محمد بن الفضيل (قلت للرضا عليه‌السلام : رجل اشترى دينا على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين ، فقال له : ادفع إليّ ما لفلان عليك فقد اشتريته منه ، فقال : يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين ، وبرئ الذي عليه المال من جميع ما بقي

٢٠