الزبدة الفقهيّة - ج ٨

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-61-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٤٠٠

١

٢

٣
٤

٥
٦

كتاب الغصب (١)

(وهو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا). والمراد بالاستقلال : الاقلال (٢) وهو الاستبداد به (٣) لا طلبه (٤) كما هو (٥) الغالب في باب الاستفعال ،

______________________________________________________

(١) وهو محرم بالاتفاق ، وعليه الأدلة الأربعة ، فمن الكتاب قوله تعالى : (وَلٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) (١) ومن السنة النبوي (لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيب نفسه) (٢) ، والإجماع قد ادعاه جماعة ، والعقل حاكم بقبح الظلم وأخذ مال الغير غصبا ظلم كما هو واضح.

هذا والغصب لغة هو آخذ الشي‌ء ظلما كما في القاموس وغيره ، نعم في الإسعاد لبعض الشافعية زيادة قيد (جهارا) لتخرج السرقة ، وليس للغصب حقيقة شرعية ولا متشرعية وإنما أطلق بينهم بما له من المعنى اللغوي ، ومع ذلك فقد عرّفه الأكثر كما في المسالك الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا.

(٢) وهو الاستبداد به ، وهو احتراز عمّا لو أزعج المالك عن ماله ولم يستول عليه فإنه لا يضمن لو تلف المال ، ولا يسمى غصبا ، هذا والاستقلال هو الإقلال ، لأن باب الاستفعال يطلب فيه طلب الفعل وهو غير مراد هنا.

(٣) أي الاستبداد بالمال.

(٤) لا طلب الإقلال.

(٥) أي طلب الفعل.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٨٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٣.

٧

وخرج به (١) ما لا إثبات معه أصلا كمنعه (٢) من ماله حتى تلف ، وما (٣) لا استقلال معه كوضع يده (٤) على ثوبه (٥) الذي هو لابسه فإن ذلك (٦) لا يسمى غصبا.

وخرج بالمال (٧) الاستقلال باليد على الحر (٨). فإنه (٩) لا تتحقق فيه الغصبية فلا يضمن ، وبإضافة المال إلى الغير (١٠) ما لو استقل بإثبات يده على مال نفسه عدوانا كالمرهون في يد المرتهن ، والوارث (١١) على التركة مع الدين فليس (١٢) بغاصب وإن أثم (١٣) ، أو ضمن (١٤) ، وبالعدوان (١٥) إثبات المرتهن ، والولي ،

______________________________________________________

(١) أي بالاستقلال المقيد بإثبات اليد يخرج ما لا إثبات معه كمنعه من ماله حتى تلف فإنه لم يستول على ماله ، ويخرج ما لا استقلال معه كوضع يده على ثوب الحر الذي هو لابسه ، فإن ذلك لا يسمى غصبا لغة ولا عرفا ، لأن الثوب ما زال تحت يد الحر.

(٢) أي كمنع صاحب المال فهو من باب إضافة المصدر إلى مفعوله ، ولم يستول عليه.

(٣) أي وخرج بالاستقلال ما لا استقلال معه.

(٤) أي يد الغاصب.

(٥) أي ثوب المالك الحر.

(٦) أي المذكور أخيرا ، ويمكن رجوعه له وللأول الذي قبله.

(٧) المال الوارد في التعريف يشمل العين والمنفعة المجردة عنها ، كما لو آجره داره ثم استولى عليها ، فإنه يكون غاصبا للمنفعة ، نعم يخرج من المال منفعة البضع لأنها وإن دخلت في المنفعة لكن لا تدخل في المال الذي ينقسم إلى العين والمنفعة ، وعليه فالمراد بالعين هو عين المال لا مطلق عين ، والمراد بالمنفعة هي منفعة المال لا مطلق المنفعة ، وعلى كل فيخرج بالمال إثبات اليد على ما ليس بمال كالحر فلا يتحقق فيه الغصب ، ولا يضمن.

(٨) بخلاف العبد فإنه مال كما هو واضح.

(٩) أي الحر.

(١٠) أي إضافة المال إلى الغير في تعريف الغصب تخرج الاستقلال بإثبات يده على مال نفسه عدوانا ، كما لو أثبت يده على ماله المرهون المشروط كونه في يد المرتهن فإنه ليس بغاصب ، وكما لو أثبت الوارث يده على التركة مع الدين على قول من يذهب إلى أن التركة في صورة الدين تنتقل إلى الورثة.

(١١) عطف على المرهون.

(١٢) أي ليس كل واحد منهما.

(١٣) أي كل منهما عند عدم التلف.

(١٤) عند التلف.

(١٥) أي يخرج بالعدوان المذكور في التعريف إثبات يد المرتهن على المرهون ويد الولي على مال ـ

٨

والوكيل ، والمستأجر ، والمستعير أيديهم على مال الراهن ، والمولى عليه ، والموكل ، والمؤجر ، والمعير ، ومع ذلك (١) فينتقض التعريف في عكسه (٢) بما لو اشترك اثنان فصاعدا في غصب بحيث لم يستقل كل منهما باليد (٣) فلو أبدل (٤) الاستقلال بالاستيلاء لشمله (٥) ، لصدق الاستيلاء مع المشاركة.

وبالاستقلال (٦) بإثبات اليد على حق الغير كالتحجير وحق المسجد والمدرسة والرباط ونحوه مما لا يعدّ (٧) مالا فإن الغصب متحقق (٨) ، وكذا غصب ما لا يتمول عرفا (٩) كحبة الحنطة فإنه (١٠) يتحقق به (١١) أيضا على ما اختاره المصنف ويجب رده (١٢) على مالكه مع عدم المالية (١٣) ، إلا أن يراد هنا (١٤) جنس المال (١٥) ،

______________________________________________________

ـ المولى عليه ، ويد الوكيل على مال الموكل ، ويد المستأجر على مال المؤجر وهكذا فإنه استقلال بإثبات اليد على مال الغير بحق.

(١) أي ومع هذه القيود في التعريف.

(٢) أي أنه غير جامع للأفراد.

(٣) فلا استقلال لكل واحد منهما بالمال مع أن كل واحد منهما محكوم بكونه غاصبا ، ولذا جاز للمالك تضمين من شاء منهما ، ولذا بدّل العلامة في التحرير وولده في الإيضاح الاستقلال بالاستيلاء دفعا لهذا الإشكال.

(٤) أي المصنف.

(٥) أي لشمل تعريف الغصب هذا الفرد.

(٦) إشكال ثان على التعريف من ناحية أنه غير مانع.

(٧) هذا الحق.

(٨) مع أنه لم يستول على ماله ، وكذا لو غصب الوقف العام مع أنه ليس ملكا لأحد وكذا لو استقل بإثبات اليد على حر صغير أو مجنون فتلف بسبب كلدغ حية أو وقوع حائط فإنه غصب عند الشيخ كما سيأتي مع أنه ليس بمال ، فلذا بدّل العلامة في التبصرة وتبعه البعض من جماعة المتأخرين المال بالحق فقالوا : هو الاستيلاء على حق الغير عدوانا.

(٩) أي لا يعدّ مالا عند العرف لقلته.

(١٠) أي الغصب.

(١١) بما لا يتمول عرفا.

(١٢) رد ما لا يتمول عرفا.

(١٣) أي عدم المالية عرفا.

(١٤) في تعريف الغصب.

(١٥) أي ما يصدق عليه المال لغة وإن لم يكن مالا عرفا.

٩

أو يدعى إطلاق المال عليه (١).

ويفرق بينه (٢) وبين المتمول وهو (٣) بعيد ، وعلى الحر (٤) الصغير والمجنون إذا تلف تحت يده بسبب. كلدغ (٥) الحية ، ووقوع الحائط. فإنه يضمن (٦) عند المصنف وجماعة كما اختاره في الدرر ، س فلو أبدل (٧) المال (٨) بالحق لشمل جميع ذلك (٩).

وأما من ترتبت يده (١٠) على يد الغاصب جاهلا به (١١) ، ومن سكن دار غيره غلطا ، أو لبس ثوبه خطأ فإنهم ضامنون وإن لم يكونوا غاصبين ، لأن

______________________________________________________

(١) أي يدعى اطلاق لفظ المال عليه عرفا وإن كان مما لا يتمول ، وهو بعيد لأن الظاهر من المتمول ما كان مالا.

(٢) بني ما يطلق عليه عرفا أنه مال وهو غير متمول.

(٣) أي التفريق.

(٤) عطف على حق الغير ، أي وبالاستقلال بإثبات اليد على الحر الصغير والمجنون فمات لسبب فإنه يضمن لأنه غاصب كما عليه الشيخ ، مع أنه ليس استقلالا لإثبات اليد على مال الغير ، فلذا بدّل المال بالحق كما عليه جماعة كما تقدم.

(٥) اللدغ للحية لسعتها كلدغ العقرب.

(٦) أي المستقل بإثبات يده على الحر الصغير والمجنون.

(٧) بسبب غصبه ، والضمان فقط لا يوجب الغصبية كما هو واضح.

(٨) أي المصنف.

(٩) أي مال الغير الوارد في تعريف الغصب.

(١٠) ولكن أشكل عليه بأنه يشمل سائر الحقوق أيضا كحق القسم بين الزوجات وحق الشفعة مما لا يعدّ الاستيلاء عليها غصبا ، وأشكل عليه أيضا بأن للغصب أحكاما منها الاثم ومنها وجوب رده إلى مالكه ومنها الضمان عند التلف ، وعليه فإثبات يده على حق التحجير وحق المسجد لو كان غصبا لتحقق الاثم مع أنه لا ضمان قطعا ، وقد تردد الشارح في وجوب الرد إلى الأول.

(١١) هذا وأشكل على التعريف المذكور للغصب من أنه لا يشمل من ترتبت يده على يد الغاصب جاهلا وكذا من سكن دار غيره أو لبس ثوبه غلطا فإنهم ضامنون ، فيجب إدخالهم في التعريف ، ولذا لا بدّ من تغيير لفظ العدوان الوارد بالتعريف بلفظ بغير حق وأورد عليهم الشارح بأن ثبوت الضمان عليهم لا يجعلهم غاصبين ، لأنه ليس كل ضامن غاصب ، إذ الغاصب هو الضامن مع الاثم وهؤلاء لا إثم عليهم.

١٠

الغصب من الأفعال المحرمة (١) في الكتاب (٢) والسنة بل الإجماع ، ودليل العقل (٣) فلا يتناول (٤) غير العالم وإن شاركه (٥) في بعض الأحكام (٦) ، وإبدال العدوان بغير حق ليتناولهم من حيث إنهم ضامنون ليس بجيد ، لما ذكرناه (٧) ، وكذا (٨) الاعتذار بكونه بمعناه أو دعوى (٩) الاستغناء عن القيد (١٠) أصلا ليشملهم ، بل الأجود الافتقار إلى قيد العدوان الدال على الظلم.

وقد تلخص : أن الأجود في تعريفه أنه الاستيلاء على حق الغير عدوانا ، وأن أسباب الضمان غير منحصرة فيه (١١).

______________________________________________________

(١) بالغصب.

(٢) التي توجب الاثم.

(٣) وقد تقدم عرض بعض الأدلة من الكتاب والسنة في أول الفصل.

(٤) أي الغصب.

(٥) أي شارك غير العالم العالم.

(٦) أي في بعض أحكام الغصب كالضمان ووجوب الرد إلى المالك.

(٧) من أنهم ضامنون ولكن غير غاصبين.

(٨) أي ليس بجيد أيضا الاعتذار عن الإشكال الوارد على تعريف الغصب ، بأن لفظ (العدوان) بمعنى لفظ (بغير حق) ، لأن العدوان متضمن للإثم المترتب على العالم ، بخلاف غير الحق فإنه يشمل الجاهل الذي لا إثم عليه لعذره من ناحية جهله.

(٩) أي وليس بجيد.

(١٠) أي قيد العدوان في تعريف الغصب.

(١١) في الغصب ، بل الضمان لقاعدة اليد المأخوذة من النبوي (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (١) ، وإما لقاعدة الإتلاف وهي (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) وهي قاعدة متصيدة من النصوص كما سيأتي ، وإما لقاعدة الضرار كما سيأتي بيانه ، مع أن الضمان في الغصب مسبّب عن قاعدة اليد ، ومما تقدم تعرف أن الغصب مختص بالعدوان وهو مضمون عليه ، وأن من أتلف مباشرة أو تسبيبا من دون استيلاء فهو غير غاصب وإن كان مضمونا عليه لقاعدة الإتلاف أو الضرار ، وكذا من استولى على مال الغير بغير عدوان فإنه مضمون عليه لقاعدة اليد ، وليس بغصب لعدم الاثم وعدم العدوان.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، وكنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ ، رقم الحديث : ٥١٩٧.

١١

وحيث اعتبر في الضمان (١) الاستقلال والاستيلاء(فلو منعه من سكنى داره) ولم يثبت المانع يده عليها (٢) (أو) منعه(من إمساك دابته المرسلة) كذلك (٣) (فليس (٤) بغاصب لهما (٥) فلا يضمن (٦) العين لو تلفت ، ولا الأجرة (٧) زمن المنع ، لعدم إثبات اليد الذي هو جزء مفهوم الغصب.

ويشكل (٨) بأنه (٩) لا يلزم من عدم الغصب عدم الضمان ، لعدم انحصار

______________________________________________________

(١) لم يؤخذ الاستقلال أو الاستيلاء في مفهوم الضمان ، إذ قد يضمن مع عدم الاستيلاء والاستقلال إذا أتلف مال الغير مباشرة أو تسبيبا فالضمان لقاعدة الإتلاف.

نعم قد أخذ الاستقلال أو الاستيلاء في مفهوم الغصب ، فلو أبدل الضمان هنا بالغصب لكان الأولى ، والسياق الآتي يدل عليه.

(٢) على الدار.

(٣) ولم يثبت المانع يده عليها ، وكذا لو منعه من القعود على بساطه مع عد إثبات يد المانع على البساط فلا يضمن وإن تلف الدار أو الدابة أو البساط لعدم صدق الغصب الموجب للضمان ، وعدم الغصب لعدم إثبات يده هذا على المشهور.

وعن البعض كما في التذكرة أنه يضمن وإن لم يكن غاصبا ، لإمكان الضمان بسبب غير الغصب ، وهو الإتلاف ، وقد تقدم أن قاعدة الإتلاف موجبة للضمان.

واستشكل فيه العلامة في التذكرة ، إلا أن الشارح في المسالك والروضة هنا وتبعه عليه غيره أن ما ذهب إليه المشهور من عدم الضمان مختص بما لا يكون المانع سببا في إتلاف العين من الدار والدابة والبساط بحيث اتفق تلفها مع كون السكنى غير معتبرة في حفظ الدار ، وكون ركوب الدابة من قبل المالك غير معتبر في حفظ الدابة كما يتفق للكثير من الدور والدواب.

أما لو كان حفظ العين من الدار متوقفا على سكناها ، وحفظ العين من الدابة متوقفا على ركوبها لضعفها أو لكونها في أرض مسبعة فالمتجه الضمان ، نظرا إلى كون المانع هنا سببا قويا في الإتلاف مع ضعف المباشر ، وهو المحكي عن الشهيد في بعض فتاواه ، والمحقق الثاني واستحسنه في الرياض.

(٤) أي المانع.

(٥) للدار والدابة.

(٦) عدم الضمان لعدم الغصب.

(٧) وهي إجراء المثل للمنافع الفائتة غير المستوفاة.

(٨) أي عدم الضمان.

(٩) أي بأن الشأن والواقع.

١٢

السبب فيه (١) ، بل ينبغي أن يختص ذلك (٢) بما لا يكون المانع سببا في تلف العين بذلك (٣) ، بأن اتفق تلفها (٤) مع كون السكنى غير معتبرة في حفظها (٥) والمالك (٦) غير معتبر في مراعاة الدابة كما يتفق لكثير من الدور والدواب ، أما لو كان حفظه (٧) متوقفا على سكنى الدار ومراعاة الدابة (٨) لضعفها أو كون أرضها (٩) مسبعة (١٠) مثلا. فإن المتجه الضمان (١١) نظرا إلى كونه (١٢) سببا قويا مع ضعف المباشر (١٣).

ومثله (١٤) ما لو منعه من الجلوس على بساطه فتلف (١٥) أو سرق (١٦) أو غصب الأم (١٧) فمات ولدها جوعا ، وهذا (١٨) هو الذي اختاره المصنف في بعض فوائده ، وإن اتّبع هنا وفي الدروس المشهور (١٩).

______________________________________________________

(١) أي لعدم انحصار سبب الضمان في الغصب.

(٢) من عدم الضمان كما عليه المشهور.

(٣) بسبب منع المانع.

(٤) أي تلف العين.

(٥) أي حفظ الدار.

(٦) عطف على السكنى.

(٧) أي ما ذكر من الدار والدابة.

(٨) من قبل مالكها.

(٩) أي أرض الدابة.

(١٠) أي أرضها ذات أسباع.

(١١) لكون المانع سببا في الإتلاف.

(١٢) أي كون المانع.

(١٣) أي المباشر للإتلاف.

(١٤) أي ومثل المانع من سكنى الدار ومن إمساك الدابة المرسلة.

(١٥) أي البساط.

(١٦) أي البساط وفيه نظر ، لأن السارق مباشر وهو أقوى من السبب المانع.

(١٧) أي غصب الحيوان فمات ولده جوعا ، والضمان متوقف على كون الولد غير معتاد لأكل غير اللبن ، أو لكون الام معتبرة في تغذية.

(١٨) أي الضمان مع كون المانع سببا قويا في إتلاف العين الممنوعة.

(١٩) من عدم الضمان.

١٣

أما لو منعه من بيع متاعه (١) فنقصت قيمته السوقية مع بقاء العين وصفاتها لم يضمن قطعا ، لأن الفائت ليس مالا بل اكتسابه (٢).

(ولو سكن معه (٣) قهرا) في داره(فهو غاصب للنصف) عينا وقيمة (٤) ، لاستقلاله (٥) به (٦) ، بخلاف النصف الذي بيد المالك ، هذا (٧) إذا شاركه (٨) في سكنى البيت على الاشاعة من غير اختصاص بموضع معين ، أما لو اختص (٩)

______________________________________________________

(١) لو منعه من بيع متاعه فتلف بحيث لو لا المنع لما حصل التلف ، فالمانع حينئذ سبب في الإتلاف فيضمن ، نعم لو نقصت قيمته السوقية مع بقاء عينه وصفته على حالها فعدم الضمان كما في المسالك ، لأن الفائت ليس بمال ، وأشكل عليه بأنه نفي الضمان لعدم المالية مبني على كون الضمان مسبّبا عن قاعدة الإتلاف ، وأما لو كان الضمان مسببا عن قاعدة الإضرار لاتجه الحكم بالضمان كما في الرياض لصدق الإضرار المنفي شرعا هنا ، وليس فيه ما يقتضي تخصيص الضرر المنفي بما يكون متعلقه مالا.

(٢) أي بل منفعته التي كانت تحصل بالاكتساب فهو المال.

(٣) لو سكن الغاصب قهرا مع المالك في داره ففي الضمان قولان ، مبنيان على الاختلاف في تعريف الغصب ، فإن قلنا إنه الاستيلاء على مال الغير فالغاصب هنا مستولي وإن كان مع المشاركة فيضمن كما عليه الأكثر ، غير أنه يضمن النصف مع فرض تساوي أيديهما على الدار ، وهذا كله إذا كان المالك واحدا وأما لو كان اثنين فيلزم الغاصب الثلث ، ولو كانوا ثلاثة لزمه الربع ، لأن الضمان على نسبة ما استولى عليه إن نصفا فنصفا وإن ثلثا فثلثا وهكذا.

وإن قلنا إن الغصب هو الاستقلال على مال الغير فالغاصب هنا غير مستقل بإثبات يده على جميع الدار ، لأن الفرض عدم رفع يد المالك فلا يضمن ، وهذا ما ذهب إليه المحقق ، ولا ريب في ضعفه حتى على القول بدخول الاستقلال في مفهوم الغصب لتحقق الاستقلال هنا بالنسبة إلى النصف المشاع.

(٤) إما أن يكون المراد بها قيمة العين على تقدير التلف ، وإما أن يكون المراد بها قيمة المنفعة المستوفاة من السكنى وهي أجرة ما سكن.

(٥) أي استقلال الغاصب ، وفي هذا رد على المحقق.

(٦) بالنصف المشاع.

(٧) أي الحكم المذكور.

(٨) أي شارك الغاصب المالك.

(٩) أي الغاصب.

١٤

بمعين (١) اختص بضمانه (٢) كما لو اختص (٣) ببيت من الدار وموضع خاص من البيت الواحد ، ولو كان (٤) قويا مستوليا وصاحب الدار ضعيفا اضمحلت يده معه (٥) احتمل قويا ضمان الجميع.

(ولو انعكس) الفرض بأن(ضعف الساكن (٦) الداخل على المالك عن مقاومته ولكن لم يمنعه المالك مع قدرته (٧) (ضمن) الساكن(أجرة ما سكن) (٨) لاستيفائه (٩) منفعته (١٠) بغير إذن مالكه.

(وقيل) والقائل المحقق والعلامة وجماعة : (ولا يضمن) الساكن(العين) (١١) ، لعدم تحقق الاستقلال باليد على العين الذي (١٢) لا يتحقق الغصب بدونه (١٣) ،

______________________________________________________

(١) أي بموضع معين من الدار.

(٢) لصدق الاستقلال فضلا عن الاستيلاء الموجبين للغصب ، الذي هو سبب مستقل للضمان.

(٣) أي الغاصب.

(٤) أي الغاصب ، ما تقدم من ضمان النصف على الغاصب على فرض تساوي أيديهما على الدار ، فلو كانت يد الغاصب أقوى اتجه ضمان الغاصب لجميع الدار ، لصدق الاستقلال أو الاستيلاء على الجميع ، ولو كانت يد المالك أقوى اتجه عدم ضمان الجميع على الغاصب لعدم صدق الاستقلال أو الاستيلاء ، نعم لا بد من ضمان أجرة المنفعة المستوفاة وهي أجرة ما سكن ولو كانت يده ضعيفة لقاعدة الإتلاف ، وهذا ما عليه المحقق والعلامة وجماعة وفيه : أنه لو كانت يد المالك أقوى لصدق مفهوم الاستيلاء على يد الغاصب ، وهذا ما يوجب ضمان نصف العين لتساوي أيديهما على الدار.

(٥) أي مع الغاصب.

(٦) أي الغاصب.

(٧) أي مع قدرة المالك على المنع.

(٨) دون ضمان أهل الدار.

(٩) أي استيفاء الساكن.

(١٠) أي منفعة ما سكنه.

(١١) مع ضعف الساكن الداخل على المالك.

(١٢) صفة للاستقلال.

(١٣) أي بدون الاستقلال ، ولا استقلال هنا لعدم رفع يد المالك ، بل ولا استيلاء لضعف الساكن.

١٥

ونسبته (١) إلى القول يشعر بتوقفه (٢) فيه (٣).

ووجهه (٤) ظهور استيلائه (٥) على العين التي انتفع بسكناها ، وقدرة المالك على دفعه لا ترفع الغصب مع تحقق العدوان (٦).

نعم لو كان المالك القوي نائبا (٧) فلا شبهة في الضمان لتحقق الاستيلاء.

(ومدّ مقود الدابة) (٨) بكسر الميم وهو الحبل الذي يشد بزمامها (٩) أو لجامها (١٠) (غصب للدابة) وما يصحبها للاستيلاء عليها عدوانا(إلا أن يكون صاحبها راكبا) عليها(قويا) على دفع القائد(مستيقظا) حالة القود غير نائم فلا يتحقق الغصب حينئذ (١١) ، لعدم الاستيلاء.

______________________________________________________

(١) أي نسبة عدم الضمان.

(٢) أي توقف المصنف.

(٣) في عدم الضمان.

(٤) أي وجه التوقف.

(٥) أي استيلاء الساكن.

(٦) فيجب أن يضمن النصف حينئذ.

(٧) أي بعيدا عن الدار ، ما تقدم كان مبنيا على حضور المالك ، ولو كان المالك بعيدا عن الدار وقد دخلها الساكن بقصد الاستيلاء فهو غاصب وإن كان الداخل ضعيفا وصاحب الدار قويا ، لأن الاستيلاء حاصل في الحال ، وأثر قوة المالك وسهولة إزالته والانتزاع من يده ليس بمتحقق في الحال.

(٨) لو مدّ بمقود الدابة فقادها بقصد الاستيلاء ، فهو غاصب لها ويضمن ، ولو كان المالك حاضرا عندها لكن غير مثبت يده عليها ، وهو غاصب لأنه مستقل ومستولي عليها ، ومنه تعرف أن المراد من مدّ مقود الدابة الوارد في المتن هو قودها بقودها نعم لا يضمن لو كان صاحبها راكبا لها وكان قادرا على منع الغاصب لعدم صدق الاستيلاء فضلا عن الاستقلال مع استمرار يد المالك عليها.

ومثله ما لو ساقها بقصد الاستيلاء فهو غاصب إلى آخر ما تقدم في قود الدابة.

(٩) وهو ما يجعل في أنف البعير.

(١٠) وهو ما يجعل في فم الدابة.

(١١) حين كون المالك راكبا قويا مستيقظا.

١٦

نعم لو اتفق تلفها بذلك (١) ضمنها (٢) ، لأنه جان عليها.

ولو لم تتلف هل يضمن منفعتها زمن القود؟ يحتمل قويا ذلك (٣) ، لتفويتها بمباشرته وإن لم يكن غاصبا كالضعيف الساكن (٤) ولو كان الراكب ضعيفا عن مقاومته (٥) ، أو نائما فلا ريب في الضمان ، للاستيلاء ولو ساقها (٦) قدامه بحيث صار مستوليا عليها لكونها تحت يده ، ولا جماح لها (٧) فهو غاصب ، لتحقق معناه (٨) ، ولو تردّدت بالجماح حينئذ (٩) ، أو غيره فتلفت أو عابت ضمن ، للسببية.

(وغصب الحامل غصب للحمل) (١٠) ، لأنه (١١) مغصوب كالحامل ،

______________________________________________________

(١) بالقود.

(٢) لقاعدة الإتلاف وإن لم يكن غاصبا لها.

(٣) أي ضمان المنفعة.

(٤) في دار المالك القوي فإنه يضمن ما سكنه.

(٥) أي مقاومة القائد.

(٦) السائق كالقائد في جميع ما تقدم.

(٧) للدابة ، وجماح الدابة سرعتها وغلبتها للفارس ، وفي مجمع البحرين إذا ذهب في عدوه ولا يرده شي‌ء.

(٨) معنى الغصب من الاستيلاء عليها حينئذ.

(٩) التردي هو الوقوع في الهلاك ، وقوله (حينئذ) أي حين سوقها قدامه ، وهو إشارة إلى سببيّة السوق للتلف ولو بواسطة الجماح أو غيره فإنه يضمن لقاعدة الإتلاف بعد كونه سببا في ذلك.

(١٠) غصب الأمة الحامل غصب للحمل ، وكذا غصب الدابة الحاملة غصب لحملها ، بلا خلاف فيه ولا إشكال لثبوت يده استقلالا واستيلاء عليهما معا فهو لهما ضامن.

وأما حمّل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد فعن العلامة في التذكرة والتحرير تبعا للمحقق في الشرائع أنه يضمن حملها أيضا لعموم قاعدة اليد ، ولكن عن العلامة في القواعد والشهيد في الدروس والمحقق الثاني في جامعه والشارح في المسالك والروضة هنا وغيرهم عدم الضمان ، لعدم كون الحمل مبيعا حتى يضمن بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، فالحمل حينئذ أمانة في يد المشتري.

وفيه مع فرض عدم إذن المالك إلا الاذن البيعية التي فرض عدمها يتبين فساد قبض الحمل فيتجه الضمان لعدم الاذن بعدم عموم قاعدة اليد التي هي مسبب قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(١١) أي الحمل.

١٧

والاستقلال باليد عليه (١) حاصل بالتبعية لأمه ، وليس كذلك حمل المبيع فاسدا حيث لا يدخل في البيع ، لأنه (٢) ليس مبيعا فيكون أمانة في يد المشتري ، لأصالة عدم الضمان ، ولأنه (٣) تسلمه بإذن البائع ، مع احتماله (٤) ، لعموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (٥). وبه (٦) قطع المحقق في الشرائع(ولو تبعها الولد) حين غصبها(ففي الضمان) للولد(قولان) مأخذهما عدم إثبات اليد عليه (٧). وأنه (٨) سبب قوي.

والأقوى الضمان وهو الذي قرّبه في الدروس.

(والأيدي المتعاقبة على المغصوب أيدي ضمان) (٩) ، سواء علموا جميعا

______________________________________________________

(١) على الحمل.

(٢) أي حمل المبيع.

(٣) أي المشتري.

(٤) أي احتمال ضمان الحمل.

(٥) وهو نبوي مشهور (١).

(٦) أي بضمان حمل المبيع فاسدا.

(٧) على الولد فلا يضمن.

(٨) أي الغاصب للأم سبب قوي في تبعية الولد لأمه ، هذا وقد تردد في الضمان وعدمه كلّ من المحقق في الشرائع ، والعلامة في القواعد والإرشاد وولده في الإيضاح ، وغيرهم ولم أجد من جزم بعدم الضمان ، نعم قرب الشهيد في الدروس الضمان وقد جعله الشارح هنا في الروضة أقوى.

(٩) لو تعاقبت الأيدي على المغصوب تخير المالك في إلزام أيهم شاء ، أو إلزام الجميع أو البعض على حد سواء أو مختلفا بلا خلاف فيه لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (٢) ، والمغصوب قد وقع تحت يد كل واحد منهم ، نعم من وضع يده على المغصوب جاهلا فليس بغاصب ، لاشتراط الغصب مفهوما بقيد العدوان ، وهو منفي عن الجاهل إلا أن الضمان غير منفي عنه بعد ثبوت يده على المغصوب وعموم قاعدة اليد.

وقيّدنا الأيدي بالتعاقب احترازا عما لو اجتمعت الأيدي على المغصوب فلا يرجع المالك على كل منهم بكل المغصوب ، بل يرجع على الجميع بالسوية.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، وكنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ ، رقم الحديث ٥١٩٧.

(٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، وكنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ ، رقم الحديث : ٥١٩٧.

١٨

بالغصب أم جهلوا أم بالتفريق ، لتحقق التصرف في مال الغير بغير إذنه فيدخل في عموم ، على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، وان انتفى الاثم عن الجاهل بالغصب (١) (فيتخير المالك في تضمين من شاء) منهم العين والمنفعة (٢) (أو) تضمين(الجميع) بدلا واحدا (٣) بالتقسيط (٤) وإن لم يكن متساويا ، لأن جواز الرجوع على كل واحد بالجميع يستلزم جواز الرجوع بالبعض. وكذا له تقسيط ما يرجع به (٥) على أزيد من واحد ، وترك الباقين ، لما ذكر (٦).

(ويرجع الجاهل منهم بالغصب) إذا رجع (٧) عليه (٨) (على من (٩) غرّه)

______________________________________________________

(١) وينتفي عن الجاهل عنوان الغصب أيضا لعدم العدوان من الجاهل.

(٢) أي منفعة العين الفائتة.

(٣) أي بدل العين على تقدير تلفها.

(٤) أي بالتوزيع على الجميع ، وإن لم يكن ما يرجع به على البعض مساويا لما يرجع به على البعض الآخر.

(٥) أي ما يرجع به المالك من الجميع أو البعض.

(٦) من جواز رجوع المالك بالجميع على كل واحد ، فيجوز له ترك الباقين سواء رجع على البعض بالجميع أو بالبعض.

(٧) أي المالك.

(٨) على الجاهل.

(٩) متعلق بقول الماتن (ويرجع الجاهل منهم) ، وقد تقدم أن الأيدي المتعاقبة ضامنة بلا فرق بين العالم والجاهل ، نعم الفرق بينهما في استقرار الضمان وبيانه.

إن الأول غاصب عالم فلو باع المغصوب على ثان ، فإن كان الثاني عالما فهو كالغاصب الأول يطالب بكل ما يطالب به الأول ، حتى إذا تلف المغصوب في يده فاستقرار ضمانه عليه بحيث لو غرّم لم يرجع على الأول ، ولو غرّم الأول رجع عليه.

وإن كان الثاني جاهلا بالغصب فإن كانت يده يد ضمان كالعارية المضمونة والمقبوض بالبيع الفاسد استقر الضمان على الثاني على ما تقدم بيانه في الشق. الأول ، وإن كانت يده يد أمانة كالوديعة والقراض والرهن والوكالة استقر الضمان على الغاصب بحيث لو رجع المالك على الثاني ببدل العين على تقدير التلف ، رجع الثاني على الغاصب الأول لقاعدة المغرور يرجع على من غرّه ، ولو رجع المالك على الأول الغاصب ببدل العين على تقدير التلف فلا يرجع الأول على الثاني الجاهل ولو تلفت العين تحت يده. ـ

١٩

فسلّطه (١) على العين ، أو المنفعة ولم يعلمه بالحال (٢) ، وهكذا الآخر (٣) إلى أن يستقر الضمان على الغاصب العالم وإن لم تتلف العين في يده (٤).

هذا (٥) إذا لم تكن يد من تلفت (٦) في يده (٧) يد ضمان كالعارية المضمونة ، وإلا (٨) لم يرجع على غيره ، ولو كانت أيدي الجميع عادية تخيّر المالك كذلك (٩) ويستقر الضمان على من تلفت العين في يده فيرجع غيره (١٠) عليه (١١) لو رجع (١٢) عليه (١٣) دونه (١٤) ، وكذا يستقر ضمان المنفعة على من استوفاها عالما (١٥).

(والحر لا يضمن بالغصب) (١٦) عينا ومنفعة ، لأنه ليس مالا فلا يدخل

______________________________________________________

ـ ومن هذا البيان يتضح أن استقرار الضمان على من تلف المغصوب تحت يده إذا كانوا غاصبين جميعا ، واستقرار الضمان على الغاصب العالم وإن لم تتلف العين تحت يده إذا كان بعضهم جاهلا بالغصبية إلا أن تكون يده يد ضمان فاستقرار الضمان على من تلف المغصوب تحت يده.

(١) أي سلّط الغارّ المغرور.

(٢) أي بحال مغصوبية العين.

(٣) الذي رجع عليه المغرور ، لو كان هو مغرورا أيضا.

(٤) أي يد الغاصب العالم ، بل كان التلف في يد الجاهل.

(٥) أي رجوع الجاهل على من غرّه.

(٦) وهو جاهل بالغصب.

(٧) بأن كانت يده يد ضمان وهو جاهل بالغصب.

(٨) من العدوان.

(٩) في الرجوع عليهم أو بعضهم.

(١٠) غير من تلفت العين تحت يده.

(١١) على من تلفت العين تحت يده.

(١٢) أي المالك.

(١٣) أي على غير من تلفت العين عنده.

(١٤) دون من تلفت العين عنده.

(١٥) أي عالما بالغصب بحيث لو رجع المالك على غيره ، رجع هذا الغير على المستوفي العالم.

(١٦) الحر لا يضمن بالغصب ، لأنه ليس بمال ، نعم يضمن الحر بالجناية على نفسه أو أطرافه ـ

٢٠