الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

الشفيع رجع الشفيع به (١).

ويفهم من تقييد الفسخ بالعيب أنه لو كان (٢) بغيره (٣) بطلت (٤) ، وقد تقدم ذلك في الفسخ بالخيار ، وبقي تجدّد الفسخ بذاته (٥) كما لو تلف الثمن المعين قبل القبض ، وفي بطلانها به (٦) قول ، من حيث إنه (٧) يوجب بطلان العقد ، وآخر (٨) بعدمه (٩) ، لأن البطلان من حين التلف لا من أصله ، فلا يزيل (١٠) ما سبق من استحقاقها (١١) ، وثالث (١٢) بالفرق بين أخذ الشفيع قبل التلف فتثبت ، وبعده فتبطل ، والأوسط (١٣) أوسط (١٤).

______________________________________________________

(١) بالأرش ، ويرجع على المشتري ودليله قد ظهر مما تقدم.

(٢) أي الفسخ.

(٣) بغير العيب.

(٤) أي بطلت الشفعة على تفصيل قد تقدم.

(٥) كما لو تلف الثمن المعين في العقد قبل قبضه ، فإنه يحكم ببطلان البيع وهل يتبعه بطلان الشفعة أو لا؟

فعن الشيخ والفاضل في المبسوط والتذكرة البطلان ، لأن الشفعة تثبت بالبيع ، وإذا بطل البيع تبطل الشفعة.

وعن الفاضل في المختلف وولده والماتن عدم البطلان ، لأن الشفعة تثبت بالبيع ، وإذا بطل البيع تبطل الشفعة.

وعن الفاضل في المختلف وولده والماتن عدم البطلان ، لأن البيع وإن كان باطلا لكن يحكم ببطلانه من حين حصول تلف الثمن لا من أصل العقد ، والشفعة تثبت بنفس العقد قبل الحكم بالبطلان ، فيكون حقها أسبق.

وفصّل العلامة في القواعد فيما لو كان تلف الثمن قبل أخذ الشفيع فتبطل الشفعة ، لأنه إذا بطل البيع بطلت ، وإن كان التلف بعد أخذ الشفيع لم تبطل لسبق حق الشفيع ، وتردد المحقق في الشرائع وكذا غيره.

(٦) أي وفي بطلان الشفعة يتجدد الفسخ.

(٧) أي تجدد الفسخ.

(٨) أي وقول آخر.

(٩) بعدم بطلان الشفعة.

(١٠) أي بطلان البيع.

(١١) أي استحقاق الشفعة.

(١٢) أي قول ثالث.

(١٣) وهو القول بعدم البطلان.

(١٤) أي أعدل.

٥٢١

(و) كذا (لا) تسقط الشفعة (بالعقود اللاحقة) (١) للبيع (كما لو باع) المشتري الشقص (أو وهب ، أو وقف) لسبق حق الشفيع على ما تأخر من العقود ، (بل للشفيع إبطال ذلك كله) والأخذ بالبيع الأول ، (وله (٢) أن يجيز) البيع (ويأخذ بالبيع الثاني) ، لأن كلا من البيعين سبب تام في ثبوت الشفعة ، والثاني (٣) صحيح وإن توقف على إجازة الشفيع ، فالتعيين إلى اختياره (٤).

______________________________________________________

(١) يجوز للمشتري أن يتصرف في المبيع قبل أخذ الشفيع ، لأن المبيع داخل في ملكه بالعقد والناس مسلطون على أموالهم ، وعليه فيجوز للمشتري أن يتصرف فيه بما يوجب الشفعة أيضا كالبيع ، وبما لا يوجبها كالوقف فلو وقف المشتري المبيع أو جعله مسجدا فللشفيع إزالة ذلك كله وأن يأخذ بالشفعة ، بلا خلاف فيه منا لسبق حق الشفيع ، وعن بعض العامة المنع لعدم جواز نقض الوقف وهو واضح الضعف.

ولو باع المشتري المبيع ، فالبيع الصادر من المشتري موجب للشفعة أيضا ، لأن بيع الشريك حصته موجب للشفعة وهذا بيع من الشريك الذي هو المشتري لحصته ، وللشفيع حينئذ شفعتان ، شفعة بالعقد الأول على المشتري الأول وشفعة بالعقد الثاني على المشتري الثاني ، وكما يجوز للشفيع أخذ المبيع من المشتري الأول بالثمن المسمى في العقد الأول فيجوز له الأخذ من المشتري الثاني بالثمن المسمى في العقد الثاني ، وكذا لو زادت العقود على اثنين فنفس الحكم.

ثم إن أخذ الشفيع من المشتري الأول بعد دفع ثمن العقد الأول بطل البيع المتأخر ، وإن أخذ الشفيع من المشتري الأخير بثمن عقده صح السابق ، لأن الرضا بالأخير مستلزم للرضا بما سبق ، وإن أخذ من المشتري المتوسط بثمن عقده صح ما تقدم عليه لأنه متوقف عليه وبطل ما تأخر عنه ومما تقدم يظهر أن المبيع لو اشتراه المشتري الأول بعشرة ، واشتراه الثاني بعشرين ، واشتراه الثالث بثلاثين بعقود متعاقبة ، فإن رجع الشفيع على الأول أخذ المبيع بعد دفع العشرة وبطل ما تأخر من بيوع غايته يرجع المشتري الثالث بثلاثين على الثاني ، ويرجع الثاني بعشرين على الأول ، لأن المبيع سيؤخذ من الثالث وقد انفسخ عقده كما انفسخ عقد الثاني ، وإن رجع الشفيع على الثالث الأخير أخذ البيع بعد دفع الثلاثين وصح ما تقدم من البيوع ، وإن رجع الشفيع على الثاني بعشرين صح الأول وبطل الثالث ، ويرجع الثالث على الثاني بثلاثين لأن المبيع سيؤخذ منه وقد انفسخ عقده.

(٢) للشفيع.

(٣) أي البيع الثاني.

(٤) أي فتعيين الأخذ بالشفعة راجع إلى اختيار الشفيع.

٥٢٢

وكذا لو تعددت العقود ، فإن أخذ من الأخير صحت العقود السابقة ، وإن أخذ من الأول بطلت اللاحقة ، وإن أخذ من المتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده.

ولا فرق في بطلان الهبة لو اختاره (١) الشفيع بين اللازمة ، وغيرها ولا بين المعوض عنها ، وغيرها فيأخذ الواهب الثمن ويرجع العوض إلى باذله (والشفيع يأخذ من المشتري) (٢) ، لا من البائع ، لأنه (٣) المالك الآن (ودركه) أي درك الشقص لو ظهر مستحقا (٤) (عليه (٥) فيرجع عليه (٦) بالثمن وبما اغترمه (٧) لو

______________________________________________________

(١) أي اختار البطلان والمعنى أنه لا فرق بين جميع تصرفات المشتري التي للشفيع فسخها والأخذ من المشتري بثمن عقده فيتملك الشفيع المبيع حينئذ بالشفعة دون الموهوب الذي قد انفسخت هبته ، وعليه فإن كانت هبته بلا عوض فلا إشكال ولا كلام ، وإن كانت بعوض فيصير الدرك على الواهب الذي هو المشتري ، لأن الأخذ بالشفعة يفسخ كل ما يترتب على البيع ، وعليه فيأخذ المشتري الثمن من الشفيع ويدفع عوض الهبة إلى باذلها لبطلان الهبة بالشفعة ، ومما تقدم يظهر ضعف ما عن الفخر في الإيضاح من أن الثمن للموهوب له إذا كانت الهبة لازمة وهو المنقول عن الشهيد في بعض حواشيه.

(٢) لا إشكال ولا خلاف في أن الشفيع يأخذ الشقص من المشتري ، لأنه المتيقن من أدلة ثبوت الشفعة ، فلو بان المبيع معيوبا بفعل المشتري كان ضمانه عليه ، ولا يأخذ الشفيع من البائع الذي كان شريكا له لفرض انقطاع سلطانه عن العين بالبيع فكيف يأخذ منه.

لكن لو طالب الشفيع بالشقص وكان الشقص في يد البائع ولم يتسلمه المشتري فلا يجب على المشتري القبض من البائع ثم دفعه إلى الشفيع حتى لو التمس الشفيع ذلك ، بل يقال للشفيع : خذه من البائع أو دعه بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لأن الغرض من الشفعة قبض الشفيع للشقص وهو يحصل من البائع مباشرة ، ولأن قبض الشفيع بعد المطالبة كقبض المشتري ، لانتقال الحق إلى الشفيع ، فلا وجه لتكليف المشتري بالقبض من البائع ، وعن بعض العامة وجوب القبض على المشتري ثم دفعه إلى الشفيع ، لأن الشفيع بمنزلة مشتر من المشتري ، وهو ممنوع ، لأن أخذ الشفيع أخذ قهري وإن لم يرض المشتري.

(٣) أي المشتري.

(٤) أي تتبين بطلان البيع لأنه مستحق لغير المشتري فضمانه عليه لأنه تحت يده.

(٥) على المشتري.

(٦) أي فيرجع الشفيع على المشتري بالثمن الذي دفعه.

(٧) أي اغترم المشتري من الأرش الذي يأخذه مالك الثمن المعيب.

٥٢٣

أخذه المالك ، ولا فرق في ذلك (١) بين كونه في يد المشتري ، ويد البائع بأن لم يكن اقبضه (٢) ، لكن هنا (٣) لا يكلف المشتري قبضه منه (٤) ، بل يكلف الشفيع الأخذ منه ، أو الترك (٥) لأن الشقص هو حق الشفيع ، فحيث ما وجده أخذه ، ويكون قبضه (٦) كقبض المشتري ، والدرك عليه (٧) على التقديرين (٨).

(والشفعة تورث) (٩) عن الشفيع كما يورث الخيار ، وحد القذف ، والقصاص ، في أصح القولين ، لعموم أدلة الإرث. وقيل : لا تورث استنادا إلى رواية ضعيفة السند. وعلى المختار (١٠) فهي (كالمال) فتقسم (بين الورثة) على نسبة

______________________________________________________

(١) في كون أخذ الشفيع من المشتري.

(٢) أي لم يكن البائع أقبض الشقص للمشتري.

(٣) فيما لو كان تحت يد البائع.

(٤) من البائع.

(٥) أي ترك الأخذ بالشفعة.

(٦) قبض الشفيع.

(٧) على المشتري.

(٨) تقدير كون الشقص تحت يد المشتري ، وتقدير كونه تحت يد البائع.

(٩) اختلف الأصحاب في ذلك ، فعن الأكثر أنها تورّث ، للمرسل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما ترك الميت من حق فهو لوارثه) (١) ، وكما يندرج فيه حق الخيار وحق القذف بلا خلاف فيندرج فيه حق الشفعة.

وعن الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة في الوسيلة والطبرسي أنها لا تورّث ، ونسبه في المبسوط إلى الأكثر ، تعويلا على خبر محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام أنه قال (لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم وقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يشفع في الحدود ، وقال : لا تورث الشفعة) (٢) ، ولكن في السند ضعف ، إذ طلحة بن زيد تبري ، ومحمد بن يحيى غير معروف.

(١٠) من توريثها فهي على حدّ ما يورّث المال ، لأنها حق مالي ، فيرث الذكر ضعف الأنثى ،

__________________

(١) الجواهر ج ٣٧ ص ٣٩١ ، وإن علّق بأنه لا مصدر لهذا المرسل في كتب الفريقين ، وإنما هو مشتهر على ألسنة الفقهاء ، وأما الموجود في الكتب (من مات وترك مالا فلورثته) كما في الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الشفعة حديث ١.

٥٢٤

سهامهم ، لا على رءوسهم. فللزوجة مع الولد الثمن ، ولو عفى أحد الورّاث عن نصيبه لم تسقط (١) ، لأن الحق للجميع ، فلا يسقط حق واحد بترك غيره (فلو عفوا إلا واحدا أخذ الجميع ، أو ترك) حذرا من تبعض الصفقة على المشتري ، ولا يقدح هنا (٢) تكثّر المستحق وإن كانوا شركاء (٣) ، لأن أصل الشريك متحد ، والاعتبار بالوحدة عند البيع ، لا الأخذ.

(ويجب تسليم الثمن أوّلا (٤) جبرا) لقهر المشتري (ثم الأخذ) (٥) أي تسلم

______________________________________________________

بلا خلاف فيه ، وعن بعض الشافعية أنها تورث على الرءوس وعدد الورّاث لا على فروضهم ، وهو ضعيف لعدم المخصص لكيفية إرث الشفعة عن بقية الموروث ، بل الشفعة مثله.

وعلى المختار أيضا فلو عفى أحد الورّاث عن نصيبه لم تسقط الشفعة ، وإن قلنا بكونها على الفورية وقلنا بسقوطها إذا عفا المورّث ، لأن الحق لا يسقط بعفو البعض بعد كون الحق للجميع ، وعليه فمن لم يعف إما أن يأخذ الجميع أو يترك لئلا تتبعض الصفقة على المشتري.

(١) أي الشفعة.

(٢) أي عند توريث الشفعة ، وهذا دفع وهم ، أما الوهم فإنه يشترط في الشفيع أن يكون واحدا فلو تعدد الشركاء فلا شفعة كما تقدم فكيف تثبت الشفعة هنا لأكثر من واحد من الورّاث.

وأما الدفع فالمعتبر هنا حال البيع لا حال الأخذ ، لأن المعتبر هو وقت ثبوت الحق وهو حال البيع ، وفي هذه الحالة كان الشريك واحدا ، لأن المورّث واحد ولذا ثبتت الشفعة ، وإن كان بعد ثبوتها قد انتقلت إلى المتعدد بالإرث.

(٣) أي شركاء في حق الشفعة.

(٤) أي في الشفعة ، فيجب على الشفيع أولا دفع الثمن حتى يدفع المشتري بعد ذلك في المبيع ، وقال الشارح في المسالك : (وإنما اعتبر هنا دفع الثمن أولا ، ولم يعتبر ذلك في غيره من المعاوضات كالبيع ، بل اعتبر التسليم معا ، لأن هذه معاوضة قهرية أخذ المعوض فيها بغير رضا المشتري فيجبر ـ أي قهره ـ بتسليم الثمن إليه أولا ، بخلاف البيع فإن مبناه على الاختيار ، فلم يكن أحد المتبايعين أولى بالبداءة من الآخر ، وهذه في الحقيقة علة مناسبة ، لكن لا دلالة في النصوص عليها ، وإثباتها بمجرد ذلك لا يخلو من إشكال ، نعم اعتبرها العامة في كتبهم ، وهي مناسبة على قواعدهم) انتهى ، وقواعدهم هي الاستحسان الذي هو أصل لهم وهم أصله.

(٥) أي أخذ الشفيع المبيع بالشفعة.

٥٢٥

المبيع ، لا الأخذ بالشفعة القولي ، فإنه (١) متقدم على تسليم الثمن مراعاة للفورية (إلا أن يرضى الشفيع بكونه) أي الثمن (في ذمته) (٢) فله (٣) أن يتسلم المبيع أولا ، لأن الحق في ذلك (٤) للمشتري ، فإذا أسقطه برضاه بتأخير الثمن في ذمة الشفيع فله ذلك.

والمراد بالشفيع هنا المشتري لما ذكرناه (٥) ، إما تجوزا لكونه سببا في إثبات الشفيع ، أو وقع سهوا.

(ولا يصح (٦) الأخذ إلا بعد العلم بقدره (٧) ، ...

______________________________________________________

(١) أي الأخذ بالشفعة القولي.

(٢) أي ذمة الشفيع ، وحق العبارة أن تكون إلا أن يرضى المشتري بكون الثمن في ذمة الشفيع بطريق الدين ، ومن هنا فسر كلام الماتن بعدة تفسيرات :

الأول : ما عن الشارح هنا في روضته أن المراد من لفظ الشفيع هو المشتري تجوزا ، لأن المشتري سبب في إثبات الشفيع خارجا ، وقد أطلق المسبّب على السبب.

الثاني : ما عن الشارح هنا في روضته أيضا أن هذا التعبير عن المشتري بلفظ الشفيع من باب سهو القلم.

الثالث : ما عن الشارح أيضا في حاشيته على اللمعة كما في الطبعة الحجرية حيث قال : (بتقدير اللام ، أي للشفيع بكون الثمن في ذمة الشفيع بطريق الدين).

الرابع : أن يجعل لفظ الشفيع في عبارة الماتن منصوبا ، ويكون المعنى : إلا أن يرضى المشتري عن الشفيع ، وقد حذف لفظ المشتري ونصب الشفيع للدلالة على أنه في محل نصب.

الخامس : أن يجعل لفظ (يرضى) من باب الإفعال أي (يرضي) ، فيكون المعنى : إلا أن يرضي الشفيع المشتري بكون الثمن في ذمته ، أي في ذمة الشفيع.

(٣) أي للشفيع حينئذ أن يتسلم المبيع أولا إن رضي المشتري بإبقاء الثمن دينا.

(٤) في تسليم الثمن أولا.

(٥) من أن الحق في ذلك للمشتري.

(٦) للشفيع.

(٧) أي بقدر الثمن وكذا الضمائر الآتية ، هذا وأعلم أنه إذا بلغ الشفيع البيع فقال : أخذت بالشفعة ، فإن كان عالما بالثمن صح الأخذ وترتب الأثر عليه ، وإن كان جاهلا لا يصح ، لأن الأخذ بالشفعة في معنى المعاوضة ، حيث يؤخذ الشقص بالثمن الذي بيع

٥٢٦

وجنسه) ، ووصفه ، لأنه (١) معاوضة تفتقر إلى العلم بالعوضين (فلو أخذه (٢) قبله (٣) لغى (٤) ولو قال (٥) : أخذته (٦) بمهما كان) (٧) ، للغرر ، ولا تبطل بذلك (٨) شفعته ، ويغتفر بعد اجتماعه (٩) بالمشتري السؤال (١٠) عن كمية الثمن والشقص بعد السلام والكلام المعتاد.

(ولو انتقل الشقص بهبة (١١) ، أو صلح ، أو صداق فلا شفعة) لما تقدم في

______________________________________________________

به ، فيشترط علم الشفيع بالثمن حين الأخذ حذرا من الغرر اللازم على تقدير الجهل ، فالثمن ينقص ويزيد والأغراض تختلف فيه قلة وكثرة.

وعليه فلا يكفي الأخذ بالشفعة مع عدم العلم بالثمن جنسا أو قدرا أو وضعا ، وإن رضي بالثمن مهما كان ، لأن دخوله على تحمل الغرر لا يدفع حكمه المترتب عليه شرعا من بطلان المعاوضة مع النهي عن الغرر ، ويكون مثله مثل ما لو أقدم المشتري على الشراء بالثمن المجهول ورضي به.

هذا ومع الجهل بالثمن يبطل الأخذ خاصة دون الشفعة ، فيجدد الأخذ حين العلم بالثمن.

(١) أي الأخذ بالشفعة.

(٢) أي أخذ الشفيع الشقص.

(٣) قبل العلم بالثمن.

(٤) أي الأخذ.

(٥) أي الشفيع.

(٦) أي أخذت الشقص.

(٧) أي الثمن فأيضا يبطل ، وتكون (لو) وصلية.

(٨) أي ببطلان الأخذ.

(٩) أي اجتماع الشفيع.

(١٠) فالعلم بالثمن والعلم بكمية الشقص المباع مع السؤال عن صحة المشتري والسلام عليه من الأعذار الشرعية كالعلم بالثمن ، أو العرفية كالسلام.

(١١) يشترط في ثبوت الشفعة للشريك انتقال حصة شريكه لثالث بالبيع ، فلو انتقلت حصة شريكه لثالث بصدقة أو هبة أو صداقا أو صلحا فلا شفعة على المشهور ، لظهور النصوص في تخصيص الشفعة بالبيوع ، ففي حسنة الغنوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الشفعة في البيوع) (٢) ، وفي مرسل يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا كان الشي‌ء بين

__________________

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة حديث ١.

٥٢٧

تعريفها (١) من اختصاصها بالبيع ، وما ذكر (٢) ليس بيعا حتى الصلح بناء على أصالته (٣) ، (ولو اشتراه (٤) بثمن كثير ثم عوّضه عنه بيسير (٥) ، أو أبرأه (٦) من

______________________________________________________

شريكين فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره) (١) ، وهي تدل على حصرها بالبيع ، إما لمفهوم الوصف كما في الخبر الأول ، وإما لمفهوم الشرط كما في الخبر الثاني ، فقول الشارح في المسالك : (وليس عليه دليل صريح وإنما تضمنت الروايات ذكر البيع ، وهو لا ينافي ثبوتها بغيره ، ومن ثم خالف ابن الجنيد فأثبتها بمطلق النقل حتى الهبة بعوض وغيره ، لما أشرنا إليه من عدم دليل يقتضي التخصيص) انتهى كلامه ، فهذا القول ليس في محله لأن لفظ البيع لم يذكر لأنه المسئول عنه فقط ، بل علقت الشفعة عليه وصفا أو شرطا ، وهو يدل على الحصر عرفا.

هذا واعلم أنه يجوز للشريك البائع أن يحتال بإسقاط شفعة شريكه ، وذلك لو نقل حصته لثالث بغير البيع ، لأن الشفعة مختصة بالبيع كما عرفت.

(١) أي تعريف الشفعة.

(٢) من الهبة والصلح والصداق.

(٣) أي أنه أصل مستقل كما عليه المشهور ، وأما على قول الشيخ في المبسوط من أنه إذا أفاد فائدة البيع فهو بيع فتثبت فيه الشفعة حينئذ.

(٤) أي اشترى الثالث الشقص.

(٥) أي عوّض المشتري البائع عن الثمن الكثير بقدر يسير.

(٦) أي أبرأ البائع المشتري من الأكثر ، أي أكثر الثمن ، هذا وأعلم أنه لو باع الشريك حصته لثالث بثمن أكثر من ثمن المثل ، وقبض من المشتري أقل من ثمن العقد وقد أبرأه ومن الباقي ، إما اتفاقا أو تواطئا على ذلك قبل البيع لأجل صرف الشفيع عن الأخذ بالشفعة ، صح ذلك ووجب على الشفيع إذا أراد الأخذ بالشفعة أن يدفع ثمن العقد ، لا الثمن الذي دفعه المشتري فعلا ، بلا خلاف في ذلك ، لظهور الأخبار من أن الشفيع عليه ثمن العقد ، ففي حسنة الغنوي المتقدمة (فهو أحق بها من غيره بالثمن) (٢) ، أي ثمن العقد.

وكذا يجوز للشريك بيع حصته بثمن ثم يتواطأ مع المشتري على أن يدفع عوض الثمن شيئا يسيرا لأجل صرف الشفيع عن الأخذ بالشفعة.

ثم لو خالف البائع مقتضى المواطاة وطالب المشتري بدفع ثمن العقد فيجب على المشتري

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة حديث ١.

٥٢٨

الأكثر) ولو (١) حيلة على تركها (أخذ الشفيع بالجميع) (٢) إن شاء ، لأنه (٣) الثمن والباقي (٤) معاوضة جديدة ، أو إسقاط (٥) لما ثبت. ومقتضى ذلك (٦) أن الثمن الذي وقع عليه العقد لازم للمشتري (٧) ، وجائز للبائع أخذه (٨) ، وإن كان بينهما (٩) مواطاة على ذلك (١٠) ، إذ لا (١١) يستحق المشتري أن يأخذ من الشفيع إلا ما ثبت في ذمته (١٢) ، ولا يثبت في ذمته (١٣) إلا ما يستحق البائع المطالبة به.

وقال في التحرير : لو خالف أحدهما ما تواطيا عليه (١٤) فطالب (١٥) صاحبه بما أظهر له (١٦)

______________________________________________________

دفعه لأن التواطؤ وعد من البائع ومخالفة الوعد لا تبطل العقد وإن أثم البائع بالمخالفة المذكورة إلا أن يكون التواطي شرطا في العقد فيجب الوفاء به للزوم الوفاء بالشرط ، ولم يخالف في ذلك كله إلا العلامة في التحرير وسيأتي نص كلامه في الروضة.

(١) أي ولو كان التعويض أو الإبراء حيلة منهما على ترك الشفعة من قبل الشفيع.

(٢) أي جميع ثمن العقد.

(٣) أي الجميع.

(٤) من التعويض باليسير فهو معاوضة جديدة بين البائع والمشتري.

(٥) من إبراء الأكثر فهو إسقاط من البائع لما ثبت له في ذمة المشتري.

(٦) أي والمقتضي لذلك.

(٧) بأن يدفعه إلى البائع.

(٨) لأن الناس مسلطون على أموالهم ، فلا يلزم البائع بقبضه بل يجوز له إخراجه عن ملكه بإسقاطه بالمعاوضة عليه باليسير.

(٩) بين البائع والمشتري.

(١٠) من التعويض أو الإبراء.

(١١) تعليل لوجوب أخذ الشفيع بجميع الثمن.

(١٢) بسبب عقد البيع.

(١٣) أي ذمة المشتري.

(١٤) يمكن تصوير مخالفة البائع للمواطاة ، لأنه سيطالب بالأكثر لو خالف ، وأما تصوير مخالفة المشتري للمواطاة حتى يدفع الأكثر لو خالف فهو غير ممكن عقلائيا ، بحيث لا يقدم عليه العاقل الرشيد المحافظ على ماله.

(١٥) أي المخالف للمواطاة.

(١٦) المحكي عن التحرير : بما ظهر ، وهو الأوفق ، لأن المراد به هو الثمن الذي ظهر في العقد.

٥٢٩

لزمه (١) في ظاهر الحكم ويحرم عليه (٢) في الباطن ، لأن صاحبه (٣) إنما رضي بالعقد المتواطي ، (أو ترك (٤) الشفيع) الأخذ لما يلزمه من الغرم (٥).

(ولو اختلف الشفيع والمشتري في) مقدار (الثمن حلف المشتري) (٦) على المشهور ، لأنه (٧) أعرف بالعقد ، ولأنه (٨) المالك فلا يزال ملكه إلا بما يدعيه.

ويشكل بمنع كون حكم المالك كذلك (٩) مطلقا (١٠) وقد تقدم قبول قول

______________________________________________________

(١) أي لزم المشتري دفع الثمن الذي ظهر في العقد.

(٢) أي ويحرم على البائع أخذه واقعا.

(٣) أي صاحب المخالف ، فلو كان المخالف هو البائع فصاحبه وهو المشتري قد رضي بالعقد الذي ذكر فيه الثمن على أساس المواطاة ، لا مطلقا ، وقد عرفت ضعفه مما تقدم فلا نعيد.

(٤) عطف على قول الماتن (أخذ الشفيع بالجميع).

(٥) وهو تمام الثمن في العقد.

(٦) فلو اختلفا في مقدار الثمن بعد اتفاقهما على وقوع الشراء ، فقال المشتري : ألف مثلا ، فقال الشفيع : خمسمائة ، ولا بينة لأحدهما ، فالقول قول المشتري مع يمينه على المشهور ولم يخالف إلا ابن الجنيد والشارح ، وقد استدل للمشهور بأدلة :

الأول : إن المشتري هو أعرف بالعقد وما وقع عليه من الشفيع.

الثاني : إن المشتري هو المالك فلا ينتزع الشي‌ء من تحت يده إلا بما يدعيه.

الثالث : لأنه ذو اليد فيقدم قوله مع يمينه.

الرابع : إن المشتري منكر ، لأن المشتري لا دعوى له على الشفيع ، إذ لا يدعي شيئا في ذمته ولا تحت يده ، وإنما يدعي الشفيع استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف به الشفيع ، والمشتري ينكره ، ولا يلزم من قول المشتري : إني اشتريته بالألف ، وإن كان أكثر ، أن يكون مدعيا على الشفيع ، وإن كان مدعي الأكثر مدعيا بحسب الأصل ، إلا أن المشتري هنا ليس كذلك ، لأنه لا يدعي تغريم الشفيع بالألف لأنه لم يطلب الأخذ بالشفعة.

وقد ناقشهم الشارح في هذه ، وستأتي المناقشة.

(٧) أي المشتري ، وهو الدليل الأول للمشهور.

(٨) أي المشتري وهو الدليل الثاني للمشهور.

(٩) أي هو المقدم مع يمينه ، لأنه منكر.

(١٠) أي في كل الموارد.

٥٣٠

المنكر (١) في كثير (٢) خصوصا مع تلف العين ، وعموم «اليمين على من أنكر» وارد هنا (٣) ، ومن ثم ذهب ابن الجنيد إلى تقديم قول الشفيع ، لأنه منكر. والاعتذار للأول (٤) بأن المشتري لا دعوى له على الشفيع ، إذ لا يدّعي شيئا في ذمته ، ولا تحت يده ، إنما الشفيع يدعي استحقاق ملكه (٥) بالشفعة بالقدر الذي يدعيه ، والمشتري ينكره ولا يلزم من قوله (٦) : اشتريته بالأكثر ، أن يكون (٧) مدعيا عليه (٨) وإن كان (٩) خلاف الأصل (١٠) ، لأنه (١١) لا يدّعي استحقاقه إياه (١٢) عليه ، ولا

______________________________________________________

(١) أي منكر الزيادة وإن لم يكن مالكا.

(٢) أي كثير من الموارد ، كما لو اختلف المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة ، فيقدم قول منكر الزيادة وإن كان مستأجرا مع أنه ليس بمالك ، وكذا لو اختلف المتبايعان في مقدار الأجل بعد الاتفاق على التأجيل ، فيقدم قول المنكر ولو كان مشتريا مع أنه ليس بمالك ، وكذا إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن ، فيقدم قول المشتري مع يمينه خصوصا في صورة تلف العين ، وقد وردت الرواية بذلك كما حرر ذلك في أبوابه فراجع ، وفي هذا رد على دليلهم الثاني.

(٣) وهو رد لدليلهم الأول وحاصل الرد أن الشفيع لا ينازع في أصل البيع ولا في ثبوت الشفعة ، وإنما النزاع في القدر الواجب دفعه عند الأخذ بالشفعة فالمشتري يدعي الزيادة والشفيع منكر فيندرج تحت عموم (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) (١).

(٤) وهو تقديم قول المشتري مع يمينه ، والاعتذار له بمعنى الاستدلال له ، وهذا عرض لدليلهم الرابع ، ولا نعيد.

(٥) أي ملك الشقص من باب إضافة المصدر إلى المفعول.

(٦) أي قول المشتري.

(٧) أي المشتري.

(٨) على الشفيع.

(٩) أي جعل مدعي الأكثر ليس مدعيا.

(١٠) إذ الأصل أن مدعي الأكثر مدع.

(١١) أي لأن المشتري ، وهو تعليل لعدم لزوم كون المشتري مدعيا.

(١٢) أي استحقاق المشتري للأكثر على الشفيع ، ولا يطلب المشتري تغريم الشفيع بالأكثر ، لأنه لا يطلب منه الأخذ بالشفعة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من كتاب الشفعة حديث ٣.

٥٣١

يطلب تغريمه إياه إنما يتم (١) قبل الأخذ بالشفعة ، أما بعده (٢) فالمشتري يدّعي الثمن في ذمة الشفيع. ويأتي فيه (٣) جميع ما سبق (٤).

لا يقال : إنه لا يأخذ (٥) حتى يستقر أمر الثمن ، لما تقدم من اشتراط العلم بقدره (٦) ، فما داما متنازعين لا يأخذ (٧) ويتجه الاعتذار (٨). لأنا نقول : المعتبر في أخذه (٩) علمه بالقدر بحسب ما عنده (١٠) ، لا على وجه يرفع الاختلاف ، فإذا زعم العلم بقدره جاز له الأخذ ووقع النزاع فيه (١١) بعد تملكه للشقص ، فيكون المشتري هو المدّعي.

ويمكن أيضا (١٢) أن يتملك (١٣) الشقص برصاء المشتري قبل دفع الثمن ثم يقع التنازع بعده (١٤) فيصير المشتري مدعيا. وتظهر الفائدة (١٥) لو أقاما بينة فالحكم

______________________________________________________

(١) شروع في رد هذا الدليل الرابع ، والجملة واقعة في محل رفع خبر للاعتذار.

(٢) أي بعد الأخذ بالشفعة ، فالمشتري يدعي ثبوت الأكثر في ذمة الشفيع ، والشفيع منكر فيقدم قوله مع يمينه.

(٣) في كون النزاع بعد الأخذ بالشفعة.

(٤) من كون الشفيع منكرا فيقدم قوله مع يمينه وإن لم يكن مالكا ، لعموم اليمين على من أنكر.

(٥) أي لا يصح الأخذ من الشفيع.

(٦) أي بقدر الثمن.

(٧) أي لا يصح الأخذ لعدم العلم بقدر الثمن.

(٨) لأن النزاع دائما يكون قبل الأخذ بالشفعة.

(٩) أي أخذ الشفيع.

(١٠) أي ما عند الشفيع.

(١١) في الثمن بعد تملك الشفيع الشقص ، فيكون منكرا كما توضح بيانه فيما سبق.

(١٢) جواب ثان عن الإشكال الذي أورده بلفظ : (لا يقال).

(١٣) أي الشفيع فيتملك الشقص برضا المشتري على أن يكون الثمن في ذمة الشفيع ، ثم بعد التملك الواقع قبل دفع الثمن قد وقع النزاع في قدره.

(١٤) بعد التملك.

(١٥) بين القولين ، فعلى المشهور فالمشتري منكر فلو قدم بيّنة مع بينة الشفيع قدمت بينة الشفيع ، لأنه مع تعارض البينات تقدم بينة المدعي ، لأنها من وظيفته ، والمنكر وظيفته

٥٣٢

لبينة الشفيع على المشهور ، وبينة المشتري على الثاني.

(ولو ادعى أن شريكه اشترى بعده) (١) وأنه (٢) يستحق عليه (٣) الشفعة فأنكر الشريك التأخر (٤) (حلف الشريك) لأنه منكر ، والأصل عدم الاستحقاق ، (ويكفيه (٥) الحلف على نفي الشفعة) (٦) وإن أجاب بنفي التأخر (٧) لأن الغرض (٨) هو الاستحقاق فيكفي اليمين لنفيه (٩). وربما كان (١٠) صادقا في نفي

______________________________________________________

اليمين فقط ولا تسمع منه البينة والمدعي هنا الشفيع ، لذا قدمت بينته ، بخلاف قول ابن الجنيد فمع تعارض البينات منهما تقدم بينة المشتري ، لأنه المدعي حينئذ.

(١) إذا ادعى أحد الشريكين أن شريكه اشترى بعده على وجه يستحق عليه الشفعة فأنكر الآخر ، ومثاله ما لو باع شخص نصف ملكه مشاعا ، فيصير المشتري شريكا في النصف ، ثم باع المالك النصف الآخر لآخر ، فيصير المشتريان شريكين ، وقد ادعى أحدهما أن شريكه اشترى بعده ليأخذ منه النصف بالشفعة فأنكر ، ويقدم قول المنكر مع يمينه ، بلا خلاف فيه ولا إشكال كما في الجواهر ، لأصالة عدم تحقق شرط الشفعة ، وهو بيع حصة شريكه حال الشراكة.

وعليه فلو حلف المنكر أنه لا يستحق عليّ شفعة جاز ، ولا يكلف المنكر باليمين على أنه لم يشتر بعد المدعي ، وإن كان المنكر قد أجاب بذلك ، بلا خلاف فيه منا ، وعن بعض الشافعية التفصيل من أن المنكر إن أجاب بنفي الشفعة فيكفيه اليمين على نفيها ، وإن أجاب بنفي الشراء بعد شراء المدعي ، فلا يكتفى منه بالحلف على نفي الشفعة ، بل لا بدّ من الحلف على نفي الشراء.

وردّ بأن الغرض من الحلف على نفي الشفعة حاصل وإن أجاب بعدم تأخر الشراء ، لأن غاية هذا الجواب هو نفي الشفعة عنه.

(٢) أي المدعي.

(٣) أي على المشتري الآخر الذي اشترى بعد شراء المدعي.

(٤) أي التأخر في الشراء.

(٥) أي للمنكر.

(٦) وهو الأخص.

(٧) أي بنفي تأخر الشراء ، وهو الأعم ، ونفي التأخر أعم لأن الشراء قد يقع متأخرا وتسقط الشفعة بإحدى مسقطاتها.

(٨) من إنكار تأخر الشراء.

(٩) أي لنفي استحقاق الشفعة عليه.

(١٠) أي المنكر.

٥٣٣

الاستحقاق (١) وإن كان الشراء متأخرا لسبب من الأسباب المسقطة للشفعة فلا يكلف الحلف على نفيه (٢).

ويحتمل لزوم حلفه على نفي التأخّر على تقدير الجواب به (٣) ، لأنه (٤) ما أجاب به (٥) إلا ويمكنه الحلف عليه (٦) ، وقد تقدم مثله في القضاء ، (ولو تداعيا السبق (٧) تحالفا) ، لأن كل واحد منهما مدّع ، ومدّعى عليه فإذا تحالفا استقر ملكهما لاندفاع دعوى كل منهما بيمين الآخر (ولا شفعة) ، لانتفاء السبق.

______________________________________________________

(١) أي في نفي استحقاق الشفعة.

(٢) أي على نفي الاستحقاق.

(٣) بنفي تأخر الشراء كما عن بعض الشافعية.

(٤) أي الشأن والواقع.

(٥) بنفي التأخر.

(٦) وأيضا قد وقع منه نفي التأخر فيجب أن تكون اليمين على ما قد وقع.

(٧) السبق في الشراء ، فكل منهما يدعي السبق في الشراء وينكرها الغير ، فكل منهما مدع ومنكر فيتحالفان ، ويثبت ملكهما ولا شفعة لأحدهما على الآخر.

٥٣٤

كتاب السبق والرماية

٥٣٥
٥٣٦

(كتاب السبق (١) والرماية (٢)

(السبق والرماية) وهو عقد شرّع لفائدة التمرن على مباشرة النضال

______________________________________________________

(١) السبق بسكون الباء مصدر (سبق) كضرب مصدر (ضرب) ، وفي الصحاح جعله مصدر (سابق) ، وكلاهما صحيح ، إلا أن الثاني أوفق ، لأن الواقع في معاملة السبق كون العمل بين اثنين فصاعدا ، فباب المفاعلة به أولى.

وأما السبق بتحريك الباء فهو العوض المبذول لمن سبق أولا ، ويقال له الخطر ، بالتحريك ، والندب بالتحريك أيضا ، ويقال له : الرهن والسبق عرفا وكذا المسابقة إجراء الخيل وما شابهها في حلبة السباق ، ليعلم الأجود منها ، والأفرس من الرجال المتسابقين.

(٢) والرمي والرماية هي المناضلة بالسهام ليعلم حذق الرامي ومعرفته بمواقع الرمي.

أما مشروعيتها فمن الكتاب قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَعَدُوَّكُمْ) (١) وقال تعالى حكاية عن إخوة يوسف (يٰا أَبٰانٰا إِنّٰا ذَهَبْنٰا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنٰا يُوسُفَ عِنْدَ مَتٰاعِنٰا) (٢) وهو ظاهر في مشروعية السبق في الجملة ، ومن السنة أخبار.

منها : مرفوع عبد الله بن المغيرة (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قول الله وأعدوا : إنه الرمي) (٣) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس شي‌ء تحضره الملائكة إلا الرهان ، وملاعبة الرجل أهله) (٤) ، وخبر عبد الله بن المغيرة (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كل لهو المؤمن باطل إلا

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٦٠.

(٢) سورة يوسف ، الآية : ١٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب السبق والرماية حديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب السبق والرماية حديث ٤.

٥٣٧

والاستعداد لممارسة القتال. والأصل فيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا سبق إلا في نصل ، أو خف ، أو حافر (١)» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢). «إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر ، والخف ، والريش ، والنصل».

(وإنما ينعقد السبق) (٣) بسكون الباء (من الكاملين) بالبلوغ ، والعقل (٤) (الخاليين من الحجر) (٥) ، لأنه يقتضي تصرفا في المال (على الخيل والبغال ، والحمير) (٦)

______________________________________________________

في ثلاث : في تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبته امرأته ، فانهن حق) (١) ، وخبر حفص البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنه كان يحضر الرمي والرهان) (٢) ، ومثلها غيرها وفائدة السبق والرماية بعث النفس من الاستعداد للقتال ، والهداية لممارسة النضال ، وهي من أعظم الفوائد الدينية لما يحصل بها من غلبة العدو في الجهاد لأعداء الله تعالى شأنه ، الذي هو أعظم أركان الإسلام ، وبهذه الفائدة يخرج عن اللهو واللعب المنهي عن المعاملة عليهما.

(١) وهو خبر الحسين بن علوان عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا سبق إلا في حافر أو نصل أو خف) (٣) ، أو خبر حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل ، يعني النضال) (٤).

(٢) ففي مرفوعة الصدوق قال الصادق عليه‌السلام (إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ، ما خلا الحافر والخف والريش والنصل ، وقد سابق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسامة بن زيد ، وأجرى الخيل) (٥).

(٣) أي عقد المسابقة المتضمن للجعل والرهن.

(٤) لرفع القلم عن الصبي والمجنون.

(٥) فلا ينعقد سبق المحجور عليه ، للمنع من التصرف المالي ، والجعل والرهن تصرف مالي.

(٦) لأنه يجوز السبق على الحافر كما تقدم في الأخبار ، والحافر للدابة كالقدم للإنسان ، وهذا يندرج تحته الخيل البغال والحمير لكونها من ذوات حافر ، بلا خلاف في ذلك عندنا كما في المسالك ، وخالف بعض العامة في جواز المسابقة على البغال والحمير ، وأنهما لا

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب السبق والرماية حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب السبق والرماية حديث ٤.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب السبق والرماية حديث ٤ و ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب السبق والرماية حديث ٦.

٥٣٨

وهي داخله في الحافر المثبت في الخبر ، (والإبل والفيلة) (١) وهما داخلان في الخف ، (وعلى السيف (٢) ، والسهم ، والحراب (٣) وهي داخلة في النصل ، ويدخل السهم في الريش على الرواية الثانية (٤) إذا اشتمل عليه (٥) ، تسمية للشي‌ء باسم جزئه ، وأطلق

______________________________________________________

يصلحان للكرّ والفرّ ، ولا يقاتل عليهما غالبا ، وفيه : أن كرّ كل حيوان وفرّه بحسب حاله ، وبالإضافة إلى شمول النص المتقدم لهما فقد قاتل أمير المؤمنين العدو على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

(١) لا خلاف في جواز المسابقة على الخف لما تقدم من الأخبار ، والخف يشمل الابل والفيلة بلا خلاف فيه عندنا ، ولأن الابل تشارك الخيل في المعنى المطلوب منها حالة الحرب من الانعطاف وسرعة الإقدام ، ولذا كانت العرب تقاتل عليها ، وكذا الفيلة ولذا كانت قبائل الهند والحبشة تقاتل عليها ، ومنع بعض العامة من شمول المسابقة للفيلة ، لأنه لا يحصل بها الكر والفرّ ، وردّ بأنه اجتهاد في قبال النص بعد كون الخف شاملا لها ، مع أن فرّ وكر كل حيوان بحسبه.

(٢) لا خلاف في جواز المسابقة على النصل لما تقدم من الأخبار ، ويدخل تحت النصل السهم والنشاب والحراب والسكين والسيف والرمح ، قال في الصحاح : النصل نصل السهم والسيف والسكين والرمح ، وقال في الصحاح أيضا : النشاب السهام.

ومما تقدم يظهر أن المحدّد كالدبوس ، والعصا لا يدخلان ، إلا إذا جعل في رأس العصا حديدة لتندرج تحت النصل.

(٣) جمع حربة ، وهي الآلة من الحديد دون الرمح.

(٤) وهي مرفوعة الصدوق ، إذ يراد من الريش السهم ذو الريش ، لا الطير ، لأنه يمنع من المسابقة في الطير كما سيأتي.

هذا وعطف النصل على السهم ذي الريش في المرفوعة من باب عطف العام على الخاص ، على أنه في خبر العلاء بن سيابة إسقاط النصل ، وإبداله بالريش ، وهذا يؤيد ما قلناه من كون المراد من الريش هو السهم الرائش ، ففي خبر العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أجرى الخيل وسابق ، وكان يقول : إن الملائكة تحضر الرهان في الخف والحافر والريش ، وما سوى ذلك فهو قمار حرام) (٢).

(٥) أي إذا اشتمل السهم على الريش.

__________________

(١) الجواهر ج ٢٨ ص ٢١٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب السبق والرماية حديث ٣.

٥٣٩

السبق على ما يعم الرمي تبعا للنص (١) ، وتغليبا للاسم (٢) ، (لا بالمصارعة ، والسفن ، والطيور ، والعدو) (٣) ، ورفع الأحجار ، ورميها ، ونحو ذلك ، لدلالة الحديث السابق

______________________________________________________

(١) حيث ورد (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل) كما في خبر حفص المتقدم (١) ، والمسابقة في الخف والحافر ، والنصل إذا أريد منه السهم فهو رمي ورماية.

(٢) أي لاسم السبق على الرمي.

(٣) لا تجوز المسابقة المشتملة على عوض وجعل بالطيور ، ولا بالقدم ، ولا بالسفن ولا بالمصارعة ولا بغير ذلك مما هو غير الخف والحافر والنصل ، بلا خلاف فيه ، ويدل عليه الأخبار المتقدمة الحاصرة لجواز المسابقة في الأمور الثلاثة ، والدالة على لعن الملائكة الرهان في غير الأمور الثلاثة ، وأنه قمار حرام كما في خبر العلاء بن سيابة المتقدم.

نعم عن بعض العامة جواز المسابقة بالجميع مع الرهن والعوض ، لأن الطيور مما يمكن الاحتياج إليها في الحرب بحمل الكتب واستعلام حال العدو ، وكذا المسابقة بالأقدام ، لأن الحرب على القدم متعارف كالحرب بالسفن ، فتصح المسابقة فيهما لما فيهما من الاستعداد للقتال ، وللنبوي المروي من طرق العامة (أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سابق عائشة بالقدم مرتين ، سبق في إحداهما وسبق في الآخر ، وأنه صارع ثلاث مرات ، كل مرة على شاة ، فصرع خصمه في الثلاث وأخذ منه ثلاث شياه) (٢).

والخبر لم يثبت عندنا ، بل الظاهر ثبوت خلافه ، وهو الخبر المتقدم المفيد للحصر. ثم لو خلت هذه الأمور من العوض فهل يجوز السبق فيها أو لا على قولين ، فالمشهور على المنع ، لحرمة اللعب واللهو الشاملين لهذه الأمور ، وتمسكا بالأخبار السابقة الحاصرة لجواز السبق في الأمور الثلاثة ، ووجه الاستدلال بها أن لفظ السبق الوارد فيها إنما هو على قراءة السكون ، وهو نفي المسابقة ، ومع حصر المسابقة في الأمور الثلاثة فلازمه المنع من المسابقة في غيرها مع عوض أو بدونه.

وعن جماعة منهم الشارح الجواز ، لأن المشهور في قراءة السبق فتح الباء ، والسبق بفتح الباء هو بذل العوض ، فالأخبار الحاصرة في الأمور الثلاثة تنفي مشروعية بذل العوض في غير الأمور الثلاثة ، وأما المسابقة في غير الأمور الثلاثة من دون عوض على ما هي عليه من أصالة جواز عملها مضافا لما يترتب عليها من فوائد ، تفيد الاستعداد للقتال ، وبهذه الفوائد تخرج عن اللهو اللعب ، على أن مطلق اللعب واللهو ليس بحرام.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب السبق والرماية حديث ١.

(٢) المغني لابن قدامة ج ١١ ص ١٢٧ ـ ١٢٩.

٥٤٠