الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

مستودعا ، وكذا بعده (١) إلى أن يؤدي إلى المالك ، أو من في حكمه (٢) ، وبذلك (٣) يظهر عدم المنافاة بين وجوب الحفظ ، وعدم وجوب البقاء على الوديعة من حيث إنها عقد جائز (٤).

(ولا ضمان عليه (٥) لو تلفت ، أو عابت (إلا بالتعدي فيها (٦) بأن ركب الدابة (٧) ، أو لبس الثوب ، أو فتح الكيس المختوم ، أو المشدود (أو التفريط) بأن

______________________________________________________

(١) بأن يفسخ عقدها ، فيجب عليه الحفظ بعد الفسخ لاستلزام تركه إضاعة المال المنهي عنه في الشريعة ، مع استلزام تركه للضرر على المالك ، بالإضافة إلى إطلاق أدلة رد الوديعة المتقدمة الشامل لمفروض مسألتنا ، ولا يتم الرد إلا بالحفظ.

(٢) أي حكم المالك وهو الوكيل.

(٣) أي بكون الوديعة يجب حفظها ولو بعد الفسخ.

(٤) فلا يأتي الإشكال بأن الوديعة عقد جائز ويجوز للودعي الفسخ متى شاء فكيف يجب عليه الحفظ مطلقا ، ورده بأنه يجب عليه الحفظ مطلقا ولو بعد الفسخ إلى أن يردها إلى المالك لما تقدم من الأدلة وهذا لا ينافي جواز فسخها متى شاء الودعي.

(٥) بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان) (١) ، وخبر أبان عن أبي جعفر عليه‌السلام (ـ إلى أن قال ـ : ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا) (٢).

(٦) مع التعدي أو التفريط يضمن بلا خلاف للأخبار.

منها : مكاتبة محمد بن الحسن إلى أبي محمد عليه‌السلام (في رجل دفع إلى رجل وديعة ، وأمره أن يضعها في منزله أو لم يأمره ، فوضعها في منزل جاره فضاعت ، هل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه ، فوقّع عليه‌السلام : هو ضامن لها إن شاء الله) (٣).

(٧) اعلم أن حفظ الوديعة إنما يكون بحسب العادة ، فالثوب يحفظ في الصندوق والشاة في المراح والدابة في الاصطبل ، وكل شي‌ء في حرزه بحسب عادة العرف ، ولذا قال الشارح في المسالك : (لما لم يكن لحفظ الوديعة كيفية مخصوصة من قبل الشارع ، كان المرجع فيه إلى العرف مما عدّ منه حفظا لمثل تلك الوديعة ، وكان هو الواجب ولم يتعقبه ضمان لو فرض تلفها معه) انتهى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أحكام الوديعة حديث ١ و ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أحكام الوديعة حديث ١.

٢٨١

قصّر في الحفظ عادة (فلو أخذت منه قهرا فلا ضمان (١) إن لم يكن سببا في الأخذ القهري بأن سعى بها إلى الظالم ، أو أظهرها فوصل إليه خبرها (٢) مع مظنته (٣) ، ومثله ما لو أخبر بها اللصّ فسرقها.

ولا فرق بين أخذ القاهر لها بيده ، وأمره له (٤) بدفعها إليه كرها ، لانتفاء التفريط فيهما فينحصر الرجوع على الظالم فيهما على الأقوى.

وقيل : يجوز له الرجوع على المستودع في الثاني ، وإن استقر الضمان على الظالم (٥).

______________________________________________________

وعلى هذا فالضابط في ترك الحفظ بالتعدي أو التفريط يرجع فيه إلى العرف ، وإن حصر التقصير بعضهم في ستة وهي : الانتفاع بها والإيداع والتقصير في دفع المهلكات ، والمخالفة في كيفية الحفظ ، والتضييع بأن يلقيها في مضيعة ، والجحود.

(١) فلا ضمان على الودعي لعدم صدق التقصير عند الأخذ القهري ، نعم هذا مشروط بعدم كون الودعي سببا في الأخذ القهري ، كما لو كان هو الساعي بها إلى الظالم ولم يقدر بعد ذلك على دفعه ، فإنه يضمن لأنه فرّط في الحفظ ، ومثله ما لو أخبر اللص فسرقها.

(٢) أي وصل إلى الظالم خبر الوديعة.

(٣) أي مظنّة وصول الخبر وأخذ الظالم لها ، فلو ظن الودعي ذلك وأظهرها فإنه ضامن لأنه فرّط في الحفظ.

(٤) أي وأمر الظالم للودعي بدفع الوديعة إليه كرها ، فلا فرق بين الصورتين في عدم ضمان الودعي لأنه غير مقصّر ، على المشهور بين الأصحاب ، وعن أبي الصلاح وأبي المكارم والعلّامة في التذكرة جواز رجوع المالك مخيّرا على الظالم والودعي إذا سلم الودعي الوديعة للظالم قهرا دون ما لو أخذها الظالم فالمالك يرجع عليه خاصة.

ووجه التخيير أن المالك مما يجوز له الرجوع على الظالم لعموم (على اليد) ، ولهذا العموم يجوز له الرجوع على الودعي لأنه باشر التسليم فكانت الوديعة تحت يده ، وفيه : إنه لا سبيل على المحسن لقوله تعالى : (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (١) ، والودعي محسن ولم يفرط في الحفظ بحسب الفرض.

(٥) بمعنى لو رجع المالك على الودعي لجاز للودعي أن يرجع على الظالم ، بخلاف ما لو رجع على الظالم فلا يجوز له أن يرجع على الودعي ، فالضمان بالأخير على الظالم.

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٩٢.

٢٨٢

(ولو تمكن) المستودع (من الدفع) عنها (١) بالوسائل الموجبة لسلامتها (وجب ما لم يؤدّ إلى تحمل الضرر الكثير (٢) ، كالجرح ، وأخذ المال (٣) فيجوز تسليمها حينئذ وإن قدر على تحمله (٤). والمرجع في الكثرة (٥) والقلة إلى حال المكره ، فقد تعدّ الكلمة اليسيرة من الأذى كثيرا في حقه ، لكونه جليلا لا يليق بحاله ذلك. ومنهم من لا يعتد بمثله ، وأما أخذ المال فإن كان مال المستودع (٦) لم يجب بذله مطلقا (٧) ، وإن كان من الوديعة فإن لم يستوعبها وجب الدفع عنها ببعضها (٨) ما أمكن ، فلو ترك مع القدرة على سلامة البعض فأخذ (٩) الجميع ضمن (١٠) ما يمكن

______________________________________________________

(١) عن الوديعة عند أخذ الظالم لها ، وكان الدفع لائقا به وجب عليه ، بلا خلاف فيه ، لأنه مقدمة للحفظ المأمور به على نحو الإطلاق ، فلو لم يفعل مع قدرته على الدفع حتى أخذها الظالم كان الودعي مقصرا فيضمن.

(٢) على الودعي.

(٣) أي مال الودعي فلا يجب عليه الدفع حينئذ ، لأن تحمل الضرر ودفع المال ضرر ، وهو منفي في الشريعة.

(٤) أي تحمل الضرر أو دفع المال ، فلا يجب للإطلاق في أدلة نفي الضرر.

(٥) أي كثرة الضرر وقلته ، قال في المسالك : (المرجع في كثرة الضرر وقلته إلى حال المكره ـ أي الودعي ـ فمنهم من يعدّ الكلمة اليسيرة من الأذى الكثير في حقه لكون شريفا لا يليق بحاله ذلك ، ومنهم من لا يعتدّ بأمثال ذلك ، وهكذا القول في الضرب وأخذ المال) انتهى.

(٦) أي الودعي فلا يجب بذله ، لأنه ضرر عليه وهو منفي وإن كان قادرا على تحمله ، وقال سيد الرياض : (وفيه نظر لوجوب الحفظ ولا يتم إلا به ، فيجب ، والضرر يندفع بالرجوع إلى المالك بعد نيته) انتهى ، أي بعد نية الرجوع حتى لا يكون متبرعا.

(٧) سواء استوعب المال المدفوع الوديعة أم لا.

(٨) من باب وجوب حفظ الباقي ، لأن هذا الباقي مما يجب حفظه سواء بقي المدفوع تحت يد الودعي أم دفعه إلى الظالم ، وبما أن وجوب حفظ الباقي متوقف على بذل المدفوع فيجب بذله حينئذ.

(٩) أي الظالم قد أخذ جميع الوديعة.

(١٠) أي ضمن الودعي ما يمكن سلامته ، لأنه مع عدم الدفع المذكور وقد أثبتنا وجوبه فهو مقصّر فيضمن.

٢٨٣

سلامته ، وإن لم يمكن إلا بأخذها (١) أجمع فلا تقصير ، ولو أمكن الدفع عنها بشي‌ء من ماله (٢) لا يستوعب قيمتها (٣) جاز ، ورجع مع نيته (٤)

[وفي وجوبه نظر] ، ولو أمكن حفظها عنه بالاستتار منه وجب (٥) فيضمن بتركه (نعم يجب عليه اليمين لو قنع بها (٦) الظالم فيورّي) بما يخرجه عن الكذب بأن يحلف أنه ما استودع من فلان ، ويخصه (٧) بوقت أو جنس ، أو مكان ، أو نحوها ،

______________________________________________________

(١) أي لا يمكن دفع الظالم إلا بدفعها أجمع فلا تقصير على الودعي ولا ضمان.

(٢) أي مال الودعي.

(٣) أي قيمة الوديعة.

(٤) أي ورجع على المالك مع نية الرجوع ، وبدونها يكون الدفع تبرعيا.

(٥) أي وجب الاستتار ، ووجوبه من باب المقدمة للحفظ الواجب.

(٦) أي باليمين ، هذا وقد عرفت وجوب الحفظ على الودعي ، فإذا أراد الظالم أخذها فإن تمكن من الدفع من دون ضرر يجب ، لأنه مقدمة للحفظ الواجب ، ولو توقف على بذل المال ففيه التفصيل المتقدم ، ولو توقف الدفع على الكذب لجاز ، بل وجب ، ولو توقف الدفع على اليمين فتجب من باب وجوب المقدمة للحفظ الواجب بلا خلاف في ذلك ولا إشكال ، وللأخبار.

منها : خبر إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف ، قال عليه‌السلام : لا جناح عليه ، وعن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلفه لينجو به منه ، قال عليه‌السلام : لا جناح عليه ، وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله ، قال عليه‌السلام : نعم) (١) ، ومرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (اليمين على وجهين ـ إلى أن قال ـ فأما الذي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذبا ، ولم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدى عليه من لص أو غيره) (٢) ومقتضى ذه الأخبار جواز الحلف مطلقا إلا أن الفقهاء قيدوها بما إذا لم يقدر على التورية ، وإلا فيجب عليه الحلف مورّيا بما يخرج عن الكذب ، لأن الضرورة تقدّر بقدرها ، وعليه فإن أمكن الحلف بدون كذب وهذا لا يكون إلا مع التورية فيجب ، وإلا فيجوز الحلف كاذبا.

(٧) أي عدم الاستيداع المحلوف عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الأيمان حديث ١.

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الأيمان حديث ٩.

٢٨٤

مغاير لما استودع ، وإنما تجب التورية عليه مع علمه بها (١) ، وإلا سقطت ، لأنه (٢) كذب مستثنى للضرورة (٣) ترجيحا (٤) لأخف القبيحين (٥) حيث تعارضا.

(وتبطل) الوديعة (بموت كل منهما (٦) : المودع والمستودع ، كغيرها من العقود الجائزة ، (وجنونه وإغمائه) وإن قصر وقتهما (٧) (فتبقى) في يد المستودع على تقدير عروض ذلك للمودع ، أو يد وارثه (٨) أو وليه أو يده (٩) بعد صحته (١٠)

______________________________________________________

(١) أي مع علم الودعي بالتورية.

(٢) أي الحلف.

(٣) وهي حفظ مال المسلم.

(٤) تعليل للاستثناء.

(٥) والقبيحان هما قبح الكذب وقبح إذهاب حق الآدمي ، فيقدم حق الآدمي ويجوز الكذب حينئذ.

(٦) قد تقدم أن الوديعة عقد جائز من الطرفين ، وإذا كانت كذلك فتبطل بموت كل واحد منهما أو جنونه ، للإجماع على بطلان العقود الجائزة بذلك.

فلو عرضت هذه الأمور للمالك فتبقى الوديعة في الودعي أمانة شرعية لا مالكية ، والفرق بينهما أن المالكية ما كانت بإذن المالك ، والشرعية ما كانت بإذن الشارع دون المالك ، وهنا لا إذن للمالك بعد جنونه أو إغمائه أو موته فتكون شرعية.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فالأمانة الشرعية غير مضمونة لإذن الشارع له في وضع يده عليها إلى أن يردها ، ومن جهة ثالثة فمن حكم الأمانة الشرعية وجوب المبادرة إلى ردها على الفور إلى مالكها أو من يقوم مقامه ، فإن أخّر عن ذلك مع قدرته يضمن ، ولو تعذر الوصول إلى المالك أو من يقوم مقامه سلّمها إلى الحاكم لأنه ولي الغائب ، ووجوب ردها فورا لعدم إذن المالك ، وما إذن الشارع بوضع اليد عليها إلا لحفظها وإيصالها إلى مالكها وهذا ما يقتضي الوجوب الفوري للرد ، بخلاف الأمانة المالكية فلا يجب ردها إلا مع طلب مالكها ، لأن وضع الودعي يده عليها إنما كان بإذن من المالك ، ومن جهة رابعة فلو عرضت هذه الأمور للودعي فتبقى الأمانة تحت يد وارثه أو وليه إلى آخر ما ذكر من أحكام الأمانة الشرعية.

(٧) أي وقت الجنون والإغماء.

(٨) أي وارث الودعي.

(٩) أي يد الودعي.

(١٠) أي بعد صحة الودعي من الجنون أو الإغماء.

٢٨٥

على تقدير عروضه (١) له (٢) (أمانة شرعية) أي مأذونا في حفظها من قبل الشارع ، لا المالك ، لبطلان إذنه (٣) بذلك (٤). ومن حكم الأمانة الشرعية وجوب المبادرة (٥) إلى ردها وإن لم يطلبها المالك.

(ولا يقبل قول الودعي) وغيره ممن هي في يده (في ردها إلا ببينة (٦) ، بخلاف الأمانة (٧) المستندة إلى المالك فإنه لا يجب ردها بدون الطلب (٨) ، أو ما في حكمه (٩) كانقضاء المدة المأذون فيها ، وقد يقبل قوله (١٠) في ردها (١١) كالوديعة ، وقد لا يقبل كما إذا قبضها لمصلحته كالعارية (١٢) ، والمضاربة.

ومن الأمانة الشرعية (١٣) ما بطل من الأمانة المالكية كالشركة ، والمضاربة

______________________________________________________

(١) أي عروض السبب الموجب لإبطال الوديعة.

(٢) للودعي.

(٣) أي إذن المالك.

(٤) أي بعروض هذه الأمور من الجنون أو الإغماء.

(٥) على نحو الفور.

(٦) لأنه مدع وأصالة عدم الرد على عكس قوله ، بخلاف الأمانة المالكية فإنه منكر لو ادعي الردّ ولم يصدقه المالك ، لأنه أمين فيقبل قوله فيه مع اليمين.

(٧) سواء كان وديعة أو عارية أو غيرهما ، وقد عرفت أن الودعي منكر لو ادعى الرد ولم يصدقه المالك.

(٨) أي الطلب من المالك.

(٩) أي حكم الطلب.

(١٠) أي قول المؤتمن.

(١١) أي رد الأمانة المستندة إلى إذن المالك.

(١٢) فلو ادعى المستعير رد العارية لا يقبل قوله مع اليمين لأنه مدع ، بل يطالب بالبينة وسيأتي بحثه في بابها.

(١٣) قال الشارح في المسالك : (ولها ـ أي للأمانة الشرعية ـ صور كثيرة :

أحدها : ما ذكر من الوديعة التي يعرض لها البطلان ، وكذا غيرها من الأمانات كالمضاربة والشركة والعارية.

ومنها : ما لو أطارت الريح ثوبا ونحوه إلى داره.

ومنها : ما لو انتزع المغصوب من الغاصب بطريق الحسبة.

٢٨٦

بموت ، ونحوه ، وما تطيره الريح إلى دار الغير من الأمتعة ، وما ينزع من الغاصب بطريق الحسبة ، وما يؤخذ من الصبي والمجنون من مال الغير وإن كان كسبا من قمار كالجواز والبيض ، وما يؤخذ من مالهما وديعة عند خوف تلفه (١) بأيديهما ، وما يتسلمه منهما نسيانا ، وما يوجد فيما يشتري من الأمتعة كالصندوق من مال لا يدخل في المبيع واللقطة في يد الملتقط مع ظهور المالك. وضابطه : ما أذن في الاستيلاء عليه شرعا ولم يأذن فيه المالك.

(ولو عيّن) المودع (موضعا للحفظ اقتصر) المستودع (عليه) (٢) فلا يجوز نقلها

______________________________________________________

ومنها : ما لو أخذ الوديعة من صبي أو مجنون عند خوف تلفها.

ومنها : ما يصير بأيدي الصبيان من الأموال التي يكتسبونها بالقمار كالجوز والبيض ، وعلم به المولى فإنه يجب عليه رده إلى مالكه أو وليّه.

ومنها : ما لو استعار صندوقا ونحوه ، أو اشتراه ، أو غيره من الأمتعة فوجد فيه شيئا به ، فيكون أمانة شرعية وإن كان المستعار مضمونا.

ومنها : اللقطة في يد الملتقط مع ظهور المالك ، وضابطه : ما كان وضع اليد عليها بغير إذن المالك مع الاذن فيه شرعا) انتهى.

(١) لأنه مع عدم الخوف بالتلف ، فإنه ليست بوديعة كما سيأتي بحثه.

(٢) اقتصر الودعي عليه وجوبا ، بلا خلاف فيه ، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، وعليه فلو نقلها عن الموضع المعيّن إلى ما هو أدون حرزا يضمن للتعدي ، وإنما الخلاف في صورتين :

الأولى : ما لو نقلها إلى الأحرز ، فقد ذهب جماعة إلى جواز نقلها حينئذ محتجين بالإجماع وبدلالة مفهوم الموافقة عليه ، وذهب الكثير منهم إلى عدم جواز النقل المذكور ، ومع مخالفة هذا الكثير منهم الشيخ في النهاية وابن زهرة والعلامة والحلي فكيف ينعقد الإجماع ، وأما مفهوم الموافقة فلا يجري لاختلاف الأغراض في مواضع الحفظ اختلافا كثيرا.

نعم إن فهم من تعيين الموضع أنه من باب المثال لمكان الحرز جاز النقل إلى الأحرز ، لعدم خصوصية المكان المعيّن حينئذ.

الصورة الثانية : ما لو نقلها إلى المساوي ، فقد نقل المحقق قولا عن بعض بالجواز ، لتوافق المتساويين في الضرر والنفع ، وردّ بأن إلحاق مساويه به قياس محض وهو باطل ، نعم على ما تقدم إن كان ذكر المكان من باب المثال فيجوز التعدي عنه إلى مساويه لعدم خصوصية المكان المعيّن.

٢٨٧

إلى غيره وإن كان أحفظ عملا بمقتضى التعيين ، ولاختلاف الأغراض في ذلك.

وقيل : يجوز إلى الأحفظ لدلالته عليه (١) بطريق أولى. وهو ممنوع (٢) ، وجوّز آخرون التخطي إلى المساوي ، وهو قياس باطل. وحينئذ (٣) فيضمن بنقلها عن المعين مطلقا (٤) (إلا أن يخاف تلفها فيه (٥) فينقلها عنه (٦) إلى الأحفظ ، أو المساوي مع الإمكان ، فإن تعذر فالأدون ، (ولا ضمان) حينئذ (٧) للإذن فيه شرعا ، وإنما جاز المساوي هنا (٨) لسقوط حكم المعين بتعذره (٩) فينتقل إلى ما في حكمه وهو (١٠) المساوي ، أو ما فوقه ، ويمكن شمول كلامه (١١) للأدون عند الخوف وإن وجد المساوي ، كما يشمل المنع (١٢)

______________________________________________________

(١) أي لدلالة المعيّن على الأحفظ.

(٢) لما تقدم من اختلاف الأغراض.

(٣) أي وحين عدم جواز النقل حتى إلى الأحرز.

(٤) سواء نقلها إلى الأحفظ أو المساوي أو الأدون.

(٥) في المعيّن.

(٦) عن المعيّن ، لسقوط وجوب الحفظ في المكان المعين ، لأن بقائها في المعين الموجب لتلفها مناف لوجوب حفظ الوديعة ، وعليه فينقلها إلى الأحرز أو المساوي مع الإمكان ، وعند التعذر فينقلها إلى الأدون لعدم قدرته على الحفظ إلا بذلك فيتعين ، ثم على تقدير جواز النقل لخوف التلف فلو نقلها عن المكان المعيّن فتلفت فلا ضمان عليه بلا خلاف فيه لعدم تقصيره ، ولأنه محسن.

(٧) حين النقل عن المكان المعيّن ، أو حين وضعها في غير المعيّن عند خوف تلفها في المعيّن.

(٨) عند خوف التلف.

(٩) أي بسبب تعذر المعيّن.

(١٠) أي ما في حكم المعيّن.

(١١) أي كلام الماتن حيث قال (إلا أن يخاف تلفها فيه فينقلها عنه) ، وهو شامل للنقل إلى الأدون ، حتى مع القدرة على المساوي ، مع أنه مع قدرته على المساوي لا يجوز النقل إلى الأدون لأنه يعدّ الودعي حينئذ مقصرا فلو تلف يضمن.

(١٢) المراد بالمنع هو منع نقلها عن المعين ، وهو مستفاد من كلامه (ولو عيّن المودع موضعا للحفظ اقتصر المستودع عليه) ، والحاصل أنه لا يجوز نقلها من المكان المعين إلى الأعلى عند عدم خوف التلف وإن ذهب البعض إلى الجواز.

٢٨٨

من الأعلى (١) عند عدمه (٢) ، ويشمل (٣) أيضا فيهما (٤) ما لو نهاه عن غير المعين وعدمه (٥) ، وهو كذلك (٦).

(ويحفظ) (٧) الوديعة (بما جرت العادة به (٨) في مكان الوديعة وزمانها ، لأن الشارع لم يحدّ لها حدا ، فيرجع إلى العادة (كالثوب ، والنقد في الصندوق) المقفل ، أو الموضوع (٩) في بيت محرز عن الغير (١٠) ، (والدابة في الاصطبل) المضبوط بالغلق ، (والشاة في المراح) كذلك (١١) ، أو المحفوظ بنظر المستودع.

وهذه الثلاثة (١٢) مما جرت العادة بكونها حرزا لما ذكر ، وقد يفتقر إلى أمر

______________________________________________________

(١) والمعنى إلى الأعلى ، وإلا فلو أريد النقل من الأعلى إلى غيره لكان نقلا إلى الأدون وهو غير جائز بالاتفاق ولا معنى لإبرازه من كلام الماتن ، بخلاف النقل إلى الأعلى فيحسن إبرازه من كلام الماتن لوجود الخلاف فيه.

(٢) أي عدم الخوف.

(٣) أي كلام المصنف.

(٤) أي في الصورتين السابقتين.

(٥) أي وعدم النهي ، أما مع عدم النهي فهو مورد الصورتين السابقتين على ما تقدم بيانهما ، وأما مع النهي فلو عيّن موضعا ونهاه عن النقل حتى إلى الأعلى ولا خوف على الوديعة من التلف فلا يجوز نقلها ، لأنه لا يجوز مع عدم النهي فمع النهي أولى.

وكذا لو عيّن له موضعا وقد خاف عليها من التلف فلا بد من نقلها حتى إلى الأدون عند فقد المساوي والأحرز حتى مع النهي ، لأن بدون النقل المذكور يكون مقصرا ويضمن.

(٦) أي والشمول المذكور في محله ، وفيه : إنه في محله عند خوف التلف فيجوز نقلها إلى الأدون سواء نهاه عنه أم لا بشرط تعذر المساوي ، لا مع وجدان المساوي وإلا لكان مقصّرا.

(٧) أي الودعي.

(٨) بالحفظ ، قد تقدم أن الحفظ واجب وليس له كيفية مخصوصة من قبل الشارع ، فالمرجع فيه إلى العرف على وجه لا يعدّ الودعي مضيّعا ومفرّطا وخائنا ومهملا ومتعديا.

(٩) صفة للصندوق.

(١٠) هذه أمثلة عرفية لحفظ الثوب والنقد ، ويمكن حفظهما في غير الصندوق.

(١١) أي المضبوط بالفلق.

(١٢) من الصندوق والاصطبل والمراح.

٢٨٩

آخر (١) ، أو يقوم غيرها مقامها عادة (٢).

ولا فرق في وجوب الحرز على المستودع (٣) بين من يملكه ، وغيره ، ولا بين من يعلم أنه لا حرز له وغيره (٤) (ولو استودع من طفل ، أو مجنون ضمن (٥) ، لأنهما ليسا أهلا للإذن فيكون وضع يده على مالهما بغير إذن شرعي

______________________________________________________

(١) أي حرز هذه الأمور الثلاثة قد يفتقر إلى أمر آخر ، كما لو كان الصندوق المقفل أو الموضوع في بيت محرز عن الغير مما يخاف عليه من السرقة ، فهو بحاجة حينئذ إلى حارس أو نقله إلى مكان أمين لا يخاف عليه عادة من السرقة.

(٢) أو يقوم غير هذه الإحراز الثلاثة المذكورة مقامها ، كوضع النقد في محفظة يضع فيها نقوده ، مما يعدّ حرزا عرفا وهكذا.

(٣) أي يجب على الودعي حفظ الوديعة في حرزها سواء كان مالكا للحرز أم لا ، ولا يقال إنه مع عدم تملكه للحرز فلا يجب ، لأنه يقال : إن الحفظ الواجب متوقف على إيجاد الحرز وعلى وضع الوديعة فيه ، فيجب عليه إيجاد الحرز عند عدم تملكه مع وضع الوديعة فيه حينئذ.

(٤) أي يجب على الودعي حفظ الوديعة في حرزها سواء علم المودع أن عنده حرزا أم لا ، ولا يقال : إنه مع علم المودع أنه لا حرز عنده وقد قدم إليه الوديعة فيكون إذنا في عدم حفظها في حرزها ، لأنه يقال : الحفظ واجب على الودعي وهو متوقف على إيجاد الحرز ووضعها فيه ، وعلم المودع بعدم وجود الحرز لا يقتضي الاذن للودعي بوضعها في غير حرزها كما هو واضح.

(٥) فلو كان المودع طفلا أو مجنونا فلا تصح الوديعة ، لاعتبار الكمال في طرفي عقدها ، كغيرها من العقود ، بلا خلاف ولا إشكال كما في الجواهر ، وعليه فلو صدر من أحدهما الإيجاب فهو كالعدم ، وكذا الاذن في القبض لكونهما مسلوبي العبارة شرعا ، فلو وضع الودعي يده على الوديعة والحال هذه فيكون وضعا بغير حق لعدم الاذن بحسب الفرض ، فيضمن لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (١).

ثم بعد الوضع المذكور يجب على الودعي رد المال إلى وليّهما ، ولا يجوز رده إليهما للحجر عليهما ، فلا يبرأ الودعي إلا برد المال إلى وليهما الخاص أو العام عند تعذر الخاص.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠.

٢٩٠

فيضمن ، إلا أن يخاف تلفها في أيديهما فيقبضها بنية الحسبة (١) ، فالأقوى عدم الضمان ، لكن يجب مراجعة الولي ما أمكن (٢). ولا فرق بين كون المال لهما ، أو لغيرهما (٣) ، وإن ادعيا إذنه (٤) لهما في الإيداع.

(و) حيث يقبض الوديعة منهما مع جوازه (٥) أولا معه (٦) (يبرأ بالرد إلى وليهما) الخاص ، أو العام مع تعذره (٧) ، لا إليهما (٨) (ويجب إعادة الوديعة على المودع) مع المطالبة (٩)

______________________________________________________

(١) أي بنية التقرب لله سبحانه وتعالى ، من أجل حفظ أموالهما فيكون محسنا فلا يضمن لقوله تعالى : (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (١) ، إلا أن بعضهم كالمحقق حكموا بالضمان عليه وأن الإحسان إنما يرفع حرمة التصرف في مال الغير ليس إلا ، وأما الضمان فباق لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدى) (٢) ، وهو كما ترى.

(٢) عند خوف التلف ، لحرمة التصرف في مال المولى عليه إلا مع الضرورة ، ومع إمكان أخذ الاذن لا ضرورة في البين.

(٣) أي غير الطفل والمجنون ، فلو أنشئا الإيجاب لإيداع مالهما أو مال غيرهما فهو كالعدم لأنهما مسلوبا العبارة ، وكذا إذنهما في القبض ، وكذا لو ادعيا إذن المالك لهما في توكيلهما عنه في الإيداع ، كل ذلك لسلب عبارتهما شرعا.

(٤) أي إذن الغير.

(٥) أي جواز القبض ، وهو في صورة خوف التلف.

(٦) أي ومع عدم جواز القبض عند عدم خوف التلف.

(٧) أي تعذر الخاص ، وقد تقدم الكلام فيه.

(٨) للحجر عليهما.

(٩) يجب رد الوديعة لو طلبها المودع ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لقوله تعالى : (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا) (١) ، وللأخبار :

منها : النبوي (ردّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (٢).

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٩٢.

(٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠.

(١) سورة النساء ، الآية : ٥٨.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الوديعة حديث ١٢.

٢٩١

في أول وقت الإمكان (١) بمعنى (٢) رفع يده عنها ، والتخلية (٣) بين المالك وبينها ، فلو كانت في صندوق مقفّل ففتحه عليه ، أو بيت محرز فكذلك ، لا نقلها إلى المالك زيادة على ذلك (٤).

والعذر الشرعي (٥) كإكمال الصلاة (٦) وإن كانت نفلا على الأقوى ما لم

______________________________________________________

ثم إن هذا الوجوب عند المطالبة ، لأنه مع عدمها لا يجب الرد بل يجوز لأن الوديعة عقد جائز من الطرفين.

(١) قال في الرياض : (ولعل الوجه فيه مع عدم اقتضاء الأمر الفورية هو وجوب الاقتصار في وضع اليد على مال الغير على القدر المتحقق معه إذنه ، ومطالبة الرد تقتضي انقطاعه فلا يجوز له التصرف زيادة على ما يتحقق به الرد) انتهى.

(٢) تفسير للرد ، فليس المراد منه مباشرته للرد وتحمل مئونة هذا الرد ، بل المراد منه رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها ، فلو كانت موضوعة في صندوق لكفى أن يفتحه له ، وإن كانت في بيت محرز فكذلك ، وهكذا ، والدليل عليه أن الودعي نائب في الحفظ فقط فلا يجب عليه تحمل مئونة الرد ولا مباشرته.

(٣) عطف تفسيري لرفع اليد.

(٤) أي على رفع اليد والتخلية

(٥) قد عرفت أنه يجب على الودعي رد الوديعة عند المطالبة في أول أوقات الإمكان ، ووجوب الرد هذا مشروط بالإمكان العقلي كسائر الأحكام التكليفية لقبح تكليف العاجز ، فلو طالبه المودع وكان في حاجة ضرورية له فلا يجب عليه الرد إلا بعد انقضاء الحاجة وهذا موضع وفاق بينهم.

ولكن هل وجوب الرد مشروط بالإمكان الشرعي بحيث لو كان في صلاة واجبة أو نافلة فلا يجب الرد حتى تنقضي الصلاة ، ذهب جماعة منهم الشارح هنا وفي المسالك إلى ذلك ، لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي ، وخالف العلامة في التذكرة إلى عدم كون النافلة عذرا شرعيا لجواز قطعها ، مع أنه في باب الوكالة من كتابه المذكور ذهب إلى كونها عذرا.

ثم هل المانع العادي كالمانع العقلي بحيث لو طلبها المودع وكان بين الودعي وبينها حائل من مطر ونحوه فيؤخر الرد إلى حين انقضائه ، وهو كذلك لأن تحمل المانع العادي حرج وعسر وهما منفيان في الشريعة.

(٦) فإن كانت واجبة فهي موضع وفاق ، وإن كانت نفلا فالمخالف هو العلامة في التذكرة.

٢٩٢

يتضرر المالك بالتأخير (١) ، والعادي كانتظار انقطاع المطر ، ونحوه كالعقلي ، وفي إكمال الطعام والحمام وجهان (٢). والمعتبر في السعي القصد (٣) وإن قدر على الزيادة. والحكم (٤) ثابت كذلك (٥) (وإن (٦) كان) المودع (كافرا) مباح المال كالحربي ، للأمر بأداء الأمانة إلى أهلها (٧) من غير قيد. وروى الفضيل عن

______________________________________________________

(١) فلو تضرر وكان تضرره أرجح من مخالفة المانع الشرعي ، فيقدم حق المالك في الرد ولا يكون الشرعي مانعا حينئذ.

(٢) منشؤهما اختلاف تشخيص الحرج والمشقة بتركهما.

(٣) المعتبر في مشي الإنسان شرعا وعرفا هو القصد في مشيه ، لا العدو ولا الهرولة ، قال الله تعالى : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) (١) ، هذا بالنسبة لمطلق المشي ، وأما لو كان رد الوديعة بالمعنى المتقدم من التخلية متوقفا على المشي ، فلا يجب على الودعي إلا القصد فيه.

(٤) من القصد في المشي.

(٥) أي في ردّ الوديعة.

(٦) وصلية ، وهو متعلق بوجوب رد الوديعة على المودع عند المطالبة ، وعليه فيجب رد الوديعة ولو كان المودع كافرا ، حربيا كان أو غيره ، فلا خلاف فيه لإطلاق قوله تعالى : (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا) (٢) ، وللأخبار الكثيرة.

منها : خبر عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ثلاثة لم يجعل الله لأحد من الناس فيهن رخصة : أداء الأمانة إلى البر والفاجر ، والوفاء بالعهد للبر والفاجر ، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين) (٣) ، وفي ثان (لا عذر لأحد فيها) (٤) إلى آخره ، وفي ثالث (فاتقوا الله وأدوا الأمانة إلى الأسود والأبيض وإن كان حروريا ، وإن كان شاميا) (٥) ، وفي رابع (اد الأمانة إلى من ائتمنك وأراد منك النصيحة ولو إلى قاتل الحسين عليه‌السلام) (٦) ، وفي خامس (ادوا الأمانة ولو إلى قاتل ولد الأنبياء) (٧).

وعن أبي الصلاح أوجب رد الوديعة إن كانت للكافر ، وكانت وديعة إلى سلطان الإسلام وكانت الوديعة في غيبة الإمام عليه‌السلام ، وفي الرياض أنه شاذ ، ودليله بأنه في‌ء للمسلمين.

(٧) في قوله تعالى : (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا) (٨).

__________________

(١) سورة لقمان ، الآية : ١٩.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٥٨.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوديعة حديث ١ وملحقه و ٣ و ٤ و ٦.

(٨) سورة النساء ، الآية : ٥٨.

٢٩٣

الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل استودع رجلا من مواليك مالا ، له قيمة ، والرجل الذي عليه المال (١) رجل من العرب يقدر أن لا يعطيه شيئا ، والمودع رجل خارجي شيطان ، فلم أدع شيئا (٢) فقال عليه‌السلام : قل له : يردّ عليه فإنه ائتمنه عليه بأمانة الله (٣)» ، وعن الصادق عليه‌السلام «أدوا الأمانات إلى أهلها وإن كانوا مجوسا (٤)» :

(ويضمن لو أهمل) الرد (بعد المطالبة) (٥) ، وإمكان الرد على الوجه السابق (٦) ، لأنه (٧) من أسباب التقصير ، ولو كان التأخير لعذر وجب في أول أوقات إمكانه (٨) ، (أو أودعها لغيره (٩) ، ولو لزوجته ، أو ثقة (من غير ضرورة)

______________________________________________________

(١) أي الودعي.

(٢) أي لم أترك شيئا في حق الرجل إلا ذكرته مما يدل على أنه شيطان خارجي.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أحكام الوديعة حديث ٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أحكام الوديعة حديث ٥.

(٥) لو أهمل الرد في أول أوقات إمكان الرد ضمن بلا إشكال ولا خلاف ، لانقطاع الاذن بالاستنابة في الحفظ بسبب المطالبة ، فتنقلب يده من يد مؤتمن إلى يد متعد فيندرج تحت عموم (على اليد) (١).

(٦) أي أهمل الرد بعد المطالبة في أول أوقات الرد عقلا وشرعا وعرفا.

(٧) أي الإهمال المذكور.

(٨) أي إمكان الرد.

(٩) أي إذا أودعها الودعي غيره من غير ضرورة ولا إذن من المالك يضمن ، وهو موضع وفاق بينهم ، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه ، ولمكاتبة محمد بن الحسن إلى أبي محمد عليه‌السلام (رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت ، فهل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه؟ فوقّع عليه‌السلام : هو ضامن لها إن شاء الله) (٢).

ولا فرق في هذا الغير بين زوجته وولده وعبده وغيرهم ، ولا بين الثقة وغيره ، ولا بين أن يجعل ذلك الغير مستقلا بها أو شريكا في الحفظ بحيث يغيب عن نظره ، كل ذلك لإطلاق الوكيل.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الوديعة حديث ١.

٢٩٤

إلى الإيداع ، فلو اضطر إليه (١) بأن خاف عليها من حرق ، أو سرق ، أو نهب لو بقيت في يده وتعذر ردها إلى المالك ، والحاكم أودعها العدل. وفي حكم إيداعها اختيارا (٢) إشراك الغير في اليد ولو زوجة وولدا ، ووضعها في محل مشترك في التصرف بحيث لا يلاحظها في سائر الأوقات ، (أو سافر (٣) بها كذلك) أي من غير ضرورة إلى استصحابها في السفر بأن أمكنه عند إرادة السفر إيصالها إلى المالك ، أو وكيله عاما ، أو خاصا (٤) ، أو إيداعها العدل فترك وأخذها معه فيضمن.

أما مع الضرورة بأن تعذر جميع ما تقدم ، وخاف عليها في البلد (٥) ، أو اضطر (٦) إلى السفر فلا ضمان ، بل قد يجب ، لأنه من ضروب الحفظ.

______________________________________________________

(١) أي إلى الإيداع ، فلو حصل ضرورة الإيداع بأن خاف عليها من حرق أو سرقة أو نهب أو أراد سفرا وتعذر ردها إلى المالك أو وكيله دفعها إلى الحاكم ، وإن تعذر ذلك أودعها العدل حينئذ ، ولا تسمى وديعة حينئذ عند الحاكم أو العدل لما قاله في الجواهر بما ملخصه : أن الودعي عليه أن يحافظ على شيئين : عليه المحافظة عليها من حيث إنها وديعة ، وعليه الحفاظ عليها من حيث كونها مالا محترما ، ومع الضرورة يرتفع حفظ وجوب الوديعة ويبقى عليه المحافظة من حيثية كونها مالا محترما ، فيضعها عند الحاكم ليحفظها لأنها مال محترم ومع تعذره فعند العدل ، ولا تسمى وديعة ، إذ الوديعة هي الاستنابة في الحفظ والمالك لم يأذن للودعي في استنابة الحاكم أو العدل.

(٢) أي إيداعها للغير اختيارا وأنه يضمن ما لو أشرك الغير في حفظها ، وكذلك لو وضعها في محل مشترك في التصرف فيكون مفرّطا في الجميع فيضمن.

(٣) عطف على (لو أهمل أو أودعها عند الغير) ، فإنه يضمن لو سافر بها من غير ضرورة ومع عدم إذن المالك بذلك ، بلا خلاف فيه ، لأن إذن المالك مع الإطلاق يتناول الحفظ في الحضر فقط عملا بالعادة ، ولأن السفر لا يخلو من خطر في الجملة ، فالسفر بها تغرير بمال المالك وتعريض له للتلف ، فيعدّ الودعي معه مفرّطا في حفظها.

نعم لو ألجأته الضرورة للسفر بها كما لو اضطر إلى السفر وخاف عليها من السرقة ولم يمكن له ردها إلى المالك أو وكيله أو الحاكم أو العدل فلا ضمان عليه لأنه محسن ، وكذا لو أذن المالك له بالسفر بها فلا ضمان ، لعدم التعدي من الودعي حينئذ.

(٤) بأن كان وكيله في حفظ ودائعه.

(٥) بأن خاف عليها السرقة مثلا.

(٦) بحيث لا وقت عنده لردها لأنه خائف عليها في البلد فيسقط وجوب الرد.

٢٩٥

والمعتبر في تعذر التوصل إلى المالك ومن بحكمه المشقة الكثيرة عرفا (١) ، وفي السفر (٢) العرفي أيضا ، فما قصر عنه (٣) كالتردد إلى حدود البلد وقرى لا يطلق على الذهاب إليها السفر يجوز فيه (٤) مصاحبتها مع أمن الطريق (٥) ، ولا يجوز إيداعها في مثله (٦) مع إمكان استصحابها ، واستثني منه (٧) ما لو أودعه مسافرا ، أو كان المستودع منتجعا (٨) ، فإنه يسافر بها من غير ضمان ، لقدوم المالك عليه (٩).

(أو طرحها (١٠) في موضع تتعفن فيه) وإن كان حرزا لمثلها ، لما عرفت من

______________________________________________________

(١) قال الشارح في المسالك : (المعتبر في تعذر الوصول إلى المالك أو وكيله والحاكم المشقة الكثيرة ، وهو المعبر عنه بالتعذر عرفا لا لغة ، لما في إلزامه بتحمل ما يزيد على ذلك من الحرج والضرر المنفيين) انتهى.

(٢) وأما السفر المبحوث عنه في المقام هو العرفي لا الشرعي ، لأن إذن المالك له بالحفظ مقتصرا على حال الحضر في قبال السفر العرفي ، لا في قبال السفر الشرعي ، وعليه فيجوز له استصحابها في حدود البلد بحيث لا يصدق عليه أنه مسافر عرفا مع صدق أنه ما زال في الحضر.

(٣) عن السفر العرفي.

(٤) في هذا التردد.

(٥) لأنه مع الخوف فهو مفرّط في الحفظ لو استصحبها معه.

(٦) أي في مثل هذا الخروج الذي لا يسمى سفرا عرفيا ، وعليه فلا يجوز له إيداعها عند الحاكم أو العدل ، لأنه ليس مضطرا لرفع يده عن الوديعة.

(٧) أي واستثنى من السفر الموجب للضمان ما لو أودع المالك وديعته للودعي حال كون الودعي مسافرا ، ومع علم المالك بحاله فهو إذن منه إليه باستصحابها في هذا السفر.

(٨) قال في مصباح المنير : (انتجع القوم إذا ذهبوا لطلب الكلاء في مواضعه) ، فلو أودعها المالك من هو منتجع فيجوز للودعي السفر بها حينئذ من غير ضمان لقدوم المالك على ذلك حيث أودعه المال وهو على تلك الحال ، وليس على الودعي حينئذ ترك السفر لأجلها ، لوجود الاذن في السفر بها بدلالة القرينة الحالية.

(٩) أي على الإيداع حال سفر الودعي ، فهو إذن له بالسفر بها.

(١٠) عطف على (ما لو أهمل) فيضمن للتفريط ، والحاصل أنه لو طرحها في موضع عفن مدة بحيث تتعفن في هذه المدة كالأقمشة ، أو وضعها في مكان ندي مدة بحيث تفسد فيها كالكتب ، فيضمن في الصورتين للتفريط ، وقال في المسالك : والمرجع في ذلك كله إلى كون مثل ذلك المكان لا يصلح للوديعة عرفا بحسب المدة التي يضعها فيها) انتهى.

٢٩٦

أن الحرز مشروط بأمور أخر (١) ، هذا منها. وفي حكم العفن الموضع المفسد كالنّدي للكتب.

وضابطه ما لا يصلح لتلك الوديعة عرفا بحسب مدة إقامتها فيه ، (أو ترك سقي الدابة ، أو علفها (٢) ما لا تصبر عليه عادة) ، ومثلها المملوك.

والمعتبر السقي والعلف بحسب المعتاد لأمثالها ، فالنقصان عنه تفريط ، وهو المعبر عنه بعدم صبرها عليه ، فيضمنها حينئذ (٣) ، وإن ماتت بغيره (٤).

ولا فرق في ذلك (٥) بين أن يأمره (٦) بهما (٧) ، ويطلق ، وينهاه (٨) ،

______________________________________________________

(١) كما تقدم أن الصندوق المقفل حرز للنقد ولكن مع خوف السرقة فيحتاج مع إقفاله إلى حراسته أو نقله ، وكذلك هنا فالموضع المعين حرز للأقمشة أو الكتب إلا أن عفونته أو رطوبته تمنع من وضع الوديعة فيه مدة بحيث يؤثر العفن أو الرطوبة.

(٢) عطف على ما (لو أهمل) فيضمن ، هذا واعلم أنه يجب على الودعي سقي الدابة وعلفها بما يحفظ نفسها ، بلا خلاف فيه ، لأن علفها وسقيها من مقدمات حفظها الواجب عليه ، واعلم أن المراد بالدابة هنا مطلق الحيوان المحترم ، وأولى منه ما لو كانت الوديعة آدميا كالعبد ، وعليه فإذا وجب على الودعي العلف والسقي وأهمل ، فإما أن تموت الدابة وإما أن تهزل فتنقص قيمتها ، وعلى الأول فيضمن قيمتها لتحقق التفريط ، وكذا على الثاني فيضمن نقصانها ، بل لو ترك العلف أو السقي فماتت بغير ذلك فهو ضامن أيضا ، لأنه بالترك المذكور يصير ضامنا لأن يده حينئذ يد عدوان فتندرج تحت عموم (على اليد) (١) وإن ماتت بغير هذا ، وقال في المسالك : (هذا هو الذي تقتضيه قواعد الوديعة) انتهى.

(٣) أي حين التقصير المذكور.

(٤) أي بغير النقصان المذكور.

(٥) أي في الضمان.

(٦) أي يأمر المالك الودعي.

(٧) بالعلف والسقي.

(٨) اعلم أن وجوب السقي والعلف ثابت على الودعي لأنهما من مقدمات الحفظ ، غايته لو أنفق الودعي رجع على المالك بما غرّم ، والرجوع عليه عند وجود أمره واضح ، ثم مع النهي يبقى وجوب العلف والسقي ثابتا على الودعي ، لكون الوديعة ذا كبد حراء ولكونها

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠

٢٩٧

لوجوب (١) حفظ المال عن التلف ، هذا هو الذي يقتضيه إطلاق العبارة (٢) وهو أحد القولين في المسألة.

والأقوى أنه مع النهي لا يضمن بالترك ، لأن حفظ المال إنما يجب على مالكه (٣)

______________________________________________________

نفسا محترمة فيكون حفظها حقا لله وإن أسقط المالك حقه منها بالنهي ، بالإضافة إلى أن إتلاف المال منهي عنه فنهيه كالعدم ولذا قال في المسالك : (ولا إشكال في وجوبهما مع النهي) انتهى ، وإنما الكلام في شيئين :

الأول : فلو أنفق الودعي مع النهي هل يرجع على المالك أو لا ، ومقتضى القواعد جواز الرجوع لأن الودعي محسن ولا سبيل على المحسنين فلا يلزم بكون النفقة عليه ، ولكن بما أن المالك له حق التصرف في بقية ماله فلا سبيل للودعي على ماله حتى يرجع عليه بغير إذنه فلذا إذا استطاع الودعي التوصل إلى إذن المالك بالنفقة أو إذن وكيله فهو ، وإلا رفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذر أنفق هو وأشهد عليه ويرجع مع نية الرجوع ، ولو تعذر الإشهاد اقتصر على نية الرجوع ، فاشتراط إذن المالك أو وكيله لعدم تسلط الودعي على بقية مال المالك ، واشتراط إذن الحاكم لأنه ولي الممتنع ، واشتراط الإشهاد من باب الإرشاد بمعنى لو ادعى الودعي النفقة وأنكر المالك لأمكن للودعي إثبات حقه بالبينة ، واشتراط نية الرجوع لئلا يكون عمله تبرعا ، ولا رجوع مع التبرع.

الأمر الثاني : لو ترك الودعي العلف والسقي مع النهي فهل يضمن أو لا ، ذهب المحقق وجماعة إلى عدم الضمان لأن الدابة للمالك ومع النهي المذكور فيكون المالك قد أسقط الضمان عنه كما لو أمره بإلقاء ماله فى البحر ، غايته أن الودعي مأثوم لتركه حق الله تعالى.

وقيل : يضمن ، وفيه ما قاله في الجواهر : (خلافا لبعض فأجرى حكم الوديعة مع النهي إلا أنه كما ترى ، للأصل ـ أي البراءة من الضمان ـ بعد انصراف دليل الضمان إلى غيره) انتهى.

وأما لو أطلق المالك بحيث لم يأمر بالعلف والسقي ولم ينهى ، فوجوب السقي والعلف ثابت على الودعي لأنهما من مقدمات الحفظ الواجب ، وعليه فلو أنفق وأراد الرجوع فله ذلك كما فصّل سابقا عند نهي المالك.

(١) تعليل للضمان في الصور الثلاثة.

(٢) أي عبارة المصنف.

(٣) بالذات ، وما وجوب الحفظ على الودعي إلا بالعرض ، فيثبت عند عدم النهي ويسقط مع النهي.

٢٩٨

لا على غيره ، نعم يجب (١) في الحيوان مطلقا (٢) لأنه ذو روح لكن لا يضمن بتركه كغيره (٣).

واعلم أن مستودع الحيوان إن أمره المالك (٤) بالإنفاق أنفق ورجع عليه بما غرم ، وإن أطلق (٥) توصل إلى استئذانه ، فإن تعذر رفع أمره إلى الحاكم فإن تعذر أنفق هو وأشهد عليه ورجع به ، ولو تعذر الإشهاد اقتصر على نية الرجوع إن أراده (٦) ، وقبل قوله (٧) فيها (٨) ، وفي القدر بالمعروف (٩) ، وكذا القول مع نهي المالك له عنه (١٠). وفي حكم النفقة ما تفتقر إليه من الدواء وغيره (١١) ، وفي حكم الحيوان الشجر المفتقر إلى الحرث والسقي وغيرهما.

(أو ترك نشر الثوب (١٢) الذي يفسده طول مكثه كالصوف ، والإبريسم (للريح) حتى لو لم يندفع بنشره وجب لبسه بمقدار ما يندفع الضرر عنه ، وكذا عرضه على البرد.

______________________________________________________

(١) أي الحفظ.

(٢) سواء نهاه أم لا.

(٣) أي لغير الحيوان مثل الشجرة فترك سقيها مع النهي لا يوجب الضمان.

(٤) هذا هو القسم الأول.

(٥) هذا هو القسم الثالث.

(٦) أي أراد الودعي الرجوع.

(٧) قول الودعي.

(٨) أي في النفقة فلو ادعى الودعي النفقة وأنكر المالك فيقبل قول الودعي مع يمينه لأنه مؤتمن فهو المنكر ، وكذا يقبل قوله في قدر النفقة.

(٩) أي المتعارف ، بحيث ادعى الإنفاق المتعارف عند الناس.

(١٠) أي عن الإنفاق ، وهذا هو القسم الثاني ، بحيث لو أراد الرجوع فعليه أن يستأذن إلى آخر ما ذكر.

(١١) لأنه من مقدمات الحفظ وكذا ما بعده.

(١٢) عطف على (ما لو أهمل) ، قال في المسالك : (يجب في كل وديعة ما يقتضي بقائها ، ودفع ما يوجب فسادها كنشر الثوب وطيّه وتعريضه للهواء في كل وقت يفتقر إليه بحسب جنسه عادة ، حتى لبسه لو لم يندفع ضرره ، فلو أخلّ بذلك ضمن سواء أذن المالك فيه أم سكت ، لأن الحفظ واجب عليه مطلقا فيجب كل ما يتوقف عليه إذا كان مقدورا) انتهى.

٢٩٩

ومثله توقف نقل الدابة (١) إلى الحرز ، أو العلف ، أو السقي على الركوب ، والكتاب على تقليبه ، والنظر فيه فيجب ذلك كله ، ويحرم بدونه (٢) ، (أو انتفع بها) (٣) لا لذلك (٤) ، (أو مزجها) (٥) بماله. أو بمال غيره بحيث لا يتميز ، سواء مزجها بأجود أم بأدون ، بل لو مزج إحدى الوديعتين بالأخرى ضمنهما معا وإن كانا لواحد ، ومثله لو خلطها بمال لمالكها غير مودع عنده ، للتعدي في الجميع.

(وليرد) الوديعة حيث يؤمر به (٦) ، أو يريده هو (٧) (إلى المالك (٨) أو وكيله)

______________________________________________________

(١) أي كما يجب نشر الثوب لحفظه فكذلك يجب ركوب الدابة لو توقف نقلها إلى الحرز أو نقلها إلى السقي والعلف على الركوب ، وكذلك لو توقف حفظ الكتاب على تقليبه وغير ذلك ، كل ذلك من باب وجوب مقدمة الواجب.

(٢) أي كما تجب هذه التصرفات من باب المقدمية فكذلك تحرم هذه التصرفات لو لم يتوقف الحفظ عليها وعليه فيأثم ويضمن.

(٣) عطف على (ما لو أهمل) ، فلو انتفع بالوديعة فيضمن لأنه متعد.

(٤) أي ولم يكن الانتفاع من باب مقدمة الحفظ.

(٥) فإنه يضمن للتعدي ، والأمثلة واضحة.

(٦) أي بالرد ، وإيجاب رد الوديعة على الودعي عند مطالبة المالك مما قد تقدم.

(٧) أي يريد الودعي الرد بدون أمر من المالك ، لأن الوديعة عقد جائز فيجوز للودعي الرد والفسخ.

(٨) لما كانت الوديعة من العقود الجائزة فيجوز لكل من الطرفين الفسخ ، وعليه فيجب على الودعي ردها إلى المالك ولا يبرأ بردها حينئذ إلى الحاكم ، لأنه لا ولاية له على الحاضر الرشيد ، نعم يجوز ردها إلى وكيل المالك سواء كان وكيلا عاما أم لخصوص قبض ودائعه ، لأن يد الوكيل يد الموكل.

ولو عجز عن ردها إلى المالك أو وكيله وكان مضطرا إلى ردها ولا يمكن حفظها عنده إما للعجز عن الحفظ وإما لعروض خوف يفتقر معه إلى التستر ، حال كون هذا التستر منافيا لرعايتها ، وإما للخوف عليها من السرقة أو الحرق أو النهب أو نحو ذلك من الضرورات فيجوز حينئذ دفعها إلى الحاكم لأنه ولي على الغائب في حفظ أمواله.

وإن تعذر إيصالها إلى الحاكم أودعها الثقة ولا ضمان عليه في الموردين الأخيرين لمكان الضرورة ، نعم إن لم يكن له عذر لم يجز دفعها إلى الحاكم أو الثقة ، وإن كان له فسخ الوديعة ، لأنه قد التزم الحفظ فلا يبرأ إلا بدفعها إلى المالك أو وكيله ، لأن المالك لم

٣٠٠