الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

(السابعة ـ يدخل النماء المتجدد) المنفصل كالولد والثمرة (في الرهن على الأقرب (١) ، بل قيل : إنه إجماع ، ولأن من شأن النماء تبعية الأصل ، (إلا مع شرط عدم الدخول) فلا إشكال حينئذ (٢) في عدم دخوله ، عملا بالشرط ، كما أنه لو شرط دخلوه ارتفع الإشكال. وقيل : لا يدخل بدونه (٢) للأصل ، ومنع الإجماع. والتبعية في الملك (٤) ، لا في مطلق الحكم. وهو أظهر ، ولو كان متصلا كالطول والسمن دخل إجماعا.

(الثامنة ـ ينتقل حق الرهانة إلى الوارث بالموت (٥) ، لأنه مقتضى لزوم العقد من طرف الراهن ، ولأنه وثيقة على الدين فيبقى ما بقي ما لم يسقطه المرتهن ، (لا الوكالة ، والوصية (٦) لأنهما إذن في التصرف يقتصر بهما على من أذن له ، فإذا مات (٧) بطل (٨) كنظائره من الأعمال المشروطة بمباشر معين ، (إلا

______________________________________________________

والإطلاق مشكل فيما لو كان الدافع جاهلا بالفساد والقابض عالما ، فالقابض أخذ الحق بغير إذن والدافع قد توهم لزوم العقد وعليه وصحته وإلا لما رضي بدفع ماله فينبغي أن يكون مضمونا على القابض وإن كان صحيحه لا يضمن لعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي إلا أن يدعي الإجماع على الإطلاق السابق فلا إشكال حينئذ.

(١) قد تقدم الكلام في هذه المسألة وأن النماء المتصل يدخل في الرهن بلا خلاف ، وأن النماء المنفصل أو ما يقبل الانفصال يدخل في الرهن على المشهور للإجماع كما في الغنية ، ولتبعية النماء للأصل ، وخالف الشيخ والمحقق والعلامة في جملة من كتبه إلى عدم الدخول في الرهن لأن التبعية في الملكية لا تستلزم التبعية في الرهنية والإجماع موهون لمصير هؤلاء إلى خلافه.

(٢) أي مع شرط عدم الدخول.

(٣) أي بدون الشرط.

(٤) فهذه التبعية في الملك لا تستلزم التبعية في الرهينة.

(٥) الرهن لا يبطل بموت أحدهما ، لأنه ليس من العقود الجائزة بل هو لازم من جهة الراهن ، ولأنه وثيقة على حق المرتهن فيبقى ما بقي الدين بلا خلاف في ذلك.

(٦) إذا كان المرتهن وكيلا عن الراهن في بيع الرهن عند تعذر استيفاء الدين أو كان وصيا ، فلا تنتقل الوكالة والوصية إلى وارث المرتهن ، لأنهما إذن في التصرف مقتصر على خصوص المرتهن فلا يشمل وارثه.

(٧) أي المأذون وهو المرتهن.

(٨) أي بطل الاذن الصادر من الموكل والموصي وهو الراهن هنا.

١٠١

مع الشرط) (١) بأن يكون للوارث بعده ، أو لغيره فيلزم عملا بالشرط.

(وللراهن الامتناع من استئمان الوارث (٢) وإن شرط له وكالة البيع والاستيفاء ، لأن الرضا بتسليم المورث لا يقتضيه (٣) ، ولاختلاف الأشخاص فيه (٤) (وبالعكس) للوارث الامتناع من استئمان الراهن عليه (٥) (فليتفقا على أمين) يضعانه تحت يده وإن لم يكن عدلا ، لأن الحق لا يعدوهما فيتقيد برضاهما ، (وإلا) يتفقا (فالحاكم) يعين له عدلا يقبضه لهما ، وكذا لو مات الراهن (٦) فلورثته الامتناع من إبقائه في يد المرتهن ، لأنه في القبض بمنزلة الوكيل تبطل بموت الموكل وإن كانت مشروطة في عقد لازم ، إلا أن يشترط استمرار الوضع بعد موته فيكون بمنزلة الوصي في الحفظ.

(التاسعة ـ لا يضمن المرتهن) الرهن إذا تلف في يده (٧) ، (إلا بتعدّ أو)

______________________________________________________

(١) فيلزم العمل بالشرط ويكون الوارث وكيلا أو وصيا عن الراهن لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (١).

(٢) قال الشارح في المسالك : (فإذا كان ـ أي الرهن ـ في يد المرتهن بالاشتراط أو بالاتفاق فمات لم يجب على الراهن إبقاؤه في يد وارثه ، فإنه قد يستأمن من المورّث ولا يستأمن من الوارث ، وكذا للوارث الامتناع من تسليم الرهن له ، وحينئذ فإن اتفقا على أحد ممن يجوز توكيله وإن لم يكن عدلا جاز ، وإلا تسلمه الحاكم وسلّمه إلى عدل ليقبضه لهما) انتهى.

(٣) أي لا يقتضي استئمان الوارث.

(٤) في الاستئمان.

(٥) على الرهن.

(٦) لو مات الراهن وكان الرهن تحت يد المرتهن فلورثة الراهن الامتناع من إبقاءه تحت يد المرتهن ، لأن المرتهن بالنسبة للقبض كالوكيل من الراهن ، وتبطل الوكالة بموت الموكل فكذا قبضه ، إلا أن يأذن ورثة الراهن ، وإلا أن يكون المرتهن قد شرط بقاء العين في يده بعد موت الراهن فيلزم الشرط.

(٧) لأن الرهن أمانة في يد المرتهن فلا يضمنه إذا كان التلف بغير تفريط منه ، بلا خلاف فيه ، وللأخبار.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

١٠٢

تفريط (١) ولا يسقط بتلفه شي‌ء من حق المرتهن (٢) ، فإن تعدى فيه ، أو فرّط ضمنه (فتلزم قيمته يوم تلفه) إن كان قيميا (على الأصح) (٣) ، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة ،

______________________________________________________

منها : صحيح جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن قال عليه‌السلام : فهو من مال الراهن ويرتجع المرتهن عليه بماله) (١) ، وصحيح إسحاق بن عمار الصيرفي قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام (الرجل يرتهن العبد فيصيبه عور أو ينقص من جسده شي‌ء ، على من يكون نقصان ذلك؟ قال عليه‌السلام : على مولاه ، قلت : إن الناس يقولون : إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه نقصان من جسده ينقص عن مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد ، قال عليه‌السلام : أرأيت لو أن العبد قتل قتيلا على من تكون جنايته؟ قال : جنايته في عنقه) (٢).

نعم وردت طائفة من الأخبار تدل على الضمان وهي محمولة على صورة التفريط كخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدي الفضل إلى صاحب الرهن ، وإن كان الرهن أقل من ماله فهلك الرهن أدى إلى صاحبه فضل ماله ، وإن كان الرهن يسوي ما رهنه فليس عليه شي‌ء) (٣).

(١) والفرق بين التعدي والتفريط على ما في المسالك في كتاب الوديعة حيث قال : (والفرق بينهما أن التفريط أمر عدمي وهو ترك ما يجب فعله من الحفظ ونحوه ، والتعدي أمر وجودي وهو فعل ما لا يجوز فعله كلبس الثوب ونحوه) انتهى.

ومع التعدي أو التفريط يضمن بلا خلاف فيه ، لما تقدم من حمل الطائفة الثانية عليه ولأخبار خاصة.

منها : خبر إسحاق بن عمار (سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم وهو يساوي ثلاثمائة درهم فهلك ، أعلى الرجل أن يردّ على صاحبه مائتي درهم؟ قال : نعم ، لأنه أخذ رهنا فيه فضل وضيّعه ، قلت : فهلك نصف الرهن؟ فقال : على حساب ذلك ، قلت : فيترادان الفضل؟ قال : نعم) (٤).

(٢) عند عدم التعدي وعدم التفريط.

(٣) ذهب الأكثر إلى أنه يضمنه بقيمة يوم التلف ، لأنه وقت الحكم بضمان القيمة ، لأن الحق

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب كتاب الرهن حديث ١ و ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كتاب الرهن حديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الرهن حديث ٢.

١٠٣

والحق قبله كان منحصرا في العين وإن كانت مضمونة.

ومقابل الأصح اعتبار قيمته يوم القبض ، أو أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف ، أو من حين التلف إلى حين الحكم عليه بالقيمة كالغاصب (١).

ويضعّف (٢) بأنه قبل التفريط غير مضمون (٣) فكيف تعتبر قيمته فيه (٤) وبأن المطالبة (٥) لا دخل لها في ضمان القيمي (فالأقوى الأول مطلقا (٦).

هذا إذا كان الاختلاف بسبب السوق (٧) ، أو نقص في العين غير مضمون ، أما لو نقصت العين بعد التفريط بهزال ونحوه (٨) ، ثم تلف اعتبر أعلى القيم

______________________________________________________

قبله كان منحصرا في العين ، وذهب المحقق في الشرائع إلى أنه يضمنه بقيمة يوم القبض ، وقال عنه في الجواهر : (ولم نعرفه لغيره ـ إلى أن قال ـ كما أنه لم نعرف له وجها يعتدّ به ، ضرورة عدم كون العين مضمونة قبل التفريط) ، وقيل : إنه يضمن أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف ، وقد نسبه في المسالك إلى الشيخ في المبسوط ، وعن المهذب أنه مجهول القائل ، وعن الصيمري أنه قول مشهور ، ونقله فخر المحققين واختاره ، وعن الرياض أنه مشهور في المصنفات وهو الأحوط ، لكونه كالغاصب فيؤخذ بأشق الأحوال ، ولاقتضاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية ، ولا تحصل البراءة إلا بذلك.

وقيل : إنه يضمن أعلى القيم من حين التلف إلى حين الحكم كما عن ابن الجنيد ، وضعف الأخير واضح لأن المطالبة وحكم الحاكم لا دخل لهما في ضمان القيمة.

(١) أي المرتهن كالغاصب فكما يؤخذ الثاني باشف الأحوال فكذلك الأول.

(٢) مقابل الأصح.

(٣) لأن الحق منحصر في العين الموجودة وهي غير مضمونة على المرتهن ، لأنها أمانة عنده.

(٤) أي ما قبل التفريط وهذا رد على الضمان من يوم القبض ، ورد على الضمان بأعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف.

(٥) رد على القول الأخير لأن المطالبة وحكم الحاكم لا دخل لهما في ضمان القيمي.

(٦) سواء زادت القيمة من حين القبض إلى يوم التلف أم لا.

(٧) أي كان اختلاف قيمة العين يوم التلف عن قيمتها يوم القبض بسبب السوق ، أو بسبب نقص في العين لم يكن هذا النقص مضمونا عليه.

(٨) بحيث فرّط أولا ثم نقصت العين بهزال ونحوه ثم هلكت ، اعتبر أعلى القيم من حين التفريط إلى حين التلف ، لأن ذمته قد شغلت بضمان قيمة العين من حين التفريط فلو هزلت العين ونقصت قيمتها السوقية فلا يوجب نقصان الضمان لأن الذمة مشغولة بقيمة

١٠٤

المنسوبة إلى العين من حين التفريط إلى التلف ، ولو كان مثليا ضمنه بمثله إن وجد ، وإلا فقيمة المثل عند الأداء على الأقوى ، لأن الواجب عنده إنما كان المثل وإن كان متعذرا ، وانتقاله إلى القيمة بالمطالبة ، بخلاف القيمي لاستقرارها في الذمة من حين التلف مطلقا (١)

(ولو اختلفا في القيمة حلف المرتهن (٢) ، لأنه المنكر ، والأصل براءته من الزائد. وقيل : الراهن ، نظرا إلى كون المرتهن صار خائنا بتفريطه فلا يقبل قوله.

ويضعّف بأن قبول قوله من جهة إنكاره ، لا من حيث كونه أمينا ، أو خائنا.

(العاشرة ـ لو اختلفا في) قدر (الحق المرهون به (٣) ، حلف الراهن على)

______________________________________________________

العين حين التفريط.

بخلاف المثلي فإنه يضمن مثله عند التلف ، وإذا تعذر المثلي عند الأداء فينتقل إلى قيمة المثلي ، لأنه وقت الأمر بضمان القيمة ، بخلاف القيمي فالأمر بالضمان متوجه من حين التلف سواء طالبه أم لا.

(١) مع المطالبة وعدمها.

(٢) إذا اختلف الراهن والمرتهن في القيمة ، فقال الراهن : قيمته مائة وقال المرتهن : بل خمسون ، يقدم قول الراهن كما عن الأكثر على ما في الدروس لأن المرتهن خائن بتفريطه فلا يقبل قوله.

وعن الحلي والفاضل والكثير من المتأخرين يقدم قول المرتهن ، لأنه منكر للزيادة ، فيقدم قوله مع يمينه ، وحينئذ فتقديم قوله لإنكاره الزيادة ، وليس من حيث أمانته التي ارتفعت بخيانته عند ما فرّط.

(٣) بحيث كان الدين عشرة آلاف مع أن المديون قد قدّم رهنا واختلفا فقال المرتهن إنه رهن على تمام الدين ، وقال الراهن : إنه رهن على ألف منه فقط بحيث يكون الباقي دينا بلا رهن.

فقيل : يقدم قول الراهن على المشهور ، لأنه منكر للزيادة بعد اتفاقهما على أنه رهن على الألف فالمرتهن يدعى كونه رهنا على الزيادة أيضا والراهن منكر ، بل قول الراهن موافق لأصل آخر وهو براءة ذمة الراهن من كونها مشغولة برهن على الزائد ، ولأخبار منها.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (في رجل رهن عند صاحبه رهنا ، لا بينة بينها فيه ، فادعى الذي عنده الرهن بألف ، فقال صاحب الرهن : إنه بمائة ،

١٠٥

(الأقرب) لأصالة عدم الزيادة ، وبراءة ذمته منها ، ولأنه منكر ، وللرواية. وقيل : قول المرتهن استنادا إلى رواية ضعيفة ، (ولو اختلفا في الرهن والوديعة (١) بأن قال

______________________________________________________

قال عليه‌السلام : البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف ، وإن لم يكن عنده البينة فعلى الراهن اليمين) (١) ، وموثق ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا اختلفا في الرهن ، فقال أحدهما : رهنه بألف ، وقال الآخر : بمائة درهم ، فقال عليه‌السلام : يسأل صاحب الألف البينة ، فإن لم يكن بينة حلف صاحب المائة) (٢) ، ومثله موثق عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام (٣).

وقيل : يقدم قول المرتهن كما عن ابن الجنيد لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن ، فقال الراهن : هو بكذا وكذا ، وقال المرتهن : هو بأكثر ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يصدّق المرتهن حتى يحيط بالثمن لأنه أمينه) (٤) والخبر ضعيف السند بالسكوني وموافق للعامة فلا يصلح لمعارضة ما تقدم.

(١) بحيث قال الممسك : هو رهن ، وقال المالك : هو وديعة ، فالمشهور تقديم قول المالك ، لأنه منكر باعتبار موافقة قوله لأصالة عدم ارتهان العين ، ولصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (في رجل رهن عند صاحبه رهنا ، فقال الذي عنده الرهن : أرهنته عندي بكذا وكذا ، وقال الآخر : إنما هو عندك وديعة ، فقال عليه‌السلام : البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا وكذا ، فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين) (٥).

وعن الصدوق والشيخ تقديم قول الممسك لخبر عبّاد بن صهيب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن متاع في يد رجلين في أحدهما يقول : استودعتكه ، والآخر يقول : رهن ، فقال عليه‌السلام : القول قول الذي يقول إنه رهن عندي ، إلا أن يأتي الذي ادعى أنه أودعه بشهود) (٦) ، وموثق ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث (فقال أحدهما : هو رهن ، وقال الآخر : هو وديعة ، قال عليه‌السلام : على صاحب الوديعة البينة فإن لم يكن بينة حلف صاحب الرهن) (٧) ، وصاحب الرهن هو الذي يدعى كونه رهنا وهو الممسك.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الرهن حديث ١ و ٢ و ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الرهن حديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الرهن حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الرهن حديث ٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الرهن حديث ٢.

١٠٦

المالك : هو وديعة ، وقال الممسك : هو رهن (حلف المالك) لأصالة عدم الرهن ، ولأنه منكر ، وللرواية الصحيحة.

وقيل : يحلف الممسك استنادا إلى رواية ضعيفة. وقيل : الممسك إن اعترف له المالك بالدين ، والمالك إن أنكره جمعا بين الأخبار ، وللقرينة. وضعف المقابل (١) يمنع من تخصيص الآخر (ولو اختلفا في عين الرهن (٢) فقال : رهنتك العبد فقال : بل الجارية (حلف الراهن) خاصة (وبطلا) ، لانتفاء ما يدعيه الراهن بإنكار المرتهن ، لأنه جائز من قبله فيبطل بإنكاره ، لو كان حقا ، وانتفاء ما يدعيه المرتهن بحلف الراهن.

(ولو كان) الرهن (مشروطا في عقد لازم تحالفا (٣) ، لأن إنكار المرتهن

______________________________________________________

وفصلّ ابن حمزة بتقديم قول المرتهن إن اعترف الراهن له بالدين ، وبتقديم قول الراهن مع إنكار الراهن للدين جمعا بين الأخبار ، ولأنه مع اعتراف الراهن بالدين فهو قرينة على كون العين رهنا في يد الممسك لأنه هو ظاهر الحال.

ومستند المشهور صحيح ابن مسلم ومستند مخالفه خبر عبّاد بن صهيب وموثق ابن أبي يعفور ، ولا يصلحان لمعارضة دليل المشهور هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يبطل قول ابن حمزة لأن التفصيل مبني على الجمع بين الأخبار ، والجمع فرع الحجية ، ومع كون أحد الطائفتين وهي التي اعتمد عليها غير المشهور غير حجة فلا معنى للجمع حينئذ.

(١) أي وضعف الدليل المقابل للمشهور يمنع من تخصيص دليل المشهور.

(٢) بأن قال المرتهن : رهنت الجارية ، فقال الراهن : بل العبد ، وليس هناك بينة ، بطلت رهانة ما ينكره المرتهن لكون الرهن جائزا من طرفه ، هذا بالنسبة لما يدعيه الراهن.

وأما بالنسبة لما يدعيه المرتهن ، فالمرتهن مدعي والراهن منكر فيحلف الراهن ، ويخرج العبد والجارية عن الرهن.

(٣) لو باع الدائن متاعا للمديون وشرط عليه رهنا على الدين السابق ، فقال المشتري وهو الراهن : رهنت العبد ، فقال البائع وهو المرتهن : بل الجارية.

فعن العلامة في القواعد أنه يحلف الراهن ويبطل الرهن في العبد والجارية ، كما لو اختلفا في عين الرهن ولم يكن الرهن شرطا في عقد لازم ، لنفس الدليل السابق ، فما يدعيه الراهن باطل لإنكار المرتهن ، وإنكاره فسخ للعقد لو كان هو الواقع ، وما يدعيه المرتهن باطل بحلف الراهن.

وعن جماعة منهم الشهيدان والمحقق الثاني أنهما يتحالفان ، وضابط التحالف فيما لو كان

١٠٧

هنا (١) يتعلق بحق الراهن حيث إنه (٢) يدعي عدم الوفاء بالشرط الذي هو ركن من أركان ذلك العقد اللازم (٣) فيرجع الاختلاف إلى تعيين الثمن لأن شرط الرهن من مكملاته (٤) ، فكل يدعي ثمنا غير ما يدعيه الآخر فإذا تحالفا بطل الرهن ، وفسخ المرتهن العقد المشروط فيه إن شاء ، ولم يمكن استدراكه (٥) كما لو مضى الوقت المحدود له. وقيل : يقدم قول الراهن كالأول.

(الحادية عشر ـ لو أدى دينا وعيّن به رهنا (٦) بأن كان عليه ديون وعلى كل

______________________________________________________

كل منهما مدعيا ومنكرا معا ولاحد بينهما متفق عليه وهنا كذلك ، لأن الرهن هنا قد وقع شرطا في عقد لازم ، فيكون جزءا من ثمن المبيع ، والاختلاف فيه موجب للاختلاف في تعيين الثمن ، فالراهن يدعي أن هذا المال المعيّن مع شرطية العبد رهنا هو الثمن ، والمرتهن يدعي أن هذا المال المعيّن مع شرطية الجارية رهنا هو الثمن ، وكلّ منهما ينكر ما يدعيه الآخر وإذا تحقق ضابط التحالف يتحالفان ويبطل الرهن ، وإذا بطل يفسخ المرتهن البيع الذي شرط فيه الرهن إن شاء.

(١) فيما لو كان الرهن مشروطا في عقد لازم.

(٢) أي حيث إن المرتهن.

(٣) وهو البيع ، فالرهن بدعوى الراهن هو العبد فإذا أنكر المرتهن رهنه كان المرتهن مدعيا على الراهن عدم الوفاء بشرط البيع ، مع أن الشرط من أركان العقد المشروط.

(٤) أي مكملات الثمن.

(٥) أي ولم يمكن استدراك الرهن كما لو شرط الرهن في يوم معين وقد مضى.

(٦) لو كان على شخص عدة ديون لشخص آخر ، وكان على كل دين رهن ، ثم دفع الراهن الذي هو المديون دينا ليفكّ رهنا مخصوصا فيتعين كون المدفوع وفاء لخصوص الدين الذي قصد فك رهنه ، وهذا مما لا إشكال فيه إذا عرفنا قصده إما لقيام البينة بأنها قد سمعته يسمي دينا خاصا ، وإما لإقرار المرتهن الدائن بكونه قد سمّى دينا خاصا.

وأما إذا لم يسمّ ولكن قصد واحدا من الديون ثم قال الراهن : دفعته لأفك به الرهن الأول ، فقال المرتهن : بل دفعته لتفك الرهن الثاني ، قدّم قول الدافع وهو الراهن بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه أبصر بنيته التي لا تعلم إلا من قبله ، ولأن دعوى غريمه غير مقبولة إذ لا اطلاع له على نفس الدافع ليعرف أنه نوى غير ما يقوله ، وعليه فيقدم قول الدافع بغير يمين ، لأن دعوى خصمه غير مسموعة ، وقيل يقدم قوله مع يمينه ، واليمين لاحتمال إمكان اطلاع المرتهن على نيته بإقرار الراهن أو بقرائن خارجية ، فتكون الدعوى مسموعة فلا تسقط إلا بيمين المنكر.

١٠٨

واحد رهن خاص فقصد بالمؤدى أحد الديون بخصوصه ليفك رهنا (فذاك) هو المتعين ، لأن مرجع التعيين إلى قصد المؤدي ، (وإن أطلق) ولم يسمّ أحدها لفظا لكن قصده (فتخالفا في القصد) فادعى كل منهما قصد الدافع دينا غير الآخر (حلف الدافع) على ما ادعى قصده ، لأن الاعتبار بقصده وهو أعلم به.

وإنما احتيج إلى اليمين مع أن مرجع النزاع إلى قصد الدافع ، ودعوى الغريم العلم به غير معقول ، لإمكان اطلاعه عليه بإقرار القاصد ، ولو تخالفا فيما تلفظ بإرادته (١) فكذلك. ويمكن رده (٢) إلى ما ذكره (٣) من التخالف في القصد (٤) ، إذ العبرة به (٥) ، واللفظ كاشف عنه.

(وكذا لو كان عليه دين خال) عن الرهن ، وآخر به رهن (فادعى الدفع عن المرهون به) ليفك الرهن ، وادعى الغريم الدفع عن الخالي ليبقى الرهن (٦) فالقول قول الدافع مع يمينه ، لأن الاختلاف يرجع إلى قصده الذي لا يعلم إلا من قبله كالأول.

(الثانية عشر ـ لو اختلفا فيما يباع به الرهن (٧) فأراد المرتهن بيعه بنقد ،

______________________________________________________

(١) بأن قال الراهن : تلفظت عند الدفع بكون المدفوع للرهن الأول ، فقال المرتهن : بل للرهن الثاني ، فيقدم قول الدافع بلا خلاف ، ومع يمينه لأن دعوى خصمه مسموعة فلا تسقط إلا بيمينه.

(٢) أي التخالف فيما تلفظ بإرادته.

(٣) أي المصنّف.

(٤) وفيه : إن دعوى خصمه في التخالف في القصد غير مسموعة ، بخلاف دعوى خصمه في التخالف فيما تلفظ بإرادته فإنها مسموعة ، ومعه كيف يمكن رد الثاني إلى الأول.

(٥) بالقصد.

(٦) لا فرق بين هذا الفرع وبين الفرع المتقدم ، لأن عدم الرهن عن الدين الثاني لا يوجب تغييرا في موازين الدعوى الموجبة لتقديم قول الدافع ، باعتبار أنه أبصر بنيته.

(٧) لو اختلفا فيما يباع به الرهن ، فأراد أحدهما بيعه بالنقد الغالب ، والآخر بغيره ، بيع بالنقد الغالب في البلد بإذن الحاكم من غير فرق في طالب الغالب بين كونه الراهن أو المرتهن ، لتعلق حق كل منهما في العين ، فإذا طلب الآخر بيعه بغير الغالب ففيه تضييع لحق الأول ، ولأن إطلاق الرهن منصرف إلى الغالب.

١٠٩

والراهن بغيره (١) (بيع بالنقد الغالب) ، سواء وافق مراد أحدهما أم خالفهما ، والبائع المرتهن إن كان وكيلا ، والغالب موافق لمراده (٢) ، أو رجع إلى الحق (٣) ، وإلا فالحاكم ، (فإن غلب نقدان بيع بمشابه الحق (٤) منهما إن اتفق ، (فإن باينهما عين الحاكم) إن امتنعا من التعيين.

وإطلاق الحكم بالرجوع إلى تعيين الحاكم يشمل ما لو كان أحدهما أقرب إلى الصرف إلى الحق ، وعدمه ، وفي الدروس : لو كان أحدهما ـ وعنى به المتباينين ـ

______________________________________________________

ويؤخذ إذن الحاكم ليجبر الممتنع عن بيعه بالنقد الغالب ، أو يأذن بالبيع عن الممتنع ، نعم لو كان المرتهن وكيلا لازما عن الراهن ، وأراد المرتهن بيعه بالغالب لم يتوقف هنا على إذن الحاكم عن الراهن ، ولا يلتفت إلى معارضة الراهن المخالفة للشرع لانصراف إطلاق الوكالة في البيع إلى البيع بالغالب عرفا ، ولأن أذنه متحقق بوكالته للمرتهن ، أما لو طلب كل منهما نقدا غير الغالب وتعاسرا ردهما الحاكم إلى الغالب ، لأن الغالب هو الذي يقتضيه إطلاق عقد الرهن ، بلا خلاف في ذلك كما في الجواهر.

(١) مما تقدم تعرف أن الاختلاف على ثلاث صور : ما لو كان مراد المرتهن بالغالب ، وما لو كان مراد الراهن بالغالب ، وما لو كان الغالب غير مراد لهما ، وقد أشار الشارح إلى الصورتين الأولتين بقوله : (سواء وافق مراد أحدهما) ، وأشار إلى الثالثة بقوله (أم خالفهما).

(٢) فالبيع بالغالب غير متوقف على إذن الحاكم بخلاف بقية الصور التي يباع الرهن فيها بالغالب.

(٣) بأن كان المرتهن مخالفا للغالب فيرجع إلى الغالب ، والمعنى يحكم ببيع الرهن بالغالب وعلى المرتهن أن يقرّ به ويلتزم بالشرع سواء كان وكيلا في البيع أم لا ، وإن أبى فالحاكم هو الذي يبيع العين بالنقد الغالب.

(٤) لو كان للبلد نقدان غالبان متساويان في التعامل ، إذ لو كانا متفاوتين بيع بالأغلب ، ومع التساوي في الغلبة بيع الرهن بأشبههما بالحق ، والمراد به ما ناسب الحق المرهون به ، بأن يكون من جنسه إذا كان موافقا لأحدهما.

ولو كان الحق والدين مباينا لكلا النقدين الغالبين عيّن الحاكم أحدهما إن امتنعا عن الاتفاق والتعيين ، وتعيين الحاكم لأنه ولي الممتنع وكلاهما ممتنع ، وعن الشهيد في الدروس أنه مع المباينة للحق يقدم الأسهل صرفا إلى الحق ترجيحا لجانب المرتهن ، وعن التحرير أنه بيع الرهن بأوفرهما حظا وانتفاعا ترجيحا لجانب المالك لأن عين الرهن ملكه.

١١٠

أسهل صرفا إلى الحق تعيّن ، وهو حسن. وفي التحرير : لو بايناه بيع بأوفرهما حظا. وهو أحسن ، فإنه ربما كان عسر الصرف أصلح للمالك وحيث يباع بغير مراده ينبغي مراعاة الحظ له كغيره ممن يلي عليه الحاكم.

١١١
١١٢

كتاب الحجر

١١٣
١١٤

كتاب الحجر (١)

(وأسبابه ستة) (٢) بحسب ما جرت العادة بذكره في هذا الباب ، وإلا فهي أزيد من ذلك مفرقة في تضاعيف الكتاب ، كالحجر على الراهن في المرهون ، وعلى المشتري فيما اشتراه قبل دفع الثمن ، وعلى البائع في الثمن المعين قبل تسليم

______________________________________________________

(١) قال في مصباح المنير : (حجر عليه حجرا من باب قتل ـ إلى أن قال ـ وتثليث الحاء لغة) ، ومعناه المنع ، وسمي العقل حجرا لأنه يمنع صاحبه عن ارتكاب القبيح وما تضر عاقبته ، قال الله تعالى : (هَلْ فِي ذٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (١) ، وشرعا هو المنع من التصرف في المال.

(٢) أي موجبات الحجر ستة ، وحصر أسبابه في الستة المذكورة جعلي لا استقرائي ولا ما سواه ، وقد جرت عادة الفقهاء بالبحث عن هذه الستة وعقدوا هذا الباب لها ، ومرجع الصور الست إلى قسمين : من يحجر عليه لحق نفسه ومن يحجر عليه لحق غيره ، فالأول الصبي والمجنون والسفيه ، والثاني المفلس والمريض مرضا متصلا بالموت والعبد ، ثم الحجر تارة في جميع ماله وأخرى في البعض ، والثاني هو المريض ، والأول هو الباقي ، ثم الحجر إما عام في سائل التصرفات أو خاص ببعضها ، والأول إما أن يكون ذا غاية يزول سببه فيها أو لا ، والأول الصغر والثاني الجنون ، والخاص إما أن يكون الحجر فيه مقصورا على مصلحة المحجور أو لا ، والأول السفيه ، والثاني إما أن يكون موقوفا على حكم الحاكم أو لا ، والأول المفلس والثاني المرض.

__________________

(١) سورة الفجر الآية : ٥.

١١٥

المبيع ، وعلى المكاتب في كسبه لغير الأداء والنفقة ، وعلى المرتد الذي يمكن عوده إلى الإسلام. والستة المذكورة هنا هي : (الصغر. والجنون. والرق. والفلس. والسفه. والمرض) المتصل بالموت.

(ويمتد حجر الصغير (١) حتى يبلغ) بأحد الأمور المذكورة في كتاب الصوم ، (ويرشد ، بأن يصلح ماله (٢) بحيث يكون له ملكة نفسانية تقتضي إصلاحه ،

______________________________________________________

(١) الصغير محجور عليه ما لم يحصل له البلوغ والرشد ، بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ) (١) ، وللأخبار : منها : خبر منصور عن هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشده ، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله) (٢).

هذا ويعلم البلوغ على ما تقدم في كتاب الصوم بإنبات الشعر الخشن على العانة سواء كان مسلما أو مشركا ، أو بخروج المني من الموضع المعتاد ، وهاتان العلامتان للذكور والإناث ، ويعلم البلوغ الذكر خمس عشرة سنة والأنثى تسع سنين.

(٢) فالرشد في المال مما يتوقف عليه رفع الحجر كما تقدم ، وإنما الكلام في معنى الرشد ، قال الشارح في المسالك : (ليس مطلق الإصلاح موجبا للرشد ، بل الحق أن الرشد ملكة نفسانية تقتضي إصلاح المال وتمنع من إفساده ، وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.

واحترزنا بالملكة عن مطلق الكيفية فإنها ليست كافية ، بل لا بد منها من أن تصير ملكه يعسر زوالها ، وباقتضائها إصلاح المال ـ أي احترزنا به ـ عما لو كان غير مفسد له لكن لا رغبة له في إصلاحه على الوجه المعتبر عند العقلاء) ، ولقد أجاد صاحب الجواهر حيث قال : (والمرجع فيه ـ أي الرشد ـ العرف كما في غيره من الألفاظ التي لا حقيقة شرعية لها ولا لغوية مخالفة للعرف ـ إلى أن قال ـ وعلى كل حال فهو أن يكون مصلحا لماله ، فقد قيل إنه طفحت به عباراتهم ، بل عن التنقيح أنه لا شك فيه عند العرف ، ومجمع البرهان هو الظاهر المتبادر منه عرفا وأنه هو الذي ذكره الأصحاب ـ إلى أن قال ـ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الحجر حديث ١.

١١٦

وتمنع إفساده وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء ، لا مطلق الإصلاح ، فإذا تحققت الملكة المذكورة مع البلوغ ارتفع عنه الحجر (وإن كان فاسقا) (١) على المشهور ، لإطلاق الأمر بدفع أموال اليتامى إليهم بإيناس الرشد من غير اعتبار أمر آخر معه. والمفهوم من الرشد عرفا هو إصلاح المال على الوجه المذكور وإن كان فاسقا.

وقيل : يعتبر مع ذلك العدالة فلو كان مصلحا لماله غير عدل في دينه لم يرتفع عنه الحجر ، للنهي عن إيتاء السفهاء المال ، وما روي أن شارب الخمر

______________________________________________________

وفي القواعد وعن غيرها أنه كيفية نفسانية تمنع من إفساد المال وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء ، وكثير منهم ممن فسره بالإصلاح قد أخذ الملكة فيه في مقام آخر ، وجميع ذلك عند التأمل فضول لوفاء العرف في مصداقه فليس من وظائف الفقيه البحث فيه فضلا عن الإطناب). انتهى.

(١) هل يشترط في الرشد العدالة أو لا ، فعن الشيخ والراوندي وأبي. المكارم وفخر الإسلام الاشتراط ، لقوله تعالى : (وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ) (١) ، مع ضميمة ما ورد (أن شارب الخمر سفيه) وهو ما رواه العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد قال (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الآية قال : كل من شرب الخمر فهو سفيه) (٢) ، فيثبت في غير شارب الخمر ممن يرتكب المعصية أنه سفيه إذ لا قائل بالفصل ، ولما روي عن ابن عباس في قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) (٣) قال : (هو أن يبلغ ذا وقار وحلم وعقل) (٤).

والمشهور على عدم اعتبار العدالة ، لأن مفهوم الرشد عرفي ، وهو خال عن اشتراط العدالة ، ولأن الكافر لا يحجر عليه بكفره فالفاسق أولى ، ولأن الأمر بإيتاء المال عند إيناس الرشد في الآية المتقدمة (٥) غير مقيد بالعدالة فهو مطلق ، ورواية العياشي مرسلة ، وما روي عن ابن أبي عباس غير ثابت ، وعلى تقديره فهي مقطوعة غير صالحة للحجية.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٥.

(٢) الوسائل ـ ٥٣ من كتاب الوصايا حديث ٢.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٦.

(٤) الدر المنثور ج ٢ ص ١٢١.

(٥) سورة النساء ، الآية : ٦.

١١٧

سفيه ، ولا قائل بالفرق ، وعن ابن عباس أن الرشد هو الوقار ، والحلم ، والعقل. وإنما يعتبر على القول بها في الابتداء (١) ، لا في الاستدامة ، فلو عرض الفسق بعد العدالة قال الشيخ : الأحوط أن يحجر عليه. مع أنه شرطها ابتداء ، ويتوجه على ذلك أنها لو كانت شرطا في الابتداء لاعتبرت بعده (٢) لوجود المقتضي.

(ويختبر) من يراد معرفة رشده (بما يلائمه) (٣) من التصرفات والأعمال ،

______________________________________________________

(١) فقد نقل عن الشيخ أنه (لو عرض الفسق بعد العدالة فالأحوط أن يحجر عليه) ، وهو ظاهر في أن العدالة ليست بشرط استدامة كما يفهم من قوله الأحوط.

(٢) بعد الابتداء ، باعتبار أن البالغ لو صرف ماله على نحو السفاهة لحجر عليه لأنه غير رشيد ، فالرشد شرط في ارتفاع الحجر عن الصغير ، وشرط في عدم ثبوت الحجر على البالغ.

(٣) قال الشيخ في المبسوط : (الأيتام على قسمين ذكور وإناث ، فالذكور على ضربين : ضرب يبذلون في الأسواق ويخالطون الناس بالبيع والشراء ، وضرب يصانون عن الأسواق ، فالذين يخالطون الناس فإنه يعرف اختبارهم بأن يأمره الولي أن يذهب إلى السوق ويساوم في السلع ويقاول فيها ، ولا يعقد العقد فإن رآه يحسن ذلك ولا يغبن فيه علم أنه رشيد وإلا لم يفكّ عنه الحجر ، وإن كان اليتيم ممن يصان عن الأسواق مثل أولاد الرؤساء ، فإن اختبارهم أصعب فيدفع الولي إليهم نفقة شهر فيختبرهم ، فينظر فإن وضعوا إلى أكرتهم وغلمانهم وعمالهم ومعامليهم حقوقهم من غير تبذير ، وأقسطوا في النفقة على أنفسهم في مطاعمهم ومكاسبهم سلّم إليهم المال. وأما الإناث فإنه يصعب اختبارهن فيدفع إليهن شيئا من المال ويجعل عليهن نساء ثقات يشرفن عليهن ، فإن عزلن واستغزلن ونسجن واستنسجن ، ولم يبذرنّ سلّم المال إليهن ، فإن كنّ بخلاف ذلك لم يسلم إليهنّ ذلك) انتهى ، وزاد بعضهم أنه لا بد من تكرار ذلك مرارا يحصل به غلبة الظن ليحصل الاتصاف بالملكة.

هذا وفي الجواهر : وأما ما يعلم به رشده فهو أيضا بطرق لا تنحصر عرفا ، ومنها معرفته باختباره بما يلائمه من التصرفات ليعلم قوته على المكايسة ـ في المبايعات وتحفظه من الانخداع ، وكذا تختبر الصبية ، وحينئذ فيعرف رشدها بأن تحفظ من التبذير ، وأن تعتني بالاستغزال مثلا وبالاستنتاج إن كانت من أهل ذلك ، أو بما يضاهيه من الحركات المناسبة لها).

وقال في موضع آخر تعليقا على من حصر الاختبار بما سمعت كما عن الشيخ في المبسوط (إذ من المعلوم عدم إرادة الخصوصية ، بل لعل غير الفقيه أعرف منه في طرق

١١٨

ليظهر اتصافه بالملكة ، وعدمه ، فمن كان من أولاد التجار فوّض إليه البيع والشراء بمعنى مماكسته فيهما على وجههما ، ويراعى إلى أن يتم مساومته ثم يتولاه الولي إن شاء ، فإذا تكرر منه ذلك (١) ، وسلم من الغبن والتضييع في غير وجهه فهو رشيد.

وإن كان من أولاد من يصان عن ذلك أختبر بما يناسب حال أهله ، إما بأن يسلّم إليه نفقة مدة لينفقها في مصالحه ، أو مواضعها التي عينت له ، أو بأن يستوفي الحساب على معامليهم ، أو نحو ذلك ، فإن وفى بالأفعال الملائمة فهو رشيد ، ومن تضييعه : إنفاقه في المحرمات ، والأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله بحسب وقته ، وبلده ، وشرفه ، وضعته. والأمتعة واللباس كذلك.

وأما صرفه في وجوه الخير (٢) من الصدقات ، وبناء المساجد ، وإقراء الضيف فالأقوى أنه غير قادح مطلقا (٣) ، إذ لا سرف في الخير ، كما لا خير في السرف (٤) ، وإن كان أنثى اختبرت بما يناسبها من الأعمال كالغزل ، والخياطة ، وشراء آلاتهما المعتادة لأمثالهما بغير غبن ، وحفظ ما يحصل في يدها من ذلك ،

______________________________________________________

الاختبار المفيد ذلك ، ومن هنا لا ينبغي مناقشة في ذلك ولا في ذكر الغزل والاستغزال للإناث ، مع أن ذلك غير واجب في الرشد ، وبنات الرؤساء ليس ذلك طريق اختبارهن ، وبالجملة البحث في ذلك ليس من وظيفة الفقيه ، ولذا خلت عنه النصوص ، وبعض الأصحاب إنما ذكره على طريق التنبيه كما هو واضح) انتهى.

(١) ليعلم حصول الملكة.

(٢) اعلم أن صرف المال في وجوه الخير ليس تبذيرا كما عليه المشهور ، وعن التذكرة أن ما زاد من هذا الصرف على ما يليق بحاله فهو تبذير ، لأنه إتلاف في المال لقوله تعالى : (وَلٰا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلىٰ عُنُقِكَ وَلٰا تَبْسُطْهٰا كُلَّ الْبَسْطِ) (١).

وفيه : إن الحكم بكونه تبذيرا مناف لما استفاض من خروج بعض الأئمة عليهم‌السلام من أموالهم في الخير كالإمام الحسن عليه‌السلام إلا أن يقال : إن هذا الفعل من الإمام لائق بحاله والكلام فيما هو غير لائق بحاله.

(٣) سواء كان لائقا بحاله أم لا.

(٤) نص غير واحد أنه لم يثبت كونه خبرا.

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية : ٢٩.

١١٩

والمحافظة على أجرة مثلها إن عملت للغير ، وحفظ ما تليه من أسباب البيت ، ووضعه على وجهه ، وصون أطعمته التي تحت يدها عن مثل الهرة والفار ونحو ذلك ، فإذا تكرر ذلك على وجه الملكة ثبت الرشد ، وإلا فلا. ولا يقدح فيها وقوع ما ينافيها نادرا من الغلط والانخداع في بعض الأحيان ، لوقوعه كثيرا من الكاملين ، ووقت الاختبار قبل البلوغ (١) ، عملا بظاهر الآية.

(ويثبت الرشد) لمن لم يختبر (بشهادة النساء في النساء (٢) لا غير (٣) لسهولة اطلاعهن عليهن غالبا ، عكس الرجال (٤) ، (وبشهادة الرجال مطلقا) ذكرا كان المشهود عليه ، أم أنثى ، لأن شهادة الرجال غير مقيدة (٥). والمعتبر في شهادة الرجال اثنان ، وفي النساء أربع ، ويثبت رشد الأنثى بشهادة رجل وامرأتين أيضا ، وبشهادة أربع خناثى (٦).

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ) (١).

ووجه الدلالة من جهتين ، من جهة جعل متعلق الابتلاء هو اليتامى ، مع أن المراد باليتيم لغة وشرعا هو من لا أب له وهو دون البلوغ ، البالغ ليس بيتيم بطريق الحقيقة ، وإطلاق اللفظ محمول عليها ، ومن جهة جعل غاية اختبارهم البلوغ فقد دل على أن الاختبار قبله.

نعم خالف بعض العامة فجعل وقت الاختبار بعد البلوغ ، وهو ضعيف بما سمعت.

(٢) يثبت الرشد في الرجال بشهادة الرجال إذا كانوا اثنين لإطلاق أدلة اعتبار البينة.

ويثبت الرشد في النساء بشهادة الرجال كذلك وبشهادة النساء إن كن أربعا ، وبشهادة رجل وامرأتين لإطلاق أدلة اعتبار البينة بجميع أقسامها.

ولم يذكر ثبوت الرشد في الرجال بشهادة النساء لعسر اطلاعهن على ذلك في الرجال.

(٣) والمعنى لا يثبت الرشد بشهادة النساء في الرجال لتعسر اطلاعهن على رشدهم.

(٤) فإنه يعسر على النساء الاطلاع على رشدهم.

(٥) وكذا شهادة النساء لو لا تعذر اطلاعهن.

(٦) لأن الخنثى كالأنثى لاحتمال عدم كونه ذكرا ، فتعامل معاملة الأنثى من باب القدر المتيقن.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٦.

١٢٠