الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

(ولو كان) الرهن (بيد المرتهن فهو قبض (١) لصدق كونه رهنا مقبوضا ، ولا دليل على اعتباره مبتدأ بعد العقد ، وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين المقبوض بإذن وغيره (٢) كالمغصوب. وبه (٣) صرح في الدروس ، والوجه واحد (٤) ، وإن كان منهيا عن القبض هنا (٥) لأنه (٦) في غير العبادة غير مفسد. وقيل : لا يكفي ذلك ، لأنه (٧) على تقدير اعتباره في اللزوم (٨) ركن فلا يعتد

______________________________________________________

(١) هذه الفروع مبنية على اشتراط القبض في لزوم العقد ، وعليه فإذا كانت العين المرهونة في يد المرتهن قبل الرهن وكانت يده يد أمانة ، ومأذون في ذلك شرعا كالعارية والوديعة والإجارة ، فاستدامة القبض على العين التي أصبحت مرهونة كافية في تحقق القبض المشترط في الرهن ، والأدلة التي توجب القبض في الرهن لا تعينه بكونه قبضا مبتدأ بعد الرهانة ، فاشتراط القبض الابتدائي حينئذ لا دليل عليه بل الأصل عدمه ، وما دل عليه الدليل هو مطلق القبض ، وهو متحقق هنا باستمرار القبض لو كان مقبوضا سابقا بغير الرهانة.

(٢) أي لو كان قبض المرتهن للعين قبل الرهن غير مأذون فيه شرعا كالغصب فهل يكون استمراره قبضا للرهن أو لا؟ ذهب الأكثر إلى أن استمراره قبض كذلك ، لصدق القبض عليه ، ودعوى أنه منهي عنه شرعا فلا يكفي في تحقق الشرط لأن النهي يقتضي الفساد مردودة بأن النهي يقتضي الفساد في العبادات لا المعاملات ، فالقبض وإن وقع منهيا عنه إلا أنه غير فاسد فيكتفى به.

وذهب يحيى بن سعيد وقد نسب إلى العلامة في القواعد إلى عدم الاكتفاء بهذا القبض ، لأن القبض على تقدير اشتراطه في الرهن هو ركن من أركان العقد من الجهة التي يعتبر لأجلها ، وهو اللزوم ، وإذا كان ركن فلا يقيّد به شرعا لو وقع منهيا عنه ، والنهي لا يقتضي الفساد في المعاملات حيث تتم جميع أركان العقد.

ويؤيده أنه لو قبضه بغير إذن الراهن لم يصح بلا خلاف فيه لكونه قبضا غير مأذون فيه شرعا ، والقبض في مسألتنا مثله ، وما ذلك في المقامين إلا لكون القبض ركنا فالنهي عنه موجب لفساده.

(٣) أي وبعدم الفرق.

(٤) والوجه هو صدق القبض واحد في المقامين.

(٥) في المغصوب.

(٦) لأن النهي.

(٧) لأن القبض.

(٨) في لزوم الرهن.

٦١

بالمنهي عنه منه (١) ، وإنما لا يقتضي (٢) الفساد حيث تكمل الأركان ، ولهذا لا يعتد به (٣) لو ابتدأه بغير إذن الراهن ، (و) على الاكتفاء به (٤) (لا يفتقر إلى إذن) جديد (في القبض ، ولا إلى مضي زمان) يمكن فيه تجديده (٥) لتحقق القبض قبله (٦) ، فاعتبار أمر آخر (٧) تحصيل للحاصل ، وللأصل.

وقيل : يشترطان في مطلق القبض السابق (٨) ، وقيل : في غير الصحيح (٩) ، لأن ، المعتبر منه (١٠)

______________________________________________________

(١) من الركن.

(٢) أي النهي.

(٣) بالقبض.

(٤) أي بالقبض السابق ، فقد ذهب العلامة في التذكرة إلى اشتراط الاذن ومضي زمان يمكن تجدد القبض فيه لو كان القبض السابق غير مأذون فيه ، ونقل الشهيد في الدروس عن الشيخ اشتراط الاذن ومضي الزمان المذكور في القبض السابق سواء كان مأذونا فيه أم لا.

وذهب الأكثر على أنه لا يشترط الاذن ولا مضي زمان يمكن تجدد القبض ، ما دام مقبوضا سابقا ، سواء كان القبض مأذونا فيه أم لا ، لأصالة البراءة من الاشتراط ، ولأن اشتراط الاذن في القبض مع مضي زمان يمكن تجدد القبض فيه وقد تحقق القبض السابق طلب للحاصل وهو محال.

(٥) أي يمكن في هذا الزمان تجديد القبض.

(٦) أي قبل كل واحد من الاذن الجديد ومضي زمان.

(٧) بعد القبض السابق.

(٨) مأذونا فيه أو غير مأذون كما نسب إلى الشيخ.

(٩) كما نسب إلى العلامة في التذكرة.

(١٠) أي من القبض ، وحاصل الدليل على اشتراطهما في مطلق القبض السابق أن القبض المعتبر في الرهن هو القبض الحاصل بعد الرهن وهذا لا يتم إلا بإذن الراهن ، ومن ضروريات تحصيله مضي زمان يمكن أن يحصل فيه ، فالاذن في القبض دال على القبض بالمطابقة وعلى مضي الزمان بالالتزام ، ولكن الالتزام بالقبض الفعلي بعد الرهن تحصيل للحاصل لأنه مقبوض سابقا ، أو يلزم اجتماع المثلين وهو محال ، فلا بد من حمل الاذن في القبض على المعنى الالتزامي فقط لتعذر المطابقي ، فيحمل الاذن بالقبض على مضي الزمان فقط ، وباعتبار أن الاذن في القبض شرط لأن الاذن من مستلزمات القبض الذي

٦٢

ما وقع بعد الرهن وهو (١) لا يتم إلا بإذن كالمبتدإ ، والإذن فيه (٢) يستدعي تحصيله ، ومن ضروراته (٣) مضي زمان ، فهو (٤) دال عليه (٥) بالمطابقة ، وعلى الزمان بالالتزام ، لكن مدلوله (٦) المطابقي منتف ، لإفضائه إلى تحصيل الحاصل واجتماع الأمثال ، فيبقى الالتزامي. ويضعّف بمنع اعتبار المقيد بالبعدية (٧) ، بل الأعم وهو (٨) حاصل ، والزمان (٩) المدلول عليه التزاما (١٠) من توابعه (١١) ومقدماته (١٢)

______________________________________________________

هو شرط في الرهن فلا بد من الاذن ومن مضي زمان يمكن تجديد القبض فيه.

ويضعّف.

أولا : بأن القبض المشروط في الرهن لا يجب أن يكون قبضا بعد الرهن إذ لا دليل عليه ، بل غاية الأدلة تفيد مطلق القبض سواء قارن العقد أم سبقه أو لحقه.

وثانيا : لو سلم أن الأدلة تفيد اشتراط القبض المقيّد ببعدية الرهن ، فهو بحاجة إلى اذن في القبض لو لم يكن مقبوضا ، ومع تحقق القبض سابقا فلا يحتاج إلى الاذن.

وثالثا : لو سلم أن الأدلة تفيد اشتراط القبض المقيّد ببعدية الرهن وأن القبض بحاجة إلى إذن ، فالإذن يدل على الزمان من باب الالتزام إذا لم يكن القبض متحققا ، لأن الزمان من مقدمات القبض ، فمضي الزمان واجب من باب المقدمة لتحصيل ذيها وهو القبض ، فإذا كان القبض حاصلا وهو ذو المقدمة فلا معنى لوجوب المقدمة حينئذ ، لأن وجوبها مشروط لتحصيل ذي المقدمة ، ومع تحصيل ذيها يرتفع وجوبها.

(١) أي القبض بعد الرهن.

(٢) في القبض بعد الرهن.

(٣) أي ضرورات التحصيل.

(٤) أي الاذن في القبض بعد الرهن.

(٥) على القبض.

(٦) وهو القبض.

(٧) إشارة إلى الإشكال الأول المتقدم ، والمعنى منع اعتبار القبض المقيد ببعدية الرهن ، بل الدليل قد دل على مطلق القبض سواء قارن العقد أو سبقه أو لحقه.

(٨) أي الأعم.

(٩) إشارة إلى الإشكال الثالث المتقدم.

(١٠) من الاذن.

(١١) أي توابع الاذن من حيث الاستدلال.

(١٢) أي مقدمات القبض من حيث الواقع.

٦٣

فيلزم من عدم اعتباره انتفاؤه (١) نعم لو كان قبضه (٢) بغير إذن توجه اعتبارهما (٣) لما تقدم ، وعلى تقديره (٤) فالضمان باق إلى أن يتحقق ما يزيله من قبل المالك على الأقوى (٥).

(ولو كان) الرهن (مشاعا فلا بد من إذن الشريك في القبض (٦) ، أو رضاه)

______________________________________________________

(١) أي يلزم من عدم اعتبار القبض الذي هو ذو المقدمة انتفاء الزمان الذي هو المقدمة ، لأن وجوب المقدمة لتحصيل ذيها ، فإذا حصل ذوها انتفى وجوبها.

(٢) أي لو كان القبض السابق بغير إذن ، وهو قول العلامة في التذكرة.

(٣) من الاذن الجديد ومضي زمان يمكن تجدد القبض فيه ، قال في الجواهر : (فصّل في المسالك والروضة بين المغصوب وغيره فاعتبر الاذن ومضي الزمان في الأول دون الثاني ولا ريب في ضعفه) انتهى.

(٤) أي تقدير اعتبارهما.

(٥) لا شك أن المقبوض السابق بغير إذن المالك كالمغصوب مضمون على القابض لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (١) ، فلو وقع الرهن على المغصوب وقد أذن له المالك في القبض مع مضي زمان يمكن تجد والقبض فيه فهل يرتفع الضمان عن المرتهن الذي كان غاصبا أو لا؟.

ذهب البعض إلى ارتفاع الضمان لارتفاع سببه وهو الغصبية ولأن إذن المالك له بالقبض بمنزلة قبض المالك إياه ثم دفعه إلى المرتهن ، فلو قبضه المالك يرتفع الضمان قطعا فكذا ما هو بمنزلته ، وذهب بعض إلى أن الاذن بالقبض بعد الرهن إنما يرفع الاثم ولا يرفع الضمان ، لأن الضمان ثابت سابقا وعند الشك بارتفاعه بسبب الاذن يستصحب ، بل لو صرح المالك بإسقاط الضمان المسبّب عن الغصبية لم يسقط كما في القواعد وجامع المقاصد وغاية المرام ، لأن الإسقاط يجدي فيما هو حقّ ثابت في الذمة وليس المقام منه قطعا ، إذ لا شي‌ء في الذمة حينئذ لكون المراد من الضمان في الغصب أنه لو تلفت العين يضمن مثلها ، ولا معنى لإسقاطه قبل حصوله.

(٦) لا بد من إذن الشريك في القبض سواء كان المرهون من المنقول وغيره كما عليه المحقق والفاضل في التحرير والقواعد والشهيد في الدروس واللمعة هنا ، لاستلزام القبض تصرفا في مال الغير بغير إذنه ، وهو ممنوع شرعا.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ ، كنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ حديث ٥١٩٧.

٦٤

بعده (١) ، سواء كان مما ينقل أم لا ، لاستلزامه التصرف في مال الشريك ، وهو منهي عنه بدون إذنه ، فلا يعتد به شرعا.

ويشكل فيما يكفى فيه مجرد التخلية ، فإنها لا تستدعي تصرفا ، بل رفع يد الراهن عنه (٢) وتمكينه (٣) منه (٤) ، وعلى تقدير اعتباره (٥) فلو قبضه بدون إذن الشريك وفعل محرما فهل يتم القبض قولان ، منشؤهما النهي المانع كما لو وقع بدون إذن الراهن ، وهو اختيار المصنف ، وأن النهي إنما هو لحقّ الشريك فقط ، للإذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعا ، وهو أجود ، ولو اتفقا على قبض الشريك جاز (٦) فيعتبر سماعه (٧) الإذن فيه.

(والكلام : إما في الشروط ، أو اللواحق)

(الأول : شرط الرهن أن يكون عينا (٨)

______________________________________________________

وعن الشيخ في المبسوط إلى أن القبض إذا كان يكفي فيه التخلية كقبض غير المنقول فليس القبض بحاجة إلى إذن الشريك ، لأن القبض هنا رفع يد لا تصرف في مال الغير حتى يستلزم إذنه.

(١) بعد القبض.

(٢) عن الذي يكفي فيه مجرد التخلية وهو غير المنقول.

(٣) أي وتمكين المرتهن من قبل الراهن.

(٤) من الرهن.

(٥) أي اعتبار إذن الشريك في المنقول وغيره ، فلو تم القبض بغير إذن الشريك فهل يعتبر هذا قبض أو لا ، ذهب الشهيد إلى أنه ليس قبضا لوجود النهي فيقع فاسدا كما لو وقع القبض بغير إذن الراهن.

وذهب العلامة وولده والمحقق الثاني وغيرهم إلى وقوعه قبضا ، وإن تعلق فيه النهي ، لأن النهي إنما هو لحق الشريك فقط ، فالنهي لشي‌ء خارج عن ذاته فلا يفيد الفساد ، وما هو معتبر فيه هو إذن الراهن وهو متحقق.

(٦) لو وكّل المرتهن شريك الراهن في القبض ، وقد أذن الراهن في القبض جاز بمعنى صح للشريك القبض بلا خلاف كما في الجواهر ، وإن كان الراهن غير راض على جعل شريكه وكيلا عن المرتهن ، بل وإن لم يجز الراهن للمرتهن بأن يجعل الشريك وكيلا.

(٧) أي يعتبر سماع الشريك إذن الراهن في قبضه للرهن.

(٨) يجب أن يكون الرهن عينا على المشهور فلا يصح رهن الدين ولا رهن المنفعة ، وذهب

٦٥

مملوكة (١) يمكن قبضها (٢) ويصح بيعها (٣) هذه الشرائط منها ما هو شرط الصحة وهو الأكثر ، ومنها ما هو شرط في اللزوم كالمملوكية ، باعتبار رهن ملك الغير ولا يضر ذلك (٤) ، لأنها شروط في الجملة ، ولأن المملوكية تشتمل على شرط الصحة في بعض محترزاتها (٥) (فلا يصح رهن المنفعة (٦) كسكنى الدار وخدمة العبد ، لعدم إمكان قبضها ، إذ لا يمكن إلا بإتلافها ، ولتعذر تحصيل المطلوب في الرهن منها (٧) وهو (٨) استيفاء الدين منه (٩) ، وهي إنما تستوفى شيئا فشيئا ، وكلما

______________________________________________________

البعض إلى جواز رهن الدين وسيأتي بحثه.

(١) فلا يصح رهن ما لا يملكه الراهن ولو كان لغيره فهو متوقف على إذن ذلك الغير ، وكذا لا يصح رهن ما لا يملك كالخمر والحشرات.

(٢) فلا يصح رهن ما لا يمكن قبضه كالطير في الهواء غير المعتاد للعود ، والسمك في الماء غير المحصور بحيث يتعذر قبضه.

(٣) لأن ما لا يصح بيعه لا يمكن استيفاء الدين منه فلا يصح رهن الوقف.

ثم هذه الأربعة شروط غير أن بعضها وهو المملوكية شرط لزوم فلو رهن مال غيره لتوقف اللزوم على إجازة المالك والباقي شرط صحة.

(٤) أي إطلاق لفظ الشروط على الجميع والمتبادر منها شروط الصحة مع أن البعض شرط لزوم لا يضر ، لأنها شروط في الجملة.

(٥) فشرط اللزوم الوحيد هو المملوكية ، وهو شرط صحة في بعض موارده كرهن ما لا يملك كالحر والحشرات أو رهن ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير ، فالرهن على هذه الأعيان فاسد ، وعلى كل فإذا كان شرط اللزوم شرط صحة في بعض موارده جاز إطلاق شرط الصحة عليه.

(٦) كسكنى الدار وخدمة العبد بلا خلاف فيه ، لأن المطلوب بالرهن هو التوثق على الدين ، وهذا لا يحصل بها ، لأنها تستوفى شيئا فشيئا ، وكل ما حصل منها شي‌ء عدم ما قبله ، مع أن المطلوب من الرهن أنه متى تعذر استيفاء الدين استوفي من الرهن ، وهذا غير متحقق في المنفعة لعدم بقائها حال تعذر استيفاء الدين.

ولأن المنفعة لا يصح إقباضها إلا بإتلافها.

(٧) من المنفعة.

(٨) أي المطلوب في الرهن.

(٩) من الرهن.

٦٦

حصل منها شي‌ء عدم ما قبله. كذا قيل. وفيه نظر (١) ، (ولا الدّين) (٢) بناء على ما اختاره من اشتراط القبض لأن الدين أمر كلي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه ، وما يقبض بعد ذلك ليس نفسه (٣) ، وإن وجد في ضمنه (٤). ويحتمل جوازه (٥) على هذا القول ، ويكتفى بقبض ما يعيّنه المديون ، لصدق قبض الدين عليه عرفا كهبة ما في الذمة (٦).

______________________________________________________

(١) قال الشارح في حاشية له كما في الطبعة الحجرية : (وجه النظر أن استيفاء الدين من عين الرهن ليس بشرط ، بل منه أو من عوضه ولو ببيعه قبل الاستيفاء ، كما لو رهن ما يتسارع عليه الفساد قبله ، والمنفعة يمكن فيها ذلك بأن يؤجر العين ويجعل الأجرة رهنا ، وقريب منه القول في القبض ـ أي لا يصح قبض المنفعة لأن إقباضها إتلافها ـ لإمكانه بتسليم العين ليستوفي منها المنفعة ، ويكون عوضها رهنا ، إلا أن يقال إن ذلك خروج عن المتنازع ، لأن رهن الأجرة جائز ، وإنما الكلام في المنفعة نفسها ، والفرق بينها وبين ما يتسارع إليه الفساد إمكان رهنه ، والمانع عارض بخلاف المنفعة) انتهى فالمقتضى للرهن غير موجود وإن عدم المانع.

(٢) على المشهور ، لأن القبض معتبر في الرهن ، والدين لا يمكن قبضه لأنه أمر كلي لا وجود له في الخارج حتى يقبضه ، وما يدفعه المديون ليس عين الدين بل هو أحد أفراده.

وذهب جماعة منهم الشارح وصاحب الجواهر إلى صحة رهن الدين لوجود مقتضي الرهن من أنه مال مملوك إلى آخر ثبت اعتباره ، وعدم المانع ، إذ المانع المتوهم هو تعذر قبضه وهو لا يضر لعدم اشتراط القبض في الرهن ، غايته إن الدين لا يمكن قبضه حال الرهن ، وإنما يمكن قبضه بعد دفع المديون بتقديم أحد أفراده ، وقد بان أن النزاع هنا مبني على النزاع في اشتراط القبض في الرهن.

(٣) بل هو فرد من أفراده.

(٤) أي وإن وجد الكلي في ضمن الفرد والمدفوع.

(٥) جواز رهن الدين على القول باشتراط القبض في الرهن.

(٦) بأن وهب الدائن ماله في ذمة المديون لنفس المديون ، والهبة مشروطة بالقبض بالاتفاق ، فهو كالمقبوض عرفا ، وعليه فكما جاء الاكتفاء بصدق القبض العرفي في الهبة فيكتفي بصدق القبض العرفي على ما عينه المديون.

هذا من جهة ومن جهة أخرى هبة ما في الذمم منصرفة إلى الإبراء بالاتفاق باعتبار اشتراط القبض في الهبة والقبض متعذر لما في الذمة ، وعليه فلا يصح التشبيه بها من الشارح هنا.

٦٧

وعلى القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحة رهنه (١) ، وقد صرح العلامة في التذكرة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض وعدمه فقال : لا يصح رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض ، لأنه لا يمكن قبضه ، لكنه في القواعد جمع بين الحكم بعدم اشتراط القبض ، وعدم جواز رهن الدين ، فتعجب منه المصنف في الدروس. وتعجبه في موضعه ، والاعتذار له (٢) عن ذلك بعدم المنافاة بين عدم اشتراطه (٣) ، واعتبار كونه (٤) مما يقبض مثله مع تصريحه (٥) بالبناء المذكور (غير مسموع.

(ورهن المدبّر إبطال لتدبيره على الأقوى (٦) ،

______________________________________________________

(١) أي رهن الدين.

(٢) قال الشارح في المسالك : (واعتذر له المحقق الشيخ علي ـ أي المحقق الثاني ـ بأن عدم اشتراط القبض لا ينافي اشتراط كون الرهن مما يقبض مثله ، نظرا إلى أن مقصوده لا يحصل إلا بكونه مما يقبض ، كما أرشدت إليه الآية الكريمة ، فأحدهما غير الآخر.

وفيه : مع ما أشرنا إليه من تصريح العلامة ببناء الحكم على القبض ، منه اعتبار كون الرهن مما يقبض مثله معجلا إذ لا دليل عليه ، والآية قد تقدم عدم دلالتها على اعتبار القبض ، بل الإرشاد إليه ، والمعتذر ـ ره ـ قد بالغ في تحقيق دلالتها على ذلك ، ومنع دلالتها على اعتبار القبض في محل البحث عنه ، ولو سلم اعتبار صلاحية الرهن للقبض فالدين صالح لذلك بتعين المديون له في فرد من أفراد ماله ، فالمنع من رهنه على القول بعدم اشتراط القبض غير متوجه ، ولو فرض كونه محتملا لما ذكر لا يدفع التعجب عند ضعف المأخذ) انتهى.

(٣) أي اشتراط القبض.

(٤) كون الرهن.

(٥) تصريح العلامة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض وعدمه.

(٦) ذهب الأكثر إلى أن رهن العبد المدبّر إبطال لتدبيره ، لأن التدبير من العقود الجائزة كالوصية ، وقصد شي‌ء ينافي التدبير عقيب التدبير مبطل له ، فلو رهنه أو باعه أو وهبه ونحو ذلك من العقود التي يكون الفرض منها ملك من انتقل العبد إليه أو استيفاء الدين من قيمته فوقوع شي‌ء من هذه العقود عقيب التدبير مناف للتدبير ومبطل له.

وذهب الشيخ إلى صحة الرهن مع صحة التدبير ، لأن الرهن لا يستلزم نقل العبد عن ملك الراهن ، ويجوز فكه بعد الرهن فلا تنافي بين الرهن والتدبير بمجرد الرهن ، نعم

٦٨

لأنه (١) من الصيغ الجائزة فإذا تعقبه ما ينافيه أبطله ، لكونه رجوعا (٢) إذ لا يتم المقصود من عقد الرهن إلا بالرجوع. وقيل : لا يبطل به ، لأن الرهن لا يقتضي نقله عن ملك الراهن ، ويجوز فكه فلا يتحقق التنافي بمجرده ، بل بالتصرف. وحينئذ فيكون التدبير مراعى بفكه فيستقر ، أو يأخذه في الدين فيبطل ، واستحسنه في الدروس.

(ولا رهن الخمر والخنزير إذا كان الراهن مسلما (٣) ، أو المرتهن (٤) وإن وضعهما على يد ذمي ، لأن يد الودعي كيد المستودع ، خلافا للشيخ حيث أجازه كذلك (٥) ، محتجا بأن حق الوفاء إلى الذمي فيصح ، كما لو باعهما وأوفاه ثمنهما. والفرق واضح (٦) ، (ولا رهن الحر مطلقا (٧) من مسلم وكافر ، عند مسلم وكافر ،

______________________________________________________

يكون التدبير مراعي بفكه ، فإن فكه استقر التدبير ، وإلا فإذا أخذه المرتهن في الدين بطل الرهن.

(١) أي التدبير.

(٢) أي كون الرهن رجوعا عن التدبير.

(٣) لو رهن المسلم الخمر أو الخنزير أو نحوهما مما لا يملكه المسلم لا يصح ، بلا خلاف فيه ، ولو كان المرتهن ذميا ، لعدم ملكية الراهن لها ، وعدم سلطنته على بيعها ووفاء دينه منها كما هو واضح.

(٤) لو رهنها الذمي عند مسلم فلا يصح الرهن ، وإن وضعها على يد ذمي على المشهور شهرة عظيمة ، ولم يخالف إلا الشيخ في المبسوط والخلاف بدعوى أن الذمي يصح له رهن ما لا يملكه المسلم كما يصح له بيع ما لا يملكه المسلم ، فكما يجوز للذمي بيعه وإعطاء ثمنه للمسلم في وفاء الدين ، فكذلك يجوز له رهنه.

نعم بما أن المرتهن سيضع يده على الرهن والمرتهن هنا مسلم ولا يجوز له وضع يده على هذه الأعيان فيوضع الرهن عند ذمي حينئذ.

وهذه الدعوى مردودة لأن يد الذمي الودعي كيد المسلم المستودع ، وله تسلط على الرهن بالبيع والاستيفاء على وجه وهو هنا ممتنع.

(٥) بوضع الرهن على يد ذمي ، وكان الراهن ذميا.

(٦) ففي الرهن تسليط للمسلم على بيع الخمر أو الخنزير ونفس التسليط غير جائز ، ووضعهما عند ذمي لا يجدي لأن يد الودعي كيد المستودع ، بخلاف ما لو باع الذمي الخمر أو الخنزير وسلّط المسلم على ثمنهما إيفاء لدينه فهو تسليط المسلم على مال وهو جائز ، وبهذا بان الفرق.

(٧) مسلما كان أو كافرا من مسلم أو كافر عند مرتهن مسلم أو كافر ، لأن الحر لا يمكن

٦٩

إذ لا شبهة في عدم ملكه ، (ولو رهن ما لا يملك) الراهن وهو مملوك لغيره (١) (وقف على الإجازة) من مالكه (٢) فإن أجازه صح على أشهر الأقوال من كون عقد الفضولي موقوفا مطلقا (٣) وإن رده بطل.

(ولو استعار للرهن صح (٤) ثم إن سوغ له المالك الرهن (٥) كيف شاء جاز مطلقا (٦) ، وإن أطلق ففي جوازه فيتخير كما لو عمم أو المنع للغرر قولان ، اختار أولهما في الدروس ، وعلى الثاني فلا بد من ذكر قدر الدين (٧) ، وجنسه ، ووصفه ، وحلوله أو تأجيله ، وقدر الأجل ، فإن تخطى حينئذ كان فضوليا ، إلا أن يرهن على الأقل فيجوز بطريق أولى ، ويجوز الرجوع في العارية ما لم ترهن عملا بالأصل (٨).

______________________________________________________

تملكه ولا شبهة في عدم تملكه بلا خلاف في ذلك.

(١) قيد احترازي عما لا يقبل الملك أبدا كالحر.

(٢) رهن ما لا يملكه الراهن بدون إذن مالكه متوقف على إجازة المالك على أشهر الأقوال ، لأن عقد الفضولي يجري في جميع العقود ومنها الرهن ، وقيل : إن العقد الفضولي يجري في النكاح فقط وفي غيره باطل ، وقيل : إن العقد الفضولي مطلقا باطل سواء كان في النكاح أو البيع أم غيرهما.

(٣) أي في جميع العقود الفضولية.

(٤) قال في المسالك : (اجمع العلماء على جواز رهن مال الغير بإذنه على دينه في الجملة ، وسمّوه استعارة للرهن) انتهى ، وفي الجواهر : (صح بلا خلاف فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه عندنا ، بل وغيرنا عدا ما حكي عن ابن شريح من القول على تقدير كونه عارية لا يصح رهنه ، لأنها غير لازمة) انتهى.

(٥) قال الشارح في المسالك : (ثم إن سوّغ المالك للراهن الرهن كيف شاء ، جاز رهنه ممن شاء على أي مقدار شاء ، بأي أجل شاء ، وإن قيد له بعضها تقيّد ، وإن أطلقا لاذن ففي جوازه قولان : أحدهما الجواز ويتخير كما لو عمّم عملا بالإطلاق ، وبه قطع في الدروس ، والثاني المنع ، لما فيه من الضرر ، والضرر بكثرة تفاوت الدين والمرتهن والأجل ، وهو أولى ، فيذكر قدر الدين وجنسه ووصفه وحلوله أو تأجيله ، وقدر الأجل ، فإن تخطى حينئذ كان فضوليا ، إلا أن يرهن على الأقل فإنه يدخل بطريق أولى) انتهى

(٦) بأي نحو كان من المبلغ والمدة ومن المرتهن.

(٧) لا بدّ من ذكر ذلك بين الراهن والمعير ليعلم المعير ما سيطرأ على ماله ، ومع العلم لا غرر ولا ضرر.

(٨) أي الاستصحاب.

٧٠

(وتلزم بعقد الرهن (١) فليس للمعير الرجوع فيها بحيث يفسخ الرهن وإن جاز له مطالبة الراهن بالفك عند الحلول. ثم إن فكه ورده تاما برئ ،

(ويضمن الراهن لو تلف) وإن كان بغير تفريط (٢) ، (أو بيع) (٣) بمثله إن كان مثليا ، وقيمته يوم التلف إن كان قيميا.

هذا إذا كان التلف بعد الرهن ، أما قبله فالأقوى أنه كغيره من الأعيان المعارة (٤) ، وعلى تقدير بيعه (٥) فاللازم لمالكه ثمنه إن بيع بثمن المثل ، ولو بيع بأزيد فله المطالبة بما بيع به.

(يصح رهن الأرض الخراجية (٦) كالمفتوحة عنوة ، والتي صالح الإمام عليه

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ، لأن الرهن لازم من قبل الراهن فلا بد أن يطرأ اللزوم على المال المعار الذي هو العين المرهونة ، ولازمه عدم جواز مطالبة المعير بماله ، وهذا لا يعني خروجه عن ملكه ، لأنه يجوز له المطالبة بفك العين المرهونة عند حلول الأجل ، بل معنى عدم جواز مطالبة المعير بماله أن المعير ليس له فسخ الرهن بل يطالب الراهن بالفك بعد حلول الأجل حينئذ.

(٢) لأن قبضه لإتلافه في دينه فهو قبض ضمان ، بخلاف قبض العارية فهو قد قبضها ليردها إلى مالكها فهو قبض غير مأمون لأن يده يد أمانة.

(٣) أي الرهن ، ثم لما كانت العين مضمونة على الراهن كما سمعت فإن بيعت ليستوفي المرتهن دينه منها ضمن الراهن مثلها إن كانت مثلية ، وقيمتها إن كانت قيميّة ، والمعتبر في القيمة قيمتها يوم التلف ، لأنه يوم انتقال الضمان من العين إلى الذمة.

(٤) أي غير مضمون واستشكل العلامة فيه على ما نقل ، ولعله باعتبار أن القبض قبض ضمان لأنه قبضه بداعي إتلافه في الدين ثم أجاز المالك بالرهن.

(٥) إذا أراد المرتهن استيفاء دينه من الرهن المستعار فحكمه حكم غيره من جواز بيعه إن كان وكيلا ، وإلا استأذن المالك وإلا الحاكم ، فإن باعه المرتهن حيث يجوز ذلك له ، فلا يخلو إما أن يبيعه بثمن مثله أو أزيد ولا يجوز الأقل لئلا يلزم ضرر على الراهن ، فلو باعه بثمن مثله رجع المالك على المستعير الراهن بنفس القيمة ، لأن العين مضمونة عليه كما تقدم ، ولو باعه بالأزيد ، كان للمالك المطالبة بما بيع به لأن الثمن ملكه.

(٦) أرض الخراج هي المفتوحة عنوة وكانت عامرة حال الفتح ، وكذلك التي صالح الإمام أهلها على أن تكون ملكا للمسلمين وضرب عليهم الخراج ، وعلى كل فأرض الخراج هي ملك للمسلمين ولما لم تتعين لواحد منهم فلا يصح رهنها منفردة ، لأن الرهن مشروط بصحة بيعه وبكونه ملكا للراهن.

نعم يصح رهن ما بها من أبنية وأشجار وآلات ، لأنها مملوكة لصاحبها المسلم الذي

٧١

الصلاة والسلام أهلها على أن تكون ملكا للمسلمين ، وضرب عليهم (١) الخراج كما يصح بيعها (تبعا للأبنية والشجر) ، لا منفردة.

(ولا رهن الطير في الهواء (٢) لعدم إمكان قبضه ، ولو لم يشترطه (٣) أمكن الجواز ، لإمكان الاستيفاء منه ولو بالصلح عليه ، (وإلا إذا اعتيد) عوده ، كالحمام الأهلي فيصح لإمكان قبضه عادة ، (ولا السمك في الماء إلا إذا كان محصورا مشاهدا) بحيث لا يتعذر قبضه عادة ، ويمكن العلم به ، (ولا رهن المصحف عند الكافر (٤) ، أو العبد المسلم) لاقتضائه الاستيلاء عليهما ، والسبيل على بعض الوجوه ببيع ونحوه ، (إلا أن يوضعا على يد مسلم) ، لانتفاء السبيل بذلك ، وإن لم

______________________________________________________

وضعها في الأرض ، هذا كله ما عليه المحقق وجماعة.

وعن الشهيد بكون أرض الخراج مملوكة تبعا لملكية الآثار التي بها ، وعليه فيصح بيعها ورهنها مع الآثار ، وعن العلامة وجماعة جواز بيعها تبعا للآثار مع منع رهنها كذلك ، وهو ضعيف لأن كل ما جاز بيعه جاز رهنه حينئذ.

(١) على أهلها الكفار.

(٢) لا يصح رهن الطير في الهواء ولا السمك في الماء لتعذر تسليمه ، إلا إذا اعتيد عود الطير كالحمام الأهلي ، أو أمكن تسليم السمك كالسمك المشاهد والمحصور في ماء معين.

وهذا يتم على القول باشتراط القبض في الرهن كما هو واضح ، ويتم على القول بعدم الاشتراط ، لأنه على الثاني فعدم إمكان التسليم مناف لمقتضى العقد ، إذ مقتضاه هو الاستيثاق من الدين ومع تعذر إمكان التسليم لا استيثاق ، وذهب الشارح في المسالك والروضة هنا إلى إمكان القول بالصحة عند تعذر إمكان التسليم على القول بعدم اشتراط القبض بإمكان الصلح عليه ، ومعه لا يتعذر استيفاء الدين منه وإن كان غير مقبوض ،.

(٣) أي لو لم يشترط القبض.

(٤) لا يصح رهن المصحف عند الكافر ، ولا رهن العبد المسلم عنده أيضا كما عن جماعة لنفي السبيل له عليهما لقوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١) ، وعن الشيخ والمحقق والفاضل والشهيدين جواز الرهن مع وضعهما على يد مسلم ، ومعه لا يتحقق بذلك سبيل للكافر عليهما ، لأنهما إذا لم يكونا تحت يد الكافر لم يستحق الاستيفاء من القيمة إلا بالبيع ، والبيع حاصل من المالك أو من يأمره الحاكم مع امتناع المالك ، ومثل هذا لا يعدّ سبيلا ، كيف ويمكن للمسلم أن يبيع عبده ويوفّى الكافر دينه من الثمن فكذلك المقام.

__________________

(١) سورة النساء : الآية : ١٤١.

٧٢

يشترط بيعه للمسلم (١) ، لأنه حينئذ لا يستحق الاستيفاء من قيمته إلا ببيع المالك ، أو من يأمره أو الحاكم مع تعذره ، ومثله لا يعد سبيلا لتحققه وإن لم يكن هناك رهن.

(ولا رهن الوقف) (٢) لتعذر استيفاء الحق منه بالبيع ، وعلى تقدير جواز بيعه بوجه يجب أن يشترى بثمنه ملكا يكون وقفا فلا يتجه الاستيفاء منه مطلقا (٣).

نعم لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله أمكن رهنه حيث يجوز بيعه ، (ويصح الرهن في زمن الخيار (٤) لثبوت الثمن في الذمة وإن لم يكن (٥) مستقرا (وإن كان) الخيار (للبائع ، لانتقال المبيع) إلى ملك المشتري (بالعقد على الأقوى) ، لأن صحة البيع تقتضي ترتب أثره ، ولأن سبب الملك هو العقد فلا يتخلف عنه المسبب ، وعلى قول الشيخ بعدم انتقاله إلى ملك المشتري إذا كان الخيار للبائع ، أولهما (٦) لا يصح الرهن على الثمن قبل انقضائه (٧).

(ويصح رهن العبد المرتد ولو عن فطرة (٨) ،

______________________________________________________

(١) الذي وضع المصحف والعبد تحت يده.

(٢) لا يصح بيع الوقف كما قرر في محله فلا بد أن لا يجوز رهنه ، لأنه لا يمكن استيفاء الدين منه لعدم جواز بيعه ، وعلى تقدير جواز بيع الوقف في بعض الوجوه فيجب أن يشتري بثمنه ملكا يكون وقفا ومعه لا يمكن الاستيفاء من الوقف ولو جاز بيعه ، نعم لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله بثمنه أمكن رهن الوقف حيث يجوز بيعه.

(٣) جاز بيعه أو لا.

(٤) يجوز للمشتري رهن المبيع في زمن ثبوت الخيار للبائع ، لأن المشتري مالك للمبيع من حين العقد وإن تزلزل ملكه بالخيار ، والمالك يجوز له التصرف في ملكه بأي تصرف كان على نحو النقل وغيره ومعه لا بد أن يجوز له الرهن ، وكذلك يجوز رهن الثمن للبائع في زمن خيار المشتري وعن الشيخ عدم جواز الرهن لأن المبيع لا ينتقل إلى ملك المشتري إلا بعد انقضاء زمان الخيار ، وهو مبنى ضعيف.

(٥) أي الملك.

(٦) أي للمشتري والبائع.

(٧) أي قبل انقضاء الخيار إذا كان الخيار للمشتري.

(٨) المرتد تارة عن ملة وأخرى عن فطرة ، وعليه فالمرتد الملّي يصح رهنه لأنه تقبل توبته ولا يجب قتله فماليته باقية وكذلك المرتدة سواء كانت عن فطرة أم ملة.

٧٣

لأنه لم يخرج بها (١) عن الملك ، وإن وجب قتله ، لأنه حينئذ كرهن المريض الميئوس من برئه ولو كان امرأة ، أو ملّيا فالأمر أوضح ، لعدم قتلها مطلقا (٢) ، وقبول توبته (٣) ، (والجاني (٤) مطلقا) عمدا وخطأ ، لبقاء المالية وإن استحق العامد القتل ، ولجواز العفو. ثم إن قتل بطل الرهن. وإن فداه مولاه أو عفى الولي بقي رهنا ، ولو استرق بعضه بطل الرهن فيه خاصة ، وفي كون رهن المولى له في الخطأ التزاما بالفداء وجهان كالبيع (٥) (فإن عجز المولى عن فكه قدمت الجناية) لسبقها ،

______________________________________________________

وأما المرتد الفطري فاعتبار وجوب قتله على كل حال سواء تاب أو لا يشكل صحة الرهن عليه ، قال الشارح في المسالك : (لأنه لا تقبل توبته فيجب إتلافه شرعا فتنتفي علة الرهن وهي التوثق ، ووجه الجواز جواز بيعه وبقاء ماليته حالة الرهن ، وتعرضه للإتلاف لا يصلح للمنع كرهن المريض الموثق وهو أجود) انتهى هذا وقد مال العلامة إلى المنع.

(١) بالردة.

(٢) سواء كانت ملية أم فطرية ، وهذا لقليل لجواز الرهن على المرتدة.

(٣) تعليل لجواز الرهن على المرتد الملي.

(٤) إذا كان الجاني عبدا ، فالجاني تارة عمدا ، وأخرى خطأ ، وعلى الأول فوجهان بل قولان ، وجه عدم جواز الرهن لأنه بحكم الثالث لاستحقاقه القتل فهو كالمرتد الفطري ، ووجه الجواز بقاء المالية حالة الرهن مع جواز العفو عنه فلا ذهاب لماليته.

وعلى الثاني فالمشهور على جواز رهنه ، لوجود مقتضى الرهن من كونه مالا يصح قبضه مع صحة بيعه وهو مملوك للراهن ولا مانع يمنع من رهنه إلا تعلق حق الجناية عليه ، وهو ليس بمانع لأنه لا يقتل بجنايته قطعا فهو باق على ماليته.

نعم يجوز لولي الدم استرقاق العبد الجاني أو بقدر الجناية لو لم يفكه المولى ويدفع القصاص من مال آخر ، وهذا لا يكون مانعا للرهن لجواز العفو ، ولذا قال في الجواهر : (واحتمال القصاص والاسترقاق للكل أو البعض غير قادح ، كما إذا جنى وهو رهن ، إذ لا يعتبر في الاستيثاق نفي سائر الاحتمالات) ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم جواز الرهن لأنه بحكم التالف لجواز استرقاقه ، ثم على تقدير جواز رهن العبد الجاني فيتعلق فيه حق الجناية وحق الرهن ، إلا أن حق الجناية مقدم بلا خلاف ولا إشكال كما في الجواهر ، لسبق حق الجناية ، ولأن حق الجناية متعلق بالرقبة بخلاف حق الدين ، ولذا لو مات العبد فيفوت حق الجناية بخلاف الدين فإنه ثابت في ذمة الراهن.

(٥) أي كما لو باعه المولى ، ووجه الالتزام أن الرهن تفويت على ولي الدم ، ووجه عدم الالتزام أن الرهن ليس تفويتا لاحتمال فكه من مال آخر.

٧٤

ولتعلق حق المجني عليه بالرقبة ، ومن ثمّ لو مات الجاني لم يلزم السيد بخلاف المرتهن فإن حقه لا ينحصر فيها (١) ، بل تشتركها ذمة الراهن ، (ولو رهن ما يتسارع إليه الفساد (٢) قبل الأجل) بحيث لا يمكن إصلاحه كتجفيف العنب (٣) ، والرطب (فليشترط بيعه ، ورهن ثمنه) فيبيعه الراهن ويجعل ثمنه رهنا ، فإن امتنع منه رفع المرتهن أمره إلى الحاكم ليبيعه ، أو يأمر به (٤) ، فإن تعذر جاز له (٥) البيع ، دفعا للضرر ، والحرج.

(ولو أطلق) الرهن ولم يشترط بيعه ، ولا عدمه (حمل عليه) (٦) جمعا بين الحقين ، مع كونه حالة الرهن صالحا له. وقيل : يبطل ، لعدم اقتضاء الإطلاق

______________________________________________________

(١) في الرقبة.

(٢) لو رهن شيئا يسرع إليه الفساد قبل حلول آجل الدين بحيث يكون تالفا وقت الاستيفاء ، ولكن يمكن إصلاحه بتجفيف ونحوه كالعنب والرطب صح رهنه بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة وجود المقتضي للرهن مع عدم المانع ، ويجب على الراهن إصلاحه وتجفيفه عند رهنه.

وأما لو كان مما يتسارع إليه الفساد قبل أجل الدين ولا يمكن إصلاحه فلو شرط بيعه مع جعل ثمنه رهنا صح بلا خلاف أيضا ولا إشكال ، وبعد الرهن إن باعه الراهن ودفع ثمنه رهنا فهو وإلا أجبره الحاكم لأنه ولي الممتنع ، وإن تعذر الحاكم باعه المرتهن وجعل ثمنه رهنا جمعا بين حقي الراهن والمرتهن أما لو كان مما يتسارع إليه الفساد قبل الأجل ولا يمكن إصلاحه ولم يشترط بيعه صح الرهن كما عن الفاضل والشهيدين والمحقق الثاني ، غايته عند خوف الفساد يبيعه المالك ويجعل ثمنه رهنا ، ومع الامتناع عن البيع يجبره الحاكم جمعا بين الحقين كمثل ما لو شرط بيعه.

وعن الشيخ البطلان ، لأن الإطلاق في عقد الرهن لا يقتضي البيع ، نعم لو شرط فالالتزام بالشرط ، أما مع الإطلاق فحمله على الشرط بحاجة إلى دليل ، ولأن نفس العين المرهونة يشترط فيها الدوام إلى ما بعد الأجل ليحصل الاستيثاق منها ، وما يسرع إليه الفساد قبل الأجل في قوة الهالك فلا يتحقق الاستيثاق منه.

(٣) مثال للمنفي لا للنفي.

(٤) أي يأمر الحاكم بالبيع ولو كان الأمر للمرتهن.

(٥) للمرتهن.

(٦) على بيعه وجعل الثمن رهنا.

٧٥

البيع ، وعدم صلاحيته (١) ، لكونه (٢) رهنا على الدوام ، فهو في قوة الهالك وهو (٣) ضعيف ، لكونه (٤) عند العقد مالا تاما ، وحكم الشارع ببيعه على تقدير امتناعه منه (٥) صيانة للمال جائز (٦) ، لفساده (٧) ، واحترز بقوله : قبل الأجل ، عما لو كان لا يفسد إلا بعد حلوله (٨) بحيث يمكن بيعه قبله (٩) فإنه لا يمنع (١٠) ، وكذا لو كان الدين حالا (١١) ، لإمكان حصول المقصود منه ، ويجب على المرتهن السعي على بيعه بأحد الوجوه (١٢) ، فإن ترك مع إمكانه (١٣) ضمن (١٤) ، إلا أن ينهاه المالك فينتفي الضمان ، ولو أمكن إصلاحه (١٥) بدون البيع لم يجز بيعه بدون إذنه ، ومئونة إصلاحه (١٦) على الراهن كنفقة الحيوان.

______________________________________________________

(١) أي عدم صلاحية ما يسرع إليه الفساد.

(٢) أي ما يكون رهنا فهو رهن على الدوام وما يسرع إليه الفساد فهو في قوة الهالك.

(٣) أي القول بالبطلان.

(٤) أي كون ما يسرع إليه الفساد.

(٥) أي امتناع الراهن من البيع.

(٦) خبر لقوله : وحكم الشارع.

(٧) تعليل لحكم الشارع ببيعه.

(٨) حلول الدين.

(٩) قبل الفساد ولكن بعد الحلول أيضا.

(١٠) لوجود المقتضي للرهن مع عدم المانع.

(١١) وقد رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل لو كان الدين مؤجلا ، لكن هنا يجوز الرهن لبقائه على ماليته.

(١٢) من مراجعة المالك أو الحاكم حيث يمكن.

(١٣) أي ترك السعي مع إمكان البيع بنفسه.

(١٤) قال في المسالك : (ولو ترك المرتهن السعي في بيع ما يفسد حيث صح رهنه بمراجعة المالك أو الحاكم حيث يمكن ضمن ، ولو تعذر الحاكم فإن نهاه المالك من البيع لم يضمن ، وإلا احتمل الضمان لجواز بيعه بنفسه حينئذ) انتهى.

(١٥) بتجفيف كالعنب والرطب فيصح رهنه ولا يجوز للمرتهن بيعه إلا بإذن الراهن كبقية العيون المرهونة ، بخلاف ما يتسارع إليه الفساد ، لأنه مع خوف الفساد وامتناع المالك عن البيع وتعذر الحاكم فيجوز للمرتهن البيع على تفصيل قد تقدم.

(١٦) أي مئونة إصلاح ما يسرع إليه الفساد وذلك بالتجفيف ونحوه إنما تكون على الراهن ،

٧٦

(وأما المتعاقدان : فيشترط فيهما الكمال)

بالبلوغ ، والعقل (١) ، والرشد (٢) ، والاختيار (٣) ، (وجواز التصرف) (٤) برفع الحجر عنهما في التصرف المالي ، (ويصح رهن مال الطفل للمصلحة (٥) كما إذا افتقر إلى الاستدانة لنفقته ، وإصلاح عقاره ، ولم يكن بيع شي‌ء من ماله أعود ، أو

______________________________________________________

قال الشارح في المسالك : (وجب على الراهن تجفيفه وإصلاحه لأن ذلك من مئونة حفظه كنفقة الحيوان المرهون) انتهى.

(١) يشترط البلوغ والعقل في عقد الرهن كباقي العقود ، لسلب عبارة الصبي والمجنون كحديث رفع القلم (١).

(٢) أما في الراهن فواضح ، لأن الرشيد في مقابل السفيه ، والسفيه محجور عليه وهو ممنوع من التصرف في ماله ، والرهن تصرف في ماله ، وأما في المرتهن فلأن الرهن مستلزم للاستيلاء عليه ببيع ونحوه وهو محجور عليه ما دام سفيها ، نعم استثنى صاحب الجواهر ما لو كان الرهن على دين قد وقع قبل الحجر فلا دليل على اشتراط رشد المرتهن ، لأن الرهن مصلحة لماله.

(٣) المقابل للإكراه ، فمع إكراههما أو أحدهما لا ينعقد عقد الرهن ، نعم لو تعقبه الرضا فيما بعد صح ، وهذا كاشف عن كون الإكراه غير مخرج لقصد المعنى ، نعم لو كان مخرجا عن القصد المذكور فتعقب الرضا لا يفيد بعد عدم قصد المعنى من رأس.

(٤) فلو كان أحدهما محجورا عليه فهو ممنوع من التصرف كالمملوك والسفيه.

(٥) وذلك فيما لو اضطر الولي للاستدانة من أجل الإنفاق على مصلحة الطفل ، كأن ينهدم دار الطفل والإعمار بحاجة إلى الدين ، أو يكون للطفل أموال فيحتاج الولي إلى الدين للإنفاق عليها لحفظها من التلف أو النقص.

وعلى كل إذا كان الدين أولى بالمصلحة ، وكان الدين متوقفا على رهن بعض أموال الطفل فعل الولي ذلك ، وهذا فيما لو كان استبقاء مال الطفل أعود عليه ، أما لو كانت المصلحة ببيع الدار الذي تهدم فلا يجوز للولي الاستدانة ولا الرهن عليه ، بل يجب بيعه لقوله تعالى : (وَلٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢) ، بلا خلاف في ذلك كله كما في الجواهر ، وعن بعض الشافعية المنع من رهن مال الطفل مطلقا ولا ريب في ضعفه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١١.

(٢) سورة الأنعام ، الآية : ١٥٢.

٧٧

لم يمكن (١) وتوقفت (٢) على الرهن ، ويجب كونه (٣) على يد ثقة يجوز إيداعه منه ، (و) كذا يصح (أخذ الرهن له (٤) ، كما إذا أسلف ماله (٥) مع ظهور الغبطة ، أو خيف على ماله من غرق ، أو نهب (٦). والمراد بالصحة هنا (٧) الجواز بالمعنى

______________________________________________________

(١) أي كان البيع أعود ولكنه غير ممكن.

(٢) أي الاستدانة.

(٣) أي رهن مال الطفل ، فيجب أن يوضع على يد ثقة ، فإن كان المرتهن ثقة فهو ، وإلا يجب وضع الرهن عند ثقة غير المرتهن للاستيثاق في المحافظة على مال الطفل.

(٤) فيجوز لولي اليتيم أن يقرض مال الطفل ويأخذ الرهن له ، أما جواز الإقراض فهو مقيد بالمصلحة للطفل ، كأن يخاف الولي على مال الطفل من التلف أو النهب أو السرقة فيقرضه من الغني الثقة مع الرهن ، واشتراط الثقة في المستقرض ليؤمن جحوده ، واشتراط اليسر مع الرهن من أجل استيفاء حق الطفل ، وهذا ما عليه جماعة.

واستشكل في إيجاب الغنى مع الرهن ، لأنه مع وجود الرهن يمكن استيفاء دين الطفل من العين المرهونة ولو كان المستقرض فقيرا.

هذا إذا كان الإقراض لغير الولي ، وأما له فعن ابن إدريس عدم الجواز حيث قال في السرائر : (لا يجوز له بحال لأنه أمين ، والأمين لا يجوز له أن يتصرف في أمانته) انتهى ، ورد بأنه على خلاف إطلاق الآية المتقدمة ، إذ قد يكون الإقراض لنفس الولي أنفع للطفل ، وللأخبار.

منها : صحيح أبي الربيع عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رجل ولي يتيم فاستقرض منه فقال عليه‌السلام : إن علي بن الحسين عليه‌السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ، فلا بأس بذلك) (١) ، وهذا الخبر كمثله مطلق ولكن لا بدّ من تقييده بالمصلحة للآية المتقدمة.

(٥) أي كما إذا دفع الولي مال الطفل سلما ، فالثمن حال والمثمن مؤجل.

(٦) فبقرضه.

(٧) عند قول الماتن : (ويصح رهن مال الطفل للمصلحة وأخذ الرهن له) أي ويصح أخذ الرهن له ، وغيره عبّر (يجوز لولي اليتيم بأخذ الرهن له) ، وقال الشارح في المسالك : (يمكن أن يراد بالجواز معناه الخاص فلا يجب لأصالة العدم ، خصوصا إذا كان الدين في ذمة ملّي أو ثقة ، ـ إلى أن قال ـ والأولى أن يراد به معناه الأعم فيشمل الوجوب ، وهو المراد هنا وبه قطع في التذكرة) انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب ما يكتسب به ، ذيل حديث ١.

٧٨

الأعم. والمقصود منه الوجوب ، ويعتبر كون الرهن مساويا للحق ، أو زائدا عليه (١) ليمكن استيفاؤه منه ، وكونه بيد الولي ، أو يد عدل (٢) ليتم التوثق ، والإشهاد (٣) على الحق لمن يثبت به عند الحاجة إليه عادة. فلو أخل (٤) ببعض هذه ضمن مع الإمكان.

(ولو تعذر الرهن هنا) (٥) وهو في موضع الخوف على ماله (أقرض من ثقة عدل غالبا) هكذا اتفقت النسخ ، والجمع بين العدل والثقة تأكيد ، أو حاول تفسير الثقة بالعدل لوروده كثيرا في الأخبار (٦) وكلام الأصحاب محتملا (٧) لما هو أعم منه.

______________________________________________________

وإيجاب الرهن للتوثق من استيفاء دين الطفل ، لأن المديون وإن كان ثقة لكن يجوز أن يكون ذا نظرة لأنه لا مال عنده ، فيلزم ضياع مال الطفل.

(١) ليتمكن الولي من استيفاء الدين من العين المرهونة ، ويؤيده الأخبار.

منها : خبر إسباط بن سالم (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كان لي أخ هلك ، فوصّى إلى أخ أكبر مني وأدخلني معه في الوصية وترك ابنا صغيرا وله مال ، أفيضرب به أخي فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له ماله ، فقال عليه‌السلام : إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به ، وإن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم) (١).

(٢) أي يجب كون الرهن لمال اليتيم بيد الولي أو بيد عدل ليتم التوثق من استيفاء دين اليتيم إن لم يف به المديون.

(٣) أي يجب على الولي إشهاد شاهدين على المديون أنه قد استدان من مال الطفل بالإضافة إلى وثاقه المديون ويسره والرهن ، للاحتياط إذ قد يخون الثقة وقد يذهب ماله وتتلف العين المرهونة فلا يملك إثبات الدين إلا بالشهادة.

(٤) لو أخلّ الولي ببعض هذه الشروط ضمن مال اليتيم لو لم يعد المال ، لتقصيره بالتصرف في مال الطفل.

(٥) أي إذا جاز إقراض مال اليتيم للمصلحة وقد تعذر الرهن فيجب أن يكون الدين للثقة غالبا للتوثق في مال اليتيم.

(٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب القضاء حديث ٤ و ٥.

(٧) أي محاولة المصنف لتفسير الثقة بالعدل لاحتمال أن يراد بالثقة ما هو أعم من العدل ففسرها بالعدل فقط دفعا للاحتمال.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١.

٧٩

ووصف الغلبة (١) للتنبيه على أن العدالة لا تعتبر في نفس الأمر (٢) ، ولا في الدوام (٣) ، لأن عروض الذنب ليس بقادح على بعض الوجوه كما عرفته في باب الشهادات ، والمعتبر وجودها غالبا.

(وأما الحق (٤) فيشترط ثبوته في الذمة) (٥)

أي استحقاقه فيها وإن لم يكن مستقرا (كالقرض (٦) وثمن المبيع (٧) ولو في زمن الخيار ، (والدية بعد استقرار الجناية (٨) وهو انتهاؤها إلى الحد الذي لا يتغير موجبها لا قبله ، لأن ما حصل بها (٩) في معرض الزوال بالانتقال إلى غيره. ثم

______________________________________________________

(١) قال الشارح في المسالك : (الثقة في ظاهر الحال بمعنى الاكتفاء بظاهر أمره ، ولا يشترط العلم بذلك لتعذره فعبّر عن الظاهر بالغالب نظرا إلى أن الظاهر يتحقق بكون الغالب على حالة كونه ثقة ، لا أن المراد كونه في أغلب أحواله ثقة دون القليل من أحواله ، فإن ذلك غير كاف) انتهى.

(٢) بل تعتبر في ظاهر الحال.

(٣) هذا ما نفاه في المسالك كما تقدم وقد أخذ به هنا ، والمراد لو كان في غالب أحواله عادلا مع صدور الصغيرة منه في القليل من أحواله فلا يضر ، لأن الذي يضر بالعدالة هو الإصرار على الصغيرة لا اللمم.

(٤) هو الحق الذي يجوز أخذ الرهن عليه ، وهو كل دين ثابت في الذمة مستحق فيها ، ويحترز بالدين عن العين فلا يصح أخذ الرهن عليها سواء كانت العين أمانة في يده كالوديعة والعارية أم كانت غير مضمونة كالمغصوبة والمقبوضة بالسوم والمستعارة مع الضمان ، وعدم صحة الرهن على العين لامتناع استيفاء العين الموجودة من شي‌ء آخر.

(٥) في ذمة الراهن ، فلا يصح الرهن على ما لم يحصل سبب ثبوته في الذمة ، كالرهن على ما يستدين أو على ثمن ما يشتريه ، بلا خلاف فيه ، لأن الرهن وثيقة من الراهن على مال المرتهن ، ولا يتصور الاستيثاق قبل حصول مال له عنده.

(٦) مثال لما ثبت في الذمة وهو مستقر.

(٧) مثال لما ثبت في الذمة وهو غير مستقر.

(٨) فقبل استقرار الجناية لا يعلم بحصول سبب الدية ، كما لو جني عليه ولم تأت الجناية على نفسه ، فلا تثبت الدية حتى يستوثق منها بالرهن.

(٩) بالجناية.

٨٠