مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-035-8
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٠٨

وذكر القرماني في أخبار الدول أنّ بني حمدان كلّهم من ملوك الشيعة.

وقال ابن كثير الشامي في تاريخه : إنّ سيف الدولة فعل بحلب ما فعله معزّ الدولة ببغداد ، فستعرف بعد هذا ما فعله معزّ الدولة.

العمارة الثالثة

عمارة الملك المعظّم والسلطان الأفخم أبي الحسين أحمد بن بويه ثالث ملوك الديالمة البويهيّة ، الملقّب بمعزّ الدولة ، المتوفّى يوم الأثنين سنة السبع والثلاثين والثلاثمائة ، فلمّا وقع الصلح بينه وبين ناصر الدولة الحمداني دخل المعزّ سامرّاء وأنفق أموالا جليلة ، ورتّب للروضة البهيّة القوّام والحجّاب ، وأجرى لهم أرزاقا ، وعمّر القبّة وكان في السرداب حوض يجري فيه الماء فأمر بإملاء الحوض من التراب وجعل ضريحا للعسكريّين عليهما‌السلام من الخشب فأخذت سامرّاء في دولة بني بويه رونقا كما أشار إلى ذلك العلّامة السماوي دام وجوده بقوله :

ثمّ أتى معزّها فشادا

وأسّس الدعائم الشدادا

وعمّر القبّة والسردابا

ورتّب القوّام والحجابا

ورفع الضريح بالأخشاب

وملأ الحوض من التراب

إذ صار كالقليب ممّا تركه

من يأخذ التراب منه بركه

وذاك أنّ العسكري كانا

يجري وضوءه به أحيانا

وجدّد الصحن لهم وسوره

وطرّز البنا به وطوره

مواصلا عمارة الحمداني

بعد المصالحات والتداني

وبعد ما قد ملك المطيعا

فأرّخوا (أسدى البنا الوسيعا) (١)

__________________

(١) مطابقة لسنة ٣٣٧.

٣٢١

نبذة من أخبار أحمد بن بويه

كان معزّ الدولة أصغر الإخوة الثلاثة : عليّ بن بويه ، وحسن بن بويه. ويقال له الأقطع لأنّه كان مقطوع اليد اليسرى وبعض أصابع اليمنى ، والسبب في ذلك أنّه كان بدء أمره وحداثة سنّه تبعا لأخويه عماد الدولة وركن الدولة فاتفق أنّه في طريق مستوعرة صادف طائفة من الأكراد ـ في قصّة طويلة ـ فوقعت بمعزّ الدولة ضربات كثيرة وطاحت يده اليسرى وبعض أصابع يده اليمنى ، وأثخن بالضرب في رأسه وساير جسده ، وسقط بين القتلى ثمّ سلم بعد ذلك ، وكان وصوله بغداد من طريق الأهواز فدخلها متملّكا يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة في خلافة المستكفي وملكها بلا كلفة.

وفي أيّام معزّ الدولة قويت دولة آل بويه وضربت ألقابهم وكناهم على الدنانير ، وهو أوّل من أحدث أمر السماة وجعل لهم العطاى الجزيلة ، وكان متعصّبا في التشيّع كما ذكره ابن خلّكان في الوفيات.

قال الجزري في الكامل في حوادث سنة ٣٥١ وفي هذه السنة في ربيع الآخر كتب عامّة الشيعة ببغداد بأمر معزّ الدولة أحمد بن بويه على المساجد ما هذه صورته : «لعن الله معاوية بن أبي سفيان ، ولعن من غصب حقّ فاطمة عليها‌السلام فدكا ، ومن منع من أن يدفن الحسن عند قبر جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن نفى أباذر الغفاري ، ومن أخرج العبّاس من الشورى» فلمّا كان الليل حكّه بعض الناس فأراد معزّ الدولة إعادته فأشار عليه الوزير أبو محمّد المهلّبي بأن يكتب مكان ما محاه «لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولا يذكر أحدا في اللعن إلّا معاوية ففعل ذلك. وكان معزّ الدولة حليما كريما عاقلا عهد إلى ابنه عزّ الدولة بختيار ، وأظهر التوبة ووصّى ابنه بطاعة عمّه ركن الدولة وابن عمّه عضد الدولة لأنّه أكبر منه سنّا ، وأقوم بالسياسة.

٣٢٢

وقال أبو الفداء في تاريخه في حوادث سنة ٣٥٢ أنّ معزّ الدولة أمر في عاشر المحرّم أهل بغداد أن يغلقوا دكاكينهم وأن يظهروا النياحة على الحسين بن عليّ عليه‌السلام ففعل الناس ذلك ولم يقدر السنّة على منع ذلك لكثرة الشيعة والسلطان معهم ، وأمر أيضا في ثامن عشر ذي الحجّة بإظهار الزينة في البلد والفرح كما يفعل في الأعياد فرحا بعيد غدير خم وضربت الدباب والبوقات.

وقال السيّد الشهيد القاضي في مجالسه : إنّ معزّ الدولة سخّر كرمان وخوزستان في ملك أخيه ركن الدولة ولقّب أمير الأمراء فدخل بغداد وعزل المكتفي بالله عن الخلافة وخلعه ونصب مكانه المطيع بالله ، فلمّا استقرّ ملكه جعل يروّج مذهب الإماميّة وكتب على أبواب المساجد ما ذكرناه ، وكان المطيع مطيعا له ولم يكن له من الخلافة إلّا الاسم فبقي في بغداد إحدى وعشرين سنة ملقّبا بأمير الأمراء بل خليفة الخلفاء وأخذ في عمارة بغداد وسعى في عمارة ما غلب عليه الخراب.

وقال المحدّث القمّي في الكنى والألقاب في ترجمة عضد الدولة : إنّ معزّ الدولة كان حليما كريما عاقلا ، وكان متصلّبا في التشيّع ، روّج مذهب الشيعة في العراق حتّى أنّه ألزم أهل بغداد بالنوح والبكاء وإقامة المأتم على الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء في السكك والأسواق ، وبالتهنية والسرور يوم الغدير وإظهار الزينة والفرح وضرب الدبّات والبوقات وكان يوما مشهودا.

وعن تاريخ ابن كثير إنّه قال : في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة أمر معزّ الدولة أحمد ابن بويه في بغداد في العشر الأوّل من المحرّم بإغلاق جميع أسواق بغداد وأن يلبس الناس السواد ويقيموا مراسم العزاء ، وحيث لم تكن هذه العادة مرسومة في البلاد لهذا رآه علماء أهل السنّة بدعة كبيرة ، وحيث لم يكن لهم يد على معزّ الدولة ولم يقدروا إلّا على التسليم ، وبعد هذا في كلّ سنة إلى انقراض دولة الديالمة الشيعية

٣٢٣

في العشرة الأولى يقيمون مراسم العزاء في كلّ البلاد وكان هذا في بغداد إلى أوائل سلطنة السلطان طغرل السلجوقي.

وجاء في كتاب شذور العقود للمقريزي أنّ معزّ الدولة المذكور كان في أوّل أمره يحمل الحطب على رأسه ثمّ ملك هو وإخوته البلاد وآل أمرهم إلى ما آل ، وكانت مدّة ملكه في العراق إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا ، وتوفّي في يوم الاثنين سابع عشر ربيع الآخر سنة ٣٥٦ ببغداد ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد ، بني له في مقابر قريش ، ومولده في سنة ٣٠٣ ، ولمّا حضره الموت أعتق مماليكه وتصدّق بأكثر ماله ، وردّ كثيرا من المظالم.

قال أبو الحسين أحمد العلوي : بينما أنا في داري على دجلة بمشرعة القصب في ليلة ذات غيم ورعد وبرق ، سمعت صوتا من هاتف يقول :

لمّا بلغت أبا الحسين

مراد نفسك في الطلب

وأمتت من حدث الليالي

واحتجبت عن النوب

مدّت إليك يد الردى

وأخذت من بين الذهب

قال : فإذا بمعزّ الدولة قد توفّي في تلك الليلة ، رحمة الله تعالى عليه.

العمارة الرابعة

للأمير الأعظم والملك المعظّم عضد الدولة من آل بويه ، دخل سامرّاء وكان له وقعة مع بختيار بن معزّ الدولة ابن أخيه عند قصر الجصّ قرب سامرّاء ، فقتل بختيار ـ كما تقدّم في قصر الجصّ ـ فلمّا دخلها أمر بعمارة الروضة البهيّة بالأخشاب السمينة من الساج ، ووسّع الصحن الشريف ، وابتنى سورا مشيّدا للبلدة ، وكان ذلك في سنة ٣٦٨. قال العلّامة السماوي في وشايح السرّاء (١) :

__________________

(١) وشايح السرّاء : ٢٩.

٣٢٤

ثمّ أتاها ابن أخيه العضد

وجاد للبناء فيما يجد

فسيّج الروض بخير ساج

وستّر الضريح بالديباج

وعمّر الأروقة المعظّمه

ووسّع الصحن لها ونظّمه

وشيّد السور من الحذار

على الذين جاوروا للدار

وذاك في الثمان والستّينا

بعد ثلاث مائة سنينا

فازدهر التشييد والبنيان

بها فأرّخه (بدا عمران) (١)

نبذة من مآثر آل بويه

قد أخبر الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما أوتيه من العلم المستقى من العلم النبوي بملوكيّة آل بويه الواسعة النطاق ، وتولّيهم زمام السلطنة ومدّة ملكهم ، فكان ذلك من إحدى ملاحمه عليه‌السلام التي اشتهرت عنه ، فقد روى المحدّث القمّي في الكنى والألقاب عند ترجمة عضد الدولة قال : وفي كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام الإشارة إليهم كقوله : ويخرج من الديلمان بنو الصيّاد ، ويستقوي أمرهم حتّى يملكوا الزوراء ، ويخلعوا الخلفاء. فقال له قائل : فكم مدّتهم يا أمير المؤمنين؟ فقال : مائة أو تزيد قليلا. وكانت مدّة ملكهم مائة وسبعا وعشرين سنة (سنة ٣٢٥ إلى سنة ٤٤٧) وعددهم ثمانية عشر ملكا ، وينتهي نسبهم إلى بهرام جور الحكيم ابن يزدجر آخر ملوك الساسانيّة.

قال الجواهري في آثار الشيعة نقلا عن كتاب «نسمة السحر فيمن تشيّع وشعر» أنّ ديلم اسم لقسم من البلاد الواقعة على ساحل بحر الخزر يفصل بينهما وبين العراق العجمي جبل ألبرز المعروف ، وسكنة تلك البلاد تعرف باسم الديالمة ،

__________________

(١) مطابقة لسنة ٣٦٨.

٣٢٥

ويراد بالديالمة آل زيار أوّلهم مرداويج بن زيار ملك سنة ٣١٦ وآخرهم كيلان شاه بن كيكاوس مات سنة ٤٣٤. ويراد بالديالمة الوارد ذكرهم آل بويه ، وكانوا باقين بعد انقراض الساسانيّة يدينون بدين زردشت وقاموا جيوش الإسلام غير مرّة إلى أن دخلوا في الإسلام. وكان بويه المذكور يكنّى أبا شجاع ويتكسّب باصطياد السمك في بحيرات الديلم ، وكان معزّ الدولة أحمد بن بويه بعد تملّكه البلاد يعترف بنعمة الله تعالى ويقول : كنت أحتطب الحطب على رأسي. وقيل : إنّ منجّما أخبر بويه وهو في أنكر حال وأضيقه بما يتمّ الأمر لولده فسخر به. وقيل : إنّ بويه رأى في المنام أنّ نارا خرجت من عورته وانتشرت في البلاد والناس يخضعون لها ، فلمّا ذكرها عند المعبّر قال : ابشر بأنّ الملك والسلطنة تكون لولدك ، فسخر به وأمر بإخراج المعبّر ، ولمّا استولى ما كان بن ماكي على طبرستان انتظم بويه وأبناؤه في قوّاده ثمّ توفّي بويه وكان من أمر أبنائه ما كان.

قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان : بويه بن فناخسرو بفتح الفاء وتشديد النون وبعد الألف خاء موحّدة معجمة مضمومة ثمّ سين مهملة ساكنة ثمّ راء مضمومة وبعدها واو بن تمام بن كوهي بن شيردل الأصغر بن شيركوه بن شيردل الأكبر بن شيرانشاه بن شيرفنة بن شستان شاه بن سمن فروين بن شيروزيل بن سناز بن بهرام جور الملك بن يزدجرد بن هرمز ، وبقيّة النسب معروفة في سلاطين الساسانيّة وأوّل ملك من آل بويه أبو الحسن علي.

عماد الدولة علي بن بويه

امتدّ رواق سلطانه على بلاد فارس وكرمان وخوزستان والعراق العجمي.

قال ابن الأثير : كان عماد الدولة كريما حليما عاقلا حسن السياسة للملك والرعيّة ، سمحا شجاعا.

٣٢٦

وقال ابن مسكويه في تجارب الأمم : والسبب في ارتفاع عماد الدولة علي بن بويه وبلغ ما بلغ سماحة كثيرة في طبعه ، وسعة في صدره ، واقترن بهذا الخلق الشريف خلق آخر منه وهو شجاعة تامّة كانت له ، واتصل بجميع ذلك اتفاقات محمودة ومولد سعد.

وقال الطقطقي في الفخري : كتب عماد الدولة للخليفة الراضي بالله العبّاسي يسأله أن يقاطعه على أعمال فارس في كلّ سنة بعد النفقات والإطلاقات على ثمانية آلاف ألف درهم على أن يبعث الخليفة إليه بخلعة السلطنة والمنشور ، وبعث الراضي بذلك على يد الرسول إليه وأوصاه أن لا يسلّم الخلعة والمنشور حتّى يقبض منه المال ، فلمّا وصل إليه الرسول غالطه وأخذ منه الخلعة فلبسها وقرأ المنشور على رؤوس الأشهاد واستبدّ بالأمر.

وجاء في تاريخ سرجان ملكم أنّ عماد الدولة توجّه بأخويه أحمد وحسن إلى حوالي بغداد فانهزم الخليفة منهم فأمنه عليّ بن بويه وأرجعه وقرّر الخليفة مع على أن يحمل إلى خزانته كلّ سنة مائة ألف دينار وتكون له فارس والعراق ، ورتبة أمير الأمراء ، ولقب عماد الدولة ، ويكون أحمد وزير الخليفة ، ويلقّب بمعزّ الدولة ، ويلقّب حسن بركن الدولة فقبل ذلك منه.

وقال المؤرّخون أنّ عماد الدولة كان من قوّاد ما كان بن ماكي إلى أن قتل مرداويج أسفار بن شيرويه وملك نواحي الري والجبل وقوّى عماد الدولة بالمال والرجال فقصد ما كان وملك آمل وطبرستان فشعر عماد الدولة وأخوه ركن الدولة بانحلال أمر ما كان فنحازا إلى مرداويج بعد أن استأذنّاه واقتدى بهما في ذلك جماعة من قوّاد ما كان فقبلهما مرداويج وأكرمهما وقلّد كلّ واحد من قوّاد ما كان ناحية من نواحي الجبل. أمّا عماد الدولة علي بن بويه فإنّه قلّده الكرج ثمّ صرف الباقي بأجمعهم قبل وصولهم إلى أعمالهم وأبقى عماد الدولة على عمله وكان لمّا وصل

٣٢٧

إلى الكرج ابتدأ بالإحسان إلى الرجال وملاطفته عامل البلد ، واتفق أنّه افتتح قلاعا كانت في أيدي ألخرّميّة في تلك الأطراف ووقع بينهم خلاف فانحاز بعضهم إليه فأنفق عماد الدولة ذخائر جليلة لاستمالة الرجال واستعطاف قلوب القوّاد الذين أساء عليهم مرداويج وجعل يتفضّل عليهم واتصل ذلك بمرداويج فأوحشه فكاتبه بالمصير إليه وكاتب القوّاد بمثل ذلك فدافعه وتعلّل عليه فأطلق مرداويج لجماعة من قوّاده مالا على كرج فلمّا وصلوا لقبض المال أحسن إليهم علي بن بويه واستمالهم فمالوا إليه حتّى اوجبوا طاعته ، وبلغ ذلك مرداويج فاستوحش من عماد الدولة فسار عماد الدولة إلى أصبهان وبها عسكر بن ياقوت وهم عشرة آلاف وكان مع عماد الدولة تسعمائة رجل ، فهزم عسكر بن ياقوت مع قلّة عدده فعظم في عيون الناس وقويت هيبته.

وبقي مرداويج يراسل عماد الدولة ويستدعيه وبالملاطفة وهو يعتذر ولا يحضر إليه ، فأقام عماد الدولة بأصبهان شهرين وجبى أموالها فسار إلى أرّجان وكان قد هرب إليها ابن ياقوت أبو بكر فانهزم منه بغير قتال فاستولى عماد الدولة على أرّجان في ذي الحجّة سنة ٣٢٠.

ثمّ سار علي بن بويه إلى نوبندجان واستولى عليها في ربيع الآخر سنة ٢٢١. وصادفت لتشييد دولته أسباب غريبة منها ما ذكره في وفيات الأعيان أنّ عماد الدولة لمّا فتح شيراز في أوّل ملكه اجتمع أصحابه وطالبوه بالأموال ولم يكن معه ما يرضيهم به وأشرف أمره إلى الانحلال فاغتمّ لذلك ، فبينما هو متفكّر وقد استلقى على ظهره في مجلس قد خلا لنفسه للفكرة والتدبير إذ رأى حيّة قد خرجت من موضع من سقف ذلك المجلس ودخلت موضعا آخر منه ، فخاف أن تسقط عليه ، فدعا الفرّاشين وأمرهم بإحضار سلّم وإخراج الحيّة فلمّا صعدوا وبحثوا عن الحيّة وجدوا السقف يفضي إلى غرفة بين سقفين فعرّفوه ذلك ، فأمرهم بفتحها ، ففتحت

٣٢٨

فوجدوا فيها عدّة صناديق من المال والمصاغات قدّر خمسمائة ألف دينار ، فحمل المال بين يديه فسرّ به وأنفقه في رجاله وثبت أمره بعد أن كان قد أشفى على الانخرام.

ثمّ إنّه قطع ثيابا وسأل عن خيّاط حاذق فوصف له خيّاط كان لصاحب البلد قبله فأمر بإحضاره وكان أطروشا فوقع له أنّه قد سعى به إليه في وديعة كانت عنده لصاحب البلد وإنّه طلبه لهذا السبب ، فلمّا خاطبه حلف أن ليس عنده إلّا اثنى عشر صندوقا لا يدري ما فيها ، فتعجّب عماد الدولة من جوابه ووجّه معه من حملها فوجد فيها أموالا وثيابا جمّة عظيمة فكانت هذه الأسباب من أقوى دلايل سعادته ثمّ تمكّنت حاله واستقرّت قواعده. وكانت وفاته يوم الأحد لأربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة بشيراز في دار المملكة وأقام في الملك ستّ عشرة سنة وعاش سبعا وخمسين سنة ولم يعقّب رحمه‌الله.

ركن الدولة أبو علي حسن بن بويه

وكان ركن الدولة أوسط الإخوة الثلاثة ، وكان حاكم العراق العربي أيّام حياة أخيه عماد الدولة ، فلمّا بلغه موت أخيه جاء إلى شيراز وابتدأ بزيارة قبر أخيه في اصطخر فمشى حافيا حاسرا ومعه العساكر ، ولزم القبّة ثلاثة أيّام ثمّ سأله القوّاد أن يرجع ، فرجع وبقي في فارس زمانا ثمّ سار إلى الري ومنها إلى أصبهان في سنة خمس وستّين وأربعمائة وأحضر ولده عضد الدولة من فارس وجمع عنده سائر أولاده بأصبهان وعهد إلى ولده عضد الدولة بالملك بعده.

قال ابن الأثير : كان حليما كريما واسع الكرم ، كثير البذل ، حسن السياسة لرعاياه وجنده ، رؤوفا بهم ، عادلا في الحكم بينهم ، وكان بعيد الهمّة ، عظيم الجدّ والسعادة ، متحرّجا من الظلم ، مانعا لأصحابه منه ، ويرى حقن الدماء واجبا إلّا

٣٢٩

فيما لا بدّ منه ، وكان يحامي على أهل البيوتات ويجري عليهم الأرزاق ويصونهم عن التبذّل ، وكان يقصد المساجد الجامعة في شهر الصيام ويجلس لردّ المظالم ، ويتعهّد العلويّين بالأموال الكثيرة ، ويتصدّق على ذوي الحاجات بما يغنيهم ، ويلين جانبه للخاصّ والعام.

قال أبو الفداء في تاريخه في حوادث سنة ٣٦٦ : أصيب به الدين والدنيا لاستكمال خصال الخير فيه ، وعقد لولده فخر الدولة على همذان وأعمال الجبل ، ولولده مؤيّد الدولة على أصبهان وأعمالها وجعلها تحت حكم أخيهما عضد الدولة في هذه البلاد.

قال ابن خلّكان : هو صاحب أصبهان والري وهمذان وجميع عراق العجم ، وهو والد عضد الدولة ومؤيّد الدولة وفخر الدولة ، وكان ملكا جليلا عظيم المقدار ، عالي الهمّة ، رزق السعادة في أولاده الثلاثة وقسّم عليهم الممالك فقاموا بها أحسن قيام.

قال القرماني : إنّ الحسن بن بويه سار سيرة حسنة.

وجاء في كتاب مجالس المؤمنين للقاضي الشهيد أنّ ركن الدولة أرسل إلى أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمّي رحمه‌الله واستدعى قدومه فلمّا قدم إليه سأل منه مسائل تتعلّق بالمذهب الجعفري فوجده مليّا بحرا موّاجا فعظم في عينه فأكرمه وأعطاه جوائز سنيّة وأقطعه أقطاعا (١). ثمّ توفّي ركن الدولة ليلة السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرّم سنة ستّ وستّين وثلاثمائة بالري ، ودفن في مشهده وقد تجاوز عمره سبعين سنة.

__________________

(١) أنظر تفصيل المسألة مع أجوبتها في روضات الجنّات في ترجمة محمّد بن علي بن بابويه المذكور.

٣٣٠

معزّ الدولة أبو الحسن أحمد بن بويه

تقدّم في العمارة الثالثة.

عضد الدولة أبو شجاع فنا خسرو

ابن ركن الدولة حسن بن بويه ، وكان من ألقابه تاج الملّة ، والملك الكبير ، وهو أوّل من تسمّى بالملك في الإسلام ، أبعد ملوك آل بويه صيتا وأفخرهم مجدا ، وأكملهم علما وأدبا ، وكان قد ملك ما ملكه أهله وأضاف إليه الموصل والجزيرة ودمشق ، وخطب له بحلب وبغداد وملك فارس وكرمان وأصبهان والبصرة والأهواز والبحرين ، وقام به سوق العلم والأدب.

قال السيوطي في طبقات النحاة : إنّ عضد الدولة هو أحد العلماء بالعربيّة والأدب ، وكان فاضلا نحويّا شيعيّا ، له مشاركة في عدّة فنون ، وله في العربيّة أبحاث حسنة وأقوال ، ونقل عنه ابن هشام الخضراوي في الإفصاح أشياء.

وقال أبو شجاع محمّد بن الحسين الملقّب بظهير الدين في كتاب تجارب الأمم لأبي علي أحمد بن محمّد المعروف ب «ابن مسكويه» الشيعي الإمامي : كان عضد الدولة ملكا كامل العقل ، شامل الفضل ، حسن السياسة ، كثير الإصابة ، قليل السقطة ، شديد الهيبة ، بعيد الهمّة ، ثاقب الرأي ، صائب التدبير ، محبّا للفضائل ، مجتنبا للرذائل ، باذلا في مواطن العطاء ، كأن لا سخاء بعده ، مانعا في أماكن الحزم ، حتّى كأن لا جود عنده ، يستصغر الكبير من الأمر ، ويستهون العظيم من الخطب ، إلى آخر ما أطنب في مناقبه.

وجاء في مجالس القاضي الشهيد أنّ المفيد قدس‌سره لمّا ناظر القاضي عبد الجبّار المعتزلي في مبحث الإمامة وألزمه وأفحمه أعطاه عضد الدولة فرسا من جياد

٣٣١

خيوله ، وكان في عنق الفرس قلادة من الذهب مع خلعة سنيّة ، وأقطعه قرى من نواحي بغداد ، وكان يعظّم الشيخ المفيد غاية التعظيم ، فلمّا توفّي المفيد رحمه‌الله مشى خلف جناته حافيا حاسرا.

وجاء في آثار الشيعة للجواهري أنّ عضد الدولة رحمه‌الله أخذ الفقه على مذهب الإماميّة وكان يزوره في موكبه العظيم ، ولمّا توفّي المفيد رحمه‌الله مشى بخاصّته خلف تابوته حافيا ؛ إجلالا له.

وجاء في وفيات الأعيان لابن خلّكان في حرف الفاء أنّ عماد الدولة لمّا مرض بفارس أتاه أخوه ركن الدولة واتفقا على تسليم فارس إلى عضد الدولة. قال : وآل بويه كلّهم مع عظم شأنهم وجلالة قدرهم لم يبلغ أحد منهم ما بلغه عضد الدولة من سعة المملكة والاستيلاء على الملوك وممالكهم فإنّه جمع بين مملكة المذكورين كلّهم وضمّ إلى ذلك الموصل وبلاد الجزيرة وغير ذلك ، ودانت له العباد والبلاد ، ودخل في طاعته كلّ صعب القياد ، وهو أوّل من خوطب بالملك في الإسلام ، وأوّل من خطب له على المنابر ببغداد بعد الخليفة ، وكان من جملة ألقابه تاج الملّة.

ولمّا صنّف أبو إسحاق الصابي كتاب التاجي في أخبار بني بويه أضافه إلى هذا اللقب وكان عضد الدولة فاضلا محبّا للفضلاء مشاركا في عدّة فنون ، وصنّف له الشيخ أبو علي الفارسي كتاب الإيضاح والتكملة في النحو ، وقصده فحول الشعراء في عصره ومدحوه بأحسن المدائح ، فمنهم أبو الطيب المتنبّي ورد عليه وهو بشيراز في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وفيه يقول من جملة قصيدته المشهورة الهائيّة :

وقد رأيت الملوك قاطبة

وسرت حتّى رأيت مولاها

ومن مناياهم براحته

يأمرها فيهم وينهاها

أبا شجاع بفارس عضد الدو

لة فنا خسرو شهنشاها

٣٣٢

أساميا لم تزده معرفة

وإنّما لذّة ذكرناها

ومن نونيّة له :

فقلت إذا رأيت أبا شجاع

سلوت عن العباد وذا المكان

فإنّ الناس والدنيا طريق

إلى من ما له في الناس ثان

ومن كافية له :

أروح وقد ختمت على فؤادي

بحبّك أن يحلّ به سواكا

وقد حمّلتني شكرا طويلا

ثقيلا لا أطيق به حراكا

أحاذر أن يشقّ على المطايا

فلا تمشي بنا إلّا سواكا

لعلّ الله يجعله رحيلا

يعين على الإقامة في ذراكا

فلو أنّي استطعت خفضت طرفي

فلم أبصر به حتّى أراكا

وكيف الصبر عنك وقد كفاني

نداك المستفيض وما كفاكا

ومدحه بعد ذلك بعدّة قصايد. وقصده أيضا محمّد بن عبد الله السلامي ، وكان عين شعراء العراق ، وأنشده قصيدته البديعة التي منها :

إليك طوى عرض البسيطة جاعل

قصارى المطايا أن يلوح لها القصر

فكنت وعزمي في الظلام وصارمي

ثلاثة أشياء كما اجتمع النسر

وبشّرت آمالي بملك هو الورى

ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر

وجاء في آثار الشيعة للجواهري : كان عضد الدولة يقول : إذا قرأت شعر السلامي ظننت أنّ عطارد قد نزل من الفلك ، ومدحه مشاهير الشعراء ، منهم ابن الحجّاج والسلامي والمتنبّي. والشيخ أبو علي الفارسي ساير عضد الدولة في ميدان شيراز فقال له : إذا قلنا جاء القوم إلّا زيدا فما الناصب لزيد؟ قال أبو علي : المقدّر ومعناه استثنى زيدا. قال عضد الدولة : فهلّا رفعت زيدا وقدّرت العامل امتنع زيد؟ فأفحم أبو علي. فقال عضد الدولة : هذه مثله ميدانيّته. ورجع أبو علي إلى

٣٣٣

داره وألّف رساله أوضح فيها الحجّة على نصب المستثني وأرسلها إليه.

وكان من بدء أمره أنّ عمّه عماد الدولة علي بن بويه طلب من أخيه ركن الدولة حسن بن بويه أن ينفذ إليه عضد الدولة ، فلمّا ورد عضد الدولة شيراز جلّله عماد الدولة كثيرا وألقى إليه مقاليد الأمور ، ولمّا توفّي عماد الدولة وانتقل الملك إلى أخيه ركن الدولة وعمّه معزّ الدولة أحمد بن بويه اتفقا على إبقائه في فارس. وفي سنة ستّين وثلاثمائة أحضره والده ركن الدولة في أصبهان ، وعهد بالملك إليه ، فلمّا توفّي أبوه وعمّه بلغ النهاية في السياسة ، وملك عمّان ومن بها من الشراة في سنة ٣٦٣ ، واستولى على العراق ، وأوقع بأهل الشقاق وبدّدهم ، ودخل عضد الدولة بغداد وخطب له بها ، ولم يكن قبل ذلك يخطب لأحد ببغداد ، وضرب على بابه ثلاث نوب ولم تجرّ بذلك عادة من تقدّمه ، واستولى على ملك بني حمدان. وفي سنة ٣٦٩ عمّر بغداد ومشهد أمير المؤمنين ومشهد أبي عبد الله الحسين عليهما‌السلام وأصلح الطريق من العراق إلى مكّة وأجرى الجرايات على الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين والمفسّرين والشعراء والنسّابين والأطبّاء والحسّاب والمهندسين ، وفي سنة ٣٧٠ استولى على قلاع أبي عبد الله البريدي بنواحي الجبل وعلى جرجان وطبرستان وما يتصل بهما ، والبيمارستان العضدي ببغداد منسوب إليه ، وهو في الجانب الغربي ، وغرم مالا عظيما ، وليس في الدنيا مثل ترتيبه ، وفرغ من بنائه سنة ٣٦٨ وأعدّ له من الآلات ما يقصر الشرح عن وصفه ، وهو الذي أظهر قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فالمراد منه يعني عمّر النجف حتّى صار قابلا للسكنا ، وإلّا أوّل من أظهر قبره عليه‌السلام هارون الرشيد وبنى عليه المشهد الذي هناك ، وغرم عليه شيئا كثيرا وأوصى بدفنه فيه.

وقال أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر بعد أن وصف بالأدب وذكر له أبياتا من الشعر ، واخترت من قصيدته ما يلي :

٣٣٤

ليس شرب الكأس إلّا في المطر

وغناء من جوار في السحر

غانيات سالبات للنهى

ناعمات في تضاعيف الوتر

مبرزات الكأس من مطلعها

ساقيات الراح من فاق البشر

عضد الدولة وابن ركنها

ملك الأملاك قلّاب القدر

ومن شعره ما جاء في مناقب ابن شهر آشوب رحمه‌الله :

سقى الله قبرا بالغريّ وحوله

قبور بمثوى الطهر مشتملات

ورمسا بطوس لابنه وسميّه

سقته سحاب العزّ صفو فرات

وفي أرض بغداد قبور زكيّة

وفي سرّ من رأى معدن البركات

وأمّ القرى فيها قبور منيرة

عليها من الرحمان خير صلاة

وذكر المحدّث القمّي في الكنى والألقاب وقال : حكي أنّه كتب إلى عضد الدولة أبو منصور افتكين التركي متولّي دمشق كتابا مضمونه أنّ الشام صار في يدي وزال عنه حكم صاحب مصر ، وإن قوّيتني بالأموال والمدد حاربت القوم في مستقرّهم. فكتب عضد الدولة جوابه : «غرّك عزّك فصار قصار ذلك ذلك فاخش فاحش فعلك فعلك بهذي تهدي» ولقد أبدع فيها كلّ الإبداع.

وحكي أنّ المير السيّد الشريف عدّه من مروّجي مذهب الإماميّة في المائة الرابعة.

وجاء في كتاب الفرج بعد الشدّة لأبي علي الحسن التنوخي أنّ عضد الدولة حدّث عن أمّه قال : إنّها فقدت ولدا كنّته أبا دلف ، وجزعت عليه كثيرا ، وكانت تدعو الله أن لا يقطع عقبها من ركن الدولة وتسأله أن يرزقها ولدا ، فرأت في منامها ليلة عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام فأخبرها أنّها تلد ولدا ذكرا سويّا شهير الذكر عظيم السلطان متيقّظا في سياسته ، يملك بلاد فارس وكرمان والبحرين والعراق وعمّان والحيرة إلى حلب ، ويملك بعده ولده ويسوس الناس كافّة ، ويقودهم إلى

٣٣٥

طاعته بالرغبة والرهبة. فلمّا تذكّرت هذا المنام وتذكّرت أمري وجدته حرفا بحرف ، ومضت السنون وانتقلت إلى فارس لمّا استدعاني عماد الدولة واستخلفني عليها واعتللت علّة يئست من الحياة فيها ، وكان أبو الحسين المنجّم يخدمني ، فأخبرني يوما أنّه رأى عليّا عليه‌السلام وشكا إليه رغبته وسأله الدعاء لي بالعافية ، فقال له عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : قل له : أنسيت ما أخبرتك أمّك من المنام؟ قال : فحين سمعت الحديث حدثت لي في الحال قوّة في النفس لم تكن من قبل ثمّ حصل لي البراء بأيّام.

وجاء في روضة الصفا لمحمّد خداوند شاه شافعي أنّ جارية لعضد الدولة تراود جنديّا وتنادمه بالليل ، واتفق للجندي أنّه خرج للعيد فرأى ثعلبا دخل في حجره فتبعه الجندي فرأى سربا وفيه سلّم فنزل من السلّم فرأى حبابا مملوّة من الذهب وأنواع الجواهر ونفايس الأموال ، فأخذ منها شيئا وجعل لها علامة ، وازداد في خدمة الجارية والعمل بما يرضاها ، وأعطاها شيئا من تلك الجواهر ، فتعجّبت الجارية فسألته وامتنع عن الجواب حتّى شرب وسكر فأخبرها بالقصّة ، فقالت : لا تصل يدك إليّ حتّى تريني الكنز ، فقال لها قومي ، فقامت وأخذت درجا من الكاغذ وجعلت تفتّته في الطريق لئلّا يشتبه عليها العود إذا أرادت ، فلمّا علمت بمكانها أخبرت عضد الدولة بذلك وطلبت منه العفو عمّا فعلت ، فلمّا ظفر عضد الدولة بالكنز وهب واحدة من تلك الحباب مع الجارية للجندي ، فعمّر من ذلك البلاد ومشاهد أئمّة العراق.

وبالجملة فمناقبه كثيرة اقتصرنا على هذه النبذة اليسيرة منها ، وكان مولده سنة ٣٢٤ بأصبهان ، وتوفّي في ثامن شوّال سنة ٣٨٢ ، ودفن بدار الملك بها ، ثمّ نقل إلى مشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فدفن بجواره ، وكتب على لوح قبره على ما ذكره ابن كثير في تاريخه «هذا قبر عضد الدولة وتاج الملّة أبو شجاع بن ركن الدولة ، أحبّ

٣٣٦

مجاورة هذا الإمام المعصوم لطمعه في الخلاص يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها ، وصلواته على محمّد وعترته الطاهرين» وأوصى أن يكتب على قبره «وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد» وكان عمره سبعا وأربعين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة أيّام ، وكانت مدّة ملكه أربعا وثلاثين سنة ، وكانت مقبرته عند قدمي أمير المؤمنين عليه‌السلام وأعقب من الأولاد شرف الدولة وصمصام الدولة وبهاء الدولة.

عزّ الدولة (أبو منصور بختيار بن معزّ الدولة)

تقدّم ذكره في قصر الجصّ.

صمصام الدولة (أبو كاليجار مرزبان بن عضد الدولة)

فلمّا توفّي عضد الدولة اجتمع القوّاد والأمراء فبايعوه وولّوه الإمارة ولقّبوه صمصام الدولة ، وكان كريما حليما ، فلمّا مضى من ملكه أربع سنين وستّة أشهر أخذه أخوه شرف الدولة وحبسه ثمّ أطلقه وبقي حاكما على فارس تسعة أشهر وستّة أيّام ثمّ قتله أبو نصر بن بختيار في ذي الحجّة سنة ٣٨٨ وكان عمره خمسا وثلاثين سنة وسبعة أشهر ، ومدّة إمارته بفارس تسع سنين وثمانية أيّام.

شرف الدولة (أبو الفوارس شير زيل)

ابن عضد الدولة ، كان يتولّى كرمان أيّام أبيه ، ولمّا بلغه وفاة أبيه جدّ في السير إلى شيراز فاستولى عليها وقبض شرف الدولة على وزير أبيه نصر بن هارون النصراني وقتله وأصلح أمر البلاد وأطلق جماعة من القوّاد الذين حبسهم عضد الدولة وخطب وتلقّب بتاج الملّة ، وفرّق الأموال وجمع الرجال وملك البصرة وأقطعها أخاه أبا الحسين ، وحارب أخاه صمصام الدولة فانهزم جيشه ثمّ توفّي في

٣٣٧

مستهلّ جمادى الآخرة سنة ٣٧٨ بمرض الاستسقاء ، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ودفن به ، وكانت إمارته بالعراق سنتين وثمانية أشهر ، وكان عمره ٢٨ سنة وخمسة أشهر ؛ قاله أبو الفداء.

بهاء الدولة (أبو نصر خسرو فيروز)

ابن عضد الدولة وقيل اسمه خاشاذ كما في تاريخ أبي الفداء ، تولّى إمارة العراق بعد وفاة أخيه شرف الدولة سنة ٣٧٩ في خلافة الطايع بالله العبّاسي فخلع عليه الطايع وأقرّه على إمارته فخاف بهاء الدولة من أبي علي بن شرف الدولة أن ينازعه الإمارة فكاتب الأتراك سرّا واستمالهم ، وكتب إلى أبي علي يطيّب قلبه ، فحسن الأتراك إليه أن يوافي بهاء الدولة فلمّا أتى إليه أكرمه ثمّ قبض عليه وقتله ، وجهز للمسير إلى الأهواز لقصد بلاد فارس وأسقط ما كان يؤخذ من المراعي من سائر السواد ، وفي سنة ثمانين وثلاثمائة سار من بغداد إلى خوزستان عازما على فارس فأتاه هناك نعي أخيه أبي طاهر فجلس للعزاء ثمّ دخل أرّجان واستولى عليها وأخذ ما فيها من الأموال فكان ألف ألف دينار وثمانين ألف درهم ومن الثياب والجواهر ما لا يحصى ، فشغب الجند فأطلق لهم الأموال فسكتوا. وسار إلى نوبندجان (١) وبها عسكر أخيه صمصام الدولة فانهزموا فبثّ سراياه في نواحي فارس ، ثمّ اصطلحا على أن يكون لصمصام الدولة فارس وأرّجان (٢) ولبهاء الدولة خوزستان والعراق ، ولكلّ واحد منهما أقطاع في بلاد الآخر ، فلمّا قتل صمصام الدولة صارت كلّها لبهاء الدولة ، ثمّ مرض بصرع متتابع وتوفّي بأرّجان

__________________

(١) هي مدينة بأرض فارس.

(٢) بفتح أوّله وتشديد ثانيه وجيم وألف ونون مدينة كبيرة من كورة فارس.

٣٣٨

سنة ٤٠٣ وحمل نعشه إلى مشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ودفن عند أبيه عضد الدولة ، وكان عمره ثلاثا وأربعين سنة ، ومدّة ملكه ٢٤ سنة.

سلطان الدولة (أبو شجاع بن بهاء الدولة)

تولّى الملك بعد وفاة والده في سنة ٤٠٣ وولّى أخاه أبا طاهر البصرة ، وأخاه الآخر أبا الفوارس كرمان ، وقبض على وزيره ونائبه بالعراق فخر الملك وقتله واستوزر مكانه الحسن بن سهلان. توفّي سلطان الدولة سنة ٤١٥ وكان عمره اثنين وعشرين عاما ومدّة ملكه ١٢ سنة.

جلال الدولة (أبو طاهر بن بهاء الدولة)

ولّاه أخوه سلطان الدولة البصرة بعد وفاة أبيه سنة ٤٠٣ ، ثمّ ملك بعد سلطان الدولة أخوه مشرّف الدولة ، ومات سنة ٤١٦ فخطب ببغداد لجلال الدولة فلم يصعد إليها بل وصل إلى واسط وعاد إلى البصرة فقطعت خطبته وخطب لابن أخيه أبي كاليجار بن سلطان الدولة ، فلمّا سمع بذلك جلال الدولة صعد إلى بغداد وبعث إلى أبي كاليجار فلم يمكنه لاشتغاله بحرب صاحب كرمان فخطب لجلال الدولة وكان حسن السيرة يزور الصالحين ويتقرّب إليهم وزار مشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ، وكان يمشي حافيا قبل ان يصل إلى كلّ منهما نحو فرسخ.

وكان أديبا فاضلا ، مرّ على أيوان كسرى في المداين فكتب على حائطه بخطّه من شعره :

يا أيّها المغرور بالدنيا اعتبر

بديار كسرى فهي معتبرى الورى

غنيت زمانا بالملوك وأصبحت

من بعد حادثة الزمان كما ترى

وخطب لجلال الدولة بملك الملوك. توفّي سنة ٤٣٥ من ورم في كبده وكان مولده سنة ٣٨٣ ومدّة ملكه ببغداد سبع عشرة سنة إلّا شهرا ، ودفن في داره.

٣٣٩

مشرف الدولة (أبو علي حسن بن بهاء الدولة)

ولد في سنة ٣٩٣ وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أشهر ، وتوفّي سنة ٤١٦ ومدّة ملكه خمس سنين وخمسة وعشرون شهرا ، وكان عادلا حسن السيرة ، وعظم أمره ببغداد في سنة ٤١١ ، وخوطب بأمير الأمراء وملك العراق ، وأزال عنه سلطان الدولة ثمّ اصطلحا على أن يكون العراق كلّه لمشرف الدولة وكرمان لسلطان الدولة ، وكان معاصرا للسيّد المرتضى علم الهدى رحمه‌الله وكان يعظّمه غاية التعظيم.

قوام الدولة (أبو الفوارس بن بهاء الدولة)

توفّي في ذي القعدة سنة تسع عشرة وأربعمائة ، وكان قد طمع في فارس ، وجرت بينه وبين ابن أخيه كاليجار حروب إلى حين وفاته ، ولم يكن له تسلّط تامّ ولا تاريخ.

مؤيّد الدولة (ابن ركن الدولة)

كان في أصبهان حياة أبيه ، وبعد وفاته ورد إلى الري وطلب فخر الدولة بأمر أخيه عضد الدولة ، فاستجار بقابوس فانتزع منه جرجان وجعلها دار سلطنته. توفّي في ثالث شعبان سنة ٣٧١ وكان عمره ثلاثا وأربعين سنة ، ولم يعهد بالملك إلى أحد ، ودفن في جرجان.

فخر الدولة (علي بن ركن الدولة حسن بن بويه)

تولّى اصبهان بوصيّة أبيه ركن الدولة.

وجاء في آثار الشيعة للجواهري : إنّه لمّا انتزع اصبهان من فخر الدولة ، أقام بنيسابور حتّى مات مؤيّد الدولة ، فلمّا توفّي تشاور أكابر دولته فيمن يقوم مقامه

٣٤٠