مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-035-8
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٠٨

نبذة من أخبار السلاطين الصفويّة

ألّف الباحثون مؤلّفات ممتعة في سيرهم وأخبارهم وآثارهم الخالدة ، منها «تاريخ عالم آراء عبّاسي» كتاب كبير فارسي مطبوع ، وكذا «صفوة الصفا» و «حبيب السير» وغيرها. كانت مدّة ملكهم مأتين وأربعا وأربعين سنة ، وهم تسعة ملوك ، ينتهي نسبهم إلى صفي الدين قطب الأقطاب برهان الأصفياء الكاملين أبي الفتح إسحاق ابن اسيّد أمين الدين جبرئيل الأردبيلي ، ينتهي نسبه إلى حمزة ابن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام ، توفّي سنة ٩٣٥ في أردبيلى ، وقد أطنب الكلام في محامد صفي الدين القاضي في مجالس المؤمنين ، ودفن عنده جماعة كثيرة من أولاده وأحفاده كالشيخ صدر الدين والشيخ جنيد والسلطان حيدر وابنه الشاه إسماعيل والشاه محمّد خدابنده والشاه عبّاس الأوّل وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.

والسلاطين الصفويّة كلّهم اهتمّوا بنشر أعلام الدين وترويج الفرقة المحقّة ، وبلغ سير العلم حدّا بعيدا في عصرهم ، ولم يزل المجلسيّان وسائر أقطاب العلم في سائر البلدان ولا سيّما أصبهان يروّجون المذهب حتّى صارت أصبهان مركزا علميّا وجامعة دينيّة وراج بها سوق العلم وبنيت فيها المدارس ، حتّى أنّك لا تمرّ بمدرسة من مدارسها ولا محفل من محافلها إلّا وتسمع أصوات المذاكرة بالمسائل العلميّة على أنواعها.

أوّلهم : الشاه إسماعيل الأوّل بن السلطان حيدر بن السلطان شيخ جنيد المقتول ابن السلطان الشيخ إبراهيم ابن الخواجة علي المشهور بسياپوش المتوفّى سنة ٨٣٣ في بيت المقدّس ابن الشيخ صدر الدين موسى ابن الشيخ صفي الدين ، كان مبدأ سلطنتة سنة ٩٠٦ ، ملك أربعا وعشرين سنة ، وتوفّي سنة ٩٣٠.

ثانيهم : ابنه الشاه طهماسب ، قام بأمر السلطنة في سنة ٩٣٠ التاسع عشر من

٣٨١

رجب ، وكان معاصر المحقّق الكركي والشيخ حسين بن عبد الصمد والد شيخنا البهائي ، فطالت سلطنته إلى أن بلغ أربعا وخمسين سنة ، وتوفّي في منتصف صفر سنة ٩٨٤.

ثالثهم : ابنه الشاه إسماعيل الثاني لم تطل مدّته ، توفّي سنة خمس وثمانين وتسعمائة.

رابعهم : أخوه السلطان محمّد المكفوف ، قام بأمر السلطنة إلى سنة ٩٩٦.

خامسهم : ابنه الشاه عبّاس الأوّل ، فقد فوّض الأمر إليه أبوه السلطان محمّد المكفوف فقام به نيّفا وأربعين سنة في كمال الأبهّة والجلالة ، وله آثار كثيرة من الخيرات والمبرّات ، وعمارة البقاع المقدّسة ، وإنشاء المساجد والجسور والقناطر والخانات ، وهو الذي تشرّف بمشهد الرضا عليه‌السلام ماشيا على قدميه من دار السلطنة أصبهان إلى المشهد المقدّس في مدّة ثمانية وعشرين يوما ، وأمر بتذهيب القبّة المطهّرة وغير ذلك ، وممّا هو مذكور في محلّه ، ومسجد الصفويّة في صحن الجوادين عليهما‌السلام إلى اليوم معروف ، والخانات لنزول الزوّار من المشهد المقدّس إلى النجف الأشرف من آثاره الجليلة ، يتجاوز عددها عن تسعين ، توفّي في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين بعد الألف.

سادسهم : ابن ابنه الشاه صفي الأوّل ، وتوفّي في الثاني عشر من صفر سنة ١٠٥٢ ودفن بقم في جوار عمّته فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم‌السلام.

سابعهم : ابنه الشاه عبّاس الثاني ، توفّي سنة ١٠٧٨ ودفن بقم في بقعة كبيرة متّصلة بالحضرة الفاطميّة.

ثامنهم : ابنه شاه صفي الثاني المعروف بالشاه سليمان ، توفّي سنة ١١٠٥ ودفن بقم في بقعة متّصلة ببقعة الشاه عبّاس.

تاسعهم : ابنه الشاه سلطان حسين ، وهو آخر سلاطين الصفويّة ، وكان يدور

٣٨٢

بنفسه على الطلّاب ويجلس عندهم ، ويتفحّص عن أحوالهم ومعايشهم ، واتّصلت سلطنته بفتنة الأفاغنة ، فأخذ الشاه سلطان حسين أسيرا وحبس سنة ١١٣٧ ، ثمّ قتل في محبسه في الثاني والعشرين من المحرّم سنة ١١٤٠ ، فحمل نعشه إلى قم ودفن عند آبائه العالين الذين هم من أعاظم السلاطين في جوار الحضرة الفاطميّة سلام الله عليها.

نبذة من فتنة الأفاغنة

قال السيّد في روضات الجنّات في ترجمة إسماعيل بن محمّد حسين بن محمّد رضا الخاجوئي ما نصّه : فتغيّر ذلك الزمان ، وتزداد عاما فعاما إلى أن فشا الظلم والفسوق والعصيان في أكثر بلاد ايران ، وظهرت الدواهي في جلّ الآفاق والنواحي لا سيّما عراق العرب والعجم ، فلم يزل ساكنوها في شدّة وتعب ومحنة ونصب ، وانطمس العلم واندرست آثار العلماء ، وانعكست أحوال الفضلاء ، وانقضت أيّام الأتقياء حتّى أدرك بعضهم الذلّ والخمول ، وأدرك بعضهم الممات ، فثلم في الإسلام ثلمات ، وضعفت أركان الدولة ووهنت أساطين السلطنة حتّى حوصرت بلدة أصفهان واستولت على أطرافها جنود أفغان ، فمنعوا منها الطعام ، وفشا القحط الشديد بين الأنام ، وغلت الأسعار ، وبلغت قيمته لم يبلغ إليها منذ خلقت الدنيا ومن عليها ، وصارت سكنة أهل البلد إمّا مقيمين فيه جائعين وعن المشي والقيام عاجزين مستلقين على أقفيتهم في فراشهم لا يقدرون على السعي في تحصيل معاشهم ، أو مشرفين على الهلاك في مجلسهم يجودون للموت بأنفسهم حتّى صاروا أمواتا غير مدفونين في قبورهم ، وإن اتفق دفن بعضهم قليلا ما في فورهم. وإمّا هاربين من داخل البلد إلى الخارج ، فأرسل عليهم شواظ من نار مارج من صواعق نصال السهام والرماح من جيوش أعدائهم فاستحيوا مخدّرات

٣٨٣

نسائهم وقتلوا رجالهم وذبحوا أطفالهم ونهبوا أموالهم ، ولم يبق منهم إلّا قليل نجّاهم الأسر والاسترقاق ، فهم أسراء مشدودي الوثاق ، فأكثر سكنة تلك الأقطار إمّا مريض أو مجروح أو مذبوح على التراب مطروح.

ثمّ آل الأمر إلى أن استولوا على تلك الديار فدخلوا في أصل البلدة وتصرّفوا في كلّ دار وعقار ، وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة ، فحبسوا الملك وقتلوا أكثر الأمراء مع بعض السكنة ، وباد بقيّة أهلها ، وخرّبوا سبلها وجبلها ، ولم يبق من أوطانها إلّا مقرّ يتيم ذي مقربة أو مسكن مسكين ذي متربة ، فيا أسفا على الديار وأهلها ، ولا سيّما الخلّان والأصدقاء ، وواحزناه على تخريب المدارس والمعابد ، وفقدان العلماء والفضلاء والصلحاء ، ووامصيبتاه على اندراس كتب الفقهاء وانمحاء آثارهم بين الأذكياء الطالبين للاهتداء.

وقال أيضا في ترجمة محمّد بن تاج الدين حسن بن محمّد الأصفهاني الملقّب بالفاضل الهندي ما نصّه : وفي سنة ١١٣٦ دخل أصبهان أميرهم المردود المسمّى بسلطان محمود مع جميع الأتباع والجنود ، وبعد انتهاء الأمر إلى إلجاء أهل البلدة إلى التسليم والتمكين من أولئك الملاعين ، وفتح أبواب المدينة على وجوه تلك الكفرة بدون مضايقة بمقدار حين وجلس على سرير السلطنة فيها بمحض وروده الغير مسعود ، ثمّ أمر فيها بإهلاك جماعة من عظماء تلك الدولة العليّة ، وكبراء الفرقة الصفويّة ، وبعد حكمه بحبس سلطانهم الشهيد المظلوم الشاه سلطان حسين بن الشاه سليمان المبرور المرحوم وهم كانوا أربعة من إخوانه العظام ، وأربعة وعشرين من أولاده المنتجبين الفخام ، وذلك في أواخر جمادى الأولى من شهور سنة السبع والثلاثين والمائة بعد الألف.

ثمّ أمر بعد ذلك بقتل ستّة أفاخم من أركان الدولة وذوي أسمائهم الذين كانوا من أرباب الصولة وهم صائمون متعبّدون في اليوم السابع والعشرين من شهر

٣٨٤

رمضان في السنة المذكورة ، وكان نفس السلطان الممتحن باقيا بعد ذلك في حبس أولئك إلى زمن جلوس طاغيتهم الثاني وهو الأشرف سلطان الذي كان أوّلا في زيّ الملازمين لركاب محمودهم المردود ، إلى أن ابتلاه الله الملك القهّار بعقوبة ما فعله بأولئك السادة الرفيعة المقدار بعارضة شبه الجنون ، فحبسه بمقتضى مصلحة وقته هذا الملعون ، إلى أن هلك أو هلك بعد ذلك في ظلمات السجون ، ومجلس مجلسه المنحوس من غير مزاحم له في ذلك الجلوس ، وعصر يوم الأحد الثامن من شعبان هذه السنة بعينها.

فلمّا استقرّ لهذا الخبيث الأخبث الملك والمملكة وفرغ من بناء حصاره البارّة المرتفعة المشهور في البلدة بتخريب قريب من خمسمائة حمّام ومدرسة ومسجد معمور في أقلّ من مدّة ستّة من الشهور كما هو المشهور فظهر في دولته العادية العارية شيء من الفتور ، وتوجّه من جهة الروم إلى مقاتلته جند موفور ، فخاف على نفسه الملعونة بعد تكرّر مقابلة مع هؤلاء الجنود ، من بقاء رائحة حياة ذلك السلطان المسعود ، وحركت النفس الخبيثة إلى الأمر بقتله أيضا في المحبس وتركه من غير غسل وكفن ، وسبى أهله وحرمه ، ونهب أمواله وخدمه ، وذلك في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من محرّم الحرام سنة الأربعين والمائة بعد الألف ، إلّا أنّه نقل نعشه الشريف بعد مضي زمان عليه إلى مدينة قم فدفن في جوار آرائه.

وقال أيضا في ترجمة الخاجوئي المشار إليه ما نصّه : إنّ من حضر وقعة أصبهان من مخاذلة الأفغان ومحاصرة هذا العام وهو سنة ١١٣٤ وشاهد ما جرى في ثمانية أشهر من شدّة الغلاء حتّى أنّ منّا من الحنطة وهو ثمانية عشر رطلا بالعراقي بيع بخمسة توامين وهو ألف درهم ، ثمّ نفدت الحنطة والأرز وسائر الحبوبات ، وانتهى الأمر إلى اللحوم فمن الغنم إلى البقر ، ومنه إلى الفرس والبغل ، ثمّ الكلاب والسنّور ، ثمّ لحوم الأموات ، ثمّ قتل بعضهم بعضا ابتغاء لحمه ، وما وقع في طيّ ذلك من الموت

٣٨٥

والقتل ، حتّى أنّه كان يموت في كلّ يوم ألف ألف نفس ، وكانت تباع الضياع والفرش والأثاث ربع العشر ودونه ، ولا يحصل منه شيء أصلا. وبالجملة ؛ فو ربّ البيت ما بولغ من ذلك وما كان جزافا ـ أعاذنا الله من مثله ـ ونجزم قطعا ما وقعت شدّة عظيمة وبليّة مزرية من يوم خلقت السماوات والأرضون ، ولا يقع مثلها إلى الساعة.

العمارة الحادية عشرة

للأمير المسدّد أحمد خان الدنبلي. قال العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي دام وجوده في وشايح السرّاء :

ثمّ أتاها الدنبليّ أحمد

والبرمكيّ نسبة تعتمد

فعمّر الروضة والسردابا

واعتاض من باب عليه بابا

لأنّه كان بجنب المرقد

يخاف من يدخله من معتد

فزاد صحنا ورواقا يحوي

أزهر سرداب وأزهى بهو

وأبدل الأخشاب في المقام

بالحجر الصوان والرخام

وكان في بنائه السلماسي

ينظر في الأعمال والقياس

فاستشهد الخان ولمّا يكمل

بناؤه على تمام العمل

وبقي الرفيع منه ينفق

لأنّه الوكيل عنه المطلق

فنقّح المحلّ والمكانا

ممّا به من القبور كانا

ولم ينه العمل المفاضا

فأرّخوه (نقّح الرياضا) (١)

وكان ابتداء هذا البناء الموجود في حدود الألف والمأتين على ما صرّح به العالم

__________________

(١) مطابقة لسنة ١٢٠٠.

٣٨٦

الشريف مير عبد اللطيف التستري في تحفة العالم المطبوع الفارسي (١) قال : كنت سنتين في بغداد وخرجت يوم الأربعاء عاشر شهر شوّال اثنتين ومأتين بعد الألف إلى الهند وفي تلك الأوقات كان الميرزا محمّد رفيع من قبل أحمد خان الدنبلي مشتغلا بعمارة سرّ من رأى.

وقال أيضا (٢) : أرسل احمد خان الدنبلي الذي هو من حكّام آذربيجان ، الميرزا محمّد رفيع بن الميرزا محمّد شفيع مستوفى الممالك الذي كان من أفاضل عصره وأركان زمانه إلى سرّ من رأى مع مصارف العمارة ، وكان ذلك في أيّام إقامتي بالكاظميّة ، فأمره بعمارة الروضة والسرداب والرواق والأيوان والصحن على ترتيب بناء النجف الأشرف ، فطلب من مهرة الأساتذة المهندسين والبنّائين من ايران وغيرها ، واستجاز من والي العراق فأجازه ، فأمر بحفر الأساس فلمّا حفروا أساس سور الصحن الشريف إذا بتابوتين مشدودين مؤرّخين بتاريخ أربعمائة وأربعين من الهجرة وهما من الخشب لم يبلهما طول الدهر والتراب حتّى الحبل المشدود بهما ، فعرفوا من بعض الأمارات والقرائن أنّهما من خلفاء بني العبّاس ، فأرادوا إخراجهما من ذلك المكان ودفنهما عند قبور الخلفاء فمنعهم القضاة وسائر أبناء العامّة عن ذلك وكثر الكلام والمشاجرة بين الفريقين واستعدّوا للقتال فمنعهم الميرزا محمّد رفيع وكتبوا إلى بغداد.

فأحضر الوالي القضاة والعلماء والحكّام ثمّ سألهم وقال : أخبروني عن روضة العسكريّين هل كانت مقبرة تدفن فيها الأموات أم كانت ملكا لهما؟ فقالوا بأجمعهم : إنّها كانت ملكا لهما ودار سكناهما. فقال الوالي : فإذا يجب إخراج من

__________________

(١) تحفة العالم : ١٤٢.

(٢) نفسه : ٨٨.

٣٨٧

دخل فيها غصبا واليوم سلطان العجم له اقتدار تامّ فإذا أراد إخراج الغاصب من محلّ الإمامين لا ينبغي لنا أن نتعرّض له ، ثمّ أشار إلى من حضر من أبناء الشيعة بأنّ الحقّ معكم فامضوا إلى ما كنتم بصدده ، فاشتغلوا بالعمارة حتّى تمّ البناء على أحسن وجه ، انتهى بمضمونه.

ثمّ إنّ سامرّاء أخذت أهمّيّتها عند ظهور عمارة أحمد خان الدنبلي فنشئت العمارات حول المرقد المقدّس وتوسّعت البلدة وتلاصقت العمارات بتوالي الأيّام والشهور والسنوات.

صفة البناء ومنظر الصحون الثلاثة

الروضة البهيّة واقعة في قبّة البلدة الحاليّة ، وكانت ساحة الصحن الشريف ضيّقة ولم تكن بهذه السعة الموجودة اليوم ، فأمر أحمد خان بهدم بعض جوانب الصحن وتوسيعه وتوسيع ساحة الحرم المطهّر والرواق والبهو حتّى قيل إنّ دار الأخباري الموجود في الغربي الجنوبي للصحن المطهّر كانت في داخل الصحن ، ويشهد بذلك الدرج الموجودة للسرداب المطهّر في تلك الدار ، ولكن عبثت بها الأيدي أخيرا.

وعمارة الصحن الشريف بديعة الشكل فخمة الصنعة ، طولها من الجنوب إلى الشمال لا يقلّ عن مائة وثمانية أمتار ، وعرضها من الشرق إلى الغرب لا يقلّ عن مائة واثنى عشر مترا ، وارتفاعها لا يقلّ عن سبعة أمتار ، وهي متقومة من طبقة واحدة ، وفي الجانب الغربي منها ثماني عشرة صفّة وكذا الشرقيّ منها ، وفي الجانب الجنوبي ستّ عشرة صفّة ، وهذه الرحبة الواسعة مفروشة بالرخام الأبيض ، وجدرانها نحو القامة مكسوّة بالرخام وباقي بالقاشاني ذي الألوان على بديع فنّ ، غير أنّ الأواوين داخلها مطلية بالجصّ الأبيض ، وعلى تمام جبهة الجدار مكتوب

٣٨٨

بعض السور القرآنيّة والأخبار النبويّة في فضائل الأئمّة عليهم‌السلام بأحرف عربيّة جليّة ، وبقلم أبيض على بديع فنّ ونفاسة نقش ، وتجاه باب القبلة حوض يجري فيه الماء من الأنابيب على أحسن تركيب ، وكان قبل سنوات يملئونه من ماء البئر فلمّا جيء بمضخة الماء في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة بعد الألف جرى ماء إليه في الأنابيب من دجلة.

وللصحن الشريف أربعة أبواب : باب القبلة ، والباب الشرقي ، والإثنان منهما من جهة الشمال ، والروضة والرواق والبهو بين هذين البابين في وسط ساحة الصحن الشريف ، وينتهي الخارج من الباب الشرقي الشمالي إلى رحبة واسعة واقعة خلف ضريح العسكريّين عليهما‌السلام لا يقلّ طولها عن خمسة وثلاثين مترا ، وعرضها كذلك ، وارتفاعها كارتفاع الصحن الكبير ، ولها باب ينتهي الخارج منه إلى محلّات سامرّاء ، والخارج من الباب الغربي الشمالي يدخل في رحبة واسعة مسماّة بصحن الحجّة عجّل الله تعالى فرجه ، وفي عصرنا قلعوا الباب وخرّبوا الحائط بين الصحنين ، ولا يقلّ طولها وعرضها عن خمسة وأربعين مترا مربّعة الشكل ، ولها باب ينتهي الخارج منه إلى سوق القصّابين ، وبفنائها الغربي مدرسة علميّة لأبناء العامّة ، ولها بابان ينتهي الخارج منه إلى صحن الحجّة ، والباب الغربي منها ينتهي منه إلى بعض محلّات سامرّاء أنشأها السلطان عبد الحميد العثماني ، واسمه وتاريخ بنائها مكتوب على جبهة الباب الغربي منها ، وهي إلى الآن معمورة فيها جماعة من طلبة العلم من أبناء العامّة.

ثمّ إنّ هاتين الرحبتين من الجصّ والطابوق المحكوك ، وكذا البهو الذي يعرف باسم الأيوان للحجّة عجّل الله تعالى فرجه وهو لا يقلّ عرضه عن عشرة أمثال وطوله عن خمسة وعشرين مترا ، ويدخل الزائر من هذا البهو في رواق طوله خمسة وعشرون مترا ، وعرضه خمسة أمتار ونصف ، وباب السرداب واقع فيه كما

٣٨٩

تقدّم في محلّه ، ويدخل الخارج من الرواق في مسجد واقع على عرش السرداب المطهّر لا يقلّ طوله عن خمسة وعشرين مترا وعرضه عن خمسة أمتار ، وارتفاعه عن ثمانية أمتار ، وهذا المسجد هو اليوم بيد أبناء العامّة من أهل سامرّاء ويقيمون فيه الجمعة والجماعة ، وعليه قبّة عالية ملوّنة بالقاشاني ذي الألوان على ألطف نقش وبديع فنّ ، وهذا البناء من الآثار الباقية للأمير السلطان حسين قلي خان بن أحمد خان الدنبلي الآتي ذكره.

صفة البهو والمأذنتين

للبهو الذي يعرف باسم الأيوان والطارمة مرتفع عن أرض الصحن قدر متر ويبلغ طوله ثلاثة وثلاثين مترا وعرضه عشرة أمتار مفروش بالرخام ، ولا يقلّ ارتفاعه عن عشرة أمتار مفروش بالرخام ، وجدرانه قدر متر ونصف مكسوّة بالرخام ، والباقي بالقاشاني ذي الألوان على بديع فنّ وأحسن تركيب ، وكان مكشوفا مثل بهو النجف الأشرف إلى عصرنا الحاضر ، فقام بتسقيفه الشهم الهمام أحد زعماء الفرات الشيخ عبد الواحد المعروف بالتقى والصلاح والجود والسماح فأنفق أموالا جليلة حتّى سقّفه على أحسن تركيب ، رحمه‌الله رحمة واسعة.

وفي ركنيه مأذنتان مرصّعتان بالقاشاني أيضا ذي الألوان ، ارتفاع كلّ واحد منهما لا يقلّ عن خمسة وعشرين مترا ، مكتوب عليهما «بسم الله الرحمن الرحيم» والكتابة كالنطاق على حدّ وقوف المؤذّن ، وهما مكشوفتا الرأس بخلاف مآذن سائر العتبات فإنّها مسقّفات ، وفي عصرنا من أعلاهما إلى أسفلهما مطلّى بالذهب ، والأيوان الذي يدخل منه الزائر إلى الرواق في وسط هذا البهو سقفه مطلّى بالجصّ الأبيض ، وجدرانه مزدانة بالمرايا ذوات أشكال هندسيّة مختلفة بديعة ، وعلى جبهة الأيوان مكتوب اسم أحمد خان الدنبلي بلون أصفر جلي ، وسائر الكتابة

٣٩٠

بلون أبيض وأحرف عربيّة غير أنّ تاريخ الكتابة متأخّر عن وفاة أحمد خان الدنبلي بسبعين سنة ، ويدلّنا هذا التاريخ على أنّ القاشاني كان متأخّرا عن عمارة أحمد خان ، وأنّ المولى محمّد رفيع ابن محمّد شفيع الذي كان متولّيا على الإطلاق واسمه مكتوب أيضا في الكتابة المشار إليها عمّره وزيّنه في السنة المذكورة.

صفة الرواق والروضة البهيّة

يحاط الرواق بسور ارتفاعه لا يقلّ عن عشرة أمتار كما أنّ الصحن الشريف من ثلاث جهات يحيط به ، وسعة استدارته لا يقلّ عن سبعين مترا ، وهو مستطيل الشكل ومفروش بالرخام الصقيل ، وكذا جدرانه مقدار قامة ، وأمّا باقي الجدران والسقوف فالذي هو من جهة القبلة فمرصّع بالمرايا ذات أشكال هندسيّة مختلفة بديعة ونجارة غريبة. وأمّا الذي من جهة الغرب والشرق والشمال فمطلّى بالجصّ الأبيض.

ومقبرة الدنابلة تقع على جهة يمين الداخل إلى الرواق في الصفة الأولى الشماليّة ، وكان للرواق باب من النحاس الأصفر إلى سنة ١٣٤٣ يدخل منه الزائر إلى الرواق فأبدل بالباب الفضّي ، وكان الباذل الحاج محمّد حسين الرشتي بنظارة العالم الفاضل الشيخ أسد الله الرشتي فإنّه قد أنفق عليه ثلاثة عشر ألف روبية انكليزيّة ، وهو أثمن الأبواب ، ثمّ أبدلت بأبواب عجيبة الصنع من الذهب والفضّة وأغلاها ، وقد كتب على حواشي المصراعين عدّة أبيات عربيّة وفارسيّة ، منها :

لذ بباب النجاة باب الهادي

فهو باب به بلوغ المراد

وارتفاع الروضة البهيّة مثل ارتفاع الرواق وهي مربّعة الشكل محيطة بالقبر الشريف ، وهي المعروفة بالحضرة والحرم ، تكون ساحتها من الشمال إلى الجنوب نحو اثنين وعشرين مترا ، ومن الشرق إلى الغرب كذلك ، وجدرانها من الأرض

٣٩١

إلى ذراع فوق القامة ، مكسوّة بالرخام الصقيل ، كما أنّ أرضها كذلك ، وما فوق القامة من جدرانها إلى تمام السقوف مغشّى بالمرايا الملوّنة والنجارة الهندسيّة البديعة والفسيفساء ، وبها كتابات ثلاث كالنطاق بلون أصفر عربيّ جليّ هي سورة هل أتى وإنّا أنزلناه وعمّ يتسائلون ، وفوق ذلك كلّه أسماء الأئمّة الإثنى عشر والنبيّ وفاطمة سلام الله عليهم بهذه الصورة : (اللهمّ صلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله) (اللهمّ صلّ على فاطمة) (اللهمّ صلّ على عليّ) إلى آخر الأئمّة ، وهذا كالنطاق داخل القبّة مرّتان ، وفي حواشي ذلك أبيات فارسيّة في مدح أهل البيت عليهم‌السلام كما أنّ في أسفل الكتابات أيضا عدّة أبيات.

ولها أربعة أبواب : اثنان من جهة الشمال وهما خلف ضريح العسكريّين عليهما‌السلام لا ينفذان إلى الرواق ، خلفهما شبّاك من النحاس الأصفر ، واثنان من جهة القبلة ، وهذان البابان من الفضّة كلّ واحد منهما أثمن من باب الرواق ، ومن هذين البابين الخروج والدخول إلى الحضرة المقدّسة ، وفي وسط هذه الرحبة الشريفة ضريح العسكريّين عليهما‌السلام وضريح نرجس أمّ الإمام الحجّة عليه‌السلام وضريح السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليه‌السلام وقد وضع على كلّ واحد صندوق من الخشب الساج مرصّع بالعاج المنقوش محاط بشبّاكين ؛ الأوّل ما يلي الصندوق الخشبي من الفولاذ الذي كان من الآثار الباقية للسلطان حسين الصفوي كما تقدّم ، والثاني من الفضّة ، ونصب الشبّاك الفضّي في شهر صفر سنة ١٣٦٠ ، وكان أصل الشبّاك موضوعا على الحضرة الحسينيّة عليه‌السلام فنقل من كربلاء إلى سامرّاء بعد إصلاحه ثمّ أبدل ذاك الشبّاك بشبّاك جديد فضّيّ مذهّب لم ير أحسن منه ، وعلى هذا السور والبناء تكون القبّة المعظّمة ظاهرها مصفّح بصفائح الذهب الخالص ومرتفعة إلى شاهق ومكتوب في ظاهرها سورة الفتح ، والكتابة كالنطاق كما سيأتي بيانه في محلّه.

٣٩٢

العمارة الثانية عشرة

للأمير المسدّد الملك المؤيّد حسين قلي خان بن أحمد خان الدنبلي. قال العلّامة الخبير السماوي دام وجوده :

ثمّ أتاها نجله الحسين

مبادرا لها فقرّت عين

وواصل البنا بحيث لم يدع

من صدّه إلّا وجلّاه سطع

وأكمل البهو مع الأبواب

وزيّن الجامع للسرداب

وكتب الآي على الأركان

وألبس القبّة بالقاشاني

وحفر القبر له وللأب

لدى الرواق الطاهر المطيّب

وكلّ ذي الأعمال بين الناس

على يد الرفيع والسلماسي

وطرح العصا وأنهى النضرة

وأرّخوا (جلا حسين الحضرة) (١)

لمّا قتل أحمد خان كان هذا البناء العظيم غير تام فأتمّه وأكمله ابنه الأمير الحسين قلي خان.

وقال الجواهري في كتابه آثار الشيعة : إنّ الحسين قلي خان بنى مسجدا وحمّاما في سرّ من رأى وخانا للزوّار وأكمل نواقص عمارة العسكريّين عليهما‌السلام التي بناها أبوه أحمد خان ، والمسجد الذي بناه على السرداب سماّه مسجد الصاحب ، وقطع طريق السرداب عن الحرم ، وأهمل الأزج الذي كان يدخل الزائر منه في السرداب ، وكان باب الأزج خلف ضريح العسكريّين ، وفتح للسرداب من طرف الشمال الباب الموجود اليوم ، وجعل له رواقا وصحنا على تفصيل ما قدّمناه.

__________________

(١) مطابقة لسنة ١٢٢٥.

٣٩٣

نبذة يسيرة من أخبار الدنابلة

قال في القاموس : دنبل كقنفذ قبيلة من الأكراد بنواحي الموصل منهم أحمد بن نصير الفقيه الشافعي ، وعليّ بن أبي بكر بن سليمان المحدّث (الدنبليّان).

وعن كتاب أنساب الأكراد لأبي حنيفة الدينوري قال : إنّ هذه الطائفة يقال لهم عيسى بكلو لأنّهم أولاد الأمير عيسى ، وسلسلة نسبهم كما هو التحقيق تنتهي إلى البرامكة وزراء بني العبّاس ، فإنّ أبا المظفّر شمس الملك جعفر بن الأمير عيسى الملقّب بسلطان صلاح الدين بن يحيى كرد بن الأمير جعفر الثاني بن الأمير سليمان بن الأمير شيخ أحمد بك بن الأمير موسى الملقّب بملك طاهر بن الأمير عيسى بن الأمير موسى أوّل ملوك الشامات بن الأمير يحيى بن خالد البرمكي وزير هارون الرشيد العبّاسي.

وذكر الجواهري في آثار الشيعة : إنّ الدنابلة قد وردت أسماء جملة من محدّثيهم في رواة الأئمّة الإثنى عشر ، منهم محمّد بن وهبان الدنبلي له حديث يعنعن إلى كميل بن زياد النخعي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأورد الحديث أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري في الجزء الأوّل من كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، وللأمير أحمد خان الدنبلي معاصر نادر شاه آثار باقية في عمارة مشهد العسكريّين عليهما‌السلام بسامرّاء ، ولهم مقبرة معروفة بها ، وكان موطنهم في بلاد كردستان فهاجروا منها في القرن التاسع تقريبا ونزلوا بنواحي تبريز وأحدثوا جملة قرى وقصبات وعمّروا بلدة خوي عدّة مرّات وآخر من عمّرها أحمد خان معاصر نادر شاه وهي عاصمة ملكهم ، وكانت سلطنتهم في بلاد كردستان ونواحي تبريز بصورة استقلاليّة إلى أن ظهر السلطان حيدر الصفوي فاتصل به الأمير بهلول الدنبلي وأطاعه وجعل يخدمه عن اعتقاد ومحبّة فاقتفى به أولاده من بعده فصارت عامّة الدنابلة من

٣٩٤

أخصّاء الصفويّة لاتحادهم في المذهب والمشرب.

وقال : والدنابلة قبيلة كبيرة تتفرّع منها قبائل مختلفة الأسماء : قبيلة إلى يحيى هم أولاد يحيى بن جعفر ، وقبيلة شمسكي أولاد شمس الملك ، وقبيلة عيسى بكلو أولاد الأمير عيسى ، وقبيلة بكزادگان من نسل أمير فريدون ، وقبيلة أيونجاني من سلسلة بكزادگان أيونجاني ، وغير هؤلاء كثير تفرّقوا في قاشان وخراسان وشيروان وكنجة وقرباغ وقراچه داغ بأمر المأمون العبّاسي وأمير تيمور وسلطان سليم. وقيل : أكثرهم قتلوا في الحروب مع الصفويّة.

وقال : وقد جمع أخبارهم عبد الرزّاق بن نجفعلي الدنبلي في كتاب رياض الجنّة الفارسي وختمها بزايرجه رستم خان بن أحمد خان الدنبلي المولود سنة ١١٦٦ وتعرّض قليلا من أحوالهم السيّد حسن الزنوزي في كتابه رياض الجنّة الذي رأيناه في خراسان وفي المكتبة الشاهانيّة بطهران ، وتعرّض أيضا أخبارهم الأمين الرازي في كتابه «تذكرة هفت اقليم».

وقال : وفي الدنابلة الملوك والأمراء والعرفاء ، ثمّ شرع في ذكر ملوكهم.

وعن كتاب «شرف نامه» أنّ حكومة الدنابلة بلغت في أيّامه أسمى المراتب.

أقول : وأنا أقتصر على ذكر من اشتهر عنهم سواء كان من ملوكهم وأمرائهم أو عرفائهم نقلا من آثار الشيعة :

فمنهم : الأمير أحمد بن موسى ، فتح جميع محال هكّاري إلى قلعة جات وتوطّن قلعة باي ، وهو من الرواة المعتبرين ، له تأليف معروف بين الدنابلة ، ذكر فيه عدّة أحاديث أنّه عند ظهور القائم عجّل الله فرجه يكون في خدمته أنفار الدنابلة ، توفّي سنة ٣٨٧. وهكّارية بالفتح وتشديد الكاف وراء وياء النسبة بلدة وناحية فوق الموصل سكنها الأكراد.

ومنهم : الأمير سليمان بن أحمد. قال في تاريخ سلاطين الأكراد : إنّ الأمير سليمان

٣٩٥

استولى على كردستان وآذربيجان والشام وبنى حصنا وعمارة سامية لحفّ جبل شنقار وهو اسم يوناني معناه المعبد المطهّر. عرف بسليمان سراي ويعرف الآن ببلوك «قراقوتلوي» وأهاليه شيعة إماميّة ، كان يطلب المعلّمين الأكراد ليعلّموهم اللغة الفارسيّة. وكان الشيخ رجب البرسي صاحب كتاب مشارق الأنوار من خواصّه وألّف له جملة كتب. توفّي سنة ٤١٠ الفارسيّة ودفن في سرخ آباد وعلى قبره قبّة تعرف بقبّة سليمان ، وسرخ آباد من قرى الري.

ومنهم : الأمير جعفر الثاني بن سليمان بن أحمد ، ملك ما ملك آباؤه ، وفي أيّامه كشف معدن الذهب في جبل سنجران فسمّي ب «زر جعفر» وزر بالفارسيّة الذهب. قال في برهان القاطع (١) : لقد انكشف في جبل سنجران قرب ديار بكر جنب قلعة دنبل أيّام الأمير جعفر الثاني معدن ذهب وضربت السكّة منه ، مات سنة ٤٤١ الفارسيّة.

ومنهم : الأمير يحيى بن جعفر الثاني. ذكر في كتاب «شرف نامه» إنّه بايعه ثلاثون ألف بيت من النصارى على اتّباع طريقة الأمير يحيى الدنبلي. مات سنة ٤٧٧.

ومنهم : الأمير عيسى صلاح الدين كرد بن أمير يحيى الدنبلي ، كان مطاعا في أمره ، نقل مائة ألف بيت من يزدانيّة كردستان إلى آذربيجان وكوهستان ، وكان أكثر مقامه في تبريز.

ومنهم : الأمير جعفر شمس الملك بن أمير عيسى ، كان حازما مرتاضا ، غلب على كوهستان والأرمن وآذربيجان إلى الشام.

ومنهم : الأمير إبراهيم بن أحمد ، كان مطاعا نافذ الحكم في تبريز ، وهي مقرّه ،

__________________

(١) تأليف محمّد حسين تبريزي متلخّص ب «برهان».

٣٩٦

ولمّا خرج جنكيز خان استرضى خاطره وسلم أهالي آذربيجان من فتنته ، مات سنة ٦٩٢.

ومنهم : الأمير جمشيد بن الأمير إبراهيم ، وقعت له مصادمات مع جيش جنكيز خان ، فقتل في سنة ٧٢٥ ودفن في قرية سيناورد ، وهو بكسر أوّله وتخفيف ثانيه وفتح الواو وسكون الراء ودال مهملة موضع بآذربيجان ، وعلى قبره قبّة من الحجر الأسود معروفة إلى الآن بقبّة جمشيد.

ومنهم : الأمير محمود بن شاه منصور ، كان مقرّبا عند بايزيد ، بنى بلدة كبيرة في كردستان تعرف إلى الآن بمحمودي ، اندرست آثارها ولم يبق منها سوى مقبرة وعليها لوح فيه تاريخ وفاته وهي سنة عشرين وثمانمائة.

ومنهم : الأمير ولي بن الأمير محمود ، كان مرتاضا تنسب إليه كرامات في الطريقة.

ومنهم : الأمير فريدون الملقّب بالأمير قليج بن نظر علي ، ويعرف بين الدنابلة بالأميري ، ورد ذكره في تاريخ «جهان نما» التركي ، وكان تحت تصرّفه جميع بلاد آذربيجان وهكّارية والأرمن ، مات سنة ستّين وثمانمائة ، ودفن في مقبرة أمير موسى في بلدة خوي.

ومنهم : الأمير بهلول بن الأمير قليج ، كان من أعاظم أمراء السلطان حيدر الصفوي ، والأمير بهلول هذا يقال له الحاج بيك ، دخل في طاعته السلطان حيدر الصفوي عن اعتقاد واستولى على طبرستان وداغستان ، قتل مع السلطان حيدر الصفوي سنة ثمانين وثمانمائة.

ومنهم : الأمير رستم الملقّب بشاه وردي بيك بن الأمير بهلول ، كان ابن إحدى عشر سنة حين قتل أبوه ، انتهت إليه إمارة الدنابلة. قال في «شرف نامه» : إنّ في سنة ٨٩٨ وقعت محاربة بين السلطان حيدر وأمير داغستان ، فلمّا انهزم عسكر

٣٩٧

السلطان حيدر غرق الأمير رستم في دجلة كانت بقرب معسكرهم فأخرجوا جنازته من الماء ودفنوه على حسب وصيّته في قرية نازك وبنوا على قبره قبّة عالية.

ومنهم : الأمير بهروز الملقّب بسلطان خليفة بن الأمير رستم ، كان فتى عاقلا ذكيّا صاحب خيرات ومبرّات ، قدم إلى السلطان حيدر فلقّبه خليفة ، كان عمره خمسا وتسعين سنة وكانت مدّة حكومته خمسين سنة. قال في جامع التواريخ : إنّ كيلان وأردبيل كانا تحت حكومة سلطان خليفة ، توفّي سنة ٩٩٥ ودفن عند الأمير رستم المزبور في قرية نازك.

ومنهم : أيّوب خان بن كنعان خليفة بن الأمير بهروز الملقّب بسليمان خليفة ، كان شجاعا جوادا ، لقّبه الشاه طهماسب الصفوي بلقب بيكلربيكي ، وكانت له الرياسة على عامّة جنده وعسكره ، توفّي سنة ٩٩٤ ودفن في قرية نازك عند أجداده.

ومنهم : بهروز خان الثاني الملقّب بسلطان خان ، كان من خواصّ الشاه عبّاس الصفوي ، وكان شجاعا خليقا. وفي تاريخ «شرف نامه» و «تاريخ عالم آراء عبّاسي» و «تاريخ جهان نماي» تركي نبذة من شجاعته وبسالته وجلادته وحسن أخلاقه وسائر مآثره الجميلة ، توفّي سنة ١٠١٤ في قرية بورس التي بناها بنفسه ودفن في قرية نازك.

ومنهم : علي خان الملقّب بصفي قلي خان بن بهروز خان ، كان من خواصّ الشاه صفي الثاني ، وذكر مآثره الجميلة وشجاعته الشهيرة صاحب كتاب ناسخ سياق وتاريخ نوّاب محمود خان.

ومنهم : مرتضى قلي خان بن علي خان ، كان من خواصّ الشاه عبّاس الثاني وكان يعضده ويساعده في كبار الأمور وصغارها ، وكان الشاه هو الذي لقّبه بأمير

٣٩٨

الأمراء ، وذكره في تاريخ سياق بكلّ جميل ، وله آثار وعمارات في أصبهان ، وكانت عمارة أيوان المعصومة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم‌السلام في بلدة قم من آثاره الباقية ، وهو بهو عزيز النظير ، وكذا بناء قلعة جورس ، وله أبنية متفرّقة أيضا.

وكان سبب وفاته من سمّ دسّه إليه أخوه غياث بيك ، وتوفّي في قاشان وحمل نعشه إلى قم ودفن فيه ، وخلّف خمس عشر بنتا وثلاثة بنين.

ومنهم : الأمير شهباز خان بن الأمير مرتضى قلي خان ، كانت له الرياسة العامّة على عموم الدنابلة في سنة ١١٢٢ وكان من خواصّ الشاه سليمان والشاه السلطان حسين ، ولمّا استولى عبد الله باشا العثماني على بلدة خوي تحصّن الأمير شهباز مع ألفين من عسكره في حصن فوقعت بينه وبين عبد الله باشا محاربات شديدة فغلب عبد الله باشا وفتح الحصن وأمر بالقتل العام فقتل الأمير شهباز مع ثمانية وثلاثين من أولاده وبني أعمامه في سنة أربع وأربعين ومائة بعد الألف وبقي من أولاده مرتضى قلي خان ونوّاب نجفقلي خان.

ومنهم : مرتضى قلي خان بن شهباز خان ، كان فاضلا لا سيّما في علم النجوم ، وخلّف من الأولاد شهباز خان وأحمد خان وسليمان ، وكانت وفاته سنة ألف ومائة وستّين.

ومنهم : نجفقلي خان بن شهباز خان ، كان من قوّاد عسكر نادر شاه أفشار وخواصّه ، ولقّبه أمير الأمراء كما لقّبه من قبله الشاه سلطان حسين الصفوي ، وكان من خواصّه أيضا ، وكان رئيسا على جميع قوّاد جيوش الشاه طهماسب الصفوي ، وفي أيّام الأفاغنة كان يحفظ الثغور ، فلمّا جلس النادر على سرير الملك لقّبه أمير الأمراء أيضا وكان نائب السلطنة في عصر علي شاه أفشار وكريمخان زند وعلي مراد خان وفي سلطنة هؤلاء كان في تبريز إلى عصر القاجاريّة ، وكان عند آقا محمّد خان قاجار مكرّما معظّما ويدعى بألقابه المشار إليها ، وبعد ذلك ومن النوادر

٣٩٩

حيث أنّه أدرك سلاطين من الصفويّة والأفشاريّة والزنديّة ، وبدأ سلطنة القاجاريّة ، وكان مبجّلا عند الجميع.

وذكر الفاضل محمّد رضا التبريزي في تاريخ أولاد الأئمّة المطبوع سنة ١٣٠٤ : إنّ في تبريز وقعت زلزلة عظيمة خربت منها الدور والقصور والقلاع وممّن وقع تحت الردم نجفقلي خان هذا ، فلمّا أخرجوه كان به رمق فعوفي ثمّ اشتغل بعمارة تبريز سنتين فجعل لها حصارا منيعا ، وفتح لها اثنى عشر بابا ، وكان الشعراء يمدحونه بذلك ، منهم الهادي الهمداني المتخلّص ب «نسبت» قال في قصيدته :

چه گشت از گردش چرخ جفا كيش

أساس قلعه تبريز بر باد

خديو معدلت آئين نجف خان

كه داد معدلت اندر جهان داد

بناى قلعه را بنهاد از نو

كه مثلش كس ندارد در جهان ياد

بتاريخش رقم زد كلك نسبت

ز نو سد سكندر گشت آباد

وذلك ينطبق على سنة ١١٩٠ ، توفّي في السنة المزبورة وحمل نعشه إلى النجف الأشرف.

ومنهم : آقا محمّد آقا بن نجفقلي خان ، كان فاضلا عالما أدبيا ، له ديوان شعر وتفسير كبير للقرآن.

ومنهم : عبد الرزّاق بيك بن نجفقلي خان ، كان مشهورا في آذربيجان بالعلم والفضل والأخلاق ، وكان شاعرا أديبا مقرّبا عند نائب السلطنة عبّاس ميرزا ، وكان تخلّصه (مفتون) ، صنّف كتاب السلطاني في تاريخ سلاطين القاجاريّة من بدأ تأسيسه إلى سنة ألف ومأتين وإحدى وأربعين وهو مطبوع ، وكتاب ترايخ الدنابلة سماّه رياض الجنّة ، وكان نقل الجواهري في آثار الشيعة في تاريخ الدنابلة من الكتاب المشار إليه ، قال : رأيت نسخة منه في مكتبة السلطاني بطهران ونسخة أخرى مخطوطة عند ملك الشعراء ، وله أيضا كتاب التذكرة في الشعر والشعراء ، توفّي سنة ١٢٤٣.

٤٠٠