مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-035-8
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٠٨

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

بقلم العلّامة المحقق

السيّد أحمد الحسيني

البحث في جغرافيا البلدان جزء من تاريخ الانسانيّة الكبير ، والتحقيق في حوادث المدن والأمكنة والبقاع قسط من مكوّنات الأمم الماضية والعصور المتوالية ، وتاريخ البلاد المنتشرة في المعمورة صورة من صور الثقافة العامة ، وهي بمجموعها عبر للمجموعات البشريّة التي تعيش في مقاطع من الزمن يلي بعضها تلو البعض.

يحتاج البحث عن الآثار التاريخيّة إلى صبر وأناة ، وتوطين النفس لتحمل مشاق الفحص والتحقيق فيما تبقى من الخرائب والديارات المهجورة وما عثر عليه من الحفريات في الأنقاض ونتف مما جاء في اللوحات الحجرية والنحاسية وغيرها من المدونات القديمة والكتب والأسفار التاريخية التي سلمت من عاديات الزمن. ولكن الجهد الذي يبذل بهذا الصدد مفيد للأجيال المتعاقبة ، فإنّهم يعرفون ـ بالاطلاع عليها ـ ما كان للمتقدمين عليهم من الأمم والشعوب من نقاط القوة أو الضعف وأسباب السيادة أو الإنهيار ، وما كان لهم من الثقافات والعلوم والصنائع والمبتكرات التي سببت تقدمهم على الشعوب الأخرى ، أو ما ابتلوا به من الخور

٥

والإخلاد إلى الراحة والإتكاء على غيرهم التي حطمت كيانهم وحطت من شأنهم. في القرنين الأخيرين جدّ العلماء والمنقّبون في استخراج كنوز الأرض وكشف كثير من الآثار المطمورة ، ففحصوها بجدّ لا يعرف الكلل والملل ، وعرفوا ـ نتيجة للمتابعات الطويلة ـ كثيرا من الأسرار الاجتماعيّة القديمة الهامة ، وحصلوا على نتائج خافية عظيمة كانت لبنا في بناء صرح التاريخ الانساني ، بعضها يعود إلى ألوف أو مئات من السنين والأعوام.

كان هذا الجدّ المديد يحتاج إلى تصنيف دقيق ييسر للباحثين الإطلاع عليه والإفادة منه ، ومن جملة وجوه التصنيف دراسة المدن والحواضر بل والأرياف ، والتحقيق عنها في دراسات ومؤلفات خاصة ، واستعراض مالها من السوابق التاريخية في الثقافة والعلم والصناعات والإقتصاد وما إليها من وجوه المعارف والأنشطة المؤثرة في رفع مستوى سكنة تلك المناطق جيلا بعد جيل.

لقد حضيت جملة من المدن العراقية ببعض المصنّفات الخاصة والدراسات القصيرة أو الموسّعة ، كبغداد والنجف الأشرف وكربلاء والبصرة والكوفة والديوانيّة ، وبقيت سامراء منسية في هذا المجال مع ما لها من السوابق الأثرية والتاريخية والعلمية ، وبها مثوى الإمامين العسكريين عليهما‌السلام ، وهي مزار مقدس تهوى إليه أفئدة ملايين من المسلمين المحبّين لأهل البيت النبوي عليهم الصلاة والسلام.

ملأ هذه الفجوة في تاريخ العراق ، شيخنا العلّامة البحاثة المتتبع الشيخ ذبيح الله المحلاتي تغمده الله برحمته ورضوانه ، بموسوعته القيمة «مآثر الكبراء في تاريخ سامراء» ، التي تمت ـ حسب ما كتبه ابنه ـ في اثني عشر مجلدا.

استعرض الشيخ في موسوعته هذه ما يتعلّق بجغرافيا وتاريخ سامراء قبل الإسلام وبعده قديما وحديثا ، ووصف أبنيتها وقصورها ومسارحها ومشاهدها ،

٦

وذكر أحوال من حلّ بها ودخلها ومن ثوى بها من الخلفاء والملوك والعلماء والوزراء والكتّاب والشعراء والحكماء والشرفاء والعلويين وذوي النباهة والوجاهة ، وأدرج فيها بتفصيل وإسهاب أحوال الإمامين العسكريين والحجة المنتظر عليهم الصلاة والسلام ، وتطرق إلى ذكر أصحابهم والرواة عنهم والنازلين بساحتهم. وكثيرا ما استطرد فيها إلى بعض الأحداث التاريخيّة الخارجة عن موضوع الكتاب ولكنّها تناسبه بعض المناسبة ، كما أنّه أورد فيها شعرا كثيرا مما قاله شعراء العرب القدامى والمحدّثون في مناسبات هيجت قرائحهم الأدبية.

يقول في مقدمته : إنّه كان يخشى عدم وفاء الموضوع حقه ، ولذلك تردّد في الإقدام على التأليف فيه ، فاستخار بالكتاب العزيز فخار له بقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ* وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)(١).

من هذا المنطلق الواسع بدأ مؤلفنا العلامة عمله التأليفي ، وصبر على البحث والتنقيب عشرين سنة ، وخصص جهده بالمزيد من مراجعة المصادر والمدونات التاريخية والأثرية والأدبيّة ، واستخرج منها اللآلي المبعثرة ونضدها في عقد منتضم يكون من المفاخر التاريخية الخالدة المتلألئة في جيد الزمن.

أثاب الله تعالى الشيخ وكل العاملين في حقول المعرفة ، الساعين في رفع مستوى الأمة الديني والثقافة.

وآخر دعوانا الحمد لله ربّ العالمين.

قم ـ ٥ ربيع الثاني ١٤٢٦ ه‍

السيّد أحمد الحسيني

__________________

(١) سورة الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٦.

٧

ترجمة المؤلف

مستل من موسوعة

«المفصل في تراجم الأعلام»

الشيخ ذبيح الله بن محمّد علي بن علي أكبر بن إسماعيل المحلّاتي العسكري.

مولده ونشأته :

ولد في محلّات سنة ١٣١٠ ، وبها نشأ برعاية والده الذي كان أميا حريصا على تربية ابنه الوحيد تربية دينية صالحة ، وبها تعلم القراءة والكتابة.

توفي أبوه وهو في العاشرة من عمره ، فاضطر إلى ترك التعليم والاشتغال بتحصيل ما يتعيش به لأنّه لم يجد من يكفله.

ذهب إلى العراق مشيا على الأقدام بنية تحصيل العلوم الدينية في سنة ١٣٢٦ ، ولقي بها أول من لقي من العلماء الشيخ إسماعيل المحلاتي الذي أمر بعض معاريفه بتكفل ما يسدّ به حاجياته المادية الضروريّة لكي يتمحض في طلب العلم ، ولكن لم يتم له الأمر فعاد إلى محلّات ودرس بها بعض المقدمات العلمية.

وبعد سنتين ذهب للمرة الثانية إلى العراق ، وأقام في النجف الأشرف طالبا في حوزتها ، فأكمل المقدمات ومراحل السطوح على بعض شيوخ العلم بها ، وبعد ذلك حضر في الدروس العالية على السيّد محمّد الفيروزآبادي وغيره من أعلام عصره وكبار المدرسين في الحوزة.

٨

في سامراء وطهران :

قطن سامراء مدة طويلة بعد أن أكمل دراسته في النجف الأشرف ، وتفرغ فيها للتأليف والتحقيق والتصنيف ، معتزلا عن معاشرة الناس منصرفا بكله إلى الكتابة والإنتاج العلمي.

وبعدها ذهب إلى طهران وأقام بها إلى آخر حياته ، وكان بها منصرفا إلى التأليف والإرشاد ممتهنا الخطابة والوعظ الذي كان متوجها إلى ذلك منذ أيام شبابه ، ولقي رواجا كبيرا لبراعته وسعة معلوماته وقوة منطقه وطلاقة لسانه ، فأقبل على مجالسه المؤمنون وازدحموا لسماع ارشاداته ، وعدّ من رجال المنبر الحسيني الأفاضل ومن الخطباء اللامعين. وفي طهران كان أكثر انتاجه العلمي والتاريخي ، وتمكّن بها من طبع كتبه ونشرها.

كان يقيم صلاة الجماعة فيأتم به جماعة من الأخيار والمتدينين لما عرفوا فيه من الصلاح والسداد.

بعض صفاته :

وصف بعض المترجمين للشيخ : أنه كان عالي الهمة ، طموح النفس ، محبا للخير .. وكان ساعيا في قضاء الحوائج ، مهتما بالأمر الخيرية والمشاريع الدينية.

كان شديدا على الصوفية ومدعي العرفان ، وتصدى للرد عليهم في خطبه المنبرية ، وألف في بيان مخالفة بعض أقوالهم وأفعالهم للمعتقدات الحقة جملة من مؤلفاته العربية والفارسية.

قال العلّامة المرحوم الشيخ آقا بزرك الطهراني :

«المترجم له ثاني اثنين أعجبت بهما ، والأوّل هو العلّامة المغفور له الشيخ محمّد علي التبريزي المعروف بالمدرس مؤلف «ريحانة الأدب» .. فقد حفظا أمانة النقل

٩

عن كتبي بشكل يستغربه أهل هذا العصر لاعتيادهم على عكس ذلك .. وأما المترجم له فإنّه ينقل في الجزء الثاني من تاريخه عن مؤلفاتي صفحة صفحة أو أقل أو أكثر ، ويشير حتى إلى الكلمة الواحدة ، وهذا ما أشكره عليه إلى الأبد وتشكره عليه الأجيال الآتية».

شيوخه في الرواية :

أجيز في نقل الحديث من :

١ ـ السيّد حسن الصدر الكاظمي.

٢ ـ الشيخ ميرزا محمّد حسين النائيني.

٣ ـ السيّد أبو الحسن الأصبهاني.

٤ ـ الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي.

٥ ـ الشيخ آقا بزرك الطهراني.

مؤلفاته :

كان الشيخ متوسّعا في مؤلفاته وما أنتجه من الكتب ، يتناول كل موضوع يؤلف فيه من مختلف جوانبه ويدرسه دراسة مستوعبة بالمقدار الذي تسعفه المصادر المتوفرة لديه ، فلا يكتفي بالمرور العابر كالمتسرعين في التأليف من أبناء عصرنا ، بل يدخل في البحث والتنقيب من أوسع الأبواب مهما كلفه ذلك من الجهد في الفحص والتتبع.

وهذا ما عرفنا من انتاجه القلمي :

* الحق المبين في أقضية أمير المؤمنين. طبع بطهران خمس مرات أولها سنة ١٣٣٣ ش.

١٠

* خير الكلام في رد عدو الاسلام ، مجلدان في رد الكسروي.

* رياحين الشريعة في تراجم مشاهير نساء الشيعة. طبع بطهران في خمس مجلّدات سنة ١٣٦٩ ـ ١٣٧٥.

* ساحل نجات. طبع بطهران سنة ١٣٧٢. أنظر «كانون فساد».

* السيوف البارقة على هام الصوفية المارقة. طبع.

* شمس الضحى فيما ورد على رأس سيد الشهدا. أدرج في كتاب «فرسان الهيجاء».

* صندوق نفايس. كشكول فارسي.

* ضياء النيرين في مآثر العسكريين. اسم ثان لكتاب «مآثر الكبراء».

* فرسان الهيجاء في تراجم أصحاب سيد الشهداء. طبع بطهران في مجلدين سنة ١٣٣٤ ش.

* قرة العين في حقوق الوالدين. طبع بطهران سنة ١٣٣٠ ش.

* قلائد النحور في وقائع الأيام والشهور.

* كانون فساد وبدبختى تا ساحل نجات. طبع بطهران سنة ١٣٣٢ ش.

* كشف الاشتباه في اعوجاج أصحاب خانقاه. طبع بطهران مرتين أولاهما سنة ١٣٣٦ ش.

* كشف البنيان فيما يتعلق بعثمان بن عفان. طبع.

* كشف تهمت در رد آئين طريقت. طبع.

* كشف حقيقت در شرح حال پيشوايان اهل سنت. طبع بطهران سنة ١٣٣٢ ش.

* كشف العثار في مفاسد الخمر والموسيقى والقمار. طبع بطهران.

* كشف الغاشية فيما يتعلّق بأم المؤمنين عائشة. طبع.

١١

* كشف الغرور في مفاسد السفور. طبع بطهران مرتين سنة ١٣٦٥ و ١٣٦٨.

* كشف الكواكب في تراجم مشاهير آل أبي طالب.

* كشف المغيبات في إخبار أمير المؤمنين عن المغيبات. طبع بطهران سنة ١٣٣٥ ش.

* كشف الهاوية في موبقات معاوية. طبع.

* الكلمة التامة في تراجم أحوال أكابر العامة. في خمس مجلدات.

* لاله زار ذبيحى. كشكول فارسي.

* مآثر الكبراء في تاريخ سامراء. طبع ثلاث مجلدات منه.

* مطلوب الراغب في أحكام اللحى والشارب. طبع بطهران سنة ١٣٨٠.

* نار الله الموقدة على الكافرين في حروب أمير المؤمنين.

* وقائع الأيّام. كبير في ثمان مجلدات.

وفاته :

توفي الشيخ قدس الله سرّه بطهران سنة ١٤٠٥ ه‍.

مصادر الترجمة :

مآثر الكبراء ـ آخر المجلد الأول ، نقباء البشر ص ٧١٥ ، الذريعة

في مختلف الأجزاء ، مؤلفين كتب چاپى ٣ / ٨٦.

١٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[مقدّمة المؤلّف]

الحمد لمن له الملك والملكوت وله الكبرياء والجبروت ، وصلّى الله على رسوله الذي روحه نسخة الأحديّة في اللاهوت ، وجسده صورة معاني الملك والملكوت ، وقلبه خزائن توحيد الحيّ الذي لا يموت ، طاوس الكبرياء وحمام الجبروت ، ما حي الكفر والشقاق والجبت والطاغوت ، وناشر راية العدل والتقى في عالم الناسوت ، وعلى أهل بيته الطاهرين المنعوتين بكلّ نعوت.

أمّا بعد ؛ فيقول العبد الراجي رحمة ربّه في الحاضر والآتي ، ذبيح الله بن محمّد علي المحلّاتي ، نزيل بلدة سامراء بالأمس وفي طهران اليوم : إنّي لمّا رأيت المؤرّخين قد ألّفوا في تواريخ البلدان ، نحو تاريخ مكّة المعظّمة ، والمدينة الطيّبة ، والنجف الأشرف ، والكوفة ، وبغداد ، والبصرة ، والشام ، وحلب ، وبيروت ، ومصر ، وخراسان ، ونيسابور ، وقم ، وأصفهان ، ويزد ، واليمن وغيرها ، ولم أظفر بمن دوّن تاريخ سامرّاء بصورة تفصيليّة مع أنّها كانت عاصمة ملك العبّاسيّين بالأمس ، ومحطّ رحال المسلمين اليوم ، لما فيها من مشهد الإمامين من أئمّة المسلمين ؛ الهادي والعسكري عليهما‌السلام ، وبذلك تهوي إليها أفئدة المؤمنين ، ويأمونها من كلّ فجّ عميق ، أحببت أن أدوّن نزرا من تاريخ سامرّاء خدمة للعلم وأهله لأهميّة هذا الموضوع.

فشرعت فيه بعون الله تعالى مع قصر الباع ، وقلّة الاطّلاع ، بعد أن كنت أقدّم رجلا وأؤخّر أخرى خشية أن لا أو في الموضوع حقّه فأكون عرضة للانتقاد

١٣

وهدفا للوم الأدباء في عصرنا فأكون قد سعيت بظلفي لحتفي ، غير أنّي استخرت الله سبحانه بكتابه العزيز فخار لي بقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ* وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)(١).

فتأكّدت أنّه سبحانه وتعالى يسهّل لي هذا السبيل الذي كنت أحسبه أنّه صعب السلوك وحرج المأزق ؛ فشمّرت ساعد الجدّ وتوكّلت على ربّي مستعينا به فهو حسبي ونعم الوكيل ، فبادرت إلى تأليفه وسمّيته :

«مآثر الكبراء في تاريخ سامرّاء»

أذكر فيه مآثر من حلّ في سامرّاء أو دخل فيها من مشاهير العلماء والقضاة والخلفاء والأمراء والوزراء والكتّاب والشعراء والحكماء وما جرى بينهم وبين الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام والشرفاء والعلويّين والوافدين ، والله الموفّق والمعين والعاصم عن الزال والخطأ.

__________________

(١) الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٦.

١٤

أسماء سامرّاء

لسامرّاء أسماء عديدة أوردها الحموي في معجم البلدان :

الأوّل : سامرّاء ـ ممدودا ـ وشاهده قول البحتري (١) :

وأرى المطايا لا قصور بها

عن ليل سامرّاء تذرعه

أقول ومنه قول ابن حماد أبي الحسن علي بن عبيد الله البصري في قصيدته النونيّة :

وأرض طوس وسامرّاء قد ضمنت

بغداد بدرين حلّا وسط قبرين

ومنه ما ذكره الشاعر الكبير السيّد صالح البغدادي رحمه‌الله في قصيدته الميميّة في مدح علي الهادي عليه‌السلام بقوله :

وعاش بسامرّاء عشرين حجّة

يجرع من أعداه سمّ الأراقم

سقى أرض سامرّاء منهمر الحيا

وحيّا مغانيها هبوب النسائم

ومنه ما ذكره العلّامة الكبير السيّد محسن الأمين العاملي مدّ ظلّه في المجالس السنيّة بقوله :

يا راكب الشدّ نيّة الوجناء

عرج على قبر بسامرّاء

أبكي وهل يشفي الغليل بكائي

بدرين قد غربا بسامرّاء

__________________

(١) بفتح الباء وسكون الحاء المهملة وفتح التاء ، أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي المتوفّى ٢٨٣ أو ٢٨٥ ، وكانت مدّة حياته ثمانية أو تسعة وسبعون ، وكان من أكابر الشعراء الفصحاء البلغاء.

١٥

ومنه ما ذكره السيّد محمّد القطيفي الشاعر الكبير في قصيدته الهائيّة يمدح بها العسكريّين عليهما‌السلام بقوله :

ثمّ عج يا مرشد النفس إلى

أرض سامرّاء تنشق من ثراها

الثاني : سامرّا ـ مقصورا ـ ومنه ما ذكره ابن حمّاد المذكور في قصيدته التائيّة :

وفي غربيّ بغداد وطوس

وسامرّا نجوم ظاهرات

ومنه ما ذكره الشيخ مفلح في قصيدته اللاميّة في مصائب أهل البيت عليهم‌السلام :

بطوس وسامرّا لهم وبطيبة

وبغداد أيضا والغريّ منازل

الثالث : سرّ من رأى ـ مهموز الآخر ـ ذكره الحموي في المعجم قال : ومنه قول المنتصر :

إلى الله أشكو عبرة تتحيّر

ولو قد حدا الحادي لظلّت تحدّر

فيا حسرتا إن كنت في سرّ من رأى

مقيما وبالشام الخليفة جعفر

ومنه قول الشاعر :

بنفسي من نالت به سرّ من رأى

فخارا له تعتو النجوم الكوانس

ومنه شعر عضد الدولة الديلمي كما في مناقب لابن شهر آشوب :

وفي أرض بغداد قبور زكيّة

وفي سرّ من رأى معدن البركات

الرابع : سرّ من را ـ مقصورا غير مهموز ـ كما في قول الحسين بن الضحاك :

سرّ من را أسر من بغداد

فاله عن بعض ذكرها المعتاد

الخامس : سرّ من را ممدودا كما في قول البحتري أبي عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي :

لأرحلنّ وآمالي مطرّحة

بسرّ من راء مستبطي لها القدر

السادس : سرّاء ـ بضمّ السين ممدودا ـ كما عن الجوهري قال في القاموس : سراء ـ ممدودة مشدّدة مضمومة وتارة تفتح ـ اسم لسرّ من رأى. وسرّ من را ـ بضمّ

١٦

السين والراء ـ أي سرور وبفتحهما كذلك ، وسامرّاء وساء من رأى والنسبة سرّ من ري وسامريّي وسرّي. ومنه الحسن ابن علي بن زياد.

السابع : سرور من رأى. قال الحموي في المعجم : ذكر محمّد بن أحمد البشاري نكتة حسنة فيها قال : لمّا عمرت سامرّاء وكملت واتسعت بركتها وخيرها واتسق نظامها سمّيت سرور من رأى ثمّ اختصرت فقيل : سرّ من رأى ، فلمّا خربت وتشوّهت خلقتها سمّيت ساء من رأى ثمّ اختصرت فقيل سامرّاء.

الثامن : ساء من رأى وقد ينسبون إليها بالسرّ من رأى بالسين المضمومة المشدّدة بعدها راء مشدّدة وفتح الميم بعدها راء مشدّدة مفتوحة أيضا بإدغام النون.

التاسع : سام راه. قال في المعجم : وقيل إنّها مدينة بنيت لسام بن نوح عليه‌السلام فنسبت إليه بالفارسيّة سام راه ، وإليه أشار العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي النجفي في أرجوزته في تاريخ سامرّا التي سماّها «وشايح السرّاء» في شأن سامرّاء وهي في سبعمائة بيت طبعت في النجف الأشرف سنة ١٣٦٠ يقول في أوّلها :

أحمد من عمّ البلا أمرا

وخصّ في ألطافه سامرا

فقدّست بما بها من مرقد

يضمّ أفلاذ فؤاد أحمد

وبوركت فأصبحت كالطور

أو مكّة في فضلها المسطور

فهاكها (وشايح السرّاء)

مؤرّخا في شأن سامرّاء

لفظة سامرّاء للإعجام

فإنّ معناها طريق سام

فسام الاسم وراه النهج

والعجم في عكس المضاف تلهج

وكان سام بن نوح إن أتى

جوخى عليها مرّ في فصل الشتا

العاشر : عسكر. قال اليافعي في مرآة الجنان في حوادث سنة ٢٥٤ : إنّه لمّا كثرت السعاية في حقّ عليّ بن محمّد الهادي عند المتوكّل أحضره من المدينة وكان

١٧

مولده بها وأقرّه بسرّ من رأى وهي تدعى ب «العسكر».

أقول : والصحيح أنّ العسكر اسم لمحلّة من محلّات سامرّاء وهي التي كان فيها دار مولانا عليّ الهادي عليه‌السلام وفيها قبره الآن. وقيل : لأجل ذلك سمّي الإمامان عليهما‌السلام بالعسكريّين ولتسميتهما بالعسكريّين وجه آخر يأتي في محلّه.

الحادي عشر : الناحية. قال الطريحي في المجمع : وقد تكرّر في الحديث ذكر الناحية وقد يعبّر به عن القائم عجّل الله فرجه ، وفي بعض الأحاديث : دخلت الناحية أي سرّ من رأى. وذهبت إلى الناحية أي إلى سرّ من رأى.

الثاني عشر : زوراء. قال اليعقوبي في كتاب البلدان (١) : واسمها في الكتب المتقدّمة زوراء بني العبّاس ، ويصدق ذلك لأنّ قبلة مساجدها كلّها مزوّرة ـ أي مايلة ـ فيها ازورار ليس فيها قبلة مستوية إلّا أنّها لم تخرب ولم يذهب اسمها.

الثالث عشر : طيرهان ، وفي بعض النسخ بالباء المنقطة بعد الهاء وزان زبرقان ، وفي بعض النسخ بالتاء المثنّاة بعد الهاء المفتوحة على وزان خبرفات ، وفي بعضها بعد الطاء ياء مثنّاة ، وكيف كان لم أظفر على معنى طيرهات. ثمّ في المعجم في ترجمة الموصل وجدت أنّه جعل طيرهان والسن والحديثة من أعمال الموصل.

الرابع عشر : من أسماء سامرّاء «المؤتكفة» وسيأتي بعد هذا في تاريخ المعتصم. قال اليعقوبي في تاريخ البلدان (٢) : كانت سرّ من رأى في متقدّم الأيّام صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ، وكان بها دير النصارى بالموضع الذي صارت فيه دار السلطان المعروفة بدار العامّة وصار الدير بيت المال.

وفي مروج الذهب : سأل المعتصم عن سامرة وقال : من أيّ البلاد هي وإلى

__________________

(١) البلدان : ٣٥.

(٢) تاريخ البلدان : ٢٤ ، طبع النجف الأشرف ، المطبعة الحيدريّة.

١٨

م تضاف؟ قيل له : من بلاد طبرهات ـ بالباء الموحّدة وفي آخرها تاء مثنّاة ـ.

وفي التنبيه والأشراف للمسعودي (١) : فخرج المعتصم إلى آخر سنة مأتين وعشرين إلى ناحية القاطول فنزل قصرا كان للرشيد هنالك وهمّ أن يبني في ذلك الموضع مدينة ثمّ بدا له ولم يزل ينتقل في تلك النواحي حتّى وقع اختياره على موضع سامرّاء وهو في بلاد كورة الطيرهان فابتدأ ببنائها في سنة إحدى وعشرين ومأتين وسمّاها سرّ من رأى وكملت في أسرع مدّة وعظمت عماراتها واتصلت أسواقها وقصورها ونقلت إليها الدواوين والعمّال وبيوت الأموال وقصدها الناس لنزول الخليفة بها وطيبها وحسن موقعها وعمارتها وصنوف مكاسبهم وقد ذكر أنّها كانت قديمة مسمّاة بهذا الاسم سمّيت بسام بن نوح وإنّها كانت آهلة عظيمة عامرة فلم تزل تتناقص على مرّ الزمان وكان آخر خرابها في أيّام فتنة الأمين والمأمون ، وإنّ موضع قصر المعتصم كان ديرا للنصارى وأراضي فابتاعها منهم ، وسرّ من رأى آخر المدن العظيمة التي أحدثت في الإسلام وهي سبع. ثمّ شرع في شرح تمصير هذه السبعة وهي البصرة ثمّ الكوفة ثمّ فسطاط مصر ثمّ الرملة ثمّ واسط العراق ثمّ بغداد ثمّ سرّ من رأى.

أقول : لم نعرف وجها لتركه ذكر مدينة الهاشميّة التي بناها أبو العبّاس عبد الله السفّاح أوّل خلفاء العبّاسيّين بحذاء الكوفة ومدينة الموفقية التي بناها الموفق طلحة بن المتوكّل أخو المعتمد ، وكانت الموفقيّة قرب واسط ، والمدينة المختارة التي بناها صاحب الزنج في نواحي البصرة ، وسيأتي ذكرها في ترجمة المعتمد.

__________________

(١) التنبيه والأشراف : ٣٠٩.

١٩

وجه تسمية سامرّاء

ذكر الدكتور أحمد سوسه في المجلّد الأوّل من كتابه «ريّ سامرّاء» (١) : تقع مدينة سامرّاء الحالية على ضفته اليسرى من نهر دجلة على مسافة ١٣٠ كيلومتر شمالي بغداد وهي تبعد زهاء ١٧٥ كيلومترا عن بغداد بطريق النهر ، وقد بنيت على أطلال مدينة سرّ من رأى العبّاسيّه ، والأخيرة تمتدّ على طول نهر دجلة إلى أبعاد شاسعة فتمتدّ مسافة تسعة كيلومترات تقريبا جنوبي المدينة الحالية وحوالي الخمسة والعشرين كيلومترا شماليها أي مجموع طولها يبلغ زهاء ٣٤ كيلومترا. أمّا عرضها فيتراوح بين الكيلومترين والأربعة كيلومترات أي بمعدّل ثلاثة كيلومترات وعلى هذا الأساس يمكن تقدير مساحة مدينة سامرّاء العبّاسيّة مأة وعشرة كيلومترات مربّعة ، وإذا ما أضفنا إلى هذه المساحة حديقة حيوانات المتوكّل (حير المتوكّل) التي تقع في أقصى الحدود الجنوبيّة وهي نحو خمسين كيلومترا مربّعا وكذلك مساحة منطقة القادسيّة الواقعة بجوار الحديقة المذكورة وهي حوالي سبعة كيلومترات مربّعة جاز لنا أن نقدّر مساحة سامرّاء العبّاسيّة بحوالي ١٦٧ كيلومترا مربّعا. ولو أضفنا إلى ذلك مساحة معسكر اصطبلات والقائم على ضفة نهر دجلة اليمنى وهي حوالي ٥٨ كيلومترا مربّعا أمكننا اعتبار مجموع مساحة سامرّاء العبّاسيّة ٢٢٥ كيلومترا مربّعا ، هذا عدا مشتملات المدينة

__________________

(١) ريّ سامرّاء ١ : ٤٦.

٢٠