مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-035-8
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٠٨

فتقاتل الفريقان وكانت النصرة للمسلمين.

ثمّ أرسل عمر جيشا إلى العراق في سنة ١٤ بقيادة سعد بن أبي وقّاص ومات المثنّى قبل وصول سعد ، فسار سعد بن أبي وقّاص في ثلاثين ألف فارس من بجيلة ونخع وشيبان وربيعة وأخلاط العرب ، فنزل في الحيرة البيضاء وضرب خيامه بظاهرها وأضاف إليه جميع العرب وهم من العراق في ثمانين ألفا ، فأرسل رسولا إلى النعمان بن المنذر صاحب الحيرة فعرض الرسول إحدى الثلاث : الإسلام أو الجزية أو الحرب ، وبعد المفاوضة أجابه النعمان : ليس بيننا إلّا السيف ، فأخبر الرسول سعد بن أبي وقّاص بالجواب ، ثمّ تلاقت جيوش الفريقين واشتدّ القتال بين جيش سعد وبين جيش النعمان بن المنذر فأصيب النعمان بسنان وتجندل ، ولمّا رأى جنود الحيرة ولّوا الأدبار يريدون القادسيّة نحو جيش الفرس وفيه رستم بن اسفنديار ، واحتوى سعد ابن أبي وقّاص على قصر الخورنق والسدير وترك فيهما جميع ما أخذه في الحيرة.

ولمّا رأى جيش الفرس فلول جيش النعمان ونصرة ملك العرب واستخبروا عن أخذ الخورنق والسدير والحيرة تبلبلوا ، فوقف رستم بينهم خطيبا يشجّعهم على القتال وأقبل عليه في هذه التضاعيف أبو موسى الأشعري موفدا من سعد إلى الفرس فعرض عليهم الشهادة أو الجزية أو الحرب ، وهرب في ذلك الليل من عساكر الفرس إلى المسلمين جماعة ، ثمّ تحاربت جيوش المسلمين والفرس فقتل رستم ، وانتهت هذه الحرب بانتصار المسلمين وفتحهم القادسيّة وهرب الفرس إلى المدائن مولّين الأدبار ، واستولى الفاتحون على أموالهم وذلك في سنة ٢٠.

القائم

اسم موضع قرب سامرّاء يبعد عنها نحو ثمانية كيلومترات من جهة الجنوب ، والقادسيّة بينه وبين دجلة ، والقائم أيضا اسم دير كان في طريق الرقّة ببغداد لأنّ

٢٦١

عنده مرقبا عاليا كان بين الروم والفرس يرقب عليه على طرف بين المملكتين شبه تلّ عقرقوف ببغداد ، وفيه يقول ابن المغنّي :

بدير القائم الأقصى

غزال شادن أحوى

يرى حبّي له جسمي

ولا يدري بما ألقى

وأكتم حبّه جهدي

ولا والله ما يخفى

وجاء في مراصد الاطّلاع : القائم ثنية قرب سامرّاء ، من أبنية المتوكّل.

وفي ريّ سامرّاء : يتفرّع صدر مجرى القائم من نهر دجلة في نقطته تقع على بعد حوالي ١١ كيلومترا من جنوبي سامرّاء عند برج القائم الواقع على ضفته اليمنى من المجرى.

٢٦٢

ويتكوّن هذا البرج من بناء مربّع الشكل يبلغ طول ضلعه حوالي ستّة أمتار ، وارتفاعه عن الأرض المجاورة ١٥ إلى ٢٠ متر ، ويقع على فم مجرى القائم تماما ، وقد سمّي في أكثر الخرائط باسم (أمام القائم) على حين أنّه لا يوجد فيه غير آثار منارة قديمة هي أقرب إلى شكل النصب التذكاري أو البرج من القبر.

قبان

اسم موضع قرب سامرّاء ، ووجه التسمية لعلّه من جهة كونه مكان قبّان الطعام فسمّي المحلّ باسم الحالّ.

قال في المعجم : قبّان ـ بالفتح والتشديد وآخره نون ـ بوزن القبّان الذي يوزن به وهي مدينة وولاية بآذربيجان قرب تبريز وبيلغان.

قباب السود

بيوت لبعض الأعراب قرب سامرّاء. وفي المعجم : قباب ليث قرية قريبة من بعقوبا من نواحي بغداد ، ودير القباب من نواحي بغداد.

وقال ابن الحجّاج النيلي البغدادي الإمامي :

يا خليليّ صرّفا لي شرابي

بين درتا (١) والدير دير القباب

أسفر الصبح فاسقياني وقد كان

من الليل وجهه في النقاب

وانظر اليوم كيف قد ضحك الز

هر إلى الروض من بكاء السحاب

إنّ صحوي وماء دجلة يجري

تحت غيم يصوب غير صواب

اتركاني فمن يغيّر بالشيب

وينعى إليّ عهد الشباب

__________________

(١) درتا بالضمّ ثمّ السكون وتاء مثنّاة من فوق موضع قرب بغداد غربا ، به دير للنصارى. (المعجم)

٢٦٣

فبياض البازي أحسن لونا

إن تأمّلت من سواد الغراب

ولعمري الشباب ما كان عنّي

أوّل الراحلين من أحبابي

قبّة الصليبيّة

جاء في ريّ سامرّاء : إنّ قبّة الصليبيّة تشتمل أطلالها على بناية مثمّنة الشكل من اللبن الجصّي ، تتوسّطها قاعة مربّعة يحيف بها رواق مثمّن ، وقد أجمع الأخصّائيّون على أنّها كانت متوّجة بقبّة وقد رسم هرتسفيلد مخطّطا مفصّلا لهذه البناية كما أنّه رسم مقطعا عرضيّا. ويظنّ البعض أنّ هذه البناية كانت ضريحا لأحد الخلفاء ويرى آخرون أنّها كانت منظرة على رأس الجسر من الجهة الغربيّة وهي في نفس الوقت قبّة حرّاس الجسر نظرا لوقوعها أمام الجسر تماما.

٢٦٤

٢٦٥

قبط

قال في المعجم : قبط ـ بالكسر ثمّ السكون ـ بلاد القبط بالديار المصريّة ، سمّيت بالجيل الذي كان يسكنها. وقبط أيضا ناحيّة بسامرّاء مجمع أهل الفساد كالحانات. وقبط أيضا علم لأخي قفط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه‌السلام.

وقال في ترجمة قفط : لمّا حاز مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه‌السلام الديار المصريّة وكثر ولده أقطع ابنه قفط بالصعيد الأعلى إلى أسوان في المشرق ، وابتنى مدينة قفط في وسط أعماله فسمّيت به وهي الآن وقف على العلويّين من أيّام أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام.

قبيصة

مخطط قبة الصليبية ـ حسب تخطيط هرتسفلد.

في المعجم : القبيصة منسوبة إلى رجل اسمه قبيصة ـ بالفتح ثمّ الكسر ـ قرية من أعمال شرقي مدينة الموصل ، بينهما مقدار فرسخين. والقبيصة أيضا قرية أخرى قرب سامرّاء ذكرها جحظة البرمكي كما مرّ في العلث حيث يقول :

اعدلا بي إلى قبيصة الز

هراء حتّى أعاشر الرهبانا

أقول : وأهالي سامرّاء يسمّونه قصيبة بتقديم الصاد فيها بيوت لبعض الأعراب.

قلعة

بيوت لبعض الأعراب على الضفة الغربيّة من دجلة قرب سامرّاء ، ينتهي إليه الخطّ الفرعي من السكّة الحديديّة وهي محطّة القطار ، ينزل عنه الزوّار الذين يريدون سامرّاء. وقلعة جمعه قلاع وأكثر استعمالها في لغة العجم يريدون بها السور والحصون.

٢٦٦

القرّة

اسم موضع قرب سامرّاء. وفي المراصد : القرّة قرية قريبة القادسيّة ينسب إليها ذو القرّة.

وفي تاريخ الحيرة (١) : القرّة قرية قرب القادسيّة ورد ذكرها في أبيات عدي بن زيد قال:

أبلغ خليلي عند هند فلا

زلت قريبا من سواد الخصوص

موازي القرّة أو دونها

غير بعيد من عمير اللصوص

كرخ سامرّاء

قال في المعجم : كرخ سامرّاء يقال له كرخ فيروز منسوب إلى فيروز بن بلاش ابن قباذ الملك ، وهو أقدم من سامرّاء ، فلمّا بنيت سامرّاء اتصل بها ، وكان الأتراك الأشبيليّة ينزلونه في أيّام المعتصم ، وبه قصر أشناس التركي مولى وهو موضع مدينة قديمة على ارتفاع من الأرض ، ونسب إليها جماعة من أهل العلم ، وهو اليوم في الشمال الغربي من سامرّاء الحاليّة لم يبق منه إلّا معالم خاوية وأطلال متراكمة ، وعنده بيوت من الأعراب تعرف باسم شناس عند أهالي سامرّاء.

وذكر في المعجم عدّة مواضع باسم الكرخ :

منها : كرخ البصرة وهي الآن خراب.

ومنها : كرخ بغداد وهي عامرة إلى الآن. وقال : ولمّا ابتنى المنصور مدينة بغداد أمر أن تجعل الأسواق في طاقات المدينة أزاء كلّ باب سوق ، فلم يزل على ذلك مدّة حتّى قدم عليه بطريق من بطارقة الروم رسولا من عند الملك فأمر الربيع أن يطوف به المدينة حتّى ينظر إليها ويتأمّلها ويرى سورها وأبوابها وما حولها من

__________________

(١) تاريخ الحيرة : ٢٧٢.

٢٦٧

العمارة ويصعده السور حتّى يمشي من أوّله إلى آخره ويريه قباب الأبواب والطاقات وجميع ذلك. ففعل الربيع ما أمره به فلمّا رجع إلى المنصور قال له : كيف رأيت مدينتي؟ قال : رأيت بناء حسنا مدينة حصينة إلّا أنّ أعداءك فيها معك. قال : من هم؟ قال : السوقة ؛ يوافي الجاسوس من جميع الأطراف فيدخل الجاسوس بعلّة التجارة فيتجسّس الأخبار ويعرف ما يريد وينصرف من غير أن يعلم به أحد.

فسكت المنصور ، فلمّا انصرف البطريق أمر بإخراج السوقة من المدينة وتقدّم إلى إبراهيم بن جيش الكوفي وخراش بن المسيّب اليماني وأمرهما أن يبنيا ما بين الصراة ونهر عيسى سوقا وأن يجعلاهما صفوفا ، ورتّب كلّ صفّ في موضعه وقال : اجعلا سوق القصّابين في آخر الأسواق فإنّهم سفهاء وفي أيديهم الحديد القاطع ، ثمّ أمر أن يبنى لهم مسجدا يجتمعون فيه يوم الجمعة ولا يدخلون المدينة. وقيل : إنّ السبب في نقلتهم إلى الكرخ أنّ دخاخينهم ارتفعت واسودّت حيطان المدينة وتأذّى به المنصور فأمر بنقلهم. فقال محمّد بن داود الأصبهاني :

يهيم بذكر الكرخ قلبي صبابة

وما هو إلّا حبّ من حلّ بالكرخ

ولست أبالي بالردى بعد فقدهم

وهل يجزع المذبوح من ألم السلخ

أقول وقد فارقت بغداد مكرها

سلام على أهل القطيعة والكرخ

هوائي ورائي والمسير خلافه

فقلبي إلى كرخ ووجهي إلى بلخ

وكانت الكرخ أوّلا في وسط بغداد والمحال حولها ، فأمّا الآن محلّة مفردة في وسط الخراب وأهلها كلّهم شيعة إماميّة لا يوجد فيهم سنّي البتّة. أمّا الآن فالكرخ في وسط البلدة من أعمر بلدان العراق وأهلها شيعة إماميّة كما ذكره ، والجسران الثابتان معقودان بينها وبين بغداد الجديدة (الرصافة) في نهاية البداعة والجمال.

ومنها : كرخ جدّان ـ بضمّ الجيم والدال المشدّدة ـ بليدة في آخر ولاية العراق

٢٦٨

وهو الحدّ بين ولاية شهرزور والعراق. وإلى هذا الكرخ ينسب الشيخ أبو محفوظ معروف الكرخي ابن فيروزان. وقد استوفينا الكلام في أخبار معروف وسيرته في كتابنا (السيوف البارقة في الردّ على المتصوّفة المارقة) مطبوع ، ثمّ ألّفنا أخيرا (كشف الاشتباه في أصحاب الخانقاه) فطبع في سنة ١٣٧٧ وذكرنا فيه معروف الكرخي.

ومنها : كرخ خوزستان مدينة وأكثرهم يقول كرخة.

ومنها : كرخ عبرتا من نواحي النهروان.

ومنها : كرخ ميسان كورة بسواد العراق وميسان بين البصرة وواسط فيها قبر العزير مشهور معمور.

الكوير

تقدّم في قصر الكوير. وآجر الكوير يضرب به المثل في سامرّاء في الكبر والضخامة.

مدق الطبل

يبعد عن سامرّاء نحو فرسخ شرقا ، به آثار عتيقة ، ومعالم القصور والأبنية ترشدنا إلى أنّه كانت هناك قصور شاهقة وأبنية جليلة في غاية الجمال والنزهة.

عفت الرياح على محلّ ديارهم

فكأنّما كانوا على ميعاد

هاطري

قال في المعجم : بسكون الطاء فيلقتي ساكنان وفتح الراء شمال قرية بينها وبين الجعفري الذي عند سامرّاء ثلاثة فراسخ.

هذا آخر ما أردنا ذكره من الأمكنة والبقاع في سامرّاء حاضرها وماضيها حسب ما عثرنا عليه بالتتبّع ، وتقدّم كثير منها في ذكر القصور والآبار.

٢٦٩

دجلة سامرّاء ومبدؤها والبلاد التي تمرّ عليها

قال في المعجم : دجلة لا تدخله الألف واللام.

قال حمزة : دجلة معرّبة على ديلد ، ولها اسمان آخران وهما : أرنك روز (وكودك دريا) أي البحر الصغير.

وأوّل مخرج دجلة من موضع يقال له عين دجلة على مسيرة يومين ونصف من آمد من موضع يعرف ب «هاورس» من كهف مظلم ، وأوّل نهر ينصبّ إلى دجلة يخرج من فوق شمشاط بأرض الروم يقال له نهر الكلاب. ثمّ أوّل واد ينصبّ إليه سوى السواقي والرواضع والأنهار التي ليست بعظيمة وادي الصلب وهو واد بين ميافارقين وآمد. قيل : إنّه يخرج من هاورس وهاورس الموضع الذي فيه استشهد علي الأرمني ، ثمّ ينصب إليه وادي ساتيدما ووادي الزور الآخذ من كلك وهو موضع ابن بقراط البطريق من ظاهر أرمنيّة.

ثمّ ينصبّ أيضا من وادي ساتيدما نهر ميافارقين ثمّ ينصبّ إليه وادي السربط وهو الآخذ من ظهر أبيات أرزن وهو يخرج من خويث وجبالها من أرض أرمنيّة ، ثمّ توافى دجلة موضعا يعرف بتلّ فافان فينصب إليها وادي الرزم وهو الوادي الذي يكثر فيه ماء دجلة. وهذا الوادي مخرجه من أرض أرمنيّة من الناحية التي يتولّاها موشاليق البطريق ، وما والى تلك النواحي الوادي المشتقّ ينصبّ إلى دجلة وهو خارج من ناحية خلاط ، ثمّ تنقاد دجلة كهيئتها حتّى توافى الجبال

٢٧٠

المعروفة بجبال الجزيرة فينصب إليها نهر عظيم يعرف ببيرة ؛ يخرج من دون أرمنيّة في تخومها ، ثمّ ينصبّ إليها نهر عظيم يعرف بنهر باعيناثا ، ثمّ توافى أكتاف الجزيرة المعروفة بجزيرة ابن عمر فينصبّ إليها واد مخرجه من ظاهر أرمنيّة يعرف بالبوريا ، ثمّ توافى ما بين باسورين والجزيرة فينصبّ إليها الوادي المعروف بدوشا ودوشا يخرج من الزوزان فيما بين أرمنيّة وآذربيجان ، ثمّ ينصبّ إليها وادي الخابور وهو أيضا خارج من الموضع المعروف بالزوزان وهو الموضع الذي يكون فيه البطريق المعروف بجرير ، ثمّ تستقيم على حالها إلى بلد وموصل.

وينصبّ إليها ببلد من غربيّها نهر ربّما منع الراجل من خوضه ، ثمّ لا يقع فيها قطرة حتّى توافى الزاب الأعظم مستنبطة من جبال آذربيجان ، يأخذ على زركون وبغيش فتكون ممازجة إيّاها فوق الحديثة بفرسخ ، ثمّ تأتي السن فيعترضها الزاب الأسفل مستنبطة من أرض شهرزور ثمّ توافى سرّ من رأى.

وقيل : إنّ أصل مخرجه من جبل بقرب آمد عند حصن يعرف بحصن ذي القرنين من تحته تخرج عين دجلة ، وهي هناك ساقية ، ثمّ كلّما امتدّت انضمّ إليها مياه جبال ديار بكر حتّى تصير بقرب البحر مدّ البصر. ورأيت بآمد وهي يخاض بالدواب ، ثمّ يمتدّ إلى ميافارقين ، ثمّ إلى حصن كيفا ، ثمّ إلى جزيرة ابن عمر وهو يحيط بها ، ثمّ إلى بلد والموصل ، ثمّ إلى تكريت ، ثمّ إلى سرّ من رأى ، ثمّ بغداد ، ثمّ واسط ، ثمّ البصرة ، ثمّ عبّادان ، ينصبّ في بحر الهند.

وروي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنه إنّه قال : أوحى الله تعالى إلى دانيال عليه‌السلام وهو دانيال الأكبر أن احفر لعبادي نهرين واجعل مفيضهما البحر ، فقد أمرت الأرض أن تطيعك ، فأخذ خشبة وجعل يجرها في الأرض والماء يتبعه ، وكلّما مرّ بأرض يتيم أو أرملة أو شيخ كبير ناشدوه الله تعالى فيحيد عنهم فعواقيل دجلة والفرات من ذلك. وأبو العلاء المعرّي يصف دجلة بقوله :

٢٧١

سقيا لدجلة والدنيا مفرّقة

حتّى يعود اجتماع النجم بثيتا

وبعدها لا أحبّ الشرب من نهر

كأنّما أنا من أصحاب طالوتا

ذمّ الوليد ولم أذمّم بلادكم

إذ قال ما أنصفت بغداد حوشيتا

وقال أبو القاسم عليّ بن محمّد التنوخي القاضي يصف دجلة وصفاءها :

أحسن بدجلة والدجى منصّب

والبدر في أفق السماء مغرّب

فكأنّها فيه بساط أزرق

وكأنّها فيها طراز مذهّب

أقول : ولا بأس أن نشير إلى شرح بعض ألفاظها وترجمة البلاد التي تمرّ عليها تكميلا للفائدة مستندين في نقلنا على المعجم والمراصد وقاموس اللغة وغيرها.

آمد

بكسر الميم لفظة روميّة وهي أعظم مدن ديار بكر وأجلّها قدرا وأشهرها ذكرا ، وهو بلد حصين قديم ركين مبنى بالحجارة السود ، ودجلة محيطة بأكثره مستديرة به كالهلال ، وفي وسطه عيون وآبار قريبة نحو الذراعين يتناول ماؤها باليد ، وفيها بساتين ونهر يحيط بها السور.

وذكر ابن الفقيه أنّ في بعض شعاب بلد آمد جبلا فيه صدع ، وفي ذلك الصدع سيف من أدخل يده في ذلك الصدع وقبض على قائم السيف بكلتا يديه اضطرب السيف في يده وأرعد هو ولو كان من أشدّ الناس ، وهذا السيف يجذب الحديد أكثر من جذب المقناطيس ، وكذا إذا حكّ به سيف أو سكّين جذبه ، والحجارة التي في ذلك الصدع لا تجذب الحديد ، ولو بقي السيف الذي يحكّ به مائة سنة ما نقصت القوّة من الجذب.

وفتحت آمد في سنة عشرين من الهجرة بيد عياض بن غنم ، انتهى.

وينسب إليها من أهل العلم جماعة منهم الفاضل الشهير والمحقّق الخبير ناصح

٢٧٢

الدين عبد الواحد بن محمّد بن عبد الواحد التميمي الآمدي صاحب كتاب غرر الحكم المطبوع المشهور ، جمع فيه كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ذكره النوري في مستدرك الوسائل وقال فاضل عالم محدّث شيعيّ إماميّ.

قال ابن شهر آشوب في أوائل كتاب المناقب : قد أذن لي الآمدي في رواية غرر الحكم ، وقد عوّل عليه وعلى كتابه وجعل كتابه من كتب الخاصّة فلا مجال للشكّ في كونه من علماء الإماميّة.

ومنهم العالم المحقّق المحدّث الخبير الأديب أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى المعاصر لابن النديم صاحب المصنّفات المليحة الجيّدة ، ذكره القمّي في الكنى والألقاب ، توفّي سنة ٣٧١.

ومنهم أبو الحسن عليّ بن محمّد بن سالم التغلبي سيف الدين الآمدي الشافعي صاحب المصنّفات في الفقه والمنطق ، توفّي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.

هلورس

موضع عند مخرج دجلة على يومين ونصف من آمد ، وهي بفتح اللام بعد الهاء.

شمشاط

بكسر أوّله وسكون ثانيه وشين مفتوحة وآخره طاء مهملة ، مدينة بالروم على شاطئ الفرات ، سمّيت بشمشاط بن اليفز ابن سام بن نوح عليهما‌السلام لأنّه هو أوّل من أحدثها.

نهر الكلاب

هو أوّل نهر يصبّ في دجلة ، مخرجه من فوق شمشاط من أرض الروم.

٢٧٣

الرواضع

هي الأراضي التي ينبع منها الماء والسواقي والأنهار الصغار.

وادي الصلب

بفتح أوّله وسكون ثانيه وآخره باء موحّدة ، واد بين آمد وميافارقين ، ينصبّ في دجلة ، ذكروا أنّه يخرج من هلورس.

ميافارقين

بفتح أوّله وتشديد ثانيه ثمّ فاء وبعد ألف راء وقاف مكسورة وياء ونون ، أشهر مدينة بديار بكر ، سمّيت بميا بنت أد لانّها أوّل من بناها ، وفارقين هو الخلاف ، وبالفارسيّة يقال له بارچين لأنّها كانت أحصنت خندقها فسمّيت بذلك. وقيل : ما بني منها بالحجارة فهو بناء أنوشيروان بن قباذ ، وما بني بالآجر فهو بناء أبرويز. وأطال الكلام هنا الحموي في المعجم.

وذكر الزبيدي في تاج العروس في مادة (مية) في وجه تسميتها بذلك ما يشبه ما ذكره الحموي ، وأستبعد ما ذكره في المعجم ، فراجع.

سادتيدما

بعد الألف تاء مثنّاة من فوق مكسورة وياء مثنّاة من تحت ودال مهملة مفتوحة ثمّ ميم وألف مقصورة ، أصله مهمل الاستعمال في كلام العرب ، فإمّا أن يكون مرتجلا عربيّا لأنّهم قد أكثروا في شعرهم ذكره ، وإمّا أن يكون عجميّا. قال الشاعر :

وأبرد من ثلج ساتيدما

وأكثر ماء من العكرش

وقال الآخر :

٢٧٤

ولمّا استقلّت في جلولا ديارهم

فلا الظهر من ساتيدما ولا اللحف

وساتيدما جبل بين ميافارقين وسعرت ، وسمّي بذلك لأنّه ليس يوم إلّا ويسفك فيه دم كأنّما اسمان جعلا اسما واحدا ؛ ساتي دما ، وساتي وسادي بمعنى وهو سدا الثوب فكأنّما الدماء تستدي فيه كما يسدي الثوب.

وادي الزور

بضمّ أوّله وسكون ثانيه وآخره الزاء معناه الباطل ، والزور نهر يصبّ في دجلة قرب ميافارقين. وزور اسم لمواضع أخر ذكرها في المراصد.

الكلك

كافان بينهما لام ساكنة ، موضع بين ميافارقين وأرمنيّة ، يخرج منها نهر يصبّ في دجلة.

سربط

بفتح أوّله وسكون ثانيه وفتح الباء الموحّدة والطاء ، موضع في بلد أرمنيّة ، له نهر يعرف به وينصبّ في دجلة ، مأخذه من ظهر أبيات أرزن ، وهو يخرج من خويث.

أبيات أرزن

أبيات جمع بيوت ، وأرزن ـ بالفتح ثمّ السكون وفتح الزاي ونون ـ مدينة مشهورة قرب خلاط ، ولها قلعة حصينة وكانت من أعمر نواحي أرمنيّة وقد فتحت على يدي عياض بن غنم في سنة عشرين صلحا. وأرزن الروم بلدة أخرى من بلاد أرمينيّة أهلها أرمن.

٢٧٥

خويث

آخره ثاء مثلّثة تصغير خوث ، بلد في ديار بكر.

فافان

بفائين آخره نون ، موضع على دجلة تحت ميافارقين ينصبّ في دجلة عند وادي الرزم.

وادي الرزم

هو واد في أرض أرمينيّة فيه ماء كثير يصبّ دجلة حتّى تحمل السفن وتخرج من أرض أرمينيّة التي كان يتولّاها موشاليق البطريق وما والاها من تلك النواحي ، وفي وادي الرزم ينصبّ النهر المشتقّ لبدليس وهو خارج من ناحية خلاط ، وبدليس بلدة من نواحي أرمينيّة.

خلاط

بكسر أوّله وآخره طاء مهملة ، البلدة العامرة المشهورة ذات الخيرات الواسعة والثمار اليانعة ، فتحها عياض بن غنم وهي قصبة أرمينيّة الوسطى فيها الفواكه الكثيرة ، والمياه الغزيرة وببردها في الشتاء يضرب المثل ، ولها البحيرة التي ليس له في الدنيا نظيرها ، يجلب منها السمك المعروف بالطريخ إلى سائر البلاد ، وبينه وبين غزنة مسيرة أربعة أشهر ، وهي من عجائب الدنيا.

قال ابن الكلبي : من عجائب الدنيا بحيرة خلاط فإنّها عشرة أشهر لا يكون فيها ضفدع ولا سرطان ولا سمكة ثمّ تظهر بها السمكة مدّة شهرين في كلّ سنة.

ويقال : إنّ قباء الأكبر لمّا طلسم آفاق بلاده وجّه بلنياس صاحب الطلسمات إلى أرمينيّة فلمّا صار إلى بحيرة خلاط طلسمها فهي عشرة أشهر.

٢٧٦

جبال الجزيرة

وهي جزيرة أقور بالقاف وهي التي بين دجلة والفرات مجاورة الشام تشتمل على ديار مصر وديار بكر ، سمّيت الجزيرة لأنّها بين دجلة والفرات مجاورة الشام تشتمل على ديار مضر وديار بكر ، وهما يقبلان من ديار الروم وينحطّان متيامنين حتّى يلتقيان قرب البصرة ثمّ يصبّان في البحر ، وطولها عند المنجّمين سبع وثلاثون درجة ونصف ، وعرضها ستّ وثلاثون درجة ونصف ، وهي صحيحة الهواء جيدّه الربع والنماء ، واسعة الخيرات ، بها مدن جليلة وحصون وقلاع كثيرة ، ومن أمّهات مدنها حرّان والرهان والرقّة ورأس العين ونصيبين وسنجار والخابور وماردين وآمد وميافارقين والموصل وغيرها. وبلاد الجزيرة افتتحها عياض بن غنم في سنة سبع عشرة من الهجرة.

بيره

بسكون الياء بعد الباء وهي على شاطئ الفرات من بلد الجزيرة فوق جسر منبج.

باعيناثا

بياء ساكنة بعد الباء والألف والعين وبعد الياء نون وألف وثاء مثلّثة وألف أخرى ، قرية كبيرة كالمدينة فوق جزيرة ابن عمر ، لها نهر كبير يصبّ في دجلة وفيها بساتين كثيرة ، وهي من أنزه المواضع ، تشبه بدمشق. ذكرها أبو تمام في شعره فقال :

لو لا اعتمادك كنت ذا مندوحة

عن برقعيد وأرض باعيناثا

٢٧٧

جزيرة ابن عمر

هي بلدة فوق الموصل ، بينها ثلاثة أيّام ، ولها رستاق مخصّب واسع الخيرات ، وأحسب أنّ أوّل من عمّرها الحسن بن عمر بن الخطّاب التغلبي ، وكانت له إمرة بالجزيرة وهذه الجزيرة تحيط بها دجلة إلّا من ناحية واحدة شبه الهلال ، ثمّ عمل هناك خندقا أجرى فيه الماء ونصب عليه رحى فأحاط بها الماء من جميع جوانبها بهذا الخندق.

باسورين

ناحية من أعمال الموصل في شرقيّ دجلتها ، لها ذكر في أخبار آل حمدان.

الزوزان

بفتح أوّله وثانيه ثمّ زاي أخرى وآخره نون ، كورة حسنة بين جبال أرمينيّة وبين خلاط وآذربيجان ديار بكر والموصل وأهلها أرمن ، وفيها طوائف من الأكراد.

وقال ابن الأثير : الزوزان ناحية واسعة في شرقيّ دجلة من جزيرة ابن عمر وأوّل حدوده من نحو يومين من الموصل أوّل حدود خلاط ، وينتهي آخرها إلى آذربيجان إلى أوّل أعمال سلماس ، وفيها قلاع كثيرة حصينة كلّها للأكراد.

الخابور

بعد الألف باء موحّدة وآخره راء ، وهو فاعول من أرض خبرة وخبراء ، وهو القاع الذي ينبت السدر ، أو من الخبار وهو الأرض الرخوة ذات الحجارة. وقيل : فاعول من خابرت الأرض إذا حرثتها.

وقال ابن بزرج : لم يسمع اسم على فاء ولاء إلّا أحرفا ، الضار وراء الضر ،

٢٧٨

والسار وراء السر ، والدلولاء الدل ، وعاشوراء العاشر من المحرّم.

قال ابن الأعرابي : والخابور اسم موضع وهو أيضا اسم نهر كبير بين رأس العين والفرات والجزيرة ، ولاية واسعة وبلدان جمّة غلب عليها اسمه فنسبت إليه من البلاد قرقيسيا وماكسين والمجدل وعربان ، وأصل هذا النهر من العيون التي برأس العين وينضاف إليه فاضل الهرماس ، وهو نهر نصيبين فيصير نهرا كبيرا فيمتدّ فيسقي هذه البلاد ثمّ ينتهي إلى قرقيسيا فيصبّ عندها في الفرات ، وفيه من أبيات أخت الوليد بن طريف :

أيا شجر الخابور مالك مورقا

كأنّك لم تجزع على ابن طريف

فتى لا يحبّ الزاد إلّا من التقى

ولا المال إلّا من قنا وسيوف

وقال الأخطل :

أراعيك بالخابور نوق وأجمال

ورسم عفته الريح بعدي بأذيال

وقال ربيع بن أبي الحقيق اليهودي من بني قريظة :

دور عفت بقرى الخابور غيّرها

بعد الأنيس سوافي الريح والمطر

إن تمس دارك ممّن كان يسكنها

وحشا فذاك صروف الدهر والغير

وقال ابن الأعرابي :

رأت ناقتي ماء الفرات وطيبة

أمر من الدفلى الزعاف وأمقرا

وحنّت إلى الخابور لمّا رأت به

صياح النبيط والسفين المقيّرا

فقلت لها بعض الحنين فإنّ بي

كوجدك إلّا إنّني كنت أصبرا

والخابور خابور الحسينيّة من أعمال الموصل في شرقيّ دجلة وهو نهر من الجبال عليه عمل واسع ، وقرى في شمال الموصل في الجبال له نهر عظيم يسقى عملة ثمّ يصبّ في دجلة ومخرجه من أرض الزوزان ومصبّه في دجلة بين بلاد باسورين.

٢٧٩

بلد

هي مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل ، بينهما سبعة فراسخ ، وبينها وبين نصيبين ثلاثة وعشرون فرسخا. وربّما قيل لها بلط ـ بالطاء ـ وإنّما سمّيت بلط لأنّ الحوت ابتلعت يونس عليه‌السلام في نينوى مقابل الموصل وبلطته هناك.

الموصل

من أمّهات بلاد العراق وأحد قواعد الإسلام قليل النظير كبرا وعظما وكثرة خلق وسعة رفعة ، فهي محطّ رحال الركبان ومنها يقصد إلى جميع البلدان ، فهو باب العراق ، ومفتاح خراسان ، ومنها يقصد إلى آذربيجان.

قال : وكثيرا ما سمعت أنّ بلاد الدنيا العظام ثلاثة : نيسابور لأنّها باب الشرق ، ودمشق لأنّها باب الغرب ، والموصل لأنّ القاصد إلى الجهتين قلّ ما يمرّ بها.

قالوا : وسمّيت الموصل لأنّها وصلت بين الجزيرة والعراق.

وقيل : بل الملك الذي أحدثها كان يسمّى الموصل.

وهي مدينة قديمة الأسّ على طرف دجلة ، ومقابلها من الجانب الشرقي نينوى ، وفي وسط مدينة الموصل قبر جرجيس النبي.

وقال أهل السير : إنّ أوّل من استحدث الموصل راوند بن بيوراسف بن الازدهاق.

وقال حمزة : كان اسم الموصل في أيّام الفرس نو أردشير ـ بالنون أو الباء ـ ثمّ كان أوّل من عظّمها وألحقها بالأمصار العظام وجعل لها ديوانا يرأسه ونصب عليه جسرا ونصب طرقاتها وبنى عليه سورا مروان بن محمّد بن مروان بن الحكم آخر ملوك بني أميّة المعروف بمروان الحمار ، وكانت لها ولاية ورساتيق وكثيرا ما وجدت العلماء يذكرون في كتبهم أنّ الغريب إذا أقام في بلد الموصل سنة تبيّن في

٢٨٠