مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-035-8
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٠٨

الغليظة وتحمل إلى سائر البلاد ، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم والنباهة.

لقد نشرت دائرة الآثار القديمة مقالة في خصوص جسر حربى وقالت : يقع الجسر المعروف بين الناس باسم جسر حربى على بعد تسعين كيلومترا من مدينة بغداد وشمالا على الطريق المؤدّي إلى سامرّاء فتكريت ، بالقرب من قصبة بلد ومحطّتها ، وهو مشيّد على مجرى نهر الدجيل باتجاه الشمال الجنوب تماما ، يستند هذا الجسر القديم على أربع قناطر ، فتحة كلّ واحدة من القنطرتين الجانبتين خمسة أمتار وخمسون سنتيما ، وفتحة كلّ واحدة من الوسطتين خمسة أمتار وثمانون سنتيما ، وينفتح بين هذه القناطر الأربع ثلاث روازين ، فتحة كلّ واحدة منها نحو متر ونصف ، فيبلغ طول الجسر العام أربعة وخمسين متراكما أنّ عرضه أحد عشر مترا وثمانون سنتيما. وإنّ ثلاثة من قناطر الجسر مردومة بالأتربة في الحالة الحاضرة حتّى أصول أقواسها. وواحدة منها فقط محافظة على قسم من عمقها ، فهي تكون المجرى الوحيد الذي تجري سيول نهر الدجيل من حين إلى حين. وإنّ الجسر بأجمعه مشيّد ومعقود بالآجر غير أنّ آجر الرصف ليست مفروشة بصورت أفقيّه بل مغروزة بصورة شاقوليّة ومرتّبة على شكل صلب السمك كالأرصفة التي تشاهد في بعض المدن والمعابد البابليّة القديمة.

وكتابة الجسر تمتدّ على جبهتيه على شكل نطاق بديع وهي أهمّ الميزات التي يمتاز بها هذا الجسر ، والتي مجموع طولها مائة متر. وهذه الكتابة أيضا مكوّنة من الآجر غير أنّها ليست منقوشة بطريقة حفر سطوح الآجر بل إنّها مكوّنة بطريق غرز ورصف عدد كبير من قطع الآجر بمهارة فائقة. وإنّ هذه القطع المقصوصة والمنجورة بأبعاد وأشكال مختلفة مغروزة على أكبازة حسب تعبير البنّائين على أن تبرز حافاتها عن أرضيّة الأفريز بروزا كافيا ، ولذلك تكون بمجموعها كتابة يعدّ بديعة بحروفها وحركاتها وزخارفها ، وإنّ أرضيّة الكتابة نفسها لم تكن ملساء بل

٢٤١

هي أيضا مؤلّفة من قطع مزخرفة بزخارف هندسيّة.

ولا حاجة لبيان أنّ زخرفة الأرضيّة بهذه الصورة كيف تزيد في بروز الكتابة وبداعتها ، كما أنّ الطلال التي تكون بجوانب القطع الناتئة تضاعف هذه البروز وهذه البداعة ، ويشبه بذلك كتابة المستنصريّة ببغداد غير أنّ فيها لم يبق شيء من تلك الكتابة سوى بعض القطع التي تعلو الجدار المطلّ على السوق. أمّا الإطار الذي يحيط بالكتابة فهو مؤلّف من قطع آجر منقوشة وأمثال هذه النقوش تشاهد في المدرسة المستنصريّة وفي سقف إحدى الحجرات المتّصلة بالسقيفة في مسجد الكوفة.

ونصّ الكتابة في الجبهة الغربيّة : «بسم الله الرحمن الرحيم ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وأقرضوا الله قرضا حسنا ، وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجرا ، واستغفروا الله إنّ الله غفور رحيم ، الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا. أمر بإنشاء هذه القنطرة المباركة تقرّبا إلى الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا وطلبا للفوز بجنّات الفردوس التي أعدّها للذين آمنوا وعملوا الصالحات نزلا سيّدنا ومولانا الإمام إمام المسلمين ووارث الأنبياء والمرسلين ، خليفة ربّ العالمين ، وحجّته البالغة على الخلائق أجمعين».

ونصّ الكتابة في الجبهة الشرقيّة فهو كما يلي : «الذي أمدّ الله تعالى نصره وأفرض طاعته ... واختصّه بجليل يعجز عنه حصر العادين ، أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين. مكّن الله له في أرضه تمكين الوارثين ، ورفع مقدّس أعماله الصالحات إلى علّيّين ، ونشر بعدالته الزاهرة في آفاق الأرضين ، وأوضح للخلق بولايته سبيل الرشاد ومنهج الحقّ المبين ، ابن الإمام السعيد البرّ التقي أبي

٢٤٢

نصر محمّد الظاهر بأمر الله ، ابن الإمام السعيد الزكي أبي الحسن محمّد المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ، ووارث الخلفاء الراشدين الذين قضوا بالحقّ وبه كانوا يعدلون ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وذلك في سنة تسع وعشرين وستّمائة ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين وسلامه».

بلدة حربى

سمّي الجسر بهذا الاسم نسبة إلى مدينة حربى التي تقع أطلالها في الجبهة الجنوبيّة الغربيّة منه ، وكانت هذه المدينة مشهورة بالمنسوجات القطنيّة وقد ذكرها ياقوت ـ كما تقدّم ـ كما أنّ قطع الخزف التي تظهر بكثرة ما بين أنقاض الأطلال تدلّ على أنّها كانت غنيّة بمعامل الفخار في القرن الثاني عشر الميلادي ، ويظهر أنّ المدينة المذكورة كانت قديمة وكانت معروفة بنفس الاسم حتّى في صدر الإسلام ، وذلك لأنّ الطبري يصرّح بأنّ شبيبا عند ما خرج على الحجّاج عبر دجلة بالقرب من حربى.

وتقع المدينة على الضفة اليسرى من الشطيط الذي كان مجرى دجلة الأصلي ، لقد تحوّل المجرى المذكور من أعلى حربى في أوائل عهد المستنصر ، وهذا التحوّل صار سببا إلى انقطاع الماء عنها وعن المنطقة المجاورة لها ، ولذلك قام المستنصر بالله بإعمال ري مهمّة لإيصال المياه إلى المنطقة التي أخذت تموت من العطش وكان نهر الدجيل من جملة تلك الأعمال والمشاريع ، والجسر يشدّ على هذا النهر لربط ضفتيه. وسنتلو عليك شيئا من أخبار المستنصر في محلّه بصورة تفصيليّة ، إن شاء الله.

الحطميّة

قال في المعجم : بالضمّ ثمّ الفتح وكسر الميم وياء المشدّدة ، قرية من نواحي

٢٤٣

الخالص منسوبة إلى السري بن الحطم أحد القوّاد ، والحطم في اللغة الرجل القليل الرحمة وهو من الحطم وهو الكسر. والحطميّة من الدروع الثقيلة لأنّها تكسر السيوف ، وكان لعليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه درع يقال لها الحطميّة.

الحظيرة

بالفتح وهي قرية كبيرة من أعمال بغداد من جهة تكريت من ناحية الدجيل ينسج فيها ثياب الكرباس الصفيق ويحملها التجّار إلى البلاد.

وقال صاحب المراصد : الحظيرة قرب حربى ينسب إليها ثياب القطن التي تحمل إلى البلاد.

ومن هنا يعلم أنّ أوانا والدجيل وحربى والحظيرة كلّها كانت معمورة غنيّة بمعامل المنسوجات ، على أنّها وشجت الطبيعة بأنواع الفواكه والأوراد والريحان ، وزينته بشقائق النعمان ، وكانت مسرح الريم والغزلان ، وديارات النسّاك والرهبان ، يشدّ إليها للنزهة من كلّ مكان ، واليوم أراض قفرى يستوحش الناظر إليها بعد أن كانت من متنزّهات سامرّاء.

الخالص

قال في المعجم : كورة عظيمة في شرقي بغداد وهو اسم محدث لم أجده في كتب الأوائل ، وإنّ نهر الخالص هو نهر المهدي. إنّ الخالص كثيرة الفواكه وكان لها قرى كثيرة منها شهربان وبعقوبا وقزلرباط ودلتاوه وغيرها. وفي الخالص رمّان قلّما يوجد في غيرها ، وينسب إليها العلّامة الشهير الشيخ مهدي الخالصي الكاظمي المتوفّى سنة ١٣٤٣ بخراسان.

٢٤٤

خان الصعاليك

قال في المجمع وغيره : الصعلوك الفقير الذي لا مال له. يقع هذا الخان في قبلة البلدة الحاليّة. حدّثني بعض من رآه قال : ضلع الحائط منه واقع في دار المرحوم سيّدنا المجدّد الميرزا محمّد حسن الشيرازي رحمه‌الله ، وكان عرض الحائط مترين. قال : ووجدوا أثر الحائط ممتدّا إلى قبالة الصحن الشريف. وخربت سامرّاء بأجمعها غير الخان المشار إليه لأنّه كان في محلّة العسكر ، وتنزل فيه القوافل إلى أن توفّي الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام فنزل فيه الزائرون ، وإليه الإشارة بقوله عليه‌السلام : «تخرب سامرّاء حتّى لا يبقى منها إلّا خان وبقال للمارّة».

وهو الذي أنزل فيه المتوكّل الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام حين أجلاه من المدينة كما رواه الكليني عن صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن الهادي عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك ، في كلّ الأمور أرادوا إطفاء نورك والنقص بك حتّى أنزلوك هذا الخان الأشنع «خان الصعاليك». فقال : ها هنا أنت يابن سعيد؟ ثمّ أومى بيده فقال : انظر ، فنظرت فإذا أنا بروضات أنيقات (١) وروضات باسرات (٢) فيهنّ خيرات عطرات وولدان كأنّهم اللؤلؤ المكنون ، وأطيار وظباء ، وأنهار تفور ، فحار بصري ، وحسرت عيني ، فقال : حيث كنّا فهذا لنا عتيد (٣) لسنا في خان الصعاليك. ومثله في الاختصاص وبصائر الدرجات وغيرها.

خان صعاوية

يقع في شرقيّ سامرّاء ، يبعد عنها نحو ثمانية عشر كيلومترا. قال في القاموس : ابن أبي الصعاوي محدّث ، ويحتمل أنّ من اسمه صعاوي بني الخان المذكور.

__________________

(١) الأنيق المعجب الحسن.

(٢) باسرات أي طربات.

(٣) أي حاضر مهيّأ.

٢٤٥

الخصّى

قال في المعجم : بضمّ أوّله وتشديد ثانيه مقصور ، قرية كبيرة في طرف الدجيل بين حربى وتكريت ، وقد ذكرها الشعراء الخلعاء والمحدّثون ، فمن ذلك :

خصّا بخصّا سلامي كلّ مخمور

بين الدنان طريحا والمعاصير

قوم إذا نفح الناي الطويل لهم

قاموا كما قامت الأجداث للصور

دلتاوة

حديث البناء ـ بكسر الدال وسكون اللام وفتح التاء والواو ـ قرية كبيرة قضاء أهلها شيعة إماميّة ، وهي كثيرة البساتين ، واسعة الفواكه ، متكاثفة النخيل ، ماؤها من نهر ديالة ، بها مقبرة يزعمون أنّها ليوسف بن الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن ابن عليّ عليهما‌السلام وهي من قرى الخالص.

دور

معروف عند أهل سامرّاء بالدر ، يقع في الشمال الشرقي من المدينة الحاليّة ، بينه وبين سامرّاء ستّة فراسخ ، وبها قبر السيّد محمّد الدوري ، يزعم أهل سامرّاء أنّه من أولاد موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وليس لهم دليل تاريخيّ يشهد بذلك بل خلافه ثابت.

قال الحموي في حرف الدال : وأمّا دور سامرّاء ينسب إليها محمّد بن فروخان بن روزبه أبو الطيب الدوري ، حدّث عن أبي خليفة وغيره أحاديث منكرة. روى عن الجنيدي حكايات في التصوّف ، وهذا يدلّ على أنّه من مشايخ الصوفيّة ، ويدلّ أيضا على أنّه من أولاد العجم ؛ لأنّ العرب لا تسمّي باسم فروخان ولا باسم

٢٤٦

روزبه ، لأنّهما لفظان فارسيّان ، ومثل ذلك في التهذيب لابن حجر العسقلاني.

فالمدفون ليس من أولاد موسى بن جعفر عليه‌السلام كما زعمه بعض أهالي سامرّاء مستندين على كتابة حجر على مقبرته لأنّ الكتابة مستحدثة ولم يبعد أنّها من حيل السدنة.

درب الحصا

اسم موضع في سامرّاء كما في شعر أبي هاشم الجعفري الآتي ذكره :

بدرب الحصا مولى لنا يختم الحصا

له الله أصفى بالدليل وأخلصا

وأعطاه آيات الإمامة كلّها

كموسى وفلق البحر واليد والعصا

وما قمّص الله النبيّين حجّة

ومعجزة إلّا الوصيّين قمّصا

دور تكريت

قال في المعجم : دور اسم لمواضع منها دور تكريت وهو بين سامرّاء وتكريت.

ومنها دور جيل ؛ وهي قرية تعرف بدور أوقر ، وهي المعروفة بدور الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة ، بينها وبين بغداد خمسة فراسخ ، ولبني الوزير بها جامع ومنارة. ومنها قرية قرب سمسياط. ومنها قرية قرب بغداد تسمّى دور حبيب من أعمال الدجيل. ومنها محلّة بنيسابور. ومنها قرية قرب الأهواز وهي قرية مشهورة.

دجلة سامرّاء

سيأتي بصورة تفصيليّة.

دجيل

يعروف اليوم باسم سميكة دجيل ، مصغّر لدجلة في شرق سامرّاء ، يمرّ عليه

٢٤٧

القطار الممتدّ إلى سامرّاء ، وهي قرية صغيرة أهلها شيعة إماميّة ، وكانت مدينة كبيرة ذات قرى كثيرة.

قال في المعجم : دجيل اسم نهر في موضعين أحدهما مخرجة من أعلى بغداد بين تكريت وبينها مقابل القادسيّة دون سامرّاء ، فيسقي كورة واسعة وبلادا كثيرة منها أوانا وعكبرى والحظيرة وصريفين ومسكن وغير ذلك ، ثمّ تصبّ فضلته في دجلة أيضا. ومن دجيل هذا مسكن التي كانت عندها حرب مصعب بن الزبير ومقتله.

ودجيل الآخر نهر بالأهواز حفره أردشير بن بابك أحد ملوك الفرس. وقال حمزة : كان اسمه في أيّام الفرس «ديلدا كودك» ومعناه دجلة الصغيرة ، فعرب على دجيل ومخرجه من أرض اصبهان ومصبّه في نهر فارس قرب عبّادان ، وكان عند دجيل هذا وقايع للخوارج وفيه غرق شبيب الخارجي هو الذي خرج على عبد الملك ابن مروان وهو شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني وكان رجلا شجاعا فاتكا غرق في دجلة سنة ٧٧ من الهجرة بعد أن حارب عساكر الحجّاج بن يوسف محاربة شديدة.

وقال في المراصد في حرف الدال عند ذكر دير الجاثليق : دير قديم البناء من طسوج مسكن من نواحي دجيل وعنده كانت الحرب بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير ، وقتل مصعب بقربه وقبره ظاهر عليه مشهد وقبّة يقصد لزيارته.

وجاء في كتاب مشكاة الأدب من ناسخ التواريخ الفارسي : إنّ إبراهيم بن مالك قتل هناك ـ يعني إنّ إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي قتل عند دير الجاثليق ـ وأحرق بنو أميّة جثّته الشريفة بالنار في سنة سبع وستّين من الهجرة ، وقبره بنواحي دجيل عليه قبّة من الجصّ والآجر معروف عند الناس بمرقد إبراهيم بن مالك ، وهذا غير مستبعد لأنّ هناك مقتله وغير بعيد أنّ بعض المحبّين جمع عظامه

٢٤٨

الشريفة ودفنها في ذلك الموضع. وكان إبراهيم كأبيه مالك الأشتر في الشجاعة والبسالة والعلم والتقى والعبادة ، ذكره القاضي في مجالسه وغيره ، وقتل عدّة كثيرة من قتلة الحسين عليه‌السلام منهم عبيد الله ابن زياد وأصحابه ، ولقد استوفينا أخباره مع المختار في كتابنا فرسان الهيجاء وهو مطبوع.

قال ابن الأثير الجزري في الكامل : لمّا قتل المختار أرسل إليه عبد الملك بن مروان ودعاه إلى بيعته وكتب له ولاية العراق فأبى وامتنع ولحق بمصعب. ثمّ قتل إبراهيم في جمادى الآخرة سنة ٦٧ من الهجرة ، قتله عبيد بن ميسرة مولى بني عذرة وحمل رأسه إلى عبد الملك. وقال مصعب : وا إبراهيماه ولا إبراهيم لي اليوم.

رقّة سامرّاء

يعرف باسم الركّة ، بينها وبين سامرّاء ثلاثة فراسخ ، وعندها تنزل عشيرة «البو عبّاس» من أبناء العامّة ، ومهنتهم الزراعة ، وبقربها أمّ الطلاب ، وبشرقيّها ينتهي إلى خان مشاهد وغربيّها ينتهي إلى حويصلات وهي مجمع الطعام على ما قيل ، ولها أراض ليّنة طيّبة سهلة قابلة للزراعة.

والرقّة اسم لمواضع أخر. قال في المعجم : الرقّة البستان المقابل للتاج من دار الخليفة ببغداد ، وهي الجانب الغربي وهو عظيم جدّا ، جليل القدر. والرقّة أيضا مدينة مشهورة على الفرات ، بينها وبين مدينة حرّان ثلاثة أيّام ، معدودة من بلاد الجزيرة لأنّها من جانب الفرات الشرقي ، وكان بالجانب الغربي مدينة أخرى تعرف برقّة واسط ، ورقّة كلّ أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء وجمعها رقاق. وقيل : الرقّة رقّتان : رقّة البيضاء وهي من بلاد الجزيرة. قال سهل بن بني عدي فيه :

وصادمنا الفرات غداة سرنا

إلى أهل الجزيرة بالعوالي

أخذنا الرقّة البيضاء لمّا

رأينا الشهر لوح بالهلال

وأزعجت الجزيرة بعد خفض

وقد كانت تخوّف بالزوال

٢٤٩

والرقّة السوداء ، وهي قرية كبيرة ذات بساتين كثيرة متّصلتان ، وبهذا المعنى يصحّ أن تسمّى جميع أراضي العراق بالرقّة لأنّه ينبسط عليها الماء وهي قابلة لأنواع الكروم والزروع والنخيل وغيرها.

وفي رقّة سامرّاء كثيرا ما توجد آثار عتيقة ويرشدنا لذلك أنّ المدينة التي هناك كانت مهنة أهلها صنع أواني الفخار ويطلون بعضها طلاء ذا ألوان بهيّة مختلفة الأشكال ، منقوشة بنقوش بديعة. ومنها نماذج في متحف سامرّاء الحاليّة. ومعمل الفخار لم يكن مختصّا بسامرّاء ونواحيها بل في جميع العراق كان شايعا كما جاء في تاريخ الحيرة. بل كان أيضا فيها معامل المنسوجات ، وكانت العراق غنيّة بها.

قال : مدينة تشتهر في التاريخ بزهوها وقصورها وعماراتها وديوراتها ، وبأبّهة ملوكها فضلا عن السوق التجاريّة ، واشتغالهم بالفلّاحة والزراعة وتربية الماشية ، وكانوا ينسجون القزّ والكتّان والصوف ، وكان قماشهم أحيانا موشّى بالقصب ، أو مطرّزا بخيوط الذهب ، وجباب أطواقها الذهب ، وكانوا يصنعون لوازم العمارة من الحديد كالباب الحديدي الذي كان موضوعا على دير الأسكون وشكات السلاح والسيوف والسهام ، ونصال الرماح ، وغيرها ممّا كان يتّخذ أسلحة لكتائب الجيش ، وكانوا يصوغون الذهب والفضّة ويرصّعونها بالجوهر.

ساحة الفروسيّة

جاء في كتاب الآثار العراقيّة (١) : إنّ الخرائط الطوبوغرافيّة الدقيقة والصور الجويّة الجيّدة تظهر في السهل الذي تقع شمال المسجد الجامع شكلا غريبا جدّا ، وهو يتكوّن من حيث الأساس من اجتماع أربع حلقات كبيرة حول مربّع مركزي ،

__________________

(١) الآثار العراقيّة : ٦٢.

٢٥٠

وإنّ الخرائط الانكليزيّة التي لاحظت هذه الأشكال المنحنية وتبيّنتها بمساحاتها اعتبرتها آثار حديقة زينته فسيحة الأرجاء غير أنّ التنقيبات الاستكشافيّة التي قامت بها مديريّة الآثار القديمة أثبتت خطأ هذا الظنّ وبعد هذا التفسير عن الحقيقة لقد تبيّن أنّ هذه المنحنيات تتكوّن عن طوقين متوازيين يدوران بهذا الشكل الجميل تاركين بينهما ساحة عرضها ثمانون مترا ، تلتوي حول المربّع المركزي أربع مرّات دون أن تنقطع من أي محل كان والمربّع المركزي المبحوث عنه يكون دكّة مرتفعة تظهر عليهما آثار بناية من الآجر ، ولا يوجد داخل هذه الساحة أو حواليها شيء يشبه قنايا المياه يسوغ فرضيّة حديقة الزينة ، فمن الضروري توجيه الفكر إلى افتراض آخر غير الحديقة.

ومن المعقول اعتبار الدوائر المذكورة كساحة فروسيّة أو حلبة سباق أنشئت على شكل مبتكر بديع فنستطيع القول أنّ الدكّة كانت معدّة لجلوس الخليفة وتفرّجه مع وزرائه وأمّا الساحة الممتدّة بين الدائرتين المتوازيتين الملتوية حول الدكّة المبحوث عنها فكانت معدّة لركض الخيول وتسابقتها.

وأمّا الغرض من هذا الترتيب فيمكن أن يتبيّن من الملاحظات التالية أنّ طول الدورة الكاملة في هذه الدوائر المتتالية يزيد على خمسه كيلومترات في حين أنّ البعد الأعظم عن الدكّة المركزيّة على طول هذه الدورة يقلّ عن ستّمائة متر فيستطيع المتسابقون أن يقطعوا في هذه الساحة خمسة كيلومترات أو أضعافها دون أن يتباعدوا عن أعين الخليفة أكثر من ستّمائة متر في جميع الأحوال.

وممّا يقوّي هذه الفرضيّة أنّ هذه الدوائر تقع في نفس المنطقة التي تشاهد فيها معالم حلبتين واضحتين وأنّ الرسم الفوتوغرافي يري موضع هذه الدوائر بالنسبة إلى الحلبة التي تبدأ من خلف بيت الخليفة من جهة ، والتي تبدأ من تلّ العليق من جهة أخرى هي التي تمتدّ خلف بيت الخليفة تزيد طول دورة هذه الحلبة على

٢٥١

عشرة كيلومترات ويبلغ بعده الأعظم عن الدكّة أربعة كيلومترات ونصف. إنّ طول الدورة كان يساعد على سباقات كبيرة غير أنّ الخيول كانت تتباعد عن الدكّة في هذه الحلبة تباعدا.

إنّ أوضاع هذه الحلبات الثلاث تسوغ الافتراض التالي ويظهر أنّ أقدم هذه الحلبات كبيرا لا يترك مجالا لتتبع حركاتها ، وأمّا الحلبة التتبّع حركاتها ، وأمّا الحلبة التي تبدأ من تلّ العليق فليست واضحة المعالم إلّا في قسمها الأوّل ، ومع هذا

٢٥٢

فإنّ اتّجاه هذا القسم كاف للحكم على أنّ هذه الحلبة كانت طويلة جدّا ، وطبيعيّ أنّ علوّ التلّ كان يساعد على تتبّع حركات الخيول في هذه المسافات الكبيرة غير أنّ ذلك كان ممّا يتطلّب جهدا كبيرا وانتباها شديدا. وأمّا الساحة الفروسيّة التي وصفنا شكلها البديع فيظهر أنّها استحدثت بعد ذلك أيضا بغية إيجاد حلبة سباق يبقى المتسابقون فيها تحت النظر على الدوام.

وبعد ما أنشد البحتري في وصف الحلبة من أرقى شعره ، فقال وهو يمدح المتوكّل :

يا حسن مبدى الخيل في بكورها

تلوح كالأنجم في ديجورها

كأنّما أبدع في تشهيرها

مصوّر حسن من تصويرها

تحمل غربانا على ظهورها

أهووا بأيديهم إلى نحورها

كأنّها والحبل في صدورها

أجادل تنهض في سيورها

مرّت بتاري الريح في مرورها

والشمس قد غاب ضياء نورها

في الرهج الساطع من تنويرها

حتّى إذا أصغت إلى مديرها

وأنفلت تهبط في حدودها

تصوّب الطير إلى وكورها

صار الرجال شرفا لسورها

أعطى فضل السبق من جمهورها

من فضل الأمّة في أمورها

في فضلها وبذلها وخيرها .. الخ

شقرة

يعرف باسم شكره عند أهالي سامرة ، يبعد عنها نحو فرسخين غربا.

قال في المراصد : الشقرة ـ بضمّ الشين ـ اسم مكان.

طارميّة

وفي ريّ سامرّاء (١) قال : اصطلاح «طارميّة» مشتقّ من الكلمتين «طغار» و

__________________

(١) ريّ سامرّاء ١ : ١٧٨.

٢٥٣

«مأة» ومعناهما أنّ الأرض في هذه المنطقة كانت تنتج حاصلا يساوي مأة طغار ، مقابل كلّ طغار واحد من البذر الذي يبذر في تلك الأرض. وإنّ الطارميّة لا تزال تتجمّع فيها المياه في موسم الأمطار.

إلى أن قال : وكانت المياه تتجمع في بحيرة الطارميّة إلى عمق حوالي خمسة أمتار وكانت مساحة الأراضي التي تغمر بمياه الفيضان في بحيرة الطارميّة حوالي سبعين كيلومتر مربّعا. ولمّا زار فيلكس جونس هذه المنطقة في ربيع سنة ١٨٥٠ ميلادي كانت كرة الطارميّة مملوة بالماء فارتوى هو وقافلته منها.

أقول : وفي أرجائها ونواحيها كرة الزهيري ، والشطيطة سدّ نمرود القديم ، تلّ مسعود ، تلّ جبّارات ، مدينة العلث ، دجيل حظيرة وبلد حربى ، تلّ عابر ، تلّ الصخر ، عرقوب الحسينيّة ، تلّ الذهب ، تلول الحير ، قرية باحمشا ، مسكن العوار الصغير ، العوار الكبير ، عكبرا ، أوانا ، بصرى ، البصيرة ، خان المشاهده ، الراشديّة ، الداوديّة ، البردان ، تلّ بدران ، التاجي ، بزرجسابور ، المناريّة ، تلّ صنكر ، سراجى ، قبّة الشيخ ، جادر ، تلّ رم صابح.

وطارميّة تقع في شرقيّ سامرّاء من نواحي دجيل ، وبها مقبرة الشيخ جميل.

جاء في كتاب تنقيح المقال في علم الرجال للعلّامة المامقاني في ترجمة جميل بن درّاج : نقل ثقة عن خبير ثقة أنّ قبر جميل بن درّاج في الطارميّة على دجلة فيما يحاذي دجيل ، ويسمّى الآن السميكة ، وأنّ هناك قبرا وقواما ويسمّى قبر الشيخ جميل بن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام وهو قبر جميل بن درّاج ، انتهى.

فإن كان هو الحق فلا شكّ في استحباب زيارته لأنّ جلالة الرجل وثقته وكونه ممّن اجتمعت العصابة عليه من المسلمات بين أهل الفن ، وذكره عامة أرباب الرجال بكلّ جميل ، وجاء في تنقيح المقال أيضا (أبو الصبيح جميل ابن درّاج أبو علي عبد الله النخعي) عدّه الشيخ في الفهرست من أصحاب الصادق عليه‌السلام وله أصل

٢٥٤

وهو ثقة وجه الطائفة روي عن أبو عبد الله وأبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام وأخذ عن زرارة وأخوه نوح بن دراج القاضي ، وعمي في آخر عمره ومات في أيّام الرضا عليه‌السلام.

وروى الكشي روايات دالّة على عظم شأنه ومدحه وهو ممن اجتمعت العصابة عليه وإن كان غيره فلا نعرفه ولم يكن لموسى بن جعفر عليه‌السلام ولد يسمّى به جميل.

طيرهات

إليها كانت تضاف سامرّاء. وقال : سامرّاء إلى م تضاف؟ ومن أيّ بلاد هي؟ قيل له : من بلاد طيرهات وإليها تضاف ، ولعلّها كانت عاصمة كبيرة ثمّ اندرست وانطمست آثارها كما اندرس نحو أنقرة والأنبار وامغيشيا وبارق وآليس والبردان والحظيرة وبقّة والخص ورامح والسكرة وصريفين والعال وأوانا وعكبرى وحربى وعلث والقادسيّة وغيرها ، فإنّ هذه الأماكن كلّها كانت معمورة ، واليوم لا ترى فيها إلّا الصدى والبوم.

عسكر

تقدّم إنّه اسم من أسماء سامرّاء نزل بها عسكر المعتصم ثمّ صارت محلّة من محلّاتها نزل بها الإمامان عليّ الهادي والحسن العسكري عليهما‌السلام فسمّيا بالعسكريّين وفيه دفنا وكان العسكر محلّة لبني هاشم.

عظيم

اسم واد في شرقيّ سامرّاء يبعد عنها نحو ستّة فراسخ عندها بيوت لبعض الأعراب الفلّاحين.

٢٥٥

علث

قال في المعجم : العلث ـ بفتح أوّله وسكون ثانيه وآخره ثاء مثلّثة ـ وهي قرية على دجلة بين عكبرى وسامرّاء.

وذكر الماوردي في الأحكام السلطانيّة أنّ العلث قرية موقوفة على العلويّين وهي أوّل العراق في شرقيّ دجلة وفيها يقول أحمد بن جعفر جحظة البرمكي :

وحانة بالعلث وسط السوق

نزلنها وصادني رفيقي

على غلام من بني خليق

بكلّ فعل حسن خليق

فجاء بالجام وبالابريق

أما رأيت قطع العقيق

أما رأيت شفق البروق

أما شممت نكهة المعشوق

ما أحسن الأيّام بالصديق

على صبوح وعلى غبوق

إن لم يحل ذاك إلى التفريق

وزاد في ريّ سامرّاء (١) : وقريب من هذا ما كتبه ابن عبد الحقّ في المراصد ، قال : والعلث قرية على دجلة بين عكبرا وسامرّاء وموقوفة على العلويّين كانت في شرقي دجلة وهي الآن ـ سنة ٨٣٩ هجري ـ من عمل دجيل على الشطيطة.

وكان إلى جانب مدينة العلث دير يعرف باسم «دير العلث» وهو الذي امتدحه الشابشتي فقال عنه فيما قاله : وهذا الدير راكب على دجلة وهو من أحسن الديارات موقعا وأنزهها موضعا يقصد من كلّ بلد ويطرقه كلّ أحد ، ولا يكاد يخلو من منحدر ومتعمّد ، ومن دخله لم يتجاوزه إلى غيره لطيبه ونزهته ووجود جميع ما يحتاج إليه بالعلث كما تقدّم في دير علث.

__________________

(١) ريّ سامرّاء ١ : ١٨٤.

٢٥٦

وقال (١) : ما زالت خرائب العلث الواسعة تشاهد على مسافة حوالي سبعة كيلومترات من شمالي غربي مدينة بلد الحاليّة وقد حافظت على اسمها القديم حتّى اليوم فهي لا تزال تسمّى أطلالها بالعلث كما أنّه لا يزال يسمّى سكنة هذه المنطقة علثاويين ، وتمتدّ خرائب العلث هذه على طول الضفة البريّة لمجرى دجلة القديم.

ويوجد شرقي خرائب العلث المذكورة على بعد حوالي ثلاثمائة متر منها تقريبا تلّ مدوّر الشكل يسمّى تلّ صنكر ، يرجح أنّه جزء من خرائب العلث بعد أن تحوّل مجرى دجلة عنها.

وممّا يدلّ على استمرار ازدهار مدينة العلث بعد تحوّل مجرى دجلة عنها أنّ المستنصر كان يمضي إلى العلث قرية من دجيل ، بينها وبين بغداد مسيرة يومين حتّى يزور إسحاق العلثي الحنبلي. ثمّ دجله أهلكته بمدودها حتّى لم يبق منه أثر.

عكبرى

قال في المعجم : بفتح أوّله وسكون ثانيه وفتح الباء الموحّدة بعدها راء مقصورة بليدة من ناحية دجيل ، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ ، وكانت عكبرى من الجانب الشرقي على شاطئ دجلة فلمّا تحوّلت دجلة إلى الشرق صارت دجلة تحتها تسمّى الشطيطة ، وخربت وانتقل أهلها إلى أوانا وغيرها. وينسب إليها العلم الأكبر ، إمام الشيعة وأستاذهم ، الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن نعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد رحمة الله عليه.

الغواضر

اسم موضع قرب سامرّاء. قال في القاموس : الغضارة الطين اللازب الأخضر الحرّ ، والغضراء الأرض الطيّبة وأرض فيها طين حرّ ، والغضيرة أرض لا ينبت

__________________

(١) نفسه : ١٨٣.

٢٥٧

فيها النخل حتّى تحفر ، والغضور كجهور طين لزج وشجر وماء لطيّ. والغضرة نبت. الغواضر جمع الغاضرة ، ولعلّ اتصاف تلك الأراضي بهذه الأوصاف كان سببا لتسميتها بها لطيب ترابها وكثرة نباتها.

القادسيّة

قال في المعجم : قرية كبيرة من نواحي دجيل ، بين حربى وسامرّاء ، يعمل بها الزجاج ، على بعد ثمانية كيلومترات من جهة الجنوب ، وفي هذه القادسيّة يقول جحظة البرمكي :

إلى شاطئ القاطول بالجانب الذي

به القصر بين القادسيّة والنخل

وجاء في كتاب الآثار العراقيّة القديمة (١) : إنّه سور عظيم يحيط بساحة مثمّنة الشكل ، يبلغ معدّل طول كلّ ضلع من أضلاعها ستّمائة وثلاثين مترا ، وتقع القادسيّة بين نهر القائم ونهر دجلة ، وفي طرفيها نهران مشتقّان من القائم يصلان بينه وبين دجلة ، والسور مبنى باللبن ومدعوم بسلسلة أبراج يبلغ عددها المائة والأربعين ، ويشاهد داخل ضلعها الجنوبي سلسلة غرف ذات عقادات مدبّبة كما يشاهد في وسطها معالم بعض البنايات.

ويظنّ أنّ القادسيّة هي المدينة التي شرع في إنشائها المعتصم عندما أراد إنشاء عاصمته الجديدة التي عدل عن إتمامها وانصرف عنها عند ما شاهد موقع سامرّاء ، كما جاء ذكره في كتاب اليعقوبي.

والقادسيّة السفينة العظيمة أيضا. والقادسيّة بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال. قيل : سمّيت القادسيّة بقادس هرات.

وقال المدائني : كانت القادسيّة تسمّى قدسيّا.

__________________

(١) الآثار العراقيّة : ٧٢.

٢٥٨

وروى ابن عيينة قال : مرّ إبراهيم الخليل عليه‌السلام بالقادسيّة فرأى زهرتها ووجد هناك عجوز فغسلت رأسه فقال لها : قدّست من أرض ؛ فسمّيت القادسيّة.

وبهذا الموضع كان يوم القادسيّة بين المسلمين والفرس في سنة عشرين من الهجرة ، وكان من أعظم وقايع المسلمين وأكثرها بركة.

وقال ابن الكلبي : إنّما سمّيت القادسيّة لأنّ ثمانية آلاف من ترك الخزر كانوا قد ضيّقوا على كسرى بن هرمز وكتب قادس هرات إلى كسرى أن أكفيك معونة هؤلاء الترك تعطيني ما أحتكم عليك؟ قال : نعم ، فبعث النريمان إلى أهل القرى : إنّي سأنزل عليكم الترك فاصنعوا ما آمركم ، وبعث النريمان إلى الأتراك وقال لهم : شتّتوا في الأرض العام ففعلوا وأقبل منها ثمانية آلاف في منازل أصحابه بهرات فبعث النريمان إلى أهل الدور وقال : ليذبح كلّ رجل منكم نزيله الذي نزل عليه ثمّ يغدو إلى بسبلته ففعلوا ذلك فذبحوهم عن آخرهم وغدوا إليه بسبلاتهم فنظمها في خيط وبعثها إلى كسرى وقال : قد وفيت لك فأوف لي بما شرطت عليك ، فبعث

٢٥٩

إليه كسرى أن أقدم عليّ فقدم إليه النريمان ، فقال له كسرى : احتكم ، فقال له النريمان : تصنع لي سريرا مثل سريرك ، وتعقد على رأسي تاجا مثل تاجك وتنادمني من غدوة إلى الليل ، ففعل ذلك به ، ثمّ قال : أوفيت؟ قال : نعم. فقال له كسرى : لا والله ، لا ترى هرات أبدا فتجلس بين قومك وتحدّث بما جرى ، وأنزله موضع القادسيّة ليكون ردّا له من العرب ، فسمّي الموضع القادسيّة بقادس هرات. قال في مراصد الاطّلاع : قادسيّة إنّما في الجانب الشرقي من دجلة من سامرّاء وليست من نواحي دجيل.

فتح القادسيّة

قال أهل السير : أوّل من غزا أرض العراق من المسلمين المثنّى ابن حارثة الشيباني ، والآخر سويد بن قطبة العجلي ، فأقبلا حتّى نزلا فيمن نزل ، اجتمعوا بتخوم الأرض من أراضي العجم فكانا يغيران على الدهاقين فيأخذان ما قدرا عليه ، وكان المثنّى يغير من ناحية الحيرة ، وسويد من ناحية الأبلة ، وذلك في خلافة أبي بكر إلى أن أرسل أبو بكر خالد بن الوليد في سنة اثنتي عشرة من الهجرة ، فسار خالد حتّى نزل ببانقيا وصالح أهلها ثمّ أقبل حتّى دنا من الحيرة فصالحهم على تسعين ومائة ألف درهم ، وهذا الصلح لم يدم طويلا لأنّ الحكومة المركزيّة الفارسيّة علمت بالأمر وجيّشت الجيوش لمحاربة الفاتحين ، فانسحب خالد بن الوليد.

ولمّا ولي عمر بن الخطّاب لم يكن له همّ إلّا العراق ، فقعد لأبي عبيدة بن مسعود على جيش وأمره بالمسير إلى العراق ، فساروا حتّى نزلوا الثعلبيّة وزحف عليهم العجم فرشقوهم بالنشّاب حتّى كثرت في المسلمين الجراحات وقتل في هذه الوقعة أبو عبيدة ، وكانت هذه الوقعة في رمضان سنة ١٣ ، ثمّ أرسل عمر جيشا وولّى عليهم جرير بن عبد الله البجلي فسار حتّى وافى الثعلبيّة ثمّ سار حتّى نزل دير هند

٢٦٠