الأزهر في ألف عام - ج ٢

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

وقال شوقي يرد على ما كتب حول الموضوع : وما أنا من ينسى أن معظم أساتذة مدرسة القضاء نفسها في العلوم الشرعية بوجه خاص كانوا من شيوخ الأزهر ورجاله ، وليس من المعقول أن يكون هؤلاء الأفاضل حربا عليها وهم في النهوض بها شركاء. إن للأزهر عندي حرمة لا أحب ان يتشكك فيها الأستاذ ، وأعتقد أن الأزهر قد سد فراغا كبيرا كان التعليم في مصر والبلاد الشرقية جميعا لا يرجى له بدون الأزهر من سداد. وسأظل فخورا بأن من أساتذتي شيوخا من صميم الأزهر الشريف وكبار علمائه.

وقد أراد شوقي ان يؤكد حبه للأزهر ، وينفي عنه مظنة النيل من أبنائه فالتمس فكرة إصلاح الأزهر ، ونظم قصيدته :

قم في فم الدنيا وحي الأزهرا

وانثر على سمع الزمان الجوهرا

واجعل مكان الدر إن فصلته

في مدحه خرز السماء النيرا

واذكره بعد المسجدين معظما

لمساجد الله الثلاثة مكبرا

واخشع مليا واقض حق أئمة

طلعوا به زهرا وماجوا أبحرا

كانوا اجل من الملوك جلالة

وأعز سلطانا وأفخم مظهرا

زمن المخاوف كان فيه جنابهم

حرم الآمان وكان حصنهم الذرا

من كل بحر في الشريعة زاخرا

ويريكه الخلق العظيم غضنفرا

ومنها :

لا تحذ حذو عصابة مفتونة

يجدون كل قديم شيء منكرا

١٤١

ولو استطاعوا في المجامع أنكروا

من مات من آبائهم أو عمرا

من كل ماض في القديم وهدمه

وإذا تقدم للبناية قصرا

وأتى الحضارة بالصناعة رثة

والعلم نزرا والبيان مثرثرا

يا معهدا أفنى القرون جداره

وطوى الليالي ركنه والأعصرا

ومشى على يبس المشارق نوره

وأضاء أبيض لجها والأحمرا

وأتى الزمان عليه يحمي سنة

ويذود عن نسك ويمنع مشعرا

في الفاطميين انتمى ينبوعه

عذب الأصول كجدهم متفجرا

عين من الفرقان فاض نميرها

وحيا من الفصحى جرى وتحدرا

ما ضرني ان ليس أفقك مطلعي

وعلى كواكبه تعلمت السرى

لا والذي وكل البيان إليك لم

أك دون غايات البيان مقصرا

لما جرى الإصلاح قمت مهنئا

باسم الحنيفة بالمزيد مبشرا

نبأ سرى فكسا المنارة حبرة

وزها المصلى واستخف المنبرا

وسما بأروقة الهدى فأحلها

فرع الثريا وهي في أصل الثرى

١٤٢

ومشى إلى الحلقات فانفرجت له

حلقا كهالات السماء منورا

حتى ظننا الشافعي ومالكا

وأبا حنيفة وابن حنبل حضرا

إن الذي جعل العتيق مثابة

جعل الكناني المبارك كوثرا

العلم فيه مناهلا ومجانيا

يأتي له النزاع يبغون القرى

يا فتية المعمور سار حديثكم

ندا بأفواه الركاب وعنبرا

المعهد القدسي كان نديه

قطبا لدائرة البلاد ومحورا

ولدت قضيتها على محرابه

وحبت به طفلا وشبت معصرا

وتقدمت تزجي الصفوف كأنها

(جاندرك) في يدها اللواء مظفرا

هزوا القرى من كهفها ورقيمها

أنتم لعمر الله أعصاب القرى

الغافل الأمي ينطق عنكمو

كالببغاء مرددا ومكررا

يمسي ويصبح في أوامر دينه

وأمور دنياه بكم مستبصرا

لو قلتمو اختر للنيابة جاهلا

أو للخطابة باقلا لتخيرا

ذكر الرجال له فأله عصبة

منهم ، وفسق آخرين ، وكفرا

١٤٣

آباؤكم قرأوا عليه ورتلوا

بالأمس تاريخ الرجال مزورا

صور عن هيكل الأزهر القديم

أبواب الجامع الأزهر : للجامع الأزهر تسعة أبواب :

الأول : باب المزينين

وهو الباب الكبير تجاه رأس شارع الصنادقية له بابان كل باب بمصراعين وهو من زيادات الأمير عبد الرحمن كتخدا ومنقوش على وجهته من الخارج أبيات مموهة بالذهب تشتمل على تاريخ بنائه وهي :

إن للعلم أزهرا يتسامى

كسماء ما طاولتها سماء

حيث وافاه ذا البناء ولو لا

منة الله ما تسامى البناء

رب إن الهدى هداك وآيا

تك نور تهدي به من تشاء

مذ تناهى أرخت باب علوم

وفخار به يجاب الدعاء

والباب الأصلي في هذه الجهة هو الباب المواجه للداخل مما يلي صحن الجامع وبينهما كان يجلس المزينون لحلق رءوس الطلاب فعرف الباب بذلك ، وكان منقوشا على هذا الباب الأصلي في الحجر : بسم الله الرحمن الرحيم : أمر بإنشاء هذا الباب والمئذنة الشريف مولانا السلطان الأشرف قاتيباي بتاريخ شهر رجب الفرد ثلاثة منه سنة ٨٨٨ ه‍ ، وفوق ذلك : لا إله إلا الله محمد رسول الله نصر من الله وفتح قريب وفوقها إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى ، وفوق ذلك كتابة كوفية دقيقة الحروف يتعسر قراءتها وقد أزيلت هذه الكتابة بالتجديدات القريبة.

١٤٤

الثاني : الباب العباسي وهذا الباب في صف الباب الأول وهو باب شامخ ذو فخامة وشأن ، أحدثته الأوقاف عند تأسيس الرواق العباسي منقوش على واجهته من الخارج في الحجر بالحروف المموهة بالذهب من أعلاه : كان الإنشاء والفراغ في عهد إدارة فيضي باشا لعموم الأوقاف بمباشرة صابر بك باشمهندس عموم الأوقاف ، وتحت ذلك بيتان فيهما تاريخ الإنشاء.

ومنقوش تحت ذلك آية (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر ومن داخل هذا الباب فناء يصل لباب يصل لصحن الأزهر وعلى يمين الداخل باب زاوية الرواق العباسي المعدة للتدريس.

الثالث : باب المغاربة وهو تجاه درب الأتراك ويتوصل منه إلى صحن الجامع بعد المرور بين رواق المغاربة ورواق السنارية والأتراك.

الرابع : باب الشوام يقابله الوكالة التي أنشأها السلطان قايتباى ويسلك منه إلى المقصورة القديمة.

الخامس : باب الصعايدة هو بعد باب الشوام تجاه حارة الباطلية وله بابان ، كل باب ذو مصراعين وهو من إنشاء المرحوم الأمير عبد الرحمن كتخدا ويتوصل منه بين المرور بعد رواق الصعايدة ومدفن الكتخدا الى باب واحد يوصل الى المقصورة الجديدة التي هي من إنشاء الكتخدا.

السادس : باب الحرمين وهو يسلك من رواق الحرمين وهو مغلوق أبدا وهو من إنشاء الكتخدا.

السابع : باب الشوربة وهو تجاه رقعة القمح بجوار منزل السيد عمر مكرم نقيب الأشراف بالديار المصرية سابقا وهو من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا ويتوصل منه إلى المقصورة الجديدة بساحة طويلة تنتهي إلى مدفن في زاوية المسجد يقال له مدفن الست نفيسة البكرية بنت الشيخ محمد بن عبد الله جلال الدين البكري الصديقي وهو صاحب المسجد القريب من باب الشوربة أمام عطفة الشيخ الأمير وسمي باب الشوربة لقربه

١٤٥

من مطبخ الشوربة الذي كان يطبخ فيه الأرز في رمضان ويفرق على فقراء الأزهر.

الثامن : باب الجوهرية هو باب صغير تجاه زاوية العميان يسلك منه إلى المقصورة الجديدة بعد المرور في المدرسة الجوهرية ويسلك الخارج منه إلى زقاق ضيق يوصل إلى شارع الشنواني أمام مسجد العدوى وهو من إنشاء جوهر القنقبائى.

التاسع : باب الميضأة ينفذ في الزقاق الخارج إلى باب المزينين مجعول لدخول الحفاة.

مقاصير الأزهر :

للأزهر مقصورتان جديدة وقديمة : فالجديدة من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا وهي المعروفة عند أهل الأزهر بالإيوان العالي.

والقديمة أصل الجامع الأزهر من إنشاء القائد جوهر وتحتوي على ست وسبعين اسطوانة وتمتد من باب الشوام إلى رواق الشراقوة وكان فيها المنبر فنقله الكتخدا لما بنى المقصورة الجديدة ولها ثلاثة أبواب إلى صحن الأزهر ويتخللها شبابيك من الخشب المخروط.

محاريب الأزهر :

في المقصورة الجديدة محرابان : محراب كبير يصلي فيه الإمام الصلوات الخمس وهو مالكي المذهب ، وعليه قبة مرتفعة قائمة على ستة أعمدة ، والمحراب الآخر عن شمال المنبر وهو محراب صغير مزركش يعرف بقبلة الشيخ الدردير ، وفي المقصورة القديمة الآن محراب واحد ، وهو المحراب الأصلي القديم ويعرف بالقبلة القديمة ، يصلي فيه الإمام الصلوات الخمس وهو شافعي المذهب ، وعلى هذا المحراب أيضا قبة عظيمة مرتفعة وعلى يمينه صندوق موضوع على رف يقال إن به آثارا قديمة ، وأن لذلك سرا عجيبا في عمارته ، وكان في المقصورة القديمة قبلة بقرب باب الشوام

١٤٦

وكانت تعرف في الزمن الأخير بقبلة الشيخ البيجوري شيخ الإسلام بسبب صلاته عندها كثيرا ، وكان بقرب رواق الشراقوة قبلة صغيرة من خشب تعرف بقبلة الخطيب الشربيني ، وكان عليها كتابة بالخط تدل على أن عملها كان سنة ٦٢٧ ...

وفي صحن الجامع كان أربعة محاريب صغار بظاهر المقصورة محراب يلي رواق معمر وكان مكتوبا عليه : جدد هذا المحراب السعيد على يد العبد الفقير إلى الله تعالى الخواجة مصطفى ابن الخواجة محمود بن جلبي غفر الله له وللمسلمين ويكتنف باب المقصورة الوسط محرابان من الحجر مكتوب بأعلى أحدهما بالكوفي لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وكان عند الباب الثالث محراب مكتوب عليه أمر بتجديد هذا المحراب السعيد سيدنا ومولانا الإمام الأعظم والملك الأكرم السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي ، وكان عند رواق الأتراك محراب صغير مصنوع بالقيشاني وقد أزيلت ، وكان أمامه «دكة» صغيرة غير مستعملة للتبليغ وذلك غير المحاريب التي في المدارس الملحقة بالجامع وموجود بالمقصورتين «دكتان» تستعملان يوم الجمعة للتبليغ.

صحن الأزهر ومناراته ومزاوله :

أما صحن الأزهر هو متسع مفروش بالحجر النحت ، وتحت هذا الفرش أربعة صهاريج متسعة للماء الحلو ، ولها أفواه من الرخام ناتئة في الصحن نحو متر يجلس فيه الطلاب أيام الشتاء للمطالعة والرياضة ويبيتون فيه في ليالي الصيف ، وفي دائرة بوائك مسقفة يجلس في بعضها الأطفال ومعلمو القرآن الشريف.

وأما مناراته فكان به ست منارات يؤذن عليها في الأوقات الخمس وفي الأسحار وتوقد في ليالي رمضان والمواسم ، منها منارة خارج باب المزينين عن يمين الداخل تشرف على الشارع وهي من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا وكان يتوصل إليها من باب الميضأة الصغيرة الذي عن يمين

١٤٧

الداخل قبل الطيبرسية وقد أزيلت مع الميضأة وبني مكانهما الرواق العباسي وإدارة الأزهر القديمة ... ومنها ثلاث منارات من داخل باب المزينين مشرفة على صحن الجامع : إحداها منارة الأقبغاوية عن يسار الداخل الى الصحن وهي أول مئذنة عملت بديار مصر من الحجر بعد المنصورية وكانت المنارات قبل ذلك تبنى بالآجر وقد أنشأها الأمير علاء الدين آقبغا عبد الواحد مع مدرسة الأقبغاوية ، واثنتان عن يمين الداخل فالتي في جانب الباب مما يلي الداخل أنشأها السلطان الأشرف قايتباى والتي تليها من انشاء السلطان الغوري وهي أعلى مناراته وأعظمها ويتوصل لهما من باب صغير في صحن الجامع يصعد منه إلى سطحه فيه لكل منهما باب ، والخامسة بباب الصعايدة يتوصل إليها من رواق الصعايدة ، والسادسة بباب الشوربة وبابها من الداخل وهما من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا والغالب في مؤذني الأزهر قديما أن يكونوا مكفوفين محافظة على عورات أهل المساكن المجاورة للأزهر ولكل منارة خلوة لإقامة مؤذنيها لانتظار الآذان بها ولا يؤذنون إلا بتنبيه الميقاتي المجعول لخصوص ذلك ، والغالب أن آذان الأزهر ينبني عليه آذان أكثر منارات القاهرة.

وأما مزاوله : فكان فيه قديما سبع مزاول أربع في صحنه لمعرفة وقت الظهر على يمين الداخل من باب المزينين وثلاث جهة رواق معمر لمعرفة وقت العصر ولم يوجد الآن غير مزولة واحدة بصحن الأزهر على يمين الداخل من باب المزيني وأخرى محفوظة بالسطح غير مستعملة ، وهما من عمل الوزير أحمد باشا كور المتولي على مصر سنة ١١٦١ نقشهما على لوحين من رخام ، وعمل لهما تاريخا منقوشا على كل لوح منهما وهو هذا :

مزولة متقنة

نظيرها لا يوجد

راسمها حاسبها

هذا الوزير الأمجد

تاريخها أتقنها

وزير مصر أحمد

١٤٨

أروقة الأزهر :

أما أروقة الأزهر فعددها ٢٩ رواقا ، والأروقة هي :

الرواق العباسي : بني هذا الرواق المشيد وتم بناؤه في عهد الأريكة العباسية ، وفي مشيخة الشيخ حسونة النواوي للأزهر ، واحتفل بافتتاحه في ٢٤ شوال سنة ١٣١٥ هجرية فجاء هذا الرواق على أبدع طراز مصري في هندامه ونقشه وأوضاع شبابيكه وأبوابه وأنفقت الأوقاف عليه ستة آلاف وثمانين جنيها وهو في الحدود الغربية للجامع مطل على الشارع ، ويشتمل هذا الرواق على ثلاثة أدوار :

الأول : المسامت سطحه لسطح الجامع ، وهو فسيح يشتمل على محل لمجلس إدارة الأزهر الشريف وباب المشيخة ، ومنه محال للمكتبة وزاوية كبيرة بمحراب جميل الصنع دقيق التركيب والنقش للصلاة والتدريس والحفلات الرسمية الكبيرة للجامع ، وفيه جملة منافع أخرى.

الثاني : مقسم بأجمل نمط صحي يشتمل على قاعة للميقاتية بجوار السلم وقاعة أخرى لجندي الأزهر ، ورواق متعدد القاعات لطلاب اليمن ، ومحل لحكيم وصيدلي الأزهر ، وأول حكيم للأزهر كان هو الدكتور عباس حلمي ، ورواق لبعض الطلاب وآخر لطلاب الطيبرسية وأمثاله للبحاروة والاسكندرانية ومحل للدفترخانة الأزهرية.

الثالث : يشتمل على محلات لمفتي الديار المصرية وأمين الافتاء وكتبة الإفتاء ، وعلى رواق بأربعة غرف لطلبة الأكراد ، وآخر لطلبة الأقبغاوية ، وآخر للدكارنة ، وآخر للهنود وآخر للبغداديين. فقد جمع أهالي كثير من الأروقة ، والرواق العباسي افتتح في ٢٤ شوال ١٣١٥ ه‍.

رواق الطيبرسية : في الخطط المقريزية هذه المدرسة من المدارس الملحقة بالجامع الأزهر وهي غربية مما يلي الجهة البحرية أنشأها الأمير علاء الدين طيبرس وجعلها مسجدا لله تعالى زيادة في الجامع الأزهر

١٤٩

وقرر بها درسا للفقهاء الشافعية وأنشأ بجوارها ميضأة وحوض ماء ترده الدواب وتأنق في رخامها وتذهيب سقوفها حتى جاءت في أبدع زي وأبهج ترتيب وانتهت عمارتها سنة ٧٠٩ وكان لها بسط تفرش يوم الجمعة ، وكان لها إمام ، وكان فيها خزانة كتب وخزن كثيرة ، وجددها الأمير عبد الرحمن كتخدا ، وقد ذهبت أوقافها ورممت في عهد الخديوي عباس الثاني وجعلت كتيخانة الأزهر في سنة ١٣١٤ ونقلت طلبتها للرواق العباسي ، وطيبرس كان قائدا للجيوش المصرية ، ومات سنة ٧١٩ ه‍.

رواق الأقبغاوية : في خطط المقريزي هذه المدرسة بجوار الأزهر على يسرة الداخل إليه من بابه الكبير الغربي ـ باب المزينين ـ تجاه المدرسة الطيبرسية كان موضعها دار الأمير الكبير ايدمر الحلى نائب السلطنة في أيام الملك الظاهر وميضأة للجامع الأزهر أنشأها الأمير أقبغا وجعل بجوارها قبلة ومنارة وكانت مدرسة مظلمة ليس عليها من بهجة المساجد ومن أنس بيوت العبادات شيء البتة ، وذلك أن أقبغا عبد الواحد أقرض ورقة ايدمر الحلى مالا ، وأمهل حتى تصرفوا فيه ثم ألجأهم في الطلب إلى أن أعطوه دراهم فهدمها وبنى موضعها هذه المدرسة ، وأضاف أمثال ذلك من الظلم فبناها بأنواع من الغضب وأخذ قطعة من سور الجامع حتى ساوى بها المدرسة الطيبرسية وحشر لعملها الصناع من البنائين والنجارين وجميع أنواع الفعلة بأن يعمل كل منهم فيها يوما في كل أسبوع بغير أجرة وجعل عليهم مملوكا من مماليكه لم ير الناس اظلم منه ولا أعتى منه ، ولا أقسى قلبا منه ، فلقي العمال منه مشقات لا توصف وحمل إليها سائر ما يحتاج من خشب وحجر ورخام ودهان ، من غير ان يدفع ثمنا البتة ، وتم بناؤها سنة ٧٤٠ هجرية ، ورتب لها الخدمة فكان لها إمام ومؤذن وفراشون وقومة ومباشرون ، وكان لها ثلاثة أبواب أحدها يصل للصحن من رواق الفيمة ، والثاني لزقاق الميضأة ، والثالث لباب المزينين ، وموجود لها الآن بابان أحدهما يفتح على القبة ، وللقبة باب آخر من باب المزينين ، وهو مستعمل ، والثاني وهو مغلوق ، وهي الآن محل كتبخانة الأزهر ، ونقلت طلبتها للرواق العباسي.

١٥٠

رواق الأكراد : كان عن يمين الداخل من باب المزينين بجوار رواق اليمنية وبأعلاه مساكن فأزيل ونقلت طلبته إلى الرواق العباسي.

رواق الهنود : كان عن يمين الداخل من الباب المذكور بينه وبين باب الطيبرسية به مسكن أرضي وأربعة مساكن علوية وقد أزيل ونقلت طلبته إلى الرواق العباسي.

رواق البغداديين : هو كان بأعلى رواق الهنود كان يشتمل على مسكنين ومطبخ وبيت خلاء وأزيل ونقلت طلبته للرواق العباسي.

رواق البرتية : كان في زاوية الرحبة المسقوفة خارج باب الأتراك بين راق الأتراك ورواق اليمنية ، وهو محل أرضي صغير كان جزءا من رواق الأتراك ، وقد هدم والعمارة جارية فيه الآن.

رواق اليمنية : كان بجوار رواق البرنية له باب على الرحبة المسقوفة خارج باب الأتراك وقد أزيل وسكنت طلبته الرواق العباسي.

رواق الجبرت : هو داخل رواق البريتة وهو أوسع منه وقد هدم وأجريت فيه العمارة من زمن بعيد.

رواق الأتراك : أنشأه السلطان قايتباي ، وجدده الامير كتخدا وأنشأ فيه زيادات ، وكان يحتوي على ستة عشر عمودا من الرخام واثني عشر مسكنا علويا وله خزانة كتب عظيمة جامعة وكان له مطبخ وبئر ، وأوقافه يستحقها كل طالب من بلاد الترك ، ولو كان عتيقا ، وكان له بابان باب مسامت لباب رواق المغاربة وباب على صحن الجامع ، وفي سنة ١٣١٩ أخذت الأوقاف في نقضه مع ما ساواه من الأروقة لغاية باب الصعايدة ، وكان في عزمها تجديد هذه الأروقة ببناء شامخ مثل الرواق العباسي.

رواق السنارية : كان على يسار الداخل من باب المغاربة قبل رواق الأتراك ، وكان يحتوي على مساكن علوية ونقض في ضمن العمارة السابقة سنة ١٣١٩.

١٥١

رواق المغاربة : هو كان على يمين الداخل من باب المغاربة ، وكان له بابان باب في الصحن في طرقة باب المغاربة ، وكان يشتمل على خمس بوائل قائمة على أعمدة من رخام ، وكان فيه مساكن علوية وله كتبخانة كبيرة ، وكان له مطبخ وبئر وحنفية ويستحق أوقافه كل مجاور مغربي ، وكان له كاتب مثل رواق الأتراك.

رواق السليمانية : كان بين باب الشوام ورواق الجاوة ، وكان به خمسة مساكن وخزانة كتب كبيرة.

رواق الجاوة : هو كان بين رواق السليمانية ورواق الشوام ، وبه خزانة كتب ونقض بناؤه.

رواق الشوام : وهو عن يمين الداخل من باب رواق الشوام وهو من إنشاء السلطان قايتباي وزاد فيه الامير عثمان كتخدا ثم الأمير عبد الرحمن كتخدا حتى صار أكبر من رواق الصعايدة وكان بأعلاه نحو الثلاثين حجرة لمجاوري الشوام وقد أوقف عليه كل من الأميرين المذكورين اوقافا جارية على أهله إلى الآن وبه خزانة كتب كبيرة وكان فيه بئر وحنفية.

رواق الدكارنة : هو فوق الأوان عن شمالي الداخل من باب الصعايدة وهو أرضي وفوقه بعض من رواق الشوام.

رواق الصعايدة : وهو من أشهر أروقة الأزهر وهو على يمين الداخل من باب الصعايدة وهو يحتوي على إيوان متسع بوسطه عمود من الرخام وبداخله خزانة فيها كتب كثيرة ولها قيم يغير منها لمن يطلب من اهل العلم وله مطبخ ، وكان تحت الرواق صهريج كبير يشرب منه عموم أهل الأزهر وهذا الرواق بجميع جهاته من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا مع عماراته بالأزهر وله شيخ مخصوص وقد استقرت مشيخة هذا الرواق عدة أجيال في المشايخ العدوية ، وله أوقاف كثيرة.

رواق الحرمين : هو عن يمين الذاهب الى المنبر السالك من باب الصعايدة وهو يحتوي على قاعة سفلية وثلاث حجر علوية ويسكنه اهل مكة المشرفة والمدينة المنورة والطائف وغيرهما من بلاد الحجاز وهو من إنشاء المرحوم عبد الرحمن كتخدا.

١٥٢

رواق البرابرة : هو مجرد خزن ودواليب عن شمال الداخل من باب الشوربة.

رواق دكارنة سليح : هو مجرد مخزن ودواليب بجوار رواق الشراقوه ونقلت طلبته الى الرواق العباسي.

رواق الشراقوه : في النهاية البحرية من المقصورة القديمة ، وهو من إنشاء إبراهيم بك الوالي بسبب شيخ الاسلام الشيخ الشرقاوي شيخ الأزهر ويشكنه مجاورو الشراقوة ، وقد استعان الشيخ بامرأة عمياء فقيهة تحضر عنده في درسه إلى الست عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير فكلمت زوجها إبراهيم بك المعروف بالوالي بأن يبني له مكانا خاصا بطائفته فأجابه إلى ذلك وبنى الرواق المذكور ، وكان المجاورون الشراقوه يسكنون بمدرسة الطيبرسية ورواق معمر فتشاجروا مع أهل الطيبرسية ومنعهم شيخها من الدخول فكان ذلك سببا في بنائه.

رواق الجوهرية : هو مدرسة من المدارس الملحقة بالأزهر وهي تجاه زاوية العميان وهي صغيرة ليس بها عمد وتشتمل على إيوانين متقابلين وبينهما ممر مفروش بالرخام وبها قبلة صغيرة وعلى دائرها منقوش في الحجر ، بسم الله الرحمن الرحيم : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه الآية ، وبأعلاها خلوتان وبها خزن جميلة التركيب ، وكان يدرس بها بعض العلماء ، وقد أنشأها جوهر القنقبائي ، وكان بداخله مدفنه ، وبنيت في القرن التاسع.

رواق زاوية العميان : هو خارج الجوهرية في الجانب الثاني من الحارة بينهما ممر من الحجر يمشي عليه المتوضئون من ميضتيها وهي من إنشاء المرحوم الأمير عثمان كتخدا وهذه الزاوية تحتوي على أربعة أعمدة من الرخام ، ولها قبلة وميضأة ، وفوقها ثلاث حجر للعميان ولا يسكنها غيرهم ، ولهم شيخ منهم ومرتباتهم تصرف عليهم.

١٥٣

رواق الحنابلة : وهو بجوار زاوية العميان أنشأه المرحوم عثمان كتخدا منشىء زاوية العميان وهو يحتوي على ثلاثة مساكن علوية جددها الأمير راتب باشا وأجزى على أهل هذا الرواق مرتبات عظيمة.

رواق معمر : هذا الرواق عن يمين الداخل لدورة المياه ، للأزهر وهو رواق مشهور لكثرة من ينتمي إليه بسبب أنه لا يخص جهة بخلاف غيره.

رواق الفشنية : كان بين رواق الحنفية وبين دورة المياه ، وقد أزيل ولم يبق به سوى خزن ودواليب لمنافع المجاورين.

رواق الحنفية: هذا الرواق بين رواق الفشنية والشنوانية وكان بابه إلى الصحن يدخل منه في سرادب ضيق طويل وذلك السرداب أصله من رواق الفشنية أخذ منه بعوض ، وقد أزيل ذلك السرداب كما أزيل غيره من الأروقة المجاورة له فإنه لم يوجد بها سوى خزن لأمتعة المجاورين .. أنشأ هذا الرواق الأمير راتب باشا الكبير سنة ١٢٧٩ وكان موضعه بيوتا مملوكة لأربابها فاشتراها المرحوم عباس الأول وهدمها وأسسها ليبنيها رواقا لأهل بلد الشيخ البيجوري شيخ الأزهر في ذاك الوقت ، ثم مات ولم يتمه فمكث زمنا طويلا ثم أكمله راتب باشا المذكور من ماله وجعله رواقا للحنفية وهو متسع وفيه أربعة أعمدة من الرخام وبه دواليب كثيرة لمنافع مجاوريه وبأعلاه ثلاث عشرة حجرة للمتقدمين من مجاوريه ، وبه خزانة كتب جامعة لها قيم يغير منها لعموم المجاورين ، وكان له باب ينفذ إلى الميضأة وجعل فيه حنفية للوضوء وأوقف راتب باشا على أهله أوقافا عظيمة وجعل النظر عليه لمفتي الديار المصرية من الحنفية ، ولما تولى افتاء الديار المصرية الشيخ محمد عبده سنة ١٣١٧ زاد في مرتبات أهله وشكل لجنة لامتحان من ينتقل من درجة لأخرى وأجرى الامتحان على العموم ، وبذلك تقدم من تأخر وتأخر من تقدم وحرم من حرم.

رواق الشنوانية : هو بالزاوية الشرقية من الصحن بجوار رواق الفيمة ، وهو الآن مجرد خزن ودواليب فيها أمتعة المجاورين.

١٥٤

رواق الفيمة : هو في الزاوية الشرقية المذكورة بجوار رواق البحارة ولم يبق به سوى خزن لأمتعة المجاورين ونقلت طلبته من قبل بالرواق العباسي.

رواق البحاروه : هو مخصوص بمجاوري أهل البحيرة لا يشاركهم فيه غيرهم وله شيخ ونقيب ومرتبات ولم يبق به الآن غير خزن لامتعة المجاورين ونقلت طلبته للرواق العباسي.

حارات الأزهر :

عددها ثلاث عشرة حارة : حارة البيجيرمية ، حارة العفيفي ، حارة الزراقنة ، حارة البشابشة ، حارة السليمانية ، حارة الجيزاوية ، حارة الدكة والمنبر ، حارة الممشى ، حارة النفاروة ، حارة الزهار ، حارة الواطية ، حارة الشنوانية ، حارة المناصرة ، ولكل حارة شيخ ونقيب.

١٥٥
١٥٦

الباب السادس

صورة عن النشاط العلمي في الأزهر

١٥٧
١٥٨

الأزهر والحركة الفكريّة المعاصرة

يتولى الزعامة الفكرية في مصر اليوم أفراد قلائل من كبار مفكرينا ، الذين جمعوا بين الثقافتين العربية والغربية ، وهم في فهمهم للثقافة الغربية مدينون للدراسات الغربية التي تلقوها في جامعات الغرب أو في أمهات الثقافات الأوربية المعاصرة ، أما فهمهم للثقافتين العربية والإسلامية فهم مدينون أولا لآراء محمد عبده في الإصلاح الديني والتوجيه الفكري.

لقد كانت آراء محمد عبده الاصلاحية التقدمية هي المعين الذي استقى منه كبار مفكرينا من أمثال عبد العزيز فهمي ولطفي السيد وطه حسين وسواهم ، وإليه يرجع الفضل في تحررنا الفكري ، ويقظتنا الروحية وفي النهضة التي وصلنا إليها.

وممن تأثر بآراء محمد عبده الشيخ طنطاوي جوهري ، وكان من أعلام الأزهريين في العصر الحديث ، وله كثير من البحوث والمؤلفات العميقة ، ومن أهمها : : تفسيره للقرآن الكريم ، ومن أهم مؤلفاته الأخرى : جمال العالم ـ جواهر العلوم ـ ميزان الجواهر ـ النظام والإسلام ـ نظام العالم والأمم ـ التاج المرصع ـ الزهرة في نظام العالم والأمم ـ نهضة الأمة وحياتها ـ الفرائد الجوهرية في الطرف النحوية ـ الحكمة والحكماء ـ جوهر التقوى ـ الرسالة القازانية ـ مذكرات أدبيات اللغة العربية ـ أين الإنسان ـ صدى

١٥٩

صوت المصريين في أوربا ـ رسالة تعدد الزوجات ـ رسالة الموسيقى ـ سوانح الجوهري ـ ملخص كتاب فلنون ـ جواهر الإنشاء ـ نظم ملخص كتاب أدب الدنيا والدين ـ رسالة الهلال ـ أصل العالم ـ ملخص كتاب حي ابن يقظان ـ الأرواح ـ جوهرة السفر.

وكذلك تأثر به الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر الأسبق ، والشيخ محمد رشيد رضا ، والشيخ المراغي ، والشيخ محمد الأحمدي الظواهري ، والشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ ابراهيم حمروش ، وغيرهم من أعلام الفكر وقادة الحركة الإسلامية في مصر والشرق العربي.

ويقول حافظ في رثاء الإمام محمد عبده ، مصورا عظم النكبة فيه ، ومتحدثا عن مكانة الأستاذ الإمام ، وعن أثره الفكري في حياة الجيل المعاصر :

سلام على الإسلام بعد محمد

سلام على أيامه النضرات

على الدين والدنيا ، على العلم والحجا

على البر والتقوى ، على الحسنات

لقد كنت أخشى عادي الموت قبله

فأصبحت أخشى أن تطول حياتي

فوالهفي ـ والقبر بيني وبينه ـ

على نظرة من تلكم النظرات؟

وقفت عليه حاسر الرأس خاشعا

كأني حيال القبر في عرفات

لقد جهلوا قدر الإمام فأودعوا

تجاليده في موحش بفلاة

ولو ضرحوا بالمسجدين لأنزلوا

بخير بقاع الأرض خير رفات

١٦٠