الأزهر في ألف عام - ج ٢

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٣٠ :

صدر هذا القانون في عهد المغفور له الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخ الجامع الأزهر (١٩٢٩ ـ ١٩٣٥) وقد أنشئت بمقتضاه الكليات الثلاث القائمة الآن بالأزهر ، وهي كليات اللغة العربية ، وأصول الدين ، والشريعة. وقد نص فيه على جواز إنشاء كليات أخرى.

ويعد هذا القانون بحق أول خطوة رسمية في تمكين الجامع الأزهر من مسايرة التقدم العلمي والاجتماعي في العصر الحاضر ، وفي تزويد طلابه بما يجب أن يحيط به رجل الدين الحديث من العلوم ومن الاتجاهات.

وقد افتتحت هذه الكليات في الأماكن التي أعدت لها مؤقتا لحين الانتهاء من الابنية الفخمة التي خصصت لها. فتم ذلك في يومين مشهودين في حياة الأزهر ، هما يوما ١٧ و ١٨ مارس سنة ١٩٣٣.

وقد جعل هذا القانون التعليم في الأزهر أربع مراحل : ١ ـ ابتدائي ومدته أربع سنوات ، ويدرس فيه من المواد ما يلي : الفقه ، الأخلاق الدينية ، التجويد ، استذكار القرآن الكريم ، التوحيد ، السيرة النبوية ، المطالعة والمحظوظات ، الانشاء ، النحو ، الصرف ، الاملاء ، الخط ، التاريخ ، الجغرافيا ، الحساب ، الهندسة العملية ، مبادىء العلوم ، تدبير الصحة ، الرسم.

٢ ـ ثانوي ومدته خمس سنوات ، وتمنح منه شهادة الثانوية قسم أول ، و «شهادة الثانوية قسم ثان» ويدرس فيه من المواد ما يلي :

الفقه ، التفسير ، الحديث ، التوحيد ، استذكار القرآن الكريم ، النحو ،

__________________

به لأولي الأمر ، ولكن الظروف حالت دون النظر في ذلك المشروع فانصرف الشيخ المراغى عن مشيخة الأزهر ، وتولاها الشيخ محمد الأحمدي الظواهري في اكتوبر سنة ١٩٢٩ م ووكل إليه النظر في مشروع قانون للجامع والمعاهد الدينية ، فوضعه ، واعتمد من ولي الأمر ، ونفذ سنة ١٩٣١ وافتتحت كليات الأزهر التي أنشئت بذلك القانون سنة ١٩٣٣.

١٨١

الصرف ، البلاغة (البيان والبديع والمعاني) ، العروض والقافية ، المطالعة والمحفوظات ، الانشاء ، أدب اللغة ، الرياضة (الحساب والهندسة والجبر) ، العلوم (الطبيعة والكيمياء والتاريخ الطبيعي) ، المنطق ، التاريخ ، الجغرافيا ، الأخلاق ، التربية الوطنية.

٣ ـ عال ومدته أربع سنوات ، وينقسم إلى ثلاث كليات :

١ ـ كلية اللغة العربية ، ويدرس فيها من المواد ما يلي :

النحو ، الوضع ، الصرف ، المنطق ، علوم البلاغة ، الآداب العربية وتاريخها ، تاريخ العرب قبل الإسلام وتاريخ الأمم الإسلامية ، التفسير ، الحديث ، الأصول ، الإنشاء ، فقه اللغة.

ب ـ كلية الشريعة. ويدرس فيها من المواد ما يلي :

التفسير ، الحديث متنا ورجالا ومصطلحا ، أصول الفقه ، تاريخ التشريع الإسلامي ، الفقه مع مقارنة المذاهب في المسائل الكلية وحكمة التشريع ، أدب اللغة العربية ، علوم البلاغة. المنطق.

ج ـ كلية أصول الدين. ويدرس فيها من المواد ما يلي :

التوحيد مع إيراد الحجج ودفع الشبه خصوصا الذائع في العصر منها : المنطق والمناظرة ، الفلسفة مع الرد على ما يكون منافيا للدين منها ، الأخلاق ، التفسير ، الحديث ، آداب اللغة العربية وتاريخها ، تاريخ الإسلام ، علم النفس ، علوم البلاغة.

٤ ـ التخصص وهو على نوعين : تخصص في المهنة ، وتخصص في المادة ، والغرض من التخصص في المهنة ، هو إعداد علماء يقومون بمهنة الوعظ والارشاد أو الوظائف القضائية بالمحاكم الشرعية ، والافتاء والمحاماة ، أو التدريس في المعاهد الدينية ومدارس الحكومة.

والغرض من التخصص في المادة : إعداد علماء متفوقين في العلوم الأساسية لكل كلية من الكليات الثلاث.

١٨٢

ويعين حاملو شهادة هذا القسم في وظائف التدريس بالكليات ، وبأقسام التخصص وهناك علاوة على ذلك أقسام غير نظامية يسمح فيها بدخول الطلبة الذين لم تتوافر فيهم شروط القبول بالأقسام النظامية ، وكذلك أفراد الجمهور للتوسع في دراسة اللغة العربية والعلوم الدينية.

قانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ :

ورأى الشيخ محمد مصطفى المراغي عقب توليته شيخا للأزهر سنة ١٩٣٥ م أن يضع مشروع قانون لإصلاح الأزهر يفي بالأغراض التي تحقق آمال المسلمين فيه ، وترجع به إلى عصوره الزاهرة من البحث العلمي السليم والتفكير الحر ، ودراسه الفنون التي تتفق مع طابعه القديم. وتطابق مقتضيات العصر وتلبي مطالبه ، وقد وضع ذلك المشروع ، وتقدم به لولى الأمر فصدر به مرسوم بقانون تحت رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ ، وقد وضع بجانبه مذكرة إيضاحية بين فيها الأغراض التي قصد إليها في مشروعه. ونحن نثبت هنا بعض ما جاء في المذكرة في هذا الصدد :

«إننا إذ نحاول إصلاح الأزهر نريد أن نوجد طالبا يفهم مسائل العلوم فهما صحيحا ، ويفهم أغراضها وصلتها بأدلتها ، وصلتها بعضها ببعض ، ويستطيع التطبيق على الجزئيات ، ويستطيع الاستنباط والتدليل ، ويستطيع فهم الكتب القديمة التي ألفت في العصور المختلفة في جميع الفنون الإسلامية.

«وإني على بغضى لأكثر الكتب التي ألفت في العصور المتأخرة ، أكره من الطلاب أن يعجزوا عن فهمها. لأن فيها خيرا كثيرا ، ودقائق لا يصح الجهل بها. لذلك أحب أن يستطيع الطلاب فهمها ، ويقدروا على حلها.

«نعم إني لا أحب أن تدرس العلوم على هذه الكتب ، بل أحب أن توجد كتب في جميع الفنون الحديثة على أسلوب عربي صحيح مناسب لأذواق الأجيال الحاضرة تهذب فيه المسائل على أحسن ما وصل إليه

١٨٣

التحقيق العلمي ، وأن تحيا الكتب القديمة الجيدة في الأسلوب والوضع. فهذا الميراث العظيم يجب أن يؤخذ كله سلسلة متصلة الحلقات.

«هذا الذي نحاوله بالتجديد يجب على ما أرى أن يضعه الناس أمامهم ، وأن يجدوا للوصول إليه ، وهو غاية يقل في جانبها كل جهد ، ويرخص في سبيلها كل ما يبذل للوصول إليها. ولقد كان أسلافنا أشد الناس عناية بالعلم ، فلم يمض الزمن القليل حتى أخذوا علم اليونان وأدب الفرس وحكمة الهند ، واستعانوا بذلك كله في تفسير القرآن ، وفي وضع علم الكلام على الأسس التي نراها في مثل المواقف والمقاصد ، واستعانوا به في تنظيم مسائل العلوم جميعها ، فلم يخل علم من أثر الفلسفة والمنطق. ولقد كانت لهم محاولات جديرة بالاعجاب في التوفيق بين الدين ونظريات الفلسفة. وقد أخذ العلم يسير في هذا العصر سيرة جديدة ، وتغيرت نظريات الفلسفة وحدثت نظريات أخرى ، وكان من شأن ذلك كله أن توجه على الأديان جملة ، وعلى الإسلام خاصة ، حملات ، وصار من الواجب الحتم على علماء المسلمين أن يحيطوا علما بكل ما يوجه إلى الأديان عامة ، وإلى الإسلام خاصة من مطاعن ، وأن يردوا تلك المطاعن التي توجه إلى الإسلام ، ويذودوا عن عقيدتهم بأدلة ناصعة ، وأسلوب مقنع ممتع ، ليجنبوا المتعلمين تعليما مدنيا الشبه الزائفة ، وليضموا إلى الإسلام أفرادا وشعوبا من الأمم التي تتطلع إلى الإسلام ، وتبتغي الوقوف على خصائصه ومزاياه. وهذا لا يتم لهم على ما ينبغي إلا بالاتصال بغيرهم اتصالا علميا وبتعرف اللغات الحية التي يكثر فيها الإنتاج العلمي ، والتي يتناول بها العلماء مسائل الإسلام ومسائل اللغة العربية. لذلك وجب أن يكون لأهل الأزهر نصيب من هذه اللغات. وهناك فائدة أخرى لتعليم اللغات ، وهي أنها تساعد على معرفة طريقة وضع الكتب ، وعلى معرفة الاسلوب الحديث في التأليف والتفكير ، وطريقة عرض المسائل على أنظار المتعلمين.

«ولا ندعى أن إصلاح القانون ، وتنفيذ هذا المشروع ، يحقق

١٨٤

الأغراض التي نرمي إليها ، ويوجد الطالب الأزهري الذي نبتغيه ، بل إن الذي يحقق هذه الأغراض الرغبة الصادقة في التعليم ، والعزيمة القوية على احتمال الجهد والصبر لقطع مراحل التعليم في هدوء وطمأنينة ، والإيمان بأن العلم عزيز يقتنى ، وحلية للنفس ، ومتعة للعقل ، وجمال لمن يتصف به ، والحرص على الإفادة والتعليم ، والإيمان بأن ذلك فرض للعلم واجب لله ولرسوله وللمؤمنين ، والشعور بلذة الإنفاق منه يزيد في الثروة ، ويشبع نهم النفس التواقة إلى الغنى ، وأن هذه الثروة خير مما هو مخزون في خزائن الأغنياء. وعند النظر في مواد التعليم لإصلاح القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٣٠ والقانون رقم ٣٧ لسنة ١٩٣٣ رئى إدماجهما معا ، كما رئى أيضا أن يشمل الإصلاح الأبواب الأخرى من هذين القانونين ، فتم ذلك ، وتألف منهما هذا المشروع».

الدراسة في الأزهر الحديث (١)

جعل قانون ١٩٣٦ التعليم في الأزهر أربع مراحل :

١ ـ ابتدائي ومدته أربع سنوات ، ويدرس فيه من المواد ما يلي :

علوم دينية : الفقه ، التوحيد ، السيرة النبوية ، وسيرة كبار الصحابة ، تجويد القرآن الكريم.

علوم اللغة العربية : الإنشاء ، النحو ، الصرف ، الاملاء ، المطالعة ، المحفوظات.

علوم أخرى : التاريخ ، الجغرافيا ، الرياضة ، تدبير الصحة ، الرسم ، الخط.

٢ ـ ثانوي ومدته خمس سنوات ، ويمنح منه شهادة واحدة هي شهادة اتمام الدراسة الثانوية ، ويدرس فيه من المواد ما يلي :

__________________

(١) طبقا للقانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ ـ وقد أدخلت عليه فيما بعد عدة تعديلات.

١٨٥

علوم دينية : الفقه ، التفسير ، الحديث متنا ومصطلحا ، التوحيد.

علوم اللغة العربية : النحو ، الصرف ، البلاغة : البيان والمعاني والبديع ، والإنشاء ، أدب اللغة ، العروض والقافية ، المطالعة ، والمحفوظات.

علوم أخرى : المنطق وأدب البحث ، الطبيعة ، الكيمياء ، علم الحياة ، الجغرافيا.

٣ ـ الكليات وهي ثلاث :

كلية الشريعة وتتبعها الأقسام الآتية :

أـ شهادة الدراسة العالية ومدتها أربع سنوات. والمواد التي تدرس للحصول عليها :

التفسير : الحديث متنا ورجالا ومصطلحا ، أصول الفقه مع حكمة للتشريع ومقارنة المذاهب في المسائل الكلية ، تاريخ التشريع الإسلامي ، المنطق ، الفلسفة ، لغة أجنبية (الانجليزية أو الفرنسية) وتدرس بصفة اختيارية.

ب ـ شهادة العالمية مع إجازة القضاء. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية : قوانين ولوائح المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية ، التوثيقات الشرعية ، إجراءات وتمرينات قضائية ، ودراسة القضايا ذات المبادىء ، السياسة الشرعية ، القانون الدولي الخاص ، تاريخ القضاء والقضاة في الإسلام ، النظام الدستوري للدولة ، محاضرات في مبادىء الاقتصاد ، محاضرات طبية ، محاضرات فلكية ، لغة أجنبية اختيارية ، وهي التي درست في الكلية.

ج ـ شهادة العالمية من درجة أستاذ في الفقه والأصول. والمواد التي

١٨٦

يتخصص فيها للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية : الأصول الفقه مع حكمة التشريع ومقارنة المذاهب ، وتاريخ التشريع الإسلامي.

كلية أصول الدين ، وتتبعها الأقسام الآتية :

أـ شهادة الدراسة العالية في أصول الدين. والعلوم التي تدرس للحصول عليها هي :

التوحيد ، التفسير ، الحديث متنا ومصطلحا ورجالا ، المنطق وأدب البحث ، الأخلاق ، الفلسفة ، الأصول ، التاريخ الإسلامي ، علم النفس ، لغة أجنبية (الانجليزية أو الفرنسية).

ب ـ شهادة العالمية مع الإجازة في الدعوة والإرشاد. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي :

القرآن الكريم وعلومه ، الحديث الشريف وعلومه ، الدعوة إلى سبيل الله ووسائلها ، الخطابة والمناظرة ، الملل والنحل والمذاهب الفقهية وتواريخها ، البدع والعادات ، اللغة الأجنبية التي درست في الكلية ، لغة شرقية.

ج ـ شهادة العالمية مع درجة أستاذ في التوحيد والفلسفة. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية وهي : التوحيد ، المنطق ، الفلسفة ، الأخلاق.

د ـ شهادة العالمية مع درجة أستاذ في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف.

ه ـ شهادة العالمية ، مع درجة أستاذ في التاريخ الإسلامي.

كلية اللغة العربية ، وتتبعها الأقسام الآتية :

أـ شهادة الدراسة العالية في اللغة العربية.

ب ـ شهادة العالمية مع لإجازة في التدريس.

١٨٧

ج ـ شهادة العالمية من درجة أستاذ في النحو.

د ـ شهادة العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب.

قانون الأزهر الجديد لعام ١٩٦١

وافق مجلس الأمة على القانون الجديد لتنظيم الأزهر وتطويره مع الاحتفاظ له بطابعه وبخصائصه وصفته ، عالج القانون مشكلات الأزهر في صميمها.

المذكرة الإيضاحية :

لقد قام الأزهر بدور عظيم في تاريخ العلم ، وفي تاريخ الإسلام ، وفي تاريخ العروبة. وفي تاريخ الكفاح القومي على توالي العصور ووقف قلعة شامخة في وجه كل المحاولات التي قصد منها استعبادنا والسيطرة علينا وتحطيم كياننا القومي والروحي.

وكانت التقاليد العلمية في الأزهر أساسا للنظام الجامعي والتقاليد الجامعية في كل بلاد الدنيا ، فهو أقدم جامعة في العالم وإن لم يكن اسمه بين أسماء جامعاتنا.

ومن علم الأزهر شع نور الإسلام في بلاد كثيرة من إفريقيا ومن آسيا وزاد عدد المسلمين عشرات الملايين. وكانت بعوث الأمم المختلفة إلى الأزهر سببا لتوثيق علاقاتنا ببلاد كثيرة وشعوب متعددة منذ أقدم العصور إلى اليوم ، وقد اكتسب اسم الأزهر بذلك قدسية ، واكتسب المنتسبون إليه احتراما ، وصار رأيه الرأي في كل ما يتعلق بالعقيدة والشريعة ، وصار هو الجامعة الإسلامية الكبرى في الشرق والغرب ، لا يطلب أحد علوم الإسلام إلا عن طريق الأزهر ، ولا تتجه قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى معهد يفد إليه أولادهم للتزود من أسباب المعرفة غير الأزهر.

على أن التزام الأزهر الوقوف قرونا طويلة في وجه كل محاولات العدوان قد ألزمه نوعا من المحافظة لعلها كانت بعض خصائص الموقف

١٨٨

الدفاعي الذي التزمه خلال تلك القرون ، فلما نشطت الحياة حواليه وزالت الأسباب التي كانت تضطره إلى المحافظة والتزمت لم يجد الوسيلة الملائمة التي تعينه على الحركة المتجددة التي تلائم بينه وبين عصره مع احتفاظه بخصائصه وقيامه بواجبه لحياطة الدين والمحافظة على تراث الإسلام ، من ذلك أن خريجيه لم يزالوا حتى اليوم ـ فيما يريدون لأنفسهم أو فيما يصفهم غيرهم ـ رجال دين ، لا يكادون يتصلون بعلوم الدنيا اتصال النفع والانتفاع ، والإسلام في حقيقته الأصيلة لا يفرق بين علم الدين وعلم الدنيا ، لأنه دين اجتماعي ينظم سلوك الناس في الحياة ليحيوا حياتهم في حب الله عاملين مؤثرين في المجتمع في ظل طاعة الله ، ولأن الإسلام يفرض على كل مسلم أن يأخذ بنصيبه من الدين والدنيا ، فكل مسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا في وقت معا ، والله في يقين المسلم أقرب إليه من حبل الوريد ، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، فليس في حاجة إلى شفيع أو وسيط يقربه إليه.

على أن العالم الإسلامي اليوم قد انفسح مداه واتسع نطاقه وأطل على آفاق فكر جديدة ووضعته الظروف السياسية التي تمر به وضع الاختبار في مجالات شتى. وأكثره قد خرج منذ قريب من تحت النير الاستعماري وفي نفوس أهله آمال ضخمة لاستكمال أسباب تحرره ونهضته والارتفاع بمستوى معيشته.

وكانت الثقافات الاستعمارية تحاول طوال السنين التي يسيطر فيها الاستعمار على العالم الإسلامي أن تلون أفكار أهله وعقائدهم وأن تضع في نفوسهم موازين جديدة وقيما جديدة يمكن أن تباعد بينهم وبين الإسلام. فلو لا طبيعة المقاومة في نفوس المسلمين لسحقتهم المحاولات المتوالية خلال تلك السنين وأخرجتهم عن دينهم ، ولعلها قد بلغت من ذلك مبلغا ما حين أوقعت في أذهان كثير منهم أن الإسلام عبادة وقربى إلى الله وفناء في الله ، وأن العمل للحياة شيء آخر يختلف عن الدين أو يتعارض مع الدين. وربما أوقعت في أذهان بعضهم كذلك أن المذاهب الاجتماعية المستحدثة

١٨٩

تضمن للبشر سعادة ورفاهية لا يكفل مثلها الإسلام ، وربما لا يكفلها غير الإسلام من الأديان السماوية.

وفي كثير من البلاد التي تخلصت حديثا من ربقة الاستعمار رغبة في التخطيط والعمل والإنتاج في مجالات الصناعة والتجارة والتعدين والتعليم والصحة وغيرها من أسباب النهوض ، وهي حين تلتمس الخبراء في كل نوع من أنواع هذا النشاط لا تكاد تجد إلا أجانب عن بيئتها ودينها من المواطنين أو من غير المواطنين ، وحين تلتمس من المواطنين خبراء يملكون مع الخبرة معارف دينية صحيحة وعقيدة واعية لا تكاد تعرف أين توفدهم ليتعلموا ويستفيدوا الخبرة والمعرفة والعقيدة. وهي عناصر ثلاثة ضرورية لتستكمل هذه البلاد نهضتها وتمضي في وجهها على الطريق السوي وإذ كان الأزهر وحده هو المعهد أو الجامعة التي يحرص المسلمون وراء الحدود على ان يقنع فيه أبناؤهم لهذه المسئوليات فقد كان من الطبيعي أن يكون نظام الأزهر وعلى الأزهر بحيث تعد هؤلاء الخبراء مستكملين لكل العناصر التي تهيئهم لحمل أعباء النهضة في بلادهم.

أو لكن الأزهر إذ يعد علماء في الدين وفي لغة القرآن لم يتهيأ بعد لتأهيل العالم الديني المتخصص في عمل من أعمال الخبرة والإنتاج التي تحتاج إليها نهضة المسلمين في كل البلاد. وحين تنبهت بعض البلاد الإسلامية إلى هذه الحقيقة المؤسفة فحولت بعثاتها كلها أو بعضها إلى الجامعات المدنية في الجمهورية العربية المتحدة أو في غيرها من البلاد ، عاد إليها مبعوثوها بعد إتمام دراستهم وهم يملكون الخبرة ولا يكادون يعرفون الدين ، في حين يعود المبعوثون منهم إلى الأزهر وقد حصلوا من علوم الدين وعلوم القرآن حظا كبيرا ، ولكنهم لا يحسنون عملا ولا يطيقون إنتاجا ولا يقدرون على المشاركة في لون من ألوان النهضة التي أشرنا إليها آنفا. وبهؤلاء وأولئك تعقدت الحياة الاجتماعية في كثير من بلاد العالم الإسلامي وتعثرت النهضة في تلك البلاد.

١٩٠

ومن حسن الحظ أن يجمع كل أهل الغيرة في كل البلاد الإسلامية على رأي واحد في هذه المشكلة هو أن يعرف عالم الدين علوما أخرى يعيش بها ويشارك بها في النهضة ليرتفع مقام الدين عن أن يكون حرفة أو أن يكون سببا للتعطل والضياع في المجتمع ، وسبيل ذلك أن تتطور معاهد الدراسات الإسلامية العالية بحيث تواجه احتياجات النهضة فلا تقتصر على الدراسات الدينية بل يجب أن تجمع إليها علوما أخرى تتحقق بها لكل خريج الخبرة والمعرفة وسلامة العقيدة ليعود هؤلاء الخريجون إلى مراكز القيادة في كل مجال من مجالات النشاط في العالم الإسلامي المتحرر.

هذه الحقائق المسلم بها لا تكاد تجد لها صورة صحيحة في خريجي الأزهر لعصرنا ، ومن ثم كان نوع من الانعزال بينهم وبين المجتمع الذي يعيشون فيه. ونشأت مشكلة تعطل كبيرة بين هؤلاء الخريجين زادتهم انعزالا عن المجتمع. وأعقبت هذه المشكلة آثارا كبيرة في نفوس الأزهريين وفي نفوس الشعب جميعا ، كما كان لها أثرها في قوة العقيدة في نفوس هؤلاء وأولئك ، أما في نفوس الأزهريين فذلك أن خريج الأزهر حين يتعطل يمكن أن يقع في وهمه أحد أمرين : إما أن عالم الدين مآله التعطل والهوان ، فيصيبه وهن العقيدة قبل أن يصيب غيره ، وإما أن الدولة لا تعترف به والشعب يحاربه ، فيعتزل الدولة والمجتمع.

وأما في نفوس الشعب فإن الناس لا يكادون يعرفون الدين إلا من صورة عالم الدين ، فإذا كان عالم الدين على ما وصفنا فما أسرع أن يرين الشك على بعض القلوب وتفسد بعض العقائد.

من ذلك أو من بعضه يكون وهن العقيدة وتكون بعض صور الانقسام في المجتمع ، ويكون تعقد نفوس كثيرة ، ويكون سوء ظن بعض المواطنين ببعض ، وسوء رأي بعض المواطنين في بعض.

ويمكن أن نلحظ مثل هذا الشعور في بلاد أخرى وراء حدود وطننا ، إذ كان مآل كثيرين من المبعوثين من تلك البلاد إلى الأزهر بعد أن عادوا

١٩١

إلى بلادهم مثل مصير خريجي الأزهر في بلادنا ، فانتقلت هذه الآثار إلى مجتمعهم وكاد مجتمعهم يفقد ثقته بالأزهر ، ويوشك هذا الشعور إن عم أن يقطع كثيرا من الأواصر بيننا وبين تلك البلاد.

من أجل ذلك جميعه كان لا بد من تجديد الأزهر وتطويره والاعتراف بمكانته وأثره مع الاحتفاظ له بطابعه وخصائصه وصفته التي استحق بها أن يبقى مسيطرا على تاريخنا وعلى العلاقات الوثيقة بيننا وبين إخوان لنا في شرق الأرض وغربها أكثر من ألف سنة.

وقد تكررت محاولات لمثل هذا الغرض منذ أكثر من نصف قرن ، ولكنها جميعا لم تنفذ إلى صميم المشكلة ولم تحاول علاجها جذريا ، فكانت قشورا من الإصلاح لعل بعضها كان أسوأ أثرا.

ولعلاج المشكلة من صميمها كان لا بد من تقرير مبادىء لتكون أساسا لكل محاولة إصلاح.

وعلى أساس المبادىء التي انتهينا إلى تقريرها كان مشروع الإصلاح الذي يتضمنه هذا القانون. وهذه المبادىء هي :

أولا : أن يبقى الأزهر أو أن يدعم ، ليظل أكبر جامعة إسلامية وأقدم جامعة في الشرق والغرب.

ثانيا : أن يظل كما كان منذ أكثر من ألف سنة حصنا للدين والعروبة ، يرتقي به الإسلام ويتجدد ويتجلى في جوهره الأصيل ويتسع نطاق العلم به في كل مستوى وفي كل بيئة ويذاد عنه كل ما يشوبه وكل ما يرمي به.

ثالثا : أن يخرج علماء قد حصلوا كل ما يمكن تحصيله من علوم الدين وتهيئوا بكل ما يمكن من أسباب العلم والخبرة للعمل والإنتاج في كل مجال من مجالات العمل والإنتاج فلا تكون كل حرفتهم أو كل بضاعتهم هي الدين.

رابعا : أن تتحطم الحواجز والسدود بينه وبين الجامعات ومعاهد

١٩٢

التعليم الأخرى وتزول الفوارق بين خريجيه وسائر الخريجين في كل مستوى ، وتتكافأ فرصهم جميعا في مجالات العلم ومجالات العمل.

خامسا : أن يتحقق قدر مشترك من المعرفة والخبرة بين المتعلمين في جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية وبين سائر المتعلمين في الجامعات والمدارس الأخرى ـ مع الحرص على الدراسات الدينية والعربية التي يمتاز بها الأزهر منذ كان ـ لتتحقق لخريجي الأزهر الحديث وحدة فكرية ونفسية بين أبناء الوطن ، ويتحقق بهم للوطن وللعالم الإسلامي نوع من الخريجين مؤهل للقيادة في كل مجال من المجالات الروحية والعلمية.

سادسا : أن توحد الشهادات الدراسية والجامعية في كل الجامعات ومعاهد التعليم في الجمهورية العربية المتحدة.

على أساس هذه المبادىء أعد مشروع القانون المرافق لتنظيم الأزهر فاحتفظ له بكيانه وصفته وخصائصه العلمية ، وجعلت الهيئات التي يتكون منها خمسا هي :

١ ـ المجلس الأعلى للأزهر.

٢ ـ مجمع البحوث الإسلامية.

٣ ـ إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية.

٤ ـ جامعة الأزهر.

٥ ـ المعاهد الأزهرية.

أما المجلس الأعلى للأزهر ، فهو الهيئة التي تحمل مسئوليات التوجيه في كل شئون الأزهر وتخطط لأنواع النشاط في هيئاته المختلفة ، وتتابع تنفيذ سياسة البحث وسياسة التعليم في أجهزته المختلفة ، ويرأسها الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ، ويشترك في عضويتها إلى جانب الكبار من العلماء ـ متخصصون وذوو خبرة في التعليم وفي الإدارة.

١٩٣

وأما مجمع البحوث الإسلامية فوضع نظامه بحيث يكون هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية ، يقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث ، ويعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة وبيان الرأي فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتصل بالعقيدة ، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجعل من مهمة هذا الجمع كذلك أن يتتبع ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامي من بحوث الأجانب ودراساتهم ، للانتفاع بما فيها من رأي صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد. كما يقوم المجمع على رسم نظام بعوث الأزهر إلى العالم الإسلامي ومن العالم الإسلامي ، كما يعاون في توجيه الدراسات الإسلامية العليا لدرجتى التخصص والعالمية في جامعة الأزهر والإشراف عليها والمشاركة في امتحاناتها ، وجعلت شروط العضوية في هذا المجمع تضم أصلح العناصر لأداء مهمته.

وأما إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية فهي الجهاز الذي يهيء لمجمع البحوث الإسلامية كل أسباب البحث والدراسة في الموضوعات التي تتصل باختصاصته ، كما تقوم بالإعداد والتحضير لهذه البحوث والدراسات وتحمل المسئولية الكاملة للمتابعة والتنفيذ ، وتضع نتائج هذه البحوث والدراسات موضع الانتفاع العام ، سواء في المجالات الثقافية العامة أو في فروع الدراسات الأزهرية.

وتقوم هذه الإدارة كذلك على إعداد مشروعات البعوث من الأزهر وإليه ، وتحمل مسئولية التنفيذ بالنسبة لهذه البعوث وتقوم نتائجها.

وأما جامعة الأزهر فقد وضع مشروعها على أساس أن تختص بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر ، وبالبحوث التي تتصل بهذا التعليم أو تترتب عليه ، كما نهتم ببعث التراث العلمي والفكري والروحي للشعوب الإسلامية والعربية ، وتعمل على تزويد العالم الإسلامي والوطن العربي

١٩٤

بالعلماء العاملين الذين يجمعون إلى التفقه في العقيدة والشريعة ولغة القرآن ، كفاية علمية وعملية ومهنية تؤهلهم للمشاركة في كل أنواع النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطبية والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، كما تعني بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية والإسلامية والعربية والأجنبية. وقد نص القانون في المادة ٣٤ على الكليات التي تشملها جامعة الأزهر وهي :

كليات الدراسات الإسلامية ، وكلية الدراسات العربية ، وكلية المعاملات والإدارة. وكلية الهندسة والصناعات ، وكلية الزراعة ، وكلية الطب ، مع النص على جواز إنشاء كليات أخرى كلما دعت الحاجة ، وطبيعي أن هذه الكليات كلها أو بعضها لا يمكن أن تكون صورة مكررة للكليات القائمة الآن في الأزهر أو في الجامعات الأخرى ، إذ لا بد أن تتحقق لها مع صفتها العامة صفة تلائم الصفة الخاصة بجامعة الأزهر ، بحيث يكون فيها إلى جانب الدراسات الفنية الخاصة ، دراسات إسلامية ودينية تتحقق بها للطالب ثقافة دينية عميقة وواعية إلى جانب الثقافة المهنية التي يحصلها نظراؤه في الكليات المماثلة في الجامعات الأخرى ، وبحيث تتاح لخريجيها بعد الحصول على درجة الإجازة العالية (الليسانس أو البكالوريوس) من أية كلية من كلياتها دراسة عليا في مادة التخصص أو في مادة من مواد الدراسات الإسلامية والعربية العالية للحصول بها على درجة التخصص أو العالمية (الماجستير أو الدكتوراه) في مادة الدراسة ، وليس مثل هذا النظام مستحدثا في تاريخ الأزهر والجامعات الإسلامية ، فإن أعظم علماء الطب والكيمياء والرياضة في الماضي كانوا علماء في الدين ، منهم أبن سينا والفارابي وابن الهيثم وجابر بن حيان وآخرون ...

ولا بد أن يكون لكل كلية من هذه الكليات أقسام مختلفة تختص بها أو تشترك فيها مع غيرها من الكليات لتنويع الدراسات وتنويع الخريجين إلى أكثر مما يدل عليه عدد هذه الكليات.

١٩٥

وإذ كانت جامعة الأزهر هي جامعة المسلمين من كل بلد منذ كانت ، فقد نصت المادة الثامنة والثلاثون على أن تتساوى فرص القبول في كلياتها والأقسام الملحقة بها للطلاب المسلمين من كل بلد.

ورعاية للصفة الخاصة لجامعة الأزهر ، رؤى أن تستقل عن الجامعات الأخرى في الجمهورية العربية المتحدة ، بتبعيتها لرياسة الجمهورية ، مع الحرص على التنسيق بينها وبين الجامعات الأخوى بقدر ما تقتضيه الصفة الخاصة بالأزهر وأغراض الدراسة فيه.

وحرص القانون على أن يكون أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ممثلين في مجلس الجامعة بالقدر الذي يتيح لهم أن يوجهوا الدراسات الإسلامية في الكليات المختلفة ، فتقرر أن يكون منهم في مجلس الجامعة ثلاثة من أعضاء هذا المجمع ، مع احتمال زيادة عددهم ببعض الأعضاء الذين يمثلون هيئات أخرى من الأزهر أو من خارجه.

وإذ كان المأمول أن تكون بعض أنواع الدراسة في كليات جامعة الأزهر على هذا الأساس نموذجا لنوع من الدراسات يلائم رغبات كثير من المواطنين ، لتتحقق بها لأبنائهم معارف وثقافات دينية وقومية وكان من المتوقع لذلك أن يقبل بعض خريجي المدارس الثانوية على هذه الكليات ، فقد حرص مشروع القانون على مواجهة هذا الاحتمال باشتراط أداء الطلاب الذين لم تتهيأ لهم فرصة الدراسة في المعاهد الأزهرية امتحان معادلة يؤهلهم لمتابعة الدراسة في هذه الكليات مع زملائهم من خريجي المعاهد الأزهرية.

وأما المعاهد الأزهرية ، فإنه لكي يعد لكليات الجامعة الأزهرية على اختلافها طلاب على حظ من الثقافة الإسلامية والعربية لا يقل عن حظهم منها في الوقت الحاضر ، إلى جانب المعارف والخبرات التي تتيح لهم الاستمرار في الدراسات الجامعية على الوجه الذي وصفناه ، وضع نظام المعاهد الثانوية والابتدائية للأزهر ، بحيث يتهيأ فيها الطلاب إلى جانب

١٩٦

دراساتهم الدينية والعربية للحصول على الشهادات الإعدادية والثانوية بأنواعها المختلفة ، لتتكافأ فرصهم مع فرص غيرهم من التلاميذ في مدارس الدولة فيحصل تلميذ القسم الإبتدائي على الإعدادية العامة ، أو الإعدادية الفنية ، إلى جانب ما درس من علوم الدين واللغة ، ويحصل تلميذ القسم الثانوي على الثانوية العامة بأحد قسميها الأدبي أو العلمي ، أو على الثانوية الفنية بأنواعها من زراعية أو صناعية أو تجارية أو غير ذلك ، إلى جانب ما درس كذلك من علوم الدين أو اللغة ، وبهذا يتاح لكل تلميذ في هذه الأقسام أن يوجه حياته الوجهة التي يريد والتي تلائم ميوله واستعداده ، فإن شاء خرج إلى الحياة ليعمل ويكسب بعد كل مرحلة ، وإن شاء استمر في الدراسة مرحلة أخرى أو مرحلتين ليخرج بعدها مؤهلا للعمل والكسب ، وإن شاء تحول إلى المدارس الأخرى يتم فيها دراسته وفق ميوله ورغباته ، وتجد كليات جامعة الأزهر في النهاية طلابا يجمعون بين علوم الدين وعلوم الدنيا ، ولهم كل الأهلية لمتابعة الدراسة الجامعية في كليات جامعة الأزهر أو في غيرها من الكليات ومعاهد الدراسة العالية.

وقد حرص القانون في هذه الناحية على أن يكون التعاون كاملا بين وزارة التربية والتعليم والإدارة المختصة بالإشراف على هذه الأقسام وإدارتها ليتحقق بهذا التعاون نوع من الثقة يدعم قيمة الشهادات التي يحصل عليها الطلاب من هذه الأقسام.

وقد واجه مشروع القانون مرحلة الانتقال بين وضع الأزهر وكلياته والأقسام الملحقة به في الوقت الحاضر. ووضعها المنتظر بعد التطبيق الكامل لهذا القانون فنص على إنشاء دراسات إضافية في الأقسام الثانوية والابتدائية منذ الموسم الدراسي المقبل لتهيئة تلاميذ هذه الأقسام الحاليين للحصول على شهادات معادلة تتيح لهم الانتفاع بمزايا هذا القانون في أسرع وقت ممكن. كما حرص على الملاءمة بين وضع الطلاب الحاليين في الكليات الأزهرية وبين مقتضيات تطبيق القانون.

١٩٧

كما نص مشروع القانون على أن يحتفظ للعلماء الموظفين الآن والمدرسين في أقسام الأزهر وأعضاء هيئات التدريس في الكليات الأزهرية الحالية وأعضاء جماعة كبار العلماء ، ولطلاب الأزهر الحاليين ، بكل الحقوق المالية المقررة لهم فلا تتأثر هذه الحقوق بشيء نتيجة لتطبيق هذا القانون. سواء في المرتبات أو في المعاشات ومدة الخدمة. أو غير ذلك. لتكون النظم المستحدثة في هذا الشأن بغير أثر رجعي.

ولكيلا يتضمن القانون تفصيلات يضخم بها رؤى أن يقتصر على الخطوط الرئيسية للتنظيم ، على أن تتضمن اللائحة التنفيذية التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية كل التفصيلات التي توضح الصورة وتيسر التنفيذ.

وإذ كانت تفصيلات المشروع قد أحيل أكثرها على تلك اللائحة التنفيذية ، فقد نص المشروع على ألا يتأخر صدور هذه اللائحة عن تاريخ معين ، ليتهيأ الأخذ في أسباب التنفيذ الكامل للمشروع قبل ابتداء الموسم الدراسي المقبل.

والمشروع معروض رجاء الموافقة على إصداره :

باسم الأمة

رئيس الجمهورية :

قرر مجلس الأمة القانون الآتي نصه وقد أصدرناه :

مادة ١ ـ تستبدل النصوص المرافقة بأحكام القانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ بإعادة تنظيم الجامع الأزهر والقوانين المعدلة له ويبطل كل ما يخلفه من القوانين.

مادة ٢ ـ الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره ، وتحمل أمانة الرسالة

١٩٨

الإسلامية إلى كل الشعوب ، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة ، كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية ، وإظهار أثر العرب في تطور الإنسانية وتقدمها ، وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم والفنون وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية ، وتزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما يتصل بالشريعة الإسلامية والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن ، وتخريج علماء عاملين مثقفين في الدين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح ، كفاية علمية وعملية ومهنية ، لتأكيد الصلة بين الدين والحياة والربط بين العقيدة والسلوك ، وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أسباب النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطبية ، وعالم الدنيا للمشاركة في الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية ومقره القاهرة ، ويتبع رياسة الجمهورية.

مادة ٣ ـ يعين بقرار من رئيس الجمهورية وزير لشئون الأزهر.

مادة ٤ ـ شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام ، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته ويرأس المجلس الأعلى للأزهر.

مادة ٥ ـ يختار شيخ الأزهر من بين هيئة مجمع البحوث الإسلامية أو ممن تتوافر فيهم الصفات المشروطة في أعضاء هذه الهيئة. ويعين بقرار من رئيس الجمهورية فإن لم يكن قبل هذا التعيين عضوا في تلك الهيئة صار بمقتضى هذا التعيين عضوا فيها.

١٩٩

مادة ٦ ـ يكون للأزهر شخصية معنوية عربية الجنس ويكون له الأهلية الكاملة للمقاضاة وقبول التبرعات التي ترد إليه عن طريق الوقف والوصايا والهبات بشرط ألا تتعارض مع الغرض الذي يقوم عليه الأزهر.

وشيخ الأزهر هو الذي يمثل الأزهر ويكون له حق مقاضاة نظار الأوقاف التي للمدرسين أو الموظفين أو الطلاب نصيب فيها ، وذلك دون إخلال بما لوزارة الأوقاف من الحقوق والاختصاصات المقررة في اللوائح والقوانين.

مادة ٧ ـ يكون للأزهر وكيل يختار من بين هيئة مجمع البحوث الإسلامية أو ممن تتوافر فيهم الصفات المشروطة لأعضاء هذه الهيئة. ويعين بقرار من رئيس الجمهورية ، فإن لم يكن قبل هذا التعيين عضوا في هيئة المجمع صار بمقتضى هذا التعيين عضوا فيها.

ويعاون الوكيل شيخ الأزهر ويقوم مقامه حين غيابه.

هيئات الأزهر :

مادة ٨ ـ يشمل الأزهر الهيئات الآتية :

١ ـ المجلس الأعلى للأزهر.

٢ ـ مجمع البحوث الإسلامية.

٣ ـ إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية.

٤ ـ جامعة الأزهر.

٥ ـ المعاهد الأزهرية.

المجلس الأعلى للأزهر

مادة ٩ ـ يكون للأزهر مجلس يسمى المجلس الأعلى للأزهر ، ويتكون على الوجه الآتي :

٢٠٠