الأزهر في ألف عام - ج ٢

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

الأشعري الشاذلي المتصل سنده أيضا الى الشيخ محمد الأمير صاحب الثبت العزيز ، ومن أشياخ المومى إليه الشيخ عوض الصعيدي السنباوي والشيخ حسن حميد الصعيدي العدوى والشيخ إبراهيم الصعيدي الملوى والشيخ فراج البحيري والشيخ عبد الجواد البحيري الشباسي والشيخ يوسف الصاوي والشيخ محمد حبيش البحيري والشيخ حسن الأبطحي البحيري والشيخ محمد السباعي والشيخ أحمد السباعي والشيخ علي المغربي الحلو والشيخ محمد الأمير وذكر في سنده أن هؤلاء السادات كلهم تلاميذ الشيخ الأمير الكبير والشيخ مصطفى البولاقي (١) ، تغمدهم الله برحمته وأسكنهم بحبوحة جنته ، وقد كان رحمه الله تعالى كتب لي هذا السند بعد قراءتي عليه بعض الأحاديث حين قدومه لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وإقامته تلك المدة في داري .. ومن مشايخي الأستاذ الطود الأشم الكامل ، والجهبذ الألمعي الواصل سيدي الشيخ السيد محمد العطوشي الطرابلسي مولدا المدني إقامة ومدفنا تغمد الله الجميع بالرحمة والرضوان ، وأنا لهم بجوار حبيبه أعلا الجنان ، متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ، يقال لهم إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا. هذا وللتبرك بذكر أعلا سند لي في صحيح البخاري أقول أرويه عن شيخي محمد العطوشي المشار إليه عن شيخه محمد بن سنه عن أبي الوفا أحمد بن محمد بن العجل عن قطب الدين محمد بن أحمد النهرواني عن والده عن الحافظ نور الدين أبي الفتوح أحمد بن عبد الله الطاوسي عن المعمر الملقب بأبي يوسف الهروي عن محمد بن شاذبخت الفرغاني عن المعمر أبي لقمان يحيى بن عمار

__________________

(١) قال الشيخ الهجرسي تعليقا على ذلك : هذا العطف يوهم بل يفهم أن الشيخ البولاقي من مشايخ العلامة الشيخ عليش الذي منهم العلامة الأمير الصغير ، والذي اعرفه من أستاذي الإمام السقا بل أعلم أيضا من شيخي الشيخ عليش المومى إليه أن الشيخ البولاقي من مشايخ الشيخ المومى إليه فهو في مرتبتهم ولربما كان الأمير الصغير مقدما عليه فيها كما هو عندنا في الأزهر شهير ، فلعل في هذا العطف تأخيرا من تقديم أو سهو وقع عند سماع ثبت المشايخ فظن السامع أن البولاقي في درجة الأمير الكبير.

١٢١

الختلاني عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الفريري عن سيد حفاظ الإسلام محمد بن إسماعيل البخاري فيكون بيني وبين البخاري أحد عشر رجلا لكن قد ذكر الشيخ عبد الخالق بن علي الجرجاني انه صح ان الشيخ قطب الدين محمد النهرواني روى صحيح البخاري عن الحافظ نور الدين ابي الفتوح الطاوسي بلا واسطة والده وعليه فيكون بيني وبين البخاري عشرة رجال. قال أستاذي صاحب هذا السند : لا أعلم في الدنيا سندا أعلا من هذا السند ... هذا وإني أوصي ولدنا السيد محمد المومي إليه بما أوصي به نفسي من مراقبة مولاه في سره ونجواه ، والله أسأل ان يجعلني وإياه وجميع إخواننا من العلماء العاملين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وجاء في آخر هذه الإجازة ذكر تاريخها وهو السابع بعد العاشر من الواحد بعد العاشر من العاشر من الرابع بعد العاشر من هجرته صلى الله عليه وسلم .. وفي ذلك ما يفيد ان تاريخ هذه الإجازة هو ١٧ من ذي القعدة عام ١٣١٠ ه‍.

الإجازات العلمية في الأزهر الحديث

كانت شهادات الأزهر في نظامه القديم قبل النظام الحديث هي :

١ ـ العالمية النظامية وكان ينالها من أتم دراسة القسم العالي وهي في قيمتها العلمية والمادية كدبلوم مدرسة المعلمين العليا وليسانس الحقوق والآداب.

٢ ـ شهادة التخصص القديم وكان يمنحها الأزهر بعد العالمية ، لمن قضى دراسة مهنية تربوية يعلم فيها طرائق التدريس وما يتصل بها ، مع ثقافة تكميلية لتعويض ما كان في المستوى العلمي من ضعف حينذاك. وقيمتها قيمة دبلوم معهد التربية للمعلمين.

أما الشهادات التي تعطى للناجحين في الإمتحانات النهائية وفق النظام الحديث فهي :

١٢٢

١ ـ الشهادة الابتدائية ـ لمن أتموا دراسة القسم الابتدائي بأعوامه الأربع ، وتخول صاحبها الاندماج في القسم الثانوي.

٢ ـ الشهادة الثانوية لمن أتموا دراسة السنة الخامسة من القسم الثانوي. وتخول صاحبها الاندماج في الكليات ، ودار العلوم ، والتدريس في مدارس التعليم الأولى.

٣ ـ الشهادة العالية لمن أتموا دراسة كلية من كليات القسم العالي ، والحائزون لها يكونون أهلا للوظائف الكتابية بالجامع الأزهر ، والمعاهد الدينية ، والمحاكم الشرعية ، والمجالس الحسبية ، والأوقاف ، والتدريس في المساجد ولوظائف الخطابة ، والإمامة والمأذونية.

٤ ـ شهادة العالمية لمن أتموا دراسة التخصص في مهنة التدريس أو القضاء الشرعي أو الوعظ والإرشاد .. والحائزون لها من قسم التخصص في مهنة التدريس يكونون أهلا للتدريس في المعاهد الدينية وفي مدارس الحكومة. والحائزون لها من قسم التخصص في القضاء يكونون أهلا للوظائف القضائية بالمحاكم الشرعية والافتاء والمحاماة أمام المحاكم الشرعية والمجالس الحسبية. والحائزون لها من قسم التخصص في الوعظ والارشاد يكونون أهلا لوظائف الوعظ والارشاد.

٥ ـ شهادة العالمية مع لقب أستاذ لمن تخصص في مادة من المواد ، والحائزون لها يكونون اهلا للتدريس في الكليات وفي أقسام التخصص.

الكليات وما تمنحه من شهادات

١ ـ كلية الشريعة وتمنح الشهادات الآتية :

أـ شهادة الدراسة العالية ومدتها أربع سنوات. والمواد التي تدرس للحصول عليها :

التفسير ، الحديث متنا ورجالا ومصطلحا ، أصول الفقه ، الفقه مع

١٢٣

حكمة التشريع ومقارنة المذاهب في المسائل الكلية ، تاريخ التشريع الإسلامي ، المنطق ، الفلسفة ، لغة أجنبية (الانجليزية او الفرنسية) وتدرس بصفة اختيارية.

ب ـ شهادة العالمية مع اجازة القضاء. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية :

قوانين ولوائح المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية ، التوثيقات الشرعية ، إجراءات وتمرينات قضائية ودراسة القضايا ذات المبادىء السياسية الشرعية ، القانون الدولي الخاص ، تاريخ القضاء والقضاة في الاسلام ، النظام الدستوري للدولة ، محاضرات في مبادىء الاقتصاد ، محاضرات طبية ، محاضرات فلكية ، لغة اجنبية اختيارية ، وهي التي درست في الكلية.

ج ـ شهادة العالمية من درجة أستاذ في الفقه والأصول. والمواد التي يتخصص فيها للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية :

الأصول ، الفقه مع حكمة التشريع ومقارنة المذاهب وتاريخ التشريع الاسلامي.

٢ ـ كلية أصول الدين ، وتمنح الشهادات الآتية :

أـ شهادة الدراسة العالية في أصول الدين. والعلوم التي تدرس للحصول عليها هي :

التوحيد ، التفسير ، الحديث متنا ومصطلحا ورجالا ، المنطق وأدب البحث ، الأخلاق ، الفلسفة ، الأصول ، التاريخ الإسلامي ، علم النفس ، لغة اجنبية (الانجليزية او الفرنسية).

ب ـ شهادة العالمية مع الاجازة في الدعوة والارشاد. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي :

١٢٤

القرآن الكريم وعلومه ، الحديث الشريف وعلومه ، الدعوة الى سبيل الله ووسائلها ، الخطابة والمناظرة ، الملل والنحل والمذاهب الفقهية وتواريخها ، البدع والعادات ، اللغة الأجنبية التي درست في الكلية ، لغة شرقية.

ج ـ شهادة العالمية مع درجة أستاذ في التوحيد والفلسفة. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي :

التوحيد ، المنطق ، الفلسفة ، الأخلاق.

د ـ شهادة العالمية مع درجة أستاذ في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي :

التفسير ، علوم القرآن الكريم ، الحديث وعلومه.

ه ـ شهادة العالمية من درجة استاذ في التاريخ الاسلامي. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي : التاريخ الاسلامي وما يلزمه من دراسات.

٣ ـ كلية اللغة العربية ، وتمنح الشهادات الآتية :

أـ شهادة الدراسة العالية في اللغة العربية. والعلوم التي تدرس للحصول عليها هي :

النحو ، الصرف ، الوضع ، فقه اللغة ، الأصول ، الانشاء ، علوم البلاغة : (البيان والمعاني والبديع) ، الآداب العربية وتاريخها ، العروض والقافية ، التفسير ، الحديث ، المنطق ، الفلسفة ، المطالعة ، الأدب المقارن ، علم الاجتماع ، الخط ، الجغرافيا ، التاريخ السياسي ، النقد الأدبي ، لغة أجنبية : الانجليزية ، والفارسية ، والعبرية ، والتركية ، والأخيرة بصفة اختيارية ، وتعطى عليها مكافأة شهرية قدرها جنيه لعشرة طلاب.

١٢٥

ب ـ شهادة العالمية مع الاجازة في التدريس. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي :

علم النفس العام ، علم النفس التعليمي ، أصول التربية والطرق العامة والتنظيم المدرسي ، تاريخ التربية العملية ، طرق التدريس الخاصة ، الأخلاق ، تدبير الصحة المدرسي ، الرسم ، تجويد الخط ، التربية البدنية ، لغة اجنبية اختيارية وهي التي درست في الكلية.

ج ـ شهادة العالمية من درجة استاذ في النحو. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي :

النحو ، الصرف ، الوضع ، فقه اللغة ، العروض والقافية ، وتدرس مبادىء اللغتين العبرية والسريانية.

د ـ شهادة العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب ، والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي :

علوم البلاغة وتاريخها ، الأدب العربي وتاريخه ، العروض والقافية ، النقد الأدبي ، مبادىء اللغتين العبرية والسريانية. ومدة الدراسة للحصول على شهادة الدراسة العالية أربع سنوات ، وللحصول على شهادة العالمية مع الاجازة سنتان. ومدة الدراسة للحصول على شهادة العالمية من درجة أستاذ لا تقل عن ست سنوات ، ولا تزيد على ثماني سنوات.

وهذه صور من شهادات الأزهر الحديث :

١ ـ بسم الله الرحمن الرحيم ـ براءة بمنح شهادة العالمية ، من فؤاد ملك مصر بعناية الله تعالى ، الى حضرة الشيخ نافع محمد نافع الخفاجي الشافعي من تلبانة مركز المنصورة مديرية الدقهلية ـ رفع إلينا صاحب العزة وزير الأوقاف ما أقره مجلس الأزهر الأعلى في ١٤ ربيع الثاني ١٣٥١ ه‍ ١٦ أغسطس ١٩٣٢ ، من نجاحكم في امتحان شهادة العالمية الذي اجرى بالجامع الأزهر في سنة ١٣٥٠ ه‍ لذلك أمرنا بإصدار براءتنا هذه من ديواننا

١٢٦

بمنحكم شهادة العالمية ، مع حقوقها التي تخولها لكم القوانين والأوامر المتبعة نفع الله الناس بعلمكم ، ووفقكم لما فيه الخير ـ تحريرا في ٢٣ محرم سنة ١٣٥٢ ه‍ من هجرة خاتم المرسلين.

٢ ـ بسم الله الرحمن الرحيم ـ المملكة المصرية ـ الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الاسلامية ـ الشهادة العالية بكلية اللغة العربية ـ استحق هذه الشهادة الأستاذ محمد عبد المنعم عبد المنعم خفاجي بن عبد المنعم عبد المنعم خفاجي بن عبد المنعم خفاجي المولود سنة ١٩١٥ في تلبانة مركز المنصورة مديرية الدقهلية ، بعد أن نجح في امتحانها المنعقد سنة ١٣٥٩ ه‍ ـ ١٩٤٠ م ـ والله أسأل أن يوفقه لخدمة العلم والدين ـ شيخ الجامع الأزهر ـ محمد مصطفى المراغي ـ القاهرة في صف ١٣٦٠ ه‍ ـ ١٩٤١ م.

٣ ـ بسم الله الرحمن الرحيم ـ براءة بمنح شهادة العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب ـ من ملك مصر بعناية الله تعالى ، إلى حضرة الأستاذ محمد عبد المنعم عبد المنعم خفاجي الحنفي ، من تلبانة بمركز المنصورة بمديرية الدقهلية ، رفع الينا حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ما أقره المجلس الأعلى للأزهر في ٢٤ ربيع الأول ١٣٦٦ ه‍ ـ ١٥ فبراير ١٩٤٧ ، من نجاحكم في امتحان شهادة العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب الذي اجرى في سنة ١٣٦٥ ه‍ لذلك أمرنا بإصدار براءتنا هذه من ديواننا بمنحكم هذه الشهادة مع حقوقها التي تخولكم إياها القوانين والأوامر المتبعة ، نفع الله الناس بعلمكم ووفقكم لما فيه الخير.

إصلاحات جديدة في الأزهر

١ ـ مما جد على الأزهر من إصلاحات : إنشاء قسم للوعظ ، يتبعه الوعاظ من العلماء في جميع القطر المصري ، ويصدر قسم الوعظ مجلة اسمها «نور الإسلام» ، وعند ما بدأ قسم الوعظ سنة ١٩٢٨ كان عدد الوعاظ فيه نحو أربعة ، وهم الآن نحو ٢٥٠ واعظا من العلماء.

١٢٧

٢ ـ وكذلك إنشاء مراقبة البحوث والثقافة الاسلامية في يوليو ١٩٤٥ ، وإنشاء وحدة طبية كاملة للأزهر عام ١٩٤٧.

٣ ـ وكذلك إنشاء كثير من المعاهد الدينية الابتدائية والثانوية في عواصم المديريات وبعض المدن الكبرى ، ويبلغ عددها الآن نحو ٢٥ معهدا ، ومن أقدمها : معهد الاسكندرية ومعهد طنطا ، وأسيوط ، والزقازيق ودمياط ودسوق ، ثم أنشىء معهد شبين الكوم والمنصورة وقنا وسوهاج والمنيا ومنوف ، وفي عهد الثورة انشىء معهد في دمنهور وآخر في بنها .. الى غير ذلك من المعاهد الدينية العديدة التي هي فروع صغيرة للجامعة الأزهرية الكبرى.

٤ ـ وكذلك إنشاء مجلة الأزهر ، فقد رأت مشيخة الأزهر بعد أن استقر فيه النظام الجديد الذي وضع له ، ان تجعل لهذه الجامعة الدينية العالمية مجلة تحمل رسالتها الى جميع البلاد الاسلامية ، لتكون صلة علمية بينها وبين جميع الشعوب التي تدين بالدين الحنيف في مشارق الأرض ومغاربها ، ولتحمل الى القائمين بتعليم الدين فيها ما تثمره قرائح حفظته مما يزيد في مادته ثروة جديدة ، أو ما يتأدون إليه نظام مفيد. فظهرت هذه المجلة باسم «نور الإسلام» في أول محرم من سنة ١٣٤٩ ه‍ ـ ١٩٣٠. وكان ذلك في عهد المرحوم الشيخ محمد الأحمدي الظواهري ، ويؤثر عنه انه بذل في إقامة صرح هذه المجلة مجهودا محمودا. ولما تولى المشيخة المرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغى نظر إلى هذه المجلة نظرة تشجيع ورأى ان يغير اسمها إلى «مجلة الأزهر» بدل مجلة نور الإسلام. وقد سر الناس بظهور المجلة ، واتسع انتشارها حتى بلغ ما يطبع منها حدا لم تبلغه مجلة إسلامية قبلها في البلاد العربية .. كان مما يكتبه فيها أعلام الأزهر بحوث في التفسير والحديث ، وبحوث تحض على إحياء السنة وإماتة البدعة ، والدعوة إلى الفضائل. ثم اتسع ميدان الكتاب فيها ، فأخذت تفند ما تسرب إلى بعض المقلدين من الشبهات والشكوك ، محمولة بين ثنايا المعارف المدرسية الحديثة وما تنشره المجلات العلمية من المباحث في الطبيعيات ،

١٢٨

وما تلم به أحيانا من المعضلات في مختلف الفلسفات. فكانت مجلة الأزهر في تلك المواقف حائلا قويا بين تلك الموجات العنيفة والدين ، على أسلوب علمي بحت ، وبأسلحة من الطراز الذي يهاجم به الدين في أخص ما يدعو اليه.

وطار صيت مجلة الأزهر في الآفاق الاسلامية ، بما كان يقتطفه منها كتاب تلك الأقطار ، وما يترجمه عنها المشتغلون منهم بالصحافة ، فكان أثرها بعيدا في حماية العقائد ، وتقويم المذاهب ، وطمس معالم البدع ، وتجلية الدين الحق في صورته الصحيحة.

ولما تولى مشيخة الأزهر المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق رغب في ان تكون مجلة الأزهر مستكملة لنظم المجلات الجامعية ، فوضع لها قانونا ، وحدد المواضيع التي تطرقها ، ووضع لها نظاما ، وشجع على السير بها قدما بكل ما استطاع من وسيلة.

وكان من أجل ما قامت به هذه المجلة من خدمات ، تلك الصلة الكريمة التي أوجدتها بين المسلمين في البلاد كافة وبين الأزهر ، فإن لهذه الصلة أثرا أدبيا يظهر فعله في الأخلاق والآداب ، إن لم يكن عاجلا ، فعلى مدى الأيام والسنين ، وكان لا بد من إيجاد هذه الصلة في هذا العهد.

وقد تولى إدارة المجلة علماء ممتازون ، منهم الأستاذ الكاتب العالم محمد فريد وجدي المتوفى في ٦ فبراير ١٩٥٤ .. وفي عهد مشيخة الشيخ عبد المجيد سليم الثانية عهد بإدارة المجلة إلى الأستاذ احمد حسن الزيات.

ثم تولى إدارتها بعده الأستاذ الكبير الشيخ محمد عرفة عضو جماعة كبار العلماء ، ثم الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي عضو الجماعة كذلك.

ومنذ المحرم ١٣٧٤ ه‍ بدأت المجلة تصدر مرتين في الشهر بدلا من مرة واحدة.

١٢٩

المكفوفون في الأزهر :

امتاز الأزهر عن جميع المعاهد العلمية والجامعات الكبرى بمزيد الاهتمام وعظيم الرعاية والعناية بالطلبة المكفوفين ، فهو يحتضنهم ويمددهم بالاعانات الرتبية في كل شهر ، ويكفل لهم الاستقرار في حياتهم المدرسية ، وهم في منهاج تعليمهم كالمبصرين سواء بسواء ، ما عدا المواد التي لا بد فيها من الإبصار ، كالعلوم الرياضية والتجارب العلمية في الطبيعة والكيمياء ، وتصدر لهم براءات ملكية من ولي الأمر عند انتهاء دراساتهم كالمبصرين ، ويضمن لهم مستقبلهم ، إذ يمتهنون بعض المهن العلمية في الدولة : كالتدريس والامامة والخطابة والوعظ والارشاد.

ولقد تخرج في الأزهر كثير منهم ، كان لهم القدح المعلى في الثقافة العامة والتربية والتعليم ، واشتهر منهم كثير في الأزهر ، والميادين العلمية قديما ، كالشيخ القويسني وقد وصل بشهرته ومكانته إلى مشيخة الاسلام في الأزهر سنة ١٢٥٠ ه‍ ، وحديثا : كالشيخ حسين زين المرصفي ، والشيخ علي الصالحي ، والشيخ محمد ماضي الرخاوي ، والشيخ إبراهيم الحديدي ، والشيخ يوسف الدجوى ، والشيخ سالم البولاقي ، والشيخ عبد المطلوب برعي ، والشاعر الفحل الشيخ احمد الزين ، وكان له في دار الكتب الملكية آثار محمودة في البحوث الأدبية والعلمية.

ومن بين هؤلاء من لم يتم دراسته في الأزهر ولكنه نجح في الحياة ، وطار صيته في الآفاق كل مطار ، كالدكتور طه حسين .. وقد سافر في بعثة دراسية الى فرنسا الأستاذ فتحي عبد المنعم وهو من مدرسي الأزهر المكفوفين.

لجنة الفتوى بالأزهر

كانت ترد إلى مشيخة الأزهر من الأقطار الشقيقة وغيرها استفتاءات كثيرة في مسائل دينية متنوعة ، يطلب أصحابها الافتاء فيها على مذهب معين ، او من غير تقيد بمذهب من المذاهب .. ولما كانت تلك

١٣٠

الاستفتاءات وما يصدر فيها من فتاوى على جانب عظيم من الأهمية ، لما لها من وثيق الصلة بأحوال الناس الشخصية والاجتماعية وغيرها ، ثم هي وسيلة من وسائل نشر أحكام الشريعة الاسلامية الغراء على وجه صحيح بين جمهور المسلمين. ونظرا إلى ما يتطلبه هذا العمل العلمي الديني الجليل من جهد وما يستنفده من وقت في البحث والدرس ، فقد رأى المغفور له الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر الأسبق ان تضطلع بهذا العمل لجنة خاصة من جهابذة العلماء ، فأصدرا قرارا بتكوينها في ١٢ من جمادى الأولى سنة ١٣٥٤ ه‍ ١١ من اغسطس سنة ١٩٣٥ ـ من رئيس وأحد عشر عضوا ، منهم ثلاثة من علماء الحنفية ، وثلاثة من المالكية ، وثلاثة من الشافعية ، واثنان من الحنابلة. ومنذ تألفت اللجنة وهي دائبة على أداء واجبها بعقد اجتماعات تتوافر فيها على بحث ما يرد إليها من استفتاءات بحثا وافيا مستفيضا ، ثم تجيب عليها مبينة حكم الشرع فيها ، إما وفق أحكام مذهب معين إن طلب السائل ذلك ، وإما بغير تقيد بمذهب فتكون الاجابة على وفق ما تقتضي به القواعد العامة المأخوذة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين او القياس الصحيح الموافق لقواعد الدين العامة والملائم لصالح المسلمين.

وليس ادل على عظيم اثرها وجليل نفعها من أنها تصدر نحو ٣٥٠ فتوى سنويا وقد تعاقب على رياستها من أول تكوينها الى الآن ، حضرات أصحاب الفضيلة : المغفور له الشيخ حسين والي والمغفور له الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام والمغفور له الشيخ محمد مصطفى المراغى والمغفور له الشيخ محمد مأمون الشناوي والشيخ عبد الرحمن حسن والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ إبراهيم حمروش والشيخ محمد العناني.

مجلس الأزهر الأعلى :

وللأزهر مجلس أعلى أنشىء بمقتضى القانون رقم ١٩١١ ، ويؤلف من شيخ الأزهر ، ووكيله ، ومفتي الديار المصرية ، ومشايخ الكليات ، ووكلاء

١٣١

وزارات المالية والعدل والمعارف والأوقاف ، واثنين من هيئة كبار العلماء ، واثنين من كبار رجال التعليم ويعينان لمدة سنتين.

العلماء والطلاب :

لا يوجد في السجلات ذكر لعدد علماء الأزهر إلا من سنة (١٢٨٧ ه‍ ـ ١٨٧٥ م) بيد انه يوجد إحصاء عام قبل ذلك بلغ ٢٥٢ عالما ، وذلك قبل صدور قانون نظام الامتحانات في عهد الشيخ المهدي العباسي اي في سنة ١٢٨٧ ه‍ ، ونفذ في سنة ١٢٨٨. وكان عدد الشيوخ المدرسين بالأزهر في هذا العام ٣٦١ شيخا.

ونذكر هنا أن العلماء الذين يزاولون التدريس في الأزهر ـ كلياته ومعاهده ـ يبلغ عددهم الآن نحو ١٢٣٥ مدرسا ، وكذلك الوعاظ يبلغ عددهم الآن نحو عشرين ومائتي واعظ. وذلك خلاف باقي الموظفين في غير التدريس والوعظ بالأزهر ومعاهده.

إحصاء عام للطلبة بالأزهر :

في سنة ٣٧٨ ه‍ بلغ عددهم ٣٥ طالبا وفي سنة ٨١٨ بلغ عددهم ٧٥٠ طالبا وفي سنة ١٢٦٣ بلغ عددهم ٧٤٠٣ طلاب وفي سنة ١٢٧٢ بلغ عددهم ٥٩٤٠ طالبا وفي سنة ١٢٨٢ بلغ عددهم ٢٨١٧ طالبا (١) وفي سنة ١٢٩٢ بلغ عددهم ١١٠٩٥ طالبا وكان عدد العلماء في هذا العام ٣٢٥ عالما .. وفي سنة ١٢٩٣ بلغ عددهم ١٠٧٨٠ طالبا (٢) وفي سنة ١٣١٩ بلغ عددهم ٨٢٥٩ طالبا وفي سنة ١٩٠٢ م بلغ عدد الطلبة ١٠٤٠٣ طلاب وفي سنة ١٩٠٦ بلغ عددهم ٩٠٦٩ طالبا (٣) وفي سنة ١٩١٦ بلغ عددهم ١٥٣٣٥ طالبا وفي سنة ١٩٢٠ بلغ عددهم ١٣٢٨٠ طالبا وفي سنة ١٩٢٦

__________________

(١) سبب هذا النقص قيام الثورة العربية مما دعا الطلبة الى الهجرة الى بلادهم

(٢) راجع الخطط التوفيقية ج ٥ ص ١٤

(٣) دائرة المعارف الاسلامية

١٣٢

بلغ عددهم ١١٧٩٧ طالبا وفي سنة ١٩٢٩ بلغ عددهم ١٠٦٨٠ طالبا وفي سنة ١٩٣٣ بلغ عددهم ٨٩٤٥ طالبا وفي سنة ١٩٣٨ بلغ عددهم ١٣١٦٣ طالبا وفي سنة ١٩٤١ بلغ عددهم ١٤١١٦ طالبا وفي سنة ١٩٤٧ بلغ عددهم ١٧٥١٤ طالبا.

ميزانية الأزهر :

وكانت ميزانية الأزهر عام ١٨٩٢ م مبلغ ٤٣٧٨ جنيها حيث كانت مرتبات العلماء ضئيلة في ذلك العهد. فكان مرتب العالم ذي الدرجة الأولى مائة وخمسين قرشا ، وذي الدرجة الثانية مائة قرش ، وذي الدرجة الثالثة خمسة وسبعين قرشا. وكانت المرتبات محدودة العدد. فكان المدرس الجديد لا يمنح مرتبا الا إذا توفي احد المستحقين من قبل ، ويكتفي بالجراية. وفي ذلك العهد لم يكن فيه إحالة على المعاش. فالعالم يتقاضى مرتبه إلى الوفاة. وبقي الحال كذلك إلى سنة ١٩٠٩ م. ففي ذلك التاريخ طلب العلماء من أولياء الأمور النظر في حالة الأزهر بما يلائم حال العصر من وضع الدرجات ورفع المرتبات ، حتى تتسع لكل العلماء المدرسين ، مع طلب إصلاحات اخرى ، ولما رأى أولياء الأمر أن حالة الأزهريين اشتدت ، وانقلبت الحالة الى ثورة جامحة استغلتها بعض الأحزاب السياسية ، قرروا إجابة طلبهم أولا في وضع الدرجات ، وان المدرس يتقاضى ثلاثة جنيهات شهريا. ـ وقد كان مرتب الشيخ محمود أبي العيون المدرس في الأزهر بعد تخرجه عام ١٩٠٨ خمسة عشر رغيفا ، وظل يتناول هذا الأجر إلى يونيه سنة ١٩٠٩ م ، فرتب له ثلاثة جنيهات كزملائه.

ومن ذلك الوقت بدأ الأزهر يسير في طريق النظم المالية في الدولة.

وفي سنة ١٩١٢ بلغت ميزانية الأزهر ٥٩٩٢٤ جنيها ـ وفي سنة ١٩٢٠ بلغت ٢٠٦٨٨١ جنيها. وبلغت ميزانية الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية في سنة ١٩٢٨ المالية ٠٠٠ ، ٣٠٥ جنيه منها ٨٣٧ و ١٩٤ مخصصة للجامع الأزهر ، ويبلغ عدد الأساتذة المدرسين بالجامع الأزهر في العام

١٣٣

نفسه ٢٥٣ أستاذا ، وعدد الطلبة بالقسم الأولى ١٣٦٦ طالبا ، وبالقسم الثانوي ٥٨٨ طالبا ، وبالقسم العالي ١٢٣٨ طالبا ، وبالقسم المؤقت ٥٧٣ طالبا ، وفي فرقة التخصص ١٦٠ طالبا ، وبلغ عدد المدرسين في معهد الاسكندرية ٩٢ مدرسا وعدد الطلبة ٧١٦ طالبا ، وفي معهد طنطا ١٠٧ مدرسين و ٢٠٩٢ طالبا وفي معهد أسيوط ٥٥ مدرسا و ٦٧٤ طالبا ، وفي معهد دسوق ٢٦ مدرسا و ٣٦٠ طالبا ، وفي معهد دمياط ٢٥ مدرسا و ٣٠٦ طلاب ، وفي معهد الزقازيق ١١١ مدرسا و ١١١٤ طالبا.

وفي سنة ١٩٢٩ بلغت ميزانية الأزهر ١٢١٠٣٣ جنيها ، وفي سنة ١٩٤٢ بلغت ٤٠٠٢٠٠ جنيه ، وفي سنة ١٩٤٨ صارت ٩٠٠٧٥٢. وتبلغ اليوم نحو المليون والثلث من الجنيهات.

الأزهر في صحائف الذكرى

ـ ١ ـ

في عام ١٨٩٩ أرادت حكومة مصطفى فهمي باشا استجابة لأمر الإنجليز أن تضعف القضاء الشرعي. فوضعت مشروعا لتعديل اللائحة الشرعية وضم اثنين من أعضاء الاستئناف الأهلي الى المحكمة الشرعية العليا ، ولم تبال الحكومة المصرية باحتجاج الحكومة العثمانية على المشروع فعرضته على مجلس الشورى ، وكان من أعضائه الشيخ حسونة النواوي الذي جمعت له مشيخة الأزهر وفتوى الديار المصرية ، فثار على المشروع وانسحب من المجلس وتبعه القاضي التركي ، فخذل المجلس الحكومة وفشل المشروع.

ـ ٢ ـ

شيئان لهما في نفوس السائحين المكان الأرفع. وهما أول ما يفكرون في زيارتهما .. الأهرام والأزهر.

وللسائحين ـ والأمر يكيون بالأخص ـ فكرة عجيبة عن الأزهر الشريف يكتنفها الخيال بأوسع معانيه ، فهم يتصورون فيه بقية من بقايا العصر

١٣٤

الاسلامي الزاهر ، ويذكرون به قصص ألف ليلة وليلة وقصور بغداد والقاهرة وقرطبة.

ويروى أن اللورد كرومر المعتمد البريطاني أراد أن يتعارف بشيخ الجامع الأزهر فقيل له إنه معتكف في حجرته بالجامع لا يخرج منها ولا يغادر باب الأزهر لزيارة احد مهما كان مركزه عظيما ، وذهب اللورد لزيارة الأسد في عرينه .. أو الناسك في صومعته ، وكان اللورد حينذاك في إبان بطشه وقوته يهابه الكل ويسارعون لتلبية أمره وقد ظن انه سيجد من شيخ الاسلام تابعا ونصيرا.

ودخل الأزهر وسار بين أعمدته وعلى بلاطه فامتلأ رهبة وروعة وراعه الصمت السائد ، والطلبة الذين يتحركون في صمت وخشوع كأنهم الأشباح السارية ، واستقبله وفد من المشايخ في عمائم كبيرة وأكمام واسعة طويلة بطيىء الحركة يسيرون في تؤدة ووقار ولا يحنون رءوسهم الا ساعة الركوع والسجود.

وسار بينهم يخترق الحجرات والابهاء وهو يتجرد في كل خطوة من ثياب جبروته وكبريائه ، حتى إذا وصل الى باب صغير أدى به اليه السير كان العميد البريطاني العظيم قد أصبح فردا يشعر بالضعف والخشوع.

وفتح الباب وتنحى الموجودن ودخل اللورد ومعه أحد ياوران السراي ، فرأى نفسه في حجرة مجردة من الأثاث والفراش عارية الأرض مكشوفة البلاط ، ساكنة يكتنفها شيء من الظلام إلا من شعاع ينفذ من نافذة نصف مغلقة ، وفي واجهة تلك الحجرة دكة عالية عليها قطعة من بساط وقد تربع فوقها شيخ الاسلام والمسلمين في ثياب بسيطة وفي يده سبحة يعد خرزاتها ويتمتم بالتسبيح عليها ، وهو مطرق برأسه مستغرق في نجواه.

وأدار اللورد نظره حوله فلم يجد مقعدا ، وتقدم خطوتين فلم يرفع الشيخ رأسه ولم يبادره بالتحية ولبث يتمتم نجواه وهو في سكون وجمود.

١٣٥

ووقف اللورد في وسط الحجرة أمام الشيخ فترة طويلة خانته فيها اعصابه وارتبكت حواسه وشعر بأنه يتضاءل ويتضاءل امام ذلك الشيخ النحيف الجسد السابح في ذكره حتى لم يعد يشعر بنفسه.

وبعد ان مرت فترة طويلة رفع الشيخ رأسه دون ان يتحرك من مكانه ونظر الى اللورد نظرة هادئة عميقة وقال بصوت لطيف : «أهلا وسهلا»!.

ثم مد إليه يده كما يمدها الملك إلى أحد رعاياه ، وتقدم اللورد فتناول هذه اليد ولثمها بشفتيه.

واسترد الشيخ يده ثم قال له : «في أمان الله ... في امان الله ..»

وخرج اللورد يتعثر ، وقد أدرك ان في مصر من هو أعظم منه شأنا وأقوى شخصية.

ولكن المسجد الأزهر الآن تبدل كثيرا عما كان عليه منذ نيف وأربعين سنة فدخلته جحافل المدنية ، ولم يعد ذلك المعهد الرهيب الذي يتصوره الأجانب مكتنفا بالأسرار تصدر منه الأوامر الخفية إلى المسلمين قاطبة فيخضعون لاشارته كما كان الفاتيكان في عهد ازدهار البابوية .. بل أصبح السائحون يزورونه الآن وعم يعرفون انهم قادمون على جامعة دينية كبرى أخذت من العلوم الحديثة والمدنية العصرية بكثير من أسبابها.

ـ ٣ ـ

في ديسمبر ١٩٤٦ أرادت حكومة النقراشي باشا ان تنفذ رغبة ملكية بتعيين الاستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخا للأزهر ، وكان الأستاذ الأكبر حينئذ بعيدا عن الأزهر ، حيث كان وزيرا للأوقاف ، وكان من قبل ذلك أستاذ الفلسفة في كلية الآداب .. وكان وكيل الأزهر في ذلك الحين هو الشيخ محمد مأمون الشناوي ، فاستشير في الأمر ، فأشار بأن هذا التعيين يخالف نص قانون الأزهر الذي يشترط في شيخ الأزهر ان يكون من بين جماعة كبار العلماء ، فقيل له : إن للأستاذ الأكبر كتبا عديدة وسيقدم كتابا

١٣٦

منها لعضوية الجماعة ، فأخبرهم الشيخ مأمون الشناوي بأن قانون الجماعة يمنع منحها للأستاذ الأكبر لأنه ليس من أساتذة كليات الأزهر الشريف الذين يباح لهم التقديم لعضوية الجماعة بشروط خاصة ، فأشير على الشيخ الشناوي بأن يجمع الجماعة لتعديل قانونها ، فرد عليهم بأن رئيس الجماعة هو الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم ، فدعى الشيخان لمقابلة النقراشي ، ويبدو ان الشناوي قابل النقراشي أولا حيث ذكر له ان هذا التعيين يجب ان يتم ، لأنه قد طلبه أغا خان من السراي ، وكان المفهوم في أوساط الشعب ان الخاصة الملكية استولت من وزارة الاوقاف على أطيان ضخمة من بينها تفتيش الوادي وتفتيش شاوة لادارتها بدلا من وزارة الأوقاف ، وان الملك يرغب في مكافأة وزير الأوقاف بتعيينه شيخا للأزهر ، على الرغم من اعتذار الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق طيب الله ثراه عن قبول هذا المنصب.

وخرج الشيخان من مكتب النقراشي ، حيث جمعا الجماعة ، فرفضت ان توافق على تعديل قانونها ، وكان في مقدمة الرافضين الأستاذ الاكبر الشيخ ابراهيم حمروش وكان شيخا لكلية الشريعة آنذاك .. وإثر ذلك طلب من المشايخ الثلاثة الاستقالة فاستقال الشيخ الشناوي وكيل الأزهر والشيخ ابراهيم حمروش شيخ كلية الشريعة والشيخ عبد المجيد سليم المفتي من وظائفهم ، وعين مدير الأزهر الشيخ عبد الرحمن حسن وكيلا للأزهر ، ونفذ الرغبة الملكية بتعديل القانون الذي أثار تعديله ثورة في الشعب وفي أوساط العلماء والطلاب ، ونشر كبار الشيوخ المستقيلون بيانا على الأمة المصرية الكريمة والعالم الاسلامي عن انتهاك الحكومة القائمة لقانون الأزهر ، وذكروا فيه تهديد رئيس ديوان الملك للمفتي الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم إذ دعاه إلى مكتبه وقال له : «إن في وقفتك هذه ضد رغبة الملك خطرا عليك» ، فأجاب على الفور : أيحال بيني وبين الذهاب إلى بيت الله؟ فقال رئيس الديوان : لا. فرد عليه الشيخ على الفور : إذن لا خطر.

وكان الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق طيب الله ثراه من أشد

١٣٧

الشخصيات مكانة وحبا في قلوب الأزهريين ، وطالما اعتذر عن قبول منصب المشيخة في هذه الأزمة ، إلا ان الملك كان يحب ان يتصرف في الأزهر وفق هواه ، وكانت وقفة الشيوخ المشرفة ضد الملك ذات مغزى بعيد في الشعب والعالم الاسلامي.

ـ ٤ ـ

نداء من علماء الأزهر إلى أبناء العروبة والاسلام

صدر في المحرم ١٣٦٧ ه‍ ديسمبر ١٩٤٧ م

بسم الله الرحمن الرحيم : يا معشر العرب والمسلمين! قضي الأمر! وتألبت عوامل البغي والطغيان على فلسطين ، وفيها المسجد الأقصى أول القبلتين. وثالث الحرمين ، ومنتهى إسراء خاتم النبيين ، صلوات الله وسلامه عليه ، قضي الأمر ، وتبين لكم ان الباطل ما زال في غلوائه سادرا ، وأن الهوى ما فتىء على العقول مسيطرا ، وأن الميثاق الذي زعموه سبيلا للعدل والانصاف ما هو إلا تنظيم للظلم والاجحاف ، قضي الأمر! ولم يبق بعد اليوم صبر على تلكم الهضيمة التي يريدون ان يرهقونا بها في بلادنا ، وأن يجثموا بها على صدورنا ، وأن يمزقوا بها أوصال شعوب وحد الله بينها في الدين واللغة والشعور ، إن قرار هيئة الأمم المتحدة ، قرار هيئة لا تملكه ، وهو يعد قرارا باطلا جائرا ليس له نصيب من الحق والعدالة ، ففلسطين ملك العرب والمسلمين بذلوا فيها النفوس الغالية ، والدماء الزكية ، وستبقى إن شاء الله ـ رغم تحالف المبطلين ـ ملك العرب والمسلمين. وليس لأحد كائنا من كان ان ينازعهم فيها أو يشطرها او يمزقها. وإذا كان البغاة العتاة قد قصدوا بالسوء من قبل هذه الأماكن المقدسة. فوجدوا من أبناء العروبة والاسلام قساورة ضراغم ذادوا عن الحمى ، وردوا البغى على أعقابه مقلم الأظفار محطم الأسنة. فإن في السويداء اليوم رجالا ، وفي الشرى آسادا ، وإن التاريخ لعائد بهم سيرته الأولى.

١٣٨

يا أبناء العروبة والاسلام! لقد اعذرتم من قبل ، وناضلتم عن حقكم بالحجة والبرهان ما شاء الله أن تناضلوا ، حتى تبين للناس وجه الحق سافرا. ولكن دسائس الصهيونية وفتنتها وأموالها قد استطاعت ان تجلب على هذا الحق المقدس بخيلها ورجلها ، فعميت عنه العيون ، وصمت الآذان ، والتوت الأعناق ، فاذا بكم تقفون في هيئة الأمم وحدكم ، ومدعو نصرة العدالة يتسللون عنكم لواذا ، بين مستهين بكم وممالىء لأعدائكم ، ومتستر بالصمت متصنع للحياد. فاذا كنتم قد استنفدتم بذلك جهاد الحجة والبيان ، فإن وراء هذا الجهاد لإنقاذ الحق وحمايته جهادا سبيله مشروعة وكلمته مسموعة ، تدفعون به عن كيانكم ، ومستقبل أبنائكم وأحفادكم ، فذودوا عن الحمى ، وادفعوا الذئاب عن العرين ، وجاهدوا في الله حق جهاده! (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). («الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً».)

يا أبناء العرب والاسلام! خذوا حذركم ، فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ، وإياكم أن يكتب التاريخ ان العرب الاباة الاماجد قد خروا أمام الظلم ساجدين ، أو قبلوا الذل صاغرين.

إن الخطب جلل ، وإن هذا ليوم الفصل ، وما هو بالهزل. فليبذل كل ، عربي وكل مسلم في أقصى الأرض وأدناها من ذات نفسه وماله ، ما يرد عن الحمى كيد الكائدين ، وعدوان المعتدين ، سدوا عليهم السبل ، واقعدوا لهم كل مرصد ، وقاطعوهم في تجاراتهم ومعاملاتهم ، وأعدوا فيما بينكم كتائب للجهاد ، وقوموا بفرض الله عليكم ، واعلموا أن الجهاد الآن قد أصبح فرض عين على كل قادر بنفسه أو ماله ، وأن من يتخلف عن هذا الواجب فقد باء بغضب من الله وإثم عظيم. «إن الله اشترى المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون

١٣٩

وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ، ومن أوفي بعهده من الله؟ فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ، وذلك هو الفوز العظيم».

فاذا كنتم بايمانكم قد بعتم الله أنفسكم وأموالكم فها هو ذا وقت البذل وللتسليم ، فأوفوا بعهد الله يوف بعهدكم. وليشهد العالم غضبتكم للكرامة ، وذودكم عن الحق. ولتكن غضبتكم على أعداء الحق وأعدائكم ، لا على المحتمين بكم ، ممن لهم حق المواطن عليكم والاحتماء بكم ، واحذروا ان تعتدوا على أحد منهم ، إن الله لا يحب المعتدين .. ولتتجاوب بعد الاصداء في كل مشرق ومغرب بالكلمة المحببة إلى المؤمنين : الجهاد! الجهاد! الجهاد! والله معكم لن يتركم أعمالكم.

ـ ٥ ـ

أقيم حفل لتأبين المرحوم «عاطف بركات» (١) بمدرسة المعلمين العليا في الخميس الثالث عشر من صفر ١٣٤٣ ه‍ ، الموافق الحادي عشر من شهر سبتمبر سنة ١٩٢٤ ، وأرسل شوقي قصيدة لتلقى في الحفل ، وكان مما قاله فيها :

وحارب دونها صرعى قديم

كأن بهم على الزمان انقطاعا

إذا لمح الجديد لهم تولوا

كذى رمد على الضوء امتناعا

وكان في الحفل جمهرة من شيوخ الأزهر. منهم شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية إذ ذاك ، فعدوا ذلك جرحا لكرامتهم ، وكتب المرحوم الشيخ محمود الغمراوي مقالا بعنوان «امير الشعراء ورجال الأزهر للحقيقة والتاريخ» نشرته جريدة الأخبار بتاريخ ١٧ من صفر سنة ١٣٤٣ ه‍ الموافق ٦ من سبتمبر سنة ١٩٢٤ م.

__________________

(١) الاستاذ محمد كامل الفقي ـ مجلة الأزهر ـ الأزهريون اساتذة شعراء العصر

١٤٠