الأزهر في ألف عام - ج ٢

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

ـ الإمام السيوطي (٨٤٩ ـ ٩١١ ه‍) مجدد الإسلام في المائة التاسعة.

ـ الإمام الكمال بن الهمام (ـ ٨٦١ ه‍).

الإمام شهاب الدين ابن عبد الحق السنباطي (٩٢١ ه‍).

ـ وكان واعظا بالأزهر الشريف.

ـ شيخ الإسلام الرملي.

ـ شيخ الإسلام الشيخ عبد الله الشبراوي (١٠٩١ ـ ١١٧١ ه‍).

ـ شيخ الإسلام الفقيه المحدث المفتي أحمد الخالدي الأزهري الشهير بالجوهري (١٠٩٦ ـ ١١٨٢ ه‍).

ـ شيخ الإسلام الشيخ الخرشي (ـ ١٠٠١ ه‍).

ـ الشيخ على العدوي المالكي (١١١٢ ـ ١١٨٩ ه‍).

ـ الشيخ الدردير (١١٢٧ ـ ١٢٠١ ه‍).

وظلت المدرسة الفقهية ممثلة في الأزهر أتم تمثيل ، وبها نال مجدا باذخا وصيتا عاليا ، في جميع المذاهب الإسلامية الفقهية ، فكان شيوخ الأزهر من كبار الفقهاء في العالم الإسلامي ، حيث وجدنا :

ـ الشيخ المهدي العباس الحنفي مفتي الديار المصرية ، وصاحب الفتاوي المهدية (١٢٤٣ ـ ١٣١٥ ه‍).

ـ الشيخ حسونه النواوي شيخ الأزهر الشريف (١٢٥٥ ـ ١٣٤٣ ه‍)

ـ الشيخ بخيت المطيعي.

ـ الشيخ عبد المجيد سليم.

ـ الشيخ حسنين مخلوف.

ـ الشيخ محمد حسنين مخلوف.

٢٨١

ـ الشيخ محمود شلتوت. وغيرهم.

ولا ريب أن المدرسة الفقهية في الأزهر خلال ألف عام قد رفعت راية الإسلام خفاقة عالية ، وحافظت كل المحافظة على روح التشريع الإسلامي. فقها وأصولا وفتيا وقضاء.

ـ ٤ ـ

ومدرسة التفسير والحديث والقراءات في الأزهر الشريف ذات صدى كبير في التراث الإسلامي ، وقبل إنشاء الأزهر عاش في مصر نافع (١٢٠ ه‍) ، وورش شيخ القراء ، وحسبنا في القراءات الشاطبي (٥٣٨ ـ ٥٩٠ ه‍) ، والفخر البلببسي أستاذ القراءات وإمام الأزهر ؛ ومحمد بن سرافة الشاطبي (٥٩٢ ـ ٦٦٣ ه‍) ، وقد تولى مشيخة دار الحديث الكاملية في القاهرة.

ومن المحدثين من أعلام الأزهر كذلك : أبو العباس أحمد بن هاشم المصري ، كان من كبار المحدثين والمقرئين حيث اشتهر بدرسه في القراءات بالأزهر الشريف ، وتوفي عام ٤٤٥ ه‍) ، ومنهم. السخاوي المصري (٥٥٨ ـ ٦٤٣ ه‍) ، وهو صاحب تفسير مشهور ، والحافظ المنذري شيخ الإسلام ، والحافظ السلفي ، وابن المنير وكان إماما في التفسير والنحو والأدب (٦٠٢ ـ ٦٨٣ ه‍) ، وقطب الدين القسطلاني (٦١٤ ـ ٦٦٦ ه‍) ، وشرف الدين الدمياطي المحدث (٦١٣ ـ ٧١٥ ه‍) ، وابن حجر (٧٧٣ ـ ٨٥٢ ه‍) وهو مؤلف «فتح الباري في شرح صحيح البخاري» وقد تولى خطابة الأزهر حينا من الزمان ، وكذلك بدر الدين العيني (٧٦٢ ـ ٨٥٥ ه‍) مؤلف «عمدة القارىء بشرح صحيح البخاري» ، وكذلك شيخ الأزهر الشيخ عبد الله الشرقاوي (١١٥٠ ـ ١٢٢٧ ه‍).

ومن المفسرين الأجلاء : الجلالان : السيوطي ، والمحلي ، والخطيب الشربيني .. ومن المفسرين في عصرنا : شلتوت ومخلوف والشيخ عبد الجليل عيسى ، والخفاجي وسواهم.

٢٨٢

وليتنا نجد في جامعة الأزهر كلية للتفسير والحديث خاصة ليستعيد الأزهر مكانته في هذا الجانب العلمي الجليل.

ـ ٥ ـ

وحدث عن مدرسة التصوف في الأزهر الشريف ولا حرج ، وأمامنا : عبد الرحيم القنائي (٥٩٢ ه‍) ، وأبو العباس المرسي (٦١٦ ـ ٦٨٦ ه‍) ، وابن الفارض (٤٧٦ ـ ٦٣٢ ه‍) ، وإبراهيم الدسوقي (٦٣٣ ـ ٦٧٦ ه‍) ، والبوصيري (٦٠٨ ـ ٦٣٩ ه‍) ، وابن عطاء الله السكندري (٦٣٨ ـ ٧٠٩ ه‍) وابن دقيق العيد (٦٢٣ ـ ٧٠٢ ه‍) ، وشمس الدين الحنفي (٨٤٧ ه‍) ، والشعراني (٨٩٨ ـ ٩٧٣ ه‍) ، وعبد الله الشبراوي (١١٧١ م) ، والشيخ الحفني ١١٨١ ه‍ ، والشيخ الدردير .. وسواهم ..

ـ ٦ ـ

ومدرسة الأدب والشعر والنقد في الأزهر مدرسة ممتدة على طول الأيام .. ونحن لا ننسى : ابن شيت من أدباء القرن السادس ، وابن الفارض (ـ ٦٣٢ ه‍) ، وابن أبي الأصبع (ـ ٦٥٤) ، وابن الساعاتي (ـ ٦٠٤ ه‍) ، والبهاء زهير ٥٨١ ـ ٦٥٦ ه‍) ، وابن مطروح (٥٩٢ ـ ٦٤٩ ه‍) ، والقلقشندي صاحب صبح الأعشى (ـ ٨٢١ ه‍) والنويري ، صاحب نهاية الأرب (٧٣٢ ه‍) والسيوطي (٩١١ ه‍) ، والعباس صاحب كتاب «معاهد التنصيص» ، وابن نباته المصري (٦٨٦ ـ ٧٦٨ ه‍) ، ومحمد جلال الدين الوطواط (ـ ٨١٨ ه‍) ، وابن الوردي ، وشمس الدين النواحي ، والشهاب الخفاجي (٩٧٥ ـ ١٠٦٩) ، والمحبي (١٠٦١ ـ ١١١١ ه‍) ، وعبد الله الشبراوي (١١٧١) وسواهم. وفي العصر الحديث نجد الشيخ حسن العطار والشيخ عبد الهادي نجا الإبياري (١٨٢١ ـ ١٨٨٨ م) وحسين المرصفي وسيد بن على المرصفي وغيرهم.

ولما ظهر الإمام محمد عبده بدأت النهضة الأدبية تشق طريقها بقوة داخل أروقة الأزهر ، وقد ألف الإمام جمعية إحياء علوم العلوم العربية عام

٢٨٣

١٩٠٠ م وكان فاتحة أعمال هذه الجمعية ـ طبع كتاب المخصص لابن سيده ، ثم نهج البلاغة. كما طبع أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز وهما لعبد القاهر الجرجاني ، وقد درسهما الإمام محمد عبده في الأزهر.

ولما ألقى الإمام محمد عبده درسه الأول في كتاب «أسرار البلاغة» في الأزهر قال الشيخ محمد المهدي : لقد اكتشفت معنى البيان هذه الليلة : ومن تلاميذ الإمام في حلقات العلم والفكر : حافظ إبراهيم ، ومحمد رشيد رضا : وسعد زغلول ، ومصطفى لطفي المنفلوطي ، ومصطفى صادق الرافعي ، وعبد المحسن الكاظمي ، وأحمد لطفي السيد ، الذي كان يقول عن الإمام : أستاذنا ، والشيخ مصطفى عبد الرازق ، ومحمد مصطفى المراغي ، والشيخ حسين والي ، وعباس محمود العقاد الذي كان يقول عن الإمام محمد عبده : إنه أعظم رجل ظهر في مصر منذ خمسة قرون. ومدرسة الامام هي التي قادت مواكب النهضة والتجديد والاصلاح في مصر. على أن جل أدباء مصر منذ القرن الخامس حتى اليوم ، هم من أبناء الأزهر ، وفي هذا المقام نذكر الشيخ محمد الخضر حسين ، والسيد حسن القاياتي ، وشاعر الأزهر الشيخ محمد الأسمر (١٩٠٠ ـ ١٩٥٦) : ونذكر الشاعر محمود أبو الوفا ؛ وصالحا الشرنوبي.

وأول رائد في النقد في العصر الحديث هو الشيخ الأزهري حسين المرصفي (١٨٨٩ م) ، وأول رائد في القصة القصيرة هو الأزهري مصطفى المنفلوطي ، وأول رائد في الصحافة المصرية هو الصحفي الأزهري الشيخ على يوسف رحمه الله.

وفي الأزهر ألف المقري كتابه الخالد «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» نحو عام ١٠٢٠ ه‍ ، وكذلك في الأزهر ألف كتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٦٨١ ه‍).

ـ ٧ ـ

وفي البلاغة والنقد ظهرت مدرسة كبيرة في الأزهر ، ومن أعلامها :

٢٨٤

ابن أبي الأصبع المصري (٥٨٥ ـ ٦٥٤ ه‍) ، وهو مؤلف كتاب بديع القرآن ، وتحرير التحبير.

وتلاه ابن السبكي صاحب كتاب «عروس الأفراح» (٦٨٣ ـ ٧٥٦ ه‍) ، ثم السيوطي صاحب كتاب «عقود الجمان في المعاني والبيان».

وألف البديعي (١٠٧٣ ه‍) كتابه «الصبح المنبى» عن حيثية المتنبي.

وتمتاز مدرسة البلاغة في الأزهر بجمعها بين طريقتي المتكلمين والأدباء وبأنها ترجع إلى الذوق أكثر من احتكامها إلى المنطق.

ـ ٨ ـ

وقامت في الأزهر مدرسة لغوية ونحوية كبيرة ، بدأت بالحوفي النحوي الذي كان من أئمة اللغة في عصره ، وألف كتبا كثيرة في النحو والأدب ، منها كتاب «إعراب القرآن» وتوفي عام ٤٣٠ ه‍ ؛ وقد أخذ عن أبي بكر الأدفوي ، وكتابه «الموضح» في النحو استوفى فيه العلل والأصول.

ثم ظهر ابن بابشاذ النحوي المشهور ، وكان كاتبا في ديوان الانشاء في خلافة المستنصر الفاطمي ، وتوفي عام ٤٦٩ ه‍ ، وله شرح على كتاب الجمل للزجاجي ، وشرح على الأصول لابن السراج.

وتلاه أبو عبد الله بن محمد بن بركات النحوي ، وهو تلميذ القضاعي ، وكان من أئمة اللغة والنحو ، وتوفي عام ٥٢٠ ه‍.

وتلاهم ابن بري المصري المتوفى عام ٥٨٢ ه‍ ، الذي رأس ديوان الرسائل ، كابن بابشاذ ، وله في النحو واللغة مؤلفات كثيرة ، ثم ابن القطاع اللغوي صاحب كتاب الأفعال.

وفي العصر الأيوبي وعصر المماليك والعصر العثماني في الأزهر طائفة من أعلام اللغويين والنحاة ، من أشهرهم :

٢٨٥

ابن منظور (٣٦٢ ـ ٧١١ ه‍) الذي ألف معجمه «لسان العرب» في الأزهر.

وابن معطى (٦٢٨ ه‍) الذي تصدر لقراءة النحو والأدب في الأزهر ، وله شرح على الجمل للزجاجي.

وابن الحاجب ، الذي نصدر في النحو ، وله كتاب الإيضاح وهو شرح على المفصل للزمخشري.

والمرادي المصري (٧٤٩ ه‍) ، وله شرح كذلك على المفصل ، وشرح على كتاب التسهيل لابن مالك.

والفيروز أبادي (ـ ٨١٧ ه‍) الذي وضع معجمه «القاموس المحيط» في الأزهر.

كما ظهر ابن هشام النحوي المصري (٧٠٨ ـ ٧٦١ ه‍) صاحب الشذور ، والقطر ، وأوضح المسالك ، ومغنى اللبيب ، والجامع الكبير ، والجامع الصغير ، وقواعد الإعراب ، وغيرها. وقال عنه ابن خلدون في مقدمته : ما زلنا نسمع ونحن بالمغرب أنه قد ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه.

وتلاه ابن عقيل المصري (٧٦٩ ه‍) والدماميني الذي التف حوله الطلاب في الأزهر ، وله شرح على التسهيل وشرح على المغنى.

ثم الشمنى (٨٧٢ ه‍) ، وخالد الأزهري ، والسيوطي (٩١١ ه‍) والأشموني (٩٢٩ ه‍) ، وابن قاسم (٩٩٤ ه‍) ، والشنوانى (١٠١٩ ه‍) وعبد القادر البغدادي (١٠٩٣) صاحب «خزانة الأدب» ، والشيخ يس (١٠٦١ ه‍) والحفنى ١١٧٨ ه‍ والصبان (١٢٠٦ ه‍) وغيرهم.

وفي الأزهر ألف السيد مرتضى الزبيدي (١٢١٥ ه‍) معجمه اللغوي الكبير «تاج العروس».

ـ ٩ ـ

وفي الأزهر ظهرت مدرسة تاريخية ضخمة بدأت بالحسن بن زولاق

٢٨٦

المصري (ـ ٣٨٧ ه‍) الذي كان من أوائل الذيي تولوا التدريس في الأزهر.

ثم ظهر المسبحّي (٣٦٦ ـ ٤٢٠ ه‍) الكاتب والمؤرخ الشهير ، وكتابه «أخبار مصر» الذي فقدناه كان ثروة كبيرة ، وقد اعتمد عليه المؤرخون.

وظهر بعد المسبحي الفضاعي المؤرخ والمحدث والفقيه وله كتب كثيرة منها «المختار في ذكر الخطط والآثار».

وفي الأزهر في العصر الأيوبي وفد على مصر عام ٥٨٩ ه‍ ظهر عبد اللطيف البغدادي (٥٥٧ ـ ٦٢٩ ه‍) المؤرخ والأديب والناقد والطبيب ، الذي ألقى رجاله في الأزهر ، وكان يلقي دروسه فيه على الطلاب أعواما طوالا.

ثم وفد كذلك على مصر ابن خلدون (٧٣٧ ـ ٨٠٨ ه‍) وذلك عام ٧٨٤ ه‍ ، وألقى رجاله في الأزهر ، وأكمل كتابه التاريخي «العبر وديوان المبتدأ والخبر» وهو ستة أجزاء ، وانتهى كذلك في الأزهر من كتاب مقدمة هذا التاريخ المعروفة بالمقدمة ، وهي في علم الإجتماع ، وابن خلدون هو رائد علم الإجتماع في العالم. ونشرت المقدمة في مصر عام ١٨٥٨ م ، وقد كان الإمام محمد يدرسها لتلاميذه في الأزهر ، وفي مدرسة دار العلوم.

وفي عصر المماليك ظهر أيضا من أعلام المؤرخين في الأزهر : السخاوي ، والمقريزي ، وابن إياس ، وتقي الدين الفاسي تلميذ ابن خلدون ، والسيوطي وسواهم.

ـ ١٠ ـ

ولم يقتصر التعليم في الأزهر على المبصرين ، بل شمل المكفوفين كذلك ، وكان منهم طائفة من كبار العلماء ، ومنهم في عصرنا الحديث الشيخ يوسف الدجوي (١٩٤٦ م).

٢٨٧

وكذلك لم يقتصر على الرجال ، بل شمل النساء ، ويحدثنا المقريزي عن فقيهة كانت تدرس في الأزهر للنساء واسمها أم زينب فاطمة بنت عباس البغدادية (٧١٤ ه‍). ويحدث الجبرتي عن فقيهة مكفوفة كانت تحضر دروس الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر في المسجد الشريف (٤ / ١٧٢ الجبرتي).

ـ ١١ ـ

وقد شملت ثقافات الأزهر العلوم الرياضية والهندسة والطب والفلسفة غيرها ، فقد كانت العلوم الرياضية والفلكية والطبيعية والجغرافية تدرس في الأزهر الشريف منذ العصر الفاطمي.

ومن الفلاسفة لأطباء الأزهريين أبو الحسن علي بن رضوان (ـ ٥٤٣ ه‍) وشرف الدين عبد الله بن علي (٥٩٢ ه‍) ، والرشيد بن الزبير ، وكان شيخا للأطباء في مصر وتوفي عام ٥٦٣ ه‍ ، والقطب المصري (ـ ٦١٨ ه‍).

وكان عبد اللطيف البغدادي يدرس في الأزهر الطب لطلابه وجاء في إجازة الشيخ أحمد عبد المنعم الدمنهوري (شيخ الأزهر من عام ١٧٦٨ ـ ١٧٧٦ م ، والذي توفي عام ١١٩٢ ه‍ ـ ١٧٧٨ م أنه تلقى في الأزهر العلوم الآتية ، وله تآليف في كثير منها ، وهي :

الحساب ـ الميقات ـ الجبر والمقابلة ـ المنحرفات ـ أسباب الأمراض وعلاماتها ـ علم الاسطرلاب ـ الزبج ـ الهندسة ـ الهيئة ـ علم المزاول ـ علم الأعمال الرصدية ـ علم الحيوان والنبات والمعادن علم استنباط المياه ـ علاج البواسير ـ علم التشريح ـ علاج لسع العقرب ـ التاريخ.

وكان الشيخ حسن الجبرتي ، وهو والد الجبرتي المؤرخ ، ذا شهرة كبيرة في العلوم الرياضية ، وقد ذكر ابنه المؤرخ أنه في عام ١١٥٩ ه‍ ـ ١٧٤٦ م أتى إليه طلاب من الفرنجة وتلقوا عليه علم الهندسة.

وقد تلقى الشيخ حسن الجبرتي هذه العلوم الرياضية في الأزهر على

٢٨٨

الشيخ محمد النجاحي ، ثم على الشيخ حسام الدين الهندي الذي كان قدم إلى الأزهر للتعلم ، وكان بارعا في العلوم الرياضية والفلسفية ، فتلقاها عنه طلاب الأزهر ، ومن بينهم الشيخ حسن الجبرتي الذي طارت شهرته بها ، وكان عنده كثير من الآلات الفلكية والهندسية وآلات أكثر الصناعات والأسطرلابات وغيرها وآلات الرسم والتقاسيم. وكان يجتمع به مهرة الصناع ليستفيدوا من علمه. وكان يعرف صناعة استخراج المياه.

وفي سنة ١١٧٢ ه‍ / ١٧٥٨ م وقع خلل في الموازين فصححها ... ولم ينقص ذلك من إلمامه بالعلوم الدينية والعربية ، بل كان حجة في الفقه وغيره. وتوفي عام ١١٨٨ ه‍ / ١٨٧٤ م.

ولقد نعى والي مصر العثماني منذ عام ١١٦١ ه‍ أحمد كور باشا إهمال مصر والأزهر للعلوم الرياضية وذلك أمام الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الأزهر الشريف.

كما كان الشيخ حسن العطار ينعي على الأزهر أيضا إهمال هذه العلوم وله مؤلفات في الطب والتشريح.

والوالي أحمد كور باشا هو الذي روى عنه قوله :

إن مصر منبع العلوم والفضائل كما هو مسموع عندنا فى الديار الرومية ـ العثمانية ـ (١ / ١٨٧ الجبرتي).

وفي وثيقة رسمية لمشيخة الأزهر عام ١٢٨٢ ه‍ / ١٨٦٤ م أن من العلوم التي كانت تدرس في الأزهر آنذاك : التصوف والفلسفة والهندسة والموسيقى والمنطق والحساب والجبر والفلك والهيئة.

وفي عام ١٣١٠ ه‍ / ١٨٩٢ م كان من العلوم التي تدرس فيه : التصوف ـ.

وقد أصدر الشيخ الإنبابي فتوى بجواز تعلم العلوم الرياضية وعلم الطب وغيرهما ...

٢٨٩

ـ ١٢ ـ

وبعد فهذا هو الأزهر ، وهذه صورة للمدارس العلمية التي كانت سائدة فيه طيلة عشرة قرون.

الأزهر العظيم الذي وصفه المقريزي بأنه دار الإسلام ، وأن الزائر له يجد فيه من الأنس بالله والارتياح له ونزوع النفس إليه ما لا يجده في غيره.

وحينما وفد ابن خلدون من تونس إلى القاهرة للإقامة فيها هاله أمر القاهرة ومسجدها العظيم وجامعتها الكبرى فقال مشدوها. انتقلت إلى القاهرة فرأيت محشر الأمم وإيوان الإسلام وكرسى العلم وحاضرة الدنيا ـ (نفح الطيب للمقري ٣ / ١٣٣). وروى ابن خلدون عن قاضي الجماعة بفاس : من لم ير القاهرة وأزهرها لم يعرف عزة الإسلام.

وحين وصف ابن بطوطة مصر قال : إنها أم البلاد وإن قاهرتها قهرت الأمم.

وفي عصرنا كتب أمير الشعراء أحمد شوقي في صحيفة الأخبار القديمة عدد اليوم السادس من سبتمبر ١٩٢٤ يقول : سأظل فخورا بأن من أساتذتي شيوخا من صميم الأزهر الشريف وكبار علمائه. ولقد سد الأزهر فراغا كبيرا في التعليم في مصر والبلاد الشرقية جميعا.

وحين زار سعد زغلول الأزهر عام ١٩٢١ بعد عودته من منفاه لاداء صلاة الجمعة فيه خطب في علمائه وطلابه ، فقال فيما قال :

«جئت اليوم لأودى في هذا المكان الشريف فريضة صلاة الجمعة ، وأقدم واجب الاحترام لمكان نشأت فيه ، وكان له فضل كبير في النهضة الحاضرة ؛ وتلقنت فيه مبادىء الحرية والاستقلال ..» ـ ص ٦١ سعد زغلول العقاد ـ

٢٩٠

وفي اليوم الأول للاحتفال بالعيد الألفي للأزهر الشريف خطب الرئيس حسني مبارك في الأزهر ، فقال :

كان الأزهر على مر العصور القلعة الشامخة التي حفظت للقرآن لغته ، وللحديث مكانته ، وللدين تعاليمه وللشريعة أحكامها ، وللفقه أصوله وضوابطه ، وللأمة الإسلامية تراثها الحضاري الفريد ، وأصالتها الفكرية الراسخة في مواجهة الغزو الثقافي من الخارج.

وقال رئيس جمهورية المالاديف : إن تاريخ الأزهر ليس هو تاريخ مصر وحدها ، بل هو تاريخ الأمة الإسلامية جمعاء.

وصدقوا فيما قالوا ويقولون عن الأزهر الشريف ، النغم الحلو في فم الزمان ، واللواء المرفوع في مواكب التاريخ ، والسهم المسدد في صدور أعداء الإسلام.

٢٩١

علماء أزهريون من العصر المملوكي

العصر المملوكي بشقيه التركي والجركسي كان زاخرا بعلماء متصوفة وقد شجع على ذلك كثير من السلاطين والأمراء والمماليك ، فكانوا في حجج وقصرا على مؤسساتهم العلمية والدينية والصحية وغيرها يشترطون لتولي وظائفها أن يكون الطلاب والمدرسون من الصوفية ، حتى ولو كانوا يدرسون علوما أخرى كالفقه والحديث والتفسير وغيرها. بجانب عملهم بالتصوف.

ولم يكتف السلاطين والأمراء بهذا ، بل إن غالبية كبيرة منهم كانوا من كبار الصوفية ، وفي مقدمتهم السلطان قايتباى نفسه.

وقد انسحب ذلك المعنى على الجامع الأزهر ، بل إن ذلك كان أصيلا فيه ، فمعالم علمائه نشئوا على الزهد في الدنيا مع شظف العيش والبساطة في المأكل والملبس ومعظمهم أيضا تصدروا الدروس بالأزهر بدون ما أجر طلبا لثواب الله ورضاه ..

وكان الأمراء والمماليك كانوا يرتبون دروسا للتصوف بالجامع الأزهر ، وأوقفوا عليها الأوقاف الوفيرة التي تضمن لها الدوام والاستمرار وكان منهم الأمير خشقدم الزمام الذي رتب أربعين طالبا وشيخهم من المتصوفين بالجامع الأزهر ، وكذلك الأمير فيروز الناصري وغيرهما من الأمراء.

٢٩٢

والحقيقة أن رجال الأزهر من المتصوفين قاموا بدور بارز ، بجلد وصبر منقطع النظير في الحفاظ على التراث الموجود الآن بالأزهر وغيره من مكتبات مصر والهند وتركيا ، فإن السلطان سليم قد نقل من تراث الأزهر وملأ به مكتبات استنبول وغيرها.

ولقد عكف المتصوفون بالجامع الأزهر ليل نهار ، يكتبون وينسخون المخططات التي كادت تبل من القدم ، وكذلك يبيضون بخطوط جميلة الأمالي التي أملاها عليهم شيوخهم في الحلقات العلمية.

وفضل الصوفية في الحفاظ على التراث الإسلامي ، والتمسك بعقيدتهم ومبادئهم ومثلهم ووقوفهم في وجه التيارات المعادية للوطن في كل العصور ، وحبهم لطلابهم ومشايخهم وأزهرهم ومصرهم ، بالاضافة الى حب الله ورسوله وصحابته وآله والتابعين .. لا ينكره إلا مكابر ..

١ ـ قنبر بن عبد الله العجمي الشيزواري ثم القاهري الأزهري الشافعي المتوفى سنة ٨٠١ ه‍ ـ ١٣٩٨ م مهر في العلوم العقلية ، تصدر بالأزهر مدة يدرس للطلبة بعد قدومه للديار المصرية قبيل سنة ٧٩٠ ه‍.

٢ ـ محمد بن ابراهيم الشمسي بن عبد الله الشافعي المولود سنة ٧٤٧ ه‍ مات سنة ٨١١ ه‍ ، قدم القاهرة فقطنها وأقبل على الزهد والعبادة ، فكان لا يضع جنبه بالارض بل يصلي بالليل ويتلو القرآن ، فان نعس أغفى اغفاءة ، ثم يعود فيواصل الصلاة والقراءة.

٣ ـ إبراهيم بن عمر الادكاوي الأزهري المتوفى سنة ٨٣٤ ه‍.

ومن تلاميذ الادكاوي وممن لبسوا منه خرقة التصوف العلامة العاصفي شيخ رواق الريافة بالأزهر ، والشمس السكندري المولود سنة ٨١٨ ه‍ مات سنة ٩٠٦ ه‍ ، كما صحبه الابناسى والشهاب اللامي المعروف بالصندلي مات سنة ٨٨٩ ه‍ وغيرهم.

٢٩٣

٤ ـ الشيخ خليفة المغربي المعتقد نزيل جامع الأزهر الذي كان يزوره السلاطين بالجامع الأزهر.

٥ ـ الشيخ سعيد المغربي المعتقد الصالح نزيل الجامع الأزهر جاور به عدة سنين. وله مريدون وللناس في صلاحه اعتقاد كبير ، زاره وزميله السابق السلطان برسباي.

٦ ـ سليمان بن شعيب البحيري : تصدر لتدريس الفقه المالكي بالأزهر وغيره.

٧ ـ محمد بن موسى اللقاني ولد سنة ٧٧٢ ه‍ ومات بمنزله بالقرب من الأزهر سنة ٨٤٠ ه‍ ، ضبط الاسماء وقرأ الجوق وكان ذا صوت حسن.

٨ ـ شمس الدين أبو عبد الله الغمري ثم المحلي الشافعي قدم القاهرة فأقام بالجامع الأزهر فأخذ الفقه والفرائض والميقات وغيرها عن شيوخ الجامع ، وكان يتكسب بالعطر حرفة أبيه.

٩ ـ محمد بن عبد الله الرشيدي المولود بالقاهرة سنة ٧٦٧ ه‍ كان بيده درس اسماع بالأزهر وكان خطيبا كأسلافه ينشىء الخطبة المناسبة لمقام الحال ، وبرع فيها حتى ان الناس كانوا يأتون لسماعه من أماكن بعيدة.

١٠ ـ على بن عمر بن القاهري الأزهري الشافعي المولود سنة ٨٢٥ ه‍ وانتقل منها الى القاهرة سنة ٨٤١ ه‍ فأقام ومات سنة ٨٩٠ بالجامع الأزهر.

وكان أحد من يلبسون الصوف ، وتنزل في صوفية سعيد السعداء والبيبرسيه وغيرهما ، ثم آل أمره بالذهاب الى الريف بنواحي المنصورة ، فأقام ببعض الجوامع وانتفع الناس بعلمه وصلاحه.

١١ ـ محمد بن موسى الشمس الفيومي ثم القاهري الأزهري الشافعي درس لبعض الطلبة ، وكان خيرا ذا فضيلة.

١٢ ـ حسن بن علي حسن البدر السفطي الأزهري الشافعي ممن تتلمذ على يد السخاوي.

٢٩٤

١٣ ـ عبد اللطيف بن عيسى بن الحصباي الأزهري الشافعي ، تكسب بالشهادة أولا ثم أصبح قاضيا درس بالمدرسة الباسطية وغيرها.

١٤ ـ ومن أئمة الصوفية : الشيخ الدردير رحمه الله.

بقى أن نذكر بعض أمراء المماليك درسوا بالأزهر وتأثروا بعلمائه وحملوا علم التصوف ومنهم الامير الصوفي صاحب المبرات المقصود بالشفاعات «اينال» كان حنفيا جركسيا من مماليك «نوروز الحافظي» نائب الشام ، تجرد «اينال» هذا في أيام أستاذه ، وجال في بلاد الروم وغيرها بعد اشتغاله ودراسته بالجامع الازهر ثم قدم القاهرة ، وافتدى به تلميذه الصوفي الأمير «خجابردي» مات اينال سنة ٨٦٤ ه‍ ودفن بزاوية خجابردي المذكور.

وهذا يؤكد ما قلناه سابقا من أن أمراء المماليك ، تأثروا بالتصوف في هذا العصر الذي نؤرخ له ، وكانت لهم بالأزهر وغيره خيرات ومبرات (١).

__________________

(١) راجع مجلة التصوف الإسلامي ١٩٨٣ .. د. مجاهد توفيق الجندي.

٢٩٥

الإمام السيوطي

الإمام جلال الدين السيوطي من أشهر علماء عصره (٨٤٩ ـ ٩١١ ه‍) الموافق (١٤٤٥ ـ ١٥٠٥ م) ؛ كان نادرة عصره ، بقية السلف وعمدة الخلف كما يقول عنه معاصره «ابن اياس» في كتابه «بدائع الزهور» بل كان جلال الدين والدنيا ومعدن التدريس والفتيا ، جمّل الله به ملة الإسلام كما يقول الشهاب المنصوري الشاعر المعاصر له.

ولقد عاش السيوطي في أواخر عصر المماليك الذين أمتد نفوذهم في كل مكان ، وقامت لمصر في أيامهم دولة عظمى وامبراطورية كبرى كان لها الرأي الفاصل في كل القضايا العالمية آنذاك ، وامتدت هيبتهم من الهند إلى شواطىء المحيط الأطلسي ، وشمل حكمهم ما بين برقة وضفاف الفرات وما بين قبرص إلى مجاهل أفريقيا ، كما شمل اليمن والحجاز وسواحل المحيط الهندي ، بل امتد إلى حدود الحبشة وجهات سواكن وجزائرها وحدث عن مجد المماليك ومصر بعد هزيمة الجيش المصري للتتار في عين جالوت عام ٦٥٨ ه‍ / ١٢٦٠ م ، ثم بعد اجلائهم الكامل للصليبيين من سواحل الشام عام ٦٩١ ه‍ / ١٢٩٠ م ، بل حدث عن أثر نقل الخلافة العباسية إلى القاهرة عام ٦٥٩ ه‍ / ١٢٦١ م ولا حرج حتى ليقول السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة» : «اعلم أن مصر حين صارت دار

٢٩٦

الخلافة عظم أمرها وصارت محل سكني العلماء ومحط رحال الفضلاء» (٢ / ٦٥ حسن المحاضرة).

وكانت دولة آل عثمان بعد فتح القسطنطينية عام ٨٥٧ ه‍ / ١٤٥٣ م تتطلع وهي في آسيا الصغرى إلى هذا المجد الكبير وإلى مكانة مصر العالمية الكبرى بعين الحدث وتتربص بامبراطوريتها ريب الأحداث.

وصارت حضارة مصر آنذاك مضرب الأمثال ، فمفاتيح التجارة العالمية بين الشرق والغرب في يدي الشعب المصري والأموال تتدفق عليه بلا حساب والرخاء والازدهار تبلغ القاهرة كل أحلامها منهما .. وكان سلطان المماليك يلقب بسلطان البرين والبحرين أي البر المصري والبر الشامي ، والبحر الأبيض والبحر الأحمر .. وكان لقب قلاوون «ملك البرين والبحرين وصاحب القبلتين وخادم الحرمين الشريفين». وأحيانا كان يلقب بسلطان الشام واليمن ملك البحرين خادم الحرمين الشريفين صاحب القبلتين ملك الديار المصرية والجهات الحجازية والبلاد الشامية والأعمال الفراتية والديار البكرية .. بل لقد خطب للسلطان برقوق باسمه في توريز من بلاد العجم وفي الموصل وماردين وسنجار وضربت النقود باسمه في جميع هذه البقاع.

وكان عصر السيوطي عصر ازدهار الثقافة الإسلامية والعربية ، وحدث عن جامعة مصر الكبرى الأزهر. ويقول المقريزي فيه الزائر له يجد من الأنس بالله والارتياح ونزوع النفس ما لا يجد في غيره .. ومع أن المماليك كانوا ينتمون إلى أصول غير عربية إلا أنهم بإقامتهم في أرض العروبة اعتبروا أنفسهم عربا ، بل حماة للعرب حتى كان من ألقاب سلاطينهم «سيد ملوك العرب» (١) وعدوا أنفسهم مصريين بما اكتسبوا من الروح المصرية لحياتهم الطويلة على ضفاف النيل قبل وبعد قيام دولتهم ، ومع أن لغتهم الأولى كانت هي التركية المملوءة بألفاظ فارسية وعربية فإنهم كانوا يتعلمون

__________________

(١) ابن اياس : بدائع الزهور ٣ / ١٢٩.

٢٩٧

العربية ويتقنونها حتى صار كبارهم وأمراؤهم بل جمهرتهم يتكلمون العربية الفصحى ويتخاطبون بها .. وكان السلطان الأشرف خليل يعقد المجالس الأدبية ويطارح الأدباء والشعراء مع معرفته بصناعة الانشاء ، واشتهر كذلك السلطان «جقمق» و «خشقدم» بفصاحة اللسان بالعربية الفصحى البليغة .. وكذلك جاني بك (٨٦٨ ه‍) وخاير بك (٨٨٧ ه‍) وحبيب العلائي الإينالي (٨٩٣ ه‍) وكذلك السلطان قانصوه الغوري حيث كان يجيد العربية ، شديد الولع بعلومها وآدابها وله فيها مشاركة كبيرة ، كما كان يتذوق الشعر وإلى ما شهر عنه من غرامه بقراءة السير والتواريخ ، وله مجالس عرفت باسمه عنوانها «مجالس الغوري» وهي مناظرات كانت تجري في مجلسه.

وفي القاهرة كانت المدارس العلمية والخوانق (البيوت) الصوفية تنهض برسالة دينية وثقافية وعلمية كبرى وتعمل من أجل نشر الثقافة الإسلامية وحمايتها ومن بينها : المدرسة الصالحية والكاملية والظاهرية والمنصورية والناصرية والمؤيدية والخانقاه البيبرسية والمدرسة الشيخونية التي درس فيها السيوطي على شيخه البلقيني ومنحه فيها إجازة علمية عام ٨٦٤ ه‍ / ١٤٦٠ م ثم كان أستاذا فيها ذاتها كذلك عام ٨٧٢ ه‍ / ١٤٦٧ م. وكان الأزهر يشد أزر هذه المدارس ويغذيها بالأساتذة الأعلام ، فهو وجه مصر الروحي والفكري والحضاري ، وهو أبرز معاهد العلم والدراسات الإسلامية والعربية في «دولة البرين والبحرين» وإليه يفد طلاب العلم وشيوخه من مشارق الأرض ومغاربها للتعمق في دراسة علوم الدين والعربية وفيه كانت تعقد مجالس الوعظ وحلقات التدريس ، وقد أكسب مصر سمعة إسلامية عالمية ، حتى صارت حاملة مشاعل الثقافة الإسلامية بعد بغداد التي صارت أطلالا دارسة ، فالأزهر هو الذي رفع المشاعل وأوقد المصابيح ، وأضاء الدنيا وتصدر حلقاته العلمية الأئمة والأعلام من العلماء ، أولى المناهج العلمية وقد عرفت طريقتهم باسم «الطريقة المصرية» (٢).

__________________

(٢) ابن خلدون : المقدمة ٤٤٢.

٢٩٨

وعاصر السيوطي ثلاثة عشر من سلاطين المماليك الجراكسة ، كما عاصر السيوطي كذلك أئمة كبارا من العلماء وبحسبك ابن حجر (٨٥٣ ه‍ / ١٤٤٩ م) ، ولقد طلب والد السيوطي منه أن يدعو لابنه بالبركة والتوفيق ، وكان السيوطي يرى في هذا العالم المصري العظيم مصدر اشعاع روحي له ، وكذلك الإمام العيني (٨٥٥ / ١٤٥١ م) والقسطلاني (٩٢٣ ه‍ / ١٥١٧ م) والسخاوي (٩٠٢ ه‍ / ١٤٩٧ م) والمقريزي وابن إياس وغيرهم من أعلام عصره.

ولقد صار السيوطي واحدا من بينهم وعلما من كبار علمائهم ، واحتل مركز الصدارة في القاهرة في عصره ، وصار في مقدمة الذين أثروا الثقافة الإسلامية العربية ورفعوا من شأنها وأحلوها مكانا عاليا ومنزلة شاهقة تبوأتها من ذلك الحين حتى يومنا هذا ، فهو أحد الذين قادوا مواكب الثقافة الإسلامية في عصره بشخصيته الإسلامية الجليلة وبموسوعيته العلمية التي ليس لها نظير في تاريخ العقل العربي في عصر نهايات دولة المماليك.

ولد جلال الدين عبد الرحمن السيوطي في القاهرة أول رجب عام ٨٤٩ ه‍ الثالث من أكتوبر عام ١٤٤٥ م في منزل والده بالروضة. وهو من أسرة بغدادية الأصل استقر بها المقام في أسيوط قبل ميلاد السيوطي بعدة قرون ، وذلك منذ عصر الدولة الأيوبية واشتهر منها العلماء والعديد من الرجال ، وكان والده كمال الدين أبو بكر السيوطي (المولود بعد عام ٨٠٠ ه‍ والمتوفى في صفر عام ٨٥٥ ه‍) من أجلة العلماء وقد نزح من أسيوط إلى القاهرة قبل ميلاد ابنه بأربعة وعشرين عاما وانقطع لطلب العلم في الأزهر وغيره ثم للتعليم والافادة وتدريس الفقه في الجامع الشيخوني وللخطابة في الجامع الطولوني ، وكان بيته بجزيرة الروضة مقصد الطلاب والعلماء ، وكان الخليفة المستكفي بالله يجله ويعظمه ، ولعل عطف الخلفاء العباسيين عليه مما يؤيد أصله البغدادي.

وتوفى والد جلال الدين وهو طفل صغير في السادسة من عمره فكفل

٢٩٩

الابن الصغير عبد الرحمن صديق لوالده وزميل له في المدرسة الشيخونية وهو كمال الدين الهمام الحنفي (٨٦١ ه‍) الذي أخذ يتعهده ويرعى شئونه ، وكان ابن الهمام محققا جدليا ولي مشيخة المدرسة الشيخونية وله كتب مشهورة في الفقه وفي الأصول منها كتابه فتح القدير وشرح الهداية.

وظهرت على الابن الصغير مخايل النبوغ والذكاء وقوة الحافظة حتى لقد حفظ القرآن الكريم وهو دون الثمانية من عمره ، وحفظ فنون العلوم الإسلامية والعربية وهو دون الخامسة عشرة ، وأقبل عبد الرحمن على حضور دروس مشايخ عصره وتلقى العلم على أيدي علماء عصره منذ مستهل عام ٨٦٤ ه‍ وهو في الخامسة عشرة ، وكان من بين هؤلاء الأساتذة :

١ ـ شيخ الإسلام البلقيني (٧٩١ ه‍ / ٨٦٨ ه‍) إمام العلماء في المائة الثامنة وهو من أساتذته في الفقه ، وهو الذي أجازه بالتدريس والافتاء وكان التصدير الذي ألقاه لما باشر التدريس بجامع شيخون يحضره أستاذه البلقيني هو الكلام على أول سورة الفتح ، كما كان الكلام على حديث ابن عباس ، «احفظ الله يحفظك» هو التصدير الذي ألقاه لما ولى درس الحديث بالشيخونية ، ولما مات البلقيني لازم عبد الرحمن ولده عليا حتى توفى أيضا بعد وفاة والده العظيم بقليل.

٢ ـ شهاب الدين الشارماصي ، الذي أخذ عنه الفرائض.

٣ ـ شيخ الإسلام شرف الدين المناوي (٧٩٨ ـ ٨٧١ ه‍) الذي تتلمذ عليه في الفقه ولما مات رثاه السيوطي بشعر له.

٤ ـ محيي الدين الكافيجي (٧٨٨ ـ ٨٧٩ ه‍) وقد تلقى على يديه التفسير والأصول والمعاني العربية ولزمه أربع عشرة سنة.

٥ ـ تقي الدين الشبلي الحنفي ؛ وكان أستاذه في علوم العربية.

٦ ـ سيف الدين الحنفي : وهو أستاذه في البلاغة.

٧ ـ ابن الهمام (٨٦١ ه‍).

٣٠٠