الأزهر في ألف عام - ج ٢

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

العلمية أو الإجازات العالية أو الشهادات إلا من نجح في جميع الامتحانات المقررة لكل منها.

مادة ٧٩ ـ يشترط لنجاح الطالب في الإمتحانات أن ترضى لجنة الإمتحانات عن فهمه وتحصيله في كل مقررات الدراسة ، وذلك وفقا لأحكام اللائحة التنفيذية.

مادة ٨٠ ـ لمجلس الجامعة بناء على طلب مجلس الكلية أو المعهد أن يعفى طالب الإجازة العالية من المقررات الدراسية كلها أو بعضها عدا مقررات السنة النهائية ، إذا ثبت أنه حضر مقررات دراسية تعادلها في كلية جامعية أو معهد عال معترف بهما من الجامعة.

وللمجلس أن يعفيه كذلك من امتحانات النقل كلها أو بعضها إذا ثبت أنه أدى بنجاح امتحانات تعادلها في كلية أو معهد عال معترف بهما من الجامعة.

وللمجلس أن يعفى طالب الدراسات العليا من بعض المقررات الدراسية ومن امتحاناتها إذا ثبت أنه حضر مقررات مماثلة في كلية جامعية أو معهد عال معترف بهما أو أدى بنجاح الإمتحانات المقررة.

مادة ٨١ ـ يشترط في قيد الطالب للتحضير لدرجة التخصص أو لدرجة العالمية أن يحصل على إذن من مجلس الكلية في متابعة الدراسات والبحوث الخاصة بالدرجة.

مادة ٨٢ ـ يشترط في رسالة العالمية : «الدكتوراه» أن تكون عملا ذا قيمة علمية يشهد للطالب بكفايته الشخصية في بحوثه ودراساته ويأتي للعلم بفائدة محققة.

ويشترك مجمع البحوث الإسلامية في الموضوعات التي تتصل بإختصاصه.

٢٢١

مادة ٨٣ ـ تلحق بالأزهر المعاهد الأزهرية المذكورة في اللائحة التنفيذية ، ويجوز أن تنشأ معاهد أخرى بقرار من الوزير المختص بعد موافقة المجلس الأعلى للأزهر.

وتسمى الأقسام الإبتدائية منها المعاهد الاعدادية للأزهر وتسمى الأقسام الثانوية المعاهد الإعدادية للأزهر.

مادة ٨٤ ـ تقوم مدارس تحفيظ القرآن مقام مدارس الأولى بالنسبة للطلاب المتقدمين إلى المعاهد الإعدادية للأزهر.

وتحدد اللائحة التنفيذية نظام القبول وشروطه بالنسبة للمتقدمين من تلاميذ هذه المدارس ومن غيرها.

مادة ٨٥ ـ الغرض من المعاهد الأزهرية الملحقة بالأزهر تزويد تلاميذها بالقدر الكافي من الثقافة الإسلامية ، وإلى جانبها المعارف والخبرات التي يتزود بها نظراؤهم في المدارس الأخرى المماثلة ليخرجوا إلى الحياة مزودين بوسائلها وإعدادهم الإعداد الكامل للدخول في كليات جامعة الأزهر ولتتهيأ لهم جميعا فرص متكافئة في مجال العمل والإنتاج ، كما تتهيأ لهم الفرص المتكافأة للدخول في كليات الجامعات الأخرى في الجمهورية العربية المتحدة وسائر الكليات ومعاهد التعليم العالي.

مادة ٨٦ ـ مدة الدراسة في المعاهد الإعدادية للأزهر أربع سنوات ، يعد فيها التلميذ إلى جانب ما يحصل من علوم الدين واللغة للحصول على الشهادة الإعدادية العامة أو الفنية.

مادة ٨٧ ـ مدة الدارسة في المعاهد الثانوية في الأزهر خمس سنوات يعد فيها التلميذ إلى جانب ما يحصل من علوم الدين واللغة للحصول على الشهادة الثانوية العامة بأحد قسميها العلمي والأدبي ، أو

٢٢٢

للحصول على الشهادة الثانوية الفنية بأحد أنواعها الصناعى والتجارى والزراعى وغيرها.

ويجوز أن تعدل مدة الدراسة في الأقسام الثانوية الفنية بالزيادة أو بالنقص بقرار من رئيس الجمهورية.

مادة ٨٨ ـ للحاصلين على الشهادة الإعدادية من المعاهد الإعدادية للأزهر حق الدخول في المعاهد الثانوية للأزهر ولهم إلى جانب ذلك فرص متكافئة مع نظرائهم للتقدم إلى المدارس الأخرى التي تجعل الشهادة الإعدادية شرطا للقبول.

وتحدد وزارة التربية والتعليم مدى التجاوز عن شرط السن بالنسبة لهؤلاء التلاميذ على أن يوضح ذلك في اللائحة التنفيذية كما يجوز للحاصلين على الشهادة الإعدادية من المدارس الإعدادية العامة أن يطلبوا الالتحاق بالمعاهد الثانوية بالأزهر بعد النجاح في امتحان يحقق التعادل بينهم وبين الحاصلين على الشهادة الإعدادية من المعاهد الإعدادية للأزهر.

مادة ٨٩ ـ للحاصلين على الشهادة الثانوية من المعاهد الثانوية للأزهر حق الدخول في إحدى كليات جامعة الأزهر ومعاهدها وفق قواعد القبول التي يقررها مجلس الجامعة ، ولهم إلى ذلك فرص متكافئة مع نظرائهم للتقدم إلى الكليات المختلفة في الجامعات الأخرى ، وإلى سائر الكليات ومعاهد التعليم العالي وفقا للقواعد المقررة لذلك. كما يجوز للحاصلين على الشهادة العامة من المدارس الثانوية العامة أن يطلبوا الالتحاق بإحدى كليات جامعة الأزهر ومعاهدها بعد النجاح في امتحان يحقق التعادل بينهم وبين الحاصلين على الشهادة الثانوية من المعاهد الثانوية للأزهر.

مادة ٩٠ ـ مع مراعاة أحكام المواد ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٨٩ من

٢٢٣

هذا القانون تحدد اللائحة التنفيذية المواد التي تدرس في كل من المعاهد الإعدادية والثانوية للأزهر بناء على اقتراح لجنة من الأزهر ووزارة التربية والتعليم. كما تحدد اللائحة التنفيذية شروط القبول والنظام العام للدراسة والإمتحانات في هذه المعاهد.

مادة ٩١ ـ يكون للمعاهد للأزهرية إدارة عامة مهمتها الإشراف والإدارة وعلى وزارة التربية والتعليم تقديم المعونة اللازمة في هذا الشأن مع الاستعانة بالأجهزة المختصة بوزارة التربية والتعليم. وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون مهمة هذه الإدارة ونظام العمل بها واختصاصات مديرها وموظفيها ووسائل التعاون بينها وبين وزارة التربية والتعليم.

مادة ٩٢ ـ تشكل لجنة من الأزهر ووزارة التربية والتعليم لوضع المناهج وتخطيط المواد الدراسية في المعاهد الأزهرية وفقا لأحكام هذا القانون وتحدد اللائحة التنفيذية نظام العمل في هذه اللجنة.

مادة ٩٣ ـ تجري الإدارة العامة للمعاهد الأزهرية بالإشتراك مع وزارة التربية والتعليم امتحانات الشهادات الإعدادية والثانوية بأنواعها المختلفة في المعاهد الأزهرية.

مادة ٩٤ ـ إلى أن يتم تنفيذ هذا القانون ويتعادل خريجو الأقسام الإبتدائية والثانوية بالمعاهد الأزهرية مع نظرائهم من خريجي المدارس الإعدادية والثانوية تنظم دراسات إضافية للتلاميذ المقيدين في هذه الأقسام حين صدور هذا القانون لتأهيلهم لدخول امتحانات معادلة للشهادة الإعدادية بالنسبة لتلاميذ الأقسام الإبتدائية للمعاهد الأزهرية وللشهادة الثانوية العامة أو الفنية بالنسبة لتلاميذ الأقسام الثانوية لهذه المعاهد.

وعلى وزارة التربية والتعليم أن تعاون في تنظيم هذه الدراسات وأن تعد العدة لعمل امتحانات المعادلة المشار إليها في ختام العام الدراسي ١٩٦١ / ١٩٦٢.

٢٢٤

ومع ذلك فإن من حق كل حاصل على إحدى الشهادتين الإبتدائية أو الثانوية من هذه الأقسام دخول إمتحانات المعادلة المشار إليها وفقا للنظام الذي تحدده اللائحة التنفيذية وينتهي العمل بهذا النظام بانتهاء العام الدراسي ١٩٦٥ / ١٩٦٦.

مادة ٩٥ ـ يستمر قبول التلاميذ الحاصلين على الشهادة الإبتدائية من الأقسام الإبتدائية في المعاهد الأزهرية هذا العام في الأقسام الثانوية بهذه المعاهد وفقا للنظام الذي تحدده اللائحة التنفيذية وتعدل مناهج الدراسة بالنسبة لهؤلاء التلاميذ ، وللتلاميذ المعيدين بالسنة الأولى بالأقسام الثانوية على الوجه الذي يحقق التعادل في آخر المرحلة.

مادة ٩٦ ـ ابتداء من العام الدراسي ١٩٦٢ / ١٩٦٣ وإلى ابتداء العام الدراسي ١٩٦٦ / ١٩٦٧ يكون للتلاميذ الحاصلين على معادلة الشهادة الإعدادية أو معادلة الشهادة الثانوية المشار إليهما في المادتين السابقتين كل الحقوق المقررة للحاصلين على الشهادة الإعدادية أو الشهادة الثانوية سواء في القبول بالمدارس والكليات الجامعية ومعاهد التعليم العالي ، أو في غير ذلك من الحقوق المقررة باللوائح والقوانين والقرارات ، مع التجاوز عن شرط السن إلى سنتين بالنسبة للحاصلين على معادلة الإعدادية وإلى ثلاث سنوات بالنسبة للحاصلين على معادلة الثانوية أو طبقا لما تحدد اللائحة التنفيذية.

مادة ٩٧ ـ الطلاب المقيدون في كليات الأزهر الحالية ، والذين ينتظر قيدهم في أول الموسم الدراسي ١٩٦١ / ١٩٦٢ ، تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون النظام الذي يتبع الملائمة بين وضعهم وبين مقتضيات تطبيق هذا القانون.

ومع ذلك فإنه يجوز أن تزاد سنة الدراسة بالنسبة للطلاب المقيدين حاليا في كليات الأزهر سنة أو سنتين بصفة مؤقتة لتحقيق هذه الملاءمة.

كما يجوز للحاصلين على الشهادة العالية من كليات الأزهر الحالية أن

٢٢٥

ينتظموا في دراسات عليا في جامعة الأزهر الجديدة للحصول على درجة التخصص أو العالمية ، والذين يحصلون منهم على إحدى هاتين الدرجتين او كلتيهما مثل الحقوق المخولة للحاصلين عليهما أو على الماجستير أو الدكتوراه من جامعات الجمهورية العربية المتحدة.

مادة ٩٨ ـ يحتفظ للعلماء الموظفين الآن وللمدرسين في أقسام الأزهر المختلفة وفي المعاهد الأزهرية وأعضاء هيئات التدريس في كليات الأزهر الحالية وأعضاء جماعة كبار العلماء ، كما يحتفظ بأصحاب الحقوق من أولاد العلماء وللطلاب في الكليات والمعاهد الأزهرية والأقسام العامة بكل الحقوق المالية المقررة لهم قبل صدور هذا القانون سواء في المرتبات أو في المعاشات أو في الأوقاف أو في مدة الخدمة بالنسبة للموظفين ، أو غير ذلك. على أن تتضمن اللائحة التنفيذية لهذا القانون تحديد كل ما يتعلق بهذه الحقوق بالنسبة للذين يعينون في الوظائف أو يلتحقون بأقسام الدراسة المختلفة مستقبلا.

مادة ٩٩ ـ تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون المسائل الآتية وغيرها مما وردت الإشارة إليه في هذا القانون :

١ ـ اختصاصات شيخ الأزهر ، ووكيل الأزهر ، ومدير جامعة الأزهر ، ووكيل جامعة الأزهر ، وعمداء الكليات ، والأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر ، والأمين العام للجامعة ، ومدير الثقافة والبعوث الإسلامية ، ومدير المعاهد الأزهرية ، والمجالس المختلفة ، وذلك في الحدود المبينة في هذا القانون.

٢ ـ جدول المرتبات والمكافآت لشيخ الأزهر ووكيل الأزهر وأعضاء المجلس الأعلى للأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية.

٣ ـ كيفية إدارة أموال جامعة الأزهر.

٤ ـ شروط قبول الطلاب في الجامعة.

٢٢٦

٥ ـ نظام تأديب الطلاب.

٦ ـ كل ما يتعلق بالمنح والمكافآت والإعانة الخاصة بالطلاب.

٧ ـ مناهج الدراسة.

٨ ـ مدة الدراسة ومدة الإمتحان ومدة العطلة.

٩ ـ الدرجات العلمية والشهادات التي تمنحها الجامعة وشروط كل منها.

١٠ ـ القواعد العامة للإمتحان.

١١ ـ مدة اشتغال الممتحنين ولجان الإمتحان ومقدار مكافآتهم وكيفية تعيينهم وواجباتهم.

١٢ ـ الانتداب للتدريس.

١٣ ـ تحديد المكافآت المالية والمنح لأعضاء هيئة التدريس والمعيدين.

١٤ ـ نظام تعيين أعضاء هيئة التدريس والمعيدين وجدول المرتبات والمكافآت في الجامعة.

١٥ ـ قواعد الشئون الاجتماعية والرياضية للطلاب.

١٦ ـ القواعد العامة للتنظيم الدراسي والإداري في المعاهد الأزهرية الملحقة وذلك في الحدود المبينة في هذا القانون.

مادة ١٠٠ ـ تصدر اللائحة التنفيذية لهذا القانون في مدى أربعة أشهر من تاريخ صدوره ، ويعمل بها من تاريخ صدورها. وللوزير المختص إصدار ما يراه من قرارات تنظيمية أو تكميلية مؤقتة تتعلق بشئون الأزهر وهيئاته بما لا يتعارض مع نصوص هذا القانون وذلك خلال الفترة التي تعد فيها اللائحة التنفيذية لحين صدورها.

٢٢٧

التعليم في الأزهر

يسير الأزهر على التوسع في التعليمين الثانوي والعالي (١) وإتاحة الفرص لكل قادر على متابعة الدراسة من إكمال معارفه والتزود بحظ من الثقافة العالية يستطيع به أن يكون مواطنا نافعا يخدم دينه ويعلي من شأن وطنه. ويعتقد الأزهر أن الكفاية ليس لها حدود ولا موطن معين ، ولذلك فسياسته التعليمية منذ قديم تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص بأوسع معانيه. فهو لا يضع حدودا أو عوائق مالية تحول بين الطالب مهما تكن قدرته المالية وبين متابعة الدراسة حتى نهايتها ، إذ الدراسة فيه مجانية تتكفل الدولة بكل تكاليفها المالية. وفضلا عن ذلك فإن الأزهر على خلاف الجامعات كلها ينفرد بتقرير مكافآت مالية للطلاب تعينهم نوعا ما على طلب العلم وتحمل نفقات المعيشة. وهو يتبع سياسة منظمة في التوسع في التعليمين الثانوي والعالي بحيث يكفل في كل وقت ألا يرد طالبا راغبا في العلم عن المعاهد الثانوية أو الكليات. وتبدأ سياسة الأزهر منذ المرحلة الأولى ، فهو يضع شروطا للقبول بالسنة الأولى الإبتدائية من شأنها أن ترد غير القادرين على الدراسة ، أو الذين لا تتوافر فيهم الأهلية لمتابعة الدراسة الدينية ، فهو يشترط في المادة ٩٩ من قانونه الأساسي ما يأتي : يشترط لقبول الطالب في السنة الأولى من القسم الإبتدائي :

أولا ـ ألا تقل سنة عن اثنتي عشرة سنة ، ولا يزيد على ست عشرة.

ثانيا ـ أن يكون حافظا للقرآن الكريم كله ويؤدي امتحانا يثبت ذلك.

ثالثا ـ أن يؤدي بنجاح امتحانا في المطالعة والإملاء والخط والحساب.

__________________

(١) من تقرير قدم إلى الادارة الثقافية بجامعة الدول العربية بناء على طلب هذه الإدارة قبل انعقاد المؤتمر الثقافي العربي عام ١٩٥٠.

٢٢٨

رابعا ـ أن ينجح في الكشف الطبي طبقا للشروط التي توضع لذلك.

وقد دل تحري الدقة في تطبيق هذه الشروط على المتقدمين إلى المعاهد الابتدائية أن نسبة كبيرة قد تصل إلى ٥٠% من عدد المتقدمين لم يستطيعوا أن يحرزوا النصاب المقرر للنجاح في امتحان القبول ، وبذلك أمكن منذ اللحظة الأولى أن يوجهوا إلى دراسة تتفق مع ميولهم ، وبذلك ضمن إلى حد كبير أن أكثرية الذين اجتازوا هذا الامتحان التمهيدي الديهم استعداد للدراسة الدينية ، وأنهم لديهم من الكفاية ما يؤهلهم لمتابعة الدراسة في المرحلتين : الثانوية والعالية. وفضلا عن اشتراط هذا الامتحان التمهيدي فقد جرى قانون الأزهر حتى السنة الحالية على التشدد في إمتحان طلاب السنتين الأولى والثانية الابتدائيتين وعدم منحهم فرصا للدخول في الدور الثاني ، لينصرف الطلبة إلى الدراسة ، وليبقى في التعليم من يؤهله استعداده وحرصه على الدراسة حتى المرحلة الثانوية ، وليتمكن هؤلاء الطلاب منذ بدء الدراسة من تخير طريق آخر وعدم إضاعة وقتهم وجهدهم دون جدوى. وثمة قيد آخر اختص به التعليم الإبتدائي هو عدم السماح للطالب من الإعادة في فرقة واحدة أو في سنى الدراسة الأربع أكثر من مرتين. كل هذه القيود النافعة كانت عنصرا فعالا في تصفية الطلاب غير المؤهلين للدراسة ، وإبقاء من لهم قدرة وكفاية على مواصلة الدرس. وبتتبع نتائج القبول وإحصائيات المتقدمين تعرف الأزهر حاجياته في التعليم الثانوي من فصول ومعاهد. وبمراجعة البيان بعدد الطلاب الذين قبلوا في السنوات من سنة ١٩٣٦ حتى سنة ١٩٤٩ ، يتبين مقدار الزيادة في طلاب الأقسام الإبتدائية واطرادها في السنوات الأخيرة ، مما حمل الأزهر على التوسع في الفصول الثانوية ، وافتتاح معاهد جديدة لتخفيف الضغط عن المعاهد القديمة.

وقد أنشأ الأزهر في خلال هذه السنوات معهد شبين ، الكوم ومعهدا بقنا (ثانوي ، ابتدائي) ، ومعهدا بسوهاج ، ومعهدا بالمنصورة ، ومعهد المنيا

٢٢٩

ومعهد سمنود ومن ذلك يتبين أن الأزهر سار في سياسة التوسع على خطة مرسومة أساسها الإحصائيات وسد حاجات الطلاب المقبولين في المعاهد الدينية وتزايدهم سنة بعد سنة.

وحين كانت الظروف المالية لا تسمح بإنشاء معاهد جديدة أو فصول ثانوية جديدة ، كان الأزهر يضطر إلى فرض قيد على قبول الطلاب ، فيحدد عدد من يقبلون في السنة الأولى الإبتدائية في جميع المعاهد. وقد كان لهذه السياسة ضرر على الطلاب أنفسهم ، فقد كانوا على رغم استعدادهم ورغم صرفهم سنين في حفظ القرآن الكريم يصرفون في سنة متأخرة عن الدراسة التي أهلوا أنفسهم لها واستعدوا للسير فيها. وهذا بدوره يثبط روح الأمل ، ويقعد بزهرة الطلاب قد تكون فيهم كفاية ناضجة عن مواصلة التعليم ، وتبقيهم في بلادهم على مضض منهم ، فيصرفون جهودهم إلى أشياء أخرى قد يكون فيها ضرر على المجتمع. والأزهر حين اضطر إلى هذا التحديد كان يركن إليه لصالح الدراسة ومراعاة القواعد ، من عدم جمع أكثر من أربعين طالبا في فصل واحد ، وكان الغرض منه أولا مراعاة إمكانيات المعاهد ، وعدم توافر الفصول اللازمة لهؤلاء الطلاب ، وعدم وجود المدرسين اللازمين لتعليمهم.

وثمة عامل آخر كان يراعيه الأزهر في هذا التحديد هو ملاحظة حاجة البلاد إلى المتخرجين في سنوات كانت الأزمة الاقتصادية فيها مستفحلة ، وكان مستقبل الخريجين فيها مظلما لا يبشر تقدم. وفي الحق لقد عانى الأزهر من سياسة التوسع في تخريج العلماء والمدرسين معاناة شديدة ، فقد جاء وقت كان المتخرجون فيه أكثر من حاجة البلاد ، مما اضطر معه الأزهر في سبيل التخفيف عنهم إلى النزول بمرتباتهم إلى مستوى ضئيل ، ومع ذلك كانوا يقبلون على هذه الوظائف إقبالا شديدا ، فكان العالم المتخصص يمنح مقابل قيامه بالتدريس جدولا كاملا في المعاهد مرتبا شهريا ضئيلا لا يذكر ، وقد دفع هذا ولاة الأمور إلى الأخذ بسياسة التحديد في قبول

٢٣٠

الطلاب بالسنة الأولى الإبتدائية حتى يمكن أن تتعادل حاجة البلاد وحاجة الأزهر إلى المدرسين مع عدد المتخرجين في الأقسام النهائية. ويمكن القول بعد هذا أن العامل الاقتصادي لعب دورا هاما في سياسة التحديد ، وإنه حين ـ انتعشت الأحوال الاقتصادية في البلاد وسمحت ميزانية الدولة بالتوسع في التعليم العام ، وأخذت بمبدأ تكافؤ الفرص وإتاحة التعليم الإبتدائي المجاني لكل من يرغب فيه ، اتسعت آفاق الآمال للمتخرجين ، واشتدت الحاجة إلى المعلمين يسدون حاجة هذه المدارس ـ خفت وطأة التحديد وبدأت المعاهد تقبل جميع الناجحين من المتقدمين إليها ، حتى تضاعف هذا العدد من ١٠٠٠ في سنة ١٩٤٠ إلى ٢٠٠٠ في سنة ١٩٥٠.

جماعة كبار العلماء

ـ ١ ـ

أنشئت هذه الجماعة بمقتضى قانون إصلاح الأزهر الذي صدر عام ١٩١١ ، وقد ظلت قائمة حتى اليوم. وأعضاؤها يظلون في مناصبهم العلمية حتى الوفاة ، ولما جاء الشيخ عبد الرحمن تاج شيخا لمشيخة الأزهر هذا العام وأصدر قانونه بإحالة علماء الأزهر إلى المعاش في سن الخامسة والستين بدلا من سن السبعين نص في القانون على أن هذا القيد يسرى على أعضاء جماعة كبار العلماء أيضا ، وبذلك أصبح الأعضاء لا يتمتعون بهذه الميزة الكبرى التي كانت لهم من قبل ، وقد خرج من الجماعة لذلك شيوخ الأزهر الكبار الذين بلغوا هذه السن أو تجاوزوها.

وقد كتبت في مناسبات عديدة عدة مقالات عن الجماعة ، أرى تسجيلها في هذا المقام.

ـ ٢ ـ

أنشئت هذه الجماعة في الأزهر لتنهض بأعباء الإصلاح الديني المنشود ، ولتحمل عبء المجهود العلمي في مصر والشرق ، بخدمة التراث الإسلامي ، ورعاية الثقافة الدينية ، وامدادها بالمؤلفات والبحوث.

٢٣١

وقد حدد قانون سنة ١٩٣٦ المقاعد العلمية للجماعة بثلاثين كرسيا ، وشرط لاختيار أعضائها شروطا كثيرة ، أهمها أن يكون العضو الذي يرشح لها من العلماء الذين أسهموا في الثقافة الدينية بنصيب في الأزهر أو في خارجه وأن يقدم رسالة علمية في أية ناحية من نواحي البحث تظهر فيها صبغة الجدة والابتكار.

إن رسالة الجماعة عظيمة خطيرة ، فعليها أن تعني بالتراث الإسلامي لعلمائنا الأمجاد ، وأن تقوم بإخراجه للناس سائغا جميلا ملائما لعقولهم ومناهجهم الحديثة في البحث والتفكير ، وعليها ألا تقف عنده وتحافظ عليه فقط ، ولكن عليها أن تبني على أسسه ، وأن تسير على امتداده ، وأن تتابع الحركة العلمية في مصر وسواها من الأقطار ، وأن توجهها وتؤثر فيها ، وتسير بها إلى غاياتها المثلى المنشودة.

تلك رسالة الجماعة ، أما حاضرها على ضوء رسالتها فهو حاضر ينبغي أن يتغير لتستطيع الجماعة أن تخدم التراث الإسلامي ، كما يجب أن يكون صوتها قويا مسموعا في حياتنا الفكرية الصاخبة.

لقد كثر نقد الباحثين والمفكرين للجماعة ، وكثر تساؤلهم عن انتاجها وعما أدته من الواجبات الخطيرة التي وضعت في عنقها وقامت لأجلها ، وسرى هذا التيار من خارج الأزهر إلى داخله ، فلفت الرأي العام الأزهري أذهان المفكرين من رجال الأزهر إلى ذلك. وإن يعين الجماعة على أداء رسالتها ألا تحرم أولى الكفايات ، وأن تفتح أبوابها لهم حتى تجنى الأمة والأزهر ثمار هذه الجماعة ، ويشعر الرأي العام بفائدتها وأثرها في الحياة ، وحتى تسير الجماعة إلى غاياتها السامية ، وتخطو إلى مستقبلها المجيد ، وتؤدي للعالم والدين ما ينتظر منها أن تؤديه من خدمات (١).

وأخيرا حققت الآمال العظيمة التي طمح إليها دعاة الإصلاح في مصر

__________________

(١) من مقالة طويلة نشرتها في البلاغ عام ١٩٤١

٢٣٢

والشرق الإسلامي ، وتوج هذا الجهاد الحافل بالفوز والتوفيق ، فأنصت الأزهر لهذه الدعوة الصارخة ، وآمن بها ، وأخذ يضيف إلى تاريخه التليد صفحات طريفة مجيدة. فمنذ أسابيع قرأنا أن عضوا بارزا من جماعة كبار العلماء قدم إلى الجماعة اقتراحا جديدا تشيع فيه الرغبة الصادقة في توجيه الثقافة في هذه الجامعة العظيمة وجهة جديدة صالحة تجمع بين أمرين عظيمين :

الأول : بعث روح الانتاج العلمي ، والاضطلاع بأعبائه في شتى فروع الثقافة الدينية.

الثاني : العناية بشئون المجتمع ، وبحث مشكلاته الخلقية والاجتماعية والاقتصادية ، وبيان موقف الدين الإسلامي حيالها.

ثم علمنا أن هذا الإقتراح يشق طريقه نحو التنفيذ ، فأيقنا أن الأزهر مصمم على السير إلى أبعد غايات الإصلاح ، مؤمن بتوفيق الله ورعايته. ولا يخالجنا شك في أن الجماعة ـ وقد ضمت عناصر جديدة ممتازة ـ ستظفر بتحقيق هذه الآمال ، وستكتب في تاريخ الأزهر الحديث أروع الصفحات. وليس هذا على الجماعة بكثير ، فقد عنى بها المراغي عناية كريمة فآثر بعضويتها أولى الكفايات من العلماء الحريصين على مسايرة الحياة إلى أسمى غاياتها ، وتوجيه الحياة الاجتماعية بنور الدين وهدايته. إن المجتمع في حاجة إلى الأزهر ، والأزهر في حاجة إلى المجتمع ، ولا ريب في أن اتجاه علمائنا نحو المجتمع وبحث شئونه ومشاكله ستجعل الناس على بينة من دينهم ، وتهديهم إلى سبل الخير والفضيلة والرشاد.

لقد مضى زمن الجدل العقيم في العقائد ، والبحث النظري في القشور دون اللباب ، وسئمنا الكلام في المياه التي يجوز بها التطهير والتي لا يجوز ، وفي إثبات كرامة الأولياء ونفيها ، وفي طبقات السماء أمن فضة هي أم من ذهب ، إلى غير ذلك. وها نحن أولاء نشاهد إشراق عهد جديد يشارك فيه علماؤنا الناس ، وينزلون من عزلتهم التقليدية إلى حيث يسير

٢٣٣

الناس وتتحرك الحياة ، ويضعون شئون المجتمع ومشاكله نصب أعينهم ، ويقفون منه موقف الناصح الأمين.

لعمري لقد ملأ الإيمان قلوب الناس ، بل وعقولهم يوم كان الدين روحا وعقيدة وخلقا وعملا. ولم يمتحن المسلمون بأعظم من الجدل في العقيدة والخلاف في الدين ، حتى انحل ما كان معقودا من ألفتهم ، وخمد ما كان متأججا من روحهم. ولقد ظهر الغزالى في عصر مفعم بالفتن والاضطرابات والجدل والخلاف ، فدعا الناس إلى دين الله بلغة العاطفة والقلب حين رأى الدعوة إليه عن طريق الخصومة والجدل داعية فتنة وثائرة ضلال ، ولكن الغزالى يئس من المجتمع لأنه كان يود أن يرأه مجتمع ملائكة أبرار لا مجتمع شياطين أشرار ، فزهد في الحياة ، وعزف عن المجتمع ، واعتزل الناس ، إيثارا لسلامة الدين والنفس وبعدا عن شرور المجتمع وسيئاته ، وقلده في مذهبه الاجتماعي أصحابه ومريدوه ، فظلت تلك الروح نزعة لعلمائنا حتى العصر الحديث.

ولقد كانت أسمى غاية للأستاذ الامام محمد عبده من إصلاح الأزهر أن يحمله على الاندماج في المجتمع ، والتغلغل في أعماقه ، والسمو به ـ عن طريق الارشاد والتهذيب الديني الصحيح ـ إلى أبعد ما يستطاع من غايات ، وكان يريد من وراء ذلك أن يذكي في الأمة الإسلامية روح القوة والفضيلة ، وأن يدفع بها إلى الحياة الكريمة العزيزة ، لتستطيع أن تذود عن حريتها ، وتحافظ على تراثها المسلوب ، وحتى يتسنى لها ـ إذا تابعت السير في هذا المضمار ـ أن تستعيد ما كان لها من مجد باذخ وجلال قديم ، فتسير في قافلة الحياة البشرية داعية خير وهدى وسلام. ولقد أبى الأزهر حينئذ أن يستجيب لدعوة الأستاذ. الإمام وآثر أن يعيش في ظلام الجمود والحيرة ، عزوفا عن الجديد الذي كان يؤمن بأنه بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ...

وبعد ربع قرن من وفاة الأستاذ الإمام تكشفت غيوم الحيرة ، وخضدت

٢٣٤

شوكة الجمود وحماته ، وألقيت مقادة الأزهر في يد تلميذ من تلامذة الإمام ، فأخذت دعوته طريقها إلى قلوب الأزهريين وعقولهم ، وسرت في الأزهر روح جديدة ، وأيقن رجالاته بضرورة الإصلاح ، وأن اتجهوا في ذلك وجهات مختلفة متباينة ...

فليعد علماؤنا إلى المجتمع حاملين في ظلمات الحياة الاجتماعية نور الدين وهدايته ، ناشرين في ضلال الحياة الإنسانية دعوة الله ورسالته ، هادين الناس إلى الحق وإلى طريق مستقيم ... (١).

إن هيئة كبار العلماء أكبر هيئة دينية في العالم الإسلامي ، وأعضاؤها الموقرون من أفذاذ العلماء في الأزهر الشريف ، وإنى لأقترح على أولى الأمر في الأزهر تحويل عضوية الهيئة إلى كراسي دائمة ، تطلق عليها أسماء الخالدين من شيوخ الأزهر وسواهم من أعلام العلماء : فنجد من بينها كرسى الظواهري ، والمراغي ، ومصطفى عبد الرازق ، والشناوي. وكرسي محمد عبده ، وجمال الدين الأفغاني ... ففي ذلك تخليد لذكرى أئمتنا وكبار شيوخنا ، وفيه تمجيد لأعمالهم العظيمة في خدمة الأزهر ، وما حملوا من أعباء الجهاد في سبيل الإصلاح الديني.

الدراسات العليا في الأزهر الجامعي

ـ ١ ـ

نعني بالدراسات العليا تلك الدراسات الخاصة التي تنظمها الجامعات للنابغين من أبنائها الذين وقفوا حياتهم على الدرس والبحث.

وهذه الدراسات بمعناها العلمي دعامة من دعامات الحضارات الإنسانية التي تقوم على أساس وطيد من المعرفة والثقافة ، وهي أعظم ما تعني به الجامعات الكبيرة في الدول العريقة ، وعليها يتوقف التطور البشري.

__________________

(١) من مقال نشر في الرسالة ٢٩ ـ ١٢ ـ ١٩٤١.

٢٣٥

ولقد عرفتها الجامعات العلمية الأولى في الشرق في أحقاب التاريخ القديم ، وفي شتى أطوار الحياة الإسلامية العظيمة ، ففي البصرة والكوفة ، وفي دمشق وبغداد وفي قرطبة والقاهرة وسواها من العواصم الإسلامية ازدهرت الدراسات العليا التي كان يقوم بها قادة الفكر الإسلامي ، ثم شاء الله أن تذوي هذه الحضارة الزاهرة ، وتطفأ مصابيح ذلك النور المشرق ، وأن يستكين المسلمون لأحداث الزمن ونكبات التاريخ ، فحمل العلماء في هذا الاضطراب العاصف مشعل الثقافة الإسلامية ، ولكن الأحداث كانت أقوى من جهودهم ، فتلاشى كثير من تلك الدراسات في شتى الجامعات ، ولم يبق منها إلا شعاع خافت ضئيل.

وخضع الأزهر في حياته العلمية الطويلة لهذه التطورات حتى كان العصر الحديث ، وقيض الله لمصر والشرق رجلا من أنبه رجال الفكر فيه هو السيد جمال الدين الأفغاني ، فنفخ في حياته روح الشباب والقوة والتفكير ، وكان من أبر أبنائه الإمام محمد عبده الذي جاهد في سبيل الأزهر والعلم والدين جهاد الأبطال ، وكانت أول دعوة للأستاذ الإمام رفع مستوى الدراسة في الأزهر ، حتى يستطيع أن يساير النهضة الفكرية في الشرق والغرب أولا ، وأن تؤدي رسالته العظيمة ثانيا ، وأنشئت على أساس أفكاره أقسام الدراسات العليا في الأزهر ـ التخصصات ـ بعد وفاته بكثير ، وكان من أهم هذه الأقسام تخصصات العالمية من درجة أستاذ التي أنشئت عام ١٩٣٠ والتي حملت عبء الثقافة الدينية والعربية والعقلية في الأزهر وكلياته من ذلك العهد إلى الآن ، وقام خريجوها ببحوث جديدة في شتى فروع الثقافة تجلت في رسائلهم المختلفة التي تقدموا بها لنيل العالمية من درجة أستاذ ، وكانت الغاية من إنشاء هذه الأقسام هي : ـ

أولا ـ افساح مجال البحث الحر أمام الأساتذة والكفايات الممتازة من طلبة الأزهر.

ثانيا ـ خلق جيل جديد من الخريجين يحملون في مستقبل حياتهم مشعل الثقافة في مصر والعالم الإسلامي.

٢٣٦

وقد بعثت رغبات جامحة لا نعرف أسبابها على أن ينظر كثير من المسئولين في الأزهر إلى هذه الأقسام نظرة لا تليق بمكانتها وجهودها في الأزهر ورسالتها التي تحملها ، حتى لقد مضى عليها خمس سنوات لم يقبل فيها أحد من أوائل الشهادات العالية بالأزهر.

ونحن ننادي بفتح هذه الأقسام من جديد ، على أسس أكثر نظاما ، وأدق تجديدا من النظم الأولى التي كان يسير الأزهر عليها ، فجهود خريجه ورسائلهم وبحوثهم العلمية وآثارهم الثقافية في حياة الأزهر الآن هي سجل ناطق بمدى نجاحهم ونجاح هذه الأقسام الدراسية العليا في غايتها الثقافية والعلمية.

وأهم هذه الأسس التي نراها صالحة لتوجيه هذه الدراسات والطلبة المثابرين عليها هي :

أولا ـ العناية التامة بطلبة هذه الأقسام عناية أدبية ومادية تحول بينهم وبين كل ما يعوقهم عن التفرغ للبحث والدرس.

ثانيا ـ الاختيار الصالح لأساتذة هذه الأقسام ، فحيث يوجد الأستاذ الكفء يوجد النشاط العلمي والحياة العقلية الخصبة ، ويخلق الطالب النابغة ، وذلك هو ما ننشده لهذه الأقسام ، ولقد كانت محاضرات الأستاذ الشيخ محمد عرفه في هذه الأقسام ومدى أثرها وتوجيهها العقلي دليلا على ما يمكن للأستاذ أن يفعله وأن يأتي به من معجزات حينما يختار لمهمته فيحسن اختياره ، ويكلف بالعبء الذي يستطيع أن ينهض به.

ثالثا ـ تحديد مناهج الدراسة والكتب ومواعيد المحاضرات والامتحانات تحديدا واضحا لا لبس فيه ولا غموض.

رابعا ـ جعل العلوم الإضافية في هذه الأقسام قاصرة على السنتين الأوليتين فيها ، على أن يعقد امتحان بعد العامين للطالب الذي يلتحق بها يمتحن فيه في جميع المواد الإضافية ليفرغ بعد هذا الإمتحان إلى المواد الأساسية التي يعد نفسه من أجلها.

٢٣٧

خامسا ـ دراسة إحدى اللغات الأجنبية الأوروبية في هذه الأقسام.

سادسا ـ وضع الخريجين من هذه الأقسام بعد تخرجهم منها في وظائف التدريس في الكليات مباشرة بدون أي تأخير ، واختيار أعضاء البعثات التي تسافر إلى الخارج من بينهم. فبذلك يكون الأزهر قد عمل على خلق جيل جديد من شبابه يقدر على حمل أعباء رسالته والنهوض بها.

ـ ٢ ـ

ولقد كان محمد عبده رحمه الله أبرز قائد لحركة البعث والإصلاح الديني في مصر والشرق الإسلامي ، بعد أستاذه جمال الدين الأفغاني. وكان من البدهي أن يتجه هذا المصلح الديني الخالد الذكر إلى إصلاح الأزهر نفسه لأنه نواة الفكرة الإسلامية ، ومغذى الروح الديني. ولم تظهر آثار جهاد الشيخ عبده وجهوده في إصلاح الأزهر إلا بعد وفاته ، وعلى أيدي تلاميذه الذين تحمسوا لآراء أستاذهم في الإصلاح ، وتعهدوها بالعناية والتنفيذ.

كانت الدراسة في الأزهر في عهد محمد عبده تسير على النظام القديم البدائي : حلقات للتعليم ، وطلبة يختارون أستاذهم الذي يتتلمذون عليه ويناقشونه فيما صعب من مشكلات العلم والثقافة ، وكتب ألفت في العصور الوسطى وغلبت عليها آثار الثقافة العقلية التي كانت سائدة في هذه العصور. وفي ١٨٧٢ م وضع قانون لإصلاح الأزهر ، نظم طريقة نيل العالمية ، وحدد مواد الامتحان فيها ، وبتعضيد الشيخ محمد عبده ، وعلى يدي صديقه المرحوم الشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر حينذاك ، صدر قانون عام ١٨٩٦ ، الذي نظم الدراسة في الأزهر ، وأدخل العلوم الحديثة في مناهجه ، أما النظام الإداري للأزهر ومعاهده فقد صدر به قانون عام ١٩١١ ، بعد وفاة الإمام محمد عبده بسنوات. وأخذ الأزهر يسير على هذا النمط من الدراسة ، دون أن يوجد فيه أثر للدراسات العليا ، حتى صدر قانون ١٩٢٣ ، الذي أوجد نوعا من هذه الدراسات قامت على أسسه أقسام التخصص القديم ، التي كانت تمنح درجات علمية تعادل درجة الماجستير في جامعتي القاهرة والاسكندرية ، ثم أخذ الأزهر يعمل على مسايرة النظم

٢٣٨

الجامعية التي تسير عليها شتى الجامعات في الشرق والغرب ، ففكر المراغي في عهد مشيخته الأولى في إنشاء أقسام أكبر للدراسات العليا في الأزهر ، والمراغي أنبه تلاميذ محمد عبده ، وأكثرهم دعاية لآراء أستاذه ، وتحقيقا للكثير منها ... وقد ظهرت آثار هذا الاتجاه في قانون إصلاح الأزهر الذي صدر عام ١٩٣٠ في عهد المرحوم الشيخ الأحمدي الظواهري ، وقد نظم هذا القانون الأزهر الجامعي ، فقسمه إلى كليات ومعاهد ، وأنشأ أقسام الدراسات العليا بشتى فروعها ، وعدل عام ١٩٣٦ وما والاه تعديلا أملته الضرورة والتجرية والرغبة في خلق الروح الجامعي في الأزهر. وسمى هذا القانون أقسام الدراسات العليا : أقسام تخصص المادة ، ومنها ينال المتخرج شهادة العالمية من درجة أستاذ ، وهي أرفع شهادات الأزهر العلمية ، وتعادل الدكتوراه الممتازة ، وتدرس بها علوم الشريعة وأصول الدين والقرآن والحديث والبلاغة والأدب واللغة والفلسفة والتاريخ ، ومدة الدراسة بها لا تقل عن ست سنوات بعد انتهاء دراسة الكلية ، وكان طلبتها يختارون من بين أوائل المتخرجين. واختير للتدريس بهذه الأقسام أئمة العلماء والمفكرين في الأزهر ومصر ، وقد حققوا نهضة فكرية وعلمية جديرة بالإشارة في تاريخ الأزهر الحديث ، كما كانت امتحانات أقسام هذه الدراسات ، ومناقشات رسائل الخريجين مواسم خالدة للعلم والأدب في الأزهر ، وكان يشرف عليها أفذاذ العلماء والأدباء والمفكرين ، ومن بينهم المراغي ولطفي السيد ومأمون الشناوي واللبان وحمروش وعبد المجيد سليم وعرفة وشلتوت والجارم وسواهم. ، ورسائل الخريجين من أقسام العالمية من درجة أستاذ فيها جهد كبير وألوان جديدة من البحث والتحليل ، وهي أوضح أثر لنهضة الأزهر العلمية الحديثة ، وقد طبع بعض قليل منها. كما حمل خريجوه بجدارة مناصب التدريس في كلياته ومعاهده ، ولكثير منهم نشاط علمي خصب ، وانتاج حافل في الأدب والشريعة والفلسفة والتاريخ والعقائد. ومن سوء الحظ ألا يهضم الأزهر الجامعي نظام الدراسات العليا ، وأن يحاربها من وراء ستار ، وأن يعطل الدراسة بأقسامها من عام ١٩٤١ حتى الآن. وكان

٢٣٩

اعتزاز الأزهر بهذه الدراسات ضئيلا محدودا ، تجلي في طبع رسالتين أو ثلاث من رسائل خريجيها ، وفي عرض بعضها في المعرض الزراعي عام ١٩٤٩ ولا يزال جل هذه الرسائل مخطوطا في مكتبات الكليات الأزهرية ، وعددها يقارب المائتين.

فمن مبلغ الأزهر بأن نظامه الجامعي وازدهاره العلمي لن يكون لهما كيان إلا إذا عادت من جديد هذه الدراسات العليا فيه ، تؤدي رسالتها العظيمة في خدمة الدين والثقافة ، وتجديد مناهج البحث العلمي الحر ، والكشف عن آثار التراث الإسلامي المجيد ، والنهضة بالثقافة الأزهرية ، حتى تبلغ المنزلة الرفيعة ، التي بلغتها الثقافات الحديثة ، في جامعات الشرق والغرب.

ويتحدث الخريجون من قسم الأستاذية في مذكرة رفعوها إلى المسئولين في أكتوبر عام ١٩٥٢ ، عن حاضرهم وآمالهم فيقولون :

أنشىء قسم الأستاذية في الأزهر بمقتضى القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٣٠ المعدل بالقانون رقم ٢٩ لسنة ١٩٣٦ حينما أريد للأزهر أن يكون جامعة وأن تنشأ به كليات للتعليم العالي ، وأن يقضي على عوامل الانحلال التي عصفت به وذهبت بكل ما كان له من مجد وجلال. ولم يكن بالأزهر عند صدور القانون أساتذة يحملون مؤهلات ممتازة تخول حامليها التدريس في كلياته ، فأنشىء فيه هذا القسم لتخريج أساتذة ممتازين يعهد إليهم بهذه المهمة ، وأطلق عليه إسم تخصص المادة ... ويختار طلابه من أوائل الشهادات العالية من الكليات ويقضي فيه الطالب ست سنوات على الأقل ، ثم يقدم في نهايته رسالة قيمة تناقش مناقشة علنية ويمنح الناجح فيها شهادة تسمى العالمية من درجة أستاذ وهي تعادل «دكتوراه ممتازة حرف أ». ومن هؤلاء وحدهم تتكون هيئات التدريس بالكليات تطبيقا للمواد ٤١ ، ٤٢ ، ١١٩ من القانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ ، كما جعل الحصول على هذه الشهادة شرطا لعضوية جماعة كبار العلماء ، ومن بين هؤلاء يختار شيخ الأزهر وكبار الموظفين الإداريين فيه ..

٢٤٠