الأزهر في ألف عام - ج ٢

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٢

يرويه المؤرخون من أنها «مدرسة مظلمة ليس عليها من بهجة المساجد ولا أنس بيوت العبادات شيء البتة» ، ويعللون ذلك بأن منشئها اغتصب مكانها من مالكيها وسخر العمال في عمارتها وحصل على مواد البناء ولوازم العمارة بطريق الغصب أو الخيانة ووقف على هذه المدرسة أوقافا وشرط في كتاب وقفه ألا يلي النظر أحد من ورثته

وأقبغا هو الأمير علاء الدين ، كان رقيقا للتاجر عبد الواحد ابن بدال اشتراه منه الناصر قلاوون ، ورفعه حظه وذكاؤه إلى مراتب الموظفين ، وتقلب في مناصب الدولة المختلفة ، إلى أن قتله الملك الصالح عماد الدين في الفتنة بينه وبين أخيه أحمد الناصر. أما المدرسة الطيبرسية فهي على يمين الداخل إلى الأزهر من بابه الغربي المذكور ، وفد أنشأها علاء الدين الطيبرس نقيب الجيوش المصرية ، وفرغ من عمارتها سنة ٧٠٩ ه‍ وجعل له بها مدفنا دفن به ، وقد عرف بالصلاح والتقوى ، فاتفق أنه لما فرغ من بناء هذه المدرسة أحضروا له حساب مصروفها فاستدعى بطست فيه ماء وغسل أوراق الحساب بأسرها من غير أن يقف على شيء عنها ، وقال : «شيء خرجنا عنه لله لا نحاسب عليه».

وقد شغلت المكتبة أولا المدرسة الاقبغاوية ، لاتساعها واستقلالها بعض الاستقلال ، ولما ضاقت بالكتب ضمت إليها المدرسة الطيبرسية. ويقول الشيخ عبد الكريم سلمان : «ولما جاءت للمجلس فكرة جمع هذه الكتب في مكان واحد وإصلاح ما أفسدته منها هذه الأيدي وتسهيل الانتفاع بها اختار المكان المعروف في الأزهر برواق (الابتغاوية) وكتب لديوان الأوقاف سنة ١٣١٤ فأرسل من أخذ المقايسة لاصلاحه وإنشاء ما يلزم له من الخزائن التي توضع فيها الكتب ، ثم عرض الأمر على ولي الأمر فأقره مستحسنا له ، وخرج هذا العمل من القوة إلى الفعل وتهيأ المكان لما وجد له من وضع الكتب وحفظها فيه ومن الانتفاع بها تحت ضوابط ونظامات ، وشرع عمالها في إنقاذ ما عهد إليهم من أول مايو سنة ١٨٩٧ الموافق شعبان سنة ١٣١٤ ، ويقول : واشتريت كتبا كثيرة من كثير من التركات حتى

٢٦١

ضاق بها المكان على سعته ، فاضطر المجلس إلى أخذ مكان آخر من الأزهر أصلحه ديوان الأوقاف وعمل فيه ما عمل في الأول ، وامتلأت خزائنه أيضا بمعتبرات الكتب ونفائسها مما يتجدد شراؤه كل عام.

وبالمدرسة الاقبغاوية الآن المكتبة العامة بجميع فنونها ، وبقبتها الخارجية ، ودهليزها مكتب الأمين وإدارة المكتبة ، وبالمدرسة الطيبرسية طائفة من كتب الفنون التي تدور حولها الدراسات الأزهرية ، كالتفسير ، والحديث ، والفقه المالكي ، والحنفي ، والشافعي ، والحنبلي ، والبلاغة ، والنحو ، والصرف .. وبالمبنى الجديد مكتبتا الشيخين المغفور لهما الشيخ الامبابي والشيخ بخيت ، والأمكنة المشار إليها لم يلاحظ في إنشائها أن تكون مكتبة ، لهذا فهي غير وافية بالغرض الذي تؤديه ، وتفقد كثيرا من الأمور التي يجب توافرها في أبنية المكتبات ، ويكفي للتدليل على ذلك أن المكتبة تفقد أهم خواص المكتبات ، وهي قاعة المطالعة ومكان الإدارة ، وليس لها مرافق خاصة بها ، وينقصها الأحكام في الأبواب والنوافذ لمنع تسرب الأتربة والحشرات.

وكان عدد الكتب التي ابتدأت بها المكتبة سنة ١٨٩٧ ـ ٧٧٠٣ كتب منها : ٦٦١٧ كتابا بطريق الاهداء ، و ١٠٨٦ بطريق الشراء وعدد فنونها ٢٧ فنا وهي : المصاحف. القراءات ، التفسير ، الحديث ، الأصول ، النحو ، الصرف ، البلاغة ، فقه أبي حنيفة. فقه مالك ، فقه الشافعي ، فقه أحمد بن حنبل ، المجاميع ، التوحيد ، المنطق ، التاريخ ، التصوف ، الأدب والمديح ، الآداب والمواعظ والفضائل ، الأحزاب والأوراد والأدعية ، الوضع وآداب البحث والعروض ، الفلك والميقات ، مصطلح الحديث ، الفنون المنوعة ، الحساب والهندسة ، اللغة ، الطب ، وقد بلغت فنون المكتبة سنة ١٩٤٣ ـ ٥٨ فنا وبلغ عدد مجلداتها ٩٠٠٧٥ مجلدا.

وبالمكتبة الأزهرية مكتبات خاصة حملت الغيرة الدينية أصحابها أو ورثتهم على إهدائها للمكتبة الأزهرية ليكون نفعها وقفا على العلماء وطلبة العلم بالأزهر ابتغاء مغفرة الله ورضوانه ، ويذكر لأصحابها هذا العمل بالثناء

٢٦٢

مقرونا بالدعاء أن يحسن الله لهم الجزاء ويهبهم الثواب ، وهذه المكتبات وإن كان بعضها مستقلا بخزائنه كشروط أصحابها إلا أنها مسجلة ومفهرسة ضمن المكتبة العامة ، ويجري الانتفاع بهما معا دون تمييز ، وهذه هي أهم هذه المكتبات مرتبة حسب أهميتها :

١ ـ مكتبة سليمان أباظة باشا ، وقد أهداها ورثته إلى الأزهر سنة ١٨٩٨ م عملا بمشورة الإمام محمد عبده كما أسلفنا ، وهي أنفس المكتبات الخاصة بالمكتبة الأزهرية ، يستأثر فنا التاريخ والأدب بغالب كتبها ، وتمتاز بكثرة المخطوطات وبخاصة الفنين المذكورين ، وعدد مجلداتها ١٤٨٤ مجلدا ، وبها جملة صالحة من مطبوعات أوربا.

٢ ـ مكتبة حليم باشا ، وقد وزعت بين المكتبة الأزهرية ووزارة المعارف في أغسطس سنة ١٩١٢ ، وخص المكتبة الأزهرية منها نحو ٢٨٥٧ مجلدا ، ويظهر من فنونها : القراءات والحديث والتصوف والطب والفلك والتاريخ ، وبها كتب في بعض الفنون باللغات التركية والفارسية ، وكثير من كتبها بخطوط جيدة موشاة بالذهب.

٣ ـ مكتبة الشيخ عبد القادر الرافعي المفتي المتوفى سنة ١٣٢٣ ه‍ وقد وقفت بخزائنها الخاصة بها على الأزهر في مارس سنة ١٩٢٧ م ووضعت في حجرة خاصة بها ، وعدد مجلداتها ١٤٥٧ مجلدا ، وهي أغنى المكتبات الخاصة بفن الفقه الحنفي ، وبها مخطوطات في هذا الفن يقال إنها من النوادر العالمية كشرح السندى على الدر المختار.

٤ ـ مكتبة المغفور له الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية المتوفى سنة ١٩٣٥ م وقد وقفها في حياته بخزائنها الجميلة ، ونفذ ورثته رغبته سنة ١٩٣٨ م ، وعدد مجلداتها ٣٣٦٥ مجلدا في فنون مختلفة يغلب فيها الفقه على مذهب أبي حنيفة.

٥ ـ مكتبة المغفور له الشيخ الامبابي شيخ الجامع الأزهر المتوفى

٢٦٣

سنة ١٣١٣ ه‍ ، وقفها على طلبة العلم ، وجعل مقرها منزله بالظاهر ، وجعل لها مغيرا بمرتب مما وقفه من ماله على جهات البر ، وقد خشيت عليها وزارة الأوقاف فأهدتها إلى المكتبة الأزهرية سنة ١٩٤١ م ، وعدد مجلداتها ١٤٥٢ مجلدا ، وبها مخطوطات نادرة في الفقه الشافعي.

٦ ـ مكتبة يسيم أغا ، كانت برواق الجبرت ، ورغب في نقلها إلى المكتبة الأزهرية بخزائنها ، فتمت رغبته سنة ١٩٢٥ ، وبها نحو ألف مجلد في مختلف الفنون

٧ ـ مكتبة الشيخ العروسي شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة ١٢٩٣ ه‍ ، وقد أهداها ورثته إلى المكتبة الأزهرية سنة ١٩٣٨ م ، وعدد مجلداتها ٨١٨ مجلدا. وكتبها كلها تقريبا بخطوط قديمة وحديثة ، وبها نوادر في النحو والتاريخ.

٨ ـ مكتبة الشيخ إبراهيم السقا وأخيه الشيخ عبد العظيم السقا ، أهديت إلى المكتبة الأزهرية سنة ١٩٢٧ م وعدد مجلداتها ٥٩٠ مجلدا ، وبها نوادر من الكتب الخطية.

٩ ـ مكتبة إبراهيم بك حفظي ، وقد أهديت إلى المكتبة الأزهرية سنة ١٩٢٢ م ، وعدد مجلداتها الآن نحو ٣٩٢ مجلدا ، وهي في نمو مستمر وتجدد دائم ، فقد وقف عليها مهديها مبلغا سنويا خصص نصفه لشراء كتب برسمها ونصفه للمغيرين بها.

١٠ ـ مكتبة المغفور له الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة ١٩٢٥ م ؛ وبها كتب كثيرة في فنون مختلفة ، أهداها إلى المكتبة الأزهرية عقب إنشائها لتكون نواة للمكتبة ، وليحرك بها همم أهل الخير إلى تعضيد مشروعها.

١١ ـ مكتبة الشيخ الجوهري ، وقد أهديت إلى المكتبة سنة ١٩٢٨ م ، وعدد مجلداتها ٣٤١ مجلدا.

٢٦٤

١٢ ـ مكتبة المرحوم الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام المتوفى سنة ١٩٤٣ ، أهداها ورثته إلى المكتبة إثر وفاته ، وبها نحو ألف مجلد.

وبالمكتبة الأزهرية مكتبات أخرى كمكتبة رضوان باشا ومختار باشا وثابت باشا ورشيد باشا وبعض مكتبة مدرسة القضاء وبعض مكتبة زكي باشا ومكتبة رواق الصعايدة.

ومما تختص به المكتبة الأزهرية كثرة المخطوطات بالنسبة إلى مجموع كتبها ، وقد بلغت المخطوطات إلى سنة ١٩٤٣ م ٢٤٠٠٠ مجلد تقريبا.

٢٦٥
٢٦٦

رفاعة الطهطاوي الأزهري

رائد الفكر الحديث في مصر

هو أحد زعماء نهضتنا العربية الحديثة الذي فتح أمامنا آفاقا واسعة للمعرفة .. وعلى يديه تكونت نواة الطبقة المثقفة المصرية الصحيحة التي حملت لواء التجديد .. وهو ابن نابه من سلالة أرض الكنانة تفخر الأمة به .. رفاعة رافع الطهطاوي أحد العباقرة الذين سيخلدهم تاريخ مصر الحديثة.

رجل جاد به الزمان حين شح الزمان بالرجال وجاد هو على الزمان حين شح الرجال بالأعمال استطاع أن يجمع بين حضارة الغرب المتقدمة ومفاخر حضارة العرب القديمة ، ولذلك عنى باحياء التراث القديم مثلما عنى بترجمة مآثر الغرب تحقيقا للنهضة الفكرية ودفعا لحركة البعث الجديد .. وكما كان الطهطاوي مترجما مبدعا في اختيار موتنا وله ـ وليس مجرد ناقل ـ كان أيضا موسوعيا في كتاباته المختلفة وليس مجرد رحالة ، كما كان عالما مؤرخا يستند إلى الوقائع ويرجع إلى الكشوف الأثرية ، خاصة وأنه من رواد المؤرخين المصريين الذين عرفوا تاريخ مصر القديم وأعنوا بأمجاد هذا التاريخ. عنى بالكشف عن هذه الحقبة الحضارية الأصيلة في تاريخنا ، فأرخ أيضا للدعوة الإسلامية والفتح العربي الإسلامي في كتابه الذي صدر بعد عام واحد من وفاته بعنوان ـ نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز ولعل من الجوانب المجهولة في حياة رفاعة هو اهتمامه بحقوق المرأة ، وقد كتب

٢٦٧

في ذلك كتابا شهيرا أسماه : ـ المرشد الأمين في تربية البنات والبنين ـ

تبدأ السيرة العطرة للمصري الفذ رفاعة الطهطاوي في صعيد مصر ، حينما ولد في طنطا عام ١٨٠١ في أسرة متواضعة الحال ، وجاء إلى القاهرة صغيرا ليتخرج في الجامع الأزهر وينتهز فرصة تعيينه اماما لأول بعثة تعليمية أرسلتها مصر إلى فرنسا فيتعلم الفرنسية ويتقنها ، وبعد عودته يعمل مترجما في المدارس الفنية التي أنشأها محمد علي قبل أن يعين مديرا لمدرسة الترجمة وإلى تغير اسمها لمدرسة الألسن فيما بعد ، والمؤرخ لتاريخ الصحافة العربية يضع رفاعة وأعماله الصحفية في الصدارة .. فالرجل وجد في الصحافة منبرا شعبيا وسلطة كبيرة لها خطرها كما لمس حوادث الثورة الفرنسية عام ١٨٢٠ الأمر الذي جعله يأخذ على عاتقه مهمة التجديد في الصحافة التي لم تكن وقتئذ سوى نشرات رسمية ، وحينما صدرت جريدة ـ الوقائع الرسمية ـ ظل رفاعة مشرفا عليها لمدة ثماني سنوات في الفترة من عام ١٨٤٢ حتى عام ١٨٥٠ بعد أن كلفه محمد علي بالإشراف على القسم الأدبي فيها ، خاصة وأن جزءا كبيرا منها كان يحرر بالتركية ، وبعد الوقائع نولى رئاسة تحرير مجلة ـ روضة المدارس ـ عام ١٨٧٠ .. وكانت لرفاعة الطهطاوي نظرات في السياسة مثلما كانت له نظرات في التربية والاجتماع ، وآراؤه السياسية موزعة بين كتبه العديدة : ـ تخليص الابريز ، والمرشد الأمين ، وأنوار الجليل ، ومناهج الألباب المصرية وغيرها وكان فيها جميعا متأثرا بالعلوم السياسية الفرنسية وليس أدل على ذلك من ترجمته للديوان الفرنسي .. ولم يعش الطهطاوي ليرى بنفسه ثمرات جهوده في بناء الوعي السياسي في مصر فرحل عام ١٨٧٣ بعد أن سجل إسمه في مقدمة قادة نهضة مصر الحديثة في القرن ١٩.

٢٦٨

العيد الألفى للأزهر

احتفل الأزهر بعيده الألفي عام ١٤٠٠٣ ه‍ ـ ١٩٨٣ إحتفالا كبيرا شهده الرئيس حسني مبارك. وبدأ الأزهر الشريف احتفالات مرور ألف سنة على انشائه. يشارك العالم الإسلامي في الاحتفالات التي تأخرت ١٠ سنوات عن موعدها الأساسي. تقرر ان تحتفل الهيئات الإسلامية والوزارات والمؤسسات الشعبية والحكومية في الاحتفالات التي تعم مصر تقديرا لدور الأزهر.

كما تنظم وزارة الأوقاف حلقات في المساجد حول هذه الذكرى وكذلك الجامعات في مصر والخارج. وعددا من المنظمات العالمية في أوروبا وآسيا وأمريكا ستحتفل بذكرى مرور ألف سنة على الأزهر الشريف. ينتظر أن تستمر الاحتفالات الرسمية أكثر من شهر وعلى مدى السنة الهجرية الحالية بما يحفظ للذكرى جلالها.

وكان الأزهر مثابة العلماء والطلاب من أنحاء العالم الاسلامي. كما كان معقل الوطنية وموكل الأحرار .. لقد قاد الأزهر ثورتين كبيرتين تعدان من أسبق الثورات الدستورية العالمية ومن أعلم معالم الحركة الوطنية .. الثورة الأولى كانت بقيادة الإمام أحمد الدردير. والثانية بقيادة شيخ الأزهر الشيخ عبد الله الشرقاوي في اواخر القرن الثامن عشر الميلادي ..

٢٦٩

أما الثورة الاولى فكانت في ربيع الأول من عام ١٢٠٠ هجرية ـ يناير عام ١٧٨٦. كان سببها ان محافظ القاهرة آنذاك وهو احد المماليك واسمه حسين بك بشفت كان بعث بجنوده فنهبوا دار رجل من الشعب اسمه أحمد سالم الجزار نائب طريقة الشيخ البيومي الصوفي بالحسينية. فثارت ثائرة أهالي الحي وتوجهوا إلى الشيخ الدردير الذي أعلن أنه سيخرج مع الجماهير من كل أنحاء القاهرة لينهب بيوت المماليك كما نهبوا بيوت الشعب .. وأمر الشيخ بدق الطبول على المنارات إيذانا بالاستعداد.

وأصبحت القاهرة على أبواب ثورة شعبية .. وأصبح المماليك يحيط بهم الرعب. وبلغ ذلك إبراهيم بك والي مصر. فأرسل نائبه في الحكم. ومعه أحد الأمراء من المماليك إلى الإمام الدردير يعتذر له عما حدث ويعده بأن أبدى الامراء عن الناس وبرد كل ما نهب إلى صاحبه وقبل الشيخ الدردير ذلك وتم كل ما أراده .. وهكذا وضع هذا الإمام الجليل قاعدة دستورية فحواها «وجوب احترام الحاكم لادارة المحكومين».

وأما الثورة الثانية فقد حدثت بعد ذلك بتسع سنوات. في شهر ذي الحجة عام ١٢٠٩ هجرية ١٧٩٥ ميلادية. وكان بطلها هو الإمام الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر الشريف .. وسببها أن الفلاحين في قرية من قرى بلبيس ذهبوا إلى الشيخ الشرقاوي في الجامع الازهر وشكوا له من ظلم محمد بك الألفي ورجاله لهم ، ومن فرضهم على القرية اموالا لا طاقة لها بها.

وتأثر الشيخ الشرقاوي بما بلغه. وبلغ الشكوى الى كل من مراد بك وإبراهيم بك. ولكنهما لم يفعلا شيئا. فعقد مؤتمرا وطنيا في الأزهر حضره العلماء والطلاب والشعب. حيث استقر الرأي على مقاومة الأمراء بالقوة حتى يخضعوا لمطالب الشعب. وعندئذ أمر الامام الشرقاوي باغلاق أبواب الجامع الأزهر. كما أعلن الشعب بإعلان الإضراب العام وإغلاق الأسواق والمحلات.

٢٧٠

وفي اليوم التالي ركب الشيخ الشرقاوي ومعه العلماء وتبعتهم الجماهير. وسار الموكب إلى منزل الشيخ السادات وهو من كبار العلماء وكان منزله قريبا من قصر إبراهيم بك. فأفزعه مواكب الشعب الثائرة فبادر بإرسال رئيس ديوانه أيوب بك ليسأل العلماء عن مطالبهم وحاول التنصل من إجابة مطلب الشعب .. ولكن العلماء أصروا على موقفهم وتقاطرت الجماهير صوب الأزهر .. وبدأت ثورة وطنية عاصفة.

هال ابراهيم بك ما بلغه .. وأرسل إلى العلماء يعتذر .. وفي اليوم التالي توجه والي مصر العثماني إلى منزل إبراهيم بك واجتمع مع أمراء المماليك حيث أرسلوا إلى العلماء ليجتمعوا بهم. فحضر الإمام الشرقاوي والسيد عمر مكرم والشيخ السادات والشيخ البكري والشيخ الأمير .. وانتهى الاجتماع بالموافقة على مطالب الشعب التي قدموها وتتلخص في :

«عدم فرض أية ضريبة إلا إذا أقرها مندوبو الشعب. وينزل الحكام على مقتضى أحكام المحاكم. ولا تمتد يد أي سلطان الى أي فرد إلا بالحق» وتم تحرير وثيقة تتضمن هذه القرارات .. ورجع العلماء يحيط بهم موكب من الأهالي وبهم يهتفون «حسب ما رسمه ساداتنا العلماء بأن جميع المظالم والمكوس والحوادث لاغية من جميع الديار المصرية».

ويجمع أكثر المؤرخين على أن هذه الوثيقة كانت بمثابة اعلان حقوق الانسان سبقت بها مصر غيرها من الشعوب. وذلك قبل اعلان الثورة الفرنسية لميثاق حقوق الإنسان.

إحتفال الأزهر بعيده الألفي

ومن إحتفال الأزهر بعيده الألفي وأعلن فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر في كلمته أن رسالة الأزهر ليست من الرسالات المحلية بل رسالته تجاوزت توصيل المعرفة للفرد والجماعة إلى تنمية العلاقات بين الشعوب العربية والإسلامية باعتبارها أمة واحدة تجمعها أخوة الإسلام.

٢٧١

وقال فضيلته : لقد تبوأ الأزهر مكانته العالمية المتينة في دراسة علوم القرآن والسنة النبوية وشتى العلوم الاسلامية ، والحفاظ على اللغة العربية والقيادة الرشيدة الى العمل بأحكام الاسلام وتعاليمه ونظمه وقوانينه .. حتى أصبح له جامعة تضم ٣٥ كلية تخدم الإسلام والمسلمين ، ونمت معاهده فبلغت أكثر من ألف ومائة معهد. وأنه في كنف مصر يستقبل الأزهر أبناء المسلمين من كافة الشعوب والأقطار في أعداد متزايدة حتى بلغت بضعة آلاف يواصلون الدراسة في كافة مراحلها بالمعاهد والكليات.

وأشار فضيلة الدكتور محمد الطيب النجار رئيس جامعة الأزهر في كلمته الى الدور الديني والعلمي والوطني الذي قام به الأزهر في مختلف العصور حتى أصبح منارا للدين الاسلامي وأن رسالة الأزهر تنبثق من رسالات السماء. وأن دعوته تأتي من العبادات السليمة. وتنقية الاسلام من بعض المفاهيم الخاطئة.

وقال فضيلته : إذا ما أجتمع القول بالعمل لعلمائنا فيكونون بحق ورثة الانبياء .. وحتى يضطلع الأزهر برسالته على أكمل وجه فلابد له من العناية التامة من المسئولين .. والمزيد من العناية والرعاية والدعم المادي الكبير حتى يؤدي رسالته على أكمل وجه استجابة لمطالب المجتمع الإسلامي.

الأزهر والحكومة

وأشاد فضيلة الدكتور محمد السعدي فرهود وكيل الأزهر والأمين العام للجنة العليا للاحتفال بالعيد الألفي للأزهر بالجهود المبذولة لرفع شأن الأزهر والأزهريين والخطوات التي بذلتها الحكومة حتى يشهد جيلنا هذا الحدث التاريخي في حياة الأمة الإسلامية. وضرب الأمثلة لدعم هذا العمل.

وألقى فضيلة الدكتور الحسيني هاشم الأمين العام لمجمع البحوث الاسلامية قال فيها : إن الأزهر الشريف قد فتح أبوابه منذ القدم ، وتلاقت

٢٧٢

في رحابه جميع الأجناس وألوان المسلمين ينهلون من علمه فأصبح الأزهر المعمور بطلابه وعلمائه الذين يسعون في الارض لنشر الدين الحنيف.

كلمة الوفود

وألقى كلمة الوفود لحضور احتفالات العيد الألفي للأزهر فخامة الرئيس مأمون عبد القيوم رئيس جمهورية مالاديف. ووجه التهنئة باسم جميع الشعوب الإسلامية إلى الأزهر الشريف في احتفاله بالعيد الألفي .. وأشاد بالعلاقات الطيبة التي تربط مصر بدول العالم العربي والإسلامي بصفة عامة وبجمهورية مالاديف بصفة خاصة.

وقام الرئيس حسنى مبارك أمس خلال المؤتمر لعلماء المسلمين الذي عقده مجمع البحوث الإسلامية احتفالا بالعيد الألفي للأزهر بتوزيع الأوسمة على بعض علماء الأزهر. فقد سلم الرئيس وشاح النيل إلى فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق. وسلم الرئيس وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى إلى أصحاب الفضيلة الشيوخ إبراهيم الدسوقي وأحمد حسن الباقوري ومحمد متولي الشعراوي وزكريا البري ومحمد السعدي فرهود وحسنين محمد مخلوف ومصطفى محمد الطير وعطيه محمد صقر وأحمد فتحي الزيات وعبد اللطيف خليف وأحمد محمد عمر وعبد الرحمن الكردي والحسيني هاشم وعبد الحكيم حسن نعناع وحامد عبد الحميد جامع.

منح الرئيس حسني مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولى الى كل اسم المرحوم أصحاب الفضيلة الشيوخ حسون عبد الله النواوي وسليم أبو فرهاد البشري ومحمد أبو الفضل الجيزاوي ومحمد مصطفى محمد المراغي ومحمد الأحمدي إبراهيم الظواهري ومصطفى حسن أحمد عبد الرازق ومحمد مأمون سيد أحمد الشناوي وعبد المجيد سليم وابراهيم ابراهيم حمروش ومحمد الخضر حسين ـ من أصل تونسي ـ وعبد الرحمن سيد علي حسن ومحمود شلتوت وحسن مصطفى مأمون ومحمد محمد الفحام وعبد الحليم محمود علي.

٢٧٣

ومنح الرئيس حسنى مبارك نفس الوسام للدكتور عبد المنعم أحمد النمر واسم المرحوم الشيخ الدكتور محمد البهي والدكتور محمد حسين الذهبي والدكتور بدوي عبد اللطيف عوض والدكتور عوض الله حجازي وأسماء المرحومين الدكتور محمد حسن فايق والحسيني أحمد سلطان ودسوقي محمد العربي وسيد علي المرصفي وعبد الرحمن حسن عبد المنعم وعبد الرحمن محمد قراعه ومحمد أحمد عرفه ومحمد بخيت المسيري ومحمد الشافعي الظواهري ومحمد عبد اللطيف الفحام ومحمد عبد الله دراز ومحمود اسماعيل الديناري ويوسف أحمد نصر الدجوى.

ومنح الرئيس نفس الوسام للدكتور أحمد فهمي أبوسنة وأصحاب الفضيلة الشيوخ أحمد محمد هريدي وبدر متولي ، عبد الباسط وعلي حسن عبد القادر وعبد العزيز هويدي وسليمان حزين وصالح موسى شرف وعبد الحليم الجندي وعبد الله عبد الخالق المشد والدكتور محمد جمال الدين الفندي ومحمد خاطر الشيخ ومحمد شمس الدين ابراهيم ومحمد عبد الله ماضي والدكتور محمد مصطفى شلبي والدكتور محمد مهدي علام.

ومنح نفس الوسام لأعضاء مجمع البحوث الإسلامية من البلاد الشقيقة وهم : الدكتور إسحق موسى الحسيني ـ من فلسطين ـ والدكتور عبد الجليل حسن ـ من ماليزيا ـ والدكتور عبد الله تمام ـ من المغرب ـ وعلى عبد الرحمن الأمين ـ من السودان ـ والدكتور محمد الحبيب الشاذلي ـ من تونس ـ واللواء الركن محمود شيت خطاب ـ من العراق ـ والأستاذ وفيق القطان ـ من لبنان.

ومنح الرئيس حسني مبارك هذا الوسام الى أسماء المرحومين الشيوخ عيسى أحمد متولي ـ وهو من أصل فلسطيني ـ ومحمد أبو زهرة ومحمد أحمد فرج السنهوري ومحمد علي السايس ومحمد نور الحسن ـ وهو من أصل سوداني ـ والمهندس عبد السلام فهمي والشيخ ثابت أبو المعالي معالي عثمان واسم المرحومين الشيخ محمد عبد اللطيف دراز ومحمود أبو

٢٧٤

العيون ومنحه لكل من : الشيخ خلف السيد علي وعبد الجليل عبده شلبي واسم المرحوم محمود حب الله خير الله ومنحه للشيخ عبد الحميد عبد الحكيم الغفاري وعبد العزيز عبد الله عبيد وعبد الغنى عبد الله الراجحي ومحمد محمد أبو شهبة واسم المرحوم محمد علي سالم أبو الروس.

ومنح الرئيس نفس الوسام الى أصحاب الفضيلة الشيوخ سليمان حسن ربيع والشيخ عبد السلام أبو النجا ومحمد عبد المنعم خفاجي ومحمد نايل حمد ويوسف أبو العلا الجاشع ويوسف البيومي البسيوني واسم المرحومين الشيوخ إمام الخولي ويوسف أحمد عوض.

ومنح الرئيس نفس الوسام إلى الشيوخ محمد قناوي عبد الله ومحمد كامل الفقى وإبراهيم على أبو الخشب وعبد العظيم على الشناوي ومحمد رفعت فتح الله سليمان سيد أحمد دنيا وعبد الغني عبد الخالق.

والى أسماء المرحومين الشيوخ أحمد الشرباصي وعبد الحميد على قادوم وعبد المتعال الصعيدي ومحمد فتح الله بدران ومحمد محمد الاودين ومحمد يوسف موسى ومنحه الى الشيخ زكي إبراهيم سويلم واسم المرحوم الشيخ محمد حسن شبانة.

ومنحه إلى الشيوخ محمد عبد التواب محمد مرسى عامر وأسماء المرحومين الشيوخ محمد محمد التميري وعلي محمود.

٢٧٥

المدارس العلميّة والأدبية فى الأزهر الشريف

خلال الف عام

ـ ١ ـ

جامعة الجامعات ، وحارس الإسلام ، والداعية الأمين إلى دين الله ، طيلة ألف عام أو تزيد.

وحدث عن مجد الأزهر العلمي خلال تاريخه الطويل ولا حرج ، وعن مواكب العلم والعلماء فيه على امتداد عشرة قرون كاملة ، وعن حلقات العلم في أروقته الشم ، وعن طلابه وعلمائه الوافدين من قرى مصر ومن كل أنحاء البلاد الإسلامية ولا عجب .. فالحديث كله عطر وشذى ، وكله حقيقة وتاريخ.

الأزهر ، هذه الكلمة الجميلة ، المقدسة ، الطاهرة ، ما أجملها ، وما أكرمها وما أروعها .. إنها تاريخ أجيال ، وصمود أبطال ، ومواكب تاريخ ، وهي فلق الصباح ، ونور الشمس الباهر ، وضوء البدر المسفر ، واليقين كل اليقين بعظمة الإسلام وجلاله وخلوده. يقول الشاعر الكبير إبراهيم ناجي من رسالة أدبية له وجهها إلى الدكتور طه حسين (٩٢ من كتاب ناجي الشاعر لصالح جودت) :

«أرجو بحق الله عليك ألا تذكر الأزهر إلا بالخير ، أتعلم لم أحبة؟

٢٧٦

أحبه لتلك الحلقات التي تجعل العالم وتلاميذه في صعيد واحد ، فلا يعلو عليهم إلا بعلمه ؛ وعلى ذكر الأزهر لأجلسن في الحلقات ، وأتعلم الصبر على المكاره».

ويقول أمير الشعراء. أحمد شوقي : (١٨٦٩ ـ ١٩٣٢) :

يا معهدا أفنى القرون جداره

وطوى الليالي ركنه والأعصرا

إن الذي جعل العتيق مثابة

جعل الكناني المبارك كوثرا

أمضى الأزهر أحقابا طوالا في حراسة التراث ، إذ ظل بيت العلم والعلماء ، وموئل المفكرين والرواد ، ومجدد الثقافة الإسلامية الخالدة ، والنور الوهاّج الذي يضىء ولا يحرق ، والملاذ الذي تهوى إليه أفئدة المسلمين من كل صوب وحدب.

ومصر منذ القدم وطن الجامعات ، جامعة عين شمس القديمة ، وجامعة منف ، وجامعة الإسكندرية الأولى ، وفي الإسلام جامعة الفسطاط ، ثم جامعة الأزهر ، ودار الحكمة ؛ ثم جامعات مصر الحديثة.

وحين تحتفل مصر ، ويحتفل معها العالم الإسلامي بالعيد الألفي للأزهر نذكر كيف أصبح الأزهر منذ إنشائه قلعة الإسلام الثقافية وصرح اللغة العربية الحضاري ، ومعقل التراث الإسلامي العربي بكل ذخائره وفنونه وعلومه على امتداد الأجيال ... ولقد شيده الفاطميون في مطلع حكمهم لمصر ، بعد أن شيدوا مدينة القاهرة لتكون حاضرة دولتهم الكبيرة ، وقصدوا أن يكون الأزهر المنارة الثقافية والحضارية لمملكتهم الواسعة ..

ـ ٢ ـ

ويحدثنا التاريخ فيقول :

ـ وضع الحجر الأساسي يوم السبت لست بقين من جمادي الأولى

٢٧٧

عام ٢٥٩ ه‍ ـ ٩٧٠ م في رواية ، أو يوم السبت الرابع من رمضان في العام نفسه في رواية أخرى ؛ وكمل بناؤه لسبع خلون من رمضان عام (٣٦١ ه‍ ـ ٢٢ يونيو ٩٧٢ م).

ـ أختار المعز لدين الله عددا من كبار العلماء والفقهاء في عصره ليتولوا الوعظ والأرشاد في هذا البيت الكريم ، وكان عددهم ثلاثين ، وأجزل لهم العطاء ، وبنى لهم منازل فخمة ، ألحقت بالأزهر ، وصارت فيما بعد من أروقته.

ـ وفي صفر ٣٦٥ ه‍ / ٩٧٦ م جلس في الأزهر قاضى القضاة أبو الحسن على بن النعمان بن محمد ، يملي ويشرح مختصر أبيه في الفقه على مذهب آل البيت ؛ وعنوان هذا المختصر هو «الاقتصار» ، وكان جمعا كبيرا أثبت فيه أسماء الحاضرين من شهود هذا الجمع. وكان ذلك بمثابة افتتاح رسمي لحلقات التدريس في الأزهر الشريف.

وكان وزير المعز يعقوب بن كلس يجلس كل يوم جمعة في الأزهر ليدرس. مؤلّفه «الرسالة الوزيرية» في فقه آل البيت في حلقة خاصة به.

كما كان يجتمع فيه كل ثلاثاء بالفقهاء وجماعة المتكلمين وأهل الجدل ، وذلك منذ عام ٣٦٩ ه‍ / ٩٨٠ م وكان يرع إلى مجلسه القضاة والفقهاء والأدباء وأكابر القصر ، ورجالات الدولة والدعوة.

ـ وفي عام ٣٧٨ ه‍ ـ ٩٨٨ م استأذن هذا الوزير الخليفة العزيز بالله في أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للتدريس فيه ، وكان عددهم سبعة وثلاثين فقيها ، وقد رتب لهم العزيز أرزاقا وجرايات شهرية ، وأنشأ لهم دار اللسكني بجوار الجامع ، وخلع عليهم في يوم الفطر وكان عدد الطلبة خمسة وثلاثين طالبا ، كانوا كذلك موضع رعاية العزيز وتشجيعه .. وبذلك صار الجامع جامعة ، وأصبح قبلة العلماء والطلاب ، وأخذت حلقاته تنال شهرة عالمية .. وقامت المدارس الفكرية والعلمية والأدبية فيه.

٢٧٨

ـ ٣ ـ

والمدرسة الفقهية في الأزهر هي دعامة من أكبر دعاماته ، ففي العصر الفاطمي رأينا مدرسة فقه آل البيت يتصدرها القضاة من بني النعمان ، وأحيانا داعي الدعاة ، والمؤيد الشيرازي داعي الدعاة هو ممن كان يلقي محاضراته في الأزهر في عهد المستنصر الفاطمي (٤٢٧ ـ ٤٨٧ ه‍ : ١٠٣٦ ـ ١٠٩٤) ، وكان المؤيد شاعرا كبيرا ، وأدبيا موهوبا ، وله ديوان شعر ، ومن كتبه : المجالس المستنصرية نهج ـ الهداية ـ نهج العبادة ، وغيرها. وكان يناظر أبا العلاء المعري في بعض محاضراته.

فتحت أبواب الأزهر منذ إنشائه لكل مسلم ، وقصده الطلاب من مشارق الأرض ومغاربها. يتلقون العلم فيه ، وتجرى عليهم الأرزاق ، وتقيم كل جماعة منهم في مكان خاص بهم ، وهذا هو نظام الأروقة الذي بدأ ببداية الحلقات العلمية في الأزهر. ومن كتب فقه آل البيت التي كانت تدرس في الأزهر آنذاك : كتاب الاقتصار ـ الرسالة الوزيرية ـ دعائم الإسلام وغيرها. وفي مقدمة الأساتذة المدرسين فيه.

ـ بنو النعمان قضاة مصر ، ومنهم : أبو الحسن علي بن النعمان (ـ ٣٧٤ ه‍) أخوه أبو عبد الله محمد بن النعمان (٣٨٩ ه‍) ـ ابنه الحسن ابن علي بن النعمان قاضي الحاكم بأمر الله. وقد ظل فقه آل البيت يدرس حتى جاء الأيوبيون ، فمنعوا دراسة الفقه الاسماعيلي فيه.

ومن المرجح أن فقيه مصر ومؤرخها الكبير ، الحسن بن زولاق (ـ ٣٨٧) كان من الذين تولوا التدريس فيه ، فقد كان صديق المعز لدين الله ومؤرخ سيرته ، ثم صديق ولده العزيز من بعده ، فمن المعقول ان يكون من الذين اختيروا للتدريس فيه.

وفي العصر الفاطمي كان الأزهر مركزا ، ومقرا لمجالس القضاء ، ومركز الاحتفال الرسمي بالمولد النبوي الشريف ، وبيوم عاشوراء كذلك قبل إنشاء المشهد الحسيني عام ٥٤٩ ه‍.

٢٧٩

ومن أعلام الفكر في الأزهر في العصر الفاطمي : المسبحي الكاتب والمؤرخ المشهور (٣٦٦ ـ ٤٢٠ ه‍) ، وقد أخذ بقسط كبير من ثقافات عصره وعلومه.

ومن كتبه : أخبار مصر ، وكتب أخرى مفقودة. وقد نشأ وتعلم في الأزهر وأفاد من علمائه.

ومنهم كذلك أبو عبد الله القضاعي (٣٩٠ ـ ٤٥٤ ه‍) الذي كان من أقطاب العلماء ، وتولى منصب القضاء وغيره من مهام الدولة في عهد المستنصر وأوفده الخليفة سفيرا إلى قيصرة القسطنطينية عام ٤٤٧ ه‍ / ١٠٥٥ م للمفاوضة في عقد صلح بينهما. وله كتاب مفقود في تاريخ مصر بعنوان «المختار في ذكر الخطط والآثار». ومنهم الحافظ السلفي (٤٧٠ ـ ٥٧٦ ه‍).

وفي العصر الأيوبي عطلت صلاة الجمعة في الأزهر نحو مائة عام ، ولكن حلقات الدراسة بقيت مستمرة فيه ، وألغى درس الفقه الاسماعيلي ، ودرس فقه أهل السنة والمذاهب الفقهية الأخرى. وقام في حلقاته في هذا العصر وما بعده الآلاف من كبار الفقهاء والمفتين ، ونذكر منهم :

ـ شيخ الإسلام الحافظ المنذري (٥٨١ ـ ٦٦٠ ه‍).

شيخ الإسلام عز الدين عبد السلام (٥٧٧ ـ ٦٦٠ ه‍).

ـ قطب الدين القسطلاني (٦١٤ ـ ٦٦٦ ه‍).

شيخ الإسلام ابن دقيق العيد (٦٢٥ ـ ٧٠٢ ه‍).

ـ الإمام الزيلعى ٧٤٣ ه‍.

ـ الإمام تقي الدين بن السبكي (٦٨٣ ـ ٧٥٦ ه‍).

ـ الإمام البلقيني (٧٢٤ ـ ٨٠٥ ه‍) مجدد المائة الثامنة.

٢٨٠