إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١٠

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١٠

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٩

الكدر ومن المجاز كدر عينه وتكدر وخذ ما ضفا ودع ما كدر وكدر عليّ فلان وهو كدر الفؤاد عليّ قال :

وإني لمشتاق إلى ظل صاحب

يرق ويصفو إن كدرت عليه

وله كدس من الطعام وأكداس قال المتلمس :

لم تدر بصرى بما آليت من قسم

ولا دمشق إذا ديس الكداديس

أراد الأكداس وهو اسم جمع وكدس الطعام فتكدس ولا يخفى ما فيه من الثقل والجهد. وكدمه عضّه بأدنى الفم وحمار مكدّم معضض.

وإنه لذو كدنة وعبالة وهي غلظ وثقله ومنه الكودن وهو البرذون التركي.

وأكدى الحافر بلغ الكدية وهي صلابة الأرض فمنعته كقولهم أجبل الحافر ، ومن المجاز أكدى الرجل : أخفق ولم يظفر بحاجته وفلان مكد لا ينمى ماله ؛ إلى آخر ما جاء من هذه المادة.

(ثُبُوراً) الثبور الهلاك وفي المصباح : «وثبر الله الكافر ثبورا من باب قعد أهلكه وثبر هو ثبورا هلك يتعدى ولا يتعدى».

(يَحُورَ) يرجع ، قال الراغب : الحور التردد في الأمر ومنه نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه ومحاورة الكلام مراجعته ، والحور العود الذي تجري فيه البكرة لترددها عليه ، وفي المختار : «حار رجع وبابه قال ودخل» فالمصدر بوزن قول ودخول يقال حورا وحئورا ومحارا ومحارة. هذا وتأتي حار بمعنى صار فترفع الاسم وتنصب الخبر.

الإعراب :

(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) إذا ظرف لما يستقبل من

٤٢١

الزمن والسماء فاعل بفعل محذوف يفسّره ما بعده والتقدير إذا انشقّت السماء انشقت لأن إذا الشرطية يختص دخولها بالجمل الفعلية وما جاء من هذا ونحوه فمؤول محافظة على قاعدة الاختصاص وقد تقدم القول مفصلا فيه في سورة التكوير ، وجملة انشقت مفسّرة لا محل لها وجملة انشقت المحذوفة في محل جر بإضافة الظرف إليها وجواب إذا محذوف وإنما حذف تنبيها على أنه شيء لا يحيط به الوصف أو ليذهب المقدّر كل مذهب وقيل جوابها ما دلّ عليه فملاقيه أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه وقيل لا جواب لها إذ هي قد نصبت باذكر نصب المفعول به فليست شرطا ، والواو حرف عطف وأذنت فعل ماض ولربها متعلقان بأذنت أي استمعت له وحقّت فعل ماض مبني للمجهول ، واعلم أن الفاعل في هذا التركيب هو الله تعالى أي حقّ الله عليها ذلك أي سمعه وطاعته يقال هو حقيق بكذا وتحقق به والمعنى وحقّ لها أن تفعل ذلك فالفاعل إذن محذوف وهو الله تعالى والمفعول به هو سمعها وطاعتها وهو غير مذكور بل الإسناد في الآية إنما هو للسماء نفسها فيحتاج إلى تقدير والتقدير وحقّت هي أي حقّ سمعها وطاعتها أي حقّه الله تعالى عليها وأوجبه وألزمها به هذا هو الظاهر ، وأجاز البيضاوي أن يكون نائب الفاعل هو ضمير السماء المستكن في الفعل من غير تقدير ونص عبارته «وحقّت أي جعلت حقيقة بالاستماع والانقياد» (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) عطف على ما تقدم مماثل له في إعرابه (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) يا حرف نداء وأي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب والهاء للتنبيه والإنسان بدل وإن واسمها وكادح خبرها وإلى ربك متعلقان بكادح ، و «إلى» هنا معناها الغاية أي غاية كدحك في الخير والشر تنتهي بلقاء ربك وهو الموت ، وكدحا مفعول مطلق والفاء حرف عطف وملاقيه عطف على كادح ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوف أي فأنت ملاقيه

٤٢٢

فعلى الأول يكون من عطف المفرد على المفرد وعلى الثاني يكون من باب عطف الجمل (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) الفاء استئنافية وأما حرف شرط وتفصيل ومن اسم موصول مبتدأ وجملة أوتي صلة لا محل لها ونائب الفاعل مستتر يعود على من وكتابه مفعول به ثان وبيمينه متعلقان بأوتي (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) الفاء رابطة لجواب أما وسوف حرف استقبال ويحاسب فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو وحسابا مفعول مطلق ويسيرا نعت حسابا (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) الواو حرف عطف وينقلب فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره هو وإلى أهله متعلقان بينقلب ومسرورا حال وجملة سوف يحاسب خبر من (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) عطف على الجملة السابقة مماثل له في إعرابه ووراء ظهره منصوب بنزع الخافض أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره والفاء رابطة وجملة سوف يدعو ثبورا خبر من وثبورا مفعول يدعو أي ينادي هلاكه بقوله يا ثبوراه لأن نداء ما لا يعقل يراد به التمنّي فالدعاء بمعنى الطلب بالنداء (وَيَصْلى سَعِيراً) عطف على يدعو وسعيرا مفعول يصلّى (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) تعليل لما يلاقيه وإن واسمها وجملة كان خبرها وفي أهله حال ومسرورا خبر كان (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) تعليل ثان وإن واسمها وجملة ظن خبرها والظن هنا بمعنى العلم والتيقن وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولن حرف نفي ونصب واستقبال ويحور فعل مضارع منصوب بلن وجملة لن يحور خبر أن وأن وما في حيّزها سدّت مسدّ مفعولي ظن (بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) بلى حرف جواب لإيجاب ما بعد النفي وإن واسمها وجملة كان خبرها وبه متعلقان ببصيرا وبصيرا خبر كان وجملة إن وما في حيّزها جواب قسم مقدّر أو تعليل لما أفادته بلى من إيجاب لما بعد لن.

٤٢٣

البلاغة :

١ ـ في قوله «وأذنت لربها وحقّت» استعارة مكنيّة فقد شبّهت حال السماء في انقيادها لتأثير قدرة الله تعالى حيث أراد انشقاقها بانقياد المستمع المطواع للأمر ثم حذف المشبه به واستعير لفظ الإذن والاستماع المستعمل في غايته.

٢ ـ في قوله «وألقت ما فيها وتخلت» استعارة مكنية فقد شبّهت حال الأرض بحال المرأة الحامل تلقي ما في بطنها عند الشدّة والهول ثم حذف المشبه به واستعير لفظ الإلقاء.

(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥))

اللغة :

(الشفق) قال الزمخشري «الشفق الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء إلا ما يروى عن أبي حنيفة في إحدى الروايتين أنه

٤٢٤

البياض وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه. وسمي شفقا لرقته ومنه الشفقة على الإنسان وهي رقة القلب عليه» وقال الراغب : «الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس والإشفاق عناية مختلطة بخوف لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه فإذا عدّي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإذا عدّي بعلى فمعنى العناية فيه أظهر» وقال السمين : «والشفق شفقان : الشفق الأحمر والشفق الأبيض والشفق والشفقة اسمان للاشفاق» وقال أبو حيان : «الشفق الحمرة بعد مغيب الشمس حين تأتي صلاة العشاء الآخرة قيل أصله من رقة الشيء يقال شيء مشفق أي لا يتماسك لرقته ومنه أشفق عليه رقّ قلبه والشفقة الاسم من الشفاق وكذلك الشفق قال الشاعر :

تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا

والموت أكرم نزال على الحرم»

وعبارة القاموس : «الشفق محركة الحمرة في الأفق من الغروب إلى العشاء الآخرة أو إلى قربها أو إلى قريب العتمة» وهذا هو الصحيح ، ومنه قول الشاعر :

قم يا غلام أعنّي غير مرتبك

على الزمان بكأس حشوها شفق

(وَسَقَ) جمع وضم يقال وسقه فانشق واستوسق ونظيره في وقوع افتعل واستفعل مطاوعين اتسع واستوسع وفي القاموس : «وسقه يسقه من باب ضرب جمعه وحمله ومنه والليل وما وسق».

(اتَّسَقَ) اجتمع واستوى ليلة أربع عشرة ، قال الفراء «وهو امتلاؤه واستواؤه ليالي البدر» وهو افتعل من الوسق وهو الضم والجمع كما تقدم وأمر فلان متسق أي مجتمع على ما يسر.

٤٢٥

الإعراب :

(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) الفاء الفصيحة لأنها في جواب شرط مقدم أي إذا عرفت هذا أو إذا تحققت الرجوع بالبعث فلا أقسم وقد تقدم القول في لا أقسم فجدّد به عهدا ، وبالشفق متعلقان بأقسم والليل عطف على الشفق والواو حرف عطف وما يجوز أن تكون موصولة اسمية ويجوز أن تكون نكرة موصوفة ويجوز أن تكون مصدرية وعلى كونها موصولة أو نكرة موصوفة فعائد الصلة أو الصفة محذوف أي وسقه أي جمعه والمعنى ضم ما كان ساربا بالنهار من أصناف الخلق وأنواع الكائنات لأن كل شيء منها في الليل يعود إلى مأواه ، والقمر عطف أيضا وإذا ظرف خال من معنى الشرط متعلق بفعل القسم أي وقت اتّساقه واستوائه واللام جواب القسم وتركبن فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال لأنه من الأفعال الخمسة والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل والنون نون التوكيد الثقيلة وطبقا حال أو مفعول به وعن طبق أي أمة من الناس صفة لطبقا أي طبقا مجاوزا الطبق وعلى كون طبقا مفعولا به يكون على حذف مضاف أي لتركبن سنن أو طريقة طبقة بعد طبق ، وعبارة الزمخشري : «فإن قلت ما محل عن طبق؟ قلت : النصب على أنه صفة لطبقا أي طبقا مجاوزا لطبق أو حال من الضمير في لتركبن أي لتركبن طبقا مجاوزين لطبق أو مجاوزا أو مجاوزة على حسب القراءة» وقال الزمخشري أيضا : «قرىء لتركبن على خطاب الإنسان في يا أيها الإنسان ولتركبن بالضم على خطاب الجنس لأن النداء للجنس ولتركبن بالكسر على خطاب النفس وليركبن بالياء على ليركبن الإنسان والطبق : ما طابق غيره يقال : ما هذا بطبق لذا أي لا يطابقه ومنه قيل للغطاء الطبق وإطباق الثرى ما تطابق منه ثم قيل للحال

٤٢٦

المطابقة لغيرها طبق ومنه قوله عزّ وجلّ : طبقا عن طبق ، أي حالا بعد حال كل واحدة مطابقة لأختها في الشدّة والهول ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة من قولهم هو على طبقات ومنه طبق الظهر لفقاره الواحدة طبقة على معنى لتركبنّ أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدّة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها» قلت ومن ورود الطبق بمعنى الأمة قول العباس بن عبد المطلب في رسول الله صلّى الله عليه وسلم :

وأنت لما ولدت أشرقت الأر

ض وضاءت بنورك الأفق

تنقل من صالب إلى رحم

إذا مضى عالم بدا طبق

(فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) الفاء الفصيحة وما اسم استفهام مبتدأ ولهم خبر وجملة لا يؤمنون حال (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) الجملة معطوفة على الجملة الحالية السابقة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة قرىء في محل جر بإضافة الظرف إليها والقرآن نائب فاعل وجملة لا يسجدون لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) حرف إضراب انتقالي والذين مبتدأ وجملة كفروا لا محل لها لأنها صلة الذين وجملة يكذبون خبر الذين (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) الواو حرف عطف والله مبتدأ واعلم خبره وبما متعلقان بأعلم وجملة يوعون لا محل لها لأنها صلة ما أي يضمرون في قلوبهم من التكذيب (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وبعذاب متعلقان ببشرهم وأليم نعت (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) إلا حرف استثناء والاستثناء منقطع فهو بمعنى لكن والذين مبتدأ وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على الصلة داخل في حيّزها ولهم خبر مقدّم وأجر مبتدأ مؤخر وغير ممنون نعت أي غير مقطوع ولا منقوص والجملة الاسمية خبر الذين ،

٤٢٧

هذا ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا فيكون الذين مستثنى.

البلاغة :

في قوله «والليل وما وسق والقمر إذا اتسق» فن الالتزام أو لزوم ما لا يلزم ، ومنهم من يسمّيه الاعنات وقد تقدمت الإشارة إليه ؛ وهو أن يلتزم الشاعر في شعره والناثر في نثره حرفا أو حرفين فصاعدا قبل حرف الروي على قدر طاقته مشروطا بعدم الكلفة ، وقلنا أن لأبي العلاء المعري ديوانا التزم فيه ما لا يلزم. أما في الآية فقد التزمت النون قبل القاف.

٤٢٨

سورة البروج

مكيّة وآياتها ثنتان وعشرون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩))

اللغة :

(الْبُرُوجِ) جمع برج وهو في الأصل الركن والحصن والقصر وكل بناء مرتفع على شكل مستدير أو مربع يكون منفردا أو قسما من بناية عظيمة والبرج أيضا أحد بروج السماء وهي حسب تعبير اللغويين اثنا عشر : الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ، وأصل التركيب للظهور

٤٢٩

يعني أن أصل معنى البرج الأمر الظاهر من التبرّج ثم صار حقيقة في العرف للقصر العالي لظهوره ويقال لما ارتفع من سور المدينة برج أيضا.

(الْأُخْدُودِ) مفرد وجمعه أخاديد والخد بفتح الخاء بمعنى الأخدود وجمعه خدود وهو الشق في الأرض أو حفرة مستطيلة فيها ويجمع على أخاديد ، والأخاديد أيضا : آثار الضرب بالسوط ومنه أخاديد الأرشية في البئر وهي تأثير جرّها فيه. ويقال للشيخ : قد تخدّد ويراد قد تشنج جلده.

الإعراب :

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) الواو حرف قسم وجر والسماء مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أقسم وذات البروج نعت للسماء واليوم الموعود عطف على السماء أو قسم برأسه والمراد به يوم القيامة وقيل غير ذلك وارجع إلى المطولات ، وشاهد ومشهود عطف أيضا والمراد به محمد صلّى الله عليه وسلم وقيل غير ذلك أيضا وجواب القسم محذوف واختلف فيه فقيل دلّ عليه قوله قتل أصحاب الأخدود كأنه قيل أقسم بهذه الأشياء أنهم ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود وقيل محذوف صدره والتقدير لقد قتل وإنما احتيج لهذا الحذف لأن المشهور عند النحاة أن الماضي المثبت المتصرّف الذي لم يتقدم معموله إذا وقع جوابا للقسم تلزمه اللام وقد لا يجوز الاقتصار على أحدهما إلا عند طول الكلام والتقدير لقد قتل فالجملة على ذلك خبرية لا دعائية (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) قتل فعل ماض مبني للمجهول وأصحاب الأخدود نائب فاعل والنار بدل اشتمال من الأخدود لأن الأخدود مشتمل على النار

٤٣٠

ولا بدّ من تقدير ضمير بدل الاشتمال والتقدير النار فيه وذات الوقود نعت للنار وقد اختلف في الرابط لأنهم اشترطوا في بدل الاشتمال أن يتصل بضمير يرجع إلى المبدل منه كما اشترطوا ذلك في بدل البعض من الكل ليربط البعض بكله فقيل الرابط محذوف متصل بغير البدل أي النار فيه وهو قول البصريين وقيل لا تقدير والأصل ناره ثم نابت أل عن الضمير وهو قول الكوفيين (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بقتل أي لعنوا حين أحرقوا بالنار قاعدين عليها في مكان مشرف عليها من حافات الأخدود ، وهم مبتدأ وعليها متعلق بقعود وقعود جمع قاعد خبر هم والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها وهم مبتدأ وعلى ما يفعلون متعلقان بشهود وشهود خبرهم أي يشهدون بما فعلوا بالمؤمنين يوم القيامة وقيل على بمعنى مع وشهود بمعنى حضور والمعنى وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من العذاب حضور لا يرقون لهم لقسوة قلوبهم وهذا التقدير أكثر ملاءمة لنظم القرآن وقد جرى عليه أبو نواس فقال :

أنت على ما بك من قدرة

فلست مثل الفضل بالواجد

وعندئذ تكون في محل نصب على الحال أي حال فعلهم بالمؤمنين (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) الواو عاطفة أو حالية وما نافية ونقموا فعل ماض وفاعل ومنهم متعلقان بنقموا وإلا أداة حصر وأن يؤمنوا مصدر مؤول في محل نصب مفعول نقموا أي ما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان ، وسيأتي مزيد بسط لهذا المعنى في باب البلاغة ، وعبروا بالمستقبل بقوله يؤمنوا مع أن الإيمان وجد منهم في الماضي لأن تعذيبهم إياهم وإنكارهم عليهم ليس للإيمان الماضي وإنما لديمومته متمكنا فيهم مركوزا في صدورهم فكأنه قيل إلا استمرارهم على إيمانهم. وبالله متعلقان بيؤمنون والعزيز الحميد صفتان

٤٣١

لله ؛ ذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يعبد وأن يؤمن به كل مخلوق ومنها العزّة والأنعام الذي يستحق عليه الحمد (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الذي نعت ثالث وله خبر مقدّم وملك السموات والأرض مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية لا محل لها لأنها صلة والله مبتدأ وشهيد خبره وعلى كل شيء متعلقان بشهيد.

البلاغة :

في قوله : «وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد» فن توكيد المدح بما يشبه الذم ، وقد تقدمت الإشارة إليه في المائدة ؛ وهو أن يستثني من صفة ذم منفية صفة مدح أو أن يثبت لشيء صفة مدح ويؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى ، ومن الأول بيت النابغة في مديح الغسانيين :

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قرع الكتائب

وقول ابن الرقيات وقد اقتبس لفظ القرآن ورمق سماء بلاغته :

ما نقموا من أمية إلا

أنهم يحملون إن غضبوا

ومنه قول ابن نباتة المصري :

ولا عيب فيه غير أني قصدته

فأنستني الأيام أهلا وموطنا

وقول المعرّي :

تعدّ ذنوبي عند قوم كثيرة

ولا ذنب لي إلا العلا والفضائل

وأما الثاني فقليل في الشعر ومنه قول بعضهم :

ما فيك من الجمال سوى

أنك من أقبح القبيحات

٤٣٢

(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢))

اللغة :

(فَتَنُوا) عذبوا والمراد هنا حرقوهم بالنار ، يقال فتنت الشيء إذا حرقته بالنار والعرب تقول : فتن فلان الدينار إذا أدخله الكور لينظر جودته وفي المختار : «الفتنة الاختبار والامتحان تقول : فتن الذهب يفتنه بالكسر فتنة ومفتونا أيضا إذا أدخله النار لينظر جودته ودينار مفتون ، قال الله تعالى : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أي حرقوهم ويسمّى الصائغ الفتّان وكذا الشيطان وقال الخليل : الفتن الإحراق قال الله تعالى : يوم هم على النار يفتنون» وعبارة القاموس : «الفتن بالفتح الفن والحال ومنه العيش فتنان أي لونان حلو ومر ، والإحراق ومنه «على النار

٤٣٣

يفتنون» والفتنة بالكسر الخبرة كالمفتون ومنه بأيّكم المفتون وإعجابك بالشيء ، وفتنه يفتنه فتنا وفتونا وأفتنه ، والضلال والإثم والكفر والفضيحة والعذاب وإذابة الذهب والفضة والإضلال والجنون والمحنة والمال والأولاد واختلاف الناس في الآراء ، وفتنه يفتنه أوقعه في الفتنة كفتّنه وأفتنه فهو مفتن ومفتون ووقع فيها لازم ومتعدّ كافتتن فيهما وإلى النساء فتونا وفتن إليهنّ بالضم أراد الفجور بهنّ وكأمير الأرض الحرّة السوداء والجمع ككتب والفتان اللص والشيطان كالفاتن والصائع والفتانان الدرهم والدينار ومنكر ونكير والفتين النجار وفاتون خباز فرعون قتيل موسى والفتنان الغدوة والعشيّ والفتان ككتاب غشاء للرحل من أدم وكصاحب وزبير اسمان والمفتون المجنون» قال شارحه : «والمفتون المجنون وبه فسّر قوله تعالى : بأيّكم المفتون» وقال الجوهري : «الباء زائدة والمفتون الفتنة وهو مصدر كالمعقود والمجلود والمخلوف». قال ابن برّي : «إذا كانت الباء زائدة فالمفتون الإنسان وليس بمصدر فإن جعلت غير زائدة فالمفتون مصدر» وإنما نقلنا المادة كلها لننفي وهما تورط به الشيخ الجمل في حاشيته على الجلالين إذا قال : «وفي القاموس : إن فتن بهذا المعنى من باب كتب فعلى هذا يكون له بابان» ومن مطالعة ما كتبناه ونقلناه عن القاموس يتضح هذا الوهم.

الإعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) كلام مستأنف مسوق لذكر وعيد المجرمين أولا ثم يردفه بذكر ما أعد للمؤمنين. وإن حرف مشبّه بالفعل والذين اسمها وجملة فتنوا صلة الذين لا محل لها والمؤمنين مفعول به والمؤمنات عطف على المؤمنين وثم حرف عطف للترتيب مع التراخي

٤٣٤

ولم حرف نفي وقلب وجزم ويتوبوا فعل مضارع مجزوم بلم والجملة عطف على فتنوا وإنما استعمل ثم لأن التوبة مقبولة مهما يتراخ بها الزمن ويمتد ، فلهم : الفاء رابطة لشرط مقدّر مفهوم من المبتدأ ولهم خبر مقدّم وعذاب جهنم مبتدأ مؤخر ولهم خبر مقدّم وعذاب الحريق مبتدأ مؤخر وجملة فلهم عذاب جهنم خبر إن الذين فتنوا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) كلام مستأنف كما تقدم مسوق لذكر ما أعدّ للمؤمنين ، وإن واسمها وجملة آمنوا صلة الذين وجملة وعملوا الصالحات عطف على الصلة داخلة في حيّزها ولهم خبر مقدّم وجنات مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر إن الذين آمنوا وجملة تجري نعت لجنات ومن تحتها متعلقان بتجري والأنهار فاعل وذلك مبتدأ والفوز خبر والكبير نعت ، وتذكير الإشارة للتنبيه للمذكور من حيازتهم للجنة واستحقاقهم إيّاها ولام البعد جيء بها للإيذان بعلو درجته في الفضل (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) كلام مستأنف أيضا مسوق لتسلية النبي عمّا يكابده من كفّار قومه وإن أمرهم مغلول ، ومكرهم سيزول. وإن واسمها واللام المزحلقة وشديد خبرها (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) إن واسمها وهو مبتدأ وجملة يبدىء خبر هو والجملة خبر إن ويجوز أن يكون هو ضمير فصل وجملة يبدىء خبر إنه ويعيد عطف على يبدىء أي من كان قادرا على الإبداء والإيجاد قادر بحكم الطبع والبداهة على الإعادة (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) الواو عاطفة وهو مبتدأ والغفور وما بعده أخبار ، وبهذه الآية يستدل النحاة على تعدّد الخبر ، وسلك الزمخشري طريقا آخر فقال : «فعال خبر مبتدأ محذوف وإنما قيل فعال لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة» وقال الفرّاء : هو رفع على التكرير والاستئناف لأنه نكرة محضة (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ؟ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ؟ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) كلام مستأنف مسوق لتقرير بطشه تعالى وفيه تسلية لرسول الله

٤٣٥

صلّى الله عليه وسلم أي هل أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم وهل قيل هي بمعنى قد وقيل هي استفهام تقريري تعجبي وأتاك فعل ماض ومفعول به وحديث الجنود فاعل وفرعون وثمود بدل من الجنود على حذف مضاف لأنه أراد بفرعون إياه وآله وبل إضراب انتقالي للأشد والذين مبتدأ وفي تكذيب خبره وسيأتي مزيد من معناه في باب البلاغة (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) الواو عاطفة والله مبتدأ ومن ورائهم متعلقان بمحيط ومحيط خبر الله (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) بل إضراب انتقالي عن شدة كفرهم إلى وصف القرآن وهو مبتدأ وقرآن خبر ومجيد صفة أي يسبح وحده في البلاغة والبيان وفي لوح صفة ثانية ومحفوظ صفة للوح.

البلاغة :

١ ـ في قوله «إن بطش ربك لشديد» أورد الخبر الإنكاري وهو تأكيد الكلام وجوبا للمنكر ، وقد أكد الكلام بأن واللام.

٢ ـ وفي قوله «بل الذين كفروا في تكذيب» مجاز مرسل علاقته الحالية لأن التكذيب معنى من المعاني ولا يحلّ الإنسان فيه وإنما يحلّ في مكانه فاستعمال التكذيب في مكانه مجاز أطلق فيه الحال وأريد المحل فعلاقته الحالية وعدل عن يكذبون إلى جعلهم في التكذيب وأنه لشدته أحاط بهم إحاطة البحر بالغريق والسوار بالمعصم وفي الوقت نفسه جاء بالتكذيب نكرة للدلالة على تعظيمه وتهويل أمره.

الفوائد :

قد يتعدد خبر المبتدأ الواحد فيكون أكثر من واحد لأن الخبر كالنعت فيجوز تعدده ، وإلى ذلك أشار ابن مالك في الخلاصة قال :

٤٣٦

وأخبروا باثنين أو بأكثرا

عن واحد كهم سراة شعرا

ويطّرد ذلك في وجهين : أحدهما أن يتعدد لفظا لا معنى نحو الرمان حلو حامض لأن معنى الخبرين راجع إلى شيء واحد إذ معناهما مز فهما بمنزلة اسم واحد ، والثاني أن يتعدد لفظا ومعنى نحو زيد كاتب شاعر ، وضابط الأول أنه لا يجوز عطف أحد الخبرين على الآخر لأنهما بمثابة اسم واحد ، وضابط الثاني أنه يجوز أن يعطف الثاني على الأول وأن لا يعطف.

٤٣٧

سورة الطارق

مكيّة وآياتها سبع عشرة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧))

اللغة :

(وَالطَّارِقِ) أصله كل آت ليلا ومنه النجوم لطلوعها ليلا ومنه قول جرير :

٤٣٨

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا

وقت الزيارة فارجعي بسلام

وقد نقدته سكينة بنت الحسين إذ قالت لرواية جرير قبح الله صاحبك وقبح الله شعره وأي وقت أشهى من الطروق وهو اسم فاعل من طرق طرقا وطروقا إذا جاء ليلا والمراد به هنا النجم وإنما سمي طارقا لطلوعه ليلا وكل من آتاك ليلا فقد طرقك ولا يكون الطروق إلا بالليل ، قالت هند بنت عتبة :

نحن بنات طارق

نمشي على النمارق

تريد أن أبانا كالنجم في علوّه وشرفه وأصل الطرق الدق ومنه سمّيت المطرقة وإنما سمي قاصد الليل طارقا لاحتياجه إلى طرق الباب أي دقّه غالبا ثم اتسع به في كل ما ظهر بالليل كائنا ما كان ثم اتسع كل التوسع حتى أطلق على الآتي نهارا وفي المصباح : «طرقت الباب طرقا من باب قتل وطرقت الحديدة مددتها وطرقتها بالتثقيل مبالغة وطرق النجم طروقا من باب قعد طلع وكل ما أتى ليلا فقد طرق وهو طارق والمطرقة بالكسر ما يطرق به الحديد» أما ابن جنّي فقد منع أن يأتي الطروق نهارا قال : «وأما قول العامة : نعوذ بالله من طوارق الليل والنهار فغلط لأن الطروق لا يكون إلا بالليل والصواب أن يقال نعوذ بالله من طوارق الليل وجوارح النهار لأن العرب تقول طرقه إذا أتاه ليلا وجرحه إذا أتاه نهارا». وفي الصحاح : «الطارق : النجم الذي يقال له كوكب الصبح».

(الثَّاقِبُ) المضيء لثقبه الظلام ، قال أبو عبيدة : العرب تقول : أثقب نارك أي أضئها وقيل الثاقب العالي يقال ثقب الطائر إذا علا في الهواء وأسف إذا دنا من الأرض ودوّم إذا سكن جناحيه ليستقل وعبارة الأساس واللسان : ثقب الشيء بالمثقب وثقب القداح عينه ليخرج الماء

٤٣٩

النازل وثقّب اللّآل الدرّ ودرّ مثقّب وعنده در عذارى لم يثقّبن وثقبن البراقع لعيونهنّ قال المثقّب العبدي :

أرين محاسنا وكننّ أخرى

وثقبن الوصاوص للعيون

وبه سمي المثقب. ومن المجاز كوكب ثاقب ودرّيّ شديد الإضاءة والتلألؤ كأنه يثقب بالظلمة فينفذ فيها ويدرؤها ورجل ثاقب الرأي إذا كان جزلا نظارا وثقب الطائر إذا حلق كأنه يثقب السكّاك وثقّب الشيب في اللحية : أخذ في نواصيها وباب الجميع دخل.

(الصُّلْبِ) الشديد يقال هو صلب في دينه وراع صلب العصا إذا كان يعنّف الإبل وعظم في الظهر ذو فقار يمتد من الكاهل إلى العجب أو أسفل الظهر ويجمع على أصلاب وأصلب وصلبة وهو المراد هنا ويقال هو من صلب فلان أي من نسله وولده وفيه أربع لغات بضم الصاد وسكون اللام والصلب بفتحتين والصلب بضمتين وقد قرىء بها جميعا وثمة لغة رابعة وهي الصالب.

(وَالتَّرائِبِ) الترائب عظام الصدر حيث تكون القلادة ، وعن عكرمة الترائب ما بين ثديي المرأة وحكى الزجّاج أن الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدرة ، وفي الحديث «إن الولد يخلق من ماء الرجل يخرج من صلبه العظم والعصب ومن ماء المرأة يخرج من ترائبها اللحم والدم» ، وفي المختار : «والترائب جمع تريبة كصحيفة وصحائف» قال امرؤ القيس :

مهفهفة بيضاء غير مفاضة

ترائبها مصقولة كالسجنجل

يعني المرآة ويقال تريب بغير هاء ، وأنشد للمثقب العبدي :

ومن ذهب يلوح على تريب

كلون العاج ليس بذي غضون

٤٤٠