إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١٠

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ١٠

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٩

يرضى بها الذي يعيش فيها. (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) الجار والمجرور بدل من قوله في عيشة وعالية صفة أي مرتفعة المكان والدرجات (قُطُوفُها دانِيَةٌ) مبتدأ وخبر والجملة صفة ثانية لجنة والقطوف جمع قطف بكسر القاف بمعنى مفعول كالذبح بمعنى المذبوح وهو ما يقطفه القاطف من الثمار وأما القطف بفتح القاف فهو المصدر (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) الجملة مقول قول محذوف أي يقال لهم ذلك وهنيئا حال أي مهنئين وقال الزمخشري : «هنيئا أكلا وشربا هنيئا أو هنيتم هنيئا على المصدر» ولا يجوز ذلك إلا على تقدير الإضمار عند من يجيز ذلك أي أكلا هنيئا وشربا هنيئا وقد تقدم القول مفصلا في هنيئا ، وبما الباء حرف جر للسببية وما مصدرية أو موصولة والجار والمجرور متعلقان بهنيئا وجملة أسلفتم لا محل لها على كل حال وفي الأيام متعلقان بأسلفتم والخالية نعت للأيام (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) الجملة معطوفة على الجملة السابقة ، ويا حرف نداء والمنادى محذوف أو لمجرد التنبيه وليت حرف مشبّه بالفعل للتمنّي والنون للوقاية والياء اسمها وجملة لم أوت خبر وكتابيه مفعول به ثان والأول نائب الفاعل المستتر (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) الواو عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم وأدر فعل مضارع مجزوم بلم وما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وحسابيه خبرها والهاء للسكت والجملة سدّت مسدّ مفعولي أدر المعلقة عن العمل بالاستفهام ومعنى الاستفهام التعظيم والتهويل (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) الياء للنداء أو للتنبيه وقد تقدمت وليت واسمها والضمير يعود على الموتة في الدنيا وجملة كانت خبر ليت واسم كان ضمير مستتر يعود على الموتة والقاضية خبر كانت (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) ما نافية وأغنى فعل ماض وعنّي متعلقان بأغنى وماليه فاعل أغنى ومفعول أغنى محذوف للتعميم ، ولك أن تعرب ما استفهامية في محل نصب مفعول مطلق لأغنى فيكون الاستفهام للتوبيخ وبّخ نفسه أي أيّ

٢٠١

إغناء أغنى ما كان لي من اليسار في الدنيا الذي ضننت به على الفقراء ، وبعضهم يعربها مفعولا به مقدما لأغني أي أيّ شيء ، فيهمل المصدر والعودة إليه والأول أرجح ويجوز في ماليه أن تكون ما اسم موصول هي فاعل أغنى واللام حرف جر والياء في محل جر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول أي الذي ثبت واستقر لي والأول أرجح (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) هلك فعل ماض وعني متعلقان به وسلطانيه فاعل هلك والياء في محل جر بالإضافة والهاء للسكت (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) الجملة مقول قول مقدّر وجملة القول مستأنفة مسوقة للإجابة عن سؤال مقدّر كأنه قيل : وما يفعل به بعد هذا التحسّر الصادر عنه فقيل يقال خذوه ، وخذوه فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والهاء مفعول به ، فغلّوه عطف على خذوه والخطاب للزبانية الموكلين بالعذاب (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي والجحيم مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده وصلوه فعل أمر وفاعل ومفعول به (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وفي سلسلة متعلقان باسلكوه ولم تمنع الفاء من ذلك لأنه قدّم للاهتمام والتخصيص ، وذرعها مبتدأ وسبعون خبره وذراعا تمييز والفاء عاطفة أيضا واسلكوه فعل أمر وفاعل ومفعول به ، ثم إن كلمتي ثم والفاء الواقعتين في الجملة الأخيرة إن كانتا لعطف جملة فاسلكوه لزم اجتماع حرفي العطف على معطوف واحد فينبغي أن تكون كلمة ثم لعطف قول مضمر على ما أضمر قبل قوله خذوه أي قيل لخزنة جهنم خذوه فغلّوه ثم الجحيم صلّوه ثم قيل لهم في سلسلة إلخ وتكون الفاء لعطف المقول على المقول وثم لعطف القول على القول وعبارة الزمخشري : «ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين الغلّ والتصلية بالجحيم وما بينها وبين السلك في السلسلة لا على تراخي المدة» (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) الجملة تعليلة مسوقة لتعليل هذا العذاب

٢٠٢

الشديد الذي يلقاه وإن واسمها وجملة كان خبرها واسم كان مستتر يعود عليه وجملة لا يؤمن خبر كان وبالله متعلقان بيؤمن والعظيم نعت لله وعبارة الزمخشري «أنه تعليل على طريق الاستئناف وهو أبلغ كأنه قيل : ما له يعذب هذا العذاب الشديد فأجيب بذلك» (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) الواو عاطفة لتجمع بين الأمرين المستوبلين وهما الكفر والبخل وهما أقبح العقائد والرذائل ، ولا نافية ويحضّ فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره هو وعلى طعام المسكين متعلق بيحضّ (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) الفاء الفصيحة كأنه قيل إن شئت أن تعرف مصيره بعد الحالة الدينية التي ارتطم فيها فليس. وليس فعل ماض ناقص وله خبر مقدّم واليوم ظرف متعلق بمحذوف حال أو متعلق بما في الخبر من معنى الاستقرار وها للتنبيه وهنا اسم إشارة في محل نصب على الظرفية متعلق بما تعلق به اليوم أيضا وحميم اسم ليس ولا يصحّ أن يكون اليوم خبر ليس لأنه زمان والمخبر عنه جثة وحميم اسم ليس (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) الواو حرف عطف ولا نافية وطعام عطف على حميم وإلا أداة حصر ومن غسلين نعت لطعام فدخل الحصر على الصفة كقولك ليس عندي رجل إلا من بني تميم إذ المراد بالحميم الصديق فعلى هذا الصفة مختصة بالطعام أي ليس له صديق ينفعه ولا طعام إلا من كذا ، ونون غسلين وياؤه زائدتان وهو ما يجري من الجراح إذا غسلت ، ومن الغريب أن يجيز أبو البقاء جعل من غسلين صفة للحميم كأنه أراد به الشيء الذي يحم البدن من صديد النار على أنه عاد فذكر قوله «وقيل من الطعام والشراب لأن الجميع يطعم بدليل قوله ومن لم يطعمه فعلى هذا يكون قوله إلا من غسلين صفة لحميم ولطعام» وما أكثر ما للنقل من آفات (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) الجملة صفة لغسلين ولا نافية ويأكله فعل مضارع ومفعول به مقدم وإلا أداة حصر والخاطئون فاعل ليأكله.

٢٠٣

البلاغة :

في تقديم السلسلة على السلك نكتة بلاغية هامة وهي التخصيص وكذلك تقديم الجحيم على التصلية أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم ، وفي تخصيص الطول بسبعين ذراعا مبالغة في إرادة الوصف بالطول كما قال إن تستغفر لهم سبعين مرة يريد مرات كثيرة لأن السلسلة كلما طالت كان الإرهاق أشد والعذاب أمضّ. والعدد عند الجاحظ لا يحمل في القرآن معنى التحديد الكمّي ، إنما المقصود التعدّد والكثرة.

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢))

اللغة :

(تَقَوَّلَ) التقوّل : افتعال القول لأن فيه تكلفا من المفتعل ، وقال

٢٠٤

أبو حيان : «التقوّل : أن يقول الإنسان عن آخر إنه قال شيئا لم يقله».

(الْأَقاوِيلِ) جمع الجمع وهو أقوال كبيت وأبيات وأبابيت ، وقال الزمخشري وسمى الأقوال المتقولة أقاويل تصغيرا لها وتحقيرا كقولك الأعاجيب والأضاحيك كأنها جمع أفعولة من القول.

(الْوَتِينَ) عرق في القلب يجري منه الدم إلى العروق كلها ويجمع على وتن وأوتنة.

الإعراب :

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ) الفاء استئنافية ولا زائدة وقد تقدم الكلام في لا قبل القسم في قوله فلا أقسم بمواقع النجوم ، وأقسم فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا وبما متعلقان بأقسم وتبصرون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة وفي البيضاوي «فلا أقسم لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم أو فأقسم ولا مزيدة أو فلا رد لإنكارهم البعث وأقسم مستأنف» ويرد قول البيضاوي الأول أي جعلها نافية للقسم تعيين المقسم به بقوله بما تبصرون وما لا تبصرون (وَما لا تُبْصِرُونَ) عطف على ما تبصرون (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) إن واسمها واللام المزحلقة وقول رسول خبرها وكريم صفة لرسول والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم فهو المحلوف عليه والضمير يعود على القرآن أي قاله الرسول تبليغا عن الله (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) الواو عاطفة وما نافية حجازية وهو اسمها والباء حرف جر زائد وقول مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما الحجازية وشاعر مضاف إليه وقليلا صفة لمصدر محذوف فهو مفعول مطلق أو صفة لزمان محذوف فهو ظرف زمان أي تؤمنون إيمانا قليلا أو زمانا قليلا ، وما يحتمل أن تكون نافية فينتفي أيمانهم البتة ويحتمل أن تكون مصدرية

٢٠٥

والمتّصف بالقلّة هو الإيمان اللغوي ويكون المصدر المؤول في موضع رفع على الفاعلية بقليلا أي قليلا إيمانكم ويحتمل أن تكون زائدة مؤكدة ولعل هذا الوجه أصوب الوجوه لأنه المناسب لتأكيد القلّة والمعنى أنهم آمنوا بأشياء يسيرة مما أتى به النبي صلّى الله عليه وسلم من الخير كالصلة والعفاف وإنما آمنوا بهذه الأشياء لأنها جارية وفق طباعهم منسجمة مع مقتضيات مروءاتهم (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) عطف على الجملة السابقة مماثلة لها في إعرابها (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) خبر لمبتدأ محذوف أي هو تنزيل ومن رب العالمين متعلقان بتنزيل (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) الواو عاطفة ولو شرطية وتقوّل فعل ماض وفاعله يعود على النبي صلّى الله عليه وسلم وتأدب أبو حيان فقال أنه يعود على المتقوّل المضمر وليس عائدا على الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم لاستحالة وقوع ذلك منه قال أبو حيان «فنحن نمنع أن يكون ذلك على سبيل الفرض في حقه عليه الصلاة والسلام» وعلينا متعلقان بتقول وبعض الأقاويل نائب مفعول مطلق (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) اللام واقعة في جواب لو وأخذنا فعل وفاعل ومنه متعلقان بأخذنا وباليمين يجوز أن تكون الباء على أصلها غير مزيدة والمعنى لأخذناه بقوة منّا فالباء حالية والحال من الفاعل وتكون منه في حكم الزائدة ويجوز أن تكون الباء زائدة والمعنى لأخذنا منه يمينه (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي ولقطعنا عطف على لأخذنا ومنه متعلقان بقطعنا أو بمحذوف حال والوتين مفعول به (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) الفاء عاطفة وما نافية حجازية ومنكم حال لأنه كان في الأصل صفة لأحد فلما تقدم صار حالا ومن حرف جر زائد وأحد مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه اسم ما وعنه متعلقان بحاجزين وحاجزين خبر ما لأنه هو محطّ الفائدة وقال الحوفي والزمخشري حاجزين نعت لأحد على اللفظ وجمع على المعنى لأنه

٢٠٦

في معنى الجماعة يقع في النفي العام للواحد والجمع والمذكر والمؤنث وعلى هذا الإعراب يكون أحد مبتدأ والخبر منكم وقد ضعف أبو حيان هذا الإعراب قال : «ويضعف هذا القول لأن النفي يتسلط على الخبر وهو كينونته منكم فلا يتسلط على الحجز وإذا كان حاجزين خبرا تسلط النفي عليه وصار المعنى ما أحد منكم يحجزه عمّا يريد به من ذلك والضمير في عنه للقتل أي لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك ويدفعه عنه أو لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أي لا تقدرون أن تحجزوا عنه القاتل وتحولوا بينه وبينه والخطاب للناس» وعبارة الجلال «حاجزين مانعين خبر ما وجمع لأن أحدا في سياق النفي بمعنى الجمع وضمير عنه للنبي صلّى الله عليه وسلم أي لا مانع لنا عنه من حيث العقاب» وعبارة أبي البقاء : «من زائدة وأحد مبتدأ وفي الخبر وجهان أحدهما حاجزين وجمع على معنى أحد وجر على لفظ أحد وقيل هو منصوب بما ولم يعتد بمنكم فصلا وأما منكم على هذا فحال من أحد وقيل تبيين والثاني الخبر منكم وعن يتعلق بحاجزين» (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) الواو عاطفة والكلام معطوف على جواب القسم السابق فهو من جملة المقسم به وما بينهما اعتراض وإن واسمها والضمير يعود على القرآن واللام المزحلقة وتذكرة خبر وللمتقين متعلقان بتذكرة (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) عطف أيضا وإن واسمها واللام المزحلقة وجملة نعلم خبر وأن وما بعدها سدّت مسدّ مفعولي نعلم ومنكم خبر أن المقدم ومكذبين اسمها المؤخر (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) عطف أيضا وإن واسمها وخبرها وعلى الكافرين نعت لحسرة أو متعلق به (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) عطف أيضا وإن واسمها وخبرها (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) الفاء الفصيحة وسبّح فعل أمر وباسم ربك متعلقان بسبّح أو الباء زائدة وقد تقدم إعراب نظيره والعظيم نعت لربك.

٢٠٧

(٧٠) سورة المعارج

مكيّة وآياتها أربع وأربعون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠))

اللغة :

(الْمَعارِجِ) المصاعد جمع معرج.

(المهل) : دردي الزيت أو ذائب الفضة وقد تقدم ذكره في سورة الدخان.

(العهن) الصوف على الإطلاق دون تقييد أو المصبوغ بالأحمر أو بشتى الألوان أقوال.

٢٠٨

الإعراب :

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) سأل فعل ماض مبني على الفتح متضمن معنى دعا ولذلك عدّي تعديته وسائل فاعله وبعذاب متعلقان بسأل وواقع نعت وقيل هو على بابه والباء بمعنى عن واختاره أبو البقاء ، وقال أبو علي الفارسي : «وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما وإذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدى إليه بحرف جر فيكون التقدير سأل سائل الله أو النبي صلّى الله عليه وسلم أو المسلمين بعذاب أي عن عذاب» والسائل هو النضر بن الحارث حين قال : اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، وهو ممّن قتل يوم بدر وقال الواحدي : «الباء في بعذاب للتوكيد كقوله : وهزي إليك بجذع النخلة والمعنى سأل سائل عذابا واقعا» (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) في الجار والمجرور أقوال أحدها أنه متعلق بسأل مضمنا معنى دعا أي دعا لهم ، والثاني أن يتعلق بواقع واللام للعلّة أي نازل لأجلهم ، والثالث أن تكون اللام بمعنى على أي واقع على الكافرين وعلى هذا فهي متعلقة بواقع أيضا وجملة ليس له دافع نعت ثان لعذاب أو حال من عذاب لأنه وصف. وليس فعل ماض ناقص وله خبرها المقدّم ودافع اسمها المؤخر (مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) متعلق بواقع أي واقع من عنده ومن جهته أو متعلق بدافع بمعنى ليس له دافع من جهته إذا جاء وقته وذي المعارج نعت لله (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) كلام مستأنف مسوق لتأكيد العلو البعيد ، وتعرج الملائكة فعل مضارع وفاعل والروح عطف على الملائكة وأراد به جبريل فهو من عطف الخاص على العام وإليه متعلقان بتعرج وفي يوم متعلقان بمحذوف دلّ عليه واقع أي يقع العذاب بهم في يوم القيامة

٢٠٩

وكان واسمها وخمسين خبرها وألف سنة تمييز خمسين أو متعلق بتعرج أيضا (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) الفاء الفصيحة أي إن عرفت هذا وتدبرت فحواه فاصبر ، واصبر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وصبرا مفعول مطلق وجميلا نعت (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) إن واسمها وجملة يرونه خبرها والضمير للعذاب وبعيدا مفعول به ثان لأن الرؤية علمية والجملة تعليلية لا محل لها (وَنَراهُ قَرِيباً) عطف على الجملة السابقة داخلة في حيّز الخبر (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) الظرف متعلق بقريبا أو بمحذوف يدل عليه واقع أي يقع يوم تكون وجملة تكون في محل جر بإضافة الظرف إليها والسماء اسمها وكالمهل خبرها (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) عطف على الجملة السابقة مماثلة لها في إعرابها (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) الواو عاطفة ولا نافية ويسأل حميم فعل مضارع وفاعله وحميما مفعول يسأل الأول والمفعول الثاني محذوف والتقدير شفاعته ونصره وقيل حميما منصوب بنزع الخافض ويسأل لا حاجة لها إلى مفعول.

البلاغة :

١ ـ في قوله «يوم تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة» فن التمثيل فليس المراد حقيقة ذلك العدد بل المراد الإشارة إلى أنه يبدو للكافر طويلا لما يلقاه خلاله من الهول والشدائد فلا تنافي مع آية السجدة «في يوم كان مقداره ألف سنة» والعرب تصف أيام الشدّة بالطول وأيام الفرح بالقصر قال :

فقصارهنّ مع الهموم طويلة

وطوالهنّ مع السرور قصار

وقال آخر :

ويوم كظل الرمح قصر طوله

دم الزق عنا واصطفاق المزاهر

٢١٠

٢ ـ وفي قوله «يوم تكون السماء كالمهل» تشبيه مرسل ووجه الشبه التلوّن وكذلك قوله «وتكون الجبال كالعهن» ووجه الشبه التطاير والتناثر وقد رمق أبو العلاء هذه السماء العالية من البلاغة إذ قال في رثاء أبيه :

فيا ليت شعري هل يخفّ وقاره

إذا صار أحد في القيامة كالعهن

(يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨) إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣))

اللغة :

«وفصيلته» الفصيلة العشيرة وقال ثعلب الآباء الأدنون فهي فعيلة بمعنى مفعولة أي مفعول منها.

(لَظى) اسم جهنم لأنها تتلظى أي تتلهب على من يصلاها.

(لِلشَّوى) الشوى جمع شواة وهي جلدة الرأس.

٢١١

الإعراب :

(يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) الجملة مستأنفة أو حالية ، وأجاز الزمخشري أن تكون صفة أي حميما مبصرين ، ويبصرونهم فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والهاء مفعول به ثان ، وعدّي بالتضعيف إلى مفعول ثان وقام الأول مقام الفاعل وإنما جمع الضميران في يبصرونهم وهما للحميمين حملا على معنى العموم لأنهما نكرتان في سياق النفي وفيه دليل على أن الفاعل والمفعول الواقعين في سياق النفي يعمّان كما التزم في قوله والله لا أشرب ماء من أداوة إنه يعمّ المياه والأداوي خلافا لبعضهم في الإداوة أي يبصر الأصحّاء بعضهم بعضا ويتعارفون ولكنهم لا يتبادلون الكلام لتشاغلهم بأنفسهم ، ويودّ المجرم فعل مضارع وفاعل والجملة حالية ولو مصدرية بمعنى أن لأنها وقعت بعد فعل الودادة وهي مع ما في حيّزها في تأويل مصدر مفعول يودّ أي يودّ افتداء ومن عذاب متعلقان بيفتدي ويومئذ ظرفان مضافان والتنوين عوض عن جمل محذوفة والتقدير يوم إذ تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما ، وببنيه متعلقان بيفتدي أيضا (وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) عطف على بنيه وجملة تؤويه صلة أي تضمه في النسب (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) عطف أيضا وفي الأرض صلة الموصول وجميعا حال وثم حرف عطف للتراخي لشدة الهول وينجيه فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به أي يودّ لو يفتدي ثم لو ينجيه الافتداء ، وثم لاستبعاد الإنجاء يعني تمنى لو كان هؤلاء جميعا في متناول يده وبذلهم في فداء نفسه وهيهات (كَلَّا إِنَّها لَظى) كلا حرف ردع وزجر لودادتهم الافتداء وتنبيه على أن ذلك التمنّي غير وارد وليس بذي طائل وإن واسمها ولظى خبرها والضمير للنار الدّال عليها العذاب (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) حال مؤكدة أو

٢١٢

مبينة أو نصبت على الاختصاص للتهويل وعلى الحال يكون العامل فيها ما دلّت عليه لظى من معنى الفعل أي تتلظى نزّاعة وقرىء بالرفع فهو خبر ثان أي خبر لمبتدأ محذوف أي هي نزّاعة وقيل هي بدل من لظى وقيل كلاهما خبر وقيل لظى بدل من اسم إن ونزّاعة خبرها (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) الجملة حالية من الضمير في نزّاعة وفاعل تدعو مستتر يعود على لظى ومن موصول مفعول به وجملة أدبر لا محل لها لأنها صلة وتولى عطف على أدبر ، وسيأتي مزيد بيان لهذه الدعوة في باب البلاغة (وَجَمَعَ فَأَوْعى) عطف على أدبر وتولى ومعنى أوعى جمع المال فجعله في وعاء وكنزه ولم يؤد به حق الله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) الجملة بمثابة التعليل لما تقدم وإن واسمها وأل في الإنسان جنسية وجملة خلق خبر إن ونائب الفاعل مستتر يعود على الإنسان وهلوعا حال مقدّرة لأنه ليس متصفا بهذه الصفات قبل ولادته ووقت خلقه (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) إذا ظرف متعلق بجزوعا وجملة مسّه في محل جر بإضافة الظرف إليها والشر فاعل وجزوعا حال من الضمير في هلوعا ولك أن تجعله نعتا لهلوعا (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) عطف على الجملة السابقة مماثلة لها في إعرابها (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) استثناء من الإنسان المراد به الجنس فهو استثناء متصل (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) الذين نعت للمصلين وهم مبتدأ وعلى صلاتهم متعلقان بدائمون ودائمون خبرهم والجملة الاسمية صلة الذين.

البلاغة :

في قوله «تدعو من أدبر وتولى» مجاز عقلي عن إحضارهم كأنها تدعوهم فتحضرهم ، وقد تقدم بحث المجاز العقلي في هذا الكتاب ، أو استعارة مكنية ، ومنه قول ذي الرمة يصف ثورا وحشيا :

٢١٣

أمسى بوهبين مجتازا لمرتعه

من ذي الفوارس تدعو أنفه الربب

ووهبين اسم موضع وكذلك ذو الفوارس والربب بموحدتين جمع ربة وهي أول ما ينبت من الكلأ والدعاء الطلب وهو هنا مجاز عن التسبّب في الأمر لأن النبات الصغير سبب في وصول أنفه للأرض ليرعاه. ويجوز أن يكون الدعاء من باب الاستعارة ، شبّه الربب بالداعي وحذف المشبّه به وأخذ شيئا من خصائصه.

ومنه أيضا قول ذي الرمة :

ليالي اللهو يطبيني فأتبعه

كأنني ضارب في غمرة لعب

وليالي منصوب على الظرفية واللهو مبتدأ وطباه يطبوه ويطبيه إذا دعاه وجذبه أي اللهو يدعوني في ليال كثيرة فأتبعه كأني سابح في لجّة من الماء تغمر القامة. ولعب خبر ثان والظرف متعلق بيطبيني وقيل هو متعلق بما قبلها والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها.

(وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥))

٢١٤

الإعراب :

(وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) والذين عطف على الذين الأولى وفي أموالهم خبر مقدّم وحق مبتدأ مؤخر ومعلوم نعت والمراد به الزكاة المفروضة والجملة الاسمية صلة الموصول (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) نعت لحق (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) عطف أيضا وجملة يصدقون صلة الموصول وبيوم الدين متعلقان بيصدقون أي يوم الجزاء (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) عطف أيضا وهم مبتدأ ومشفقون خبره ومن عذاب ربهم متعلقان بقوله مشفقون والجملة صلة (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) الجملة تعليل للإشفاق وإن واسمها وغير مأمون خبرها (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) عطف أيضا وهم مبتدأ وحافظون خبره ولفروجهم متعلقان بحافظون أي عن المحرمات والمحظورات (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) إلا أداة استثناء وعلى أزواجهم استثناء من أعمّ الأحوال واو حرف عطف وما عطف على أزواجهم وجملة ملكت صلة وأيمانهم فاعل والمراد بما ملكت أيمانهم الإماء ، فإنهم الفاء عاطفة وإن واسمها وغير ملومين خبرها (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) الفاء عاطفة ومن اسم شرط جازم مبتدأ وابتغى فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر يعود على من ووراء مفعول به لابتغى فقد خرجت وراء عن الظرفية أي طلب وراء ذلك أي الاستمتاع بالنكاح وملك اليمين ولك أن تبقيها على الظرفية وتعلقها بمحذوف صفة للمفعول به المحذوف أي فمن طلب أمرا كائنا وراء ذلك والفاء رابطة لجواب الشرط وأولئك اسم إشارة في محل رفع مبتدأ وهم ضمير فصل والعادون خبر أولئك والجملة في محل

٢١٥

جزم جواب الشرط ، ولك أن تجعل هم مبتدأ ثانيا والعادون خبره والجملة خبر أولئك (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) عطف على ما تقدم وهم مبتدأ وراعون خبره ولأماناتهم متعلقان براعون والجملة الاسمية صلة الموصول (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) عطف أيضا وفي قراءة بالإفراد (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) عطف أيضا (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) أولئك مبتدأ وفي جنات خبر ومكرمون خبر ثان ولك أن تعلّق في جنات بمكرمون.

البلاغة :

في تكرير الصلاة مبالغة لا تخفى اهتماما بشأنها وتنويها بفضلها ، ويضاف إلى التكرير تصدير الجملة بالضمير وبناء الجملة عليه وتقديم الجار والمجرور على الفعل وفعلية الخبر فتفيد الجملة الاسمية الدوام والاستمرار وتفيد الجملة الفعلية التجدّد مع الاستمرار ، وهذا نمط عجيب انفرد به كتاب الله.

(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى

٢١٦

نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤))

اللغة :

(مُهْطِعِينَ) مسرعين نحوك مادّي أعناقهم مقبلين بأبصارهم عليك فهي من الكلمات التي يحتاج تفسيرها إلى جمل ، وفي القاموس :«هطع كمنع هطعا وهطوعا أسرع مقبلا خائفا وأقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه وهطع مدّ عنقه وصوّب رأسه كاستهطع ، وكأمير : الطريق الواسع ، وكمحسن : من ينظر في ذل وخضوع لا يقلع بصره أو الساكت المنطلق إلى من هتف به ، وبعير مهطع في عنقه تصويب خلقة» وقد تقدم شرح هذه المادة في سورة إبراهيم.

(عِزِينَ) جمع عزة ، قال أبو عبيدة : جماعات في تفرقة وقيل الجمع اليسير كثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة وقال الأصمعي : في الدار عزون أي أصناف من الناس وقال الكميت :

ونحن وجندل باغ تركنا

كتائب جندل شتّى عزينا

وعزة مما حذفت لامه فقيل هي واو وأصله عزوة كأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى فهم متفرقون ويقال عزاه يعزوه إذا أضافه إلى غيره وقيل لامها هاء والأصل عزهة وجمعت عزة بالواو والنون كما جمعت سنّة وأخواتها بذلك وقيل هي ياء إذ يقال عزيته بالياء أعزيه بمعنى عزوته وقد تقدم بحث ما ألحق بجمع المذكر السالم.

(نُصُبٍ) تقدم القول فيه مفصلا ونضيف إليه هنا أنه قرىء نصب

٢١٧

بالفتح والإسكان وقراءتنا بضمتين وقرىء بفتحتين وقرىء بضم فسكون ، فالأول اسم مفرد بمعنى العلم المنصوب الذي يسرع الشخص نحوه وقال أبو عمرو : هو شبكة الصائد يسرع إليها عند وقوع الصيد فيها مخافة انفلاته ، وأما الثانية فتحتمل ثلاثة أوجه : أحدها أنه اسم مفرد بمعنى الصنم المنصوب للعبادة والثاني أنه جمع نصاب ككتب جمع كتاب والثالث أنه جمع نصب كرهن في رهن وسقف في سقف وجمع الجمع أنصاب ، وأما الثالثة ففعل بمعنى مفعول أي منصوب كالقبض بمعنى المقبوض والرابعة تخفيف من الثانية.

(يُوفِضُونَ) يسرعون إلى الداعي مستبقين.

الإعراب :

(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) الفاء استئنافية وما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وللذين خبر ما أي فأي شيء ثبت لهم وحملهم على النظر إليك والتفرّق ، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلّي عند الكعبة ويقرأ القرآن فكانوا يحتفون به حلقا حلقا يسمعون ويستهزئون بكلامه ويقولون إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنّها قبلهم فنزلت. وقبلك ظرف مكان متعلق بمحذوف حال أو بمهطعين أي كائنين في الجهة التي تليك عن اليمين وعن الشمال ومهطعين حال من الذين (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) الجار والمجرور حال من الموصول أيضا وقيل متعلق بمهطعين وعزين حال من الموصول أيضا فالأربعة أحوال من الموصول وقيل حال من الضمير في مهطعين فتكون حالا متداخلة ، وعلّق أبو البقاء عن اليمين وعن الشمال بعزين وأعرب بعضهم عزين صفة لمهطعين (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) الهمزة للاستفهام الإنكاري ويطمع فعل مضارع وكل امرئ فاعله

٢١٨

ومنهم صفة لامرىء وأن وما في حيّزها في محل نصب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بيطمع أي أيطمع في الدخول ونائب فاعل يدخل مستتر تقديره هو وجنة نعيم مفعول به ثان على السعة (كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) كلا حرف ردع وزجر عن طمعهم الأشعبي بدخول الجنة وجملة إنّا خلقناهم تعليل للردع وإن واسمها وجملة خلقناهم خبرها ومما متعلقان بخلقناهم وجملة يعلمون صلة والمعنى أنهم مخلوقون من نطفة قذرة لا تناسب عالم القدس فمن لم يتحلّ بالإيمان ويرحض عنه الأقذار بالعمل الصالح وأضاف الكمالات لم يكن أهلا لدخول الجنان أو هو استدلال بالنشأة الأولى على النشأة الثانية وإن من قدر على الخلق الأول لم تعجزه الإعادة (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ) الفاء استئنافية ولا زائدة وأقسم فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا وبرب المشارق والمغارب متعلقان بأقسم وجملة إنّا لقادرون لا محل لها لأنها جواب القسم وإن واسمها واللام المزحلقة وقادرون خبرها (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أن وما في حيّزها في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلقان بقادرون وخيرا مفعول نبدل ومنهم متعلقان بخيرا والواو حرف عطف وما حجازية ونحن اسمها والباء حرف جر زائد ومسبوقين مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبرها والجملة معطوفة على جواب القسم داخلة في ضمن المقسم عليه (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) الفاء الفصيحة أي إذا تبين أنه لا يفوتنا ولا يعجزنا إنزال ما نريده بهم فذرهم ، وذرهم فعل أمر مات ماضيه وفاعل مستتر ومفعول به ويخوضوا فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب ويلعبوا عطف على يخوضوا وحتى حرف غاية وجر ويلاقوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والواو فاعل ويومهم مفعول به والذي نعت ليومهم وجملة يوعدون صلة الموصول وهو فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل (يَوْمَ

٢١٩

يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) يوم بدل من يومهم وجملة يخرجون في محل جر بإضافة الظرف إليها ومن الأجداث متعلقان بيخرجون وسراعا حال من الواو وجملة كأنهم حال ثانية من الواو أيضا فتكون مترادفة أو من الضمير في سراعا فتكون متداخلة وكأن واسمها وإلى نصب متعلقان بيوفضون وجملة يوفضون خبر كأنهم (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) خاشعة حال من فاعل يوفضون أو من فاعل يخرجون والأول أقرب وأبصارهم فاعل بخاشعة وجملة ترهقهم ذلة حال ثانية ولك أن تجعلها مستأنفة وذلك مبتدأ واليوم خبره والذي صفة وكان واسمها وجملة يوعدون خبرها والجملة صلة وجملة ذلك اليوم مستأنفة أو مفسرة وعلى كل حال لا محل لها.

٢٢٠