أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

ما يغيّر اللّفظ دون المعنى ، فهو أن تقول : «إنّ زيدا قائم» ف (إنّ) قد غيّرت اللّفظ ؛ لأنّها نصبت الاسم ، ورفعت الخبر ، ولم تغيّر المعنى ؛ لأنّ معناها التّأكيد والتّحقيق ؛ وتأكيد الشّيء لا يغيّر معناه. وأمّا ما يغيّر المعنى دون اللّفظ ؛ فنحو : «هل زيد قائم»؟ ف «هل» قد غيّرت المعنى ؛ لأنّها نقلت الكلام من الخبر الذي يحتمل الصّدق والكذب ، إلى الاستخبار الذي لا يحتمل صدقا ، ولا كذبا ، ولم يغيّر اللّفظ ؛ لأنّ الاسم بعد دخولها مرفوع بالابتداء ، كما كان يرتفع به قبل دخولها. وأمّا ما يغيّر اللّفظ والمعنى ، ولا يغيّر الحكم ؛ فنحو (١) : اللّام في قولهم : «لا يدي لزيد» فاللّام ـ ههنا ـ غيّرت اللّفظ ؛ لجرّها الاسم ، وغيّرت المعنى ؛ لإدخال معنى الاختصاص ، ولم تغيّر الحكم ؛ لأنّ الحكم حذف النّون للإضافة ، وقد بقي الحذف بعد دخولها ـ كما كان قبل دخولها ـ فلم تغيّر الحكم ، وأمّا ما يغيّر الحكم ، ولا يغيّر (لا) (٢) لفظا ، ولا معنى ؛ فنحو اللّام في قوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(٣). فاللّام ـ هنا ـ ما غيّرت لا لفظا ، ولا معنى ، ولكن غيّرت الحكم ؛ لأنّها علّقت الفعل عن العمل ؛ وأمّا ما لا يغيّر لا لفظا ، ولا معنى ، ولا حكما ؛ فنحو «ما» في قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٤). ف «ما» ههنا ما غيّرت لا لفظا ، ولا معنى ، ولا حكما ؛ لأنّ التّقدير : فبرحمة من الله لنت لهم.

[اختلافهم في اسميّة كيف]

فإن قيل : «كيف» اسم أو فعل أو حرف؟ قيل : اسم ؛ والدّليل على ذلك من وجهين ؛ أحدهما : أنّه قد جاء عن بعض العرب أنّه قال : «على كيف تبيع الأحمرين» (٥)؟ ودخول حرف الجرّ إنّما جاء شاذّا ؛ والوجه الصّحيح هو الوجه

__________________

(١) في (ط) نحو ، والصّواب ما ذكرنا من (س).

(٢) سقطت من (س).

(٣) س : ٦٣ (المنافقون : ١ ، مد).

موطن الشّاهد : «لرسوله». وجه الاستشهاد : مجيء اللّام في الآية الكريمة مغيّرة للحكم ، ولكنّها لم تغيّر اللّفظ ، أو المعنى.

(٤) س : ٣ (آل عمران ، ن : ١٥٩ ، مد).

موطن الشّاهد : «فبما» وجه الاستشهاد : مجيء «ما» زائدة ، لم تغيّر شيئا يذكر كما جاء في المتن.

(٥) موطن الشّاهد : «على كيف» وجه الاستشهاد : مجيء «كيف» اسما ؛ لدخول حرف الجرّ

٤١

الثّاني ؛ وهو أنّا نقول : لا تخلو كيف من أن تكون اسما ، أو فعلا ، أو حرفا ؛ فبطل أن يقال هي حرف ؛ لأنّ الحرف لا يفيد مع كلمة واحدة ، و «كيف» تفيد مع كلمة واحدة ، ألا ترى أنّك تقول : كيف زيد؟ فيكون كلاما مفيدا ؛ فإن قيل : فقد أفاد الحرف الواحد مع كلمة واحدة في النّداء ؛ نحو : يا زيد ، قيل : إنّما حصلت الفائدة في النّداء مع كلمة واحدة ؛ لأنّ التّقدير في قولك يا زيد : أدعو زيدا ، وأنادي زيدا ؛ فحصلت الفائدة باعتبار الجملة المقدّرة ، لا باعتبار الحرف مع كلمة واحدة ، فبطل أن يكون حرفا ، وبطل ـ أيضا ـ أن يكون فعلا ؛ لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون فعلا ماضيا ، أو مضارعا ، أو أمرا ؛ فبطل أن يكون فعلا ماضيا ؛ لأنّ أمثلة الفعل الماضي ، لا تخلو إمّا أن تكون على مثال فعل ك «ضرب» أو على فعل ك «مكث» أو على فعل ك «سمع» و «علم» وكيف على وزن فعل ؛ فبطل أن يكون فعلا ماضيا ؛ وبطل أن يكون فعلا مضارعا ؛ لأنّ الفعل المضارع ما كانت في أوّله إحدى الزّوائد الأربع ؛ وهي الهمزة ، والنّون ، والتّاء ، والياء ، و «كيف» ليس في أوّله إحدى الزّوائد الأربع ؛ فبطل أن يكون فعلا مضارعا ، وبطل أن يكون أمرا ؛ لأنّه يفيد الاستفهام ؛ وفعل الأمر لا يفيد الاستفهام ؛ فبطل أن يكون أمرا. وإذا بطل أن يكون فعلا ماضيا ، أو مضارعا ، أو أمرا ؛ بطل أن يكون فعلا ؛ والذي يدلّ ـ أيضا ـ على أنّه ليس بفعل أنّه يدخل على الفعل في نحو قولك : كيف تفعل كذا؟ ولو كان فعلا لما دخل على الفعل ؛ لأنّ الفعل ، لا يدخل على الفعل. وإذا بطل أن يكون فعلا ، أو حرفا ؛ وجب أن يكون اسما ، فإن قيل : فعلامة الاسم لا تحسن فيه ، كما لا يحسن فيه علامة الفعل والحرف ، فلم جعلتموه اسما ، ولم تجعلوه فعلا ، أو حرفا؟ قيل : لأنّ الاسم هو الأصل ، والفعل والحرف فرع ، فلمّا وجب حمله على أحد هذه الأقسام الثّلاثة ؛ كان حمله على الاسم ـ الذي هو الأصل ـ أولى من حمله على ما هو فرع.

فإن قيل : فلم قدّم الاسم على الفعل ، والفعل على الحرف؟ قيل : إنّما قدّم الاسم على الفعل ؛ لأنّه الأصل ، ويستغني بنفسه عن الفعل ؛ نحو قولك : زيد قائم ، وأخّر الفعل عن الاسم ؛ لأنّه فرع عليه ، لا يستغني عنه ، فلمّا كان الاسم ، هو الأصل ، ويستغني عن الفعل ، والفعل فرع عليه ، ومفتقر إليه ؛ كان

__________________

عليها ؛ غير أنّ هذا دليل ضعيف ؛ لأنّ دخول «على» على كيف شاذّ ، يحفظ ، ولا يقاس عليه. والأحمران : اللّحم والخمر.

٤٢

الاسم مقدّما عليه ، وإنّما قدّم الفعل على الحرف ؛ لأنّ الفعل يفيد مع الاسم ؛ نحو : قام زيد ، وأخّر الحرف عن الفعل ؛ لأنّه لا يفيد مع اسم واحد ؛ لأنّك لو قلت : بزيد ، أو لزيد من غير أن تعلّق الحرف بشيء ، لم يكن مفيدا ؛ فلمّا كان الفعل يفيد مع اسم واحد ، والحرف لا يفيد مع اسم ؛ كان الفعل مقدّما عليه ، فاعرفه / تصب / (١) إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من (س).

٤٣

الباب الثّاني

باب الإعراب والبناء

[لم سمّي الإعراب إعرابا]

إن قال قائل : لم سمّي الإعراب إعرابا ، والبناء بناء؟ قيل : أمّا الإعراب ففيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أن يكون سمّي بذلك ؛ لأنّه يبيّن المعاني ، مأخوذ من قولهم : أعرب الرّجل عن حجّته ، إذا بيّنها ؛ ومنه قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «الثّيّب تعرب عن نفسها» ؛ (١) أي تبيّن وتوضح ، قال الشّاعر (٢) :[الطّويل]

وجدنا لكم في آل حاميم آية

تأوّلها منّا تقيّ ومعرب

فلمّا كان الإعراب يبيّن المعاني ، سمّي إعرابا.

والوجه الثّاني : أن يكون سمّي إعرابا ؛ لأنّه تغيّر يلحق أواخر الكلم ، من قولهم : «عربت معدة الفصيل» إذا تغيّرت ؛ فإن قيل : «العرب» في قولهم : عربت معدة الفصيل ؛ معناه : الفساد ؛ وكيف يكون الإعراب مأخوذا منه؟ قيل : معنى قولك : أعربت الكلام ؛ أي : أزلت عربه ، وهو فساده ، وصار هذا ؛ كقولك : أعجمت الكتاب ، إذا أزلت عجمته ، وأشكيت الرّجل ، إذا أزلت شكايته ، وعلى هذا ، حمل بعض المفسّرين قوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها)(٣) ؛ أي : أزيل خفاءها ؛ وهذه الهمزة تسمّى : همزة السّلب. والوجه

__________________

(١) حديث : أخرجه أحمد وابن ماجه ، ورواه مسلم والنّسائي بلفظ : «الثّيّب أحقّ بنفسها من وليّها». الجامع الصّغير ، للسيوطي ؛ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (ط. أولى.

القاهرة : مك مصطفى محمد ، ١٣٥٢ ه‍) ؛ مج ١ ، ص ٤٨٧.

(٢) الشّاعر هو : أبو المستهلّ ، الكميت بن زيد الأسديّ ، شاعر مقدّم عالم بلغات العرب وأخبارها ، وخطيب فارس. وكان متعصّبا لمضر ولأهل الكوفة ولآل البيت ؛ من مختارات شعره الهاشميّات. مات سنة ١٢٦ ه‍. الشّعر والشّعراء ٢ / ٥٨١. ومعنى البيت واضح ، لا لبس فيه.

(٣) س : ٢٠ (طه ، ن : ١٥ ، مك).

٤٤

الثّالث : أن يكون سمّي إعرابا ؛ لأنّ المعرب للكلام كأنّه يتحبّب إلى السّامع بإعرابه ؛ من قولهم : امرأة عروب ، إذا كانت متحبّبة إلى زوجها ، قال الله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً)(١) ؛ أي : متحبّبات إلى أزواجهنّ ، فلمّا كان المعرب للكلام ، كأنه يتحبّب إلى السّامع بإعرابه ؛ سمّي إعرابا.

[لم سمّي البناء بناء]

وأمّا البناء : فهو منقول من هذا البناء المعروف ، للزومه وثبوته.

[تعريف الإعراب]

فإن قيل : فما حدّ الإعراب والبناء؟ قيل : أمّا الإعراب ، فحدّه اختلاف أواخر الكلم باختلاف العوامل لفظا ، أو تقديرا.

وأمّا البناء : فحدّه لزوم أواخر الكلم بحركة وسكون.

[ألقاب الإعراب والبناء]

فإن قيل : كم ألقاب الإعراب والبناء؟ قيل : ثمانية / ألقاب / (٢) ؛ فأربعة للإعراب وأربعة للبناء.

[ألقاب الإعراب والبناء]

فألقاب (٣) الإعراب : رفع ، ونصب ، وجرّ ، وجزم ، وألقاب البناء : ضمّ ، وفتح ، وكسر ، ووقف ، وهي وإن كانت ثمانية في المعنى ؛ فهي أربعة في الصّورة ؛ فإن قيل : فلم كانت أربعة؟ قيل : لأنّه ليس إلّا حركة ، أو سكون ، فالحركة ثلاثة أنواع : الضّمّ ، والفتح ، الكسر.

[مخارج الحركات]

فالضّمّ من الشّفتين والفتح من أقصى الحلق ، والجرّ من وسط الفم ، والسّكون هو الرّابع.

[أصل الحركات وخلافهم في ذلك]

فإن قيل : هل حركات الإعراب أصل لحركات البناء ، أو حركات البناء

__________________

(١) س : ٥٦ (الواقعة : ٣٧ ، مك).

(٢) سقطت من (ط).

(٣) في (ط) وألقاب.

٤٥

أصل لحركات الإعراب؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك؟ فذهب بعض النّحويّين إلى أنّ حركات الإعراب هي الأصل ، وأنّ حركات البناء فرع عليها ؛ لأنّ الأصل في حركات الإعراب أن تكون للأسماء ، وهي الأصل ؛ فكانت أصلا ؛ والأصل في حركات البناء أن تكون للأفعال ، والحروف ، وهي الفرع ؛ فكانت فرعا. وذهب آخرون إلى أنّ حركات البناء هي الأصل ، / وأنّ / (١) حركات الإعراب فرع عليها ؛ لأنّ حركات البناء لا تزول ولا تتغيّر عن حالها ، وحركات الإعراب تزول وتتغيّر ، وما لا يتغيّر أولى بأن يكون أصلا ممّا يتغيّر.

[هل الإعراب والبناء الحركات أو غيرها؟]

فإن قيل : هل الإعراب والبناء عبارة عن هذه الحركات ، أو عن غيرها؟

قيل : الإعراب والبناء ليسا عبارة عن هذه الحركات ، وإنّما هما معنيان يعرفان بالقلب ، ليس للّفظ فيهما حظّ ، ألا ترى أنّك تقول في حدّ الإعراب : هو اختلاف أواخر الكلم باختلاف العوامل ، وفي حدّ البناء : لزوم أواخر الكلم بحركة أو سكون؟ ولا خلاف أنّ الاختلاف واللّزوم ليسا بلفظين ، وإنّما هما معنيان يعرفان بالقلب ، ليس للّفظ فيهما حظّ ، والذي يدلّ على ذلك ، أنّ هذه الحركات ، إذا وجدت بغير صفة الاختلاف ، لم تكن للإعراب ، وإذا وجدت بغير صفة اللّزوم ، لم تكن للبناء ؛ فدلّ على أنّ الإعراب : هو الاختلاف ، والبناء : هو اللّزوم ، والذي يدلّ على صحّة هذا إضافة هذه الحركات إلى الإعراب والبناء ؛ فيقال : حركات الإعراب ، وحركات البناء ، ولو كانت الحركات أنفسها هي الإعراب ، أو البناء ؛ لما جاز أن تضاف (٢) إليه ؛ لأنّ إضافة الشّيء إلى نفسه ، لا تجوز ، ألا ترى أنّك لو قلت : حركات الحركات لم يجز؟ فلمّا جاز أن يقال : حركات الإعراب ، وحركات البناء ، دلّ على أنّهما غيرها (٣) ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) في (ط) يضاف إليه ، والصّواب ما ذكرنا.

(٣) في (ط) أنّهما غيرهما ، والصّواب ما ذكرنا ؛ لأنّ ضميرهما يعود إلى الإعراب والبناء ، وضمير «ها» يعود إلى الحركات. وفي (س) أنّها غيرها.

٤٦

الباب الثّالث

باب المعرب والمبني

إن قال قائل : ما المعرب والمبنيّ؟ قيل : أمّا المعرب ، فهو ما تغيّر آخره بتغيّر العامل فيه لفظا ، أو محلّلا ؛ وهو على ضربين ؛ اسم متمكّن ، وفعل مضارع ؛ فالاسم المتمكّن : ما لم يشابه الحرف ، ولم يتضمّن معناه ، والفعل المضارع : ما كانت في أوّله إحدى الزّوائد الأربع ، وهي : الهمزة ، والنّون ، والتّاء ، والياء. فإن قيل : لم زيدت هذه الحروف دون غيرها؟ قيل : الأصل أن تزاد حروف المدّ واللّين ، وهي الواو والياء والألف ، إلّا أنّ الألف لمّا لم يمكن زيادتها أوّلا ؛ لأنّ الألف لا تكون إلّا ساكنة ؛ والابتداء بالسّاكن محال ، أبدلوا منها الهمزة ؛ لقرب مخرجيهما ؛ لأنّهما هوائيّان يخرجان من أقصى الحلق ، وكذلك الواو ـ أيضا ـ لمّا لم يمكن زيادتها أوّلا ؛ لأنّه ليس في كلام العرب واو ؛ زيدت أوّلا ، فأبدلوا منها التّاء ؛ لأنّها تبدل منها كثيرا ، ألا ترى أنّهم قالوا : تراث ، وتجاه ، وتخمة ، وتهمة ، وتيقور (١) ، وتولج ؛ قال الشّاعر (٢) : [الرّجز]

متّخذا في ضعوات تولجا

[أردى بني مجاشع وما نجا](٣)

وهو بيت الصّائد ، والأصل : وارث ، ووجاه ، ووخمة ، ووهمة ، وويقور ؛ لأنّه من الوقار ، وولج ؛ لأنّه من الولوج ؛ فأبدلوا التّاء من الواو في هذه المواضع كلّها ، وكذلك ههنا. وأمّا الياء ، فزيدت ؛ لأنّها لم يعرض فيها ما

__________________

(١) تيقور : (فيعول) الوقار ؛ والتّاء فيه مبدلة من الواو.

(٢) الشّاعر : هو جرير بن عطيّة الخطفيّ ، ثالث أشهر أشعراء العصر الأمويّ ، مع الفرزدق والأخطل ، وكان أشدّهما هجاء ، وأكثر منهما عفّة ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١١٠ ه‍.

(٣) البيت من قصيدة يهجو فيها البعيث المجاشعيّ.

المفردات الغريبة : ضعوات : جمع ضعة ، وهي شجرة من شجر البادية. والتّولج : في شرح ديوان جرير : التّولج والدّولج : ما انكرس فيه ؛ أي : دخل. شرح ديوان جرير.

موطن الشّاهد : «تولج» وجه الاستشهاد : إبدال التّاء من الواو في تولج ؛ لأنّ تولج : ولج ؛ لأنّها من الولوج ؛ أي الدّخول.

٤٧

يمنع / من / (١) زيادتها ، كما عرض في الألف والواو ، وأمّا النّون فإنّما زيدت ؛ لأنّها تشبه حروف المدّ واللّين ، وتزاد معها في باب : الزّيدين ، / والزّيدين / (٢).

[ترتيب أحرف الزّيادة]

والتّحقيق في ترتيب هذه الأحرف أن تقدّم الهمزة ، ثمّ النّون ، ثمّ التّاء ، ثمّ الياء ، وذلك ؛ لأنّ الهمزة للمتكلّم وحده ، والنّون للمتكلّم ، ولمن معه ، والتّاء للمخاطب ، والياء للغائب ، والأصل : أن يخبر الإنسان عن نفسه ، ثمّ عن نفسه ، وعمّن معه ، ثمّ المخاطب ، ثم الغائب ؛ فهذا هو التّحقيق في ترتيب هذه الأحرف في أوّل الفعل المضارع.

[الفعل محمول على الاسم في الإعراب]

فإن قيل : هل الفعل المضارع محمول على الاسم في الإعراب أم هو أصل؟ قيل : لا بل هو محمول على الاسم في الإعراب ، وليس بأصل فيه ؛ لأنّ الأصل في الإعراب أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف ، وذلك ؛ لأنّ الأسماء تتضمّن معاني مختلفة ؛ نحو : الفاعليّة ، والمفعوليّة ، والإضافة ، فلو لم تعرب ؛ لا لتبست هذه المعاني بعضها ببعض ، يدلّك على ذلك أنّك لو قلت : ما أحسن زيدا! لكنت متعجّبا ، ولو قلت : ما أحسن زيد ؛ لكنت نافيا ، ولو قلت : ما أحسن زيد؟ ؛ لكنت مستفهما (عن أيّ شيء منه حسن) (٣) ، فلو لم تعرب في هذه المواضع ؛ لالتبس التّعجّب بالنّفي ، والنّفي بالاستفهام ، واشتبهت هذه المعاني بعضها ببعض ؛ وإزالة الالتباس واجب. وأمّا الأفعال والحروف : فإنّها تدلّ على ما وضعت له بصيغها ؛ فعدم الإعراب ، لا يخلّ بمعانيها ، ولا يورث لبسا فيها ، والإعراب زيادة ، والحكيم لا يريد زيادة (٤) لغير فائدة.

[حمل المضارع على الاسم لمشابهته له]

فإن قيل : فإذا كان الأصل في الفعل المضارع أن يكون مبنيّا ، فلم حمل على الاسم في الإعراب؟ قيل : إنّما حمل الفعل المضارع على الاسم في الإعراب ؛ لأنّه ضارع الاسم ؛ ولهذا ، سمّي مضارعا ؛ والمضارعة : المشابهة ، ومنها سمّي الضّرع ضرعا ؛ لأنّه يشابه أخاه.

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (س) لا يزيد شيئا ؛ وكلاهما جائز.

٤٨

[أوجه المشابهة بين الفعل المضارع والاسم]

ووجه المشابهة بين هذا الفعل والاسم من خمسة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّه يكون شائعا فيتخصّص (١) ، كما أنّ الاسم / يكون / (٢) شائعا ، فيتخصّص ؛ ألا ترى أنّك تقول : «يقوم» فيصلح للحال والاستقبال ، فإذا أدخلت عليه السّين ، أو سوف ، اختصّ بالاستقبال ، كما أنّك تقول : «رجل» فيصلح لجميع الرّجال ، فإذا أدخلت عليه الألف واللّام اختصّ برجل بعينه؟ فلمّا اختصّ هذا الفعل بعد شياعه ، كما أنّ الاسم اختصّ بعد شياعه ؛ فقد شابهه من هذا الوجه.

الوجه الثّاني : أنّه تدخل (٣) عليه لام الابتداء ، كما تدخل (٤) على الاسم ، ألا ترى أنّك تقول : إنّ زيدا ليقوم كما تقول : إنّ زيدا لقائم؟ ولام الابتداء تختصّ بالأسماء ، فلمّا دخلت على هذا الفعل ، دلّ على مشابهة بينهما ؛ والذي يدلّ على ذلك أنّ فعل الأمر ، والفعل الماضي لمّا بعدا عن شبه الاسم ، لم تدخل هذه اللّام عليهما (٥) ؛ ألا ترى أنّك لو قلت : لأكرم زيدا يا عمرو ، أو إنّ زيدا لقام ؛ لكان / ذلك / (٦) خلفا من الكلام.

والوجه الثّالث : أنّ هذا الفعل يشترك فيه الحال والاستقبال ، فأشبه الأسماء المشتركة ؛ كالعين تنطلق على العين الباصرة ، وعلى عين الماء ، وعلى غير ذلك.

والوجه الرّابع : أن يكون صفة ، كما يكون الاسم ، كذلك ؛ تقول : مررت برجل يضرب ؛ كما تقول : مررت برجل ضارب ؛ فقد قام يضرب مقام ضارب.

والوجه الخامس : / هو / (٧) أنّ الفعل المضارع يجري على اسم الفاعل في حركاته وسكونه ، ألا ترى أنّ «يضرب» على وزن «ضارب» في حركاته وسكونه ؛ ولهذا يعمل اسم (٨) الفاعل عمل الفعل ؛ فلمّا أشبه الفعل المضارع الاسم من هذه الأوجه ؛ استحقّ جملة الإعراب الذي هو الرّفع ، والنّصب ، والجزم ؛ ولكلّ واحد من هذه الأنواع عامل يختصّ به.

__________________

(١) في (س) فيختصّ.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (ط) يدخل ، والصواب ما ذكرناه نقلا عن نسخة مرموز لها ب «ق» في حاشية النّسخة المطبوعة.

(٣) في (ط) يدخل ، والصواب ما ذكرناه نقلا عن نسخة مرموز لها ب «ق» في حاشية النّسخة المطبوعة.

(٤) في (س) عليها ، وما أثبت هو الصّواب.

(٥) سقطت من (ط).

(٦) سقطت من (س).

(٧) في (ط) الاسم الفاعل.

٤٩

[عامل الرّفع واختلاف النّحاة فيه]

وأمّا عامل الرّفع ، فاختلف فيه النّحويّون ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه يرتفع لقيامه مقام الاسم ؛ وهو عامل معنويّ لا لفظيّ ، فأشبه الابتداء ، فكما أنّ الابتداء يوجب الرّفع ، فكذلك ما أشبهه. فإن قيل : هذا ينقض بالفعل الماضي ، فإنّه يقوم مقام الاسم ، ولا يرتفع ؛ قيل : إنّما لم يرتفع ؛ لأنّه لم يثبت له استحقاق جملة الإعراب ، فلم يكن هذا العامل موجبا له الرّفع ؛ لأنّه نوع منه ؛ بخلاف الفعل المضارع ؛ فإنّه يستحقّ جملة الإعراب للمشابهة التي ذكرناها قبل ، فبان الفرق بينهما. وأمّا الكوفيّون (١) فذهبوا إلى أنّه يرتفع بالزّوائد التي في أوّله ؛ وهو قول الكسائي (٢) ، وذهب الفرّاء (٣) إلى أنّه يرتفع لسلامته من العوامل النّاصبة والجازمة ؛ فأمّا قول الكسائيّ فظاهر الفساد ؛ لأنّه لو كان الزّائد / في أوّله / (٤) هو الموجب للرّفع ؛ لوجب ألّا يجوز نصب الفعل ، ولا جزمه ، مع وجوده ؛ لأنّ عامل النّصب والجزم ، لا يدخل على عامل الرّفع ، فلمّا وجب نصبه بدخول النّواصب ، وجزمه بدخول الجوازم ؛ دلّ على أنّ الزّائد ليس هو العامل. وأمّا قول الفرّاء ، فلا ينفكّ من ضعف ، وذلك ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن يكون النّصب والجزم قبل الرّفع ؛ لأنّه قال : لسلامته من العوامل النّاصبة والجازمة ؛ والرّفع قبل النّصب والجزم ؛ فلهذا ، كان هذا القول ضعيفا. وأمّا عوامل النّصب ؛ فنحو : أن ، ولن ، وكي ، وإذن ، وحتّى. وأمّا عوامل الجزم ؛ فنحو ؛ لم ، ولمّا ، ولام الأمر ، ولا في

__________________

(١) ذهب الفرّاء وأكثر الكوفيّين إلى أنّ الرّافع للفعل هو تجرّده من النّاصب والجازم ، وقد أخذ بهذا الرّأي ابن هشام الأنصاريّ من المتأخّرين. وأمّا البصريّون فقالوا : يرتفع لوقوعه موقع الاسم ؛ وما ذهب إليه الفرّاء والكوفيّون ومن تابعهم من المتأخّرين هو الصّواب.

(٢) الكسائي : هو عليّ بن حمزة الأسديّ الكوفيّ ؛ مولده بالكوفة ، وسكنه ببغداد ، ووفاته بالرّيّ ، وهو مؤدّب الرّشيد ، وابنه الأمين. وهو أحد القرّاء السّبعة ، وأحد أشهر أئمة اللّغة والنّحو. مات سنة ١٨٩ ه‍ البلغة في تاريخ أئمّة اللّغة ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٣) الفرّاء : هو يحيى بن زياد الأسلميّ الدّيلميّ ، المعروف بالفرّاء ، إمام نحاة الكوفة وأعلمهم في اللّغة ، وفنون الأدب. قال فيه ثعلب : «لو لا الفرّاء ما كانت اللّغة». مات سنة ٢٠٧ ه‍. بغية الوعاة ٢ / ٣٣٣.

(٤) سقطت من (ط).

٥٠

النّهي ؛ ولعوامل النّصب والجزم موضع ، نذكرها فيه إن شاء الله تعالى.

[تعريف المبني وأقسامه]

وأمّا المبنيّ فهو ضدّ المعرب ، وهو ما لم يتغيّر آخره بتغيّر العامل فيه ؛ فمن ذلك : الاسم غير المتمكّن ، والفعل غير المضارع (١) ؛ فأمّا الاسم غير المتمكّن ؛ فنحو : من ، وكم ، وقبل ، وبعد ، وأين ، وكيف وأمس ، وهؤلاء.

[الأسماء غير المتمكّنة وعلّة بنائها]

وإنّما بنيت هذه الأسماء ؛ لأنّها أشبهت الحروف ، وتضمّنت معناها ؛ فأمّا : «من» فإنّها بنيت ؛ لأنّها لا تخلو : إمّا أن تكون استفهاميّة ، أو شرطيّة ، أو اسما موصولا ، أو نكرة موصوفة ، فإن كانت استفهاميّة فقد تضمّنت معنى حرف الاستفهام ، وإن كانت شرطيّة ، فقد تضمّنت معنى حرف الشّرط ، وإن كانت اسما موصولا ، فقد تنزّلت منزلة بعض الكلمة ، وبعض الكلمة مبنيّ ، وإن كانت نكرة موصوفة ، فقد تنزّلت منزلة الموصوفة (٢). وأمّا «كم» فإنّما بنيت ؛ لأنّها لا تخلو : إمّا أن تكون استفهاميّة ، أو خبريّة ، فإن كانت استفهاميّة ، فقد تضمّنت معنى حرف الاستفهام ، وإن كانت خبريّة ، فهي نقيضة «ربّ» ؛ لأنّ «ربّ» للتّقليل ، و «كم» للتّكثير ، وهم يحملون الشّيء على ضدّه كما يحملونه على نظيره. وأمّا «من» و «كم» فبنيت على السّكون ؛ لأنّه الأصل في البناء ، ولم يعرض فيهما ما يوجب بناءهما على حركة ؛ فبقيا على الأصل. وأمّا : قبل وبعد فإنّما بنيا ؛ لأنّ الأصل فيهما أن يستعملا مضافين إلى ما بعدهما ، فلمّا اقتطعا عن الإضافة ـ والمضاف مع المضاف إليه بمنزلة كلمة واحدة ـ تنزّلا منزلة بعض الكلمة ، وبعض الكلمة مبنيّ ؛ قال الله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ)(٣) ، وإنّما بنيا على حركة ؛ لأنّ كلّ واحد منهما كان له حالة إعراب قبل البناء ؛ فوجب أن يبنيا على حركة تميّزا لهما على ما بني ، وليس له حالة إعراب ؛ نحو : «من» و «كم» ، وقيل : إنّما بنيا على حركة ؛ لالتقاء السّاكنين ؛ والقول الصّحيح هو الأوّل. فإن قيل : فلم كانت الحركة ضمّة؟ قيل : لوجهين ؛ أحدهما : أنّه لمّا حذف المضاف إليه بنيا على أقوى الحركات ؛ وهي الضّمّ (٤) ،

__________________

(١) في (س) والفعل المضارع ، وهو سهو.

(٢) في (س) الموصولة.

(٣) س : ٣٠ (الرّوم ، ن : ٤ ، مك).

(٤) في (س) وهو الضّمّة ، وفي إحدى النّسخ : وهو الضّمّ ـ وهو الصّواب ـ لأنّ حذّاق

٥١

تعويضا عن المحذوف ، وتقوية لهما ؛ والوجه الثّاني : إنّما بنوهما على الضّمّ ؛ لأنّ النّصب والجرّ يدخلهما ؛ نحو : جئت قبلك ومن قبلك ، وأمّا الرّفع فلا يدخلهما البتّة ؛ فلو بنوهما على الفتح والكسر ؛ لالتبست حركة الإعراب بحركة البناء ، فبنوهما على حركة ، لا تدخلهما وهي الضّمة ؛ لئلّا تلتبس حركة الإعراب بحركة البناء. وأمّا أين وكيف فإنّما بنيا على الفتح ؛ لأنّهما تضمّنا معنى حرف الاستفهام ؛ لأنّ «أين» سؤال عن المكان ، و «كيف» سؤال عن الحال ، فلمّا تضمّنا معنى حرف الاستفهام ، وجب أن يبنيا ، وإنّما بنيا على حركة لالتقاء السّاكنين ، وإنّما كانت الحركة فتحة ؛ لأنّها أخفّ الحركات. وأمّا «أمس» فإنّما بنيت ؛ لأنّها تضمّنت معنى لام التّعريف ؛ لأنّ الأصل في «أمس» الأمس ، فلّما تضمّنت معنى اللّام ، تضمّنت معنى الحرف ؛ فوجب أن تبنى. وإنّما بنيت على حركة لالتقاء السّاكنين ، وإنّما كانت الحركة كسرة ، لأنّها الأصل في التّحريك لالتقاء السّاكنين. ومن العرب من يجعل «أمس» معدولة عن لام التّعريف ، فيجعلها غير مصروفة (١) ؛ قال الشّاعر (٢) : [الرّجز]

لقد رأيت عجبا مذ أمسا

عجائزا مثل السّعالي قعسا

يأكلن ما في رحلهنّ همسا

لا ترك الله لهنّ ضرسا (٣)

وأمّا «هؤلاء» فإنّما بنيت لتضمّنها معنى حرف الإشارة وإن لم ينطق به ؛ لأنّ الأصل في الإشارة أن تكون بالحرف كالشّرط ، والنّفي ، التّمنّي ، والعطف ، إلى غير ذلك من المعاني ، إلّا أنّهم لمّا لم يفعلوا ذلك ؛ ضمّنوا «هؤلاء» معنى حرف الإشارة ، فبنوها ، ونظير «هؤلاء» «ما» التي في التّعجّب ، فإنّها بنيت. لتضمّنها معنى حرف التّعجّب ، وإن لم يكن له (٤) حرف ينطق به ؛ لأنّ الأصل في التّعجّب أن يكون بالحرف كغيره من المعاني ، إلّا أنّهم لمّا لم يفعلوا ذلك ،

__________________

النّحاة يسمّون الضّمّ والفتح عند ما تكونان علامة بناء ، والضّمّة والفتحة عند ما تكونان علامة رفع ونصب ؛ أي حين تكون الضّمّة علامة رفع ، والفتحة علامة نصب.

(١) أي علامة الرّفع فيها الضّمّة ، وعلامة النّصب والجرّ الفتحة.

(٢) لم ينسب هذان البيتان إلى شاعر معيّن.

(٣) السّعالي : جمع سعلاة ؛ وهي الغول ، أو ساحرة الجنّ كما يزعمون. وروي : «خمسا» بدل «قعسا» في بعض الكتب النّحويّة.

موطن الشّاهد : «أمسا» وجه الاستشهاد : مجيء «أمس» غير منصرفة ، فكانت علامة الجرّ فيها الفتحة بدل الكسرة ، والألف للإطلاق.

(٤) في (ط) لها ، وما أثبتناه من (س) وهو الصّواب.

٥٢

ضمّنوا «ما» معنى حرف التّعجّب ، فبنوها كما بنوا «ما» إذا تضمّنت معنى حرف الاستفهام والشّرط ، فكذلك ههنا.

وأمّا الفعل غير المضارع ، فهو على ضربين ؛ أحدهما الفعل الماضي ، والآخر فعل الأمر ، فأمّا الفعل الماضي ؛ فنحو. ذهب ، وعلم ، وشرف ، واستخرج ، ودحرج ، واحرنجم (١) وأما فعل الأمر ؛ فنحو : اذهب ، واعلم ، واشرف ، واستخرج ودحرج ، واحرنجم ، وسنذكر (٢) لم بني فعل الماضي على الفتح ، ولم بني فعل الأمر على الوقف ، وخلاف النّحويّين فيه ، في بابه إن شاء الله تعالى. وأمّا الحروف ؛ فكلّها مبنيّة لم يعرب منها شيء ؛ لبقائها على أصلها في البناء ، فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) احرنجم : يقال : احرنجم الرّجل ، إذا همّ بالأمر ، ثم تراجع عنه. واحرنجمت الإبل :إذا ازدحمت واجتمع بعضها إلى بعض. القاموس المحيط (ط. دار الفكر بيروت) مادة : (حرجم) ص ٩٨٦.

(٢) في (ط) وسنذكره ، والصّواب ما ذكرنا من (س).

٥٣

الباب الرّابع

باب إعراب الاسم المفرد

[الاسم المفرد على ضربين]

إن قال قائل : على كم ضربا الاسم المفرد؟ قيل : على ضربين ؛ صحيح ، ومعتلّ ؛ فالصّحيح في عرف النّحويّين : ما لم يكن آخره ألفا ، ولا ياء قبلها كسرة ؛ نحو : رجل ، وفرس ، وما أشبه ذلك ؛ وهو على ضربين : منصرف.

وغير منصرف.

[علامات الاسم المنصرف]

فالمنصرف : ما دخله الحركات الثّلاث مع التّنوين ؛ نحو : هذا زيد ، ورأيت زيدا ، ومررت بزيد ؛ وهذا الضّرب يسمّى «الأمكن» وقد يسمّى أيضا «متمكّنا».

[التّنوين علامة الصّرف]

فإن قيل : لم جعلوا التّنوين علامة للصّرف دون غيره؟ قيل : لأنّ أولى ما يزاد حروف المدّ واللّين ؛ وهي الألف ، والياء ، والواو ، إلّا أنّهم عدلوا عن زيادتها (إلى التّنوين ، لما يلزم من اعتلالها وانتقالها) (١) ، ألا ترى أنّهم لو جعلوا الواو علامة للصّرف ؛ لا نقلبت ياء في الجرّ ؛ لانكسار ما قبلها؟ وكذلك ، حكم الياء والألف في الاعتلال ، والانتقال من حال إلى حال ؛ وكان التّنوين أولى من غيره ؛ لأنّه خفيف يضارع حروف العلّة ، ألا ترى أنّه غنّة في الخيشوم ، وأنّه لا معتمد له في الحلق ، فأشبه الألف إذا كان حرفا هوائيّا.

[خلافهم في أسباب دخول التّنوين في الكلام]

فإن قيل : فلماذا دخل التّنوين الكلام؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب سيبويه إلى أنّه دخل الكلام علامة للأخفّ عليهم ، والأمكن عندهم ،

__________________

(١) سقطت من (ط) والزّيادة من (س).

٥٤

وذهب بعضهم إلى أنّه دخل فرقا بين الاسم والفعل ، وذهب آخرون إلى أنّه دخل فرقا بين ما ينصرف وما لا ينصرف.

[علامات غير المنصرف]

وأمّا غير المنصرف : فما لم يدخله الجرّ مع التّنوين ، وكان ثانيا من وجهين ؛ نحو : مررت بأحمد وإبراهيم ، وما أشبه ذلك. وإنّما منع هذا الضّرب من الأسماء الصّرف ؛ لأنّه يشبه الفعل ، فمنع من التّنوين ، ومن الجرّ تبعا للتّنوين لما بينهما من المصاحبة ، وذهب بعضهم إلى أنّه منع الجرّ ؛ لأنّه أشبه الفعل ؛ والفعل لا يدخله جرّ ، ولا تنوين ، فكذلك ما أشبهه ، وهذا الضّرب سمّي «المتمكن» ولا يسمّى «أمكن» وكلّ أمكن متمكّن ، وليس كلّ متمكّن أمكن.

[دخول الجرّ على المعرّف]

فإن قيل : فلم يدخل الجرّ مع الألف واللّام ، أو الإضافة؟ قيل : للأمن من دخول التّنوين مع الألف واللّام والإضافة ، وسترى هذا في موضعه إن شاء الله تعالى.

[تعريف الاسم المعتل]

والمعتلّ : ما كان آخره ألفا ، أو ياء قبلها كسرة.

[الاسم المعتلّ على ضربين]

وهو على ضربين ؛ منقوص ، ومقصور ؛ فالمنقوص : ما كانت في آخره ياء خفيفة قبلها كسرة ؛ وذلك نحو : القاضي ، والدّاعي ؛ فإن قيل : فلم سمّي منقوصا؟ قيل : لأنّه نقص الرّفع والجرّ ؛ تقول : هذا قاض يا فتى ، ومررت بقاض ؛ والأصل : هذا قاضي ، ومررت بقاضي ، إلّا استثقلوا الضّمّة والكسرة على الياء ، فحذفوهما ؛ فبقيت الياء ساكنة ، والتّنوين ساكنا ، فحذفوا الياء لالتقاء السّاكنين ، وكان حذف الياء أولى من حذف التّنوين لوجهين ؛

أحدهما : أنّ الياء إذا حذفت بقي في اللّفظ ما يدلّ عليها ، وهي الكسرة ، بخلاف التّنوين ، فإنّه لو حذف ، لم يبق في اللّفظ ما يدلّ على حذفه ، فلّما وجب حذف أحدهما ؛ كان حذف ما في اللّفظ دلالة على حذفه أولى.

والثّاني : أنّ التّنوين دخل لمعنى وهو الصّرف ، وأمّا الياء ، فليست كذلك ، فلمّا وجب حذف أحدهما ؛ كان حذف ما لم يدخل لمعنى أولى من حذف ما دخل لمعنى. وأمّا إذا كان منصوبا ، فهو بمنزلة الصّحيح ؛ لخفّة الفتحة ؛ فإن قيل : الحركات كلّها تستثقل على حرف العلّة ؛ بدليل قولهم :

٥٥

باب وناب ، والأصل فيهما : بوب ، ونيب ، إلّا أنّهم استثقلوا الفتحة على الواو والياء ؛ فقلبوا كلّ واحدة منهما ألفا ؛ قيل : الفتحة في هذا النّحو (١) لازمة ، ليست بعارضة ، بخلاف الفتحة التي على ياء «قاض» فإنّها عارضة وليست بلازمة ؛ فلهذا المعنى ، استثقلوا الفتحة / في / (٢) نحو : باب وناب ولم يستثقلوها في نحو : قاض.

[الوقف على الاسم المنقوص]

فإن وقفت على المرفوع والمجرور من هذا الضّرب ، كان لك فيه مذهبان : إسقاط الياء ، وإثباتها. واختلف النّحويّون في الأجود منهما ؛ فذهب سيبويه إلى أنّ حذف الياء أجود إجراء للوقف على الوصل ؛ لأنّ الوصل هو الأصل ، وذهب يونس إلى أنّ إثبات الياء أجود ؛ لأنّ الياء إنّما حذفت لأجل التّنوين ، ولا تنوين في الوقف ، فوجب ردّ الياء ، وقد قرأ بعض القرّاء قوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ)(٣) بغير ياء ، وقد قرأ بعضهم بالياء فإن كان منصوبا ، أبدلت من تنوينه ألفا كسائر الأسماء المنصرفة الصّحيحة ؛ فتقول : «رأيت قاضيا» كما تقول : «رأيت ضاربا». وإن كان فيه ألف ولام ، كان حكمه في الوصل حكم ما ليس فيه ألف ولام في حذف الضّمّة والكسرة ، ودخول الفتحة ، وكان لك أيضا في الوقف في حالة الرّفع والجرّ إثبات الياء وحذفها ، وإثباتها أجود الوجهين ؛ لأنّ التّنوين لا يجوز أن يثبت مع الألف واللّام ، فإذا زال علّة إسقاط الياء ؛ وجب أن تثبت ؛ وكان بعض العرب يقف بغير ياء ، وذلك أنّه قدّر حذف الياء في «قاض» ونحوه ، ثمّ أدخل عليه الألف واللّام ، وبقي الحذف على حاله ؛ وهذا ضعيف جدّا ، وقد قرأ بعض القرّاء في قوله تعالى : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ)(٤). فإن كان منصوبا لم يكن الوقف عليه إلّا بالياء ، قال الله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ)(٥) ، وذلك ؛ لأنّه تنزّل بالحركة منزلة الحرف الصّحيح ، فتحصنّ (٦) بها من الحذف.

[تعريف الاسم المقصور]

وأمّا المقصور فهو المختصّ بألف مفردة في آخره ؛ نحو الهوى ، والهدى ، والدّنيا ، والأخرى ، وسمّي مقصورا ؛ لأنّ حركات الإعراب قصرت عنه ؛ أي :

__________________

(١) في (ط) البحر وربّما كان خطأ مطبعيّا.

(٢) سقطت في (ط).

(٣) س : ١٦ (النّحل ، ن : ٩٦ ، مك).

(٤) س : ٢ (البقرة ، ن : ١٨٦ ، مد).

(٥) س : ٧٥ (القيامة ، ٢٦ ، مك).

(٦) في (ط) فيخصّ ؛ والصّواب ما أثبتنا من (س).

٥٦

حبست ؛ والقصر : الحبس ؛ ومنه يقال : امرأة مقصورة ، وقصيرة ، وقصورة ؛ قال الله تعالى : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ)(١) ؛ أي محبوسات ؛ وقال الشّاعر (٢) : [الطّويل]

وأنت التي حبّبت كلّ قصيرة

إليّ ولم تشعر بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار الخطا ، شرّ النّساء البحاتر (٣)

ويروى : قصورة ، والبهاتر : القصار بمعنى واحد.

[الاسم المقصور ضربان]

وهو على ضربين ؛ منصرف ، وغير منصرف ؛ فالمنصرف : ما دخله التّنوين ؛ نحو : هذه عصا ورحى ، ورأيت عصا ورحى ، ومررت بعصا ورحى ، والأصل فيه : عصو ، ورحي ، إلّا أنّ الواو والياء ، لمّا تحرّكا ، وانفتح ما قبلهما ؛ قلبا ألفين ، وحذفت الألف منهما ؛ لسكونها وسكون التّنوين ، وكان حذفها أولى لما ذكرناه في حذف الياء ؛ نحو : قاض.

[الوقف على الاسم المقصور]

فإن وقفت على شيء من هذا الضّرب ، فقد اختلف النّحويّون فيه على مذاهب ؛ فذهب سيبويه (٤) إلى أنّ الوقف في حالة الرّفع والجرّ على الألف المبدلة من الحرف الأصليّ ، وفي حالة النّصب على الألف المبدلة من التّنوين حملا (٥) للمعتلّ على الصّحيح ، وذهب أبو عثمان المازنيّ (٦) إلى أنّ الوقف في الأحوال

__________________

(١) س : ٥٥ (الرّحمن : ٧٢ ، مد).

(٢) الشّاعر : كثيّر عزّة ؛ وهو كثيّر بن عبد الرّحمن الخزاعيّ ، صاحب عزّة ، أحد الشّعراء العشّاق في العصر الأمويّ ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١٠٥ ه‍. الشّعر والشّعراء ١ / ٥٠٣.

(٣) المفردات الغريبة : القصائر : جمع قصيرة. الحجال : إمّا جمع حجلة ، كالقبّة ، وموضع يزيّن بالثّياب والسّتور للعروس. وإمّا الخلخال.

البحاتر : جمع بحتر ، وهو القصير المجتمع الخلق ؛ ويروى البهاتر ـ كما جاء في النّسخة «س» ـ وهما بمعنى واحد. جاء في القاموس المحيط : والبهترة ـ بالضّمّ ـ القصيرة ، كالبهتر. وبالفتح الكذب. القاموس المحيط : مادة «بهتر» ص : ٣٢٠.

(٤) سيبويه : عمرو بن قنبر ، أخذ النّحو عن الخليل بن أحمد ، وكان من أعلم النّاس به بعده ؛ له «الكتاب» الذي سمّاه النّاس لأهميّته «قرآن النّحو». مات بشيراز سنة ١٨٠ ه‍. مراتب النّحويّين ٦٤.

(٥) في (ط) عملا ؛ وربّما كان غلطا مطبعيّا.

(٦) المازنيّ : أبو عثمان ، بكر بن محمد ، من متقدّمي النّحاة ؛ أخذ عنه المبرّد ، وغيره ؛ من

٥٧

الثّلاثة ، على الألف المبدلة من التّنوين لأنّهم إنّما خصّوا الإبدال بحال النّصب في الصّحيح ؛ لأنّه يؤدّي إلى الألف التي هي أخفّ الحروف ، ولم يبدلوا في حالة الرّفع والجرّ ؛ لأنّه يفضي إلى الثّقل واللّبس ؛ وذلك غير موجود هنا ؛ لأنّ ما قبل التّنوين ـ ههنا ـ لا يكون إلّا مفتوحا ، فأبدلوا منه ألفا ؛ لأنّه لا يجلب ثقلا ، ولا يجلب لبسا ؛ وذهب أبو سعيد السّيرافيّ (١) إلى أنّ الوقف في الأحوال الثّلاثة على الألف المبدلة من الحرف الأصليّ ، وذلك ؛ لأنّ بعض القرّاء يميلونها في قوله تعالى : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً)(٢) ولو كانت مبدلة من التّنوين ؛ لما جازت ـ ههنا ـ إمالتها ، ألا ترى أنّك لو أملت الألف في نحو : رأيت عمرا ؛ لكان غير جائز؟ فلمّا جازت الإمالة ـ ههنا ـ دلّ على أنّها مبدلة من الحرف الأصليّ لا من التّنوين.

[المقصور غير المنصرف]

وغير المنصرف : ما لم يلحقه التّنوين ، وذلك ؛ نحو : حبلى ، وبشرى ، وسكرى ، وتثبت فيه الألف وصلا ووقفا ، إذ ليس يلحقها تنوين ، تحذف من أجله ، فإن لقيها ساكن من كلمة أخرى ؛ حذفت لالتقاء السّاكنين.

[علّة إعراب الأسماء السّتة بالحروف]

فإن قيل : فلم أعربت الأسماء السّتة المعتلّة بالحروف وهي أسماء مفردة؟

قيل : إنّما أعربت بالحروف توطئة لما يأتي من باب التّثنية والجمع. فإن قيل : فلم كانت هذه الأسماء أولى بالتّوطئة (٣) من غيرها؟ قيل : لأنّ هذه الأسماء منها ما تغلب عليه الإضافة ؛ ومنها ما تلزمه الإضافة ، فما تغلب عليه : أبوك ، وأخوك ، وحموك ، وهنوك ؛ وما تلزمه الإضافة : فوك ، وذو مال ؛ والإضافة فرع على الإفراد ، كما أنّ التّثنية والجمع فرع على المفرد ، فلّما وجدت المشابهة بينهما من هذا الوجه ؛ كانت أولى من غيرها ؛ ولمّا وجب أن تعرب بالحروف لهذه المشابهة ، أقاموا كلّ حرف مقام ما يجانسه من الحركات ؛ فجعلوا الواو علامة للرّفع ، والألف علامة للنّصب ، والياء علامة للجرّ ؛ وذهب الكوفيّون إلى أنّ الواو والضّمّة قبلها علامة للرّفع ، والألف والفتحة قبلها علامة للنّصب ، والياء والكسرة قبلها علامة للجرّ ، فجعلوه معربا من مكانين ، وقد بيّنّا فساده في

__________________

آثاره : التّصريف الملوكي. مات سنة ٢٤٩ ه‍. إنباه الرّواة ١ / ٢٤٦ ، وبغية الوعاة ١ / ٤٦٣.

(١) السّيرافيّ : أبو سعيد ، الحسن بن عبد الله ، نحويّ ، متفقّه ، ورع ؛ من مؤلّفاته : أخبار النّحويّين البصريّين ، وشرح كتاب سيبويه. مات سنة ٣٦٨ ه‍. البغية : ١ / ٥٠٧ ـ ٥٠٩.

(٢) س : ٢٠ (طه ، ن : ١٠ ، مك).

(٣) في (س) بالتّوطيد.

٥٨

مسائل الخلاف بين البصريّين والكوفّيين. وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ هذه الأسماء إذا كانت في موضع رفع ؛ كان فيها نقل بلا قلب ، وإذا كانت في موضع نصب ، كان فيها قلب بلا نقل ، وإذا كانت في موضع جرّ كان فيها نقل وقلب ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت : هذا أبوك ، كان الأصل فيه : هذا أبوك ؛ فنقلت الضّمّة من الواو إلى ما قبلها ، فكان فيه نقل بلا قلب ، وإذا قلت : رأيت أباك ، كان الأصل فيه : رأيت أبوك ، فتحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها ، فقلبت الواو ألفا ، فكان فيه قلب بلا نقل ، وإذا قلت : مررت بأبيك ، كان الأصل فيه : مررت بأبوك ؛ فنقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها ، وانقلبت الواو ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها ، فكان فيه نقل وقلب ؛ وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ الياء والواو والألف ، نشأت عن إشباع الحركات كقول الشّاعر (١) : [البسيط]

الله يعلم أنّا في تلفّتنا

يوم الفراق إلى إخواننا صور

وأنّني حيثما يثن الهوى بصري

من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (٢)

أراد : فأنظر ، فأشبع الضّمّة ؛ فنشأت الواو. وكما قال الآخر (٣) في إشباع الفتحة : [الوافر]

وأنت من الغوائل حين ترمي

ومن ذم الرجال بمنتزاح (٤)

أراد : بمنتزح ، فأشبع الفتحة ؛ فنشأت الألف ؛ وقال الآخر (٥) في إشباع الكسرة : [البسيط]

تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة

نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف (٦)

__________________

(١) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٢) المفردات الغريبة : صور : جمع «أصور» وهو المائل العنق.

موطن الشّاهد : «فأنظور» وجه الاستشهاد : أشبع الشّاعر ضمّة الظّاء ـ مراعاة للوزن ـ فنشأت الواو ؛ وهذا جائز في الشّعر ؛ لإقامة الوزن.

(٣) ينسب البيت إلى إبراهيم بن هرمة ، وهو شاعر غزل من مخضرمي الدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة ، وهو آخر من يحتجّ بشعره من الشّعراء ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات حوالى ١٥٠ ه‍. الشّعر والشّعراء ٢ / ٧٥٣٤.

(٤) المفردات الغريبة : الغوائل : نوازل الدّهر. منتزاح : منتزح ؛ وهو البعيد.

موطن الشّاهد : «بمنتزاح». وجه الاستشهاد : أشبع الشّاعر فتحة الزّاي ـ مراعاة للوزن ـ فنشأت الألف ؛ وحكم هذا الجواز في الشّعر ؛ لإقامة الوزن.

(٥) القائل : الفرزدق ، وهو همّام بن غالب التّميميّ ، أحد ثالوث الشّعر في العصر الأموي ؛ جرير ، والأخطل ، والفرزدق ، وكان أكثرهما فخرا ؛ له يوان شعر مطبوع. مات سنة ١١٠ ه‍.

(٦) المفردات الغريبة : تنفي : تدفع. الحصى : جمع حصاة. الهاجرة : وقت اشتداد الحرّ

٥٩

أراد : الصّيارف ، فأشبع الكسرة ؛ فنشأت الياء ، والشّواهد على (١) إشباع الضّمّة والفتحة والكسرة كثيرة جدّا ؛ وهذا القول ضعيف ؛ لأنّ إشباع الحركات إنّما يكون في ضرورة الشّعر كهذه الأبيات ؛ وأمّا في حالة الاختيار ، فلا يجوز ذلك بالإجماع ، فلمّا جاز ـ ههنا ـ في حالة الاختيار أن تقول : هذا أبوه ، ورأيت أباه ، ومررت بأبيه ، دلّ على أنّ هذه الحروف ما نشأت عن إشباع الحركات. وقد حكي عن بعض العرب أنّهم يقولون : «هذا أبك ، ورأيت أبك ، ومررت بأبك» من غير واو ، ولا ألف ، ولا ياء ؛ ويحكى عن بعض العرب أنّهم يقولون : «هذا أباك ، ورأيت أباك ، ومررت بأباك» بالألف في حالة الرّفع والنّصب والجرّ ؛ كقوله (٢) : [الرّجز]

إنّ أباها وأبا أباها

[قد بلغا في المجد غايتاها]

والذي يعتمد عليه هو القول الأوّل ، وقد بيّنّا ذلك مستقصى في كتابنا الموسوم : ب «الإسماء في شرح الأسماء».

__________________

عند ما ينتصف النّهار. تنقاد : مصدر نقد الدّراهم ـ ميّز رديئها من جيّدها. الصّياريف :جمع «صيرف» وهو الخبير بالنّقد الذي يبادل بعضه ببعض.

موطن الشّاهد : «الدّراهيم ، الصّياريف».

وجه الاستشهاد : الأصل فيهما : الدّراهم والصّيارف ؛ فأشبع كسرة الهاء في الدّراهم ، وكسرة الرّاء في الصّيارف ؛ فتولّدت عن كلّ إشباع منهما ياء ؛ وحكم هذا الإشباع الجواز للضّرورة الشّعرية. وقيل : إنّ «دراهيم» جمع «درهام» لا جمع درهم ، ولا شاهد فيه ، حيث لا زيادة ولا حذف.

(١) في (ط) في ، والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٢) القائل : أبو النّجم العجليّ ؛ وهو الفضل بن قدامة ، من بني بكر بن وائل ، من أشهر الرّجّاز وأحسنهم إنشادا للشّعر. مات سنة ١٣٠ ه‍. الأعلام : ٥ / ٣٥٧.

موطن الشّاهد : «أبا أباها».

وجه الاستشهاد : ألزم قوله «أبا» وهو من الأسماء السّتّة الألف في حالة الجرّ على لغة من يلزمونه الألف في الحالات كلّها ؛ والذي عليه الجمهور ، وما نقل إلينا بالتّواتر : أبا أبيها ؛ لأنّ الأسماء السّتّة علامة جرّها الياء ، كما هو معروف. وفي البيت شاهد آخر في «بلغا. . غايتاها» حيث ألزم المثنّى الألف في حالة النّصب على لغة من يلزمونه ذلك ؛ والذي عليه الجمهور ، وما نقل إلينا بالتّواتر علامة نصب المثنّى الياء.

٦٠