أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

ألفا ، فصار : قاضي : كمغزى ؛ فقالوا قاضويّ ؛ كما قالوا مغزويّ ، وأمّا من قال : مغزيّ ، وقاضيّ ؛ فحذف الألف والياء ؛ فلأنّ الألف ساكنة ، والياء الأولى من ياءي النّسب ساكنة ؛ وساكنان لا يجتمعان ، فحذفت الألف لالتقاء السّاكنين ، كما حذفت في ما كان على خمسة أحرف.

[علّة وجوب حذف الألف والياء في الاسم الخماسيّ في النّسب]

فإن قيل : فلم وجب حذف الألف والياء إذا كان الاسم على خمسة أحرف ؛ نحو قولهم في النّسب إلى «مرتجى : مرتجيّ» وإلى «مشتري (١) : مشتريّ»؟ قيل : إنّما وجب حذف الألف والياء في الاسم إذا كان على خمسة أحرف ؛ لطول الكلمة ، وإذا جاز الحذف في ما كان على أربعة أحرف ؛ لزم في ما زاد على ذلك.

فإن قيل : فلم لزم الحذف في ما كان على أربعة أحرف ؛ نحو قولهم في النّسب إلى «بشكى (٢) : بشكيّ» وإلى «جمزى (٣) : جمزيّ»؟ قيل : لأنّه لمّا توالت فيه ثلاث حركات متواليات ، تنزّل منزلة ما كان على خمسة أحرف ؛ لأنّ الحركة قد تنزل منزلة الحرف ، ألا ترى أنّ من يجوّز أن يصرف «هند» لا يجوّز أن يصرف «سعدى» (٤) كما لا يجوّز أن يصرف «زينب» ؛ لأنّ الحركة ألحقته بما كان على أربعة أحرف ، فكذلك (٥) ـ ههنا ـ ألحقته الفتحة بما كان على خمسة أحرف.

[علّة حذف الياء المتحرّكة من الاسم الذي قبل آخره ياء مشدّدة في النّسب]

فإن قيل : فلم وجب حذف الياء المتحرّكة ممّا قبل آخره ياء مشدّدة ؛ نحو قولهم في النّسب : «أسيّد (٦) : أسيديّ» ونحو ذلك (٧)؟ قيل : لئلّا تجتمع أربع ياءات وكسرتان ، وذلك مستثقل ، وإنّما وجب حذف المتحرّكة ؛ لأنّ المقصود بالحذف التّخفيف ، والمتحرّكة أثقل من السّاكنة ، فكان حذفها أولى ؛ لأنّهم لو حذفوا السّاكنة ؛ لكانت المتحرّكة تنقلب ألفا ؛ لتحرّكها ، وانفتاح ما قبلها ؛ فلذلك ، كان حذف المتحرّكة أولى.

__________________

(١) في (ط) مشتر ؛ لأنّه اسم منقوص ، وأثبتنا ما في (س) للدّلالة على تشديد الياء في النّسبة إلى «مشتري».

(٢) امرأة بشكى : خفيفة سريعة.

(٣) جمزى : نوع من السّير السّريع.

(٤) في (س) سقر.

(٥) في (س) وكذلك.

(٦) أسيّد وأسيود : تصغير «أسود من فلان» أي : أجلّ منه.

(٧) في (س) وما أشبه ذلك.

٢٦١

[علّة قلب همزة التّأنيث واوا في النّسب]

فإن قيل : فلم وجب قلب همزة التّأنيث في النّسب واوا في نحو قولهم : حمراء : حمراويّ ، ولم يجب ذلك في النّسب إلى «كساء ، وعلباء (١)» ونحو ذلك (٢)؟ قيل : لأنّ همزة التّأنيث ثقيلة ؛ لأنّها عوض عن علامة التّأنيث التي توجب ثقلا ؛ فوجب قلبها واوا ؛ وأمّا همزة «كساء» فلم يجب قلبها ؛ لأنّها منقلبة عن حرف أصليّ ، فأجريت مجرى الهمزة الأصليّة ؛ نحو : «قرّاء ، ووضّاء» وكذلك الهمزة في «علباء» ملحقة بحرف أصليّ ، فأجريت / أيضا / (٣) مجرى الهمزة الأصليّة ، وكما لا يجب قلب الهمزة الأصليّة واوا في النّسب ؛ فكذلك ما أجري مجراها

[علّة الرّدّ إلى الواحد في النّسب]

فإن قيل : فلم وجب الرّدّ إلى الواحد في النّسب إلى الجميع ؛ نحو قولهم في النّسب إلى : الفرائض : فرضيّ ، ونحو ذلك (٤)؟ قيل : لأنّ نسبته (٥) إلى الواحد ، تدلّ على كثرة نظره (٦) فيها ؛ وحكم الواحد من الفرائض كحكم الجمع (٧) فإذا كان حكم الواحد كحكم الجمع (٨) ؛ وجب الرّدّ إلى الواحد ؛ لأنّه أخفّ في اللّفظ مع أنّه الأصل ؛ فأمّا قولهم : «أنماريّ ، ومدائنيّ» فإنّما نسبوا إلى الجمع ؛ لأنّه صار اسم شيء بعينه ، وليس المقصود منه أن يدلّ على ما يقتضيه اللّفظ من الجمع ، فلمّا صار اسما للواحد ، تنزّل منزلة الواحد ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) العلباء : عصبة في صفحة العنق ، وتجمع على «علابيّ» يقال : تشنّج علباؤه : إذا أسنّ.

(٢) في (س) وما أشبه ذلك.

(٣) سقطت من (ط).

(٤) في (س) وما أشبه ذلك.

(٥) في (س) نسبه.

(٦) في (س) نظر.

(٧) في (ط) الجميع.

(٧) في (ط) الجميع.

٢٦٢

الباب السّابع والخمسون

باب أسماء الصّلات

[علّة تسمية الأسماء الموصولة بأسماء الصّلات]

إن قال قائل : لم سمّي «الذي ، والتي ، ومن ، وما ، وأيّ» أسماء الصّلات؟ قيل : لأنّها تفتقر إلى صلات توضحها وتبيّنها ؛ لأنّها لم تفهم معانيها (١) بأنفسها ، ألا ترى أنّك لو ذكرتها من غير صلة ، لم تفهم (٢) معناها ، حتى تضمّ إلى شيء بعدها ؛ كقولك : الذي أبوه منطلق ، أو الذي انطلق أبوه ، وكذلك التي أخوها ذاهب ، والتي ذهب أخوها ، وكذلك سائرها.

[الذي والتي ولغاتهما]

وفي «الذي» أربع لغات : (الذي) بياء ساكنة ، و (الذيّ) بياء مشدّدة ، و (الذ) بكسر الذّال من غير ياء ، («والّذ» بسكون الذّال من غير ياء) (٣) ؛ وكذلك في «التي» أربع لغات : التي بياء ساكنة ، والتيّ بياء مشدّدة ، واللّت بكسر التّاء من غير ياء ، واللّت بسكون التّاء من غير ياء ؛ والألف واللّام فيهما زائدتان ، وليستا فيهما للتّعريف ؛ لأنّ التّعريف بصلتهما ، وهي الجملة التي بعدهما ، بدليل أخواتهما (٤) ؛ نحو : «من ، وما» فلو كانتا فيهما للتّعريف ، لأدّى ذلك إلى أن يجتمع فيهما تعريفان ؛ وذلك لا يجوز.

[علّة دخول الذي والتي في الكلام]

فإن قيل : فلم أدخلت «الذي ، والتي» في الكلام؟ قيل : توصّلا إلى وصف المعارف بالجمل ؛ لأنّهم لمّا رأوا النّكرات توصف بالمفردات والجمل ؛ نحو : «مررت برجل ذاهب ، ومررت برجل أبوه ذاهب ، وذهب أبوه ، وما أشبه ذلك ،

__________________

(١) في (س) لأنّها لا يفهم معناها.

(٢) في (س) يفهم.

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (س) أخواتها.

٢٦٣

ولم يحسنوا (١) أن يجعلوا النّكرة أقوى من المعرفة ، وآثروا التّسوية بينهما ، جاؤوا (٢) باسم ناقص لا يتمّ إلّا بجملة ، فجعلوه وصفا للمعرفة توصّلا إلى وصف المعارف بالجمل ، كما أتوا ب «ذي» التي (٣) بمعنى «صاحب» توصّلا إلى الوصف بأسماء الأجناس ؛ نحو / قولك / (٤) : «مررت برجل ذي مال» ، وأتوا ب «أيّ» توصّلا إلى نداء ما فيه الألف واللّام ؛ نحو : «يا أيّها الرّجل» ، ونحو ذلك.

[علّة وجوب العائد من الصّلة إلى الموصول]

فإن قيل : فلم وجب العائد من الصّلة إلى الموصول؟ قيل : لأنّ العائد يعلّقها بالموصول ، ويتمّمها به ، ولذلك ، لم يجز أن يرتفع «زيد / ب / (٥) خرج» في قولهم : الذي خرج زيد ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن تخلو الصّلة من العائد إلى الموصول.

[علّة حذف العائد المنصوب]

فإن قيل : فلم حذف في قوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٦)؟قيل : لأنّ العائد ضمير المنصوب المتّصل والضّمير المنصوب المتّصل يجوز حذفه (وإنّما جاز حذفه) (٧) ؛ لأنّه صار الاسم الموصول ، والفعل ، والفاعل ، والمفعول بمنزلة شيء واحد ؛ فلمّا صارت هذه الأشياء بمنزلة الشّيء الواحد ؛ طلبوا لها التّخفيف ، وكان حذف المفعول أولى ؛ لأنّ المفعول فضلة ، بخلاف غيره من هذه الأشياء ؛ فكان حذفه أولى.

[علّة كون الصّلات جملا]

فإن قيل : فهل يجوز أن تكون الأسماء المفردة صلات؟ قيل : لا يجوز ذلك ؛ لأنّ أسماء الصّلات إنّما أدخلوها في الكلام توصّلا إلى الوصف بالجمل ، كما أتوا ب «ذي (٨)» توصّلا إلى الوصف بالأجناس ، وب «أيّ» توصّلا إلى نداء ما فيه الألف واللّام ، فكما لا يجوز إضافة «ذو» إلى غير الأجناس ولا يأتي بعد «أيّ» إلّا ما فيه الألف واللّام ؛ فكذلك ـ ههنا ـ لا يجوز أن تكون الصّلات إلّا جملا ، ولا يجوز أن تكون مفردة ؛ فأمّا قراءة من قرأ : (تَماماً عَلَى

__________________

(١) في (س) يحبّوا.

(٢) في (س) فجاؤوا.

(٣) في (س) ب «ذو» الذي.

(٤) سقطت من (س).

(٥) سقطت من (ط).

(٦) س : ٢٥ (الفرقان ، ن : ٤١ ، مك).

(٧) سقطت من (ط).

(٨) في (س) ذو.

٢٦٤

الَّذِي أَحْسَنَ)(١) بالرّفع ؛ فالتّقدير فيه «على الذي هو أحسن» ؛ فكذلك قوله عزّ وجلّ : (مَثَلاً ما بَعُوضَةً)(٢) بالرّفع فالتّقدير : «ما هو بعوضة» ؛ وكذلك قوله عزّ وجلّ : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا)(٣) أي : «هو أشدّ» فحذف المبتدأ في هذه المواضع كلّها ؛ وحذف المبتدأ جائز في كلامهم.

[ضمّة «أيّهم» بناء أو إعراب وخلافهم فيها]

فإن قيل : فهذه الضّمّة في «أيّهم» ضمة إعراب أو ضمّة بناء؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب سيبويه إلى أنّها ضمّة بناء ؛ لأنّهم لمّا حذفوا المبتدأ من صلتها دون سائر أخواتها ؛ نقصت فبنيت ، وكان بناؤها على الضّمّ أولى ؛ لأنّها أقوى الحركات ، فبنيت على الضّمّة ك «قبل ، وبعد» والذي يدلّ على أنّهم إنّما بنوها لحذف المبتدأ ، أنّهم لو أظهروا المبتدأ ، فقالوا «ضربت أيّهم هو في الدّار» ؛ لنصبوا ، ولم يبنوا. وذهب الخليل إلى أنّ الضّمّة ضمّة إعراب ، ويرفعه (٤) على الحكاية ؛ والتّقدير عنده : ... (٥) ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة الذي يقال لهم أيّهم». وذهب يونس إلى إلغاء الفعل قبله ، وينزل الفعل المؤثّر في الإلغاء منزلة أفعال القلوب. والصّحيح : ما ذهب إليه سيبويه ، وأمّا قول الخليل : إنّه مرفوع على الحكاية ؛ فالحكاية إنّما تكون بعد جري الكلام فتعود الحكاية إليه ، وهذا الكلام يصحّ ابتداء من غير تقدير قول قائل قاله ، وأمّا قول يونس فضعيف جدّا ؛ لأنّ الفعل إذا كان مؤثّرا ، لا يجوز إلغاؤه.

[علّة بناء أسماء الصّلات]

فإن قيل : فلم بنيت أسماء الصّلات؟ قيل لوجهين :

أحدهما : أنّ الصّلة لمّا كانت مع الموصول بمنزلة كلمة واحدة ، صارت بمنزلة بعض الكلمة ، وبعض الكلمة مبنيّ.

والوجه الثّاني : أنّ هذه الأسماء لمّا كانت لا تفيد إلّا مع كلمتين فصاعدا ، أشبهت الحروف ؛ لأنّها لا تفيد إلّا مع كلمتين فصاعدا.

__________________

(١) س : ٦ (الأنعام ، ن : ١٥٤ ، مك).

(٢) س : ٢ (البقرة ، ن : ٢٦ ، مد).

(٣) س : ١٩ (مريم ، ن : ٦٩ ، مك).

(٤) في (س) وترفعه.

(٥) في (ط) زيادة [قال الله سبحانه وتعالى] ولا تتوافق مع السّياق ، فلم نثبتها في المتن.

٢٦٥

[علّة إعراب «أيّ» دون أخواتها]

فإن قيل : ف «أيّ» لم كانت معربة دون سائر أخواتها؟ قيل : لوجهين :

أحدهما : أنّهم بقّوها على الأصل في الإعراب ، تنبيها على أنّ الأصل في الأسماء الإعراب ، كما بنوا الفعل المضارع إذا اتّصلت به نون التّأكيد / أ/ و (١) ضمير جماعة النّسوة ، تنبيها على أنّ الأصل في الأفعال البناء.

والوجه الثّاني : أنّهم حملوها على نظيرها ونقيضها ؛ فنظيرها جزء ، ونقيضها كلّ ؛ وهما معربان ، فكانت معربة ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من (ط).

٢٦٦

الباب الثّامن والخمسون باب حروف الاستفهام

[حروف الاستفهام وأسماؤه وظروفه]

إن قال قائل : كم حروف الاستفهام؟ قيل : ثلاثة حروف (١) «الهمزة ، وأم ، وهل» وما عدا هذه الثّلاثة ، فأسماء وظروف أقيمت مقامها ؛ فالأسماء :«من ، وما ، وكم ، وكيف» والظّروف : «أين ، وأنّى ، ومتى ، وأيّ حين ، وأيّان» ؛ و «أيّ» يحكم عليها بما تضاف إليه ؛ فأمّا الهمزة وأم ، فقد بيّنّاهما في باب العطف ، وأمّا «هل» فتكون استفهاما وتكون بمعنى «قد» قال الله عزّ وجلّ (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)(٢) أي : «قد أتى» ثم قال الشّاعر (٣) : [البسيط]

سائل فوارس يربوع بشدّتنا

أهل رأونا بسفح القفّ ذي الأكم (٤)

أي : قد رأونا ، ولا يجوز أن تجعل «هل» استفهاما ؛ لأنّ «الهمزة» للاستفهام ، وحرف الاستفهام ، لا يدخل على حرف الاستفهام.

[علّة إقامة العرب الأسماء والظّروف مقام حروف الاستفهام]

فإن قيل : فلم أقامت العرب هذه الأسماء والظّروف مقام

__________________

(١) في (س) حرف ، وهو سهو من النّاسخ.

(٢) س : ٧٦ (الدّهر ، ن : ١ ، مك).

(٣) الشّاعر هو : زيد الخيل بن مهلهل ، من طيّىء ، شاعر وخطيب من أبطال الجاهليّة وفرسانها ، أدرك الإسلام ، فأسلم ، وسمّاه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ زيد الخير ؛ له ديوان شعر مطبوع. الشّعر والشّعراء ١ / ٢٨٦ ، والأغاني ١٦ / ٤٦.

(٤) المفردات الغريبة : فوارس : جمع فارس. يربوع : أبو حيّ من تميم.

السّفح : أسفل الجبل. القفّ : ما ارتفع من متون الأرض. الأكمة : تلّ من القفّ ، وهو حجر واحد ، ويجمع على أكم.

موطن الشّاهد : (أهل).

وجه الاستشهاد : وقوع «هل» بمعنى «قد» ؛ لأنّها سبقت بهمزة الاستفهام ؛ ولا يجوز عدّ «هل» في البيت حرف استفهام ؛ لأنّ حرف الاستفهام لا يدخل على حرف استفهام مثله.

٢٦٧

حروف (١) الاستفهام؟ قيل : إنّما أقاموها مقام حروف الاستفهام توسّعا في الكلام ، ولكلّ واحد منها موضع يختصّ به ، ف «من» سؤال عمّن يعقل ، و «ما» سؤال عمّا لا يعقل ، و «كم» سؤال عن العدد ، و «كيف» سؤال عن الحال ، و «أين» ، و «أنّى» سؤال عن المكان ، و «متى ، وأيّ حين ، وأيّان» سؤال عن الزّمان ، و «أيّ» يحكم عليها بما تضاف إليه ؛ فإنّها لا تكون إلّا مضافة ، ألا ترى أنّك لو قلت : من عندك؟ ؛ لوجب أن يقول المجيب : زيد أو عمرو ، وما أشبه ذلك ، ولو قال : فرس ، أو حمار ، لم يجز ؛ لأنّ «من» سؤال عمّن يعقل ، لا عمّا لا يعقل ؛ وكذلك لو قلت : أين زيد؟ ؛ لوجب أن تقول : في الدّار أو في المسجد ، وما أشبه ذلك ؛ فلو قال : يوم الجمعة لم يجز ؛ لأنّ «أين» سؤال عن المكان ، لا عن الزّمان ؛ وكذلك ـ أيضا ـ لو قلت : متى الخروج؟ ؛ لوجب أن تقول : «يوم الجمعة ، أو يوم السّبت» / أ/ و (٢) ما أشبه ذلك ، ولو قال : في الدّار ، أو في المسجد ؛ لم يجز ، لأنّ «متى» سؤال عن الزّمان لا عن المكان ، وكذلك سائرها.

[علّة إقامة هذه الكلمات مقام الهمزة]

فإن قيل : فلم أقاموا هذه الكلم مقام حرف واحد ، وهي همزة الاستفهام ، وهم يتوخّون الإيجاز والاختصار في الكلام؟ قيل : إنّما فعلوا ذلك للمبالغة في طلب الإيجاز والاختصار ، وذلك ؛ لأنّ هذه الكلم تشتمل على الجنس الذي تدلّ عليه ، ألا ترى أنّ «من» تشتمل على جميع من يعقل ، و «أين» تشتمل على جميع الأمكنة ، و «متى» تشتمل على جميع الأزمنة ، وكذلك سائرها؟ فلمّا كانت تشتمل على هذه الأجناس ؛ كان فيها فائدة ليست في الهمزة ، ألا ترى أنّك لو قلت : أزيد عندك؟ ؛ لجاز ألّا يكون زيد عنده ؛ فيقول : «لا» فتحتاج إلى أن تعيد السّؤال ، وتعدّ شخصا شخصا ، وربّما لا يذكر الشخص الذي هو عنده ، فلا يحصل لك الجواب عمّن عنده ؛ لأنّه لا يلزمه ذلك في سؤالك ، فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى التّطويل ؛ لأنّ استيعاب الأشخاص مستحيل ، أتى بلفظة تشتمل على جميع من يعقل وهي «من» فأقاموها مقام «الهمزة» ليلزم المسؤول الجواب عمّن عنده ، وكذلك لو قلت : أفي الدّار زيد ، أو في المسجد ؛ لجاز ألّا يكون في واحد منهما ؛ فيقول : «لا» فتحتاج ـ أيضا ـ أن تعيد السؤال ، وتعدّ مكانا مكانا ، وربّما لا يذكر ذلك المكان الذي هو فيه ، فلا يحصل لك الجواب عن

__________________

(١) في (س) حرف.

(٢) سقطت في (ط).

٢٦٨

مكانه ؛ لأنّه لا يلزمه ذلك في سؤالك (١) ؛ فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى التّطويل ، أتي ب «أين» ؛ لأنّها تشتمل على جميع الأمكنة ؛ ليلزم المسؤول الجواب عن مكانه ؛ وكذلك لو قلت : أيخرج زيد يوم السّبت ؛ لجاز ألّا يخرج في ذلك اليوم ، فتحتاج ـ أيضا ـ إلى تكرير السّؤال ، وربّما لا يذكر ذلك الوقت الذي يخرج فيه ؛ فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى التّطويل ؛ أقاموا «متى» مقامها ؛ لأنّها تشتمل على جميع الأزمنة ، كما تشتمل «أين» على جميع الأمكنة ، وكذلك سائرها ؛ فلهذا المعنى من الإيجاز والاختصار أقاموها مقام الهمزة.

[علّة بناء أدوات الاستفهام عدا «أي»]

فإن قيل : فلم كانت مبنيّة ما عدا «أيّا»؟ قيل : إنّما بنيت لأنّها تضمّنت معنى حرف الاستفهام ، وهو «الهمزة» وأمّا «أيّ» فإنّما أعربت وإن كانت قد تضمّنت معنى حرف الاستفهام ؛ لما بيّنّا في باب أسماء الصّلات [من](٢) قبل ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) سؤاله.

(٢) زيادة يقتضيها السّياق.

٢٦٩

الباب التّاسع والخمسون

باب الحكاية

[فائدة الحكاية في الكلام]

إن قال قائل : لم دخلت الحكاية الكلام؟ قيل : لأنّها تزيل الالتباس ، وتزيد (١) التّوسّع في الكلام.

[الحكاية في المعارف والنّكرات وخلافهم في ذلك]

فإن قيل : فهل يجوز (٢) الحكاية في غير الاسم العلم والكنية؟ قيل : اختلفت (٣) العرب في ذلك ؛ فمن العرب من يجيز الحكاية في المعارف كلّها دون النّكرات ؛ قال الشّاعر (٤) : [الوافر]

سمعت : النّاس ينتجعون غيثا

فقلت لصيدح انتجعي بلالا (٥)

فقال : «النّاس» بالرّفع ، كأنّه سمع قائلا يقول : النّاس ينتجعون غيثا ، فحكى الاسم مرفوعا ، كما سمع. ومن العرب من يجيز الحكاية في المعرفة والنّكرة ؛ ومن ذلك قول بعضهم ، وقد قيل له : عندي تمرتان ؛ فقال : «دعني من تمرتان». وأمّا أهل الحجاز فيخصّونها بالاسم العلم والكنية ؛ فيقولون إذا قال : رأيت زيدا : من زيدا؟ ، وإذا قال : مررت بزيد : من زيد؟ ، فيجعلون «من»

__________________

(١) في (ط) وتزيل.

(٢) في (ط) يجوز.

(٣) في (س) اختلف.

(٤) الشّاعر هو : ذو الرّمّة ، وقد سبقت ترجمته.

(٥) المفردات الغريبة : ينتجعون : يطلبون مساقط الغيث. صيدح : اسم ناقة ذي الرّمّة.

موطن الشّاهد : (سمعت النّاس).

وجه الاستشهاد : وقوع «النّاس» مرفوعا في البيت على الحكاية ؛ لما بيّنه المؤلّف في المتن ؛ وحكم هذه الحكاية الجواز. غير أنّ للشّاهد رواية أخرى بنصب «النّاس» فلا شاهد فيه عليها.

٢٧٠

في موضع رفع بالابتداء ، و «زيدا» (١) في موضع الخبر ، ويحكون الإعراب ، وتكون الحركة قائمة مقام الرّفعة (٢) التي تجب بخبر المبتدأ.

[بنو تميم لا يحكون الإعراب]

وأمّا بنو تميم فلا يحكون ، ويقولون «من زيد» بالرّفع في جميع الأحوال ، فيجعلون «من» في موضع رفع ؛ لأنّه مبتدأ و «زيد» هو الخبر ، ولا يحكون الإعراب ؛ وهو القياس ؛ والذي يدلّ على ذلك : أنّ أهل الحجاز يوافقون بني تميم في العطف والوصف ؛ فالعطف كقولك إذا قال لك القائل : رأيت زيدا : ومن زيد؟ ، والوصف كقولك إذا قال / لك / (٣) القائل : رأيت زيدا الظّريف : «من زيد الظّريف؟».

[أهل الحجاز يخصّون الحكاية باسم العلم والكنية وعلّة ذلك]

فإن قيل : فلم خصّ أهل الحجاز الحكاية بالاسم العلم والكنية؟ قيل : لأنّ الاسم العلم والكنية غيّرا ، ونقلا عن وضعهما ؛ فلمّا دخلهما التّغيير ؛ والتّغيير يؤنس بالتّغيير.

[علّة رفع الحجازيّين في العطف والوصف]

فإن قيل : فلم رفع أهل الحجاز مع العطف والوصف؟ قيل : لارتفاع اللّبس.

[الزّيادات التي تلحق من في الاستفهام عن النّكرة في الوقف]

فإن قيل : فما هذه الزّيادات التي تلحق «من» في الاستفهام عن النّكرة في الوقف في حالة الرّفع ، والنّصب ، والجرّ ، والتّأنيث ، والتّثنية ، والجمع ؛ نحو : «منو ، ومنا ، ومني ، ومنان ، ومنين ، ومنون ، ومنين ، ومنه ، ومنتان ، ومنتين ، ومنات» هل هي إعراب أو لا؟ قيل : هذه الزيادات التي تلحق «من» من تغييرات (٤) الوقف ، وليست بإعراب ، والدّليل على ذلك من وجهين :

أحدهما : أنّ «من» مبنيّة ، والمبنيّ لا يلحقه الإعراب.

والثّاني : أنّ الإعراب يثبت في الوصل ، ويسقط في الوقف (٥) ؛ وهذا

__________________

(١) في (س) وزيد.

(٢) سقطت من (س).

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (س) تغيّرات.

(٤) علّق محقّق (أسرار العربيّة) بالآتي : إنّ الحكاية في (من) خاصّة بالوقف. نقول : منان

٢٧١

بعكس الإعراب ، يثبت في الوقف ، ويسقط في الوصل ؛ فدلّ على أنّه ليس بإعراب ، وأمّا قول الشّاعر (١) : [الوافر]

أتوا ناري فقلت منون أنتم

فقالوا الجنّ فقلت : عموا ظلاما (٢)

فأثبتوا الزّيادة في حال الوصل ؛ فالجواب عنه من وجهين :

أحدهما : أنّه أجرى الوصل مجرى الوقف ؛ لضرورة الشّعر ، وإذا كان ذلك لضرورة الشّعر ؛ فلا يكون فيه حجّة.

والثّاني : أنّه يجوز أن يكون من قبيلة تعرب (٣) «من» ، فقد حكي عن سيبويه (٤) : أنّه من العرب من يقول : «ضرب من منا» كما تقول : «ضرب رجل رجلا» ولم يقع الكلام في لغة من أعربها ، وإنّما وقع في لغة من بناها ، ف «منون» في هذه اللغة بمنزلة «قام الزيدون» وعلى كلّ حال فهو من القليل الشّاذّ الذي لا يقاس عليه ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

بالوقف والإسكان ـ وإن وصلت قلت : من يا هذا ، وبطلت الحكاية. ٣٩٢ / حاه.

(١) ينسب هذا البيت إلى شمر بن الحارث الضّبّيّ ، ولم أصطد له ترجمة وافية.

(٢) المفردات الغريبة : منون أنتم : من أنتم. عموا ظلاما : تحيّة العرب في الصّباح : عم صباحا ، وفي المساء : عم مساء ؛ وللجمع : عموا ؛ وقال : عموا ظلاما لمخاطبته بها الجنّ ؛ وهي تتأذّى من النّار التي أوقدها.

موطن الشّاهد : (منون أنتم).

وجه الاستشهاد : زيادة الواو والنّون على «من» في الوصل ؛ لأنّ القياس أن يقول : من أنتم؟ ؛ وهذا من باب الشّذوذ الذي تسوّغه الضّرورة الشّعريّة.

(٣) في (س) يعربون.

(٤) في (س) حكى سيبويه.

٢٧٢

الباب السّتّون

باب الخطاب

[ضابط الخطاب]

إن قال قائل : ما ضابط هذا الباب؟ قيل : أن تجعل أوّل كلامك للمسؤول عنه الغائب ، وآخره للمسؤول المخاطب ؛ فتقول إذا سألت رجلا عن رجل ... (١) : كيف ذلك الرّجل ، يا رجل؟ ، وإذا سألته عن رجلين ، قلت : كيف ذانك الرّجلان ، يا رجل؟ ، وإذا سألته عن رجال ، قلت : كيف أولئك الرّجال ، يا رجل؟ وإذا سألت رجلا عن امرأة ، قلت : كيف تلك المرأة ، يا رجل؟ ، وإذا سألته عن امرأتين ، قلت : كيف تانك المرأتان يا رجل؟ ، وإذا سألته عن نسوة ، قلت : كيف أولئك النّسوة ، يا رجل؟ ، وإذا سألت امرأة عن امرأة ، قلت : كيف تلك المرأة ، يا امرأة؟ وإذا سألتها عن امرأتين ، قلت : كيف تانك المرأتان ، يا امرأة؟ وإذا سألتها عن نسوة ، قلت : كيف أولئك النّسوة ، يا امرأة؟ وإذا سألت امرأة عن رجل ، قلت : كيف ذلك الرجل يا امرأة؟ وإذا سألتها عن رجلين ، قلت : «كيف ذانك الرّجلان ، يا امرأة؟» ، وإذا سألتها عن رجال ، قلت : «كيف أولئك الرجال ، يا امرأة؟» ، وإذا سألت اثنين عن امرأة ، قلت : «كيف تلكما المرأة ، يا رجلان؟» ؛ قال الله عزّ وجلّ : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)(٢) ، وإذا خاطبت نسوة ، وأشرت إلى رجل ، قلت : كيف ذلكنّ الرّجل يا نسوة؟» قال الله تعالى : (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ)(٣) ، وعلى هذا قياس هذا الباب.

[علّة تقديم المشار إليه الغائب]

فإن قيل : فلم قدّم المشار إليه الغائب؟ قيل : عناية بالمسؤول عنه.

__________________

(١) في (ط) زيادة «قلت» بعد رجل ، ولا ضرورة لزيادتها ، فلم نثبتها في المتن.

(٢) س : ٧ (الأعراف ، ن : ٢٢ ، مك).

(٣) س : ١٢ (يوسف ، ن : ٣٢ ، مك).

٢٧٣

[الكاف بعد أسماء الإشارة للخطاب لا محلّ لها من الإعراب]

والكاف بعد أسماء الإشارة وهي «ذلك ، وتلك ، وأولئك» لمجرّد الخطاب ، ولا موضع لها من الإعراب ؛ لأنّه لو كان لها موضع من الإعراب لكان موضعها الجرّ بالإضافة ، وذلك محال ؛ لأنّ أسماء الإشارة معارف ، والمعارف لا تضاف ، فصارت بمنزلة الكاف في «النّجاك» ؛ لأنّ ما فيه الألف واللّام لا يضاف (١) ، وبمنزلة الكاف في «إيّاك» لأنّه مضمر ؛ والمضمرات كلّها معارف ؛ والمعارف لا تضاف.

[اللّام في أسماء الإشارة زائدة للتّنبيه]

واللّام في : «ذلك ، وتلك» / زائدة / (٢) للتّنبيه ، ك «ها» في «هذا» ؛ ولهذا لا يحسن أن يقال : «هذلك» ولا «هاتالك» ، وأصل اللّام أن تكون ساكنة.

فإن قيل : فلم كسرت اللّام في ذلك وحدها؟ قيل : إنّما كسرت .. (٣) لوجهين :

أحدهما : أنّها كسرت لالتقاء السّاكنين ؛ لسكونها وسكون الألف قبلها.

والثّاني : أنّها كسرت لئلّا تلتبس بلام الملك ، ألا ترى أنّك لو قلت «ذلك» بفتح اللّام ، لالتبس وتوهّم السّامع أنّ المراد به أنّ هذا الشّيء ملك لك ، فلمّا كان يؤدّي إلى الالتباس كسرت اللّام لإزالة هذا الالتباس ، وإنّما فتحت كاف الخطاب في المذكّر ، وكسرت في المؤنّث للفرق بينهما ، والكاف في «تلكما» أيضا للخطاب ، و «ما» / التي بعدها / (٤) علامة للتّثنية ، وكذلك الكاف ـ أيضا ـ في «أولئكم» للخطاب ، والميم والواو المحذوفة علامة لجمع المذكّر ، وكذلك الكاف ـ أيضا ـ في «أولئكنّ» للخطاب ، والنّون المشدّدة علامة لجمع المؤنّث ؛ ومن العرب من يأتي بالكاف مفردة في التّثنية والجمع على خطاب الواحد إذا فهم المعنى ؛ قال الله سبحانه وتعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)(٥) ولم يقل «ذلكم» ؛ وقيل : إنّما أفرد ؛ لأنّه أراد به الجمع ؛ (كأنّه قال : ذلك أيّها الجمع (٦)) (٧) والجمع لفظه مفرد ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ط) تضاف.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (ط) زيادة «ذلك» ولا ضرورة لها ، فلم نثبتها في السّياق.

(٤) سقطت من (س).

(٥) س : ٣ (آل عمران ، ن : ١٨٢ ، مد).

(٦) في (ط) إنّها الجمع ، وما أثبتناه هو الصّواب من نسخة أخرى.

(٧) سقطت من (س).

٢٧٤

الباب الحادي والسّتّون

باب الألفات

[الهمزة في أوّل الكلمات على ضربين]

إن قال قائل : على كم ضربا الألفات التي تدخل أوائل الكلم؟ قيل : على ضربين ؛ همزة وصل ، وهمزة قطع ؛ فهمزة الوصل هي التي يتّصل ما قبلها بما بعدها في الوصل ؛ ولذلك سمّيت همزة الوصل ؛ وهمزة القطع هي التي تقطع ما قبلها عن الاتّصال بما بعدها ؛ فلذلك ، سمّيت همزة القطع.

[همزة الوصل ودخولها في أقسام الكلم كلّها]

فإن قيل : ففي ما ذا تدخل همزة الوصل من الكلم؟ قيل : في جميع أقسام الكلم من الاسم والفعل والحرف ؛ أمّا الاسم فتدخل منه على اسم ليس بمصدر ، وعلى اسم هو المصدر ؛ فأمّا ما ليس بمصدر ف «ابن ، وابنة ، واثنان ، واثنتان ، واسم ، واست ، وامرؤ ، وامرأة ، وايمن» فالهمزة دخلت في أوائل هذه الكلم عوضا عن اللّام المحذوفة منها ، ما عدا : «امرؤ ، وامرأة ، وايمن» فأمّا «امرؤ ، وامرأة» فإنّما أدخلت (١) عليهما ؛ لأنّهما لمّا كان آخرهما همزة ؛ والهمزة معدن التّغيير ، تنزّلا منزلة الاسم الذي قد حذف منه اللّام ، فأدخلت الهمزة عليهما ، كما أدخلت على ما حذف منه اللّام. فأما «ايمن» فهو جمع يمين ، إلّا أنّهم وصلوها ؛ لكثرة الاستعمال ، وقيل : إنّهم حذفوها حذفا ، وزيدت الهمزة في أوّله ؛ لئلّا يبتدأ بالسّاكن. وأمّا ما كان مصدرا ؛ فنحو : «انطلاق ، واقتطاع ، واحمرار ، واحميرار ، واستخراج ، واغديدان ، واخروّاط / واسحنكاك / (٢) واسلنقاء ، واحرنجام ، واسبطرار» وما أشبه ذلك. وأمّا الفعل فتدخل همزة الوصل منه على أفعال هذه المصادر ؛ نحو : «انطلق ، واقتطع ، واحمرّ ،

__________________

(١) في (س) أدخلت.

(٢) سقطت من (س).

٢٧٥

واحمارّ ، واستخرج ، واغدودن (١) واخروطّ (٢) ، واسحنكك (٣) ، واسلنقى (٤) ، واحرنجم (٥) واسبطرّ (٦)» ونحو ذلك ؛ وإنّما دخلت همزة الوصل في أوائل هذه الأفعال ومصادرها ؛ لئلّا يبتدأ بالسّاكن ، وكذلك أيضا تدخل همزة الوصل على أمثلة الأمر من الفعل الذي يسكّن فيه ما بعد حرف المضارعة ؛ نحو «ادخل ، واضرب ، واسمع» لئلّا يبتدأ بالسّاكن. وأمّا الحرف فلا تدخل همزة الوصل منه إلّا على حرف واحد ، وهي لام التّعريف ؛ نحو : «الرجل ، والغلام» وما أشبه ذلك في قول سيبويه للعلّة التي ذكرناها. وأمّا الخليل فذهب إلى أنّ الألف واللّام زيدتا معا للتّعريف ، إلّا أنّهم جعلوا الهمزة همزة وصل ؛ لكثرة الاستعمال ؛ (وقد ذكرناه مستوفى في كتاب «الألف واللّام») (٧).

[علّة فتح همزة الوصل مع لام التّعريف]

فإن قيل : فلم فتحت الهمزة مع لام التّعريف ، وألف «ايمن»؟ قيل : أمّا الهمزة مع لام التّعريف ، ففتحت لثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ الهمزة لمّا دخلت على لام التّعريف ، وهي حرف ؛ أرادوا أن يجعلوها مخالفة للهمزة التي تدخل على الاسم والفعل.

والوجه الثّاني : (أنّ الحرف أثقل ، فاختاروا له الفتحة ؛ لأنّها (٨) أخفّ الحركات.

والوجه الثّالث) (٩) : أنّ الهمزة مع لام التّعريف ، يكثر دورها في الكلام ؛ فاختاروا لها أخفّ الحركات ، وهي (١٠) الفتح.

[علّة فتح همزة ايمن]

وأمّا همزة «ايمن» فإنّما بنيت على الفتح لوجهين :

أحدهما : أنّ الأصل فيها أن تكون همزة قطع مفتوحة ؛ فإذا وصلت لكثرة الاستعمال ؛ بقيت حركتها على ما كانت عليه.

__________________

(١) اغدودن النّبات : إذا اخضرّ حتى ضرب إلى السّواد من شدّة ريّه.

(٢) اخروطّ بهم الطّريق أو السّفر : امتدّ.

(٣) اسحنكك اللّيل : إذا اشتدّت ظلمته.

(٤) في (س) واستلقى ؛ والاسلنقاء : الاستلقاء على القفا.

(٥) احرنجمت الإبل : إذا اجتمع بعضها إلى بعض ، وقد سبقت.

(٦) اسبطرّت الجمال في سيرها : إذا أسرعت ، وامتدّت.

(٧) سقطت من (س).

(٨) سقطت من (س).

(٨) سقطت من (س).

(٩) في (ط) وهو ، وربّما كان سهوا من النّاسخ.

٢٧٦

والثّاني : أنّها فتحت ؛ لأنّ هذا الاسم ناب عن حرف القسم وهو «الواو» فلمّا ناب عن الحرف ، شبّه بالحرف ، وهو لام التّعريف ؛ فوجب أن تفتح همزته ، كما فتحت مع لام التّعريف.

[علّة ضمّ همزة الوصل وفتحها مع بعض الأسماء]

فإن قيل : فلم ضمّت الهمزة في نحو «ادخل» وكسرت في نحو «اضرب» وما أشبه ذلك؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّ الأصل في هذه الهمزة الكسر ، وإنّما ضمّت في نحو «ادخل» وما أشبه ذلك ؛ لأن الخروج من كسر إلى ضمّ مستثقل ؛ ولهذا ليس في كلام العرب شيء على وزن «فعل». وذهب الكوفيّون إلى أنّ همزة الوصل مبنيّة على ثالث المستقبل ، فإن كان مكسورا كسرت ، وإن كان مضموما ضمّت. وما عدا ما ذكرناه في همزة الوصل ، فهو همزة قطع ؛ لأنّ همزة القطع ليس لها أصل يحصرها ، غير أنّا نذكر بينهما فرقا على جهة التّقريب ، فنقول :

[الفرق بين همزة الوصل والقطع]

نفرّق بين همزة الوصل وهمزة القطع في الأسماء بالتّصغير ، فإن ثبتت بالتّصغير ، فهي همزة قطع ، وإن سقطت فهي همزة وصل ؛ نحو همزة : «أب ، وابن» فالهمزة في «أب» همزة قطع ، لأنّها تثبت في التّصغير ، لأنّك تقول في تصغيره : «أبيّ» ، والهمزة في «ابن» همزة وصل ؛ لأنّها تسقط في التّصغير ؛ لأنّك تقول في تصغيره ؛ «بنيّ». ونفرّق بين همزة الوصل وهمزة القطع في الأفعال ، بأن تكون (١) ياء المضارع (٢) منه مفتوحة ، أو مضمومة ، فإن كانت مفتوحة ؛ فهي همزة وصل ؛ نحو : ما قدمناه ، وإن كانت مضمومة ؛ فهي همزة قطع ؛ نحو : «أجمل ، وأحسن» وما أشبه ذلك ؛ لأنّك تقول في المضارع / منه / (٣) «يجمل ، ويحسن» وما أشبه ذلك ؛ وهمزة مصدره ـ أيضا ـ همزة قطع كالفعل ، وإنّما كسرت من «إجمال» ونحوه لئلّا يلتبس بالجمع ، فإنّهم لو قالوا : «أجمل أجمالا» بفتح الهمزة في المصدر ؛ لالتبس بجمع «جمل» فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى اللّبس ؛ كسروا الهمزة لإزالة اللّبس.

__________________

(١) في (ط) يكون.

(٢) في (ط) المضارعة.

(٣) سقطت من (ط).

٢٧٧

[علّة فتح حرف المضارعة في الثّلاثي وضمّها في الرّباعيّ]

فإن قيل : فلم فتحوا حرف المضارعة في الثّلاثي ، وضمّوه في (١) الرّباعي؟ قيل : لأنّ الثّلاثيّ أكثر من الرّباعيّ ، والفتحة أخفّ من الضّمّة ، فأعطوا الأكثر الأخفّ ، والأقلّ الأثقل ؛ ليعادلوا بينهما.

فإن قيل : فالخماسيّ والسّداسيّ أقلّ من الرّباعيّ ، فهلّا وجب ضمّه؟ قيل : إنّما وجب فتحه لوجهين :

أحدهما : أنّ النّقل من الثّلاثيّ أكثر من الرّباعيّ ، فلمّا وجب الحمل على أحدهما ؛ كان الحمل على الأكثر أولى من الحمل على الأقلّ.

والثّاني : أنّ الخماسيّ والسّداسيّ ثقيلان ؛ لكثرة حروفهما ، فلو بنوهما على الضّمّ ، لأدّى ذلك إلى أن يجمعوا بين كثرة الحروف ، وثقل الضّمّ ، وذلك لا يجوز ، فأعطوهما أخفّ الحركات وهو الفتح ، على (٢) أنّ بعض العرب يضمّ حروف (٣) المضارعة منهما ، فيقول : «ينطلق ، ويستخرج» بضمّ حرف المضارعة ، حملا على الرّباعيّ ، فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ط) من.

(٢) في (ط) وعلى ، والصّواب ما أثبناه من (س).

(٣) في (س) حرف.

٢٧٨

الباب الثّاني والسّتّون

باب الإمالة

[معنى الإمالة]

إن قال قائل : ما الإمالة؟ قيل : أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة ، وبالألف نحو الياء.

[علّة إدخال الإمالة في الكلام]

فإن قيل : فلم أدخلت الإمالة الكلام؟ قيل : طلبا للتّشاكل ؛ لئلّا تختلف الأصوات فتتنافر ، وهي تختصّ بلغة أهل الحجاز ، ومن جاورهم من بني تميم وغيرهم ؛ وهي فرع على التّفخيم ؛ والتّفخيم هو الأصل ؛ بدليل أنّ الإمالة تفتقر إلى أسباب توجبها ، وليس التّفخيم كذلك.

[الأسباب التي توجب الإمالة]

فإن قيل : فما الأسباب التي توجب الإمالة؟ قيل : هي الكسرة في اللّفظ ، أو كسرة تعرض للحرف في بعض المواضع ، [أو الياء الموجودة في اللّفظ ، أو لأن الألف منقلبة عن الياء ، أو لأنّ الألف تنزل منزلة المنقلبة عن الياء ، أو إمالة لإمالة ؛ فهذه ستّة أسباب توجب الإمالة. فأمّا الإمالة للكسرة في اللّفظ ؛ فنحو قولهم في عالم : عالم ، وفي سالم : سالم. وأمّا الإمالة للكسرة بشيء يعرض للحرف في بعض المواضع] ؛ (١) فنحو قولهم في خاف : خاف ؛ فأمالوا ؛ لأنّ الخاء تكسر في خفت. وأمّا الإمالة للياء ؛ فنحو قولهم في شيبان : شيبان ، وفي غيلان : غيلان. وأمّا الإمالة ؛ لأنّ الألف منقلبة (٢) من الياء ؛ فنحو قولهم في :رحى : رحى ، وفي رمى : رمى. وأمّا الإمالة ؛ لأنّ الألف تنزل منزلة المنقلبة عن الياء ؛ فنحو قولهم / في / (٣) : حبارى (٤) : حبارى ، وفي سكارى : سكارى.

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (ط) منقلب.

(٣) سقطت من (ط).

(٤) الحبارى : طائر معروف بشكل الأوزّة ويطلق على الذّكر ، والأنثى ، والواحد ، والجمع ؛

٢٧٩

وأمّا الإمالة للإمالة ؛ فنحو : رأيت عمادا ، وقرأت كتابا.

[الأحرف المانعة من الإمالة]

فإن قيل : فما يمنع من الإمالة؟ قيل : حروف الاستعلاء والإطباق ؛ وهي «الصّاد ، والضّاد ، والطّاء ، والظّاء ، والغين ، والخاء ، والقاف» ؛ فهذه سبعة أحرف تمنع الإمالة.

[علّة منع هذه الأحرف من الإمالة]

فإن قيل : فلم منعت هذه الأحرف الإمالة؟ قيل : لأنّ هذه الحروف تستعلي وتتّصل بالحنك الأعلى ، فتجذب الألف إلى الفتح ، وتمنعه من التّسفّل بالإمالة.

[علّة امتناع الإمالة إذا وقعت مكسورة بعد الألف]

فإن قيل : فلم إذا وقعت بعد الألف مكسورة منعت الإمالة ، وإذا وقعت مكسورة قبلها لم تمنع؟ قيل : إنّما منعت من الإمالة إذا وقعت مكسورة بعد الألف ؛ لأنّه يؤدّي إلى التّصعّد بعد الانحدار ؛ لأنّ الإمالة تقتضي الانحدار ، وهذه الحروف تقتضي التّصعّد ، فلو أملت (١) ـ ههنا ـ لأدّى ذلك إلى التّصعّد بعد الانحدار ، وذلك صعب ثقيل ؛ فلذلك ، منعت من الإمالة ؛ بخلاف ما إذا وقعت مكسورة قبل الألف ؛ فإنّه لا يؤدّي إلى ذلك ، فإنّك إذا أتيت بالمستعلي مكسورا ، أضعفت استعلاءه ، ثمّ إذا أملت انحدرت بعد تصعّد ؛ والانحدار بعد التّصعّد سهل خفيف ؛ فبان الفرق بينهما.

فإن قيل : فهلّا جازت الإمالة إذا وقعت قبل الألف مفتوحة في نحو :«صامت» وذلك انحدار بعد تصعّد؟ قيل : لأنّ الحرف المستعلي مفتوح ، والحرف المستعلي إذا كان مفتوحا ، زاد استعلاء ؛ فامتنعت الإمالة ، بخلاف ما إذا كان مكسورا ؛ لأنّ الكسرة تضعف استعلاءه ؛ فصارت سلّما إلى جواز الإمالة ، ولم يكن جواز الإمالة ـ هناك ـ لأنّه انحدار بعد تصعّد فقط ، وإنّما كان / كذلك / (٢) ؛ لأنّ الكسرة ضعّفت استعلاءه ، / و/ (٣) لأنّه انحدار بعد تصعّد ؛ فباعتبار هذين الوصفين ، جازت الإمالة ههنا ، فإن وجد أحدهما ؛ وهو كونه انحدارا بعد تصعّد ، فلم يوجد الآخر ، وهو تضعيف حرف الاستعلاء بالكسرة (٤)

__________________

وألفه للتّأنيث ؛ ويجمع على حباريات ؛ وفرخه : حبرور ، ويجمع على حبابير وحبارير.

راجع القاموس : مادة (حبر) ص ٣٣٤.

(١) في (س) أميلت.

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (ط).

(٤) في (س) فالكسرة.

٢٨٠