أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

فإذا ثبت أن يكون متصرّفا ؛ وجب أن يكون فعلا.

والوجه الثّاني : أنّه يدخله الحذف ، والحذف إنّما يكون في الفعل لا في الحرف ، ألا ترى أنّهم قالوا في «حاشا لله» : حاش لله ؛ ولهذا ، قرأ أكثر القرّاء بإسقاط الألف : (حاشَ لِلَّهِ)(١).

والوجه الثّالث : أنّ لام الجرّ يتعلّق به في قولهم : «حاشا الله» وحرف الجرّ إنّما يتعلّق بالفعل لا بالحرف ؛ لأنّ الحرف لا يتعلّق بالحرف.

والصّحيح : ما ذهب إليه البصريّون ؛ وأمّا قول الكوفيّين : إنّه يتصرّف بدليل قوله : «وما أحاشي» فليس فيه حجّة ؛ لأنّ قوله «أحاشي» مأخوذ من لفظ «حاشى» وليس متصرّفا / منه / (٢) ، كما يقال : بسمل ، وهلّل ، وحمدل ، وسبحل ، وحوقل ، إذا قال : بسم الله ، ولا إله إلّا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ، وإذا (٣) كانت هذه الأشياء لا تتصرّف ، فكذلك ههنا. وقولهم : إنّه يدخله الحذف ، والحذف لا يدخل الحرف ؛ قلنا : لا نسلّم ، بل الحذف قد يدخل الحرف ، ألا ترى / أنّهم / (٤) قالوا في «ربّ : رب»؟ وقد قرىء بهما ؛ قال الله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٥) / قرىء / (٦) بالتّشديد والتّخفيف ؛ وفي «ربّ» أربع لغات : بضمّ الرّاء وتشديد الباء وتخفيفها ، وبفتح الرّاء وتشديد الباء وتخفيفها ، وكذلك حكيتم عن العرب أنّهم قالوا في : «سوف أفعل : سو أفعل» وهو حرف ، وزعمتم أنّ الأصل في سأفعل : سوف أفعل ؛ فحذفت الفاء والواو معا ، فدلّ على أنّ الحذف يدخل الحرف. وأمّا قولهم : إنّ لام الجرّ تتعلّق به ؛ قلنا : لا نسلّم ، فإنّ اللّام في قولهم : «حاشَ لِلَّهِ» زائدة ، فلا تتعلّق بشيء ؛ كقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ

__________________

موطن الشّاهد : (وما أحاشي).

وجه الاستشهاد : مجيء فعل «أحاشي» في صيغة المضارع من فعل «حاشا» وفي هذا دليل على تصرّف «حاشا» وفعليّتها ، كما قال المبرّد والكوفيّون ، خلافا للبصريّين القائلين بحرفيّتها.

(١) س : ١٢ (يوسف ، ن : ٣١ ، مك). حاشا لله ما هذا بشرا. وكذلك في الآية «٥١» :حاشا لله ما علمنا عليه من سوء.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (س) وإن.

(٤) سقطت من (س).

(٥) س : ١٥ (الحجر : ٢ ، مك).

(٦) سقطت من (ط).

١٦١

لَكُمْ)(١) أي : «ردفكم» ؛ / و/ (٢) كقوله تعالى : (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)(٣) وما أشبه ذلك ، وإنّما زيدت اللّام مع هذا الحرف تقوية له ، لما كان يدخله من الحذف ؛ فدلّ على أنّه ليس فعلا (٤) ، وأنّه حرف.

[جواز مجيء خلا فعلا وحرفا]

وأمّا «خلا» فإنّها تكون فعلا وحرفا ، فإذا كانت فعلا ؛ كان ما بعدها منصوبا ، وتتضمّن ضمير الفاعل ، وإذا كانت حرفا ؛ كان ما بعدها مجرورا ؛ لأنّها حرف جرّ ، فإن دخل عليها : «ما» كانت فعلا ، ولم يجز أن تكون حرفا ؛ لأنّها مع «ما» بمنزلة المصدر ، وإذا كانت فعلا ؛ كان ما بعدها منصوبا لا غير ؛ قال الشّاعر (٥) : [الطّويل]

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل

وسنذكر هذا (٦) في باب ما ينصب به في الاستثناء.

__________________

(١) س : ٢٧ (النّمل ، ن : ٧٢ ، مك).

(٢) سقطت من (ط).

(٣) س : ٧ (الأعراف ، ن : ١٥٤ ، مك).

(٤) في (س) ليس بفعل.

(٥) الشّاعر : لبيد ، وقد سبقت ترجمته.

موطن الشّاهد : (ما خلا الله).

(٦) وجه الاستشهاد : انتصاب لفظ الجلالة بعد «ما خلا» وجوبا ؛ لاقتران «خلا» ب «ما» فاقترانها بها ، يثبت فعليّتها.

١٦٢

الباب الحادي والثّلاثون

باب ما ينصب به في الاستثناء

[علّة إعمال أفعال الاستثناء النّصب]

إن قال قائل : لم عملت (١) : «ما خلا ، وما عدا ، وليس ، ولا يكون» النّصب؟ قيل : لأنّها أفعال ، أمّا «ما خلا ، وما عدا» فهما فعلان ؛ لأنّ «ما» إذا دخلت عليهما ، كانا معها (٢) بمنزلة المصدر ، وإذا كانا / معها / (٣) بمنزلة المصدر ، انتفت عنهما الحرفيّة ، ووجبت لهما الفعليّة ، وكان فيهما ضمير الفاعل ، فكان ما بعدهما منصوبا ، وحكي عن بعض العرب ، أنّه كان يجرّ بهما إذا لم يكن معهما «ما» فيجريهما مجرى «خلا» ؛ لأنّ «خلا» تارة تكون فعلا ، فيكون ما بعدها منصوبا ، وتارة تكون حرفا ، فيكون ما بعدها مجرورا ؛ وأمّا سيبويه ، فلم يذكر بعد «عدا» إلّا النّصب لا غير. وأمّا «ليس ، ولا يكون» فإنّما وجب أن يكون ما بعدهما منصوبا ؛ لأنّه خبر لهما ؛ لأنّ التّقدير في قولك : «جاءني القوم ليس زيدا ، ولا يكون عمرا» / أي / (٤) : «ليس بعضهم زيدا ، ولا يكون بعضهم عمرا» ف «بعضهم» الاسم ، وما بعده الخبر ؛ وخبر «ليس ولا (٥) يكون» منصوب (٦) كما لو لم يكونا في / باب / (٧) الاستثناء.

[علّة لزوم ليس ولا يكون صيغة واحدة بعد الاستثناء]

فإن قيل : فلم لزما (٨) لفظا واحدا في التّثنية والجمع والتّأنيث؟ قيل : لأنّهما لمّا استعملا في الاستثناء ، قاما مقام «إلّا» و «إلّا» لا يغيّر لفظه ، فكذلك ما قام مقامه ؛ ليدلّوا على أنّه قائم مقامه.

__________________

(١) في (س) عمل.

(٢) في (س) معهما وهو سهو من النّاسخ.

(٣) سقطت من (ط).

(٤) سقطت من (س).

(٥) في (س) وما.

(٦) في (ط) منصوبا.

(٧) سقطت من (س).

(٨) في (ط) لزم ، والصّواب ما أثبتناه من (س).

١٦٣

[عدم العطف على ليس ولا يكون ب «ولا» وعلّة ذلك]

فإن قيل : فلم لا يجوز أن يعطف عليهما بالواو و «لا» فيقال : «ضربت القوم ليس زيدا ولا عمرا ، وأكرمت القوم لا يكون زيدا ولا عمرا»؟ قيل : لأنّ العطف «بالواو ولا» لا يكون إلّا بعد النّفي ، فلمّا أقيما ـ ههنا ـ مقام «إلّا» غيّرا عن أصلهما في النّفي ، فلم يجز العطف عليهما «بالواو ولا» ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

١٦٤

الباب الثّاني والثّلاثون

باب كم

[بناء كم على السّكون وعلّة ذلك]

إن قال قائل : لم بنيت «كم» على السّكون؟ قيل : إنّما بنيت ؛ لأنّها لا تخلو إمّا أن تكون استفهاميّة ، أو خبريّة ، فإن كانت استفهاميّة ، فقد تضمّنت معنى حرف الاستفهام ، وإن كانت خبريّة ، فهي نقيضة «ربّ» لأنّ «ربّ» للتّقليل ، و «كم» للتّكثير ، وهم يحملون الشّيء على ضدّه كما يحملونه على نظيره ، فبنيت / كم / (١) حملا على «ربّ». وإنّما بنيت على السّكون ؛ لأنّه الأصل في البناء.

[وجوب مجيء كم في صدر الكلام وعلّة ذلك]

فإن قيل : فلم (٢) وجب أن تقع «كم» في صدر الكلام؟ قيل : لأنّها إن كانت استفهاميّة ، فالاستفهام له صدر الكلام ، وإن كانت خبريّة ، فهي نقيضة «ربّ» ، و «ربّ» معناها التّقليل ، والتّقليل مضارع (٣) للنّفي ؛ والنّفي له صدر الكلام كالاستفهام.

فإن قيل : فلم كان ما بعدها في الاستفهام منصوبا ، وفي الخبر مجرورا؟ قيل : للفرق بينهما ، فجعلت في الاستفهام بمنزلة عدد ينصب ما بعده ، وفي الخبر بمنزلة عدد يجرّ ما بعده ، وإنّما جعلت في الاستفهام بمنزلة عدد (ينصب ما بعده ، لأنّها في الاستفهام بمنزلة عدد) (٤) يصلح للعدد القليل والكثير ؛ لأنّ المستفهم يسأل عن عدد قليل (٥) وكثير ، ولا يعلم مقدار ما يستفهم عنه ، فجعلت في الاستفهام بمنزلة العدد المتوسّط بين القليل والكثير ، وهو من أحد

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (س) لم.

(٣) في (س) يضارع.

(٤) سقطت من (س).

(٥) في (ط) كثير وقليل.

١٦٥

عشر إلى تسعة وتسعين ، وهو ينصب ما بعده ؛ فلهذا ، كان ما بعدها (١) في الاستفهام منصوبا ؛ وأمّا في الخبر فلا تكون إلّا للتّكثير ، فجعلت بمنزلة العدد الكثير ، وهو يجرّ ما بعده ؛ ولهذا (٢) ، كان ما بعدها مجرورا في الخبر ، لأنّها نقيضة «ربّ» و «ربّ» تجرّ ما بعدها ، وكذلك (٣) ما حمل عليها.

[جواز النّصب مع الفصل في الخبر وعلّة ذلك]

فإن قيل : فلم جاز النّصب مع الفصل في الخبر؟ قيل : إنّما جاز النّصب عدولا عن الفصل بين الجارّ والمجرور ؛ لأنّ الجارّ والمجرور بمنزلة الشّيء الواحد ، وليس النّاصب مع المنصوب بمنزلة الشّيء الواحد ، على أنّ بعض العرب ينصب بها في الخبر من غير فصل ، ويجرّ بها في الاستفهام حملا لإحداهما (٤) على الأخرى.

فإن قيل : فلم إذا كانت استفهاميّة ، لم تبيّن إلّا بالمفرد النّكرة ، وإذا كانت خبريّة جاز أن تبيّن بالمفرد والجمع؟ قيل : لأنّها إذا كانت استفهاميّة ، حملت على عدد ينصب ما بعده ، وذلك لا يبيّن إلّا بالمفرد النّكرة ؛ نحو : أحد عشر رجلا ، وتسع وتسعون جارية ؛ فلذلك ، لم يجز أن تبيّن إلّا بالمفرد النّكرة ، وإذا كانت خبريّة ، حملت على عدد يجرّ ما بعده ، والعدد الذي يجرّ ما بعده ، يجوز أن يبيّن بالمفرد / والنّكرة / (٥) ك «مائة درهم» وبالجمع ك «ثلاثة أثواب» فلهذا ، جاز أن يتبيّن بالمفرد والجمع ، وأمّا اختصاصهما بالتّنكير فيهما جميعا ؛ فلأنّ «كم» لمّا كانت للتّكثير ، والتّكثير والتّقليل لا يصحّ إلّا في النّكرة لا في المعرفة ؛ لأنّ المعرفة تدلّ على شيء مختصّ ، فلا يصحّ فيه التّقليل ، ولا التّكثير ؛ ولهذا ، كانت «ربّ» تختصّ بالنّكرة ؛ لأنّها لمّا كانت للتّقليل ، والتّقليل إنّما يصحّ في النّكرة لا في المعرفة ، كما بيّنّا في «كم» فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) بعده.

(٢) في (س) فلهذا.

(٣) في (س) فكذلك.

(٤) في (ط) لإحديهما ، وما أثبتناه هو الصّواب.

(٥) سقطت من (ط).

١٦٦

الباب الثّالث والثّلاثون

باب العدد

[علّة دخول الهاء على العدد المذكّر]

إن قال قائل : لم أدخلت الهاء من الثّلاثة إلى العشرة في المذكّر ؛ نحو :«خمسة رجال» ولم تدخل في المؤنّث ؛ نحو : «خمس نسوة»؟ قيل : إنّما فعلوا ذلك للفرق بينهما. فإن قيل : فهلّا عكسوا ، وكان الفرق حاصلا (١)؟ قيل :لأربعة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّ الأصل في العدد أن يكون مؤنّثا ، والأصل في المؤنّث أن يكون بالهاء ، والمذكّر هو الأصل ، فأخذ الأصل الهاء ؛ فبقي المؤنّث بغير هاء.

والوجه الثّاني : أنّ المذكّر أخفّ من المؤنّث ، فلمّا كان المذكّر أخفّ من المؤنّث ، احتمل الزّيادة ، والمؤنّث لمّا كان أثقل ، لم يحتمل الزّيادة.

والوجه الثّالث : أنّ «الهاء» زيدت للمبالغة ، كما زيدت في : «علّامة ، ونسّابة» والمذكّر أفضل من المؤنّث ، فكان أولى بزيادتها.

والوجه الرّابع : أنّهم لمّا كانوا يجمعون ما كان على مثال «فعال» في المذكّر بالهاء ؛ نحو : «غراب وأغربة» ويجمعون ما كان على هذا المثال في المؤنّث بغير هاء ؛ نحو : «عقاب وأعقب» حملوا العدد على الجمع ؛ فأدخلوا الهاء في المذكّر ، وأسقطوها في (٢) المؤنّث ، وكذلك حكمها بعد التّركيب / إلى العشرة / (٣) ، إلّا العشرة فإنّها تتغيّر ؛ لأنّها تكون في حال التّركيب في المذكّر بغير هاء ، والمؤنّث بالهاء ؛ لأنّهم لمّا ركّبوا الآحاد مع العشرة ، صارت (٤) معها بمنزلة اسم واحد ؛ كرهوا أن يثبتوا الهاء في العشرة ، لئلّا يصير بمنزلة الجمع بين تأنيثين في اسم واحد على لفظ واحد.

__________________

(١) في (س) واقعا.

(٢) في (س) من.

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (س) وصيّرت.

١٦٧

[علّة بناء الأعداد المركّبة على الفتح]

فإن قيل : فلم بني ما زاد على العشرة ، من أحد عشر إلى تسعة عشر؟

قيل : لأنّ الأصل في «أحد عشر : أحد وعشر» فلمّا حذف حرف العطف وهو الواو (١) ، ضمّنا معنى حرف العطف ، فلمّا تضمّنا معنى الحرف ؛ وجب أن يبنيا ، وبنيا على حركة ؛ لأنّ لهما حالة تمكّن قبل البناء ، وكان الفتح أولى ؛ لأنّه أخفّ الحركات ؛ وكذلك سائرها.

[علّة عدم بناء اثنين في اثني عشر]

فإن قيل : فلم لم يبنوا اثنين في «اثني عشر»؟ قيل : لوجهين :

أحدهما : أنّ علم التّثنية فيه ، هو علم الإعراب ، فلو نزعوا منه الإعراب ؛ لسقط معنى التّثنية.

والثّاني : أنّ إعرابه في وسطه ، وفي حال التّركيب ، لم يخرج عن ذلك ؛ فوجب أن يبقى على ما كان عليه. وبني «عشر» لوجهين :

أحدهما : أن يكون بني على قياس أخواته ؛ لتضمّنه معنى حرف العطف.

والثّاني : أن يكون بني ؛ لأنّه قام مقام النّون من «اثنين» فلمّا قام مقام الحرف ؛ وجب أن يبنى ، وليس هو كالمضاف ، والمضاف إليه ؛ لأنّ كلّ واحد من المضاف والمضاف إليه ، له حكم في نفسه ، بخلاف «اثني عشر» ألا ترى أنّك إذا قلت : «ضربت اثني عشر رجلا» كان الضّرب واقعا بالعشر والاثنين ، كما لو قلت : «ضربت اثنين» ولو قلت : «ضربت غلام زيد» لكان الضّرب واقعا بالغلام دون زيد؟ فلهذا ، قلنا : إنّ العشر قام مقام النّون ، وخالف المضاف إليه.

[علّة حذف الواو من الأعداد المركّبة]

فإن قيل : فلم حذفت الواو من أحد عشر إلى تسعة عشر وجعل الاسمان اسما واحدا؟ قيل : إنّما فعلوا ذلك حملا على العشرة وما قبلها من الآحاد ؛ لقربها منها ؛ لتكون على لفظ الأعداد المفردة ، وإن كان الأصل هو العطف ، والذي يدلّ على ذلك أنّهم إذا بلغوا / إلى / (٢) العشرين ردّوها إلى العطف ؛ لأنّه الأصل ، وإنّما ردّوها إذا بلغوا إلى العشرين ؛ لبعدها عن الآحاد.

__________________

(١) في (س) حذفت واو العطف وفي (ط) وهي.

(٢) سقطت من (س).

١٦٨

[علّة عدم اشتقاقهم من لفظ الاثنين]

فإن قيل : فهلّا اشتقّوا من لفظ الاثنين كما اشتقّوا من لفظ الثّلاثة والأربعة ؛ نحو : «الثّلاثين والأربعين»؟ قيل : لأنّهم لو اشتقّوا من لفظ الاثنين لما كان يتمّ معناه إلّا بزيادة واو ونون ، أو ياء ونون ، وكان يؤدّي إلى أن يكون له إعرابان ، وذلك لا يجوز ، فلم يبق من الآحاد شيء يشتقّ منه إلّا العشرة ، فاشتقّوا من لفظها عددا / عوضا / (١) عن اشتقاقهم من لفظ الاثنين ؛ فقالوا : «عشرون».

[علّة كسر العين من عشرين]

فإن قيل : فلم كسروا العين من «عشرين»؟ قيل : لأنّه لمّا كان الأصل أن يشتقّ من لفظ الاثنين ، وأوّل الاثنين مكسور ، كسروا أوّل العشرين ليدلّوا بالكسر على الأصل.

[علّة كون تمييز الأعداد من أحد عشر إلى تسعة وتسعين مفردا نكرة منصوبة]

فإن قيل : فلم وجب أن يكون ما بعد أحد عشر إلى تسعة وتسعين واحدا نكرة منصوبة؟ قيل : إنّما كان واحدا نكرة ؛ لأنّ المقصود من ذكر النّوع تبيين المعدود من أيّ نوع هو ، وهذا يحصل بالواحد النّكرة ، (وكان الواحد النّكرة) (٢) أولى من الواحد المعرفة ؛ لأنّ الواحد النّكرة أخفّ من الواحد المعرفة ، ولا يلزم فيه ما يلزم في العدد الذي يضاف إلى ما بعده ، / و/ (٣) لأنّه ليس بمضاف ، فيتوهّم أنّه جزء ممّا بيّنته ، كما يلزم بالمضاف (٤) ؛ فلذلك ، وجب أن يكون واحدا نكرة. وإنّما وجب أن يكون منصوبا ؛ لأنّه من أحد عشر إلى تسعة عشر ؛ أصله التّنوين ، وإنّما حذف للبناء ، وكأنّه (٥) موجود في اللّفظ ؛ لأنّه لم يقم مقامه شيء يبطل حكمه ، فكان باقيا في الحكم ، فمنع من الإضافة.

وأمّا العشرون إلى التّسعين ، ففيه النّون موجودة ، فمنعت من الإضافة ، وانتصب على التّمييز على ما بيّنّاه في بابه.

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت الواو من (س).

(٤) في (س) في المضاف.

(٥) في (س) فكأنّه.

١٦٩

[علّة إضافة تمييز المائة]

فإن قيل : فلم إذا بلغت إلى المائة ، أضيفت إلى الواحد؟ قيل : لأنّ المائة حملت على العشرة من وجه ؛ لأنّها عقد مثلها ، وحملت على التّسعين ؛ لأنّها تليها ؛ فألزمت الإضافة ، تشبيها بالعشرة ، وبيّنت (١) بالواحد تشبيها بالتّسعين.

[علّة قولهم ثلاثمائة]

فإن قيل : فلم قالوا «ثلاثمائة» ولم يقولوا «ثلاث مئين»؟ قيل : كان القياس أن يقال : / ثلاث / (٢) مئين إلّا أنّهم اكتفوا بلفظ المائة ؛ لأنّها تدلّ على الجمع ، وهم يكتفون بلفظ الواحد عن الجمع ؛ قال الله تعالى : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً)(٣) ؛ أي : أطفالا / و/ (٤) قال الشّاعر (٥) : [الوافر]

كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

فإنّ زمانكم زمن خميص (٦)

أي في / بعض / (٧) بطونكم ؛ والشّواهد على هذا النّحو كثيرة.

[علّة إجراء الألف مجرى المائة في الإضافة إلى الواحد]

فإن قيل : فلم أجري الألف مجرى المائة في الإضافة إلى الواحد؟ قيل :لأنّ الألف عقد ، كما أنّ المائة عقد.

[علّة جمع الألف إذا دخل على الآحاد]

فإن قيل : فلم يجمع الألف إذا دخل على الآحاد ، ولم يفرد مع الآحاد كالمائة؟ قيل : لأنّ الألف طرف كما أنّ الواحد طرف ؛ لأنّ الواحد أوّل ، والألف آخر ، ثم تتكرّر الأعداد ؛ فلذلك ، أجري مجرى ما يضاف إلى الآحاد ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ط) وبنيت.

(٢) سقطت من (س).

(٣) س : ٢٢ (الحجّ ، ن : ٥ ، مد).

(٤) زيادة من (س).

(٥) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٦) معنى الشّاهد : قلّلوا من الأكل الكثير تعفّوا ، فإنّ زمانكم زمن قحط ومجاعة.

موطن الشّاهد : (بعض بطنكم).

وجه الاستشهاد : استعمال «بطن» بمعنى الجمع ؛ لأنّ المراد : بعض بطونكم.

(٧) سقطت من (ط).

١٧٠

الباب الرّابع والثّلاثون

باب النّداء

[علّة بناء المنادى المفرد المعرفة]

إن قال قائل : لم بني المنادى المفرد المعرفة؟ قيل : لوجهين :

أحدهما : أنّه أشبه كاف الخطاب ، وذلك من ثلاثة أوجه ؛ الخطاب ، والتّعريف ، والإفراد ؛ لأنّ كلّ واحد منهما يتّصف بهذه الثّلاثة ، فلمّا أشبه كاف الخطاب من هذه الأوجه ، بني كما أنّ كاف الخطاب مبنيّة.

والوجه الثّاني : أنّه أشبه الأصوات ؛ لأنّه صار غاية ، ينقطع عندها الصّوت ، والأصوات مبنيّة ؛ فكذلك ما أشبهها.

[علّة بنائه على حركة]

فإن قيل : فلم بني على حركة؟ قيل : لأنّ له حالة تمكّن قبل النّداء ، فبني على حركة ، تفضيلا على ما بني ، وليس له حالة تمكّن.

[علّة كون حركته ضمّا]

فإن قيل : فلم كانت الحركة ضمّة؟ قيل : لثلاثة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّه لو بني على الفتح ؛ لالتبس بما لا ينصرف ، ولو بني على الكسر ؛ لالتبس بالمضاف إلى النّفس ، وإذا بطل بناؤه على الكسر والفتح ؛ تعيّن بناؤه على الضّمّ.

والوجه الثّاني : أنّه بني على الضّمّ فرقا بينه وبين المضاف ؛ لأنّه إن كان / المضاف / (١) مضافا إلى النّفس ، كان مكسورا ، وإن كان مضافا إلى غيرك ، كان مفتوحا (٢) ، فبني على الضّمّ لئلّا يلتبس بالمضاف ؛ لأنّ الضّمّ ، لا يدخل المضاف.

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (س) منصوبا.

١٧١

والوجه الثّالث : أنّه بني على الضّمّ ؛ لأنّه لمّا كان غاية يتمّ بها الكلام ، وينقطع عندها ، أشبه «قبل وبعد» فبنوه على الضّمّ كما بنوهما على الضّمّ.

[علّة مجيء صفته مرفوعة أو منصوبة]

فإن قيل : فلم جاز في وصفه الرّفع والنّصب ؛ نحو : «يا يزيد الظّريف والظّريف»؟ قيل : جاز الرّفع حملا على اللّفظ ، والنّصب حملا على الموضع ، والاختيار عندي ، هو النّصب ؛ لأنّ الأصل في وصف المبنيّ هو الحمل على الموضع ، لا على اللّفظ.

فإن قيل : فلم جاز الحمل ـ ههنا ـ على اللّفظ ، وضمّة زيد ضمّة بناء ، وضمّة الصّفة ضمّة إعراب؟ قيل : لأنّ الضّمّ لمّا اطّرد في كلّ اسم منادى / مفرد / (١) أشبه الرّفع للفاعل ؛ لاطّراده فيه ، فلمّا أشبه الرّفع ؛ جاز أن يتبعه الرّفع ، غير أنّ هذا الشّبه لم يخرجها عن كونها ضمّة بناء ، وأنّ الاسم مبنيّ ؛ فلهذا ، كان الأقيس هو النّصب ، ويجوز الرّفع عندي على تقدير : مبتدأ محذوف ؛ والتّقدير فيه : «أنت الظّريف» ويجوز النّصب على تقدير فعل / محذوف / (٢) ؛ والتّقدير فيه : «أعني الظّريف» ، ويؤيّد الرّفع فيه بتقدير المبتدأ ، والنّصب له بتقدير الفعل أنّ المنادى أشبه الأسماء المضمرة ، والأسماء المضمرة لا توصف.

[علّة جواز العطف بالرّفع والنّصب على المنادى المفرد]

فإن قيل : فلم جاز في العطف ـ أيضا ـ الرّفع والنّصب ؛ نحو : «يا زيد والحارث / والحارث / (٣)»؟ قيل : إنّما جاز الرّفع والنّصب على ما بيّنّا في الوصف من الحمل تارة على اللّفظ ، وتارة على الموضع ؛ قال الله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)(٤) و «الطّير» بالرّفع والنّصب ، فمن قرأ بالرّفع ، حمله على اللّفظ ، ومن قرأ بالنّصب ، حمله على الموضع.

[علّة كون المضاف والنّكرة منصوبين]

فإن قيل : فلم كان المضاف والنّكرة منصوبين؟ قيل : لأنّ الأصل في كلّ منادى أن يكون منصوبا ؛ لأنّه مفعول ، إلّا أنّه عرض في المفرد المعرفة ما يوجب بناءه ؛ فبقي ما سواه على الأصل.

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (س).

(٤) س : ٣٤ (سبأ ، ن : ١٠ ، مك).

١٧٢

[عامل النّصب في المنادى وخلافهم فيه]

فإن قيل : فما العامل فيه النّصب؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب بعضهم (١) إلى أنّ العامل فيه النّصب فعل مقدّر ؛ والتّقدير فيه : «أدعو زيدا ، أو أنادي زيدا». وذهب آخرون إلى أنّه منصوب ب «يا» لأنّها نابت عن : «أدعو / أ/ و (٢) أنادي» والذي يدلّ على ذلك ، أنّه تجوز فيه الإمالة ؛ نحو : «يا زيد» والإمالة لا تجوز في الحروف ، إلّا أنّه لمّا قام مقام الفعل ، جازت الإمالة فيه (٣).

[علّة عدم بناء المنادى المضاف والنّكرة]

فإن قيل : أليس المضاف والنّكرة مخاطبين ، فهلّا بنيا لوقوعهما موقع أسماء الخطاب كما بني المفرد؟ قيل لوجهين :

أحدهما : أنّ المفرد وقع بنفسه موقع أسماء الخطاب ، وأمّا المضاف فيتعرّف (٤) بالمضاف إليه ، فلم يقع موقع أسماء الخطاب كالمفرد ، وأمّا النّكرة فبعيدة الشّبه من أسماء الخطاب ، ولم يجز بناؤها (٥).

(والوجه الثّاني : أنّا لو سلّمنا أنّ المضاف والنّكرة وقعا موقع أسماء الخطاب ، إلّا أنّه لم يلزم بناؤهما) (٦) ؛ لأنّه عرض فيهما ما منع من البناء (٧) ، أمّا المضاف : فوجود المضاف إليه ؛ لأنّه حلّ محلّ التّنوين ، ووجود التّنوين يمنع / من / (٨) البناء ، فكذلك ما يقوم مقامه ، وأمّا النّكرة ، فنصبت ؛ ليفصل بينها وبين النّكرة التي يقصد قصدها ، وكانت النّكرة التي يقصد قصدها أولى بالتّغيير ؛ لأنّها هي المخرجة عن بابها ، فكانت أولى بالتّغيير.

[جواز حذف حرف النّداء إلّا مع النّكرة والمبهم]

فإن قيل : فهل يجوز حذف حرف النّداء؟ قيل : يجوز حذف / حرف / (٩) النّداء إلّا مع النّكرة والمبهم ؛ لأنّ الأصل فيهما النّداء ب «أيّ» ؛ نحو : «يا أيّها الرّجل ، ويا أيّهذا الرّجل» فلمّا اطّرحوا «أيّا» والألف واللّام ، لم يطّرحوا حرف النّداء ، لئلّا يؤدّي ذلك إلى الإجحاف بالاسم.

__________________

(١) في (س) بعض النّحويّين.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) في (س) جاز فيه الإمالة.

(٤) في (س) فيعرف.

(٥) في (س) بناؤهما.

(٦) سقطت من (س).

(٧) في (ط) النّداء ، وما أثبتناه من (س).

(٨) زيادة من (س).

(٩) سقطت من (س).

١٧٣

[خلافهم في وصف أيّ]

فإن قيل : فهل يجوز في وصف «أيّ» ههنا ما جاز في وصف زيد ؛ نحو :«يا زيد الظّريف والظّريف»؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب جماهير النّحويّين إلى أنّه لا يجوز فيه إلّا الرّفع ؛ لأنّ الرجل ـ ههنا ـ هو المنادى في الحقيقة ، إلّا أنّهم أدخلوا «أيّا» ههنا (١) توصّلا إلى نداء ما فيه الألف واللّام ، فلمّا كان / هو / (٢) المنادى في الحقيقة ، لم يجز فيه إلّا الرّفع مع كونه صفة ، إيذانا بأنّه المقصود في النّداء (٣). وذهب أبو عثمان المازنيّ إلى أنّه يجوز فيه النّصب ؛ نحو «يا أيّها الرّجل» كما يجوز «يا زيد الظّريف» وهو ـ عندي ـ القياس ، لو ساعده الاستعمال.

[علّة عدم جمعهم بين يا وأل التّعريف]

فإن قيل : فلم لم يجمعوا بين : «يا» و «الألف واللّام»؟ قيل : لأنّ «يا» تفيد التّعريف ، والألف واللّام تفيد التّعريف ، فلم يجمعوا بين علامتي تعريف ، إذ لا (٤) يجتمع علامتا تعريف في كلمة واحدة.

فإن قيل : قولهم «يا زيد» هل تعرّف بالنّداء ، أو بالعلميّة؟ قيل : في ذلك وجهان :

أحدهما : أنّا نقول : إنّ تعريف العلميّة زال منه ، وحدث فيه تعريف النّداء والقصد ، فلم يجتمع فيه تعريفان.

والثّاني : المسلّم أنّ تعريف العلميّة والنّداء اجتمعا فيه ، ولكن جاز ذلك ؛ لأنّا / إنّما / (٥) منعنا عن الجمع بين التّعريفين إذا كانا بعلامة لفظيّة ك «يا» مع «الألف واللّام» والعلميّة ليست بعلامة لفظيّة ؛ فبان الفرق بينهما.

فإن قيل : أليس قد قال الشّاعر :

فديتك يا التي تيّمت قلبي

وقال الآخر :

فيا الغلامان اللّذان فرّا

__________________

(١) في (س) «يا» توصّلا.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (س) بالنّداء.

(٤) في (س) ولا.

(٥) زيادة من (س).

١٧٤

فكيف جاز الجمع بين «يا» و «الألف واللّام»؟ قيل : إنّما قوله (١) : [الوافر]

فديتك يا التي تيّمت قلبي

وأنت بخيلة بالودّ عنّي

فإنّما جمع بين «يا» و «الألف واللّام» ؛ لأنّ الألف واللّام في الاسم الموصول ليستا للتّعريف ؛ لأنّه إنّما يتعرّف بصلته لا بالألف واللّام ، فلمّا كانا فيه زائدين لغير التّعريف ؛ جاز أن يجمع بين «يا» وبينهما ؛ وأمّا قول الآخر (٢) : [الرّجز]

فيا الغلامان اللّذان فرّا

إيّاكما أن تكسباني شرّا (٣)

فالتّقدير فيه : فيا أيّها الغلامان ، فحذف الموصوف ، وأقام الصّفة مقامه ؛ لضرورة الشّعر ، وما جاء لضرورة الشّعر (٤) لا يورد نقضا.

[علّة جمعهم بين يا ولفظ الجلالة «الله»]

فإن قيل : قد (٥) قالوا «يا الله» فجمعوا بين «يا» و «الألف واللّام»؟ قيل : إنّما جاز أن يجمعوا بينهما لوجهين :

أحدهما : أنّ الألف واللّام عوض عن حرف سقط من نفس الاسم ، فإنّ أصله : «إله» فأسقطوا الهمزة من أوّله ، وجعلوا الألف واللّام عوضا منها (٦) ؛

__________________

(١) لم ينسب إلى قائل معيّن.

موطن الشّاهد : (يا التي).

وجه الاستشهاد : مناداة ما فيه «أل» بيا النّدائيّة ؛ وذلك لأنّ «أل» في الاسم الموصول لا تفيد التّعريف ، ولأنّه يتعرّف بصلته ـ كما ذكر المؤلّف في المتن ـ وللنّحاة في هذه المسألة آراء متعدّدة منها : ـ عدم جواز «يا التي» وينسب هذا الرّأي إلى المبرّد الذي كان يطعن بصحّة الشّاهد السّابق الذي رواه سيبويه.

ومنهم من تأوّل البيت على الحذف ؛ والتّقدير : يا أيّتها التي تيّمت قلبي ؛ فأقام الصّفة مقام الموصوف.

(٢) لم ينسب إلى قائل معيّن.

موطن الشّاهد : (يا الغلامان).

(٣) وجه الاستشهاد : جمع الشّاعر بين حرف النّداء والمنادى المعرّف ب «أل» في غير لفظ الجلالة ، وهذا غير جائز إلّا في الضّرورة الشّعريّة ، ولما ذكر المؤلّف في المتن.

(٤) في (س) للضرورة.

(٥) في (س) فقد.

(٦) في (س) منهما.

١٧٥

والذي يدلّ على ذلك أنّهم جوّزوا قطع الهمزة ؛ ليدلّوا على أنّها قد صارت عوضا عن همزة / القطع / (١) ، فلمّا كانت عوضا عن همزة القطع ، وهي حرف من نفس الاسم ، لم يمتنعوا (٢) من أن يجمعوا بينهما.

والوجه الثّاني : أنّه إنّما جاز في هذا الاسم خاصّة ؛ لأنّه كثر في استعمالهم ؛ فخفّ على ألسنتهم ، فجوّزوا فيه ما لا يجوز في غيره.

[علّة إلحاق الميم المشدّدة في لفظ الجلالة]

فإن قيل : فلم ألحقت الميم المشدّدة في آخر هذا الاسم ، نحو «اللهمّ»؟

قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّها عوض من «يا» التي للتّنبيه ، والهاء مضمومة لأنّه نداء ؛ ولهذا ، لا يجوز أن يجمعوا بينهما / فلا / (٣) يقولون «يا اللهمّ» لئلّا يجمعوا بين العوض والمعوّض. وذهب الكوفيّون إلى أنّها ليست عوضا من «يا» وإنّما الأصل فيه «يا الله أمّنا بخير» إلّا أنّه لمّا كثر في كلامهم ، وجرى على ألسنتهم ، حذفوا بعض الكلام تخفيفا ، كما قالوا : «ايش» والأصل فيه : «أيّ شيء» ، وقالوا : «ويلمّه» والأصل فيه : «ويل أمّه» ، وهذا كثير في كلامهم ، فكذلك ههنا. قالوا : والذي يدلّ على أنّها ليست عوضا / عنها / (٤) أنّهم يجمعون بينهما ، قال الشّاعر (٥) : [الرّجز]

إنّي إذا ما حدث ألمّا

أقول يا اللهمّ يا اللهمّا

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (س) لم يجيزوا ، وهو سهو من النّاسخ.

(٣) سقطت من (س).

(٤) سقطت من (س).

(٥) الشّاعر هو : أميّة بن عبد الله بن أبي الصّلت الثّقفيّ ، شاعر جاهليّ من أهل الطّائف ، كان ممّن حرّموا على أنفسهم الخمرة ، ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهليّة ، أدرك الإسلام ، ولم يسلم ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٥ ه‍. الشّعر والشّعراء : ١ / ٤٥٩ ، والأغاني : ٣ / ١٧٩.

موطن الشّاهد : (يا اللهمّ ، يا اللهمّا).

وجه الاستشهاد : الجمع بين «يا» والميم المشدّدة في «اللهمّ» وهذا يعدّ من باب الضّرورة عند البصريّين. أمّا الكوفيّون ، فتمسّكوا بهذا الشّاهد وأمثاله ؛ ليذهبوا إلى أنّ الميم المشدّدة في «اللهمّ» ليست عوضا من «يا» التي للتّنبيه في النّداء ؛ فلو كانت كذلك ؛ لما جاز أن يجمع بينهما ؛ لأنّ العوض والمعوّض لا يجتمعان ؛ والصّواب ما ذهب إليه البصريّون ؛ لما ذكره المؤلّف في المتن.

١٧٦

وقال الآخر (١) : [الرّجز]

وما عليك أن تقولي كلّما

صلّيت أو سبّحت يا اللهمّا

اردد علينا شيخنا مسلّما

فجمع بين «الميم» و «يا» ، ولو كانت عوضا عنها ، لم يجمع بينهما ؛ لأنّ العوض والمعوّض لا يجتمعان. والصّحيح : ما ذهب إليه البصريّون ، وأمّا قول الكوفيّين : إنّ أصله «يا الله أمّنا بخير» فهو فاسد ؛ لأنّه لو كان الأمر على ما / ذكروا / (٢) وذهبوا إليه ، لما جاز أن يستعمل هذا اللّفظ إلّا في ما يؤدّي إلى (٣) هذا المعنى ، ولا شكّ أنّه يجوز أن يقال : «اللهمّ العنه ، اللهمّ أخزه» وما أشبه ذلك ؛ قال الله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٤) ، ولو كان الأمر على ما ذهبوا إليه ؛ لكان التّقدير فيه «أمّنا بخير إن كان هذا هو الحقّ من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السّماء ، أو ائتنا بعذاب أليم» ولا شكّ أنّ هذا التّقدير ظاهر الفساد ، إذ لا يكون أمّهم بالخير أن يمطر عليهم حجارة من السّماء ، أو يؤتوا بعذاب أليم ؛ وقولهم : إنّه يجوز أن يجمع بين «الميم» و «يا» بدليل ما أنشدوه ، فلا حجّة فيه ؛ لأنّه إنّما جمع بينهما لضرورة الشّعر ، ولم يقع الكلام في حال الضّرورة ، وإنّما سهّل الجمع بينهما للضّرورة ، أنّ العوض في آخر الكلمة ، والجمع بين العوض والمعوّض جائز في ضرورة الشّعر ؛ / كما / (٥) قال الشّاعر (٦) : [الطّويل]

هما نفثا في فيّ من فمويهما

[على النّابح العاوي أشدّ رجام](٧)

فجمع بين «الميم» و «الواو» وهي عوض منها ، فكذلك ههنا ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) لم ينسب إلى قائل معيّن ؛ والشّاهد فيه كسابقه تماما.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (س) عن.

(٤) س : ٨ (الأنفال : ٣٢ ، مد).

(٥) زيادة من (س).

(٦) الشّاعر هو : الفرزدق ، وقد سبقت ترجمته.

(٧) موطن الشّاهد : (فمويهما).

وجه الاستشهاد : الجمع بين الواو والميم ـ وهي عوض منها ـ لضرورة الشّعر ، كما بيّن المؤلّف في المتن.

١٧٧

الباب الخامس والثّلاثون

باب التّرخيم

[تعريف التّرخيم]

إن قال قائل : ما التّرخيم؟ قيل : حذف آخر الاسم في النّداء.

[علّة اختصاص التّرخيم بالنّداء]

فإن قيل : فلم خصّ التّرخيم في النّداء (١)؟ قيل : لكثرة دوره في الكلام ؛ فحذف طلبا للتّخفيف ، وهو باب تغيير ، ألا ترى أنّه عرض فيه حذف الإعراب والتّنوين ، وهما من باب تغيير ، والتّغيير يؤنس بالتّغيير.

[خلافهم في ترخيم الثّلاثيّ]

فإن قيل : فهل يجوز ترخيم ما كان على ثلاثة أحرف؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز ترخيمه ، وذلك ؛ لأنّ التّرخيم إنّما دخل في الكلام لأجل التّخفيف (٢) ، وما كان على ثلاثة أحرف ، فهو على (٣) غاية الخفّة ، فلا يحتمل الحذف ؛ لأنّ الحذف منه يؤدّي إلى الإجحاف به. وذهب الكوفيّون إلى أنّه يجوز ترخيمه إذا كان أوسطه متحرّكا ، وذلك ؛ نحو قولك في «عنق» : «يا عن» وفي «كتف» : «يا كت» وما أشبه ذلك ؛ / وذلك / (٤) لأنّ في الأسماء ما / يماثله / (٥) ويضاهيه ؛ نحو ؛ «يد ، وغد ، ودم» والأصل فيه : «يدي ، وغدو ، ودمو» بدليل قولهم : «دموان» وقيل : «دميان» أيضا ، فنقصوها للتّخفيف ، فبقيت «يد ، وغد ، ودم» فكذلك ههنا ؛ وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما (٦) : أنّ الحذف في هذه الأسماء قليل في الاستعمال ، بعيد عن القياس ، أمّا قلّته في الاستعمال فظاهر ؛ لأنّها كلمات يسيرة معدودة ، وأمّا بعده

__________________

(١) في (س) بالنّداء.

(٢) في (س) للتّخفيف.

(٣) في (س) في.

(٤) زيادة من (س).

(٥) في (س) ما يضاهيه.

(٦) سقطت من (س).

١٧٨

عن القياس ؛ فلأنّ القياس يقتضي أنّ حرف العلّة إذا تحرّك ، وانفتح ما قبله ، يقلب ألفا ولا يحذف ، فلمّا / حذف / (١) ههنا من «دمو» دلّ على أنّه على خلاف القياس.

والوجه الثاني : أنّهم إنّما حذفوا «الياء والواو» من «يد ، وغد ، ودم» لاستثقال الحركات عليها ؛ لأنّ الأصل فيها «يدي ، وغدو ، ودمو» ؛ / و/ (٢) أمّا في باب التّرخيم ، فإنّما وقع الحذف فيه على خلاف القياس ؛ لتخفيف الاسم الذي كثرت حروفه ، ولم يوجد ـ ههنا ـ لأنّه في غاية الخفّة ، فلا حاجة بنا إلى تخفيفه بالحذف.

[علّة ترخيم ما فيه علامة التأنيث]

فإن قيل : فلم جاز ترخيم ما فيه علامة التّأنيث (٣) ؛ نحو قولك في سنة «يا سن» (٤) ، وما أشبه ذلك؟ قيل : لأنّ هاء التّأنيث بمنزلة اسم ضمّ إلى اسم ، وليست من بناء الاسم ، فجاز حذفها كما يحذف الاسم الثّاني من الاسم المركّب ؛ تقول في ترخيم حضرموت : «يا حضر» وفي بعلبكّ : «يا بعل» ، وما أشبه ذلك.

[خلافهم في جواز ترخيم المضاف إليه]

فإن قيل : فهل يجوز ترخيم المضاف إليه؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز ترخيمه ، [لأنّ التّرخيم إنّما يكون في ما يؤثّر النّداء فيه ب «يا» والمضاف إليه ، لم يؤثّر فيه النّداء ب «ياء» فكذلك لا يجوز ترخيمه](٥). وذهب الكوفيّون إلى أنّه يجوز ترخيمه ، واحتجّوا بقول زهير بن أبي سلمى (٦) / وهو / (٧) : [الطّويل]

خذوا حظّكم يا آل عكرم واحفظوا

أواصرنا والرّحم بالغيب تذكر (٨)

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (ط) فلم جاز التّرخيم ما في علامة التّأنيث ، وما أثبتناه هو الصّواب.

(٤) في (س) ثبة : ياثب.

(٥) سقطت من (س).

(٦) سبقت ترجمته.

(٧) سقطت من (س).

(٨) المفردات الغريبة : الأواصر : العواصف والأرحام ؛ والمعنى : خذوا نصيبكم من مودّتنا ومسالمتنا.

موطن الشّاهد : (عكرم)

١٧٩

أراد يا آل عكرمة ؛ فحذف التّاء للتّرخيم ، وهو عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان (١) ، واحتجّوا ـ أيضا ـ بقول الشّاعر (٢) : [الطّويل]

أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة

سيدعوه داعي ميتة فيجيب (٣)

أراد : أبا عروة إلّا أنّه حذف التّاء للتّرخيم ، واحتجّوا ـ أيضا ـ بقول الآخر (٤) : [الرّجز]

أما ترين اليوم أمّ حمز

قاربت بين عنقي وجمزي (٥)

أراد أم حمزة ، فحذف التّاء للتّرخيم ؛ فيدلّ (٦) على جوازه. وما أنشدوه لا حجّة / لهم / (٧) فيه ؛ لأنّه رخّمه للضّرورة ، وترخيم المضاف إليه يجوز في ضرورة الشّعر ، كما يجوز التّرخيم في غير النّداء لضرورة الشّعر ؛ قال الشّاعر (٨) : [الوافر]

ألا أضحت حبائلكم رماما

وأضحت منك شاسعة أماما (٩)

__________________

وجه الاستشهاد : ترخيم «عكرمة» وهو واقع في محلّ جرّ بالإضافة ، فاحتجّ الكوفيّون به وبأمثاله على جواز ترخيم الاسم الواقع مضافا إليه ، بينما يرى البصريّون أنّ ترخيمه من قبيل ترخيم الاسم للضّرورة الشّعريّة.

(١) في (س) قيس عيلان ؛ ولعلّه الصّواب.

(٢) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٣) عرو : عروة. لا تبعد : لا تهلك. سيدعوه : السّين ـ هنا ـ تفيد التّأكيد لا التّسويف.

موطن الشّاهد : (أبا عرو).

وجه الاستشهاد : ترخيم «عروة» الواقع مضافا إليه من قبيل الضّرورة الشعريّة عند البصريّين ، والجواز بشكل عام عند الكوفيّين.

(٤) القائل هو : العجّاج ، وقد سبقت ترجمته.

(٥) المفردات الغريبة : العنق : السّير الخفيف لضعف أو لأمر ما. والجمز : نوع من السّير شبيه بالهرولة ، أو الوثوب ؛ قال في القاموس : هو عدو دون الحضر وفوق العنق. وأمّا العنق ، فقال فيه : سير مسبطرّ للإبل والدّابة. القاموس : مادة (عنق) ص ٨٢١ ، ومادّة (جمز). ص ٤٥٥. والشّاهد فيه كما في الشّاهدين السّابقين تماما.

(٦) في (س) فدلّ.

(٧) سقطت من (ط).

(٨) الشّاعر : جرير ، وقد سبقت ترجمته.

(٩) المفردات الغريبة : الرّمام : جمع رميم ؛ وهو الخلق البالي. الشّاسعة : الواسعة ـ وهنا ـ بمعنى البعيدة ؛ والمراد : إنّ حبال الوصل بينه وبين أمامة قد تقطّعت للفراق الحاصل بينهما

١٨٠