أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

تقدّم الخبر على الاسم ؛ نحو : «ما قائم زيد» لضعفها في العمل ؛ فألزمت طريقة واحدة ، وأمّا قول الشّاعر (١) : [البسيط]

فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر

فمن النّحويّين من قال : هو منصوب على الحال ؛ لأنّ التّقدير فيه : وإذ ما بشر مثلهم ، فلمّا قدّم مثلهم الذي هو صفة النّكرة ، انتصب على الحال ؛ لأنّ صفة النّكرة إذا تقدّمت ، انتصبت على الحال ؛ كقول الشّاعر (٢) : [مجزوء الوافر]

لميّة موحشا طلل

يلوح كأنّه خلل (٣)

/ و/ (٤) التّقدير فيه : طلل موحش ؛ وكقول الآخر (٥) : [البسيط]

والصّالحات عليها مغلقا باب

والتّقدير فيه : باب مغلق ؛ إلّا أنّه لمّا قدّم الصّفة على النّكرة (٦) ، نصبها على الحال ؛ ومنهم من قال : هو منصوب على الظّرف ؛ لأنّ قوله : ما مثلهم بشر ، في معنى : «فوقهم» ؛ ومنهم من حمله على الغلط ؛ لأنّ (٧) هذا البيت للفرزدق ، وكان تميميّا ، وليس من / لغته / (٨) إعمال «ما» سواء تقدّم الخبر ، أو تأخّر ، فلمّا استعمل لغة غيره غلط ، فظنّ أنّها تعمل مع تقدّم الخبر ، كما تعمل مع تأخّره ، فلم يكن في ذلك حجّة ؛ ومنهم من قال : إنّها لغة لبعض العرب ، وهي لغة قليلة ، لا يعتدّ بها ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الشّاعر : الفرزدق ، وقد سبقت ترجمته.

وقد أوضح المؤلّف في المتن مراده من ذكر الشّاهد بما يغني عن الإعادة.

(٢) الشّاعر هو : كثيّر بن عبد الرّحمن ، المعروف بكثيّر عزّة ، وقد سبقت ترجمته.

(٣) المفردات الغريبة : الطّلل : ما بقي شاخصا من آثار الدّيار. الخلل : جمع خلّة ، وهي بطانة تغشى بها أجفان السّيوف.

موطن الشّاهد : (موحشا طلل).

وجه الاستشهاد : تقدّمت الصّفة على الموصوف النّكرة ؛ فانتصبت على الحال وفق القاعدة.

(٤) زيادة من (س).

(٥) لم ينسب إلى قائل معيّن.

موطن الشّاهد : (مغلقا باب).

وجه الاستشهاد : تقدّمت الصّفة على الموصوف النّكرة «باب» فانتصبت على الحال ، كما في الشّاهد السّابق.

(٦) في (س) صفة النّكرة نصبها ؛ وكلاهما صحيح.

(٧) في (س) فإنّ.

(٨) في (ط) لفظه ؛ والأفضل ما أثبتنا من (س).

١٢١

الباب التّاسع عشر

باب إنّ وأخواتها

[علّة إعمال الأحرف المشبّهة]

إن قال قائل : لم أعملت (١) هذه الأحرف؟ قيل : لأنّها أشبهت الفعل ، ووجه الشّبه بينهما من خمسة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّها مبنيّة على الفتح ، كما أنّ الفعل الماضي مبنيّ على الفتح.

والوجه الثّاني : أنّها على ثلاثة أحرف ، كما أنّ الفعل على ثلاثة أحرف.

والوجه الثّالث : أنّها تلزم الأسماء ، كما أنّ الفعل يلزم الأسماء.

والوجه الرّابع : أنّها تدخل عليها نون الوقاية ، كما تدخل على الفعل ؛ نحو «إنّني وكأنّني ولكنّني».

والوجه الخامس : أنّ فيها معاني الأفعال ، فمعنى إنّ وأنّ : حقّقت ، ومعنى «كأنّ» : شبّهت ، ومعنى «لكنّ» ؛ استدركت ، ومعنى «ليت» : تمنّيت ، ومعنى «لعلّ» : ترجّيت ، فلمّا أشبهت هذه الحروف الفعل من هذه الأوجه / الخمسة / (٢) ؛ وجب أن تعمل عمله ؛ وإنّما عملت في شيئين ؛ لأنّها عبارة عن الجمل ، لا عن المفردات ، كما بيّنّا في «كان».

[علّة نصب الأحرف المشبّهة للاسم ورفعها للخبر]

فإن قيل : فلم نصبت الاسم ، ورفعت الخبر؟ قيل : لأنّها / لمّا / (٣) أشبهت الفعل ، وهو يرفع وينصب ، شبّهت / به / (٤) فنصبت الاسم تشبيها بالمفعول ، ورفعت الخبر تشبيها بالفاعل.

__________________

(١) في (س) عملت.

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (ط).

(٤) سقطت من (ط).

١٢٢

[علّة وجوب تقديم منصوب الأحرف المشبّهة على مرفوعها]

فإن قيل : فلم وجب تقديم المنصوب على المرفوع؟ قيل لوجهين :

أحدهما : أنّ هذه الحروف ، تشبه الفعل لفظا ومعنى ؛ فلو قدّم المرفوع على المنصوب ، لم يعلم هل هي حروف ، أو أفعال؟

فإن قيل : الأفعال تتصرّف ، والحروف لا تتصرّف ، قيل : عدم التّصرّف ، لا يدلّ على أنّها حروف ؛ لأنّه قد يوجد أفعال لا تتصرّف ؛ وهي : نعم ، وبئس ، وعسى ، وليس ، وفعل التّعجّب ، وحبّذا ، فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى الالتباس بالأفعال ، وجب تقديم المنصوب على المرفوع رفعا لهذا الالتباس.

والوجه الثّاني : أنّ هذه الحروف لمّا أشبهت الفعل الحقيقيّ لفظا ومعنى ، حملت عليه في العمل ، فكانت فرعا عليه في العمل ، وتقديم (١) المنصوب على المرفوع فرع ؛ فألزموا الفرع الفرع ، وتخرّج على هذا «ما» فإنّها ما أشبهت الفعل من جهة اللّفظ ، وإنّما أشبهته من جهة المعنى ، ثمّ الفعل الذي أشبهته ليس فعلا حقيقيّا ، وفي فعليّته خلاف ، بخلاف هذه الحروف ، فإنّها أشبهت الفعل الحقيقيّ من جهة اللّفظ والمعنى من الخمسة الأوجه التي بيّنّاها ، فبان الفرق بينهما. وقد ذهب الكوفيّون إلى أنّ «إنّ» وأخواتها / إنّما / (٢) تنصب الاسم ، ولا ترفع الخبر وإنّما الخبر يرتفع بما كان يرتفع به قبل دخولها ؛ لأنّها فرع على الفعل في العمل ، فلا تعمل عمله ؛ لأنّ الفرع ـ أبدا ـ أضعف من الأصل ، فينبغي ألّا تعمل في الخبر ؛ وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ كونه فرعا على الفعل في العمل ، لا يوجب ألّا يعمل عمله ، فإنّ اسم الفاعل فرع على الفعل في العمل ، ويعمل عمله ، على أنّا قد عملنا بمقتضى كونه فرعا ، فإنّا ألزمناه طريقة واحدة ، وأوجبنا فيه تقديم المنصوب على المرفوع ، ولم نجوّز فيه الوجهين ، كما جاز ذلك مع الفعل ؛ لئلّا (٣) يجري مجرى الأصل ، فلمّا أوجبنا فيه تقديم المنصوب على المرفوع ، بان ضعف هذه الحروف (عن رتبة الفعل) (٤) ، وانحطاطها عن رتبة الفعل ؛ فوقع الفرق بين الفرع والأصل ؛ ثمّ لو كان الأمر كما زعموا ، وأنّه باق على رفعه ؛ لكان الاسم المبتدأ أولى بذلك ، فلمّا وجب نصب المبتدأ بها ؛ وجب رفع

__________________

(١) في (س) وتقدم.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) في (س) لكيلا.

(٤) سقطت من (س).

١٢٣

الخبر بها ؛ لأنّه ليس في كلام العرب عامل يعمل في الأسماء النّصب ، ولا يعمل الرّفع ، فما ذهبوا إليه يؤدّي إلى ترك القياس ، ومخالفة الأصول لغير فائدة ، وذلك لا يجوز.

[علّة جواز العطف على موضع إنّ ولكنّ]

فإن قيل : فلم جاز العطف على موضع «إنّ ولكنّ» دون سائر أخواتها؟ قيل : لأنّهما لم يغيّرا معنى الابتداء ، بخلاف سائر الحروف ؛ لأنّها غيّرت معنى الابتداء ؛ لأنّ : «كأنّ» أفادت معنى التّشبيه ، و «ليت» أفادت معنى التّمنّي ، و «لعلّ» / أفادت / (١) معنى التّرجّي.

[خلافهم في العطف على الموضع قبل ذكر الخبر]

فإن قيل : فهل يجوز العطف على الموضع قبل ذكر الخبر؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب أهل البصرة (٢) إلى أنّه لا يجوز ذلك على الإطلاق ، وذلك لأنّك إذا قلت : «إنّك وزيد قائمان» وجب أن يكون / زيد / (٣) مرفوعا بالابتداء ، ووجب أن يكون عاملا في خبر زيد ، وتكون «إنّ» عاملة في خبر الكاف ، وقد اجتمعا معا ، وذلك لا يجوز ؛ وأمّا الكوفيّون فاختلفوا / في ذلك / (٤) ؛ فذهب الكسائيّ إلى أنّه يجوز ذلك على الإطلاق ؛ سواء تبيّن فيه عمل «إنّ» أو لم يتبيّن ؛ نحو : «إنّ زيدا وعمرو قائمان ، وإنّك وبكر منطلقان». وذهب الفرّاء إلى أنّه لا يجوز ذلك إلّا في ما لم (٥) يتبيّن فيه عمل «إنّ» واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى)(٦) فعطف الصّابئين على موضع «إنّ» قبل تمام الخبر ؛ وهو قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وممّا حكي عن بعض العرب أنّه قال : «إنّك وزيد ذاهبان» ، وقد ذكره سيبويه في الكتاب.

والصّحيح : ما ذهب إليه البصريّون. وما استدلّ (٧) به الكوفيّون ، فلا حجّة

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) في (س) البصريّون.

(٣) زيادة من (س).

(٤) سقطت من (س).

(٥) في (س) مالا.

(٦) س : ٥ (المائدة ، ن : ٦٩ ، مد).

(٧) في (ط) استدلّوا ؛ والصّواب ما أثبتناه من (س) لأنّه لا يلتقي فاعلان لفعل واحد كما هو معلوم.

١٢٤

لهم فيه ، وأمّا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) فلا حجّة لهم فيه من وجهين :

أحدهما : أنّا نقول : في الآية تقديم وتأخير ؛ والتّقدير فيه (١) : إنّ الذين آمنوا والذين هادوا ومن آمن بالله واليوم الآخر ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والصّابئون والنّصارى كذلك.

والوجه الثّاني : أن تجعل (٢) قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) خبر الصّابئين والنّصارى ، وتضمر للذين آمنوا والذين هادوا / خبرا / (٣) مثل الذي أظهرت للصّابئين والنّصارى ، ألا ترى أنّك تقول : «زيد وعمرو قائم» فتجعل : قائما خبرا لعمرو ، وتضمر لزيد خبرا آخر مثل الذي أظهرت لعمرو ، وإن شئت جعلته خبرا لزيد ، وأضمرت لعمرو خبرا ؛ كما قال الشّاعر (٤) : [الوافر]

وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق (٥)

وإن شئت جعلت قوله «بغاة» خبرا للثّاني ، وأضمرت للأوّل خبرا ، وإن شئت جعلته خبرا للأوّل ، وأضمرت للثّاني خبرا على ما بيّنّا.

وأمّا قول بعض العرب «إنّك وزيد ذاهبان» فقد ذكره (٦) سيبويه أنّه غلط من بعض العرب ، وجعله بمنزلة قول الشّاعر (٧) : [الطّويل]

بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

__________________

(١) في (س) فيها.

(٢) في (ط) يجعل.

(٣) سقطت من (ط).

(٤) الشّاعر هو : بشر بن أبي خازم الأسديّ ، شاعر فحل شجاع من أهل نجد. مات سنة ٩٢ ه‍.

(٥) المفردات الغريبة : بغاة : جمع باغ وهو من تجاوز الحدّ في العدوان. الشّقاق : النّزاع والخصومة.

موطن الشّاهد : (أنّا وأنتم بغاة).

وجه الاستشهاد : جواز كون «بغاة» خبرا ل «أنتم» على إضمار خبر أنّا ؛ والتّقدير : أنّا بغاة وأنتم بغاة. وجواز كونه خبرا ل «أنّا» على إضمار خبر أنتم ؛ وكلاهما جائز. وأجاز الأعلم الشّنتمري أن يكون خبر «أنّ» محذوفا ، دلّ عليه خبر المبتدأ الذي بعدها. وأجاز الفرّاء وشيخه الكسائيّ أن يعطف بالرّفع على اسم «إنّ» قبل أن يذكر الخبر.

(٦) في (ط) ذكره.

(٧) الشّاعر هو : زهير بن أبي سلمى المزنيّ ، شاعر جاهليّ حكيم ، من المعمّرين ، ومن أصحاب المعلّقات ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١٣ ق. ه. الشّعر والشّعراء ١ / ١٣٧.

موطن الشّاهد : (ولا سابق)

١٢٥

فقال : «سابق» بالجرّ على العطف ، وإن كان المعطوف عليه منصوبا لتوهّم (١) حرف الجرّ فيه ؛ وكذلك قول الآخر (٢) : [الطّويل]

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلّا ببين غرابها (٣)

فقال : «ناعب» / بالجرّ / (٤) بالعطف على «مصلحين» ؛ لأنّه توهّم أنّ الباء في مصلحين موجودة ، ثمّ عطف عليه مجرورا وإن كان منصوبا ، ولا خلاف أنّ هذا نادر ، ولا يقاس عليه ، فكذلك ههنا ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

وجه الاستشهاد : جرّ «سابق» عطفا على خبر ليس «مدرك» ؛ لتوهّمه أنّ الخبر مجرور ؛ لكثرة مجيئه مجرورا بالباء الزّائدة ؛ ويروى : ولا سابقا ، ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.

(١) في (ط) بالتّوّهّم ؛ وما أثبتناه من (س) هو الصّواب.

(٢) الشّاعر هو : الأحوص ، عبد الله بن محمّد الأنصاريّ ، من شعراء العصر الأمويّ ، كان صاحب نسيب ، من طبقة جميل بن معمر ، وكان هجّاء ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١٠٥ ه‍. الشّعر والشّعراء : ١ / ٥١٨ ، وطبقات فحول الشّعراء : ١ / ١٣٧.

(٣) المفردات الغريبة : مشائيم : أهل شؤم. ناعب : من نعب الغراب : إذا صاح ؛ والمعنى : لا يصيح غرابهم إلّا بالسّوء والفراق.

موطن الشّاهد : (ولا ناعب).

وجه الاستشهاد : عطف «ناعب» بالجرّ على «مصلحين» لتوهّم زيادة الباء في خبر «ليس» كما في الشّاهد السّابق.

(٤) سقطت من (س).

١٢٦

الباب العشرون

باب ظننت وأخواتها

[استعمالات ظنّ وأخواتها]

إن قال قائل : على كم ضربا تستعمل / فيه / (١) هذه الأفعال؟ قيل : أمّا «ظننت» فتستعمل على ثلاثة أوجه :

أحدها : بمعنى الظّنّ وهو ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر.

والثّاني : بمعنى اليقين ؛ قال الله سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)(٢) / أي : يوقنون / (٣) وقال الله تعالى : (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها)(٤). وقال الشّاعر (٥) : [الطّويل]

فقلت لهم : ظنّوا بألفي مدجّج

سراتهم في الفارسيّ المسرّد (٦)

وهذان يتعدّيان إلى مفعولين.

والثّالث : بمعنى التّهمة ؛ كقوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)(٧) في قراءة من قرأ بالظّاء ؛ أي : بمتّهم ، وهذا يتعدّى (٨) إلى مفعول واحد.

__________________

(١) زيادة من (س).

(٢) س : ٢ (البقرة : ٤٦ ، مد).

(٣) زيادة من (س).

(٤) س : ١٨ (الكهف ، ن : ٥٣ ، مك).

(٥) الشّاعر هو : دريد بن الصّمّة الجشميّ البكريّ من هوازن ، كان من الشّعراء الأبطال ومن المعمّرين المخضرمين. مات سنة ٨ ه‍.

(٦) المفردات الغريبة : ظنّوا : استيقنوا. مدجّج : الشّاكّ في السّلاح. المسرّد : الدّرع المثقّبة ؛ أو ذات الحلق.

موطن الشّاهد : (ظنّوا) وجه الاستشهاد : مجيء فعل «ظنّ» مفيدا معنى اليقين لا الشّكّ.

(٧) س : ٨١ (التّكوير : ٢٤ ، مك).

(٨) في (س) وهذه تتعدّى.

١٢٧

[استعمال خال وحسب]

وأمّا : «خلت ، وحسبت» فتستعملان بمعنى الظّنّ. وأمّا «زعمت» فتستعمل في القول عن غير صحّة ، قال الله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا)(١).

[استعمال «علم»]

وأمّا «علمت» فتستعمل على أصلها ، فتتعدّى إلى مفعولين ، وتستعمل بمعنى : «عرفت» فتتعدّى إلى مفعول واحد ؛ قال الله تعالى : (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)(٢).

[استعمال رأى]

وأمّا «رأيت» فتكون من رؤية القلب ، فتتعدّى إلى مفعولين ؛ نحو : «رأيت الله غالبا» ، وتكون من رؤية البصر ، فتتعدّى إلى مفعول واحد ؛ نحو «رأيت زيدا» أي : أبصرت زيدا.

[استعمال وجدت]

وأمّا «وجدت» فتكون بمعنى : علمت ، فتتعدّى إلى مفعولين ؛ نحو «وجدت زيدا عالما» وتكون بمعنى : أصبت ، فتتعدّى إلى مفعول واحد ؛ نحو : «وجدت الضّالّة وجدانا» ، وقد تكون لازمة في نحو قولهم : «وجدت في الحزن وجدا ، ووجدت في المال وجدا ، ووجدت في الغضب موجدة» وحكى بعضهم : «وجدانا» قال الشّاعر (٣) : [الوافر]

كلانا ردّ صاحبه بغيظ

على حنق ووجدان شديد (٤)

[علّة إعمال هذه الأفعال]

فإن قيل : لم أعملت (٥) هذه الأفعال ، وليست مؤثّرة في المفعول؟ قيل :

__________________

(١) س : ٦٤ (التّغابن ، ن : ٧ ، مد).

(٢) س : ٩ (التّوبة ، ن : ١٠١ ، مد).

(٣) الشّاعر هو : صخر الغيّ ، وهو صخر بن جعد الخضريّ ، من مخضرمي الدّولتين ؛ الأمويّة والعبّاسيّة ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١٤٠ ه‍.

(٤) موطن الشّاهد : (وجدان).

وجه الاستشهاد : مجيء «وجدان» مصدرا ل «وجد» التي بمعنى غضب ؛ والقياس أن يأتي المصدر منها ـ في هذه الحال ـ موجدة.

(٥) في (س) فلم عملت.

١٢٨

لأنّ هذه الأفعال ، وإن لم تكن مؤثّرة ، إلّا أنّ لها تعلّقا بما عملت فيه ، ألا ترى أنّ قولك : «ظننت» يدلّ على الظّنّ ، والظنّ يتعلّق بمظنون؟ وكذلك سائرها ؛ ثمّ ليس التّأثير شرطا في عمل الفعل ، وإنّما شرط عمله أن يكون له تعلّق بالمفعول ، فإذا تعلّق بالمفعول ، تعدّى إليه ؛ سواء كان مؤثّرا ، أو لم يكن مؤثّرا ، ألا ترى أنّك تقول : ذكرت زيدا فيتعدّى إلى زيد ، وإن لم يكن مؤثّرا فيه ، إلّا أنّه لمّا كان له به تعلّق عمل ؛ لأنّ «ذكرت» تدلّ على الذّكر ، والذّكر لا بدّ له من مذكور ، يتعدّى (١) إليه ، فكذلك ههنا.

[علّة تعدّي أفعال الظّن إلى مفعولين]

فإن قيل : فلم تعدّت إلى مفعولين؟ قيل : لأنّها لمّا كانت تدخل على المبتدأ والخبر بعد استغنائها بالفاعل ، وكلّ واحد من المبتدأ والخبر ، لا بدّ له من الآخر ، وجب أن تتعدّى إليهما.

[خلافهم في جواز اقتصار هذه الأفعال على الفاعل]

فإن قيل : فهل يجوز الاقتصار فيها على الفعل والفاعل؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البعض (٢) إلى أنّه يجوز ، واستدلّ عليه بالمثل السّائر ، وهو قولهم : «من يسمع يخل» ، فاقتصر على «يخل» وفيه ضمير الفاعل (٣). وذهب بعضهم إلى أنّه لا يجوز ، واستدلّ على ذلك من وجهين :

أحدهما : أنّ هذه الأفعال ، تجاب بما يجاب به القسم ؛ كقوله تعالى : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)(٤) فكما لا يجوز الاقتصار على القسم دون المقسم عليه ؛ فكذلك لا يجوز الاقتصار على هذه الأفعال مع فاعليها دون مفعوليها.

والثّاني : أنّا نعلم أنّ العاقل لا يخلو من ظنّ أو علم أوشك ، فإذا قلت : ظننت ، أو علمت ، أو حسبت ، لم تكن فيه فائدة ، لأنّه لا يخلو (٥) عن ذلك.

[عدم جواز استغناء هذه الأفعال على أحد مفعوليها وعلّة ذلك]

فإن قيل : فهل يجوز الاقتصار على أحد المفعولين؟ قيل : لا يجوز ؛ لأنّ

__________________

(١) في (ط) فيتعدّى.

(٢) في (س) بعض النّحويّين.

(٣) في (س) فاقتصر على ضمير الفاعل ، وهو سهو من النّاسخ.

(٤) س : ٤١ (فصّلت ، ن : ٤٨ ، مك).

(٥) في (ط) تخلو.

١٢٩

هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخبر ، وكما (١) أنّ المبتدأ ، لا بدّ له من الخبر ، والخبر لا بدّ له من المبتدأ ، فكذلك لا بدّ لأحد المفعولين من الآخر.

[وجوب إعمال هذه الأفعال حال تقدّمها وجواز إلغائها عند توسّطها وتأخّرها]

فإن قيل : فلم وجب إعمال هذه الأفعال إذا تقدّمت ، وجاز إلغاؤها إذا توسّطت وتأخّرت؟ قيل : إنّما وجب إعمالها إذا تقدّمت لوجهين :

أحدهما : أنّها إذا تقدّمت ، فقد وقعت في أعلى مراتبها ؛ فوجب إعمالها ، ولم يجز إلغاؤها.

والثّاني : أنّها إذا تقدّمت ، دلّ ذلك على قوّة العناية / بها / (٢) ؛ وإلغاؤها يدلّ على اطّراحها ، وقلّة الاهتمام بها ؛ فلذلك ، لم يجز إلغاؤها مع التّقديم ؛ لأنّ الشّيء لا يكون معنيّا به مطّرحا ؛ وأمّا إذا توسطت أو تأخّرت ، فإنّما جاز إلغاؤها ؛ لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت ضعيفة في العمل ، وقد مرّ صدر الكلام على اليقين ، لم يغيّر الكلام عمّا اعتمد عليه ، وجعلت / في / (٣) تعلّقها بما قبلها بمنزلة الظّرف ، فإذا قال : «زيد منطلق ظننت» فكأنّه قال : «زيد منطلق في ظنّي» وكما (٤) أنّ قولك : «في ظنّي» لا يعمل في ما قبله ، فكذلك ما نزل بمنزلته. وأمّا من أعملها إذا تأخّرت (٥) ، فجعلها (٦) متقدّمة في التّقدير ، وإن كانت متأخّرة في اللّفظ مجازا وتوسّعا ؛ غير أنّ الإعمال مع التّوسّط أحسن من الإعمال مع التّأخّر ، وذلك ؛ لأنّها إذا توسّطت ، كانت متقدّمة من وجه ، / و/ (٧) متأخّرة من وجه ؛ لأنها متأخّرة عن أحد الجزأين ، متقدّمة على الآخر ، ولا يتمّ أحد الجزأين إلّا بصاحبه ، فكانت متقدّمة من وجه ، ومتأخّرة من وجه ، فحسن إعمالها ، كما حسن إلغاؤها ؛ وإذا تأخّرت عن الجزأين جميعا ، كانت متأخّرة من كلّ وجه ، فكان إلغاؤها أحسن من إعمالها ؛ لتأخّرها ، وضعف عملها ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) فكما.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (س) فكما.

(٥) في (س) تقدّمت ، وهو سهو من النّاسخ.

(٦) في (س) فقدّرها.

(٧) سقطت من (س).

١٣٠

الباب الحادي والعشرون

باب الإغراء

[علّة قيام بعض الظّروف والحروف مقام الفعل]

إن قال قائل : لم أقيم بعض الظّروف والحروف مقام الفعل؟ قيل : طلبا للتّخفيف ؛ لأنّ الأسماء ، والحروف أخفّ من الأفعال ، فاستعملوها (١) بدلا عنها طلبا للتّخفيف.

فإن قيل : فلم كثر في «عليك وعندك ودونك» خاصّة؟ قيل : لأنّ الفعل إنّما يضمر إذا كان عليه دليل من مشاهدة حال ، أو غير ذلك ، فلمّا (٢) كانت «على» للاستعلاء ، والمستعلي يشاهد من تحته ، و «عند» للحضرة ، ومن بحضرتك تشاهده ، و «دون» للقرب ، ومن بقربك (٣) تشاهده ؛ فصار (٤) هذا بمنزلة مشاهدة حال تدلّ عليه ، فلهذا ، أقيمت مقام الفعل

[علّة كون الإغراء للمخاطب دون الغائب والمتكلّم]

فإن قيل : فلم خصّ به المخاطب دون الغائب والمتكلّم؟ قيل : لأنّ المخاطب يقع الأمر له بالفعل من غير لام الأمر ؛ نحو : قم ، واذهب ؛ فلا يفتقر إلى لام الأمر ، وأمّا الغائب والمتكلّم فلا يقع الأمر لهما إلّا باللّام ؛ نحو : «ليقم زيد ، ولأقم معه» فيفتقر إلى لام الأمر ؛ فلمّا أقاموها مقام الفعل ؛ كرهوا أن يستعملوها للغائب والمتكلّم ؛ لأنّها تصير قائمة مقام شيئين ؛ اللّام والفعل ، ولم يكرهوا ذلك في المخاطب ؛ لأنّها تقوم مقام شيء واحد ، وهو الفعل ؛ وأمّا قوله عليه السّلام : «ومن لم يستطع / منكم / (٥) الباءة فعليه بالصّوم (٦) ، فإنّه له

__________________

(١) في (ط) واستعملوها.

(٢) في (س) ولمّا.

(٣) في (س) بقرب منك.

(٤) في (ط) صار.

(٥) سقطت من (س).

(٦) في (ط) الصّوم.

١٣١

وجاء» (١) فإنّما جاء ؛ لأنّ من كان بحضرته ، يستدلّ بأمره للغائب على أنّه داخل في حكمه ؛ وأمّا قول بعض العرب «عليه رجلا (٢) ليسني» فلا يقاس عليه ، لأنّه كالمثل.

[خلافهم في جواز تقديم معمول هذه الكلم عليها]

فإن قيل : فهل يجوز تقديم معمول هذه الكلم عليها أو لا؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز تقديم معمولها عليها ؛ لأنّها فرع على الفعل في العمل ، فينبغي ألّا تتصرّف تصرّفه. وأمّا الكوفيّون : فذهبوا إلى جواز تقديم معمولها عليها ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)(٣) ، فنصب (كِتابَ اللهِ) «ب (عَلَيْكُمْ) واستدلّوا ـ أيضا ـ بقول الشّاعر (٤) : [الرّجز]

يا أيّها المائح دلوي دونكا

إنّي رأيت النّاس يحمدونكا (٥)

يثنون خيرا ويمجّدونكا

والتّقدير : دونك دلوي ؛ فدلوي : في موضع نصب ب «دونك» فدلّ على جواز تقديم معمولها عليها. والصّحيح : ما ذهب إليه البصريّون ؛ وأمّا ما استدلّ به الكوفيّون ، فلا حجّة لهم فيه ؛ لأنّ قوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ليس هو منصوبا ب (عَلَيْكُمْ) وإنّما هو منصوب على المصدر بفعل مقدّر ، وإنّما قدّر هذا

__________________

(١) حديث صحيح متّفق عليه ؛ وتمامه : «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ، فإنّه أغض للبصر ، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء. صحيح البخاري ٤ / ١١٩ و ٩ / ١١٢ ، وصحيح مسلم ٢ / ١٠١٨.

المفردات الغريبة : الباءة : القدرة على مباشرة الزّوج. وجاء : وقاية من الوقوع في الزّنى.

وقد أوضح المؤلّف في المتن مراده من الاستشهاد بهذا الحديث.

(٢) في (س) زحلا ، وهو تصحيف.

(٣) س : ٤ (النّساء ، ن : ٢٤ ، مد).

(٤) ينسب هذا الرّجز إلى جارية من بني مازن من دون تحديد.

(٥) المفردات الغريبة : المائح : الرّجل الذي يكون في أسفل البئر ؛ ليستقي الماء. والماتح :هو الذي يكون على رأس البئر.

موطن الشّاهد : (دلوي دونكا).

وجه الاستشهاد : استشهد الكوفيّون بهذا الشّاهد على جواز تقديم معمول «دون» عليها ؛ كما جاء في المتن ، وقد بيّن المؤلّف فساد هذا الزّعم في المتن بما يغني عن الإعادة.

١٣٢

الفعل ، ولم يظهر لدلالة ما تقدّم عليه من قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ)(١) الآية (٢).

لأنّ في ذلك دلالة على أنّ ذلك مكتوب (٣) عليهم ، فنصب «كتاب / الله / (٤)» على المصدر ؛ كقوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ)(٥) فنصب : «صنع الله» على المصدر بفعل مقدّر ، دلّ عليه ما قبله (٦) ؛ / ونحو ذلك قول / (٧) الشّاعر (٨) : [الطّويل]

دأبت إلى أن ينبت الظّلّ بعد ما

تقاصر حتّى كاد في الآل يمصح

وجيف المطايا ، ثم قلت لصحبتي

ولم ينزلوا : أبردتم فتروّحوا (٩)

فنصب «وجيف» بفعل دلّ عليه ما تقدّم. وأمّا البيت الذي أنشدوه ، فلا حجّة / لهم / (١٠) فيه من وجهين :

أحدهما : أنّ قوله «دلوي دونكا» في موضع رفع ؛ لأنّه خبر مبتدأ مقدّر ؛ والتّقدير فيه ؛ هذا دلوي دونكا ، والثّاني : أنّا نسلّم أنّه في موضع

__________________

(١) س : ٤ (النّساء ، ن : ٢٣ ، مد).

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (س) المكتوب.

(٤) سقطت من (س).

(٥) س : ٢٧ (النّمل ، ن : ٨٨ ، مك).

(٦) لأنّ التّقدير : صنع صنعا الله ؛ فحذف الفعل «صنع» وأضيف المصدر «صنعا» إلى الفاعل (لفظ الجلالة) كإضافته إلى المفعول ؛ فجاءت : صنع الله.

(٧) في (ط) قال.

(٨) الشّاعر هو : الرّاعي النّميريّ ، أبو جندل ، عبيد بن حصين ، من بني نمير ، كان سيّدا في قومه ، وسمّي بالرّاعي ؛ لأنّه أكثر من وصف راعي الإبل في شعره ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٩٠ ه‍. طبقات ابن سلّام ١ / ٥٠٢.

(٩) المفردات الغريبة : الآل : السّراب. يمصح : يذهب وينقطع.

وجيف المطايا : ضرب من سير الإبل والخيل. أبردتم : دخلتم في آخر النّهار. تروّحوا :الرّواح الذّهاب ، أو السّير بالعشيّ ؛ والمراد : حان وقت مبيتكم واستراحتكم.

موطن الشّاهد : (وجيف المطايا).

وجه الاستشهاد : انتصاب «وجيف» على المصدر المؤكّد لمعنى قوله : «دأبت» ؛ لأنّه بمعنى : واصلت السّير ، وأوجفت المطيّ ؛ أي : سمتها الوجيف ، وهو سير سريع.

(١٠) سقطت من (س).

١٣٣

نصب ، / و/ (١) لكن بإضمار فعل ؛ والتّقدير فيه : «خذ دلوي دونك» ودونك تفسير لذلك / الفعل المقدّر / (٢) ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) زيادة من إحدى النّسخ ، وفي (س) لذلك المصدر.

١٣٤

الباب الثاني والعشرون

باب التّحذير

[علّة التّكرار في التّحذير]

إن قال قائل : ما وجه التّكرير إذا أرادوا التّحذير في نحو قولهم : «الأسد الأسد»؟ قيل : لأنّهم أرادوا أن يجعلوا أحد الاسمين قائما مقام الفعل الذي هو «احذر» ولهذا ، إذا كرّروا ، لم يجز إظهار الفعل ، وإذا حذفوا أحد الاسمين ؛ جاز إظهار الفعل ؛ فدلّ على أنّ أحد الاسمين قائم مقام الفعل.

[الاسم الأوّل يقوم مقام الفعل]

فإن قيل : فأيّ الاسمين أولى بأن يقوم مقام الفعل؟ قيل : أولى الاسمين بأن يقوم مقام الفعل هو الأوّل ؛ لأنّ الفعل يجب أن يكون مقدّما على الاسم الثّاني ؛ لأنّه مفعول ، فكذلك الاسم الذي يقوم مقام الفعل ، ينبغي أن يكون مقدّما.

[علّة انتصاب الاسم في التّحذير]

فإن قيل : فلم انتصب قولهم : «إيّاك والشّرّ» قيل : لأنّ التّقدير فيه : («إيّاك احذر» فإيّاك : منصوب باحذر ، والشّرّ معطوف عليه ، وقيل : أصله) (١) : «إيّاك (٢) احذر من الشّرّ» فموضع الجارّ والمجرور النّصب ، فلمّا حذف حرف الجرّ (٣) ، صار النّصب في ما بعده.

[علّة تقدير الفعل بعد إيّاك]

فإن قيل : فلم قدّروا الفعل بعد «إيّاك» ولم يقدّروه قبله؟ قيل : لأنّ «إيّاك»

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (ط) احذر إيّاك ؛ والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٣) في (ط) الجارّ.

١٣٥

ضمير المنصوب المنفصل ، فلا (١) يجوز أن يقع الفعل قبله ؛ لأنّك لو أتيت به قبله ؛ لم يجز أن تأتي به بلفظه ؛ لأنّك تقدر على ضمير المنصوب المتّصل ؛ وهو الكاف ، ألا ترى أنّك لو قلت : «ضربت إيّاك» لم يجز؟ لأنّك تقدر على أن تقول : «ضربتك» ؛ فأمّا قول الشّاعر (٢) : [الرّجز]

إليك حتّى بلغت إيّاكا

فشاذّ ، لا يقاس عليه.

[علّة عدم استعمال الفعل مع إيّاك]

فإن قيل : فلم لم يستعملوا لفظ الفعل مع «إيّاك» كما استعملوه (٣) مع غيره؟ قيل : إنّما خصّت «إيّاك» بهذا ؛ (٤) لأنّها لا تكون إلّا في موضع نصب ؛ لأنّها ضمير المنصوب المنفصل ، فصارت (٥) بنية لفظه ، تدلّ على كونه مفعولا ، فلم يستعملوا معه لفظ الفعل ، بخلاف غيره من الأسماء ؛ فإنّه يجوز أن يقع مرفوعا ، ومنصوبا ، ومجرورا ، إذ ليس في بنية لفظه ما يدلّ على كونه مفعولا ، فاستعملوا معه لفظ الفعل ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ط) ولا.

(٢) الشّاعر هو : حميد الأرقط ، وهو حميد بن مالك بن ربعي ، من تميم ؛ وقيل من ربيعة ؛ لقّب بالأرقط لآثار كانت في وجهه ؛ وهو شاعر إسلاميّ من شعراء الدّولة الأمويّة ، وكان معاصرا للحجّاج. معجم الأدباء ١١ / ١٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٩٥.

موطن الشّاهد : (إيّاك).

وجه الاستشهاد : وضع «إيّاك» موضع «الكاف» ضرورة ؛ وذلك شاذّ ، ولا يقاس عليه كما جاء في المتن.

(٣) في (ط) يستعملوه ، وهو سهو من النّاسخ ، أو الطّابع.

(٤) في (ط) بهذه.

(٥) في (س) فصار.

١٣٦

الباب الثّالث والعشرون

باب المصدر

[علّة انتصاب المصدر]

إن قال قائل : لم كان المصدر منصوبا؟ قيل : لوقوع الفعل عليه ؛ وهو المفعول المطلق.

[اشتقاق الفعل من المصدر أو العكس وخلافهم في ذلك]

فإن قيل : هل الفعل مشتقّ من المصدر ، أو المصدر مشتقّ من الفعل؟

قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّ الفعل مشتقّ من المصدر ، واستدلّوا على ذلك من سبعة أوجه :

[أدلّة البصريّين في كون الفعل مشتقّ من المصدر]

الوجه الأوّل : أنّه يسمّى مصدرا ؛ والمصدر هو الموضع الذي تصدر عنه الإبل ؛ فلمّا سمّي مصدرا ؛ دلّ على أنّه قد صدر عنه الفعل.

والوجه الثّاني : أنّ المصدر يدلّ على زمان مطلق ؛ والفعل يدلّ على زمان معيّن ، فكما (١) أنّ المطلق أصل للمقيّد ، فكذلك المصدر أصل للفعل.

والوجه الثّالث : أنّ الفعل يدلّ على شيئين ؛ والمصدر يدلّ على شيء واحد ، قبل الاثنين ؛ فكذلك يجب أن يكون المصدر قبل الفعل.

والوجه الرّابع : أنّ المصدر اسم ، وهو يستغني عن الفعل ، والفعل لا بدّ له من الاسم ، وما يكون مفتقرا إلى غيره ، ولا يقوم بنفسه ، أولى بأن يكون فرعا ، ممّا لا يكون مفتقرا إلى غيره.

والوجه الخامس : أنّ المصدر لو كان مشتقّا من الفعل ؛ لوجب أن يدلّ على ما في الفعل من الحدث والزّمان ومعنى ثالث ، كما دلّت أسماء الفاعلين

__________________

(١) في (س) وكما.

١٣٧

والمفعولين على الحدث ، وعلى ذات الفاعل ، والمفعول به ، فلمّا لم يكن المصدر كذلك ؛ دلّ على أنّه ليس مشتقّا من الفعل.

والوجه السّادس : أنّ المصدر لو كان مشتقّا من الفعل ؛ لوجب أن يجري على سنن واحد ، ولم يختلف ، كما لم تختلف أسماء الفاعلين والمفعولين ؛ فلمّا اختلف المصدر اختلاف سائر الأجناس ؛ دلّ على أنّ الفعل مشتقّ منه.

والوجه السّابع : أنّ الفعل يتضمّن المصدر ، والمصدر لا يتضمّن الفعل ، ألا ترى أنّ «ضرب» يدلّ على ما يدلّ عليه «الضّرب» و «الضّرب» لا يدلّ على ما يدلّ عليه «ضرب» (١) وإذا كان كذلك ؛ دلّ على أنّ المصدر أصل ، والفعل فرع / عليه / (٢) ، وصار هذا كما نقول في الأواني المصوغة من الفضّة ؛ فإنّها فرع عليها ، ومأخوذة منها ؛ وفيها زيادة ليست في الفضّة ، فدلّ على أنّ الفعل مأخوذ من المصدر ، كما كانت الأواني مأخوذة من الفضّة.

[أدلّة الكوفيّين في كون المصدر مأخوذ من الفعل]

وأمّا الكوفيّون فذهبوا إلى أنّ المصدر مأخوذ من الفعل ، واستدلّوا على ذلك من ثلاثة أوجه : / الوجه / (٣) الأوّل : أنّ المصدر يعتلّ لاعتلال (٤) الفعل ، ويصحّ لصحّته ؛ تقول : «قمت قياما» فيعتلّ المصدر لاعتلال الفعل ، وتقول : «قاوم قواما» فيصحّ المصدر لصحّة الفعل ؛ فدلّ على أنّه فرع عليه.

والوجه الثّاني : أنّ الفعل يعمل في المصدر ، ولا شكّ أنّ رتبة العامل قبل رتبة المعمول.

والوجه الثّالث : أنّ المصدر يذكر توكيدا للفعل ، ولا شكّ أنّ رتبة المؤكّد قبل رتبة المؤكّد ؛ فدلّ على أنّ المصدر مأخوذ من الفعل.

[تفنيد مزاعم الكوفيّين]

والصّحيح : ما ذهب إليه البصريّون ، وأمّا (٥) ما استدلّ به الكوفيّون ففاسد. أمّا قولهم : إنّه يصحّ لصحّة الفعل ، ويعتلّ لاعتلاله ؛ فنقول : إنّما صحّ لصحّته ، واعتلّ لاعتلاله ، طلبا للتّشاكل ؛ ليجري الباب على سنن واحد ؛

__________________

(١) في (س) ضربت.

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (س) كاعتلال.

(٥) في (س) وما.

١٣٨

لئلّا تختلف طرق تصاريف الكلمة ، وهذا لا يدلّ على الأصل والفرع ، ألا ترى أنّهم قالوا : «يعد» والأصل / فيه / (١) : «يوعد» فحذفوا الواو ؛ لوقوعها بين ياء وكسرة ، وقالوا : «أعد ، ونعد ، وتعد» فحذفوا الواو ـ وإن لم تقع بين ياء وكسرة حملا على «يعد» لئلّا تختلف طرق تصاريف الكلمة ، وكذلك قالوا : «أكرم» والأصل فيه «أأكرم» إلّا أنّهم حذفوا إحدى الهمزتين استثقالا لاجتماعهما ، ثمّ قالوا : «يكرم ، وتكرم ، ونكرم» فحذفوا الهمزة ، وإن لم تجتمع (٢) همزتان حملا على «أكرم» ليجري الباب على سنن واحد؟ فكذلك (٣) ههنا. وأمّا قولهم : إنّ الفعل يعمل في المصدر ؛ فنقول : هذا لا يدلّ على أنّه أصل له ، فإنّا أجمعنا على أنّ الحروف تعمل في الأسماء ، والأفعال ، ولا شكّ أنّ الحروف ليست أصلا للأسماء ، والأفعال ؛ فكذلك ههنا. وأمّا قولهم : إنّ المصدر يذكر تأكيدا للفعل ، فنقول : هذا لا يدلّ على أنّه فرع عليه ، ألا ترى أنّك تقول : «جاءني زيد / زيد / (٤) ، ورأيت زيدا زيدا» ولا يدلّ هذا على أنّ زيدا الثّاني فرع على الأوّل ؛ فكذلك ههنا ، وقد بيّنّا هذا مستوفى في المسائل الخلافيّة (٥).

[علّة انتصاب أفعل المضاف إلى المصدر]

فإن قيل : فلم (٦) كان قولهم : «سرت أشدّ السّير» منصوبا على المصدر؟ قيل : لأنّ «أفعل» لا يضاف إلّا إلى ما هو بعض له ، وقد أضيف إلى المصدر الذي هو السّير ، فلمّا أضيف إلى المصدر ، كان مصدرا ؛ فانتصب انتصاب المصادر كلّها.

[انتصاب المصدر القرفصاء ونحوه]

فإن قيل : فعلى ما ذا ينتصب قولهم : «قعد القرفصاء» ونحوه؟ قيل : ينتصب على المصدر بالفعل الذي / هو / (٧) قبله ؛ لأنّ القرفصاء لمّا كانت نوعا من القعود ، والفعل الذي هو «قعد» يتعدّى إلى جنس القعود الذي يشتمل على القرفصاء ؛ وغيرها ؛ تعدّى إلى القرفصاء الذي هو (٨) نوع منه ؛ لأنّه إذا عمل في

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) في (ط) يجتمع.

(٣) في (ط) وكذلك.

(٤) سقطت من (س).

(٥) راجع : الإنصاف في مسائل الخلاف ، ١ / ١٤٤ ـ ١٥٢.

(٦) في (س) لم.

(٧) سقطت من (س).

(٨) في (س) التي منها.

١٣٩

الجنس ، عمل في النّوع ، إذ كان داخلا تحته ؛ هذا مذهب سيبويه ، وذهب أبو بكر بن السّرّاج إلى أنّه صفة لمصدر / موصوف / (١) محذوف ؛ والتّقدير فيه : «قعد القعدة القرفصاء» إلّا أنّه حذف الموصوف ، وأقام الصّفة مقامه ؛ والذي عليه الأكثرون مذهب سيبويه ؛ لأنّه لا يفتقر إلى تقدير موصوف ، (وما ذهب إليه ابن السّراج يفتقر إلى تقدير موصوف) (٢) ، وما لا يفتقر إلى تقدير / موصوف / (٣) أولى ممّا يفتقر إلى تقدير / موصوف / (٤) ، فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (س).

١٤٠