أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

ثالثا

عملنا في الكتاب

أوّلا ـ في المتن

ثانيا ـ في الحاشية

ثالثا ـ في المسارد الفنيّة

٢١
٢٢

ثالثا

عملنا في الكتاب

يتجلّى عملنا في الكتاب في الجوانب التّالية :

أوّلا ـ في المتن. ثانيا ـ في الحاشية. ثالثا ـ في المسارد الفنيّة ، وسنلقي الضّوء على كلّ منها بشيء من الإيجاز.

أوّلا ـ في المتن

أـ التّحقيق والمقابلة :

حيث قمنا بمقابلة النّسخة المطبوعة بدمشق بتحقيق الأستاذ محمّد بهجة البيطار عضو مجمع اللّغة العربيّة بدمشق ؛ والنّسخة من مطبوعات ذلك المجمع لعام ١٩٥٧ م ، بنسخة خطيّة محفوظة في مكتبة الأسد الوطنيّة برقم [١٧٥٦ عام].

[وصف المخطوطة]

وأهميّتها في التّحقيق

عدد أوراقها ٩٠ ورقة ؛ قياس الورقة : ٥ ، ٢١* ١٥ سم. وتتفاوت الصّفحات في عدد الأسطر غير أنّها تزيد على العشرين.

وكذلك يتفاوت عدد الكلمات في الأسطر غير أنّها لا تقلّ عن تسع كلمات ، ولا تزيد على ثلاث عشرة كلمة ؛ والأغلب بين عشر إلى اثنتي عشرة كلمة في السّطر الواحد.

أوّل المخطوط قوله : «الحمد لله كاشف الغطاء ومانح العطاء ذي الجود والأنداء والإعادة والإبداء ...».

وآخر المخطوط قوله في شرح قول الشّاعر :

غداة طغت علماء بكر بن وائل

وعجبنا صدور الخيل نحو تميم

يريدون : على الماء ، وهذا كلّه ليس بمطّرد على القياس ، وإنّما دعاهم إلى ذلك كثرة الاستعمال ، وهو من الشّاذّ الذي لا يقاس عليه». يلي ذلك اسم

٢٣

النّاسخ محمّد بن خلف بن راجح بن بلال المقدسيّ ، فتاريخ الفراغ من النّسخ سنة ٦١٦ ه‍ ، ولم يذكر مكانه.

وقد كتبت هذه النّسخة بخطّ نسخيّ قديم جميل مقروء ، أهمل الناسخ نقط بعض كلماتها. وقد كتبت كلمة «باب» في أوّل كلّ بحث بخطّ كبير. وترك للمخطوط هامش بعرض ٥ سم ، ندر أن علّق عليه. وقد أثّرت الرّطوبة فيه ، فاحترق المداد في معظم الصّفحات ، فأثّرت في المخطوط ، واتّسخ.

وقد جاءت هذه النّسخة كاملة ، أفادتنا كثيرا في تصويب بعض الهفوات والسّقطات التي وقعت في النّسخة المطبوعة سواء أكانت سهوا من النّاسخ ، أو غلطا من الطّابع. وقد أثبتنا في المتن الكلمات السّاقطة من المطبوعة والمستدركة من النّسخة الخطيّة ، وفي الوقت نفسه ، أشرنا إلى مواضع الزّيادة أو النّقص في النّسخة الخطيّة زيادة في الفائدة. وحاولنا قدر المستطاع أن نخرج نصّ المتن كما أراده مؤلّفه ، وبما تسمح به المنهجيّة العلميّة في مجال التّحقيق ومقابلة النّصوص. وقد أشرنا إلى النّسخة الخطيّة بحرف «س» ؛ كناية عن نسخة مكتبة الأسد ، وبحرف «ط» للنّسخة المطبوعة المعتمدة.

ب ـ وضعنا عناوين فرعيّة في أعلى المباحث ، تيسّر على الدّارسين سبيل الوصول إلى مبتغاهم من دون عناء يذكر زيادة في الخدمة ، وتوخّيا للفائدة المرجوّة ؛ وأثبتنا هذه العناوين بين مركّنين في منتصف السّطر.

ج ـ ضبطنا من الحروف ما يجب ضبطه بالحركات المناسبة ، ووضعنا علامات التّرقيم في مواضعها المناسبة ، لأنّ كثيرا من الدّارسين يعانون كثيرا في أثناء دراسة النّصوص ، واستيعابها ؛ سواء أكانت نحويّة أو غير نحويّة ، إذا لم تكن علامات التّرقيم مثبتة في مواضعها بشكل صحيح. وبات معلوما لدى الدّارسين أنّ علامات التّرقيم تؤدّي دورا مهمّا في ضبط المتن ، وتسهّل على الطّالب فهمه واستيعابه من دون عناء يذكر إذا كان من ذوي الاختصاص.

د ـ قمنا بتبحير الأبيات الشّعريّة ، وأثبتنا اسم البحر بين مركّنين فوق البيت إلى جهة اليسار.

ه ـ أكملنا الأبيات الشّعريّة التي لم يثبت المؤلّف في المتن إلّا صدرها ، أو عجزها ، وأثبتنا ذلك بين مركّنين وأشرنا إلى ذلك في الحاشية.

ثانيا ـ في الحاشية

أـ قمنا بتخريج الآيات القرآنيّة تخريجا كاملا ، ذاكرين رقم السّورة ، ثم اسمها ، ثم رقم الآية ، وهل هي كاملة أو جزء من آية ، وأخيرا مكيّة هي أم

٢٤

مدنيّة ، واستعملنا الرّموز التّالية لمثل هذه الآية : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.)

س : ١ (الفاتحة : ١ ، مك) : سورة : الفاتحة ؛ الآية الأولى ، مكّيّة.

ب ـ قمنا بتخريج الأحاديث الشّريفة الواردة في المتن ، وذكرنا المصادر المعتمدة في التّخريج.

ج ـ نسبنا الشّواهد الشّعريّة إلى قائليها ، إذا توصّلنا إلى معرفة القائل ، وإلّا ذكرنا عبارة «لم ينسب إلى قائل معيّن».

د ـ ذكرنا ترجمة مختصرة للأعلام الواردة أسماؤهم في المتن ؛ سواء أكانوا شعراء ، أم أدباء أم نحاة ، أم لغويّين ، أم مفسّرين ، أم إخباريّين ، وإذا لم نجد له ترجمة وافية ، ذكرنا عبارة «لم نصطد له ترجمة وافية».

ه ـ شرحنا المفردات الغريبة في الشّاهد الشّعريّ ، ثمّ عقّبنا بذكر موطن الشّاهد ـ في البيت ـ فوجه الاستشهاد بشيء من الإيجاز الذي يفي بالغرض الذي قصد إليه المؤلّف من دون التّوسّع في ذكر مختلف الآراء التي لا يتّسع المقام ـ هنا ـ لسردها.

ثالثا ـ في المسارد الفنّيّة

صنعنا للكتاب عشرة مسارد ؛ كلّ منها مختصّ بجانب محدّد ؛ لتمكّن الباحث أو الدّارس من العودة إلى ما هو بحاجة إليه ، بسرعة وسهولة ؛ وهذه المسارد هي :

أوّلا ـ مسرد الآيات القرآنيّة الكريمة.

ثانيا ـ مسرد الأحاديث النّبويّة الشّريفة.

ثالثا ـ مسرد الأمثال.

رابعا ـ مسرد الأشعار.

خامسا ـ مسرد الأعلام.

سادسا ـ مسرد القبائل والجماعات.

سابعا ـ مسرد البلدان.

ثامنا ـ مسرد المصادر والمراجع.

تاسعا ـ مسرد الموضوعات.

عاشرا ـ مسرد المسارد.

٢٥

مصطلحات ورموز معتمدة في التّحقيق والتّعليق

س : سورة ، ورمزنا بها في الحاشية لنسخة مكتبة الأسد الخطيّة.

ط : رمزنا بها إلى النّسخة المطبوعة المعتمدة في التّحقيق.

تحق : اختصار لكلمة تحقيق.

مد : مدنيّة.

مك : مكيّة.

() المزهّران لحصر الآيات القرآنية.

() لحصر رقم الهامش ، للتّعليق عليه.

«» لحصر الأقوال والأمثال التّوضيحيّة التي ذكرها المؤلّف.

[] المركّنان لحصر اسم البحر الشّعريّ ، والعناوين الفرعيّة.

/ / لحصر أي زيادة أو نقص في النّسخة «ط» والنّسخة «س».

() لحصر أكثر من كلمتين زيادة أو نقصا في النّسختين المذكورتين.

[] لحصر زيادة عدّة عبارات في النّسختين المذكورتين أو نقصها.

وفي الختام أتضرّع إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يوفّقنا إلى ما فيه خيرنا وصلاحنا في الدّنيا والآخرة ، وأن يتقبّل منّا صالح أعمالنا خالصة ابتغاء مرضاته ، وأن يمنّ علينا بدوام الصّحّة والعافية ؛ لنتمكّن من مواصلة المشوار على طريق تحقيق كنوز الآباء والأجداد وبعثها على أسس علميّة ، ومنهجيّة واضحة في زمن غدت فيه كتب التّراث عرضة للتّشويه ، والتّحريف ، والتّصحيف على أيدي كثير من المراهقين الذين يلهثون وراء الشّهرة ، أو يبتغون لقمة العيش بتكليف من بعض أصحاب دور النّشر الذين يستغلّون حاجتهم الماديّة ، فيعبثون بهم ، كما يعبثون هم بهذا التّراث الخالد. فيسارعون إلى إعادة صفّ النّسخ المطبوعة ، أو المخطوطة منه صفّا ممسوخا مملوءا بالأغلاط المطبعيّة ، فضلا عن التّصحيف والتّحريف اللّذين يقعان في نسخهم التي تحمل أسماءهم ، وهم يظنّون أنّهم يحسنون صنعا ؛ همّهم القليل من المال الذي يحصلون عليه ، ورؤية أسمائهم على أغلفة تلك الكتب التي ستكون شاهدة عليهم لا لهم يوم القيامة. والأمثلة على ما ذكرت أكثر من تحصى ، ولا رأي لمن لا يطاع ، والحمد لله أوّلا وآخرا.

٢٦

القسم الثّاني

الكتاب محقّقا

٢٧
٢٨

٢٩

٣٠

٣١

٣٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ربّ يسّر وتمّم بالخير (١)

قال الشّيخ الفقيه الإمام العالم (٢) كمال الدّين (أبو البركات) (٣) عبد الرّحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباريّ النّحويّ (رحمه الله) (٤) : الحمد لله كاشف الغطاء ، ومانح العطاء ، ذي الجود والإيداء (٥) ، والإعادة والإبداء ، المتوحّد بالأحديّة القديمة المقدّسة عن الحين (٦) والفناء ، أهل (٧) الصّفات الأزليّة المنزّهة عن الزّوال والفناء ، والصّلاة على محمّد سيّد الأنبياء ، وعلى آله ، وأصحابه الأصفياء.

وبعد ، فقد ذكرت في هذا الكتاب (الموسوم ب «أسرار العربية») (٨) ، كثيرا من مذاهب النّحويّين المتقدّمين والمتأخّرين ، من البصريّين والكوفيّين ، وصحّحت ما ذهبت إليه منها بما يحصل به شفاء الغليل (٩) ، وأوضحت فساد ما عداه بواضح التّعليل ، ورجعت في ذلك كلّه إلى الدّليل ، وأعفيته من الإسهاب والتّطويل وسهّلته على المتعلّم غاية التّسهيل ، والله ـ تعالى ـ ينفع به ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

__________________

(١) في (س) وأعن.

(٢) تالفة في (س).

(٣) ما بين القوسين سقط في (س).

(٤) تالفة في (س).

(٥) الإيداء المعونة.

(٦) الحين : الهلاك.

(٧) في (س) المتفرّد بالصّفات.

(٨) سقطت من (س).

(٩) الغليل : شدّة العطش ؛ والمراد ـ هنا ـ ما يجد الإنسان فيه بغيته.

٣٣
٣٤

الباب الأوّل

باب علم : ما الكلم؟

إن قال قائل : ما الكلم؟ قيل : الكلم اسم جنس ؛ واحده (١) «كلمة» ؛ كقولك : نبقة (٢) ونبق ، ولبنة ولبن وثفنة وثفن ، وما أشبه ذلك. فإن قيل : ما الكلام؟ قيل : ما كان من الحروف دالّا بتأليفه على معنى يحسن السّكوت عليه ، فإن قيل : فما الفرق بين الكلم والكلام؟ قيل : الفرق بينهما أنّ الكلم ينطلق على المفيد ، وعلى غير المفيد ؛ وأمّا الكلام ، فلا ينطلق إلّا على المفيد خاصّة ، فإن قيل : فلم قلتم : إنّ أقسام الكلام ثلاثة ، لا رابع لها؟ قيل : لأنّا وجدنا هذه الأقسام / الثّلاثة / (٣) يعبّر بها عن جميع ما يخطر بالبال ، ويتوهّم في الخيال ولو كان ها هنا قسم رابع ؛ لبقي في النّفس شيء ، لا يمكن التّعبير عنه ، ألا ترى أنّه لو سقط أحد (٤) هذه الأقسام الثّلاثة ؛ لبقي في النّفس شيء ، لا يمكن التّعبير عنه بإزاء ما سقط؟ فلمّا عبّر بهذه الأقسام عن جميع الأشياء ؛ دلّ على أنّه ليس إلّا هذه الأقسام الثّلاثة.

فإن قيل : لم سمّي الاسم اسما؟ قيل : اختلف فيه النّحويّون ، فذهب البصريّون إلى أنّه سمّي اسما لوجهين ؛ أحدهما : أنّه سما على مسمّاه ، وعلا على ما تحته من معناه ؛ فسمّي اسما / لذلك / (٥). والوجه الثّاني : أنّ هذه الأقسام الثّلاثة ، لها ثلاث مراتب ؛ فمنها ما يخبر به ، ويخبر عنه ، وهو الاسم ؛ نحو : «زيد قائم» ، ومنها ما يخبر به ، ولا يخبر عنه ، وهو الفعل ؛ نحو : «قام زيد» ، ومنها ما لا يخبر به ، ولا يخبر عنه ، وهو الحرف ؛ نحو : «هل ويل» وما أشبه ذلك ، فلمّا كان الاسم يخبر به ، ويخبر عنه ، والفعل يخبر به ، ولا يخبر عنه ،

__________________

(١) في (س) واحدته.

(٢) نبقة : مفرد «نبق» : وهو دقيق يخرج من لبّ جذع النّخلة ، وحمل السّدر.

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (ط) آخر ، والصّواب ما ذكرنا من (س).

(٥) سقطت من (س).

٣٥

والحرف لا يخبر به ، ولا يخبر عنه ، فقد سما على الفعل والحرف ؛ أي ارتفع.

والأصل فيه «سمو» إلّا أنّهم حذفوا الواو من آخره ، وعوّضوا الهمزة في أوّله ، فصار اسما وزنه «افع» ؛ لأنّه قد حذف منه لامه التي هي الواو في «سمو». وذهب الكوفيّون إلى أنّه سمّي اسما ؛ لأنّه سمة على المسمّى يعرف بها ؛ والسّمة العلامة ؛ والأصل فيه (١) «وسم» إلّا أنّهم حذفوا الواو من أوّله ، وعوّضوا مكانها الهمزة ، فصار اسما ؛ وزنه «إعل» ؛ لأنّه قد حذف منه فاؤه التي هي الواو في «وسم».

والصّحيح ما ذهب إليه البصريّون ؛ وما ذهب إليه الكوفيّون ، وإن كان صحيحا من جهة المعنى ، إلّا أنّه فاسد من جهة التّصريف ، وذلك من أربعة أوجه :

الوجه الأول : إنّك تقول في تصغيره «سميّ» ؛ نحو : (حنو (٢) وحنيّ ، وقنو (٣) وقنيّ) ولو كان مأخوذا من السّمة ؛ لوجب أن تقول : «وسيم» كما تقول في تصغير «عدة» : وعيدة ، وفي تصغير «زنة» : وزينة. فلمّا قيل «سميّ» دل على أنّه من السّموّ ، لا من السّمة ، وكان الأصل فيه : «سمين» إلّا أنّه لمّا اجتمعت الياء والواو ، والسّابق منهما ساكن ؛ قلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشدّدة ، كما قالوا : سيّد وهيّن وميّت ، والأصل فيه : سيود وهيون وميوت ، إلّا أنّه لمّا اجتمعت الواو والياء ، والسّابق منهما ساكن ؛ قلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشدّدة ، وقلبوا الواو إلى الياء ، ولم يقلبوا الياء إلى الواو ؛ لأنّ الياء أخفّ ، والواو أثقل ، فلمّا وجب قلب أحدهما إلى الآخر ، كان قلب الواو التي هي أثقل ، إلى الياء التي هي أخفّ أولى.

والوجه الثّاني : أنّك تقول في تكسيره : «أسماء» ؛ نحو : حنو وأحناء ، وقنو وأقناء ، ولو كان مأخوذا من السّمة ؛ لوجب أن تقول في تكسيره : «أوسام» فلمّا قيل «أسماء» دلّ على أنّه من السّمو لا من السّمة ، وكان الأصل فيه : «اسماو» إلّا أنّه لمّا وقعت الواو طرفا ، وقبلها ألف زائدة ؛ قلبت همزة ، كما قالوا : حذاء ، وكساء ، وسماء ؛ والأصل فيه : حذاو ، وكساو ، وسماو ، إلّا أنّه لمّا وقعت الواو طرفا ، وقبلها ألف زائدة ؛ قلبت همزة ؛ وقيل : قلبت ألفا ؛ لأنّها

__________________

(١) في (س) فيها.

(٢) حنو : كلّ ما فيه اعوجاج من البدن ، ويجمع على أحناء ، وحنيّ.

(٣) القنو : العذق من النّخل ، وهو كالعنقود من العنب ؛ ومثلها : القناء.

٣٦

لمّا كانت متحرّكة ، وقبل الألف فتحة لازمة ، قدّروا أنّها قد تحرّكت ، وانفتح ما قبلها ؛ لأنّ الألف لمّا كانت خفيّة زائدة ساكنة ، والحرف السّاكن حاجز غير حصين لم يعتدّوا بها ، فقلبوا الواو ألفا ، فاجتمع ألفان ؛ ألف زائدة ، وألف منقلبة ، والألفان ساكنان وهما لا يجتمعان ، فقلبت المنقلبة همزة ؛ لالتقاء السّاكنين ، وكان قلبها إلى الهمزة أولى ؛ لأنّها أقرب الحروف إليها.

والوجه الثّالث : أنّك تقول : أسميته ، ولو كان مأخوذا من السّمة ؛ لوجب أن تقول : وسمته (١) ؛ فلمّا قيل : أسميته ، دلّ على أنّه من السّموّ ، لا من السّمة ، وكان الأصل فيه : أسموت ، إلّا أنّه لمّا وقعت الواو رابعة ؛ قلبت ياء ، وإنّما قلبت ياء حملا على المضارع ؛ نحو : يدعى ، ويغزى ، ويشقى ؛ والأصل : يدعو ، ويغزو ، ويشقو ، كما قالوا : أدعيت ، وأغزيت ، وأشقيت ؛ والأصل : أدعوت ، وأغزوت ، وأشقوت ، إلّا أنّه لمّا وقعت الواو رابعة ؛ قلبت ياء ، وإنّما قلبت في المضارع ياء للكسرة قبلها ، فأمّا : تغازيت وترجّيت ، فإنّما قلبت الواو فيهما ياء ، وإن لم تقلب في لفظ المضارع ؛ لأنّ الأصل في تفاعلت : فاعلت ، وفي تفعّلت : فعّلت ، وفاعلت ، وفعّلت يجب قلب الواو فيهما ياء وكذلك (٢) تفاعلت وتفعّلت.

والوجه الرّابع : أنّك تجد في أوّله همزة التّعويض ، وهمزة التّعويض إنّما تكون في ما حذف منه لامه لا فاؤه ، ألا ترى أنّهم لمّا حذفوا الواو التي هي اللّام من «بنو» عوّضوا الهمزة في أوّله ، فقالوا : «ابن» ، ولمّا حذفوا الواو التي هي الفاء من «عدة» ونحو ذلك ، لم يعوّضوا الهمزة في أوّله؟ فلمّا عوّضوا الهمزة في أوّله ، دلّ على أنّ الأصل فيه : «سمو» كما أنّ الأصل في ابن : بنو ، إلّا أنّهم لمّا حذفوا الواو التي هي اللّام عوّضوا الهمزة في أوّله ، فقالوا : اسم ، فدلّ على أنّه مشتق من السّموّ لا من السّمة.

وممّا يؤيّد أنّه مشتقّ من السّموّ لا من السّمة أنّه قد جاء في «اسم» : سمّى على وزن «هدى» والأصل فيه : «سمو» إلّا أنّه لمّا تحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها ، قلبوها ألفا ، وحذفوا الألف ؛ لسكونها وسكون التّنوين ، فصار : «سمّى».

وفي الاسم خمس لغات : «اسم» و «اسم» ، و «سِم» و «سُم» و «سُمّى».

__________________

(١) في (س) أو سمته.

(٢) في (س) وكذلك في.

٣٧

قال الشّاعر : (١) [الرّجز]

باسم الذي في كلّ سورة سمه (٢)

وقال الآخر (٣) : [الرّجز]

وعامنا أعجبنا مقدّمه

يدعى أبا السّمح وقرضاب سمه (٤)

وقال الآخر (٥) : [الرّجز]

والله أسماك سمّى مباركا

آثرك الله به إيثاركا (٦)

وكسرت الهمزة في «اسم» لمحا لكسرة سينه في : «سمو» ؛ لأنّه الأصل ، وضمّت الهمزة في «اسم» لمحا لضمة سينه في «سمو» ؛ لأنّه أصل ثان ، والذي يدلّ على ذلك اللّغتان الأخريان وهما «سم» و «سم» فإنّهما حذفت لامهما ، وبقيت فاؤهما على حركتها في الأصلين. ووزن «اسم» بضمّ الهمزة : افع ، ووزن «سم» : فع ، ووزن «سم» : فع ، ووزن «سمّى» : فعل.

[تعريف الاسم]

فإن قيل : ما حدّ الاسم؟ قيل : كلّ لفظة دلّت على معنى تحتها غير مقترن بزمان محصّل (٧) ، وقيل : ما دلّ على معنى ، وكان ذلك المعنى شخصا ، أو غير شخص ، وقيل : ما استحقّ الإعراب أوّل وضعه. وقد ذكر فيه النّحويّون حدودا كثيرة ، تنيف على سبعين حدّا ؛ [وأحصرها أن تقول : «كلّ لفظ دلّ على معنى مفرد يمكن أن يفهم بنفسه وحده من غير أن يدلّ ببنيته لا بالعرض على الزّمان

__________________

(١) رواه الكسائيّ عن رجل من بني قضاعة بضمّ السّين ، ويروى عن غير قضاعة سمه بكسر السّين.

(٢) في (س) سمه.

(٣) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٤) القرضاب : اسم للسّيف. ويقال : قرضب الرّجل : إذا أكل شيئا يابسا ، وهو قرضاب.

راجع لسان العرب : مادة (قرضب).

موطن الشّاهد : سمه. وجه الاستشهاد : مجيء «اسم» على صيغة «سم» وهي لغة فيه.

(٥) نسب البيت إلى أبي خالد القنائيّ الأسديّ ، والظّاهر أنّه هبان بن خالد الأسديّ الملقّب بالنّوّاح لحسن مراثيه. راجع المقاصد النّحويّة : ١ / ١٥٤ ، وإصلاح المنطق : ١٣٤ ، ومعجم الشعراء : ٣٠.

(٦) موطن الشّاهد : «سما». وجه الاستشهاد : مجيء «اسما» على صيغة «سمّى» وهي لغة فيه.

(٧) أي : غير مقترن بزمان معبّر عنه في الماضي والحاضر والمستقبل كالفعل.

٣٨

المحصّل الذي فيه ذلك المعنى»](١). ومنهم من قال : لا حدّ له ؛ ولهذا ، لم يحدّه سيبويه ، وإنّما اكتفى فيه بالمثال ؛ فقال : الاسم : «رجل وفرس».

[علامات الاسم]

فإن قيل : ما علامات الاسم؟ قيل : علامات الاسم كثيرة ، فمنها الألف واللّام ؛ نحو : الرّجل والغلام ، ومنها التّنوين ؛ نحو : رجل وغلام ، ومنها حروف الجرّ ؛ نحو : من زيد وإلى عمرو ، ومنها التّثنية ؛ نحو : الزّيدان والعمران ، ومنها الجمع ؛ نحو : الزيدون والعمرون ، ومنها النّداء ؛ نحو : يا زيد ، ويا عمرو ومنها التّرخيم ؛ نحو : يا حار ويا مال في ترخيم «حارث ومالك» وقد قرأ بعض السّلف : (ونادوا يا مال ليقض علينا ربّك) (٢). ومنها التّصغير ؛ نحو : زييد وعمير في تصغير «زيد وعمرو» ، ومنها النّسب ؛ نحو : زيديّ وعمريّ في النّسب إلى زيد وعمرو ، ومنها الوصف ؛ نحو : زيد العاقل ، ومنها أن يكون فاعلا أو مفعولا ؛ نحو : ضرب زيد عمرا ، ومنها أن يكون مضافا إليه ؛ نحو : غلام زيد ، وثوب خزّ ، ومنها أن يكون مخبرا عنه ، كما بيّناه ؛ فهذه معظم علامات الأسماء.

فإن قيل : لم سمّي الفعل فعلا؟ قيل : لأنّه يدلّ على الفعل الحقيقيّ ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «ضرب» دلّ على نفس الضّرب الذي هو الفعل في الحقيقة ، فلمّا دلّ عليه سمّي به ؛ لأنّهم يسمّون الشّيء بالشّيء ، إذا كان منه بسبب ، وهو كثير في كلامهم.

[تعريف الفعل]

فإن قيل : فما حدّ الفعل؟ قيل : حدّ الفعل كلّ لفظة دلّت على معنى تحتها مقترن بزمان محصّل (٣) ؛ وقيل : ما أسند إلى شيء ، ولم يسند إليه شيء ، وقد حدّه النّحويّون ـ أيضا ـ حدودا كثيرة ؛ فإن قيل : ما علامات الفعل؟ قيل : علامات الفعل كثيرة ؛ فمنها : قد ، والسّين ، وسوف ؛ نحو : قد قام ، وسيقوم ،

__________________

(١) سقط ما بين المركّنين من (ط).

(٢) س : ٤٣ (الزّخرف ، ن : ٧٧ ، مك).

موطن الشّاهد : «يا مال» وجه الاستشهاد : مجيء «مالك» مرخّما في الآية الكريمة ؛ ومجيء الأسماء مرخّمة في النّداء كثير شائع.

(٣) أي معيّن بخلاف الاسم ، كما بيّنا.

٣٩

وسوف يقوم ؛ ومنها : تاء الضّمير ، وألفه وواوه ؛ نحو : قمت ، وقاما ، وقاموا ، ومنها تاء التّأنيث السّاكنة ؛ نحو : قامت ، وقعدت ؛ ومنها أن الخفيفة المصدريّة ؛ نحو : أريد أن تفعل ؛ ومنها إن الخفيفة الشّرطيّة ؛ نحو : إن تفعل أفعل ؛ ومنها لم ؛ نحو : لم يفعل ، وما أشبه ذلك ؛ ومنها التّصرّف ؛ نحو : فعل يفعل وكلّ الأفعال تتصرّف إلّا ستة أفعال.

[الأفعال غير المتصرّفة]

وهي : نعم ، وبئس ، وعسى ، وليس ، وفعل التّعجّب ، وحبّذا ؛ وفيها كلّها خلاف ، ولها كلّها أبواب نذكرها (١) فيها إن شاء الله تعالى.

[سبب تسمية الحرف]

فإن قيل : لم سمّي الحرف حرفا؟ قيل : لأنّ الحرف في اللّغة هو الطّرف ؛ ومنه يقال : حرف الجبل ؛ أي طرفه ؛ فسمّي حرفا ؛ لأنّه يأتي في طرف الكلام ؛ فإن قيل : فما حدّه؟ قيل : ما جاء لمعنى في غيره ، وقد حدّه النّحويّون ـ أيضا ـ بحدود كثيرة ، لا يليق ذكرها بهذا المختصر ؛ فإن قيل : فإلى كم ينقسم الحرف؟

قيل : إلى قسمين ؛ معمل ومهمل.

[انقسام الحروف إلى معملة ومهملة]

فالمعمل : هو الحرف المختصّ ؛ كحرف الجرّ ، وحرف الجزم ؛ والمهمل : غير المختصّ ؛ كحرف الاستفهام ، وحرف العطف.

[انقسام الحروف إلى ستّة أقسام]

ثمّ الحروف المعملة ، والمهملة كلّها ؛ تنقسم إلى ستة أقسام ؛ فمنها : ما يغير اللّفظ والمعنى ؛ ومنها : ما يغيّر اللّفظ دون المعنى ؛ ومنها : ما يغيّر المعنى دون اللّفظ ؛ ومنها : ما يغيّر اللّفظ والمعنى ، ولا يغيّر الحكم ؛ ومنها ما يغيّر الحكم ، ولا يغيّر لا لفظا ، ولا معنى ؛ ومنها ما لا يغيّر لا لفظا ، ولا معنى ، ولا حكما.

فأمّا ما يغيّر اللّفظ والمعنى ؛ فنحو : «ليت» فتقول : ليت زيدا منطلق ؛ فليت قد غيّرت اللّفظ ، وغيّرت المعنى ، أمّا تغيير اللّفظ ؛ فلأنّها نصبت الاسم ، ورفعت الخبر ، وأمّا تغيير المعنى ؛ فلأنّها أدخلت في الكلام معنى التّمنّي. وأمّا

__________________

(١) في (ط) نذكر ما فيها ، والصّواب ما أثبتناه من (س).

٤٠