أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

معها فيه ؛ لأنّ الكلامين صواب ، ولا ينكر تكرار (١) ما يقتضي الصّواب ، فلذلك ، افترق الحكم فيهما.

[أم متّصلة ومنقطعة]

وأمّا «أم» فتكون على ضربين ؛ متّصلة ، ومنقطعة ؛ فأمّا المتّصلة ، فتكون بمعنى «أيّ» نحو : «أزيد عندك أم عمرو» أي : «أيّهما عندك». وأمّا المنقطعة ، فتكون بمنزلة «بل والهمزة» ؛ كقولهم : «إنّها لإبل أم شاء» ؛ والتّقدير فيه : «بل أهي شاء» كأنّه رأى أشخاصا ، فغلب على ظنّه أنّها إبل ، فأخبر بحسب ما غلب على ظنّه ، ثمّ أدركه الشّكّ ، فرجع إلى السّؤال والاستثبات ، فكأنّه قال : «بل أهي شاء» ولا يجوز أن تقدّر «بل» وحدها والذي يدلّ على ذلك قوله تعالى : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ)(٢) ولو كان بمعنى «بل» وحدها ؛ لكان التّقدير «بل له البنات ولكم البنون» وهذا كفر / محض / (٣) ؛ فدلّ على أنّها بمنزلة «بل والهمزة».

[إمّا ليست حرف عطف]

فأمّا «إمّا» فليست حرف عطف ؛ ومعناها كمعنى «أو» إلّا أنّها أقعد في باب الشّكّ من «أو» لأنّ «أو» يمضي صدر الكلام (٤) معها على اليقين ، ثمّ يطرأ الشّكّ من آخر الكلام إلى أوّله ، وأمّا «إمّا» فيبنى الكلام معها من أوّله على الشّكّ ؛ وإنّما قلنا : إنّها ليست حرف عطف ؛ لأنّ حرف العطف ، لا يخلو إمّا أن يعطف مفردا على مفرد ، أو جملة على جملة ؛ فإذا قلت : «قام إمّا زيد وإمّا عمرو» لم تعطف مفردا على مفرد ، ولا جملة على جملة ، ثمّ لو كانت حرف عطف ؛ لما جاز أن يتقدّم على الاسم ؛ لأنّ حرف العطف لا يتقدّم على المعطوف عليه ، ثمّ لو كانت ـ أيضا ـ حرف عطف لما جاز أن يجمع بينها (٥) وبين الواو ، فلمّا جمع بينهما ، دلّ على أنّها ليست حرف عطف ؛ لأنّ حرف العطف ، لا يدخل على مثله ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) تكرير.

(٢) س : ٥٢ (الطّور : ٣٩ ، مك).

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (س) كلامك.

(٥) في (ط) بينهما.

٢٢١

الباب الثّامن والأربعون

باب ما لا ينصرف

[العلل المانعة من الصّرف]

إن قال قائل : كم العلل التي تمنع الصّرف؟ قيل : تسع ؛ وهي : وزن الفعل ، والوصف ، والتأنيث ، والألف والنّون الزّائدتان ، والتّعريف ، والعجمة ، والعدل ، والتّركيب ، والجمع ، ويجمعها بيتان من الشّعر هما (١) : [الرّجز]

جمع ووصف وتأنيث ومعرفة

وعجمة ثم عدل ثمّ تركيب

والنّون زائدة من قبلها ألف

ووزن فعل وهذا القول تقريب

[العلل المانعة من الصّرف فروع وأوجه ذلك]

فإن قيل : ومن أين كانت هذه العلل فروعا؟ قيل : لأنّ وزن الفعل فرع على وزن الاسم ، والوصف فرع على / وزن / (٢) الموصوف ، والتّأنيث فرع على التّذكير ، والألف والنّون الزّائدتان فرع لأنّهما تجريان مجرى علامة التأنيث في امتناع دخول علامة التّأنيث عليهما ، ألا ترى أنّه لا يقال : «عطشانة ، وسكرانة» كما لا يقال «حمراة وصفراة» ، والتّعريف فرع على التّنكير ، والعجمة فرع على العربيّة ، والجمع فرع على الواحد ، والعدل فرع ؛ لأنّه متعلّق بالمعدول عنه ، والتّركيب فرع على الإفراد ؛ فهذا وجه كونها فروعا.

[لم تكون العلل مانعة من الصّرف؟]

فإن قيل : فلم وجب أن تكون هذه العلل تمنع الصّرف؟ قيل : لأنّها لمّا كانت فروعا على ما بيّنّا ؛ والفعل فرع على الاسم ، وهو أثقل من الاسم لكونه فرعا ؛ فقد (٣) أشبهت الفعل ، فإذا اجتمع في الاسم علّتان من هذه العلل ، وجب أن يمتنع من الصّرف ؛ لشبهه بالفعل.

__________________

(١) في (ط) وهي ، والصّواب ما ذكرنا.

(٢) زيادة من (ط).

(٣) في (س) وقد.

٢٢٢

[الممنوع من الصّرف لا يكون إلّا بتوفّر علّتين أو علّة تقوم مقامهما]

فإن قيل : فلم لم يمتنع (١) الصّرف بعلّة واحدة؟ قيل : لأنّ الأصل في الأسماء (٢) الصّرف ، ولا تمتنع من الصّرف بعلّة واحدة ؛ لأنّها لا تقوى على نقله عن أصله ، إلّا أن تكون العلّة تقوم مقام علّتين ؛ فحينئذ تمنع (٣) من الصّرف بعلّة واحدة ؛ لقيام علّة مقام علّتين.

[علّة امتناع ما لا ينصرف من التّنوين والجرّ]

فإن قيل : لم منع ما لا ينصرف التّنوين والجرّ؟ قيل لوجهين :

أحدهما : أنّه إنّما منع من التّنوين ؛ لأنّه علامة التّصرّف فلمّا وجد ما يوجب منع التّصرّف (٤) وجب أن يحذف ، ومنع الجرّ تبعا له.

والوجه الثّاني : أنّه إنّما منع الجرّ أصلا ، لا تبعا / له / (٥) لأنّه إنّما منع من الصّرف ؛ لأنّه أشبه الفعل ، والفعل ليس فيه (٦) جرّ ولا تنوين ؛ فكذلك ـ أيضا ـ ما أشبهه.

[علّة حمل الجرّ على النّصب في الممنوع من الصّرف]

فإن قيل : فلم حمل الجرّ على النّصب في ما لا ينصرف؟ قيل : لأنّ بين الجرّ والنّصب مشابهة ؛ ولهذا ، حمل الجرّ على النّصب في التّثنية ، وجمع المذكّر ، والمؤنّث السّالم ، فلمّا حمل الجرّ على النّصب (٧) في تلك المواضع ؛ فكذلك يحمل الجرّ على النّصب ههنا.

[ما لا ينصرف نكرة كان أم معرفة وعلّة ذلك]

فإن قيل : فلم كان جميع ما لا ينصرف في المعرفة ، ينصرف في النّكرة إلّا خمسة أنواع : «أفعل» / إذا كان / (٨) نعتا ؛ نحو : «أزهر» ، وما كان آخره ألف التأنيث ؛ نحو ؛ «حبلى ، وحمراء» وما كان على «فعلان» مؤنّثه «فعلى» ؛ نحو : «سكران وسكرى» ، وما كان جمعا بعد ألفه حرفان ، أو ثلاثة أوسطها ساكن ؛ نحو : «مساجد ، وقناديل» ، وما كان معدولا عن العدد ؛ نحو : «مثنى ، وثلاث

__________________

(١) في (س) يمنع.

(٢) في (س) الاسم.

(٣) في (س) يمنع.

(٤) في (س) الصّرف.

(٥) سقطت من (س).

(٦) في (س) له.

(٧) في (س) حمل النّصب على الجرّ.

(٨) سقطت من (س).

٢٢٣

/ ورباع / (١)» وأشباهه؟ قيل : أمّا «أفعل» فإنّما لم ينصرف معرفة ولا نكرة ؛ لأنّه إذا كان معرفة ، فقد اجتمع فيه التّعريف ووزن الفعل ، وإذا كان نكرة ، فقد اجتمع فيه الوصف ، ووزن الفعل ؛ وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنّه إذا سمّي به ، ثمّ نكّر ؛ انصرف ؛ لأنّه لمّا سمّي به ، زال عنه الوصف ، وإذا (٢) نكّر ، بقي وزن الفعل وحده ؛ فوجب أن ينصرف ؛ والصّحيح : أنّه لا ينصرف ؛ لأنّه إذا نكّر ، رجع إلى الأصل ، وهو الوصف ؛ فيجتمع فيه / علّتان وهما / (٣) وزن الفعل والوصف ، كما أنّهم صرفوا قولهم : «مررت بنسوة أربع» وإن كان على وزن الفعل وهو صفة ؛ لأنّ (٤) الأصل أن يكون اسما ، لا صفة مراعاة للأصل ، فكذلك ـ ههنا ـ نراعي أصله في الوصف ، وإن كان قد سمّي به. وأمّا ما كان آخره ألف التأنيث ، فإنّما لم ينصرف / البتّة / (٥) ؛ لأنّه مؤنّث ، وتأنيثه لازم ، فكأنّه أنّث مرّتين ؛ فلهذا ، لا ينصرف ؛ لأنّ العلّة فيه ، قامت مقام علّتين. وأمّا ما كان على «فعلان» مؤنّثه «فعلى» ؛ نحو : «سكران وسكرى» ؛ فلأنّ (٦) الألف والنّون فيه أشبهتا ألفي التّأنيث ؛ نحو : «حمراء» وذلك من وجهين :

أحدهما : امتناع دخول تاء التّأنيث.

والثّاني : أنّ بناء مذكّره مخالف لبناء مؤنّثه ، فإن (٧) لم يكن له / مؤنّث / (٨) على «فعلى» ؛ نحو : «عثمان» فإنّه لا ينصرف معرفة ، وينصرف نكرة ، وليس من هذه الأنواع. وأمّا ما كان جمعا بعد ألفه حرفان أو ثلاثة ، أوسطها ساكن ؛ فإنّما منع من الصّرف البتّة ، وذلك لأربعة أوجه ذكرها الثّمانينيّ (٩) :

الوجه الأوّل : أنّه لمّا كان جمعا ، لا يمكن جمعه مرّة ثانية ، فكأنّه قد جمع مرّتين.

والوجه الثّاني : أنّه جمع لا نظير له في الآحاد ، فعدم النّظير يقوم مقام علّة ثانية.

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (س) فإذا.

(٣) سقطت من (س) وفي (ط) وهو ، والصّواب ما أثبتنا.

(٤) في (ط) إلّا أنّ.

(٥) زيادة من (ط).

(٦) في (س) لأنّ.

(٧) في (ط) إن.

(٨) سقطت من (س).

(٩) الثّمانينيّ : عمر بن ثابت ، نحويّ أخذ النّحو عن ابن جنّي ، وكان ضريرا ؛ والثّمانينيّ نسبة إلى بليدة قرب الموصل. مات سنة ٤٤٢ ه‍.

٢٢٤

والوجه الثّالث : أنّه جمع ، ولا يمكن أن يكسّر مرّة ثانية ، فأشبه الفعل ؛ لأنّ الفعل لا يدخله التّكسير (١).

والوجه الرّابع : أنّه جمع لا نظير له في الأسماء العربيّة ، فجرى مجرى الاسم الأعجميّ ؛ لأنّ الأعجميّ يكون على غير وزن العربيّ ؛ والوجهان الآخران يرجعان إلى الأوّلين. وأمّا ما كان معدولا عن العدد ؛ نحو : «مثنى ، وثلاث» فإنّما منع الصّرف في النّكرة ، وذلك للعدل ، والوصف ؛ وقيل : لأنّه عدل عن اللّفظ والمعنى ؛ فأمّا عدله في اللّفظ فظاهر ، وأمّا عدله في المعنى ؛ فلأنّ العدد يراد به قبل العدد الدّلالة على قدر المعدود ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «جاءني اثنان أو ثلاثة» أردت قدر ما جاءك ، وإذا قلت : «جاءني مثنى وثلاث» ، لم يجز حتّى يتقدّم قبله جمع لتدلّ (٢) بذكر المعدود على التّرتيب ، فتقول «جاءني القوم مثنى مثنى ، وثلاث ثلاث» ؛ أي : «اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة»؟ فدلّ على أنّه معدول من جهة اللّفظ والمعنى ؛ فلذلك ، لم ينصرف في النّكرة.

[علّة جر ما لا ينصرف في التّعريف والإضافة]

فإن قيل : فلم دخل / ... / (٣) ما لا ينصرف الجرّ مع الألف واللّام ، أو الإضافة؟ قيل : لثلاثة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّه (٤) أمن فيه التّنوين ؛ لأنّ الألف واللّام والإضافة لا تكون مع التّنوين ؛ فلمّا وجدت أمن فيه التّنوين (٥) ؛ فدخله الجرّ في موضع الجرّ.

والوجه الثّاني : أنّ الألف واللّام والإضافة قامت مقام التّنوين ، ولو كان التّنوين فيه ؛ لجاز فيه الجرّ ، فكذلك / مع / (٦) ما قام مقامه.

والوجه الثّالث : أنّه بالألف واللّام والإضافة بعد عن شبه الفعل ، فلمّا بعد عن شبه الفعل ، دخله الجرّ في موضع الجرّ ؛ لأنّه قد صار بمنزلة ما فيه علّة واحدة ؛ فلهذا المعنى ، دخله الجرّ مع الألف واللّام والإضافة ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ط) التّنكير ، والصّواب ما أثبتناه من (س).

(٢) في (س) ليدلّ.

(٣) في (ط) زيادة جمع ولا مبرّر لها ، فلم نثبتها في المتن.

(٤) في (س) لأنّه.

(٥) في (ط) فلمّا لا وجدت مع التّنوين أمن فيه التّنوين ؛ والأفضل ما أثبتناه من (س).

(٦) سقطت من (س).

٢٢٥

الباب التّاسع والأربعون

باب إعراب الأفعال وبنائها

[علّة كون الأفعال ثلاثة]

إن قال قائل : لم كانت الأفعال ثلاثة : «ماض ، وحاضر ومستقبل»؟ قيل : لأنّ الأزمنة ثلاثة ، ولمّا كانت ثلاثة ، وجب أن تكون (١) الأفعال ثلاثة : ماض ، وحاضر ، ومستقبل.

[علّة بناء الفعل الماضي على الفتح]

فإن قيل : فلم بني الفعل الماضي على حركة ، ولم كانت الحركة فتحة؟ قيل : إنّما بني الفعل أوّلا ؛ لأنّ الأصل في الأفعال البناء ، وبني على حركة ، تفضيلا له على فعل الأمر ؛ لأنّ الفعل الماضي أشبه الأسماء في الصّيغة (٢) ؛ نحو قولك : مررت برجل ضرب ، كما تقول : مررت برجل ضارب ؛ وأشبه (٣) ـ أيضا ـ ما أشبه الأسماء في الشّرط والجزاء ؛ فإنّك تقول : إن فعلت فعلت ؛ والمعنى فيه : إن تفعل أفعل ؛ فلمّا قام الماضي مقام المستقبل ؛ والمستقبل قد أشبه الأسماء ؛ وجب أن يبنى على حركة ، تفضيلا له على فعل الأمر الذي ما أشبه الأسماء ، ولا أشبه ما أشبهها. وإنّما كانت الحركة فتحة لوجهين :

أحدهما : أنّ الفتحة أخفّ الحركات ، فلمّا وجب بناؤه على حركة ؛ وجب أن يبنى على أخفّ الحركات.

والوجه الثّاني : أنّه لا يخلو إمّا أن يبنى على الكسر ، أو على الضّمّ ، أو على الفتح ؛ فبطل (٤) أن يبنى على الكسر ؛ لأنّ الكسر ثقيل ، والفعل ثقيل ، والثّقيل لا ينبغي أن يبنى على ثقيل ، وإذا كان الجرّ لا يدخله ، وهو غير لازم لثقله ، فألّا يدخله الكسر الذي هو لازم ، كان ذلك من طريق الأولى ؛ وإذا بطل

__________________

(١) في (ط) يكون.

(٢) في (س) الصّفة.

(٣) في (ط) فأشبه ، وما أثبتناه من (س).

(٤) في (س) بطل.

٢٢٦

أن يبنى على الكسر ؛ بطل أن يبنى على الضّمّ ـ أيضا ـ لثلاثة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّ الضّمّ أثقل ، وإذا بطل أن يبنى على الثّقيل ، فلئلّا (١) يبنى على الأثقل أولى.

والوجه الثّاني : أنّ الضّمّ أخو الكسر ؛ لأنّ الواو أخت الياء ، ألا ترى أنّهما يجتمعان في الرّدف / في / (٢) نحو قوله (٣) : [الوافر]

ولا تكثر على ذي الضّغن عتبا

ولا ذكر التّجرّم للذّنوب

ولا تسأله عمّا سوف يبدي

ولا عن عيبه لك بالمغيب

متى تك في صديق أو عدوّ

تخبّرك العيون عن القلوب (٤)

والوجه الثّالث : إنّما لم يبن على الضّمّ ؛ لأنّ من العرب من يجتزىء بالضّمّة عن الواو ، فيقول في قاموا : «قام» وفي كانوا «كان» قال الشّاعر (٥) : [الوافر]

فلو أنّ الأطبا كان حولي

وكان مع الأطبّاء الشّفاء (٦)

وإذا بطل أن يبنى على الكسر والضّمّ ؛ وجب أن يبنى على الفتح.

[علّة بناء الأمر على السّكون]

فإن قيل : فلم بني فعل الأمر على الوقف؟ قيل : لأنّ الأصل في الأفعال البناء ، والأصل في البناء أن يكون على الوقف ؛ (فبني على الوقف) (٧) لأنّه الأصل. و/ قد / (٨) ذهب الكوفيّون إلى أنّه معرب ، وإعرابه الجزم ، واستدلّوا على ذلك من ثلاثة أوجه :

__________________

(١) في (ط) فلألّا ، والصّواب ما أثبتنا.

(٢) زيادة من (س).

(٣) القائل : زهير بن أبي سلمى ، وقد سبقت ترجمته.

(٤) موطن الشّاهد : (الذّنوب ، المغيب ، القلوب).

وجه الاستشهاد : اجتماع الواو في «الذّنوب» مع الياء في «المغيب» وكذا الواو في «القلوب» في ردف الأبيات ؛ لأنّهما أختان ، كما ذكر المؤلّف في المتن.

(٥) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٦) المفردات الغريبة : الأطبّا : الأطبّاء ؛ والطّبيب : الحاذق ، من الطّبّ ؛ وهو الحذق.

كان : كانوا. وفي البيت شاهد آخر على قصر الأطباء ، فجاءت الأطبّا.

موطن الشّاهد (كان).

وجه الاستشهاد : الاجتزاء بالضّمّة عن الواو ؛ لأنّ الأصل فيها كانوا.

(٧) سقطت من (س).

(٨) سقطت من (س).

٢٢٧

الوجه الأوّل : أنّهم قالوا إنّما قلنا : إنّه معرب مجزوم ؛ لأنّ الأصل في : «قم ، واذهب : لتقم ، ولتذهب» قال الله تعالى : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(١) وذكر أنّها قراءة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وقد روي عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال في بعض مغازيه : «لتأخذوا مصافّكم» (٢) ؛ فدلّ على أنّ الأصل في «قم : لتقم ، واذهب : لتذهب» إلّا أنّه لمّا كثر / في / (٣) كلامهم ، وجرى على ألسنتهم ؛ استثقلوا مجيء اللّام فيه مع كثرة الاستعمال / فيه / (٤) ؛ فحذفوها (٥) مع حرف المضارعة تخفيفا ؛ كما قالوا «إيش» والأصل فيه : «أيّ شيء» وكقولهم : «ويلمّه» والأصل فيه : «ويل أمّه» ؛ فحذفوا لكثرة الاستعمال ؛ فكذلك ههنا.

والوجه الثّاني : أنّهم قالوا : أجمعنا على أنّ فعل النّهي معرب مجزوم ؛ نحو : «لا تقم ، ولا تذهب» فكذلك فعل الأمر ؛ نحو : «قم ، واقعد» ؛ لأنّ النّهي ضدّ الأمر ، وهم يحملون الشّيء على ضدّه ، كما يحملونه على نظيره.

والوجه الثّالث (٦) : أنّهم قالوا : الدّليل على أنّه مجزوم ، أنّك تقول في المعتلّ : «اغز ، ارم ، اخش» فتحذف الواو ، والياء ، والألف ؛ كما تقول : «لم يغز ، لم يرم ، لم يخش» فدلّ على أنّه مجزوم بلام مقدّرة ، وقد يجوز إعمال حرف الجزم مع الحذف ؛ قال الشّاعر (٧) : [الوافر]

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا (٨)

و/ أمّا / (٩) ما ذهب إليه الكوفيّون ففاسد ؛ وقولهم : إنّ الأصل في : «قم : لتقم ، واذهب : لتذهب» إلّا أنّهم حذفوه (١٠) ؛ لكثرة الاستعمال ؛ قلنا : ليس

__________________

(١) س : ١٠ (يونس ، ن : ٥٨ ، مك).

(٢) لا وجود لهذا اللّفظ في كتب السّنّة ، وفي البخاري قريب منه ؛ وهو «فلتسوّوا صفوفكم».

(٣) سقطت من (ط). (٤) سقطت من (س).

(٥) في (ط) فحذفوه.

(٦) في (س) الثّاني ، وهو سهو واضح.

(٧) ينسب هذا الشّاهد إلى عدد من الشّعراء ؛ منهم حسّان بن ثابت ، وأبو طالب عمّ النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ والأعشى.

(٨) المفردات الغريبة : التّبال : كالوبال ، سوء العاقبة.

موطن الشّاهد : (تفد).

وجه الاستشهاد : إضمار لام الأمر المقترنة بفعل الأمر «تفد» مع بقاء عملها ؛ لأنّ الأصل فيه : لتفد ؛ وإعمال لام الأمر بعد إضمارها من أقبح الضّرورات.

(٩) سقطت في (س).

(١٠) في (س) أنّه حذف.

٢٢٨

كذلك ، فإنّه (١) لو كان الأمر كما زعمتم ؛ لوجب أن يختصّ الحذف بما يكثر استعماله ، دون ما لا يكثر استعماله ؛ فلمّا قيل : «اقعنسس (٢) ، واحرنجم (٣) ، واعلوطّ» (٤) وما أشبه ذلك بالحذف ، ولا يكثر استعماله ؛ دلّ على فساد ما ذهبوا إليه. فقولهم : إنّ فعل النّهي معرب مجزوم ، فكذلك فعل الأمر ؛ قلنا : هذا / قياس / (٥) فاسد ؛ لأنّ فعل النّهي في أوّله حرف المضارعة الذي أوجب المشابهة بالاسم ، فاستحقّ الإعراب ، فكان معربا ، وأمّا فعل الأمر ، فليس في أوّله حرف المضارعة الذي يوجب للفعل المشابهة بالاسم ، فيستحقّ الإعراب ؛ فكان باقيا على أصله. وقولهم : إنّه بحذف الواو والياء والألف ؛ نحو : اغز ، ارم ، اخش» كما تقول : «لم يغز لم يرم ، لم يخش» ، فنقول : إنّما حذفت هذه الأحرف للبناء ، لا للإعراب ، حملا للفعل المعتلّ على الفعل الصّحيح ؛ حملا للفرع على الأصل ، والذي يدلّ على ... (٦) صحّة ما ذكرناه أنّ حروف الجرّ لا تعمل / مع الحذف / (٧) ؛ فحروف الجزم أولى ، وأمّا البيت الذي أنشدوه ؛ (وهو قوله) (٨) :

محمد تفد نفسك كلّ نفس

فقد أنكره أبو العبّاس المبرّد ، ولو سلّمنا صحّته ؛ فنقول : قوله : «تفد نفسك / كلّ نفس / (٩)» لم تحذف الياء للجزم بلام مقدّرة ، وإنّما حذفت الياء للضّرورة ، اجتزاء بالكسرة عن الياء ، وهو في كلامهم أكثر من أن يحصى ، وإن سلّمنا أنّ الأصل : «لتفد» وأنّه مجزوم بلام مقدّرة ، إلّا (١٠) أنّا نقول : إنّما حذفت اللّام لضرورة الشّعر ، وما حذف للضّرورة ، لا يجوز أن يجعل (١١) أصلا

__________________

(١) في (ط) وإنّه.

(٢) اقعنسس : تأخّر ، ورجع إلى الخلف. القاموس المحيط : (مادة قعس) ص ٥١٠.

(٣) احرنجم : في القاموس : حرجم الإبل : إذا ردّ بعضها على بعض ، واحرنجم : أراد الأمر ، ثمّ رجع عنه. القاموس المحيط : (مادة حرجم) ، ص ٩٨٦.

(٤) اعلوطّ : في القاموس : اعلوطّ البعير : تعلّق بعنقه ، وعلاه ، أو ركبه بلا خطام أو عريا.

واعلوطّ فلانا : أخذه ، وحبسه ، ولزمه. واعلوطّ الأمر : ركب رأسه ، وتقحّم من دون رويّة. القاموس المحيط : (مادة علط) ص ٦١٠ ـ ٦١١.

(٥) سقطت من (ط).

(٦) في (ط) زيادة ذلك ، ولا مبّرر لها ، فلم نثبتها في المتن.

(٧) سقطت من (س).

(٨) سبق ذكره ، والتّعليق عليه.

(٩) سقطت من (س).

(١٠) في (ط) غير.

(١١) في (ط) تجعل ؛ والصّواب ما أثبتنا من (س).

٢٢٩

يقاس عليه ؛ وقد بيّنّا هذه المسألة مستقصاة في المسائل الخلافيّة.

[علّة إعراب الفعل المضارع]

فإن قيل : فلم أعرب الفعل المضارع؟ قيل : لأنّه أشبه الأسماء من الخمسة الأوجه التي ذكرناها قبل في صدر الكتاب ؛ وإعرابه : الرّفع ، والنّصب ، والجزم ؛ فأمّا الرّفع ، فلقيامه مقام الاسم ، وقد ذكر (١) ـ أيضا ـ في صدر الكتاب ، وأمّا النّصب والجزم فسنذكرهما ـ أيضا ـ فيما بعد هذا الباب ، إن شاء الله تعالى.

[علّة إثبات حروف العلّة في الرّفع وحذفها في الجزم]

فإن قيل : فلم قالوا «هو يغزو ، ويرمي ، ويخشى» فأثبتوا الواو والياء والألف ساكنة في حالة الرّفع ، وحذفوها في حالة الجزم ، وفتحوا الواو والياء في حالة النّصب ، فسوّوا (٢) في «يخشى» بين النّصب والرّفع ؛ قيل : إنّما أثبتوها ساكنة في الرّفع ؛ لأنّ الأصل أن يقال : «هو يغزو ، ويرمي ، ويخشى» بضمّ الواو في «يغزو» والياء في «يرمي ، ويخشى» إلّا أنّهم استثقلوا الضّمّة على الواو من «يغزو» وعلى الياء من «يرمي» فحذفوها ؛ فبقيت (٣) الواو من «يغزو» ساكنة ، وكذلك الياء من «يرمي» وأمّا الياء من «يخشى» فانقلبت ألفا ؛ لتحرّكها ، وانفتاح ما قبلها ، وإنّما حذفوا هذه الحروف في الجزم ؛ لأنّها أشبهت الحركات ، ووجه الشّبه من وجهين :

أحدهما : أنّ هذه الحروف مركّبة من الحركات على قول بعض النّحويّين ، والحركات مأخوذة منها على قول آخرين ، وعلى كلا القولين ، فقد حصلت المشابهة بينهما.

والوجه الثّاني : أنّ هذه الحروف / ـ ههنا ـ / (٤) لا تقوم بها الحركات ، كما أنّ الحركات كذلك ، وكما أنّها تحذف للجزم ، فكذلك هذه الحروف ، وقد حكي عن أبي بكر ابن السرّاج أنّه شبّه الجازم بالدّواء ، والحركة في الفعل بالفضلة التي يخرجها الدّواء ، وكما أنّ الدّواء إذا (٥) صادف فضلة حذفها ، وإن لم يصادف / فضلة / (٦) أخذ من نفس الجسم ، فكذلك الجازم إذا دخل على الفعل ؛ إن وجد حركة أخذها ، وإلّا أخذ من نفس الفعل. وسهل حذفها ، وإن

__________________

(١) في (س) ذكرناه.

(٢) في (س) وسوّوا.

(٣) في (س) فثبتت.

(٤) سقطت من (ط).

(٥) في (س) إن.

(٦) سقطت من (س).

٢٣٠

كانت أصليّة ؛ لسكونها ؛ لأنّها بالسّكون تضعف ، فتصير في حكم الحركة ، فكما (١) أنّ الحركة تحذف ، فكذلك هذه الحروف. وإنّما فتحوا الواو والياء في «يغزو ، ويرمي في النّصب لخفّة الفتحة ؛ فانقلبت (٢) الياء في / نحو / (٣) «يخشى» ألفا ؛ لتحرّكها في النّصب ، وانفتاح ما قبلها ، كما قلبناها في حالة الرّفع ؛ لتحرّكها بالضّمّ في الأصل ، وانفتاح ما قبلها.

[علّة ثبوت النّون رفعا وحذفها نصبا وجزما في الأفعال الخمسة]

فإن قيل : فلم كانت الخمسة الأمثلة ؛ نحو : «يفعلان ، وتفعلان ، ويفعلون ، وتفعلون ، وتفعلين» في حالة الرّفع بثبوت النّون ، وفي حالة النّصب والجزم بحذفها؟ قيل : لأنّ هذه الأمثلة ، لمّا وجب أن تكون معربة ، لم يمكن أن تجعل اللّام حرف الإعراب ، وذلك ؛ لأنّه من الإعراب الجزم ، فلو أنّها حرف إعراب ؛ لوجب أن يسقط (٤) في حالة الجزم ، فكان (٥) يؤدّي إلى أن يحذف ضمير الفاعل ، وذلك لا يجوز ، ولم يمكن ـ أيضا ـ أن يجعل الضّمير حرف الإعراب ؛ لأنّه في الحقيقة ليس مجزوم (٦) الفعل ، وإنّما هو قائم بنفسه في موضع رفع ؛ لأنّه فاعل ، فلا يجوز أن يجعل حرف إعراب لكلمة أخرى ؛ فوجب أن يكون الإعراب بعدها ؛ فزادوا النّون ؛ لأنّها تشبه حروف المدّ واللّين ، وجعلوا ثبوتها علامة للرّفع ، والحذف (٧) علامة للنّصب والجزم ، وإنّما جعلوا الثّبوت علامة للرّفع ، والحذف علامة للجزم والنّصب ، ولم يكن بعكس ذلك ؛ لأنّ الثّبوت أوّل ، والحذف طار عليه ، كما أنّ الرّفع أوّل ، والجزم والنّصب طاريان (٨) عليه ، فأعطوا الأوّل الأوّل ، والطّارىء الطّارىء ، والنّصب فيهما محمول على الجزم ؛ لأنّ الجزم في الأفعال ، نظير الجرّ في الأسماء ، وكما أنّ النّصب في التّثنية والجمع محمول على الجرّ ، فكذلك النّصب ـ ههنا ـ محمول على الجزم.

[علّة استواء الأفعال الخمسة في النّصب والجزم]

فإن قيل : فلم استوى النّصب والجزم في قولهم : «أنت تفعلين» للواحدة ، وليس في الأسماء الآحاد ما حمل نصبه على جرّه؟ قيل : لأنّ قولهم «أنت تفعلين»

__________________

(١) في (س) وكما.

(٢) في (س) وانقلبت.

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (س) تسكن.

(٥) في (س) وكان.

(٦) في (ط) بجزم. وما أثبتناه من (س) هو الصّواب.

(٧) أي حذف النّون من الأفعال الخمسة.

(٨) في (س) طاري ، وهو سهو من النّاسخ.

٢٣١

يشابه لفظ الجمع ، ألا ترى أنّ الجمع في حالة النّصب والجرّ يكون في آخره ياء قبلها كسرة ، وبعدها نون ؛ كقولهم (١) : «تفعلين» فلمّا أشبه لفظ الجمع ، حمل عليه ؛ ولهذا ، فتحت النّون منه حملا على الجمع ـ أيضا ـ وكذلك كسروا النّون في «يفعلان» وفتحوها من «يفعلون» حملا على تثنية الأسماء وجمعها. وهذه الأمثلة معربة ، لا حرف إعراب لها ، وذلك لما بيّنّا من استحالة جعل اللّام أو الضّمير أو النّون حرف الإعراب ، وليس لها نظير في كلامهم.

[علّة عدم كون يفعلان ويفعلون مثنّى وجمعا]

فإن قيل : فهلّا كان «يفعلان ، ويفعلون» تثنية وجمعا ل «يفعل» كما كان «زيدان ، وزيدون» تثنية وجمعا ل «زيد»؟ قيل : لأنّ الفعل لا يجوز تثنيته ، ولا جمعه ، وإنّما لم يجز ذلك لأربعة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّ الفعل يدلّ على المصدر ، والمصدر لا يثنّى ولا يجمع ؛ لأنّه يدلّ على الجنس ، إلّا أن تختلف أنواعه ، فيجوز تثنيته وجمعه ، فلمّا كان الفعل يدلّ على المصدر / المبهم / (٢) الدّال على الجنس ، لم يجز تثنيته ولا جمعه.

والوجه الثّاني : أنّ الفعل لو جازت تثنيته مع الاثنين ، وجمعه مع الجماعة ؛ لجازت تثنيته وجمعه مع الواحد ، فكن يجوز أن يقال «زيد قاما ، وقاموا» إذا فعل ذلك مرّتين أو مرارا ، فلمّا لم يجز ذلك ، دلّ على أنّه لا يثنّى ، ولا يجمع.

والوجه الثّالث : أن الفعل ليس بذات يقصد إليها بأن يضمّ إليها غيرها ، كما يكون ذلك في الأسماء ؛ فلذلك لم يثنّ ، ولم يجمع.

والوجه الرّابع : أنّ الفعل يدلّ على مصدر ، وزمان ، فصار في المعنى كأنّه اثنان ، فكما لا يجوز تثنية الاسم المثنّى كذلك (٣) لا يجوز تثنية الفعل.

[الألف والواو في الأفعال الخمسة تدلّان على تثنية وجمع الضّمير لا الفعل]

فإن قيل : أليس الألف في «يفعلان» تدلّ على التّثنية ، والواو في «يفعلون» تدلّ على الجمع؟ قيل : الألف والواو تدلّان على التّثنية والجمع ، لكن (٤) على تثنية الضّمير وجمعه ، لا على تثنية الفعل وجمعه لما (٥) بيّنّا ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) كقولك.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (س) فكذلك.

(٤) في (س) ولكن. (٥) في (س) على ما.

٢٣٢

الباب الخمسون

باب الحروف التي تنصب الفعل المستقبل

[علّة عمل الأحرف النّاصبة للفعل المضارع]

إن قال قائل : لم وجب أن تعمل «أن ، ولن ، وإذن ، وكي» النّصب؟ قيل : إنّما وجب أن تعمل لاختصاصها بالفعل ، ووجب أن يكون عملها النّصب ؛ لأنّ «أن» الخفيفة تشبه «أنّ» الثّقيلة ، و «أنّ» الثّقيلة تنصب الاسم ، فكذلك «أن» هذه يجب أن تنصب الفعل ، وحملت «لن ، وإذن ، وكي» على «أن» ، وإنّما حملت عليها ؛ لأنّها تشبهها ، ووجه الشّبه بينهما أنّ «أن» الخفيفة تخلص الفعل المضارع للاستقبال ، وهذه الحروف تخلص الفعل المضارع للاستقبال ، فلمّا اشتركا في هذا المعنى ، حملت عليها. ويحكى عن الخليل بن أحمد (١) أنّه قال : لا ينصب / شيء / (٢) من الأفعال إلّا ب «أن» مظهرة أو مقدّرة ، والأكثرون على خلافه. وتكون «أن» مع الفعل بعدها بمنزلة المصدر ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «أن تفعل كذا خير لك» .. (٣) كان التّقدير : «فعلك كذا خير لك» وما أشبه ذلك. وأمّا «لن» ففيها قولان ؛ فذهب الخليل إلى أنّها مركّبة من كلمتين ؛ وأصلها «لا أن» فحذفوا الألف من «لا» ، والهمزة من «أن» لكثرة الاستعمال ؛ (كقولهم : ويل أمّه) (٤) : «ويلمّه» وركّبوا إحداهما مع الأخرى ، فصار «لن».

وذهب سيبويه إلى أنّها ليست مركّبة من كلمتين ؛ بل هي بمنزلة شيء على حرفين ، ليس فيه زيادة ؛ قال سيبويه : «ولو كانت على ما يقول الخليل ، لما قلت : «أمّا زيدا فلن أضرب» ؛ لأنّ ما بعد «أن» لا يعمل في ما قبلها. ويمكن

__________________

(١) هو الخليل بن أحمد الفراهيديّ : أحد أذكياء العرب المشهورين ، إمام في اللّغة ، والنّحو ، والأدب ، وهو واضع علم العروض ، وصاحب معجم «العين» ، وهو شيخ سيبويه. مات سنة ١٧٠ ه‍. طبقات النّحويّين واللّغويّين ٤٣ ـ ٤٧.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) في (ط) زيادة فعل يعني ، ولا لزوم له ، فلم نثبته في المتن.

(٤) سقطت من (س).

٢٣٣

أن يعتذر عن الخليل بأن يقال : إنّ الحروف (١) إذا ركّبت تغيّر حكمها بعد التّركيب ، عمّا كانت عليه قبل التّركيب ، ألا ترى أنّ «هل» لا يجوز أن يعمل ما بعدها في ما قبلها ، وإذا ركّبت مع «لا» ودخلها معنى التّخصيص ؛ جاز أن يعمل ما بعدها في ما قبلها ، فيقال : «زيدا هلّا ضربت» فكذلك ههنا؟ ويمكن أن يقال على هذا ـ أيضا ـ أنّ «هلّا» ذهب منها معنى الاستفهام ؛ فجاز أن يتغيّر حكمها ، وأمّا «لن» فمعنى النّفي باق فيها ، فينبغي ألّا يتغيّر حكمها. وأمّا «إذن» فتستعمل على ثلاثة أضرب :

الأوّل : أن تكون عاملة ، وهو أن يدخل على الفعل المضارع ، فيراد به الاستقبال ، ويكون جوابا ؛ نحو أن يقول القائل : «أنا أزورك» فتقول : «إذن أكرمك» ، فيجب إعمالها لا غير.

والثّاني : أن يدخل عليها الواو والفاء للعطف ، فيجوز إعمالها وإهمالها ؛ نحو (٢) قولك : «إن تكرمني ، أنا أكرمك وإذن أحسن إليك» فيجوز إعمالها ، فتنصب الفعل بعدها ، كما لو ابتدأت بها ، فترجع إلى القسم الأوّل ، ويجوز إهمالها ؛ فترفع الفعل بعدها ؛ لأنّه (٣) مع الضّمير المستكنّ فيه خبر مبتدأ محذوف ؛ والتّقدير فيه : «وأنا إذن أحسن إليك» (٤) ، فرجع إلى القسم الثّالث.

والثّالث : أن تدخل بين كلامين ؛ أحدهما متعلّق (٥) بالآخر ؛ نحو : أن تدخل بين الشّرط وجوابه ؛ نحو «إن تكرمني إذن أكرمك» وبين المبتدأ وخبره ؛ نحو : «زيد إذن يقوم» وما أشبه ذلك ، فلا يجوز إعمالها بحال ، وكذلك (٦) إذا دخلت على فعل الحال ؛ نحو قولك : «إذن أظنّك كاذبا» إذا أردت أنّك في حال ظنّ ؛ وذلك لأنّ «إذن» إنّما عملت ؛ لأنّها أشبهت «أن» و «أن» لا تدخل على فعل الحال ، ولا يكون بعدها إلّا المستقبل ، فإذا (٧) زال الشّبه ، بطل العمل.

وأمّا «كي» فتستعمل على ضربين ؛ أحدهما : (أن تعمل بنفسها ، فتكون مع الفعل بمنزلة الاسم الواحد ؛ نحو : «جئتك لكي تعطيني حقّي».

والثّاني) (٨) : أن تعمل بتقدير «أن» لأنّهم يجعلونها بمنزلة حرف جرّ ،

__________________

(١) في (ط) الحرف. (٢) في (س) وذلك نحو.

(٣) في (ط) لأنّها ، والصّواب ما أثبتناه من (س).

(٤) في (ط) وأنا إذن أكرمك ، وأحسن إليك.

(٥) في (س) يتعلّق.

(٦) في (س) فكذلك.

(٧) في (س) وإذا.

(٨) سقطت من (س).

٢٣٤

ولأنّهم (١) يقولون «كيما» كما يقولون «كما» ، وإنّما وجب أن يقدّر بعدها «أن» لأنّ حروف الجرّ ، لا تعمل في الفعل.

فإن قيل : فلم وجب تقدير «أن» بعدها ، وبعد الفاء ، والواو ، وأو ، واللّام ، وحتّى ، دون أخواتها؟ قيل : لثلاثة أوجه : / الوجه / (٢) الأوّل : أنّ «أن» هي الأصل في العمل.

والوجه الثّاني : أنّ «أن» ليس لها معنى في نفسها بخلاف (٣) : «لن ، وإذن ، وكي» فلنقصان معناها ، كان تقديرها أولى من سائر أخواتها.

والوجه الثّالث : أنّ «أن» لمّا كانت تدخل على الفعل الماضي والمستقبل ، ولا يوجد هذا في سائر أخواتها ، فقد وجد فيها مزيّة على سائر أخواتها (في حالة إظهارها) (٤) ، فإذا وجد فيها مزيّة على سائر أخواتها في حالة الإظهار ، كانت أولى بالإضمار ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) لأنّهم.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) في (س) ك «لن».

(٤) سقطت من (س).

٢٣٥

الباب الحادي والخمسون

باب حروف الجزم

[علّة إعمال الأدوات الجازمة الجزم في الأفعال]

إن قال قائل : لم وجب أن تعمل «لم ، ولمّا ، ولام الأمر ، ولا في النّهي» في الفعل المضارع الجزم؟ قيل : إنّما وجب أن تعمل / الجزم / (١) لاختصاصها بالفعل ؛ وذلك لأنّ «لم» لمّا (٢) كانت تدخل على الفعل المضارع ، فتنقله إلى معنى الماضي ، كما أنّ «إن» التي للشّرط والجزاء تدخل على الفعل الماضي ، فتنقله إلى معنى المستقبل ، فقد أشبهت حرف الشّرط ، وحرف الشّرط يعمل الجزم ، فكذلك (٣) ما أشبهه ؛ وإنّما وجب لحرف الشّرط أن يعمل الجزم ؛ لأنّه يقتضي جملتين ، فلطول ما يقتضيه حرف الشّرط اختير له الجزم ؛ لأنّه حذف وتخفيف ، فبمنزلته «لم» في النّقل ، وكان محمولا عليه. وأمّا «لام الأمر» فإنّما وجب أن تعمل الجزم ؛ لاشتراك الأمر باللّام ، وبغير اللّام في المعنى ، فيجب أن تعمل لام (٤) الجزم ؛ ليكون الأمر باللّام ؛ مثل الأمر بغير اللّام في اللّفظ ، وإن كان أحدهما / كان / (٥) جزما ، والآخر وقفا. فأمّا (٦) «لا» في النّهي ، فإنّما وجب أن تجزم حملا على الأمر ؛ لأنّ الأمر ضد النّهي ، وهم يحملون الشّيء على ضدّه كما يحملونه على نظيره ، ولمّا كان الأمر مبنيّا على الوقف ، وقد حمل النّهي عليه ، جعل النّهي نظيرا له في اللّفظ ، وإن كان أحدهما جزما ، والآخر وقفا على ما بيّنّا ؛ فلهذا ، وجب أن تعمل الجزم.

فإن قيل : فإذا (٧) كان الأصل في «لم» أن تدخل على الماضي ، فلم نقل

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (ط) ولمّا ، والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٣) في (ط) وكذلك.

(٤) في (س) اللّام.

(٥) سقطت من (س).

(٦) في (س) وأمّا.

(٧) في (س) إذا.

٢٣٦

إلى لفظ المضارع؟ قيل : لأنّ «لم» يجب أن تكون عاملة ، فلو لزم ما بعدها الماضي ، لما تبيّن عملها ، فنقل الماضي إلى المضارع ؛ ليتبيّن عملها.

فإن قيل : فهلّا جوّزتم دخولها على الماضي والمستقبل ، كما جاز في حرف الشّرط والجزاء؟ (قيل : الفرق بينهما ظاهر ، وذلك لأنّ الأصل في حروف الشّرط والجزاء) (١) أنّ تدخل على فعل (٢) المستقبل ، والمستقبل أثقل من الماضي ، فعدل عن الأثقل إلى الأخفّ ، فأمّا «لم» فالأصل فيها أن تدخل على الماضي ، وقد وجب سقوط الأصل ، فلو جوّزنا دخولها على الماضي الذي هو الأصل ؛ لما جاز دخولها على / الفعل / (٣) المضارع الذي هو الفرع ؛ لأنّه إذا استعمل الذي هو الأخفّ ، لم يستعمل الفرع الذي هو الأثقل ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (س) الفعل.

(٣) سقطت من (س).

٢٣٧

الباب الثّاني والخمسون

باب الشّرط والجزاء

[علّة إعمال «إن» الجزم في المضارع]

إن قال قائل : لم عملت «إن» الجزم في الفعل المضارع؟ قيل : إنّما عملت لاختصاصها ، وعملت الجزم لما بيّنّا / من / (١) أنّها تقتضي جملتين : الشّرط والجزاء ، فلطول ما تقتضيه اختير لها الجزم ؛ لأنّه حذف وتخفيف. فأمّا ما عدا «إن» من الألفاظ التي يجازى بها ؛ نحو : «من ، وما ، وأيّ ، ومهما ، ومتى ، وأين / وأيّان / (٢) ، وأنّى ، وأيّ حين ، وحيثما ، وإذ ما» فإنّما عملت ؛ لأنّها قامت مقام («إن» فعملت عملها ، وكلّها مبنيّة لقيامها مقامها) (٣) ما عدا «أيّا» (٤) وسنذكر معانيها ، ولم أقيمت مقام الحرف ، مستوفى في باب الاستفهام.

[العامل في جواب الشّرط وخلافهم في ذلك]

فإن قيل : فما العامل في جواب الشّرط؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب بعض النّحاة (٥) إلى أنّ العامل فيه حرف الشّرط ، كما يعمل في فعل الشّرط ؛ وذهب بعضهم إلى أنّ حرف الشّرط ، وفعل الشّرط يعملان فيه ؛ وذهب آخرون إلى أنّ حرف الشّرط يعمل في فعل الشّرط ، وفعل الشّرط يعمل في جواب الشّرط ؛ وذهب أبو عثمان المازنيّ ، إلى أنّه مبنيّ على الوقف. فمن قال : إنّ حرف الشّرط يعمل فيهما جميعا ؛ قال : لأنّ حرف الشّرط يقتضي جواب الشّرط ، كما يقتضي فعل الشّرط ؛ ولهذا المعنى ، يسمّى حرف الجزاء ، فكما عمل في فعل الشّرط ، فكذلك يجب أن يعمل في جواب الشّرط. وأمّا من قال : إنّهما جميعا يعملان فيه ؛ فلأنّ فعل الشّرط يقتضي الجواب ، كما أنّ حرف الشّرط يقتضي الجواب ، فلمّا اقتضياه (٦) معا ؛ عملا فيه معا. وأمّا من

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (ط) أيّان ، والصّواب ما أثبتناه من (س).

(٥) في (س) النّحويّين.

(٦) في (س) اقتضياه.

٢٣٨

قال : إنّ حرف الشّرط يعمل في فعل الشّرط ، وفعل الشّرط يعمل في الجواب ، فقال : لأنّ فعل الشّرط يقتضي الجواب ، وهو أقرب إليه من الحرف ، فكان عمله فيه أولى من الحرف. وأمّا من قال : إنّه مبنيّ على الوقف ؛ فقال : لأنّ الفعل المضارع ، إنّما أعرب لوقوعه موقع الأسماء ، والجواب ـ ههنا ـ لم يقع موقع الأسماء ؛ فوجب أن يكون مبنيّا. وذهب الكوفيّون إلى أنّه مجزوم (١) على الجوار ؛ لأنّ جواب الشّرط مجاور لفعل الشّرط ، فكان محمولا عليه في الجزم ، والحمل على الجوار كثير في كلامهم ، قال الشّاعر (٢) : [البسيط]

كأنّما ضربت قدّام أعينها

قطنا بمستحصد الأوتار محلوج (٣)

وكان يقتضي أن يقال : «محلوجا» فخفضه على الجوار (٤) ، وكقول الآخر (٥) : [الرّجز]

كأنّ نسج العنكبوت المرمل (٦)

وكقولهم : «جحر ضبّ خرب» وما أشبه ذلك ؛ وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ الحمل على الجوار قليل ، يقتصر فيه على السّماع ، ولا يقاس عليه لقلّته. وقد اعترض على هذه المذاهب كلّها باعتراضات : فأمّا من قال إنّ حرف الشّرط

__________________

(١) في (س) مبنيّ.

(٢) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٣) المفردات الغريبة : مستحصد الأوتار : أوتار القوس المشدودة المحكمة. القطن المحلوج : المندوف المنفوش.

موطن الشّاهد : (قطنا. . . محلوج).

وجه الاستشهاد : مجيء «محلوج» مجرورا ؛ لمجاورته «الأوتار» المجرورة ؛ والأصل فيه أن يكون منصوبا ؛ لأنّه صفة ل «قطنا» المنصوب ؛ والجرّ على المجاورة جائز في الشّعر والنّثر.

(٤) والخفض على الجوار كثير شائع في اللّغة.

(٥) القائل : العجّاج ، وقد سبقت ترجمته.

(٦) المفردات الغريبة : المرمل : يقال أرمل سريره : إذا نسج شريطا ، أو غيره ، فجعله ظهرا له.

موطن الشّاهد : (المرمل).

وجه الاستشهاد : جرّ «المرمل» لمجاورته «العنكبوت» المجرور ؛ والأصل والقياس فيه النّصب ؛ لكونه صفة ل «غزل».

فائدة : كان الخليل بن أحمد الفراهيدي ، لا يجيز الجرّ على المجاورة إلّا إذا استوى المتجاوران في التّعريف ، والتّنكير ، والتّذكير ، والتّأنيث ، والإفراد ، والتّثنية ، والجمع.

٢٣٩

يعمل فيهما وحده ، فاعترض عليه بأنّ حرف الشّرط حرف جزم ، والحروف الجازمة لا تعمل في شيئين لضعفها. وأمّا قول من قال : إنّ حرف الشّرط ، وفعل الشّرط يعملان في الجواب ، فلا يخلو عن ضعف ، وذلك لأنّ (١) الأصل في الفعل ألّا يكون عاملا في الفعل ، فإذا لم يكن له تأثير في العمل في الفعل ، وحرف الشّرط له تأثير ، فإضافة ما لا تأثير له ، إلى ما له تأثير ، لا تأثير له. وأمّا قول من قال : إنّه مبنيّ على الوقف ؛ لأنّه لم يقع موقع الاسم ففاسد ـ أيضا ـ وذلك ؛ لأنّ الفعل إذا ثبتت (٢) له المشابهة بالاسم في موضع ، / و/ (٣) استحقّ الإعراب بتلك المشابهة ، لم يشترط ذلك في كلّ موضع ؛ ألا ترى أنّ الفعل المضارع يكون معربا بعد حروف النّصب ؛ نحو : لن تقوم وبعد حروف الجزم ؛ نحو : لم يقم. وإن لم يجز (٤) أن يقع موقع الأسماء ، (فكذلك ههنا) (٥) على أنّ وقوعه موقع الأسماء إنّما هو موجب لنوع من الإعراب ، وهو الرّفع ، وقد زال حملا لجنس الإعراب ، وليس من ضرورة (زوال نوع منه زوال جملة الجنس) (٦). والصّحيح عندي : أن يكون العامل / هو / (٧) حرف الشّرط ، بتوسّط فعل الشّرط ؛ لا أنّه (٨) عامل معه لما بيّنّا ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ط) أنّ.

(٢) في (ط) ثبت.

(٣) سقطت من (ط).

(٤) في (ط) يحسن.

(٥) سقطت من (س).

(٦) في (ط) زوال نوع من الإعراب زوال. . .

(٧) سقطت من (ط).

(٨) في (ط) لأنّه ، والصّواب ما أثبتنا من (س).

٢٤٠