أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

الباب الرّابع والعشرون

باب المفعول فيه

[تعريف المفعول فيه]

إن قال قائل : ما المفعول فيه؟ قيل : هو الظّرف ، وهو كلّ اسم من أسماء المكان ، أو الزّمان ، يراد فيه معنى «في» / و/ (١) ذلك نحو : «صمت اليوم ، وقمت اللّيلة ، وجلست مكانك» والتّقدير فيه : «صمت في اليوم ، وقمت في اللّيلة ، وجلست في مكانك» وما أشبه ذلك.

[علّة تسمية المفعول فيه ظرفا]

فإن قيل : فلم سمّي ظرفا؟ قيل : لأنّه لمّا كان محلّا للأفعال ، سمّي ظرفا ، تشبيها بالأواني التي تحلّ الأشياء فيها ؛ ولهذا ، سمّى الكوفيّون الظّروف «محالّ» ؛ لحلول الأشياء (٢) فيها.

[علّة عدم بناء الظّروف]

فإن قيل : فلم (٣) لم يبنوا الظّروف لتضمّنها معنى الحرف؟ قيل : لأنّ الظّروف وإن نابت عن الحرف ، إلّا أنّها لم تتضمّن معناه ، والذي يدلّ على ذلك ، أنّه يجوز إظهاره مع لفظها ، ولو كانت متضمّنة للحرف ، لم يجز إظهاره ، ألا ترى أنّ «متى ، وأين ، وكيف» لمّا تضمّنت معنى همزة الاستفهام ؛ لم يجز إظهار الهمزة معها؟ فلمّا جاز إظهاره ههنا ؛ دلّ على أنّها لم تتضمّن معناه ، وإذا لم تتضمّن معناه ؛ وجب أن تكون معربة على أصلها.

[علّة تعدّي الفعل اللّازم إلى جميع ظروف الزّمان دون المكان]

فإن قيل : فلم تعدّى الفعل اللّازم إلى جميع ظروف الزّمان ، ولم يتعدّ إلى

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) في (س) الأفعال.

(٣) في (س) لم.

١٤١

جميع ظروف المكان؟ قيل لأنّ الفعل يدلّ على جميع ظروف الزّمان بصيغته ، كما يدلّ على / جميع / (١) ضروب المصادر ، وكما أنّ الفعل يتعدّى إلى جميع ضروب المصادر ، فكذلك يتعدّى إلى جميع ظروف الزّمان ، وأمّا ظروف المكان ، فلم يدلّ عليها الفعل بصيغته ، ألا ترى أنّك إذا قلت : ضرب ، أو سيضرب ، لم يدلّ على مكان دون مكان ، كما يكون فيه (٢) دلالة على زمان دون زمان ، فلمّا لم يدلّ الفعل على ظروف المكان بصيغته ؛ صار الفعل اللّازم منه بمنزلته من زيد وعمرو ، وكما أنّ الفعل اللّازم ، لا يتعدّى بنفسه إلى زيد وعمرو ، فكذلك لا يتعدّى إلى ظروف (٣) المكان.

[علّة تعدّي اللّازم إلى الجهات السّتّ ونحوها]

فإن قيل : فلم تعدّى إلى الجهات الستّ ، ونحوها من ظروف المكان؟ قيل : لأنّها أشبهت ظروف الزّمان من وجهين :

أحدهما : أنّها مبهمة غير محدودة ، وكان هذا اللّفظ مشتملا على جميع ما يقابل ظهره (٤) إلى أن تنقطع الأرض؟ (كما أنّك إذا قلت : «أمام زيد» كان أيضا غير محدود ، وكان هذا اللّفظ مشتملا على جميع ما يقابل وجهه إلى أن تنقطع الأرض) (٥) ، كما أنّك إذا قلت : «قام» دلّ على كلّ زمان ماض من أوّل ما خلق الله الدّنيا إلى وقت حديثك ، وإذا (٦) قلت : «يقوم» دلّ على كلّ زمان مستقبل.

والوجه الثّاني : أنّ هذه الظّروف لا تتقدّر على وجه واحد ؛ لأنّ فوقا يصير تحتا ، وتحتا يصير فوقا ، كما أنّ الزّمان المستقبل يصير حاضرا ، الحاضر يصير ماضيا ، فلمّا أشبهت ظروف الزّمان ، تعدّى الفعل إليها ، كما يتعدّى إلى ظروف الزّمان.

[حذف حرف الجرّ اتّساعا]

فإن قيل : فكيف قالوا : «زيد منّي معقد الإزار ، ومقعد القابلة ، ومناط الثّريّا ، وهما خطّان جانبي أنفها» يعني الخطّين اللّذين يكتنفان أنف الظّبية ، وهي

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (ط) فيها.

(٣) في (س) ظرف.

(٤) في (س) وجهه ، وهو سهو من النّاسخ.

(٥) سقطت من (س).

(٦) في (س) فإذا.

١٤٢

كلّها مخطوطة (١)؟ قيل : الأصل فيها كلّها أن تستعمل بحرف الجرّ ، إلّا أنّهم حذفوا حرف الجرّ في هذه المواضع اتّساعا ؛ كقول الشّاعر (٢) : [الكامل]

فلأبغينّكم قنا وعوارضا

ولأقبلنّ الخيل لابة ضرغد (٣)

وقال الآخر (٤) : [الكامل]

لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه

فيه كما عسل الطّريق الثّعلب (٥)

أراد في الطّريق ، ومن حقّها أن تحفظ (٦) ، ولا يقاس عليها. فأمّا قولهم : دخلت البيت ؛ فذهب أبو عمر الجرميّ (٧) إلى أنّ «دخلت» : فعل متعدّ تعدّى إلى البيت ، فنصبه ؛ كقولك : «بنيت البيت» وما أشبه ذلك. وذهب الأكثرون إلى أنّ «دخلت» : فعل لازم / وقد / (٨) كان الأصل فيه أن يستعمل مع حرف الجرّ ،

__________________

(١) في (س) مخصوصة.

(٢) الشّاعر هو : عامر بن الطّفيل بن مالك من بني عامر بن صعصعة ، كان فارس قومه ، وأحد فتّاك العرب ، وشعرائهم ، وساداتهم من أهل نجد ، وهو ابن عمّ «لبيد» المشهور. أدرك الإسلام ، ولم يسلم. مات سنة ١١ ه‍. الشّعر والشّعراء ١١٨ ، والخزانة ١ / ٤٧١.

(٣) المفردات الغريبة : أبغينّكم : أطلبنّكم. قنا وعوارضا : مكانان معروفان. لأقبلنّ الخيل :لاستقبلنّها. اللّابة : الحرّة وما اشتّدّ من الأرض. ضرغد : اسم جبل.

موطن الشّاهد : (لأبغينكم قنا).

وجه الاستشهاد : انتصاب «قنا» و «عوارضا» بحذف حرف الجرّ للضّرورة ؛ لأنّهما مكانان مختصّان ، لا ينصبان نصب الظّروف.

(٤) القائل هو : ساعدة بن جؤيّة الهذليّ ، شاعر من مخضرمي الجاهليّة والإسلام.

(٥) المفردات الغريبة : لدن : ليّن. يعسل : يعدو ؛ والعسلان : عدو الذّئب ؛ والمراد : يعسل في عدوته هذه. كما عسل الطّريق : أي كما عسل في الطّريق الثّعلب ؛ فهو يصف رمحه باللّين ، وعدم الصّلابة والخشونة.

موطن الشّاهد : (عسل الطّريق).

وجه الاستشهاد : حذف حرف الجرّ في «المقدّر» ، وانتصاب «الطّريق» بعد حذفه ؛ لأنّ الأصل : عسل في الطّريق ؛ ومثل هذا يحفظ ، ولا يقاس عليه.

(٦) في (ط) يحفظ.

(٧) الجرميّ : أبو عمر ، صالح بن إسحاق الجرميّ ، أحد علماء النّحو ، أخذ عن الأخفش ، ويونس بن حبيب النّحو ، وعن أبي زيد والأصمعيّ اللّغة. مات سنة ٢٢٥ ه‍. البلغة ٩٦ ـ ٩٧ ، وبغية الوعاة ٢ / ٨.

(٨) سقطت من (س).

١٤٣

(إلّا أنّه حذف حرف الجرّ) (١) اتّساعا على ما بيّنّا ؛ وهذا هو الصّحيح ، والذي يدلّ على أنّ «دخلت» فعل لازم من وجهين :

أحدهما : أنّ مصدره / يجيء / (٢) على «فعول» وهو من مصادر الأفعال اللّازمة ، كقعد قعودا ، وجلس جلوسا ، وأشباه ذلك.

والثّاني : / أنّ / (٣) نظيره فعل لازم ، وهو «غرت» ونقيضه فعل لازم ، وهو «خرجت» فيقتضي أن يكون لازما (حملا على نظيره) (٤) ، ونقيضه ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) سقطت من (ط).

(٣) سقطت من (ط).

(٤) سقطت من (س).

١٤٤

الباب الخامس والعشرون

باب المفعول معه

[عامل النّصب في المفعول معه وخلافهم في ذلك]

إن قال قائل : ما العامل للنّصب (١) في المفعول معه؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّ العامل فيه هو الفعل ، وذلك ؛ لأنّ الأصل في / نحو / (٢) قولهم : «استوى الماء والخشبة» أي : مع الخشبة ، إلّا أنّهم أقاموا الواو مقام «مع» توسّعا في كلامهم ؛ فقوي الفعل بالواو ، فتعدّى إلى الاسم (٣) فنصبه ، كما قوي بالهمزة في قولك : «أخرجت (٤) زيدا» ، ونظير هذا نصبهم الاسم في باب الاستثناء بالفعل المتقدّم بتقوية «إلّا» نحو : «قام القوم إلّا زيدا» فكذلك ـ ههنا ـ المفعول معه منصوب بالفعل المتقدّم بتقوية الواو. وذهب الكوفيّون إلى أنّ المفعول معه منصوب على الخلاف ، وذلك ؛ لأنّه إذا قال «استوى الماء والخشبة» لا يحسن تكرار (٥) الفعل ، فيقال «استوى الماء ، واستوت الخشبة» ؛ لأنّ الخشبة لم تكن معوجّة حتى تستوي (٦) ، فلمّا لم يحسن تكرير الفعل ، كما يحسن في «جاء زيد وعمرو» فقد خالف الثّاني الأوّل ، فانتصب على الخلاف. وذهب أبو إسحاق الزّجاج إلى أنّه منصوب بعامل مقدّر ؛ والتّقدير فيه : «استوى الماء ، ولا بس الخشبة» ، ، وزعم أنّ الفعل لا يعمل في المفعول ، وبينهما الواو. والصّحيح : هو الأوّل ؛ وأمّا قول الكوفيّين : إنّه منصوب على الخلاف ؛ لأنّه لا يحسن تكرير الفعل ؛ فقلنا (٧) : هذا هو الموجب ؛ لكون الواو غير عاملة ، وأنّ الفعل هو العامل بتقويتها لا بنفس المخالفة ، ولو جاز أن يقال مثل ذلك ؛ لجاز أن

__________________

(١) في (س) النّصب.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (س) إلى الفعل ، وهو سهو من النّاسخ.

(٤) في (س) سقطت همزة أخرجت.

(٥) في (س) تكرير.

(٦) في (س) فتستوي.

(٧) في (س) قلنا.

١٤٥

يقال : إنّ «زيدا» في قولك : «ضربت زيدا» منصوب ؛ لكونه مفعولا لا بالفعل ، وذلك محال ؛ لأنّ كونه مفعولا .. (١) يوجب أن يكون : «ضربت» هو العامل فيه النّصب ، فكذلك ههنا. وأمّا قول الزّجّاج (٢) : إنّه (٣) ينتصب بتقدير عامل ؛ لأنّ الفعل لا يعمل في المفعول وبينهما الواو ، فليس بصحيح أيضا ؛ لأنّ الفعل يعمل في المفعول على الوجه الذي يتّصل به المفعول ، فإن كان الفعل لا يفتقر إلى تقوية تعدّى إلى المفعول بنفسه ، وإن كان يفتقر إلى تقوية بحرف الجرّ ، أو غيره ، عمل بتوسّطه ، ألا ترى أنّك تقول : «أكرمت زيدا وعمرا» فتنصب «عمرا» ب «أكرمت» كما تنصب «زيدا» به ، فلم تمنع (٤) الواو من وقوع «أكرمت» على ما بعدها ، فكذلك ههنا.

[علّة حذف مع وإقامة الواو مقامها]

فإن قيل : لم حذفت «مع» وأقيمت «الواو» مقامها. قيل : حذفت «مع» وأقيمت «الواو» مقامها ، توسّعا في كلامهم ، / و/ (٥) طلبا للتّخفيف والاختصار.

[علّة كون الواو أولى من غيرها من الحروف في النّيابة]

فإن قيل : فلم كانت «الواو» أولى من غيرها / من الحروف / (٦)؟ قيل : إنّما كانت / الواو / (٧) أولى من غيرها ؛ لأنّ «الواو» في معنى «مع» ولأنّ معنى «مع» المصاحبة ، ومعنى «الواو» الجمع ، فلمّا كانت في معنى «مع» كانت أولى من غيرها.

[علّة عدم تقدّم المنصوب على النّاصب في المفعول معه]

فإن قيل : فهل يجوز تقديم المنصوب ـ ههنا ـ على النّاصب؟ قيل : لا يجوز ذلك ؛ لأنّ حكم «الواو» ألّا تتقدّم على ما قبلها ، وهذا الباب من النّحويّين / من / (٨) يجري فيه القياس ، ومنهم من يقصره على السّماع ، والأكثرون على القول الأوّل ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ط) زيادة «لا» بعد مفعولا ، ولا يستقيم الكلام بزيادتها.

(٢) الزّجّاج : أبو إسحاق ، إبراهيم بن السّري ، نحويّ بغداديّ ، أخذ أوّل الأمر عن ثعلب ، ثمّ لزم المبرّد. مات سنة ٣١١ ه‍. بغية الوعاة ١ / ٤١١ ، ومعجم المؤلّفين ١ / ٣٣.

(٣) في (ط) فإنّه ؛ وما أثبتناه من (س).

(٤) في (ط) تمتنع.

(٥) سقطت من (س).

(٦) سقطت من (س).

(٧) سقطت من (س).

(٨) سقطت من (س).

١٤٦

الباب السّادس والعشرون

باب المفعول له

[عامل النّصب في المفعول له]

إن قال قائل : ما العامل في المفعول له النّصب؟ قيل : العامل في المفعول له ، الفعل الذي قبله ؛ نحو : «جئتك طمعا في برّك ، وقصدتك ابتغاء (١) معروفك» وكان الأصل فيه : «جئتك للطّمع (٢) في برّك ، وقصدتك للابتغاء في معروفك» (٣) ، إلّا أنّه حذف اللّام ، فاتّصل الفعل به ، فنصبه.

[علّة تعدّي الفعل اللّازم إلى المفعول له]

فإن قيل : فلم تعدّى إليه الفعل اللّازم كالمتعدّي؟ قيل : لأنّ العاقل لمّا كان لا يفعل شيئا إلّا لعلّة ؛ وهي (٤) علّة للفعل ، وعذر لوقوعه ؛ كان في الفعل دلالة عليه ، فلمّا كان / فيه / (٥) دلالة عليه ؛ تعدّى إليه.

[جواز كون المفعول له معرفة أو نكرة]

فإن قيل : فهل يجوز أن يكون معرفة ونكرة؟ قيل : نعم ، يجوز أن يكون معرفة ونكرة ؛ والدّليل على ذلك ، قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(٦) ، ف «ابتغاء مرضاة الله» معرفة بالإضافة ، و «تثبيتا» نكرة ؛ قال الشّاعر (٧) : [الطّويل]

وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللّئيم تكرّما (٨)

__________________

(١) في (س) لابتغاء.

(٢) في (س) لطمع.

(٣) في (س) لابتغاء معروفك.

(٤) في (س) وهو.

(٥) سقطت من (ط).

(٦) س : ٢ (البقرة ، ن : ٢٦٥ ، مد).

(٧) الشّاعر هو : حاتم بن عبد الله الطّائيّ ، أبو عديّ ، فارس جاهليّ ، ومضرب المثل في الجود والكرم ، أدرك ابناه الإسلام ، وأسلما. مات سنة ٤٦ ق. ه. تجريد الأغاني ٥ / ١٩٠١ ـ ١٩٠٧.

(٨) المفردات الغريبة : عوراء الكريم : الكلمة القبيحة ، أو السّقطة التي تبدر من الكريم

١٤٧

«فادّخاره» معرفة بالإضافة ، و «تكرّما» نكرة ؛ وقال الآخر (١) : [الرّجز]

يركب كلّ عاقر جمهور

مخافة وزعل المحبور (٢)

والهول من تهوّل الهبور (٣)

وذهب أبو عمر الجرميّ إلى أنّه لا يجوز أن يكون إلّا نكرة ، وتقدّر بالإضافة (٤) في هذه المواضع في نيّة الانفصال ، فلا يكتسب التّعريف من المضاف إليه ؛ كقولهم : «مررت برجل ضارب زيدا غدا» ، قال الله تعالى : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا)(٥) وقال الشّاعر (٦) : [الكامل]

سلّ الهموم بكلّ معطي رأسه

ناج مخالط صهبة متعيّس (٧)

والذي عليه الجمهور ، والمذهب المشهور هو الأوّل ، والذي ادّعاه

__________________

أعرض : أبتعد.

موطن الشّاهد : (ادّخاره ، تكرّما).

وجه الاستشهاد : وقوع «ادّخار» مفعولا لأجله ، وهو معرفة ؛ لإضافته إلى الضّمير ، ووقوع «تكرّما» مفعولا لأجله ، وهو نكرة ؛ ففي هذا دلالة على جواز مجيء المفعول له معرفة ونكرة.

(١) الشّاعر هو : العجّاج ، عبد الله بن رؤية ، من بني سعد بن زيد مناة التّميميّ ؛ لقّب بالعجّاج لبيت قاله ؛ وهو من أشهر الرّجّاز العرب. اتّهمه سليمان بن عبد الملك بأنّه لا يحسن الهجاء ؛ فقال له «إنّ لنا أخلاقا تمنعنا ، وهل رأيت بانيا ، لا يحسن الهدم؟» عمّر طويلا ، ومات سنة ٩٦ ه‍ تقريبا. الشّعر والشّعراء ٢ / ٥٩١.

(٢) المفردات الغريبة : عاقر من الرّمل : الذي لا ينبت. جمهور : المرتبك لخوفه من طائر أو سبع. والزّعل : النّشاط. المحبور : المسرور. الهبور : جمع «هبر» وهو ما اطمأنّ من الأرض ، وفيها يكمن الصّيّادون ويروى القبور ؛ والرّجز في وصف ثور وحشيّ.

(٣) موطن الشّاهد : (مخافة ، زعل ، الهول).

وجه الاستشهاد : انتصاب «مخافة» مفعولا لأجله ، وهي نكرة ، وعطف عليها «زعل» وهي نكرة ، ثمّ عطف «الهول» وهي معرفة ؛ وفي الشّاهد دليل على مجيء المفعول لأجله نكرة ومعرفة ، كما في الشّاهدين السّابقين.

(٤) في (س) ويقدّر الإضافة.

(٥) س : ٤٦ (الأحقاف ، ن : ٢٤ ، مك).

(٦) الشّاعر هو : المرّار الأسديّ.

(٧) المفردات الغريبة : معطي رأسه : أي ذلول. ناج : سريع. الصّهبة : الضّارب بياضه إلى حمرة. متعيّس والأعيس : الأبيض ، وهو أفضل ألوان الإبل ؛ والمراد : سلّ همومك بفراق من تهوى ، ونأيه عنك بكلّ بعير ترتحله يتّصف بالصّفات السّابقة.

١٤٨

الجرميّ من كون الإضافة في نيّة الانفصال ، يفتقر إلى دليل ، ثمّ لو صحّ هذا في الإضافة ، فكيف يصحّ له مع لام التّعريف في قول الشّاعر (١) : [الرّجز]

«والهول من تهوّل الهبور» ، وأشباهه؟

فإن قيل : فهل يجوز تقديم المنصوب ـ ههنا ـ على النّاصب؟ قيل : / نعم / (٢) ، يجوز ذلك ؛ لأنّ العامل فيه يتصرّف ، ولم يوجد ما يمنع من جواز تقديمه ، كما وجد في المفعول معه ، فكان جائزا على الأصل ؛ وهذا الباب إنّما يترجمه (٣) البصريّون ، وأمّا الكوفيّون فلا يترجمونه ، ويجعلونه من باب المصدر ، فلا يفردون له بابا ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سبق ذكره.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (ط) يترجمونه البصريّون ، وهو سهو واضح.

١٤٩

الباب السّابع والعشرون باب الحال

[تعريف الحال]

إن قال قائل : ما الحال؟ قيل : هيئة الفاعل / أ/ (١) والمفعول ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «جاءني زيد راكبا» كان الرّكوب هيئة زيد عند وقوع المجيء منه ، وإذا قلت : «ضربته مشدودا» ؛ كان الشّدّ هيئته عند وقوع الضّرب له.

[مجيء الحال من الفاعل والمفعول معا بلفظ واحد]

فإن قيل : فهل تقع الحال من الفاعل والمفعول معا بلفظ واحد؟ قيل يجوز ذلك ؛ والدّليل عليه قول الشّاعر (٢) : [الطّويل]

تعلّقت ليلى وهي ذات مؤصّد؟

ولم يبد للأتراب من ثديها حجم

صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا

إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم (٣)

فنصب «صغيرين» على الحال من التّاء في «تعلّقت» وهي فاعله ، ومن «ليلى» وهي مفعوله ؛ وقال الآخر (٤) : [الوافر]

متى ما تلقني فردين ترجف

روانف أليتيك وتستطارا (٥)

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) الشّاعر هو : قيس بن الملوّح العامريّ المعروف ب «مجنون ليلى» لكثرة هيامه بها ، شاعر غزل من العشّاق ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٨٠ ه‍.

(٣) المفردات الغريبة : البهم : جمع بهمة ، وهي الصّغير من أولاد الغنم والبقر ، وغيرها ؛ والذّكر والأنثى في ذلك سواء. مؤصّد : صدار تلبسه الجارية.

موطن الشّاهد : (صغيرين).

وجه الاستشهاد : انتصاب «صغيرين» على الحال من الفاعل والمفعول ، كما جاء في المتن.

(٤) ينسب هذا البيت إلى عنترة العبسيّ ، وهو في ديوانه (ط ٢. بيروت : المكتب الإسلامي) ، ص ٢٣٤.

(٥) المفردات الغريبة : روانف : جمع رانفة ، سفل الألية. الاستطارة والتّطاير : التّفرّق والذّهاب

١٥٠

فنصب «فردين» على الحال من ضمير الفاعل والمفعول في «تلقني» ؛ وهذا كثير في كلامهم.

[عامل النّصب في الحال]

فإن قيل : فما العامل في الحال النّصب؟ قيل : ما قبلها من العامل ، وهو (١) على ضربين ؛ فعل ، ومعنى فعل ؛ فإن كان فعلا ؛ نحو : «جاء زيد راكبا» ؛ جاز أن يتقدّم الحال / عليه / (٢) نحو : «راكبا جاء زيد» ؛ لأنّ العامل / فيه / (٣) لمّا كان متصرّفا ، تصرّف عمله ، فجاز تقديم معموله عليه ؛ وإن كان العامل فيه معنى فعل نحو : «هذا زيد قائما» لم يجز تقديم الحال عليه ، فلو قلت : «قائما هذا زيد» لم يجز ؛ لأنّ معنى الفعل لا يتصرّف تصرّفه ؛ فلم يجز تقديم معموله عليه. وذهب الفرّاء إلى أنّه لا يجوز تقديم الحال على العامل / في الحال / (٤) ؛ سواء كان العامل فيه فعلا ، أو معنى فعل ، وذلك ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن يتقدّم المضمر على المظهر ، فإنّه إذا قال : «راكبا جاء زيد» ففي «راكب» ضمير «زيد» ، وقد تقدّم عليه ، وتقديم المضمر على المظهر لا يجوز ؛ وهذا ليس بشيء ؛ لأنّ «راكبا» وإن كان مقدّما في اللّفظ ، إلّا أنّه مؤخّر في المعنى في (٥) التّقدير ، وإذا كان مؤخّرا في التّقدير ؛ جاز في التّقديم ، قال الله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى)(٦) فالهاء في «نفسه» عائدة إلى «موسى» إلّا أنّه لمّا كان في تقدير التّقديم ، والهاء : في تقدير التّأخير ؛ جاز التّقديم ، وهذا كثير في كلامهم ؛ فكذلك ههنا.

[علّة عمل الفعل اللّازم في الحال]

فإن قيل : فلم عمل الفعل اللّازم في الحال؟ قيل : لأنّ الفاعل لمّا كان لا يفعل الفعل إلّا في حالة ، كان في الفعل دلالة على الحال ، فتعدّى إليها ، كما تعدّى إلى ظرف الزّمان لمّا كان في الفعل دلالة عليه.

__________________

موطن الشّاهد : (فردين) وجه الاستشهاد : انتصاب «فردين» على الحال من ضمير الفاعل والمفعول في «تلقني» كما جاء في المتن ، وفي البيت شاهدان آخران هما : زيادة «ما» بعد «متى» الشّرطيّة.

و «تستطارا» وهو من استطاره ، بمعنى طيّره.

(١) في (س) وهي.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) سقطت من (ط).

(٤) سقطت من (ط).

(٥) في (ط) والتّقدير.

(٦) س : ٢٠ (طه ، ن : ٦٧ ، مك).

١٥١

فإن قيل : فلم (١) وجب أن يكون (٢) الحال نكرة؟ قيل : لأنّ الحال جرى (٣) مجرى الصّفة للفعل ، ولهذا سمّاها سيبويه : نعتا للفعل ، والمراد بالفعل : المصدر الذي يدلّ الفعل عليه ، وإن لم تذكره (٤) ، ألا ترى أنّ «جاء» يدل على «مجيء» وإذا قلت : «جاء راكبا» دلّ على «مجيء» موصوف بركوب ، فإذا كان الحال يجري مجرى الصّفة للفعل ـ وهو نكرة ـ فكذلك وصفه يجب أن يكون نكرة ، وأمّا قولهم : «أرسلها العراك (٥) ، وطلبته جهدك وطاقتك ، ورجع عوده على بدئه» (٦) فهي مصادر ، أقيمت مقام الحال ؛ لأنّ التّقدير «أرسلها تعترك (٧) ، وطلبته تجتهد» و «تعترك» و «تجتهد» جملة من الفعل والفاعل في موضع الحال ، كأنّك قلت : «أرسلها معتركة ، وطلبته مجتهدا» إلّا أنّه أضمر ، وجعل المصدر دليلا عليه ، وهذا كثير في كلامهم. وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ قولهم : «رجع عوده على بدئه» منصوب ؛ لأنّه مفعول «رجع» لأنّه يكون متعدّيا ، كما يكون لازما ؛ قال الله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ)(٨) فأعمل «رجع» في الكاف التي للخطاب ، فقال : رجعك / الله / (٩) ؛ فدلّ على أنّه يكون متعدّيا. وممّا يدلّ على أنّ الحال لا يجوز أن يكون معرفة أنّها لا يجوز أن تقوم مقام الفاعل في ما لم يسمّ فاعله ؛ لأنّ الفاعل قد يضمر ، فيكون معرفة ، فلو جاز أن يكون الحال معرفة ؛ لما امتنع ذلك ، كما لم يمتنع في ظرف الزّمان والمكان ، والجارّ والمجرور ، والمصدر على ما بيّنّا ؛ فافهمه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ط) لم. (٢) في (ط) يكون.

(٣) في (س) تجري. (٤) في (س) يذكر.

(٥) أرسلها العراك : جملة من بيت للبيد بن ربيعة العامريّ ، أحد أصحاب المعلّقات ، أدرك الإسلام ، وهجر الشّعر ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٤١ ه‍. وأمّا البيت ، فهو :

فأرسلها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغص الدّخال

المفردات الغريبة : أرسلها : الضّمير للإبل ، أو الأتن. لم يذدها : لم يمنعها.

النّغص : عدم الاستطاعة في إتمام المراد. الدّخال : دخول بعير ـ قد شرب مرّة ـ في الإبل الواردة ؛ ليشرب معها. (أسرار العربية : ١٩٣ ـ / حا ٧).

موطن الشّاهد : (أرسلها العراك).

وجه الاستشهاد : وقوع «العراك» مصدرا أقيم مقام الحال ؛ لما أوضحه المؤلّف في المتن.

(٦) أي : عائدا.

(٧) في (س) والتّقدير.

(٨) س : ٩ (التّوبة ، ن : ٨٣ ، مد).

(٩) سقطت من (س).

١٥٢

الباب الثّامن والعشرون

باب التّمييز

[تعريف التّمييز]

إن قال قائل : ما التّمييز؟ قيل : تبيين النّكرة المفسّرة للمبهم.

[عامل النّصب في التّمييز]

فإن قيل : فما العامل فيه النّصب؟ قيل : فعل ، وغير فعل ، فأمّا ما كان العامل فيه فعلا ؛ فنحو : «تصبّب زيد عرقا ، وتفقّأ الكبش شحما» فعرقا وشحما ، كلّ واحد منهما انتصب (١) بالفعل الذي قبله.

[خلافهم في تقديم هذا النّوع على العامل فيه]

فإن قيل : فهل يجوز تقديم هذا النّوع على العامل فيه؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب سيبويه إلى أنّه لا يجوز تقديم هذا النّوع على عامله ، وذلك ؛ لأنّ المنصوب ـ ههنا ـ هو الفاعل في المعنى ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «تصبّب زيد عرقا» كان الفعل للعرق في المعنى لا لزيد؟ فلمّا كان هو الفاعل في المعنى ؛ لم يجز تقديمه ، كما لو كان فاعلا لفظا ؛ وذهب أبو عثمان المازنيّ وأبو العبّاس المبرّد ومن وافقهما (٢) ، إلى أنّه يجوز تقديمه على العامل فيه ، واستدلّوا على ذلك بقول الشّاعر (٣) : [الطّويل]

أتهجر سلمى بالفراق حبيبها

وما كاد نفسا بالفراق تطيب

__________________

(١) في (س) منصوب.

(٢) في (س) تابعهما.

(٣) الشّاعر هو : المخبّل السّعديّ ، ربيعة بن مالك التّميميّ ، كان شاعرا فحلا مقلّا ، وهو من مخضرمي الجاهليّة والإسلام ، ولم تعلم سنة وفاته.

موطن الشّاهد : (نفسا بالفراق تطيب).

وجه الاستشهاد : تقديم التّمييز «نفسا» على عامله المتصرّف «تطيب» ؛ وحكم هذا التّقديم الجواز. وللبيت رواية أخرى هي : «ولم تك نفسي بالفراق تطيب» ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.

١٥٣

ولأنّ هذا العامل فعل متصرّف ؛ فجاز تقديم معموله عليه ، كما جاز تقديم الحال على العامل فيها ؛ نحو : «راكبا جاء زيد» ؛ لأنّه / من / (١) فعل متصرّف ، فكذلك ههنا. والصّحيح : ما ذهب إليه سيبويه ، وأمّا ما استدلّ به المازنيّ والمبرّد من البيت ؛ فإنّ الرّواية الصّحيحة فيه :

وما كاد (٢) نفسي بالفراق تطيب

وذلك لا حجّة / لهم / (٣) فيه ، ولئن صحّت تلك الرّواية ؛ فنقول : نصب «نفسا» بفعل مقدّر ، كأنّه قال : «أعني نفسا». وأمّا قولهم : إنّه فعل متصرّف ، فجاز تقديم معموله عليه ، كالحال ؛ قلنا : هذا العامل ـ وإن كان فعلا متصرّفا ـ إلّا أنّ هذا المنصوب هو الفاعل في المعنى ، فلا يجوز تقديمه على ما بيّنّا ، وأمّا تقديم الحال على العامل فيها ، فإنّما جاز ذلك ؛ لأنّك إذا قلت : «جاء زيد راكبا» كان «زيد» هو الفاعل لفظا ومعنى ، وإذا استوفى الفعل فاعله تنزّل (٤) «راكبا» منزلة المفعول المحض ، فجاز تقديمه كالمفعول ؛ نحو : «عمرا ضرب زيد» بخلاف التّمييز ، فإنّك إذا قلت : «تصبّب زيد عرقا» لم يكن «زيد» هو الفاعل في المعنى ، وكان الفاعل في المعنى هو «العرق» فلم يكن «عرقا» في حكم المفعول من هذا الوجه ؛ لأنّ الفعل قد استوفى فاعله لفظا لا معنى ، فلم يجز تقديمه ، كما لا يجوز تقديم الفاعل.

[ما كان العامل فيه غير فعل]

وأمّا ما كان العامل فيه غير فعل ؛ فنحو «عندي عشرون رجلا ، وخمسة عشر درهما» وما أشبه ذلك ، فالعامل فيه هو العدد ؛ لأنّه مشبّه بالصّفة المشبّهة باسم الفاعل ؛ نحو : «حسن وشديد» وما أشبه ذلك ، ووجه المشابهة بينهما أنّ العدد يوصف به ، كما يوصف بالصّفة المشبّهة باسم الفاعل ، وإذا (٥) كان في العدد نون نحو «عشرون» أو تنوين مقدّر ؛ نحو : «خمسة عشر» صار النّون والتّنوين مانعين من الإضافة ؛ كالفاعل الذي يمنع المفعول من الرّفع ، فصار التّمييز فضلة كالمفعول ، وكذلك (٦) حكم ما كان منصوبا على التّمييز في ما كان

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (س) كان.

(٣) سقطت من (ط).

(٤) في (ط) ينزل.

(٥) في (س) فإذا.

(٦) في (س) فكذلك.

١٥٤

قبله حائل ؛ نحو : «لي مثله غلاما ، ولله درّه رجلا» فإنّ الهاء منعت الاسم بعدها أن ينجرّ بإضافة ما قبلها إليه ، كالفاعل الذي يمنع المفعول من الرّفع ، فنصب على التّمييز لما ذكرناه.

[علّة كون التّمييز نكرة]

فإن قيل : فلم وجب أن يكون التّمييز نكرة؟ قيل : لأنّه يبيّن ما قبله ، كما أنّ الحال يبيّن ما قبله ، ولمّا (١) أشبه الحال ، وجب أن يكون نكرة ، كما أنّ الحال نكرة ؛ فأمّا قول الشّاعر (٢) : [الخفيف]

ولقد أغتدي وما صقع الدّي

ك على أدهم أجشّ الصّهيلا (٣)

وقال الآخر (٤) : [الوافر]

[ونأخذ بعده بذناب عيش]

أجبّ الظّهر ليس له سنام (٥)

فبنصب «الصّهيل ، والظّهر» والصّحيح : أنّه منصوب على التّشبيه بالمفعول ، كالضّارب الرّجل ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) تبيّن ما قبلها ، فلمّا.

(٢) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٣) المفردات الغريبة : أغتدي : أبكّر. صقع الدّيك : صاح. الأدهم : الأسود من الخيل أو الإبل. أجش الصّهيلا : خشن الصّوت.

موطن الشّاهد : (أجشّ الصّهيلا).

وجه الاستشهاد : انتصاب «الصّهيلا» بالصّفة المشبّهة باسم الفاعل «أجش» ولمّا كان معمول الصّفة «الصّهيلا» مقترنا ب «أل» استدلّ الكوفيّون على جواز انتصاب كلّ من المعرفة والنّكرة بعد «أفعل» على التّمييز.

(٤) الشّاعر هو : النّابغة الذّبياني ، أبو ثمامة ، أو أمامة ، زياد بن معاوية بن ضباب الذّبيانيّ الغطفانيّ ، شاعر جاهليّ من الطّبقة الأولى. عاش في الحجاز ، وكان يحكم بين الشّعراء في سوق عكاظ ، وهو أحد أصحاب المعلّقات ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١٨ ق. ه تقريبا. طبقات فحول الشّعراء ١ / ٥٦ ، وتجريد الأغاني ٣ / ١٢٤٤.

(٥) المفردات الغريبة : ذناب كلّ شيء : مؤخّره. البعير الأجبّ : المقطوع السّنام ؛ والمراد ـ هنا ـ البعير الذي ذاب سنامه من شدّة الهزال.

موطن الشّاهد : (أجبّ الظّهر).

وجه الاستشهاد : انتصاب «الظّهر» على التّمييز عند الكوفيّين ، وعلى التّشبيه بالمفعول به للصّفة المشبّهة ـ عند البصريّين ـ كما في المثال السّابق ؛ وفي البيت شواهد أخرى لا داعي لسردها في هذه العجالة.

١٥٥

الباب التّاسع والعشرون

باب الاستثناء

[معنى الاستثناء]

إن قال قائل : ما الاستثناء؟ قيل : إخراج بعض من كلّ بمعنى «إلّا» نحو : «جاءني القوم إلّا زيدا».

[العامل في المستثنى الموجب النّصب]

فإن قيل : فما العامل في المستثنى من الموجب النّصب؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّ العامل هو الفعل بتوسّط «إلّا» ، وذلك ؛ لأنّ هذا الفعل ، وإن كان لازما في الأصل ، إلّا أنّه قوي ب «إلّا» فتعدّى إلى المستثنى ، كما تعدّى الفعل بالحروف المعدّية ؛ ونظيره نصبهم الاسم في باب المفعول معه ؛ نحو : «استوى الماء والخشبة» فإنّ الاسم منصوب بالفعل المتقدّم بتقوية الواو ؛ فكذلك ههنا. وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ العامل هو «إلّا» بمعنى «أستثني» وهو قول الزّجّاج من البصريّين. وذهب الفرّاء من الكوفيّين إلى أنّ «إلّا» مركّبة من «إنّ ولا» ثمّ خفّفت «إنّ» وأدغمت في «لا» فهي تنصب في الإيجاب اعتبارا ب «إنّ» وترفع في النّفي اعتبارا ب «لا» ؛ والصّحيح : ما ذهب إليه البصريّون (١) ، وأمّا قول بعض النّحويّين والزّجّاج : إنّ العامل هو «إلّا» بمعنى «أستثني» ، ففاسد من خمسة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّه لو كان الأمر كما زعموا ؛ لوجب ألّا يجوز في المستثنى إلّا النّصب ، ولا خلاف في جواز الرّفع والجرّ في النّفي على البدل في قولك (٢) : «ما جاءني أحد إلّا زيد ، وما مررت بأحد إلّا زيد».

والوجه الثّاني : أنّ هذا يؤدّي إلى إعمال معاني الحروف ، وإعمال معاني

__________________

(١) في (س) والصّحيح قول البصريّين.

(٢) في (س) نحو.

١٥٦

الحروف لا يجوز ، ألا ترى أنّك تقول : «ما زيد قائما» ، ولو قلت : «ما زيد / إلّا / (١) قائما» بمعنى (٢) : «نفيت زيدا قائما» لم يجز ذلك ؛ فكذلك ههنا.

والوجه الثّالث : أنّه يبطل بقولهم : «قام القوم غير زيد» فإن «غير» منصوب ، فلا يخلو إمّا أن يكون منصوبا بتقدير «إلّا» ، وإمّا أن يكون منصوبا بنفسه ، وإمّا أن يكون منصوبا بالفعل الذي قبله ؛ بطل أن يقال إنّه منصوب بتقدير «إلّا» لأنّا لو قدّرنا «إلّا» لفسد المعنى ؛ لأنّه يصير التّقدير فيه : «قام القوم إلّا غير زيد» وهذا فاسد ؛ وبطل / أيضا / (٣) أن يقال : إنّه يعمل في نفسه ؛ لأنّ الشّيء لا يعمل في نفسه ؛ فوجب أن يكون العامل / فيه / (٤) هو الفعل المتقدّم ، وإنّما جاز أن يعمل فيه ، وإن كان لازما ؛ لأنّ «غير» موضوعة على الإبهام / المفرط / (٥) ، ألا ترى أنّك تقول : «مررت برجل غيرك» ، فيكون كلّ من عدا المخاطب داخلا تحت «غير»؟ فلمّا كان فيه هذا الإبهام المفرط ، أشبه الظّروف المبهمة ؛ نحو : «خلف ، وأمام ، ووراء ، وقدّام» وما أشبه ذلك ؛ وكما أنّ الفعل يتعدّى إلى هذه الظّروف من غير واسطة ، فكذلك ههنا.

والوجه الرّابع : أنّا نقول : لماذا قدّرتم «أستثني زيدا» ، وهلّا قدّرتم «امتنع زيد» كما حكي عن أبي على الفارسيّ أنّه كان مع عضد الدّولة في الميدان ، فسأله عضد الدّولة عن المستثنى بماذا انتصب (٦)؟ فقال أبو عليّ الفارسيّ (٧) : / ينتصب / (٨) لأنّ التّقدير : «أستثني زيدا» فقال / له / (٩) عضد الدّولة ، وهلّا قدّرت : امتنع / زيد / (١٠) فرفعته؟ فقال له أبو عليّ : هذا الجواب الذي ذكرته لك / جواب / (١١) ميدانيّ ، وإذا رجعنا ، ذكرت لك الجواب الصّحيح ، إن شاء الله تعالى.

والوجه الخامس : أنّا إذا أعملنا معنى «إلّا» كان الكلام جملتين ، وإذا

__________________

(١) في (ط) ما زيدا قائما. (٢) في (س) على معنى.

(٣) سقطت من (س).

(٤) سقطت من (س).

(٥) سقطت من (س).

(٦) في (س) ينتصب.

(٧) أبو عليّ الفارسيّ : الحسن بن أحمد الفارسيّ الفسويّ ، نسبة إلى مدينة قرب شيراز ، إمام عصره في النّحو واللّغة ؛ له : الإيضاح ، والتّذكرة ، والحجّة في القراءات ، وغيرها.

مات سنة ٣٧٧ ه‍. البلغة ٥٣ ، وإنباه الرّواة ١ / ٢٧٣.

(٨) سقطت من (ط).

(٩) سقطت من (ط).

(١٠) زيادة من (س).

(١١) سقطت من (ط).

١٥٧

أعملنا الفعل بتقوية «إلّا» كان الكلام جملة واحدة ، والكلام متى كان جملة واحدة ، كان أولى من تقدير جملتين.

وأمّا قول الفرّاء / إنّ / (١) «إلّا» مركّبة من «إنّ ولا» فدعوى تفتقر إلى دليل ، ولو قدّرنا ذلك ، فنقول : الحرف إذا ركّب مع حرف آخر تغيّر عمّا كان عليه في الأصل قبل التّركيب ، ألا ترى أنّ «لو» حرف يمتنع به (٢) الشّيء ؛ لامتناع غيره ، فإذا ركّب (٣) مع «ما» تغيّر ذلك المعنى ، وصارت بمعنى «هلّا» ؛ وكذلك ـ أيضا ـ إذا ركّبت مع «لا» ؛ كقوله (٤) : «لو لا الكميّ المقنّعا» (٥) ، وما أشبه ذلك ؛ فكذلك ههنا.

[ارتفاع المستثنى في النّفي]

فإن قيل : فبماذا يرتفع. المستثنى في النّفي؟ قيل : يرتفع على البدل ، ويجوز النّصب على أصل الباب.

فإن قيل : فلم كان البدل أولى؟ قيل : لوجهين :

أحدهما : الموافقة للّفظ ، فإنّه إذا كان المعنى واحدا / فكون / (٦) اللّفظ موافقا أولى ؛ لأنّ اختلاف اللّفظ يشعر باختلاف المعنى ، وإذا اتّفقا ، كان موافقة اللّفظ أولى.

والوجه الثّاني : أنّ البدل يجري في تعلّق العامل به كمجراه لو ولي العامل ، والنّصب في الاستثناء على التّشبيه بالمفعول ، فلمّا كان البدل أقوى في حكم العامل ، كان الرّفع أولى من النّصب على ما بيّنّا.

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) في (س) له.

(٣) في (س) وإذا.

(٤) القائل : جرير بن عطيّة ، وقد مرّت ترجمته.

(٥) تتمّة البيت : [الطّويل]

تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّعا

المفردات الغريبة : النّيب : جمع ناب وهي المسنّة من الإبل ، وقد كبر نابها. الضّوطرى : الحمقاء. الكميّ : الشّجاع. المقنّع : الذي عليه مغفر وبيضة وهو مستعدّ للحرب.

والمعنى : تفخرون بعقر النّوق ، وما الفخر إلّا بمنازلة الأبطال في ساحات القتال.

موطن الشّاهد : (لو لا الكميّ).

وجه الاستشهاد : دخول «لولا» التّحضيضيّة على الاسم ، وهي مختصّة بالفعل ، فجعل «الكميّ» مفعولا به لفعل محذوف ؛ لأنّ التّقدير : لو لا عددتم الكميّ المقنّعا.

(٦) سقطت من (س) وفي (ط) فيكون ، وما أثبتناه من نسخة أخرى.

١٥٨

[علّة جواز البدل في المستثنى المنفيّ]

فإن قيل : فلم جاز البدل في النّفي ، ولم يجز في الإيجاب؟ قيل : لأنّ البدل في الإيجاب يؤدّي إلى محال ، وذلك لأنّ المبدل منه يجوز أن يقدّر كأنّه ليس في الكلام ، فإذا قدّرنا هذا في الإيجاب ، صار محالا ؛ لأنّه يصير التّقدير :«جاءني إلّا زيد» وصار (١) المعنى : إنّ جميع النّاس جاؤوني غير زيد ، وهذا لا يستحيل في النّفي ، كما يستحيل في الإيجاب ؛ لأنّه يجوز ألّا يجيئه أحد سوى زيد ، فبان الفرق بينهما ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) ويصير.

١٥٩

الباب الثّلاثون باب ما

يجرّ به في الاستثناء

[علّة إعراب «غير» إعراب الاسم بعد إلّا]

إن قال قائل : لم أعربت «غير» إعراب الاسم الواقع بعد «إلّا» دون «سوى وسواء»؟

قيل : لأنّ «غير» لمّا أقيمت ـ ههنا ـ مقام «إلّا» وكان ما بعدها مجرورا بالإضافة ، ولا بدّ لها في نفسها من إعراب ، أعربت إعراب الاسم الواقع بعد «إلّا» ليدلّ بذلك على ما كان يستحقّ الاسم الذي بعد «إلّا» من الإعراب ، ويبقى حكم الاستثناء ، وأمّا «سوى ، وسواء» فلزمهما النصب ؛ لأنّهما لا يكونان (إلّا ظرفين ، فلم يجز نقل الإعراب إليهما ، كما جاز في «غير» لأنّ ذلك يؤدّي إلى تمكّنهما ، وهما لا يكونان متمكّنين) (١) فلذلك ، لم يجز أن يعربا إعراب الاسم الواقع بعد «إلّا» وأمّا «حاشا» فاختلف النّحويّون فيها (٢) ؛ فذهب سيبويه ومن تابعه من البصريّين إلى أنّه حرف جرّ ، وليس بفعل ، والدّليل على ذلك : أنّه لو كان فعلا ؛ لجاز أن تدخل (٣) عليه «ما» كما / يجوز أن / (٤) تدخل على الأفعال ؛ فيقال : «ما حاشا زيدا» كما يقال : «ما خلا زيدا» فلمّا لم يقل ، دلّ على أنّه ليس بفعل ، فوجب أن يكون حرفا. وذهب الكوفيّون : إلى أنّه فعل ، ووافقهم أبو العبّاس المبرّد من البصريّين ، واستدلّوا على ذلك من ثلاثة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّه يتصرّف ، والتّصرّف من خصائص الأفعال ؛ قال النّابغة (٥) : [البسيط]

ولا أرى فاعلا في النّاس يشبهه

وما أحاشي من الأقوام من أحد (٦)

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (ط) في ذلك.

(٣) في (ط) يدخل.

(٤) زيادة من (س).

(٥) النّابغة : سبقت ترجمته.

(٦) المفردات الغريبة : ما أحاشي : ما أستثني.

١٦٠