أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

يريد : أمامة.

وقال الآخر (١) : [البسيط]

إنّ ابن حارث إن أشتق لرؤيته

أو امتدحه فإنّ النّاس قد علموا (٢)

يريد : ابن حارثة ، وهذا كثير في كلامهم.

[خلافهم في ترخيم الاسم المفرد الذي قبل آخره حرف ساكن]

فإن قيل : فهل يجوز ترخيم الاسم المفرد الذي قبل آخره حرف ساكن بحذف آخره مع حذف السّاكن ؛ نحو أن تقول في «سبطر : يا سب» أو لا؟قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز ذلك ؛ لأنّه كما بقيت حركة الاسم المرخّم بعد دخول التّرخيم ، كما كانت قبل / دخول / (٣) التّرخيم ، فكذلك السّكون ؛ لأنّه موجود في السّاكن حسب وجود الحركة في المتحرّك ، (فكما بقيت الحركة في المتحرّك) (٤) ، فكذلك السّكون في السّاكن. وذهب الكوفيّون إلى أنّ ترخيمه بحذف / الحرف / (٥) الأخير منه ، وحذف الحرف السّاكن الذي قبله ، وذلك ؛ لأنّ الحرف إذا سقط من هذا النّحو ، بقي آخره ساكنا ، فلو قلنا : إنّه لا يحذف ؛ لأدّى ذلك إلى أن يشابه الأدوات ، وما أشبهها من الأسماء ، وذلك لا يجوز. وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّه لو كان هذا معتبرا ؛ لكان ينبغي أن يحذف الحرف المكسور ، لئلّا يؤدّي ذلك إلى أن يشابه المضاف إلى المتكلّم ، ولا قائل به ؛ فدلّ على فساد ما ذهبوا إليه.

__________________

موطن الشّاهد : «أماما».

وجه الاستشهاد : ترخيم «أمامة» في غير النّداء للضّرورة الشّعريّة. (١) ينسب إلى أوس بن حبناء التّميميّ ، ولم أصطد له ترجمة وافية.

(٢) المفردات الغريبة : ابن حارث : هو حارثة بن بدر الغداني ، سيّد غدانة بن يربوع بن حنظلة بن تميم ؛ له أخبار في الفتوح. مات سنة ٦٤ ه‍. (أسرار العربية ٢٤١ / حا ١) ، نقلا عن الإصابة ١ / ٣٧١.

موطن الشّاهد : (ابن حارث).

وجه الاستشهاد : ترخيم «حارثة» في غير النّداء للضّرورة الشّعريّة ، وبقاؤه مفتوحا كما كان قبل التّرخيم.

(٣) سقطت من (س).

(٤) سقطت من (س).

(٥) زيادة من (س).

١٨١

[علّة بناء المرخّم على الضّمّ]

فإن قيل : فلم جاز أن يبنى المرخّم على الضّمّ في أحد القولين ، كما جاز أن يبقى (١) على حركته وسكونه؟ قيل : لأنّهم لو قدّروا بقيّة الاسم المرخّم بمنزلة اسم ، لم يحذف منه شيء ، فبنوه على الضّمّ ؛ نحو : «يا حار ويا مال» كما لو لم يحذف منه شيء ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) يبنى.

١٨٢

الباب السّادس والثّلاثون باب النّدبة

[تعريف النّدبة]

إن قال قائل : ما النّدبة؟ قيل : تفجّع يلحق النّادب عند فقد المندوب ، وأكثر ما يلحق ذلك النّساء لضعفهنّ عن تحمّل المصائب.

[علامة النّدبة]

فإن قيل : فما علامة النّدبة؟ قيل : «وا» (١) أو «يا» في أوّله ، و «ألف وهاء» في آخره ، وإنّما زيدت «وا» أو «يا» في أوّله ، و «ألف وهاء» في آخره ؛ ليمدّ بها الصّوت ؛ ليكون المندوب بين صوتين مديدين ، وزيدت الهاء بعد الألف ؛ لأنّ الألف خفيّة (٢) ، والوقف عليها يزيدها خفاء (٣) ، فزيدت الهاء عليها في الوقف ؛ لتظهر الألف بزيادتها بعدها في الوقف.

[علّة نداء المندوب بأعرف أسمائه]

فإن قيل : فلم وجب ألّا يندب إلّا بأعرف أسمائه وأشهرها؟ قيل : ليكون ذلك ، عذرا للنّادب عند السّامعين ؛ لأنّهم إذا عذروه ؛ شاركوه في التّفجّع / والرّزيّة / (٤) ، فإذا شاركوه في التّفجّع ؛ هانت عليه المصيبة.

[علّة لحاق ألف النّدبة آخر المضاف إليه]

فإن قيل : فلم لحقت ألف النّدبة آخر المضاف إليه ؛ نحو : «يا عبد الملكاه» ولم تلحق آخر الصّفة ؛ نحو : «يا زيد الظّريفاه»؟ قيل : لأنّ ألف النّدبة إنّما تلحق ما يلحقه تنبيه النّداء ، والمضاف والمضاف إليه بمنزلة شيء واحد ، والدّليل على ذلك : أنّه لا يتمّ المضاف إلّا بذكر المضاف إليه ، ولا بدّ

__________________

(١) في (س) واو.

(٢) في (س) خفيفة.

(٣) في (س) خفّة.

(٤) سقطت من (س).

١٨٣

مع ذكر المضاف من ذكر المضاف إليه ، ألا ترى أنّك لو قلت في «غلام زيد وثوب خز : غلام وثوب» لم يتمّ إلّا بذكر المضاف إليه؟ فلمّا كان المضاف والمضاف إليه بمنزلة الشّيء الواحد ؛ جاز أن تلحق ألف النّدبة آخر المضاف إليه ؛ وأمّا الصّفة فليست مع الموصوف بمنزلة شيء واحد ؛ فلهذا ، لا يلزم ذكر الصّفة مع الموصوف ، بل أنت مخيّر في ذكر الصّفة ؛ إن شئت ذكرتها ، وإن شئت لم تذكرها ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «هذا زيد الظّريف» كنت مخيّرا في ذكر الصّفة ، إن شئت ذكرتها ، وإن شئت لم تذكرها؟ وإذا كنت مخيّرا في ذكر الصّفة ، دلّ على أنّهما ليسا بمنزلة شيء واحد ، وإذا لم يكونا بمنزلة شيء واحد ؛ وجب ألّا تلحق ألف النّدبة الصّفة بخلاف المضاف إليه. وقد ذهب بعض الكوفيّين (١) ، ويونس بن حبيب البصريّ (٢) إلى جواز إلحاقها الصّفة (٣) حملا على المضاف إليه ، وقد بيّنّا الفرق بينهما. ويحكون عن بعض العرب أنّه قال : / واعديماه / (٤) ، واجمجمتي الشّاميّتيماه» وهو شاذّ ، لا يقاس عليه.

[علّة جواز ندبة المضاف إلى المخاطب]

فإن قيل : فلم جاز ندبة المضاف إلى المخاطب ؛ نحو : «وا غلامكاه» ولم يجز نداؤه؟ قيل : لأنّ المندوب ، لا ينادى ليجيب ، (٥) بل ينادى ، ليشهر النّادب مصيبته ، وأنّه قد وقع في أمر عظيم ، وخطب جسيم ، ويظهر تفجّعه كيف لا يكون في حالة من إذا دعي أجاب ، وأمّا المنادى ، فهو مخاطب ، فلو جاز نداؤه ؛ لكان يؤدّي إلى أن يجمع فيه بين علامتي خطاب ؛ وذلك لا يجوز ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) ذهب الكوفيّون.

(٢) يونس : هو أبو عبد الرّحمن ، يونس بن حبيب الضّبّيّ البصريّ ، إمام أهل البصرة في عصره في اللّغة والنّحو والأدب من أصحاب أبي عمرو بن العلاء ، وشيخ سيبويه ، والكسائيّ ، والفرّاء. مات سنة ١٨٢ ه‍. بغية الوعاة ٢ / ٣٦٥.

(٣) في (س) بالصّفة.

(٤) سقطت من (س).

(٥) في (س) فيجيب.

١٨٤

الفصل السّابع والثّلاثون

باب «لا»

[علّة بناء النّكرة مع لا على الفتح]

إن قال قائل : لم بنيت النّكرة مع «لا» على الفتح ، نحو «لا رجل في الدّار»؟ قيل : إنّما بنيت مع «لا» لأنّ التّقدير في قولك : «لا رجل في الدّار : لا من رجل في الدّار» ؛ لأنّه جواب قائل قال : «هل من رجل في الدّار؟» فلمّا حذفت من اللّفظ ، وركّبت مع «لا» تضمّنت معنى الحرف ؛ فوجب أن تبنى ، وإنّما بنيت على حركة ؛ لأنّ لها حالة تمكّن قبل البناء ، وإنما كانت الحركة فتحة ؛ لأنّها أخفّ الحركات. وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ هذه الحركة حركة إعراب ، لا حركة بناء ؛ لأنّ «لا» تعمل النّصب إجماعا (١) ؛ لأنّها نقيضة «إنّ» لأنّ «لا» للنّفي ، و «إنّ» للإثبات ، وهم يحملون الشّيء على ضدّه كما يحملونه على نظيره ، ألا ترى أنّ «لا» لمّا كانت فرعا على «إنّ» في العمل ، و «إنّ» تنصب مع التّنوين ، نصبت «لا» بغير تنوين ؛ لينحطّ الفرع عن درجة الأصل؟ إذ الفروع تنحطّ عن درجات الأصول أبدا ؛ وهذا ـ عندي ـ فاسد ؛ لأنّه لو كان معربا ؛ لوجب ألّا يحذف منه التّنوين ؛ لأنّ التّنوين ليس من عمل «إنّ» وإنّما هو شيء يستحقّه الاسم في أصله ، وإذا لم يكن من عمل «إنّ» فلا معنى لحذفه مع «لا» لينحطّ الفرع عن درجة الأصل ؛ لأنّ الفرع إنّما ينحطّ عن درجة الأصل في ما كان من عمل الأصل ، وإذا لم يكن التّنوين من عمل الأصل ؛ وجب أن يكون ثابتا مع الفرع ، ثمّ انحطاطها عن درجة «إنّ» قد ظهر في أربعة مواضع (٢).

الأول : أنّ «إنّ» تعمل في المعرفة والنّكرة و «لا» لا تعمل إلّا في النّكرة خاصّة.

والثّاني : أنّ «إنّ» لا تركّب مع اسمها لقوّتها ، و «لا» تركّب مع اسمها لضعفها.

__________________

(١) في (س) بالإجماع.

(٢) في (س) أشياء.

١٨٥

والثّالث : أنّ «إنّ» تعمل في اسمها مع الفصل بينها وبينه بالظّرف وحرف الجرّ (١) ، و «لا» لا تعمل مع الفصل.

والرّابع : أنّ «إنّ» تعمل في الاسم والخبر عند البصريّين ، و «لا» تعمل في الاسم دون الخبر عند كثير من المحقّقين ، فانحطّت «لا» التي هي الفرع ، عن درجة «إنّ» التي هي الأصل.

[جواز العطف على النّكرة بالنّصب على اللّفظ].

فإن قيل : فلم إذا عطف على النّكرة ، جاز فيه النّصب على اللّفظ ، كما جاز فيه الرّفع على الموضع ، والعطف على لفظ المبنيّ لا يجوز؟ قيل : لأنّه لما اطّرد البناء على الفتحة في كلّ نكرة ركّبت مع «لا» / لأنّها / (٢) أشبهت النّصب للمفعول لاطّراده فيه ، فأشبهت حركة المعرب ، فجاز أن يعطف عليها بالنّصب.

[علّة جواز بناء صفة النّكرة معها على الفتح]

فإن قيل : فلم جاز أن تبنى صفة النّكرة معها على الفتح ، كما جاز أن تنصب حملا على اللّفظ ، وترفع حملا على الموضع؟ قيل : لأنّ بناء الاسم مع الاسم أكثر من بناء الاسم مع الحرف ، فلمّا جاز أن يبنى الاسم مع الحرف ، جاز ـ أيضا ـ أن يبنى مع الصّفة ؛ لأنّ الصّفة قد تكون مع الموصوف كالشّيء الواحد بدليل أنّه لا يجوز السّكوت على الموصوف دون الصّفة في نحو قولك : «أيها الرّجل» ثمّ هما في المعنى كشيء واحد ؛ فجاز أن تبني كلّ واحد منهما مع صاحبه ، ولا يجوز ـ ههنا ـ أن تركّب «لا» مع النّكرة إذا ركّبت مع صفتها ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن تجعل ثلاث كلمات بمنزلة كلمة واحدة ؛ وهذا لا نظير له في كلامهم.

[جواز الرّفع عند التّكرار]

فإن قيل : فلم جاز الرّفع إذا كرّرت ؛ نحو : لا رجل في الدّار ولا امرأة»؟ قيل : لأنّك إذا كرّرت ، كان جوابا لمن قال : «أرجل في الدّار أم امرأة» فنقول : «لا رجل في الدّار ولا امرأة» ؛ ليكون الجواب على حسب السّؤال.

[بناء لا مع النّكرة دون المعرفة وعلّة ذلك]

فإن قيل : لم بنيت «لا» مع النّكرة دون المعرفة؟ قيل : لأنّ النّكرة تقع بعد «من» في الاستفهام ، ألا ترى أنّك تقول : «هل من رجل في الدّار»؟ فإذا وقعت

__________________

(١) في (س) وحروف.

(٢) سقطت من (س).

١٨٦

بعد «من» في السّؤال ، جاز تقدير «من» في الجواب ، وإذا حذفت «من» في السّؤال ؛ تضمّنت النّكرة معنى الحرف ؛ فوجب أن تبنى ؛ وأمّا المعرفة ، فلا تقع بعد «من» في الاستفهام ، ألا ترى أنّك لا تقول : «هل من زيد في الدّار» فإذا لم تقع بعد «من» في السّؤال ، لم يجز تقدير «من» في الجواب ، وإذا لم يجز تقدير «من» في الجواب ؛ لم يتضمّن المعرفة معنى الحرف ؛ فوجب أن يبقى على أصله في الإعراب ؛ فأمّا قول الشّاعر (١) : [الرّجز]

لا هيثم اللّيلة في المطيّ

[ولا فتى مثل ابن خيبري](٢)

فإنّما جاز ؛ لأنّ التّقدير / فيه / (٣) : «لا مثل هيثم» فصار في حكم النّكرة ، فجاز أن يبنى مع «لا» ، وعلى هذا قولهم : «قضية ولا أبا حسن لها» ؛ أي : ولا مثل أبي حسن ، ولو لا هذا التّقدير ؛ لوجب الرّفع مع التّكرير (٤) ؛ نحو : «لا زيد عندي ولا عمرو».

[وجوب التّكرير في المعرفة]

فإن قيل : فلم وجب التّكرير في المعرفة؟ قيل : لأنّه جاء مبنيّا على السّؤال ؛ كأنّه قال : «أزيد عندك أم عمرو»؟ فقال : «لا زيد عندي ولا عمرو» ؛ والدّليل على أنّ السّؤال في تقدير التّكرير : أنّ المفرد لا يفتقر إلى ذكره في الجواب ، ألا ترى أنّه إذا قيل : «أزيد عندك»؟ كان الجواب أن تقول : «لا» من غير أن تذكره ، كأنّك قلت : «لا أصل لذلك». فأمّا قولهم : «لا بدّ لك (٥) أن

__________________

(١) ينسب إلى بعض بني دبير ـ كما في الدّرر اللّوامع ـ من دون تحديد.

(٢) المفردات الغريبة : هيثم : اسم رجل كان حسن الحداء للإبل. ابن خيبريّ : نقل محقّق أسرار العربيّة نقلا عن ابن الكلبي : «أنّه من بني ضبيس ، جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث بن خيبريّ بن ظبيان» وهو صاحب بثينة ، ونسب إلى أحد أجداده ؛ وقد مدحه الرّاجز بالفتوّة ؛ لأنّه كان شجاعا يحمي أدبار المطيّ من الأعداء. (أسرار العربيّة ٢٥٠ / حا ١ ؛ نقلا عن الخزانة الشّاهد ٢٦١).

موطن الشّاهد : (لا هيثم).

وجه الاستشهاد : مجيء اسم «لا» النّافية للجنس معرفة ؛ لكونه أراد : لا أمثال هيثم ممّن يقوم مقامه في حداء المطيّ ، فصار العلم شائعا ، إذا أدخله في جملة المنفيّين.

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (س) مع النّكرة ، وهو سهو من النّاسخ.

(٥) في (س) لانولك ، وهو سهو من النّاسخ.

١٨٧

تفعل كذا» فإنّما لم تكرّر ؛ لأنّه صار بمنزلة «لا ينبغي لك» فأجروها مجراها ، حيث كانت في معناها (١) ، كما أجروا «يذر» / في / (٢) مجرى «يدع» لاتّفاقهما في (٣) المعنى.

[عدم جواز بناء لا مع المضاف وعلّة ذلك]

فإن قيل : لم لا تبنى مع المضاف؟ قيل : لم يجز أن تبنى مع المضاف ؛ لأنّ المضاف والمضاف إليه بمنزلة شيء واحد ، فلو بنيا مع «لا» لكان يؤدّي إلى أن تجعل ثلاث كلمات بمنزلة واحدة ؛ وهذا لا نظير له في كلامهم ، والمشبّه للمضاف (٤) في امتناعه من التّركيب ؛ حكمه حكم المضاف / إليه / (٥) ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) فأجروها مجرى حيث في معناها.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (س) على.

(٤) بالمضاف.

(٥) سقطت من (س).

١٨٨

الباب الثّامن والثّلاثون

باب حروف الجرّ

[إعمال حروف الجرّ الجرّ وعلّة ذلك]

إن قال قائل : لم عملت هذه الحروف الجرّ؟ قيل : إنّما عملت ؛ لأنّها اختصّت بالأسماء ، والحروف متى كانت مختصّة ؛ وجب أن تكون عاملة ، وإنّما وجب أن تعمل الجرّ ؛ لأنّ إعراب الأسماء رفع ، ونصب ، وجرّ ، فلمّا سبق الابتداء إلى الرّفع في المبتدأ ، والفعل إلى الرّفع ـ أيضا ـ في الفاعل ، وإلى النّصب في المفعول ، لم يبق إلّا الجرّ ؛ فلهذا ، وجب أن تعمل الجرّ ؛ وأجود من هذا أن تقول : إنّما عملت الجرّ ؛ لأنّها تقع وسطا بين الاسم والفعل ، والجرّ وقع وسطا بين الرّفع والنّصب ، فأعطي الأوسط الأوسط. ثمّ إنّ هذه الحروف على ضربين :

أحدهما : يلزم الجرّ فيه.

والآخر : (١) لا يلزم الجرّ فيه.

[ما يلزم الجرّ فيه من الحروف]

فأمّا ما يلزم الجرّ فيه ف «من ، وإلى ، وفي ، واللّام ، والباء ، وربّ» وأمّا ما لا يلزم الجرّ / فيه / (٢) ف «الواو ، والتّاء في القسم ، وحتّى» ، ولها مواضع نذكرها / فيها / (٣) إن شاء الله تعالى.

[ما لا يلزم الجرّ فيه من الحروف]

وأمّا ما لا يلزم الجرّ فيه ف «عن ، وعلى ، والكاف ، وحاشا ، وخلا ؛ ومذ ، ومنذ».

__________________

(١) في (س) والثّاني.

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (س).

١٨٩

[عن]

فأمّا «عن» فتكون اسما ، كما تكون حرفا ، فإذا كانت اسما ، دخل عليها حرف الجرّ ؛ فكانت بمعنى النّاحية ، وما بعدها مجرور (١) بالإضافة ؛ قال الشّاعر (٢) : [الطّويل]

فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلّها

يمينا وضوء النّجم من عن شمالك

وقال الآخر (٣) : [الكامل]

فلقد أراني للرّماح دريّة

من عن يميني تارة وشمالي (٤)

وقال الآخر (٥) : [الرّجز]

جرّت عليها كلّ ريح سيهوج

من عن يمين الخط أو سماهيج (٦)

وقال الآخر (٧) : [البسيط]

[فقلت للرّكب لمّا أن علا بهم]

من عن يمين الحبيّا نظرة قبل (٨)

__________________

(١) في (س) مجرورا.

(٢) لم ينسب إلى قائل معيّن.

موطن الشّاهد : (من عن شمالك).

وجه الاستشهاد : وقوع «عن» اسما بمعنى ناحية ؛ لدخول حرف الجرّ عليه.

(٣) الشّاعر هو : قطريّ بن الفجاءة المازنيّ ، أحد شعراء الخوارج وخطبائهم وشجعانهم ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٧٨ ه‍.

(٤) المفردات الغريبة : دريّة ، وروي بالهمزة دريئة ؛ والدّريئة : هي الحلقة التي يتعلّم عليها الرّمي ؛ وهي مأخوذة من الدّرء بمعنى المنع والدّفع. والشّاهد في هذا البيت كالشّاهد في سابقه تماما.

(٥) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٦) المفردات الغريبة : ريح سيهوج : ريح شديدة. ومفعول «جرّت» محذوف ؛ والتّقدير :جرّت عليه ذيلها.

والشّاهد في هذا البيت كالشّاهد في البيتين السّابقين.

(٧) الشّاعر هو : القطاميّ ، عمير بن شييم التّغلبيّ ، من شعراء الدّولة الأمويّة ، وهو ابن أخت الأخطل التّغلبيّ المشهور ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١١٠ ه‍. الشّعر والشّعراء (ط مصر) ٧٣٣.

(٨) الشّاهد في البيت كما في الأبيات السّابقة.

١٩٠

وإذا كانت حرفا ، كان ما بعدها مجرورا / بها / (١) ؛ كقولك : «رميت عن القوس» وما أشبه ذلك.

[على]

وأمّا «على» فتكون اسما وفعلا وحرفا ، فإذا كانت اسما ، دخل عليها حرف الجرّ ، فكانت بمعنى «فوق» وما بعدها مجرورا بالإضافة ؛ كقول الشّاعر (٢) : [الطّويل]

غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل (٣)

وقال الآخر (٤) : [الطّويل]

أتت من عليه تنقض الطّلّ بعد ما

رأت حاجب الشّمس استوى فترفّعا

وقال الآخر (٥) : [الرّجز]

فهي تنوش الحوض نوشا من على

نوشا به تقطع أجواز الفلا (٦)

وإذا كانت فعلا ؛ كانت مشتقّة من مصدر ، وتدلّ على زمان مخصوص ؛ نحو : «علا الجبل يعلو علوّا ، فهو عال» ؛ كقولك : «سلا يسلو سلوّا ، فهو

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) الشّاعر هو : مزاحم العقيليّ.

(٣) المفردات الغريبة : الضّمير في «غدت» يعود إلى قطاة يصفها ، والضّمير في «عليه» يعود إلى فرخها. ظمؤها : مدّة صبرها على الماء. تصلّ : تصوّت أحشاؤها لجفافها. قيض :قشر البيض. الزّيزاء المجهل : المفازة أو البيداء التي لا يهتدي فيها السّالكون.

موطن الشّاهد : (من عليه).

وجه الاستشهاد : وقوع «على» اسما بمعنى «فوق» ؛ لدخول حرف الجرّ «من» عليه ؛ ومجيئها على هذا النّحو كثير شائع.

(٤) الشّاعر هو : يزيد بن الطّثريّة ، من بني عامر بن صعصعة ؛ كان شاعرا غزلا ، حلو الحديث ، متلافا للمال. مات مقتولا في إحدى المعارك سنة ١٢٧ ه‍.

والشّاهد في البيت مجيء «على» اسما ، كما في البيت السّابق.

(٥) الشّاعر هو : أبو النّجم ، الفضل بن قدامة العجليّ ، من أشهر الرّجّازين العرب ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ١٣٠ ه‍.

(٦) المفردات الغريبة : تنوش : تتناول. أجواز الفلا : ما ابتعد من المسافات والصّحارى.

ومعنى البيت : يصف الشّاعر إبلا عالية الأجسام طوال الأعناق ، وكيف تتناول الماء من فوق الحوض ، وتشرب شربا مروّيا يمكّنها من قطع الفلوات والمسافات البعيدة.

والشّاهد في البيت كالشّاهد في البيتين السّابقين.

١٩١

سال» وما أشبه ذلك ، (وإذا كانت حرفا ، كان ما بعدها مجرورا بها ؛ نحو «على زيد دين» وأشباهه) (١).

[الكاف]

وأمّا «الكاف» فتكون اسما ، كما تكون حرفا ، فإذا كانت اسما قدّروها تقدير «مثل» وجاز أن يدخل عليها حرف الجرّ ، وكان ما بعدها مجرورا بالإضافة ؛ كقول الشّاعر (٢) : [الرّجز]

وصاليات ككما يؤثفين (٣)

فالكاف الأولى : حرف جرّ ، والثّانية : اسم ؛ لأنّه لا يجوز أن يدخل حرف جرّ على حرف جرّ ؛ كقول الشّاعر (٤) : [الرّجز]

[بيض ثلاث كنعاج جمّ]

يضحكن عن كالبرد المنهمّ (٥)

وتكون الكاف ـ أيضا ـ فاعلة ؛ كقول الشّاعر (٦) : [البسيط]

أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطّعن يهلك فيه الزّيت والفتل (٧)

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) الشّاعر هو : خطّام بن نصر المجاشعيّ ، ولم أصطد له ترجمة وافية.

(٣) المفردات الغريبة : الصّاليات : الأثافي ، أحجار القدور. يؤثفين : ينصبن للقدر.

موطن الشّاهد : (ككما).

وجه الاستشهاد : وقوع «الكاف الثّانية» اسما بمعنى مثل ؛ لدخول «الكاف» حرف الجرّ عليها.

(٤) الشّاعر : هو العجّاج ، وقد سبقت ترجمته.

(٥) المفردات الغريبة : النّعاج : جمع نعجة ، وهي البقرة الوحشيّة ، تشبّه النّساء بها في العيون ، والأعناق. جم : جمع جمّاء ، وهي التي لا قرن لها من النّعاج. المنهم :الذّائب.

موطن الشّاهد : (عن كالبرد).

وجه الاستشهاد : وقوع «الكاف» اسما بمعنى مثل ؛ لدخول حرف الجرّ «عن» عليها ؛ فالمعنى : يضحكن عن أسنان بيضاء مثل البرد الذّائب.

(٦) الشّاعر هو : الأعشى ، أبو بصير ، ميمون بن قيس ، لقّب بصنّاجة العرب ، من شعراء ، الطّبقة الأولى في الجاهليّة ؛ أدرك الإسلام ، ولم يسلم ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٧ ه‍. الشّعر والشّعراء ١ / ٢٥٧.

(٧) المفردات الغريبة : الشّطط : الجور والظّلم. الفتل : جمع فتيلة.

موطن الشّاهد : (كالطّعن)

١٩٢

فالكاف ـ ههنا ـ اسم لأنّها فاعلة ، وهي في موضع رفع بإسناد الفعل إليها ؛ فإذا كانت حرفا ؛ كان ما بعدها مجرورا بها ؛ نحو : «جاءني الذي كزيد» وما أشبه ذلك. وأمّا «حاشا ، وخلا» فقد ذكرناهما في باب الاستثناء فيما قبل.

وأمّا «مذ ، ومنذ» فلهما باب نذكرهما فيه فيما بعد ، إن شاء الله تعالى.

[معاني حروف الجرّ]

ثم إنّ معاني هذه الحروف كلّها مختلفة ، فأمّا «من» فتكون على أربعة أوجه :

[معاني «من»]

الوجه الأوّل : أن تكون لابتداء الغاية ؛ كقولك : «سرت من الكوفة إلى البصرة».

والوجه الثّاني : أن تكون للتّبعيض ؛ كقولك «أخذت من المال درهما».

والوجه الثّالث : أن تكون لتبيين الجنس ؛ كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(١). ف «من» هذه دخلت لتبيين المقصود بالاجتناب ، ولا يجوز أن تكون للتّبعيض ؛ لأنّه ليس المأمور به اجتناب بعض الأوثان دون بعض ، وإنّما المقصود اجتناب جنس الأوثان.

والوجه الرّابع : أن تكون زائدة في النّفي ؛ كقوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ)(٢) ؛ والتّقدير : «ما لكم إله غيره» و «من» زائدة ؛ كقول الشّاعر (٣) : [البسيط]

[عيّت جوابا] وما بالرّبع من أحد (٤)

__________________

وجه الاستشهاد : وقوع «الكاف» اسما بمعنى مثل في محلّ رفع فاعل ؛ لأنّ المعنى : لا يمنع الجائرين عن الجور مثل طعن نافذ إلى الجوف يغيب فيه الزّيت مع فتيلة الجراحة.

(١) س : ٢٢ (الحج ، ن : ٣٠ ، مد).

(٢) س : ٧ (الأعراف ، ن : ٥٩ ، ٦٥ ، ٧٣ ، ٨٥ ، مك) وس : ١١ (هود ، ن ٥٠ ، ٦١ ، ٨٤ ، مك). وس : ٢٣ (المؤمنون ، ن : ٢٣ ، ٣٢ ، مك).

(٣) النّابغة الذّبياني ، وقد سبقت ترجمته.

(٤) هذا شطر بيت للنّابغة من قصيدته المشهورة التي يعتذر فيها إلى النّعمان بن المنذر ، وتتمّة البيت :

وقفت فيها أصيلانا أسائلها

عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد

وللبيت روايات أخرى لا داعي لذكرها

١٩٣

أي : أحد. وذهب بعض النّحويين إلى أنّه يجوز أن تكون زائدة في الواجب ، ويستدلّ بقوله تعالى : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ)(١) / أي سيئاتكم / (٢) ف «من» زائدة بقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ)(٣) و «من» زائدة ، وما استدلّ به لا حجّة له فيه ؛ لأنّ «من» ليست زائدة ، فأمّا قوله تعالى : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) ف «من» فيه للتّبعيض لا زائدة ؛ لأنّه من الذّنوب ما لا يكفّر بإبداء الصّدقات ، أو إخفائها ، وإيتائها للفقراء ، وهي مظالم العباد ؛ وأمّا قوله تعالى : (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) ف «من» فيه ـ أيضا ـ للتّبعيض ؛ لأنّهم إنّما أمروا أن يغضّوا أبصارهم عمّا حرّم / الله / (٤) عليهم ، لا عمّا أحلّ لهم ، فدلّ على أنّها للتّبعيض ، وليست زائدة.

وأمّا «إلى» فتكون على وجهين :

[وجها إلى]

أحدهما : أن تكون غاية ؛ كقولك : «سرت من الكوفة إلى البصرة».

والثّاني : أن تكون بمعنى «مع» ؛ كقوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(٥) ؛ أي : مع المرافق ، ومع الكعبين.

[معنى في]

وأمّا «في» فمعناها الظّرفيّة ؛ كقولك : «زيد في الدّار» ، وقد يتّسع فيها ، فيقال : «زيد ينظر في العلم».

[معنى اللّام]

وأمّا «اللّام» فمعناها التّخصيص والملك ؛ كقولك : «المال لزيد» ؛ أي يختصّ به ، ويملكه.

__________________

المفردات الغريبة ؛ عيّت جوابا : عجزت عن الجواب ، أولم تدر وجه الجواب.

موطن الشّاهد : (من أحد).

وجه الاستشهاد : مجيء «من» حرفا زائدا في البيت ؛ لأنّ المعنى : وما في الرّبع أحد ؛ ومجيئها زائدة كثير شائع.

(١) س : ٢ (البقرة ، ن : ٢٧١ ، مد).

(٢) سقطت من (ط).

(٣) س : ٢٤ (النّور ، ن : ٣٠ ، مد).

(٤) زيادة من (س).

(٥) س : ٥ (المائدة ، ن : ٦ ، مد).

١٩٤

[معنى الباء]

وأمّا «الباء» فمعناها الإلصاق ؛ كقولك : «كتبت بالقلم» أي : ألصقت كتابتي بالقلم.

[معنى ربّ]

وأمّا «ربّ» فمعناها التّقليل ، وهي تخالف حروف (١) الجرّ من أربعة أوجه :

الوجه الأوّل : أنّها تقع في صدر الكلام ، وحروف الجرّ لا تقع في صدر الكلام.

والوجه الثّاني : أنّها لا تعمل إلّا في نكرة ، وحروف الجرّ تعمل في المعرفة والنّكرة.

والوجه الثّالث : أنّه يلزم مجرورها الصّفة ، وحروف الجرّ لا يلزم مجرورها الصّفة.

والوجه الرابع : أنّها يلزم معها حذف الفعل الذي أوصلته إلى ما بعدها ، وهذا لا يلزم الحروف (٢) ؛ واختصاصها بهذه الأشياء لمعان اختصّت بها ، فأمّا كونها في صدر الكلام ، فإنّها (٣) لمّا كانت تدلّ على التّقليل ، [وتقليل الشّيء يقارب نفيه ، أشبهت حروف النّفي ، وحروف النّفي لها صدر الكلام. وأمّا كونها لا تعمل إلّا في النّكرة ؛ فلأنّها لمّا كانت تدلّ على التّقليل](٤) ، والنّكرة تدلّ على التّكثير ، وجب أن تختصّ بالنّكرة التي تدلّ على التّكثير ؛ ليصحّ فيها التّقليل. وأمّا كونها تلزم الصّفة مجرورها ؛ فجعلوا ذلك عوضا عن حذف الفعل الذي يتعلّق به ، وقد يظهر ذلك في ضرورة / الشّعر / (٥). وأما حذف الفعل معها فللعلم به ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «ربّ رجل يفهم» كان التّقدير فيه «ربّ رجل يفهم أدركت ، أو لقيت» فحذف الفعل ؛ لدلالة الحال عليه ؛ كما حذف في قوله تعالى : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ)(٦) ... إلى قوله : (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) ولم يذكر مرسلا ؛ لدلالة الحال عليه ، فكذلك ههنا.

__________________

(١) في (ط) حرف.

(٢) في (ط) الحرف.

(٣) في (س) فلأنّها.

(٤) سقطت من (س).

(٥) سقطت من (س).

(٦) س : ٢٧ (النّمل ، ن : ١٢ ، مك).

١٩٥

[معنى عن]

وأمّا «عن» فمعناها المجاوزة.

[معنى على]

وأمّا «على» فمعناها الاستعلاء.

[معنى الكاف]

وأمّا «الكاف» فمعناها التّشبيه ، وقد تكون زائدة ؛ كقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(١) ؛ وتقديره : «ليس مثله شيء».

وكقول (٢) الشّاعر (٣) : [الرّجز]

لواحق الأقراب فيها كالمقق (٤)

وتقديره : فيها المقق ؛ وهو الطّول ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) س : ٤٢ (الشّورى ، ن : ١١ ، مك).

(٢) في (ط) قال.

(٣) الشّاعر : رؤبة بن العجّاج ، وقد سبقت ترجمته.

(٤) المفردات الغريبة : لواحق : جمع لاحقة ، الهزيلة الضّامرة.

الأقراب : جمع «قرب» البطن. المقق : الطّول.

موطن الشّاهد : (كالمقق).

وجه الاستشهاد : وقوع «الكاف» زائدة في البيت ؛ لأنّ المعنى : إنّ هذه الأتن خماص البطون قد أصابها الهزال ، وإنّ فيها طولا.

١٩٦

الباب التّاسع والثّلاثون

باب «حتّى»

[أوجه حتّى]

إن قال قائل : على كم / وجه / (١) تستعمل «حتّى»؟ قيل : على ثلاثة أوجه :

الأوّل : أن تكون حرف جرّ ك «إلى» ؛ نحو قوله تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(٢) وما بعدها مجرور بها في قول جماعة النّحويّين ، إلّا في قول شاذّ لا يعرّج عليه ، وهو ما قد حكي عن بعضهم أنّه قال : إنّه مجرور بتقدير «إلى» (٣) بعد «حتى» (٤) ؛ وهو قول ظاهر الفساد.

والوجه الثّاني : أن تكون عاطفة حملا على الواو ؛ نحو : «جاءني القوم حتى زيد ، ورأيت القوم حتى زيدا ، ومررت بالقوم حتى زيد».

[علّة حمل حتّى على الواو]

فإن قيل : فلم حملت «حتّى» على الواو؟ قيل : لأنّها أشبهتها ، ووجه الشّبه بينهما أنّ أصل «حتّى» أن تكون غاية ، وإذا كانت غاية ، كان ما بعدها داخلا في حكم ما قبلها ، ألا ترى أنّك إذا قلت : (جاءني القوم حتى زيد» كان زيد داخلا في المجيء ، كما لو قلت) (٥) : «جاءني القوم وزيد»؟ فلمّا أشبهت الواو في هذا المعنى ؛ جاز أن تحمل عليها.

[وجوب كون المعطوف ب «حتّى» من جنس المعطوف عليه]

فإن قيل : فلم إذا كانت عاطفة ، وجب أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها ، ولا يجب ذلك في الواو؟ قيل : لأنّها لمّا كانت الغاية والدّلالة على أحد

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) س : ٩٧ (القدر : ٥ ، مك).

(٣) في (س) مجرور ب «إلى».

(٤) في (س) تقديره : حتّى انتهى إلى مطلع الفجر.

(٥) سقطت من (س).

١٩٧

طرفي الشّيء ، فلا يتصوّر أن يكون طرف الشّيء من غيره ، فلو قلت : «جاء الرجال حتى النّساء» لجعلت النّساء غاية للرجال ومنقطعا (١) لهم ، وذلك محال.

والوجه الثّالث : أن تكون حرف ابتداء ك «أمّا» ؛ نحو : «ضرب القوم ، حتّى زيد ضارب ، وذهبوا ، حتى عمرو ذاهب» قال الشّاعر (٢) : [الطّويل]

فما زالت القتلى تمجّ دماءها

بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل (٣)

وقال الآخر (٤) : [الطّويل]

مطوت بهم حتى تكلّ ركابهم

وحتى الجياد ما يقدن بأرسان (٥)

[لا محلّ من الإعراب للجمل بعد حتّى]

فإن قيل : فهل يكون للجملة بعدها موضع من الإعراب / أولا / (٦)؟ قيل : لا يكون للجملة بعدها موضع من الإعراب ؛ لأنّ الجملة إنّما يحكم لها بموضع من الإعراب إذا وقعت موقع المفرد ، نحو (٧) أن تقع وصفا ؛ نحو / قولك / (٨) : «مررت برجل يكتب» أو حالا ؛ نحو : «جاءني زيد يضحك» أو خبر مبتدأ ؛ نحو : «زيد يذهب» وإذا (٩) لم تقع ـ ههنا ـ موقع المفرد فينبغي ألّا يحكم لها بموضع من الإعراب ؛ فهذه الأوجه الثّلاثة التي في «حتّى» ، وقد تجتمع كلّها في مسألة واحدة ؛ نحو قولهم : «أكلت السّمكة حتّى رأسها ، وحتى رأسها ، وحتّى رأسها» بالجرّ ، والرّفع ، والنّصب ، فالجرّ على أن تجعل / «حتّى» / (١٠) حرف

__________________

(١) في (ط) ومقطعا.

(٢) الشّاعر : جرير بن عطيّة ، وقد سبقت ترجمته.

(٣) المفردات الغريبة : تمجّ دماءها : تقذف دماءها. أشكل : ما خالط بياضه حمرة.

موطن الشّاهد : (حتّى ماء أشكل).

وجه الاستشهاد : وقوع «حتّى» حرف ابتداء ، وما بعدها جملة اسميّة ؛ ومجيئها على هذا النّحو كثير شائع.

(٤) الشّاعر : امرؤ القيس.

(٥) المفردات الغريبة : تكلّ : تتعب.

موطن الشّاهد : (وحتّى الجياد).

وجه الاستشهاد : وقوع «حتّى» حرفا زائدا في البيت ؛ لأنّ المعنى : أجدّ بأصحابي السّير حتى تتعب المطيّ ، وتتعب الخيل ، فلا تحتاج إلى شدّ أرسانها.

(٦) سقطت من (ط).

(٧) في (ط) يجوز.

(٨) زيادة من (س).

(٩) في (س) فإذا. (١٠) سقطت من (ط).

١٩٨

جرّ ، والنّصب على أن تجعلها حرف عطف ، فتعطفه على السّمكة ، والرّفع على أن تجعلها حرف ابتداء ، فيكون مرفوعا بالابتداء ؛ وخبره محذوف ؛ وتقديره : «حتى رأسها مأكول» وإنّما حذف الخبر لدلالة الحال عليه ، وعلى هذه الأوجه الثّلاثة ينشد (١) : [الكامل]

ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها (٢)

بالرّفع ، والنّصب ، والجرّ ، فالجرّ بحتّى ، والنّصب على العطف ، والرّفع على الابتداء ، وألقاها الخبر ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) قول الشّاعر.

ينسب هذا البيت إلى مروان بن سعيد بن عبّاد بن حبيب بن المهلّب بن أبي صفرة المهلّبيّ ، كان نحويّا من أصحاب الخليل بن أحمد المتقدّمين في النّحو. بغية الوعاة ٢ / ٢٨٤.

(٢) المفردات الغريبة : الصّحيفة : ما يكتب فيه ، قرطاسا كان أم رقّا. رحله : متاعه.

موطن الشّاهد : (حتى نعله).

وجه الاستشهاد : تحتمل حتى في هذا البيت ثلاثة أوجه ؛ إمّا أن تكون حرف ابتداء وما بعدها مبتدأ ، وإمّا أن تكون جارّة وما بعدها مجرور بها ، وإمّا عاطفة وما بعدها معطوف على «رحله والزّاد» ؛ لأنّ النّعل جزء من المعطوف عليه على وجه التّأويل والتّقدير ، لا الحقيقة. راجع تفصيل ذلك في «بلوغ الغايات في إعراب الشّواهد والآيات» : ٤٠٧ / حا ١.

١٩٩

الباب الأربعون باب

مذ ومنذ

[الأغلب على «مذ» الاسميّة وعلى «منذ» الحرفيّة]

إن قال قائل : لم قلتم : إنّ الأغلب على «مذ» الاسميّة ، وعلى «منذ» الحرفيّة ، وكلّ واحد منهما يكون اسما ، و/ يكون / (١) حرفا جارّا؟ قيل : إنّما قلنا : إنّ الأغلب على «مذ» الاسميّة ، (وعلى «منذ» الحرفيّة) (٢) ؛ لأنّ «مذ» دخلها الحذف ، والأصل فيها «منذ» فحذفت النّون منها ، والحذف إنّما يكون في الأسماء ؛ والدّليل على أنّ الأصل في مذ : «منذ» أنّك لو صغّرتها ، أو كسّرتها ؛ لرددت النّون إليها ؛ فقلت في تصغيرها : «منيذ» وفي تكسيرها : «أمناذ» ؛ لأنّ التّصغير والتّكسير يردّان الأشياء إلى أصولها ؛ فدلّ على أنّ الأصل في مذ : منذ.

[علّة ارتفاع الاسم بعد مذ ومنذ]

فإن قيل : فلم (إذا كانا اسمين) (٣) ، كان الاسم بعدهما مرفوعا ؛ نحو : «ما رأيته مذ يومان ومنذ ليلتان» قيل : إنّما كان الاسم بعدهما مرفوعا إذا كانا اسمين ؛ لأنّه خبر المبتدأ ؛ لأنّ «مذ ، ومنذ» هما المبتدأ (٤) ، وما بعدهما هو الخبر ؛ والتّقدير في قولك : ما رأيته مذ يومان ومنذ ليلتان : أمد ذلك يومان ، وأمد ذلك ليلتان.

[علّة بناء مذ ومنذ]

فإن قيل : فلم (٥) بنيت «مذ ، ومنذ»؟ قيل : لأنّهما إذا كانا حرفين بنيا ؛ لأنّ الحروف كلّها مبنيّة ، وإذا كانا اسمين بنيا ؛ لتضمّنهما معنى الحرف ؛ لأنّك

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (ط) للمبتدأ.

(٥) في (س) لم.

٢٠٠