أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

الباب الثّالث والخمسون

باب المعرفة والنّكرة

[النّكرة أصل المعرفة]

إن قال قائل : هل المعرفة أصل أو النّكرة؟ قيل : لا بل النّكرة هي الأصل ؛ لأنّ التّعريف طارىء (١) على التّنكير.

[تعريف النّكرة والمعرفة]

فإن قيل : ما حدّ / النّكرة / (٢) والمعرفة؟ قيل : حدّ النّكرة ما لم يخصّ الواحد من جنسه ؛ نحو «رجل ، وفرس ، ودار» وما أشبه ذلك ، وحدّ المعرفة ما خصّ الواحد من جنسه.

[الفرق بين النّكرة والمعرفة]

فإن قيل : فبأيّ شيء تعتبر النّكرة من المعرفة؟ قيل : بشيئين ؛ أحدهما : دخول الألف واللّام ؛ نحو : الفرس ، والغلام ، ودخول «ربّ» عليها ؛ نحو : ربّ فرس وغلام ، وما أشبه ذلك.

[أنواع المعرفة]

فإن قيل : فعلى كم نوعا تكون المعرفة؟ قيل : / هي / (٣) على خمسة أنواع ؛ الاسم المضمر ، والعلم ، والمبهم ـ وهو اسم الإشارة ـ وما عرّف بالألف واللّام ، وما أضيف إلى / أحد / (٤) هذه المعارف ؛ فأمّا الاسم المضمر فعلى ضربين ؛ منفصل ، ومتّصل.

[الضّمير المنفصل ضربان مرفوع ومنصوب]

فأمّا المنفصل فعلى ضربين ؛ مرفوع ، ومنصوب ، فأمّا المرفوع ، فهو : «أنا ،

__________________

(١) في (ط) طار.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) سقطت من (س).

(٤) سقطت من (س).

٢٤١

ونحن ، وأنت ، وأنتما ، وأنتم ، وأنت وأنتنّ ، وهو ، وهما ، وهم ، وهي ، وهنّ» وأمّا المنصوب المنفصل : «فإيّاي ، وإيّانا ، وإيّاك ، وإيّاكما ، وإيّاكم ، / وإيّاك / (١) ، وإيّاكنّ ، وإيّاه ، وإيّاهما ، وإيّاهم ، وإيّاها ، وإيّاهنّ». وذهب الخليل إلى أنّه مظهر استعمل استعمال المضمر ؛ ومنهم من قال : إنّه اسم مبهم أضيف للتّخصيص ، ولا يعلم اسم مبهم أضيف غيره ؛ ومنهم من قال : إنّه بكماله اسم مضمر ، ولا يعلم اسم مضمر يختلف آخره غيره ؛ ومنهم من قال : إنّه اسم مضمر أضيف إلى الكاف ، ولا يعلم اسم مضمر أضيف غيره. والصّحيح : أنّ «إيّا» / هو / (٢) اسم مضمر ، والكاف للخطاب ، ولا موضع لها من الإعراب ؛ وذهب الكوفيّون إلى أنّ المضمر ، هو الكاف و «إيّا» عماد ؛ وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ الشّيء لا يعتمد (٣) بما هو أكثر منه ، وقد بيّنّا فساد ذلك مستقصى في المسائل الخلافية (٤).

[الضّمير المتّصل ثلاثة أضرب]

وأمّا المتّصل فعلى ثلاثة أضرب ؛ مرفوع ، ومنصوب ، ومجرور.

[الضمائر المتّصلة المرفوعة]

فأمّا المرفوع ؛ فنحو : «قمت ، وقمنا ، وقمت ، وقمتما ، وقمت ، وقمتنّ» والمضمر في «قام ، وقاما ، وقاموا ، وقامت ، وقامتا ، وقمن» والضّمير في اسم الفاعل ؛ نحو : «ضارب» والضّمير في اسم المفعول ؛ نحو : «مضروب» وما أشبه ذلك.

[الضّمائر المتّصلة المنصوبة]

وأما المنصوب المتّصل ؛ فنحو : «رأيتني ، ورأيتنا ، ورأيتك ، ورأيتكما ؛ ورأيتكم ، ورأيتكنّ ، ورأيته ، ورأيتهما ، ورأيتهم ، ورأيتها ، ورأيتهن» وما أشبه ذلك.

[الضّمائر المتّصلة المجرورة]

وأمّا المجرور فلا يكون إلّا متّصلا ؛ نحو «مرّ بي ، وبنا ، وبك ، وبكما ، وبكم ، وبك ، وبكنّ ، وبه ، وبهما ، وبهم ، وبها ، وبهنّ» وما أشبه ذلك.

[علّة عدم مجيء ضمير الجرّ المتّصل مرفوعا أو منصوبا]

فإن قيل : فلم كان المرفوع والمنصوب ضميرين ؛ متّصلا ومنفصلا ، ولم يكن المجرور كذلك؟ قيل : لأنّ المرفوع والمنصوب يجوز في كلّ واحد منهما

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) سقطت من (ط).

(٣) في (ط) يعمد.

(٤) أي في كتاب «الإنصاف في مسائل الخلاف».

٢٤٢

أن يفصل بينه وبين عامله ، ألا ترى أنّ المرفوع يجوز أن يتقدّم ، فيرفع (١) بالابتداء ، فلا يتعلّق بعامل لفظيّ ، وكذلك المنصوب يجوز أن يتقدّم على النّاصب ، كتقدّم المفعول على الفعل والفاعل ، فلمّا كانا يتّصلان بالعامل تارة ، وينفصلان / تارة / (٢) أخرى ؛ وجب أن يكون لهما ضميران ؛ متّصل ، ومنفصل ؛ وأمّا المجرور ، فلا يجوز أن يتقدّم على عامله ، ولا يفصل بين عامله ومعموله إلّا في ضرورة لا يعتدّ بها ؛ فوجب أن يكون ضميره متّصلا لا غير.

[اسم العلم]

وأمّا الاسم العلم ؛ فنحو : «زيد ، وعمرو ، وأبي محمد» وأشباه (٣) ذلك.

[اسم الإشارة]

وأمّا المبهم ؛ فنحو : «هذا ، وهذان ، وهذه ، وهاتان ، وتيك ، وتلك ، وتانك ، وتينك ، وهؤلاء» وما أشبه ذلك.

[المعرّف بالألف واللّام]

وأمّا ما عرّف بالألف واللّام ؛ فنحو قولك : «الرّجل ، والغلام» ، وقد اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب الخليل إلى أنّ تعريفه بالألف واللّام / معا / (٤) ، وذهب سيبويه إلى أنّ تعريفه باللّام وحدها ، وأنّها لمّا زيدت للتّعريف ساكنة ، أدخلوا عليها الهمزة لئلّا يبتدأ بالسّاكن ؛ لأنّ الابتداء بالسّاكن محال / و/ (٥) في الخلاف بينهما كلام طويل ، لا يليق ذكره بهذا المختصر ، وقد أفردنا كتابا فيه. وأمّا ما أضيف إلى أحد هذه المعارف فنحو : غلامي ، وغلام زيد ، وغلام هذا ، وغلام الرّجل ، وغلام صاحب عمرو ، وما أشبه ذلك.

[أعرف المعارف]

فإن قيل : فما أعرف هذه المعارف؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب بعضهم إلى أنّ الاسم المضمر أعرف المعارف ، ثمّ الاسم العلم ، ثمّ الاسم المبهم ، ثمّ ما فيه الألف واللّام ؛ وأعرف الضّمائر ضمير المتكلّم ؛ لأنّه لا يشاركه فيه / أحد / (٦) غيره ، فلا يقع فيه التباس ، بخلاف غيره من سائر

__________________

(١) في (س) فيرتفع.

(٢) زيادة من (ط).

(٣) في (س) وما أشبه.

(٤) سقطت من (س).

(٥) في (ط) في.

(٦) زيادة من (ط).

٢٤٣

المعارف ، والذي يدلّ على ؛ أنّ الضّمائر أعرف المعارف ، أنّها لا تفتقر إلى أن توصف كغيرها من المعارف ، وهو قول سيبويه. وذهب بعضهم إلى أنّ الاسم المبهم أعرف المعارف ، ثمّ المضمر ، ثمّ العلم ، ثمّ ما فيه الألف واللّام ؛ وهو قول أبي بكر ابن السّرّاج (١). وذهب آخرون إلى أنّ أعرف المعارف الاسم العلم ، لأنّه في أوّل وضعه ، لا يكون له مشارك / به / (٢) ، ثمّ المضمر ، ثم المبهم ، ثم ما عرّف بالألف واللّام ؛ وهو قول أبي سعيد السّيرافيّ (٣). فأمّا ما عرّف بالإضافة ؛ فتعريفه بحسب ما يضاف إليه من المضمر ، والعلم ، والمبهم ، وما فيه الألف واللّام على اختلاف الأقوال.

[علّة بناء الأسماء المضمرة والمبهمة]

فإن قيل : فلم بني الاسم المضمر والمبهم دون سائر المعارف؟ قيل : أمّا المضمر فإنّما بني ؛ لأنّه أشبه الحرف ؛ لأنّه جعل دليلا على المظهر ، فإذا جعل علامة على غيره ، أشبه تاء التّأنيث / وإذا أشبه تاء التّأنيث / (٤) ، فقد أشبه الحرف ، وإذا أشبه الحرف ، فيجب أن يكون مبنيّا. وأمّا المبهم ؛ وهو اسم الإشارة ، فإنّما بني ؛ لتضمّنه معنى حرف الإشارة.

[حرف الإشارة مضمر غير منطوق به]

فإن قيل : أين حرف الإشارة؟ قيل : حرف الإشارة وإن لم ينطقوا به ، إلّا أنّ القياس كان يقتضي أن يوضع له حرف كغيره من المعاني كالاستفهام ، والشّرط ، والنّفي ، والنّهي ، والتّمنّي ، والتّرجّي ، والعطف ، والنّداء ، والاستثناء ، إلى غير ذلك ، إلّا أنّهم / لمّا / (٥) لم ينطقوا به ، وضمّنوا معناه اسم الإشارة ، وإن لم ينطق (٦) به ؛ وجب أن يكون مبنيّا ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سبقت ترجمته.

(٢) سقطت من (س).

(٣) سبقت ترجمته.

(٤) سقطت من (ط).

(٥) سقطت من (ط).

(٦) في (س) ينطقوا.

٢٤٤

الباب الرّابع والخمسون

باب جمع التّكسير

[علّة جمع فعل في القلّة على أفعل]

إن قال قائل : لم جمع «فعل» ـ بفتح الفاء ، وسكون العين ـ في القلّة على «أفعل» ، وسائر أوزان الثّلاثيّ ، وهي «فعل ، فعل ، فعل ، فعل ، فعل ، فعل ، فعل ، / فعل / (١)» تجمع على : «أفعال»؟ قيل : لأنّ «فعلا» أكثر استعمالا من غيره ، ومن (٢) سائر الأوزان ، و «أفعل» أخفّ من «أفعال» فأعطوا ما يكثر استعماله الأخفّ ، وأعطوا ما يقلّ استعماله الأثقل ؛ ليعادلوا بينهما ؛ فأمّا قولهم : «فرخ وأفراخ ، وأنف وآناف ، وزند وأزناد» في حروف معدودة فشاذّ ، لا يقاس عليه ، على أنّهم قد تكلّموا عليها ، فقالوا : إنّما قالوا في جمع : فرخ : أفراخ ؛ لوجهين :

أحدهما : أنّهم حملوه على معنى «طير» ؛ فكما قالوا في جمع : طير :أطيار ؛ فكذلك ، قالوا في جمع : فرخ : أفراخ ؛ لأنّه في معناه.

والوجه الثّاني : أنّ فيه الرّاء ؛ وهو (٣) حرف تكرير فينزل التّكرير فيها بمنزلة الحركة ؛ فصار بمنزلة «فعل» بفتح العين ؛ فجمع على «أفعال» ك جبل : وأجبال ، وجمل : وأجمال ؛ قال الشّاعر (٤) : [البسيط]

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ

زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة

فاغفر عليك سلام الله يا عمر (٥)

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) في (س) ومن.

(٣) في (س) وهي.

(٤) الشّاعر هو : الحطيئة ، أبو مليكة ، جرول بن أوس ، كان شاعرا من مخضرمي الجاهليّة والإسلام ، وكان هجاء مرّا ، لم يسلم أحد من لسانه حتّى أمّه ، وزوجه ، ونفسه ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٣٠ ه‍. الأعلام ٣ / ٥٩.

(٥) المفردات الغريبة : أفراخ : جمع فرخ ، وهو صغير الطّيور الذي لا يستطيع الطّيران

٢٤٥

وأمّا «أنف» فإنّما جمعه على «أفعال» فقالوا (١) «آناف» ؛ لأنّ فيه (٢) النّون ؛ والنّون فيها غنّة ، فصارت الغنّة فيها بمنزلة الحركة ، فصار بمنزلة «فعل» فجمع على «أفعال» وأمّا «زند» فإنّما جمع على «أفعال» ، فقالوا : «أزناد» لوجهين :

أحدهما : لما ذكرنا أنّ النّون فيها غنّة ، فصارت كأنّها متحرّكة.

والوجه الثّاني : أنّ «زندا» في معنى «عود» و «عود» يجمع على «أعواد» ، فكذلك ما كان في معناه.

[علّة جمع فعل على أفعال]

فإن قيل : فلم (٣) جمعوا «فعلا» إذا كانت عينه ياء أو واوا على «أفعال» ولم يجمعوه على «أفعل»؟ قيل : لأنّهم لو جمعوه على «أفعل» على قياس الصّحيح ؛ لأدّى ذلك إلى الاستثقال ، ألا ترى أنّك لو قلت في جمع «بيت : أبيت (٤) ، وفي جمع «عود : أعود (٥)» لأدّى ذلك إلى ضمّ الياء والواو ، والياء تستثقل عليها الضّمّة ؛ لأنّها معها بمنزلة ياء وواو ، وكذلك الواو ـ أيضا ـ تستثقل عليها الضّمّة أكثر من الياء ؛ لأنّها معها بمنزلة واوين ، فلمّا كان ذلك مستثقلا ؛ عدلوا عنه إلى «أفعال».

[علّة جمعهم بين فعال وفعول في جمع الكثرة]

فإن قيل : فلم جمعوا بين «فعال ، وفعول» في جمع الكثرة؟ قيل : لاشتراكهما في عدد الحروف ، وإن كان في أحدهما حرف ليس في الآخر.

[علّة الصّياغة في جمع التّكسير]

فإن قيل : فلم خصّوا في جمع التّكسير ما كان على «فعل ممّا عينه واو

__________________

وعنى بالأفراخ ـ هنا ـ أطفاله الصّغار. ذي مرخ : اسم موضع. زغب الحواصل : كناية عن جوعهم ، وصغر سنّهم. وهذان البيتان قالهما الحطيئة وهو في سجن عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ لمّا سجنه بسبب هجائه للزّبرقان بن بدر ؛ فرقّ له أمير المؤمنين ، ونهاه عن هجاء النّاس ، وأخلى سبيله.

موطن الشّاهد : (أفراخ).

وجه الاستشهاد : مجيء «أفراخ» على وزن «أفعال» وقد بيّن المؤلّف في المتن سبب ذلك.

(١) في (ط) قالوا.

(٢) في (ط) فيها.

(٣) في (س) ولم.

(٤) في (س) شيخ أشيخ.

(٥) في (س) ، أعواد ، والصّواب ما في المتن.

٢٤٦

ب «فعال» ؛ نحو : «ثوب : وثياب» وما (١) عينه ياء ب «فعول» ؛ نحو : «شيخ : وشيوخ» وهلّا عكسوا؟ قيل : إنّما لم يجمعوا ما كان من ذوات الواو على «فعول» ؛ لأنّه كان يؤدّي إلى الاستثقال ، ولا يؤدّي إلى ذلك إذا (٢) جمع على «فعال» ألا ترى أنّه لو جمع على «فعول» ؛ لكان يؤدّي إلى اجتماع واوين وضمّة ؛ نحو «ثووب ، وحووض» وذلك مستثقل لاجتماع واوين / وضمّة / (٣) وجوّزوا ذلك في الياء ؛ لأنّها أخفّ من الواو ، فكذلك خصّوا ما كان عينه واوا ب «فعال» ، وما كان عينه ياء ب «فعول».

[فعل وأفعل]

فإن قيل : فمن أين زعمتم أنّ «أفعلا» لا يكون إلّا في جمع «فعل» ؛ وقد قالوا : «زمن : وأزمن» فجمعوا «فعلا» بفتح العين على «أفعل»؟ قيل : إنّما قالوا : «زمن وأزمن» وإن كان القياس يوجب أن يقال : «أزمان» إلّا أنّه لمّا كان «زمن» في معنى «دهر» و «دهر» يجمع على «أدهر» فكذلك ـ أيضا ـ جمعوا زمنا على «أزمن» ؛ لأنّه في معناه ؛ كقوله (٤) : [الطّويل]

أمنزلتي مي سلام عليكما

هل الأزمن اللّائي مضين رواجع

[علّة جمع فعل على فعلان]

فإن قيل : فلم جمع ما جاء على «فعل» في الأغلب على «فعلان»؟ قيل : لأنّ «فعلا» مقصور من «فعال» وما كان على «فعال» فإنّه يجمع على «فعلان» ؛ نحو : «غراب وغربان ، وعقاب وعقبان» وكذلك (٥) ما كان مقصورا منه يجمع على «فعلان».

[علّة تحريك عين فعلة في الجمع]

فإن قيل : فلم وجب تحريك العين في «فعلة» بفتح الفاء وسكون العين في

__________________

(١) في (ط) وممّا.

(٢) في (ط) إذ.

(٣) سقطت من (ط).

(٤) القائل هو ذو الرّمّة : وقد سبقت ترجمته.

موطن الشّاهد : (الأزمن).

وجه الاستشهاد : مجيء «زمن» مجموعا جمع تكسير على وزن «أفعل» حملا على «دهر» و «أدهر» ؛ لأنّه بمعناه ، كما جاء في المتن.

(٥) في (س) فكذلك.

٢٤٧

الجمع ؛ نحو «جفنات ، وقصعات» وسكّنت في نحو : «خدلات ، وصعبات» / من فعلة / (١)؟ قيل : لأنّ «فعلة» بفتح الفاء ، وسكون العين تكون اسما غير صفة ؛ نحو : «جفنة ، وقصعة» وتكون صفة ؛ نحو : «خدلة ، وصعبة» فحرّكت العين منها إذا كانت (٢) اسما غير صفة ؛ نحو «جفنات ، وقصعات» للفرق بينهما وبين الصّفة ؛ نحو : «خدلات ، وصعبات».

[علّة كون الاسم أولى بالتّحريك من الصّفة]

فإن قيل : فلم كان الاسم أولى بالتّحريك من الصّفة وهلّا عكسوا ، وكان الفرق حاصلا؟ قيل : إنّما كان الاسم أولى بالتّحريك من الصّفة ؛ لأنّ الاسم أقوى وأخفّ ، والصّفة أضعف وأثقل ؛ (فلمّا كان الاسم أقوى وأخفّ ، والصّفة أضعف وأثقل) (٣) ؛ كان الاسم للتّحريك أحمل ؛ فأمّا قول (٤) الشّاعر : (٥) [الطّويل]

أبت ذكر ، عوّدن أحشاء قلبه

خفوقا ، ورفضات الهوى في المفاصل (٦)

فسكّن «رفضات» والأصل «رفضات» بالفتح لأجل ضرورة الشّعر.

[علّة كون العين المعتلّة من فعلة ساكنة في الجمع كالصّفة]

فإن قيل : فلم إذا كانت العين من «فعلة» معتلّة أو مضاعفة ، تكون ساكنة كالصّفة ؛ نحو : «عورات ، وبيضات وسلّات» وما أشبه ذلك؟ قيل : إنّما كانت ساكنة إذا كانت العين معتلّة ؛ لأنّ الحركة ، توجب ثقلا في الواو والياء ؛ فسكّنوهما هربا من ثقل الحركة عليهما ، وحرصا على تصحيحهما ، ومن العرب من يفتح الياء والواو ، فيقول : «عورات ، وبيضات» كما لو كان صحيح العين ،

__________________

(١) سقطت من (س).

(٢) في (ط) كان.

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (ط) قال الشّاعر.

(٥) لم ينسب إلى قائل معين.

(٦) المفردات الغريبة : رفضات الهوى : ربّما المراد اضطرابات المفاصل التي تنتاب العشّاق ، من ارفضّ الدّمع : إذا تفرّق ، وتتابع سيلانه ، وقطرانه.

أحشاء قلبه : أحشاء جمع «حشا» وهو ما اضطمّت عليه الضّلوع.

المفاصل : جمع «مفصل» وهو كلّ ملتقى عظمين في الجسد.

موطن الشّاهد : (رفضات).

وجه الاستشهاد : مجيء «رفضات» مسكّنة ؛ والقياس أن تأتي محرّكة «رفضات» للضّرورة الشّعريّة.

٢٤٨

وعلى هذه اللّغة قراءة من قرأ : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ)(١) بفتح الواو ؛ / و/ (٢) قال الشّاعر (٣) : [الطّويل]

أخو بيضات رائح متأوّب

رفيق بمسح المنكبين سبوح (٤)

وإنّما كانت ساكنة إذا كانت مضاعفة لئلّا يجتمع حرفان متحرّكان من جنس واحد ، وذلك مستثقل ، ألا ترى أنّك لو قلت في جمع : «سلّة : سللات ، وملّة : مللات ؛ لكان ذلك مستثقلا؟

[علّة جمع فعلة على فعلات]

فإن قيل : فلم جاز في جمع «فعلة» بضمّ الفاء وسكون العين ، ضمّ العين ، وفتحها ، وسكونها ؛ نحو : «ظلمة : وظلمات ، وظلمات ، وظلمات»؟ قيل : أمّا الضّمّ فللإتباع ؛ وأمّا الفتح ففرارا (٥) من اجتماع ضمّتين ؛ وأمّا السّكون فللتّخفيف ؛ كقولهم في «عضد : عضد».

[علّة جمع فعلة على فعلات]

فان قيل : فلم جاز في جمع «فعلة» بكسر الفاء ، وسكون العين ، كسر العين ، وفتحها ، وسكونها ؛ نحو : «سدرة : وسدرات وسدرات وسدرات»؟ قيل : أمّا الكسر فللإتباع ؛ وأما الفتح ففرارا (٦) من اجتماع الكسرتين ؛ وأمّا السّكون فللتّخفيف ؛ كقولهم في : «كتف : كتف» كما بيّنّا في جمع «فعلة» ، والألف والتّاء ، في / جميع / (٧) ذلك كلّه للقلّة عند بعض النّحويين ، ويحتجّون

__________________

(١) س : ٢٤ (النّور ، ن : ٥٨ ، مد).

(٢) سقطت من (ط).

(٣) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٤) المفردات الغريبة : بيضات : جمع بيضة ، والبيضة واحدة سواء أكانت بيضة الطّير أم بيضة الحديد ؛ ولا تحرّك ياؤها في الجمع إلّا في ضرورة الشّعر.

متأوّب : راجع ؛ ومثلها : الآيب.

السّبوح من الخيل : ما يسبح بيديه في جريه ، كناية عن سرعته.

موطن الشّاهد : (بيضات).

وجه الاستشهاد : جمع الشّاعر «بيضة» على «بيضات» على وزن «فعلات» والقياس أن يجمعها على «بيضات» بتسكين الياء ؛ للضّرورة الشّعريّة ؛ وذكر بعضهم أنّ فتحها على لغة هذيل التي تفتح العين في جمع «فعلة» صحيحا كان ، أو معتلا.

(٥) في (ط) فرارا.

(٦) في (ط) فرارا.

(٧) زيادة في (ط).

٢٤٩

بما روي عن حسّان بن ثابت (١) أنشد النّابغة (٢) قصيدته التي يذكر فيها : [الطّويل]

لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

فلم ير فيه اهتزازا ، فعاتبه على ذلك ؛ فقال له النّابغة : قد أخطأت في بيت واحد في ثلاثة مواضع ، وأغضيت عنها ، ثمّ جئت تلومني!! فقال له حسّان : / و/ (٣) ما تلك المواضع؟ فقال له :

الأوّل : أنّك قلت : الجفنات وهي تدلّ على عدد قليل ، ولا فخر لك أن يكون لك في ساحتك ثلاث جفنات أو أربع.

والثّاني : أنّك قلت : «يلمعن» واللّمعة بياض قليل ، فليس فيه كبير شأن.

والثّالث : أنّك قلت «يقطرن» والقطرة تكون للقليل ، فلا يدلّ ذلك على فرط نجدة ، وكان يجب أن تقول : «الجفان ويسلن» ؛ وهذا ـ عندي ـ ليس بصحيح ؛ لأنّ هذا الجمع يجيء للكثرة ، كما يجيء للقلّة ؛ قال الله تعالى : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ)(٤) والمراد به الكثرة لا القلّة ، والذي يدلّ على ذلك : أنّه جمع صحيح ، فصار بمنزلة قولهم «الزيدون ، والعمرون» (وكما أنّ قولهم : الزّيدون ، والعمرون) (٥) يكون للكثرة والقلّة ، فكذلك هذا الجمع ، وأمّا ما روى النّابغة وحسّان ، فقد كان أبو عليّ الفارسيّ (٦) يقدح فيه ، ولو صحّ ، فيحتمل أن يكون النّابغة قصد ذكر شيء يدفع عنه (٧) ملامة حسّان ، ويعارضها في الحال.

[علّة جواز الاكتفاء بجمع القلّة عن جمع الكثرة والعكس]

فإن قيل : فلم جاز أن يكتفى لله ببناء القلّة عن بناء الكثرة ، وببناء الكثرة

__________________

(١) حسّان بن ثابت الأنصاريّ ، شاعر النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وأحد مخضرمي الجاهليّة والإسلام ، وكان من المعمّرين ، عاش ستّين سنة في الجاهليّة ومثلها في الإسلام. قال فيه الأصمعي : «كان فحلا من فحول الجاهليّة ، فلمّا دخل الإسلام سقط شعره» ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٥٤ ه‍. طبقات فحول الشعراء ١ / ٥ ، والشّعر والشّعراء ١ / ٣٠٥.

(٢) سبقت ترجمته.

موطن الشّاهد : (الجفنات).

وجه الاستشهاد : احتجّ بعضهم بكون «الجفنات» على وزن «فعلات» جمعا يفيد القلّة ، وأنّ جمع الكثرة ل «الجفنة» : «جفان» على وزن «فعال» والصّواب ما ذكره المؤلّف في المتن ؛ لأنّها تأتي للقلّة وللكثرة.

(٣) سقطت من (ط).

(٤) س : ٣٤ (سبأ ، ٣٧ ، مك).

(٥) سقطت من (س).

(٦) سبقت ترجمته.

(٧) في (س) به.

٢٥٠

عن بناء القلّة؟ قيل : إنّما جاز أن يكتفى ببناء القلّة عن بناء الكثرة ؛ نحو : «قلم وأقلام ، ورسن وأرسان وأذن وآذان ، وطنب وأطناب ، وكتف وأكتاف ، وإبل وآبال» وأن يكتفى ببناء الكثرة عن بناء القلّة ؛ نحو : «رجل ورجال ، وسبع وسباع ، وشسع (١) وشسوع» ؛ لأنّ معنى الجمع مشترك في القليل والكثير ؛ فجاز أن ينوى بجمع القلّة جمع الكثرة ؛ لاشتراكهما في الجمع ، كما جاز ذلك في ما يجمع بالواو والنّون ؛ نحو : (الزّيدون) ، وجاز أن ينوى بجمع الكثرة جمع القلّة كما يجوز أن ينوى بالعموم الخصوص.

[علّة جمع ما كان رباعيّا على فعالل]

فإن قيل : فلم جمع ما كان رباعيّا على مثال واحد ، وهو مثال : «فعالل»؟قيل : لأنّ ما كان على أربعة أحرف لمّا كان أثقل ممّا كان على ثلاثة أحرف ، ألزم طريقة واحدة ، وزيدت الألف على واحده دون غيرها ؛ لأنّها أخفّ الحروف ؛ لأنّها قطّ لا تكون إلّا ساكنة.

[علّة حذف آخر الاسم الخماسيّ في الجمع]

فإن قيل : فلم حذف آخر ما كان خماسيّا في الجمع ؛ نحو : «سفرجل وسفارج»؟ قيل : إنّما وجب حذف آخر حروفه لطوله ، ولو أتي به على الأصل ، لكان مستثقلا ، فحذف طلبا للخفّة ، وكان الآخر أولى بالحذف ؛ لأنّه أضعف حروف الكلمة ؛ لأنّ الحذف في آخر الكلمة أكثر من غيره.

[علّة جواز جمع سفرجل على سفاريج ونحوه]

فإن قيل : فلم جاز أن يقولوا في جمع : «سفرجل : سفاريج» بالياء؟ قيل : لأنّهم لمّا حذفوا اللّام ، جعلوا الياء (٢) عوضا عن اللّام المحذوفة منه.

[علّة تعويضهم بالياء دون غيرها]

فإن قيل : فلم عوّض بالياء دون غيرها؟ قيل : لأنّ ما بعد ألف التّكسير مكسور ، فكأنّهم أشبعوا الكسرة ، فنشأت الياء ؛ وذلك ليس بثقيل ؛ فلهذا ، كانت الياء أولى من غيرها.

__________________

(١) الشّسع : أحد سيور النّعل ، وهو الذي يدخل بين الإصبعين.

(٢) في (س) التّاء ، والصّواب ما في المتن.

٢٥١

[علّة عدم حذف الزّيادة في الجمع إذا كانت رابعة]

فإن قيل : فلم حذفوا الزّيادة منه في الجمع ؛ إذا لم تقع رابعة ، ولم يحذفوها ، إذا وقعت رابعة؟ قيل : إنّما حذفوا الزيادة إذا لم تقع رابعة ؛ لأنّهم إذا حذفوا منه الحرف الأصليّ ؛ فالزائد أولى ، وإنّما لم يحذفوها إذا وقعت رابعة ؛ لأنّهم يجتلبون لها الياء قبل الطّرف (١) ، وإذا وجدت قبل الطّرف ، وهي من نفس الكلمة ، فينبغي ألّا تحذف ؛ لأنّها أولى بالثّبات من المجتلبة.

[علّة قلب الألف والواو في الجمع وإبقاء الياء على حالها]

فإن قيل : فلم قالوا في جمع : «مفتاح : مفاتيح ، وجرموق (٢) : جراميق» فقلبوا الألف والواو ، وأبقوا الياء على حالها؟ قيل : إنّما قلبوا الألف والواو ياء لسكونهما (٣) وانكسار ما قبلهما ، وأبقوا الياء على حالها ؛ لأنّ الكسرة / إذا كانت / (٤) توجب قلب الألف والواو ياء ، فلأن تبقى (٥) «الياء» على حالها ، كان ذلك من طريق الأولى ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) الظّرف ، والصّواب ما في المتن.

(٢) الجرموق : ما يلبس فوق الخفّ ؛ ليقيه من الطّين. القاموس المحيط : ٧٨٤.

(٣) في (ط) لسكونها.

(٤) سقطت من (ط) والسّياق يستوجبها.

(٥) في (ط) يبقى ، والصّواب ما أثبتنا.

٢٥٢

الباب الخامس والخمسون

باب التّصغير

[علّة ضمّ أوّل الاسم المصغّر]

إن قال قائل : لم ضمّ أوّل الاسم المصغّر؟ قيل لوجهين :

أحدهما : أنّ الاسم المصغّر يتضمّن المكبّر ، ويدلّ عليه ، فأشبه فعل ما لم يسمّ فاعله ، فكما بني أوّل فعل ما لم يسمّ فاعله على الضّمّ ، فكذلك أوّل الاسم المصغّر.

والوجه الثّاني : أنّ التّصغير لمّا صيغ له بناء ؛ جمع له جميع الحركات ، فبني الأوّل على الضّمّ ؛ لأنّه أقوى الحركات ، وبني الثّاني على الفتح تبيينا للضّمّة ، وبني ما بعد ياء التّصغير على الكسر في تصغير ما زاد على ثلاثة أحرف ، دون ما كان على ثلاثة أحرف ؛ لأنّ ما كان على ثلاثة أحرف ، يقع ما بعد الياء منه حرف الإعراب ، فلا يجوز أن يبنى على الكسر.

[علّة كون التّصغير بزيادة حرف]

فإن قيل : فلم كان التّصغير بزيادة حرف ، ولم يكن بنقصان حرف؟ قيل : لأنّ التّصغير قام مقام الصّفة ، ألا ترى أنّك إذا قلت في رجل : رجيل ، وفي درهم : دريهم ، وفي «دينار : دنينير ، قام «رجيل» مقام : رجل صغير ، وقام دريهم (١) مقام درهم صغير ، وقام دنينير مقام : دينار صغير ؛ فلمّا قام التّصغير مقام الصّفة ؛ وهي لفظ زائد ، جعل بزيادة حرف ، وجعل ذلك الحرف دليلا على التّصغير ؛ لأنه / قام / (٢) مقام ما يوجب التّصغير.

[علّة كون الزّيادة ياء ساكنة ثالثة]

فإن قيل : فلم كانت الزّيادة ياء ، ولم كانت ساكنة ، ولم كانت ثالثة؟ قيل :إنّما كانت ياء ؛ لأنّهم لمّا زادوا الألف في التّكسير ؛ والتّصغير / والتّكسير / (٣) من

__________________

(١) في (س) درهم.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) سقطت من (ط).

٢٥٣

واد واحد ؛ زادوا فيه الياء ؛ لأنّها (١) أقرب إلى الألف من الواو. وإنّما كانت ساكنة ثالثة ؛ لأنّ ألف التّكسير لا تكون إلّا كذلك.

[علّة حمل التّصغير على التكسير]

فإن قيل : فلم حمل التّصغير على التّكسير ، ومن أين زعمتم أنّهما من واد واحد؟ قيل : إنّما حمل التّصغير على التّكسير ؛ لأنّه يغيّر اللّفظ والمعنى ، كما أنّ التّكسير يغيّر اللّفظ والمعنى ، ألا ترى أنّك إذا قلت في تصغير «رجل : رجيل ... (٢) قد غيّرت لفظه بضمّ أوّله ، وفتح ثانيه ، وزيادة ياء ساكنة ثالثة ، وغيّرت معناه ؛ لأنّك نقلته من الكبر إلى الصّغر ، كما أنّك إذا قلت في تكسيره : «رجال» غيّرت لفظه بزيادة الألف ، وفتح ما قبلها ؛ وغيّرت معناه ؛ لأنّك نقلته من الإفراد إلى الجمع؟ ولهذا (٣) المعنى ؛ قلنا : إنّهما من واد واحد.

[علّة إلزام التّصغير طريقة واحدة]

فإن قيل : فلم ألزموا التّصغير طريقة واحدة ، ولم تختلف أبنيته كاختلاف أبنية التّكسير؟ قيل : لأنّ التّصغير أضعف من التّكسير ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «رجيل» فقد وصفته بالصّغر (٤) ، من غير أن تضمّ إليه غيره ، وإذا قلت : «رجال» فقد ضممت إليه غيره ، وصيّرت الواحد جمعا؟ فلمّا كان التّصغير أضعف من التّكسير في التّغيّر ، (وكان المراد به معنى واحدا ؛ ألزم طريقة واحدة ، ولمّا كان التّكسير أقوى من التّصغير في التّغيير) (٥) ويكون كثيرا وقليلا ، وليس له نهاية ينتهي إليها ؛ خصّ بأبنية تدلّ على القلّة والكثرة ؛ فلذلك (٦) اختلفت (٧) أبنيته.

[علّة حذف آخر الاسم الخماسيّ في التّصغير]

فإن قيل : فلم إذا كان الاسم خماسيّا ، يحذف آخر حروفه في التّصغير ؛ نحو : «سفرجل ، وسفيرج»؟ قيل : إنّما / وجب / (٨) حذف آخر حروفه في التّصغير ؛ لطوله على ما بيّنّا في / جمع / (٩) التّكسير ؛ لأنّ التّصغير يجري مجرى

__________________

(١) في (ط) لأنّه.

(٢) في (ط) زيادة «أنّك» قبل قد ، ولا ضرورة لها ، فلم نثبتها.

(٣) في (س) فلهذا.

(٤) في (ط) بالصّغير.

(٥) سقطت من (س).

(٦) في (ط) فكذلك.

(٧) في (ط) اختلف ، ولعلّه سهو من النّاسخ أو الطّابع.

(٨) سقطت من (س).

(٩) سقطت من (ط).

٢٥٤

التّكسير ؛ ولهذا ، يجوز فيه التّعويض ، فيقال : «سفيريج» كما قالوا في التّكسير : «سفاريج» ولهذا ـ أيضا ـ إذا كانت الزيادة غير رابعة ، حذفت ، وإذا كانت رابعة لم تحذف ، حملا للتّصغير على التّكسير ؛ لأنّ التّصغير والتّكسير من واد واحد.

فإن قيل : فلم ردّوا (١) التّاء في تصغير المؤنّث إذا كان الاسم ثلاثيّا ؛ نحو : «شمس وشميسة» ولم يردّوها إذا كانت على أربعة أحرف ؛ نحو : «زينب وزيينب»؟ قيل : إنّما ردّوا التّاء في التّصغير ؛ لأنّ التّصغير يردّ الأشياء إلى أصولها ، ألا ترى أنّهم قالوا في تصغير : «باب : بويب» وفي تصغير «ناب : نييب» فردّوا الألف إلى أصلها ؛ وأصلها في «باب» الواو ؛ لأنّك تقول في تكسيره : أبواب ، وبوّبت بابا ؛ وأصلها في «ناب» الياء ؛ لأنّك تقول في تكسيره ؛ «أنياب ، ونيّبت نابا (٢) ، (وفي الأمر منه : نيّب ، وفي الأمر من الأوّل : بوّب) (٣) ؛ فإذا كان التّكسير والتّصغير يردّان الأشياء إلى أصولها ؛ والأصل في نحو : «شمس» أن تكون بعلامة التّأنيث ، للفرق بين المذكّر والمؤنّث ؛ وجب ردّها في التّصغير ، واختصّ ردّ التّاء في الثّلاثيّ (٤) لخفّة لفظه. فأمّا الرباعيّ فلم تردّ (٥) فيه التّاء ؛ لطوله ، فصار الطّول بدلا من تاء التأنيث. فأمّا ما لم تردّ فيه التّاء في التّصغير من الثّلاثيّ ؛ فنحو قولهم في قوس : قويس ، وفي فرس : فريس ، وفي عرس : عريس (٦) ، وفي حرب : حريب ، وفي «ناب الإبل : نييب ، وفي درع الحديد : دريع : وأمّا ما أثبتوا فيه التّاء في التّصغير من الرّباعيّ ؛ فنحو قولهم في قدّام : قديديمة ، وفي وراء : وريّئة ، وفي أمام أميّمة ، فقد (٧) تكلّموا عليه ؛ فقالوا : إنّما لم تلحق (٨) التّاء في التّصغير ما (٩) كان ثلاثيا ؛ لأنّه أجري مجرى المذّكر ؛ لأنّه في معناه ، وذلك ؛ لأنّ «القوس» في معنى «العود» ؛ و «العرس» (١٠) ينطلق على المذكّر والمؤنّث ، والمذكّر هو الأصل ، فبقي لفظ تصغيره على أصله ، و «العرس» في معنى «التّعريس» و «الحرب» في الأصل : مصدر حربت حربا ؛ والمصدر في الأصل مذكّر ؛ و «النّاب» روعي فيها معنى النّاب الذي هو السّنّ ، وهو مذكّر ؛ لأنّها سمّيت به عند سقوطه ؛ و «درع

__________________

(١) في (ط) زادوا ، والصّواب ما أثبتناه من (س). (٢) في (س) في الأمر.

(٣) سقطت من (س). (٤) في (س) بالثّلاثي.

(٥) في (ط) يرد.

(٦) في (س) غرس : غريس.

(٧) في (س) وقد.

(٨) في (ط) يلحق.

(٩) في (ط) لما.

(١٠) في (س) الغرس.

٢٥٥

الحديد» في معنى الدّرع الذي هو القميص. وإنّما أثبتوا التّاء في التّصغير في ما كان رباعيّا ؛ نحو : «قديديمة ، ووريّئة ، وأميّمة» لوجهين :

أحدهما : أنّ الأغلب في الظّروف أن تكون مذكّرة ، فلو لم يدخلوا التّاء في هذه الظّروف ، وهي مؤنّثة ؛ لالتبست بالمذكّر.

والوجه الثّاني : أنّهم زادوا التّاء تأكيدا للتّأنيث ، ويحتمل ـ أيضا ـ وجها ثالثا ؛ وهو أنّهم أثبتوا التّاء تنبيها على الأصل المرفوض ، كما صحّحوا الواو في «العود» والحركة تنبيها على أنّ الأصل في باب : بوب ، ودار : دور ، وهو أصل مرفوض / و/ (١) على كلّ حال ، فكلا القسمين شاذّ ، لا يقاس عليه.

[علّة المخالفة بين الأسماء المبهمة والمتمكّنة في التّصغير]

فإن قيل : فلم خالفوا بين تصغير الأسماء المبهمة وما أشبهها وبين الأسماء المتمكّنة ؛ قالوا في تصغير : ذا : ذيّا ، وفي تا : تيّا ، وفي الذي : الّذيّا ، وفي : التي : الّتيّا؟ قيل : إنّما فعلوا ذلك جريا على أصول كلامهم في تغيّر (٢) الحكم عند تغيير (٣) الباب ؛ لأنّ الأسماء المبهمة لمّا كانت مغايرة للأسماء المتمكّنة ، جعلوا لها حكما غير حكم الأسماء المتمكّنة ؛ لتغايرهما ، فلم (٤) يضمّوا أوائلها في التّصغير ، كما فعلوا في الأسماء المتمكّنة ، وزادوا في آخرها ألفا ؛ ليكون علما للتّصغير ، كالضّمّة في أوائل الأسماء المتمكّنة ، وجوّزوا أن تقع (٥) ياء التّصغير فيها ثانية ؛ كقولهم في ذا : ذيّا ، وفي تا (٦) : تيّا.

[علّة عدم امتناع وقوع ياء التّصغير ثانية في الأسماء المبهمة]

فإن قيل : فلم لم يمتنع وقوع ياء التّصغير فيها ثانية ، كما امتنع في الأسماء المتمكّنة؟ قيل : إنّما لم يمتنع وقوع ياء التّصغير فيها ثانية ، كما امتنع في الأسماء المتمكّنة ؛ لأنّ أوائلها مفتوحة ، فلم يمتنع وقوع ياء التّصغير السّاكنة بعدها ، بخلاف الأسماء المتمكّنة ، فإنّ أوائلها مضمومة ، فيمتنع وقوع الياء السّاكنة بعدها.

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) في (ط) تغيير ، والصّواب ما أثبتناه من (س) لمناسبة السّياق.

(٣) في (س) تغيّر ، والصّواب ما في المتن.

(٤) في (س) ولم.

(٥) في (ط) يقع.

(٦) في (ط) تاء.

٢٥٦

[علّة زيادة الألف في الأسماء المبهمة في التّصغير]

فإن قيل : فلم زادوا الألف في آخرها علامة للتّصغير؟ قيل : إنّما حسّن زيادة الألف في آخرها علامة للتّصغير ؛ لأنّها أسماء مبنيّة ، فجعل في آخرها ألف ؛ لتكون على صيغة لا يتصوّر دخول الحركة التي هي آلة الإعراب عليه ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

٢٥٧

الباب السّادس والخمسون

باب النّسب

[علّة زيادة الياء المشدّدة المكسور ما قبلها في النّسب]

إن قال قائل : لم زيدت الياء في النّسب مشدّدة مكسورا ما قبلها ؛ نحو زيديّ ، وعمريّ ، وبغداديّ ، ومصريّ ونحو ذلك (١)؟ قيل : أوّلا إنّما كانت ياء تشبيها بياء الإضافة ؛ لأنّ النّسب في معنى الإضافة ؛ ولذلك ، كان المتقدّمون من النّحويّين يترجمونه ب «باب الإضافة» ؛ وكانت الياء مشدّدة ؛ لأنّ النّسب أبلغ من الإضافة ، فشدّدوا الياء ؛ ليدلّوا (٢) على هذا المعنى ؛ وكانت مكسورا ما قبلها توطئة (٣) لها.

[علّة حذف تاء التّأنيث في النّسب]

فإن قيل : فلم حذفوا تاء التّأنيث في النّسب ؛ نحو قولهم في النّسب إلى مكّة : مكّيّ ، ونحو ذلك؟ قيل : لخمسة أوجه :

أحدها (٤) : إنّها إنّما حذفت لئلّا تقع في حشو الكلمة وتاء التّأنيث ، لا تقع في حشو الكلمة.

والثّاني (٥) : أنّها إنّما حذفت لئلّا يؤدّي إلى الجمع بين تاءي (٦) التأنيث في النّسب إلى المؤنّث إذا كان المنسوب مؤنّثا ، ألا ترى أنّك إذا قلت في النّسب إلى الكوفة والبصرة في المذكّر : «رجل كوفتيّ ، وبصرتيّ» لقلت في المؤنّث : «امرأة كوفتيّة وبصرتيّة ؛ فلمّا كان / ذلك / (٧) يؤدّي إلى الجمع بين تاءي (٨) تأنيث في المؤنّث ؛ نحو : «كوفتيّة وبصرتيّة والجمع بين علامتي تأنيث في كلمة واحدة لا يجوز ؛ حذفوا التّاء من المذكّر ؛ لئلّا يجمعوا بين علامتي تأنيث في المؤنّث.

__________________

(١) في (س) وما أشبه ذلك.

(٢) في (س) لتدلّ.

(٣) في (س) توطيدا لها.

(٤) في (س) الوجه الأوّل.

(٥) في (س) والوجه الثّاني : إنّما.

(٦) في (ط) تاء.

(٧) سقطت من (ط).

(٨) في (س) علامتي.

٢٥٨

والثّالث : أنّها إنّما حذفت لأنّ ياءي (١) النّسب قد تنزّلا منزلة تاء التّأنيث في الفرق بين الواحد والجمع ؛ (ألا ترى أنّهم قالوا : روميّ وروم ، وزنجيّ وزنج ، ففرّقوا بين الواحد والجمع) (٢) بياء النّسب ، كما فرّقوا بتاء التّأنيث بين الواحد والجمع في قولهم : نخلة ونخل ، وتمرة وتمر ، فلمّا وجدت المشابهة بينهما من هذا الوجه ؛ لم يجمعوا بينهما كما لم يجمعوا بين علامتي تأنيث.

والرّابع : أنّها إنّما حذفت ؛ لأنّ هذه التّاء حكمها أن تنقلب في الوقف هاء ، فلمّا كانت تتغيّر ، ولا يمكن أن تجري على حكمها في أن تكون تارة تاء ، وتارة هاء ؛ كان حذفها أسهل عليهم.

والخامس : أنّ تاء التّأنيث بمنزلة اسم ضمّ إلى اسم ، ولو نسبت إلى اسم ضمّ إلى اسم ، لحذفت الاسم الثّاني ؛ فكذلك ـ ههنا ـ تحذف تاء التّأنيث.

[علّة حذف الياء من فعيلة وفعيلة في النّسب]

فإن قيل : فلم حذفت الياء من / باب / (٣) «فعيلة ، وفعيلة» ؛ نحو قولهم في النّسب إلى جهينة : جهنيّ ، وإلى ربيعة : ربعيّ دون باب : فعيل ، وفعيل ؛ نحو قولك في النّسب إلى : ثقيف ثقيفي (٤) وفي النّسب إلى هذيل : هذيليّ»؟ قيل : إنّما وجب حذف الياء في باب فعيلة ، وفعيلة دون باب فعيل ، وفعيل ؛ لأنّ باب «فعيلة ، وفعيلة» اجتمع فيه سببان موجبان للحذف ؛ وهما : طلب التّخفيف ، وتأنيس التّغيير بحذف (٥) تاء التّأنيث ، وباب «فعيل ، وفعيل» ليس فيه إلّا سبب واحد وهو طلب التّخفيف ، فلمّا كان في باب «فعيلة ، وفعيلة» سببان ؛ لزمه الحذف ، ولمّا كان في باب «فعيل ، وفعيل» سبب / واحد / (٦) لم يلزم الحذف.

[قلب الكسرة فتحة في النّسب في بعض الأسماء]

فإن قيل : فلم قالوا : «حنفيّ» بالفتح ، وإن كان الأصل هو الكسر (٧)؟

قيل : لأنّهم قلبوا الكسرة فتحة طلبا للتّخفيف ، كما قالوا في النّسب إلى شقر : شقريّ ، وإلى : نمر : نمريّ بالفتح ، وإن كان الأصل هو الكسر طلبا للتّخفيف ، ألا ترى أنّهم لو قالوا «شقريّ ، ونمريّ» بالكسر ؛ لأدّى ذلك إلى توالي

__________________

(١) في (س) ياء النّسب وقد تنزّلت. (٢) سقطت من (س).

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (س) ثقفيّ.

(٥) في (س) الحذف.

(٦) سقطت من (ط).

(٧) في (س) والأصل فيه الكسر.

٢٥٩

كسرتين ، بعدهما ياء مشدّدة ، وذلك مستثقل؟ فعدلوا عن الكسرة إلى الفتحة ، فقالوا : «شقريّ ؛ ونمري» فكذلك ههنا ؛ وكذلك قالوا في النّسب إلى «عليّ : علويّ» بالفتح ؛ لأنّهم لمّا حذفوا الياء الأولى التي هي ياء «فعيل» بقي على وزن «فعيل» (١) فأبدلوا (٢) من الكسرة فتحة ، فانقلبت الياء ألفا ؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فصار / على / (٣) ك «رحى ، وعصا» فقلبوا من الألف واوا ؛ فقالوا : «علويّ» كما قالوا «رحويّ وعصويّ».

[علّة قلب ألف رحى وعصا واوا]

فإن قيل : فلم وجب قلب ألف «رحى ، وعصا» واوا؟ قيل : إنّما وجب قلب الألف واوا ؛ لأنّها ساكنة ، والياء الأولى من ياءي (٤) النّسب ساكنة ، وساكنان لا يجتمعان ؛ فوجب فيها القلب ، وكان القلب أولى من الحذف ؛ لكثرة ما يلحق النّسب من التّغيير ، والتّغيير بالحذف أبلغ من القلب وأقوى ؛ فلذلك ، كان القلب أولى ، وكان قلب الألف واوا أولى من قلبها ياء ؛ لأنّها لو قلبت ياء ؛ لأدّى ذلك إلى اجتماع الأمثال ، ألا ترى أنّك لو قلت : رحييّ ، وعصييّ ؛ لأدّى ذلك إلى اجتماع ثلاث ياءات ، وذلك مستثقل؟ فعدلوا عن الياء إلى الواو ، لأنّها أبعد من اجتماع الأمثال.

[النّسبة إلى شج]

فإن قيل : فلم قالوا في النّسب إلى شج : شجويّ؟ قيل : لأنّهم أبدلوا من الكسرة فتحة للعلّة التي ذكرناها ، فانقلبت الياء ألفا ؛ لتحرّكها ، وانفتاح ما قبلها ؛ فالتحق بالمقصور نحو : عصا ، ورحى ؛ فقالوا فيه «شجوي» كما قالوا رحويّ ، وعصويّ.

[النّسبة إلى مغزى وقاض وعلّة ذلك]

فإن قيل : فلم قالوا في النّسب إلى مغزى ، وقاض : مغزيّ ، ومغزويّ ، وقاضيّ ، وقاضويّ؟ قيل : أمّا من قال : «مغزويّ» فأبدل ؛ فلأنّ الألف من نفس الكلمة ، فأبدل منها واوا ، كما أبدل في ما كان على ثلاثة أحرف ؛ نحو : «رحويّ / وعصويّ / (٥) ، وأمّا قاضويّ ، فأبدلت (٦) من الكسرة فتحة ، وقلبت الياء

__________________

(١) في (س) فعل.

(٢) في (ط) أبدلوا.

(٣) سقطت من (س).

(٤) في (ط) ياء.

(٥) سقطت من (ط).

(٦) في (س) فأبدل.

٢٦٠